خواطر محبوس( يوم الوفاء)

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
محمدمفتاح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 21
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 07, 2005 9:53 am

خواطر محبوس( يوم الوفاء)

مشاركة بواسطة محمدمفتاح »

بسم الله الرحمن الرحيم

من وراء الأسوار خواطر محبوس( يوم الوفاء)
كنت أود أن أسترسل في نشر خواطر عن رحلة الحج ومقاصدها الشرعية ومعانيها الروحية وآثراها الإيمانية لكن عرضت ذكرى في غاية الأهمية لبعدها التاريخي وامتدادها الفكري وأثرها السياسي في مسيرة الأمة الإسلامية منذ أن حدثت في الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة من الهجرة ( أي قبل وفاة خاتم الأنبياء ص وآله بشهرين وأربعة وعشرين يوماً ) حيث كانت هذه السنة قد شهدت توحد الجزيرة العربية واصطفاف معظم أبنائها تحت لواء التوحيد وامتداد نفوذ المسلمين إلى جزء من بلاد الشام وسيناء وبعض مناطق العراق وسواحل شرق أفريقيا ،و كان النبي (ص وآله) قد أرسل مبعوثَيه إلى كافة أرجاء الجزيرة العربية يبثون في الناس تعاليم الإسلام ويعمقون في نفوسهم معاني الإيمان ، ويقتلعون ما تبقى من مآثر الوثنية ويبددون ما عُلق في الأذهان من أرجاس الجاهلية وخرافاتها ، وكان النبي ( ص وآله ) يشعر باكتمال مهمته ودنو أجله فأراد أن يحشد صفوة المسلمين في مؤتمر جامع يقول لهم فيه كلمته الأخيرة ويزودهم بتوجيهاته ووصاياه الحكيمة ويقرر فيه قضايا كبيرة تهم مستقبل حياة البشرية ، ويبين دور هؤلاء السباقين إلى الإسلام وواجبهم في إبلاغ رسالته للبشرية جمعاء وإيصالها إليهم صافية نقية ، فأعلن في الأرجاء بأنه سيشهد موسم الحج بنفسه وأنه يدعو كل قادر أن يأتي إليه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وقد تم له (ص وآله ) ما أراد فاحتشد مايزيد على مئة وعشرين ألف وهو عدد هائل بمقياس ذلك الزمن ، وقد ذهل الناس لمستوى التنظيم والانضباط والسلاسة التي مر بها موسم الحج رغم هذا العدد الضخم من الناس الذي لم تشهد مكة مثلهم من قبل ، وحرص النبي (ص وآله) أن يكون قريباً من الناس مختلطاً بهم يسهل لهم الالتقاء به ومتابعته والتأسي به ، وقد ألقى إليهم قبل الحج بطائفة من التعاليم المبينة لمناسك الحج ، وقام فيهم عدة مرات واستقبل رؤساء الوفود وأكرم وفادتهم وبلغ المشهد ذروته يوم عرفة حيث ألقى النبي (ص وآله) كلمته الشهيرة التي سميت فيما بعد بخطبة الوداع تعرض فيها لأمور كثيرة وأنهاها بعبارته الشهيرة( ألا هل بلغت؟) فأجابته الحشود في تأثر كبير اللهم نعم ، فختم المقال بكلمته التي لا زال صداها يتردد في الكون ( اللهم فاشهد) !! وانقضت أيام الحج وبدأت الوفود تلتمس الإذن من رسول الله ليعودوا إلى بلدانهم وواقع حالهم أنهم لا يرغبون في مفارقة رسول الله لشدة حبهم له وإعجابهم به وانبهارهم بعظمته ، ولكنه ( ص وآله) رغب أن يصطحبهم معه في طريق عودته نحو المدينة لأمر ما . أفصح عنه عندما وصل الموكب العظيم منطقة الجحفة حيث كان اللقاء الأخير الذي تم فيه تكريم أحد ألمع رجالات الإسلام وعظماء البشرية إنه الرجل الذي كان حظه من التضحية أعظم الحظوظ ولم يقسم لأحد أن يضحي في الإسلام ومن أجله مثَّل هذا الرجل وأهل بيته أنه صاحب المواقف التي لا تنكر والمآثر التي لا تمحى ، إنه من هيأ الله له فرصة ما تهيأت لغيره من البشر ، إنه الشخص الذي آوى الله رسوله إلى أحضان أسرته بعد أن فقد والديه الكريمين وجده العظيم فتربى خاتم الأنبياء بينهم وتحت سقفهم إنه أسد الله وبطل الإسلام الأول ، إنه رمز الشجاعة والحلم والعلم والتسامح وسعة الصدر ، إنه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الذي كانت أمه فاطمة بنت أسد أماً لرسول الله ، وكانت تفضله على جميع أبنائها ، وما أحس معها يوماً بفقدان الأم وكان يدعوها أمه ويُكِن لها من الحب أعظمه ومن الوفاء أجله وأسماه وقد سمى أحب بناته إليه باسمها ، وعندما حضرتها الوفاة نزل فامتد في قبرها ودعا لها وبكى عليها وكفنها في ثوبه ، إن من يكرمه الله ورسوله في هذا اليوم هو علي بن أبي طالب الذي تربى في حجر رسول الله ، وكان بمثابة الابن الأثير له والأخ العزيز عنده ، وقد أخذه النبي (ص وآله) من والده صغيراً بعد أن أوُلع به لذكائه وفطنته ونجابته ومخايل العظمة التي تبدت عليه وأنى لنظرة حصيفة مثل نظرة رسول الله أن تخطئ ذلك أو تتخطاه . عندما بدأ الوحي كان علي (ع) يلازم رسول الله (ص وآله) ملازمة العود لظله ولا يطيق مفارقته وكان يذهب معه إلى غار حراء يتعبد بتعبده، وقد قال عن نفسه :( لقد كنت أتبع رسول الله إتباع الفصيل أثر أمه ) . وأكون معه حيث لايكون أحد غيري ، وكان يرفع لي كل يوم علماً من أخلاقه أقتدي به . لقد شهد علي أولى لحظات الوحي وما تقدمها من كرامات عظيمة لرسول الله (ص وآله) من تسليم الحجر والشجر عليه وتظليل الغمامة له ، ولقد أكرمه الله بما أكرم به رسوله فلم يسجد لصنم قط ، وعندما بدأت مرحلة الدعوة في مكة كان علي كرم الله وجهه العين الساهرة والأذن الأمينة لرسول الله يراقب تحركات عتاولة الشرك ويتتبع خطواتهم ويرصد ردود فعلهم تجاه رسول الله والمسلمين مستفيداً من صغر سنه ومسخراً كل مواهبه وقد أفاد من موقع أبيه كزعيم لمكة وسيد لقبيلة قريش قاطبة واستمر يؤدي دوره بتميز حتى لمع نجم الإسلام في مكة وسطع نوره وضاقت الدنيا على عتاولة الكفر فتشددوا في معاداة رسول الله والمسلمين وبني هاشم وعرضوا على أبي طالب أن يسعى لدى رسول الله لثنيه عن الدعوة إلى الإسلام وسينصبونه ملكاً عليهم ويجمعون له من المال حتى يكون أغناهم ويزوجونه بمن شاء من بناتهم ، ولما خابت مساعيهم لوحوا بالحرب ، وكان أبو طالب حليماً وقوراً بعيد النظر فكان يهدأهم ويداريهم حتى علم أنهم عزموا على قتل رسول الله ( ص وآله) هنالك انبرى يدافع عنه بلسانه وسيفه وحشد حوله بني هاشم وبني المطلب وقال لرسول الله إمض لتبليغ ما جئت به والله لن نسلمك حتى نُقتل دونك و نذهل عن أبنائنا والحلائل ومضى ينشد فيه أروع الأشعار وأقواها من مثل قوله في مدحه
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وقوله في التحدي لقريش :
هيهات أن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفيناً
ولمكانة أبي طالب وسيوف بني هاشم وبني المطلب تراجعت قريش ولجئوا إلى حصار المسلمين اقتصادياً وعزلهم اجتماعياً فحاصروهم في شعب أبي طالب واكتتبوا وثيقة بينهم أن لا يبيعوا للمسلمين ولا يبتاعوا منهم ولا يناكحوهم ولا يجالسوهم ، وفي وضع كهذا قاسى علي وأسرته أشد المقاساة وتصاعدت حالة العداء لرسول الله بعد موت أبي طالب وخديجة رحمهما الله واستشعر علي ضخامة الدور الذي يجب أن يقوم به نتيجة هذا الواقع الجديد ، وأذن رسول الله(ص وآله) لطائفة من المسلمين بالهجرة إلى الحبشة وعلى رأسهم أخوه جعفر بن أبي طالب فأحس علي بلوعة الفراق لجعفر ولكنها تهون في سبيل الله ، وجاءت الهجرة العظمى لرسول الله إلى المدينة المنورة فوقع اختياره (على أبي الحسن) لينام في فراشه ويفديه بنفسه وكلفه بأمور أخرى أن يرد ما تبقى من ودائع الناس عند رسول الله ، وأن يهاجر ببنات رسول الله وبقية نساء آل عبد المطلب ويرصد تحركات قريش وردة فعلهم حول هجرة رسول الله، وقد تقبل علي هذه المخاطر الرهيبة ببسالة وشجاعة منقطعة النظير ،وعندما تأسس مجتمع الإسلام الجديد في المدينة ابتداء من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار احتفظ رسول الله(ص وآله) بعلي لنفسه لأنه لن يسد أحد مسده وعندما بنى رسول الله (ص وآله) مسجده ، كان لعلي أهم ذكرى فيه حيث قال رسول الله(ص) لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار بعد أن قال عمار مازحاً يارسول الله قتلوني يحملوني لبنتين ويحملون لبنة لبنة . وبقي الناس يترقبون تحقق هذه النبوءة حتى حدثت فتنة معاوية فكان علي زعيم فئة الحق الداعية إلى الجنة بأمارة مقتل عمار معه وتحت رايته، و في مواقف الفضل والشرف كان علي يقف دائماً وقد شرفه الله بتزويجه من سيدة نساء العالمين ( فاطمة الزهراء سلام الله عليها ) وعند النشاط العسكري للمسلمين كان علي بطلهم الأول وفارسهم المشار إليه والمعول عليه إذا حمى الوطيس ولم يكن رسول الله يبعث سرية فيها علي إلا وأمره عليها اعتداداً بحنكته وشجاعته ،فقد شهد بدراً وجندل معظم جبابرة قريش حتى قال أحدهم وهل كانت بدر إلا لعلي وفقد فيها ابن عمه ابو عبيده ابن الحارث ابن عبد المطلب وشهد أحداَ وأبلى فيها أعظم البلاء ونافح عن رسول الله وأصيب بجراحات كثيرة وفقد فيها عمه الحمزة وجاءت غزوة الأحزاب فكان بطلها الأوحد وفارسها الأمجد ، حيث صرع جبار العرب عمرو ابن ود العامري وفر من كان قد اقتحم معه الخندق مثل عكرمة بن أبي جهل وخالد بن الوليد ولم يفكر الأحزاب بعدها في اقتحام الخندق حتى هزمهم الله وجاء صلح الحديبية وبيعة الرضوان ، فكان علي أول المبايعين وحامل راية المسلمين وكاتب صلح الحديبية ،وجاء فتح خيبر فكان الفتح على يديه بعد أن امتنعت خيبر وكاد المسلمون أن يرجعوا عنها وفيها شهد له رسول الله (ص وآله ) بأنه يحب الله ورسوله وبشره بأن الله يحبه ورسوله وماكان ذلك إلا له وجاءت غزوة مؤتة ففقد علي أخاه جعفر الذي أبلى أعظم البلاء واحتضن الراية بعضديه بعد أن فقد ذراعيه وضرب ببطولته المثل ،وجاء فتح مكة فلم يكن أحد أكثر حضوراً وأبرز من علي ،فقد كان صاحب راية المهاجرين،ثم ضم إليها راية الأنصار كما جاء في بعض الروايات ،واصعده النبي (ص وآله ) على منكبيه لتطهير الكعبة من بعض التماثيل وعندما أجارت أخته أم هانئ أحد أقارب زوجها وهو ابن عم أبي جهل فأراد علي قتله فقالت له لأشكونك إلى رسول الله ،فقال لها رسول الله (ص وآله ) "قد أجرنا من أجرت ياأم هانئ ولا تغضبي علياً ،فإن الله يغضب لغضبه ،وفي غزوة حنين وقف علي وعمه العباس وابن عمه أبو سفيان بن الحارث موقفاً بطولياً لامثيل له حتى رد الله الكافرين بغيظهم بعد أن انهزمت جموع المسلمين وفي غزوة تبوك أبقاه النبي (ص وآله )في المدينة ليتصدى لمكائد الكافرين الذين تخلفوا عن رسول الله ليتفرغوا لإثارة الفتنة بين المسلمين وتدبير المكيدة لهم، وقد بلغوا حداَ وصفه الله بقوله : ( لقد ابتغوا الفتنة وقلبوا لك الأمور ) ولم يكن لهم مثل علي كرم الله وجهه لم يطق مفارقة رسول الله خاصة وهو يذهب هذه المرة إلى أخطر غزوة في حياته لملاقاة جيش الإمبراطورية الرومانية المتغطرسة فحزن علي أشد الحزن ولحق برسول الله إلى بعض الطريق يلتمس منه الإذن بمرافقة قائلاَ : يا رسول الله أن المنافقين زعموا أنك انما خلفتني مع الأطفال والنساء استثقالاَ.
فقال له رسول الله : يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
وعندما قدم وفد نصارى نجران وجادلوا رسول الله في عيسى بن مريم ، نزلت آية المباهلة وهي قوله سبحانه تعالى :( أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...) سورة آل عمران الايات 59-61 فدعا رسول الله نصارى نجران للمباهلة وأخرج معه علي وفاطمة وحسناَ وحسيناَ أمتثالاَ لقول الله ( فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل...) الآية ، وفي السنة العاشرة بعثه رسول الله إلى اليمن فبهر الناس بحنكته وموهبته القيادية الفريدة ، واجتمع له روؤساء القبائل الفاعلة وفي مقدمتهم همدان مجتمعة ، وبايعوه على الطاعة لله ورسوله في المنشط والمكره وبلغ رسول الله ذلك فأشاد بهم وقال : السلام على همدان ،السلام على همدان ،
السلام على همدان ، وفي حجة الوداع قدم علي من اليمن على رأس وفدها إلى الحج وكان من أعظم الوفود فاستقبلهم رسول الله استقبالاَ حافلاَ وقال : أتاكم أهل اليمن ....) الحديث وكان في الوفد أبو برزة الأسلمي الذي شكى علياَ إلى رسول الله في أمر كرهه منه فكره رسول الله شكايته تلك حتى رؤي ذلك في وجهه وقال : يا أبا برزة أحبب علياَ فأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ) أو كما قال، وقد أكرمه الله بأن جعل ذرية رسول الله من نسله ونسل فاطمة الزهراء عليهما السلام، وقال في ذلك : ( كل رجل ذريته من صلبه إلا أنا فذريتي من صلب علي ) ، وكان المشركون قد عيروا رسول الله بأنه أبتر بعد موت أبنائه فعوضه الله من نسل فاطمة وأمرنا أن نصلي ونبارك على نبيه وعلى آله ، وقد أراد الله أن يختم النبي (ص) أكبر مؤتمر إسلامي في حياته بتكريم هذا البطل وفاءَ لتضحياته الجسيمة واعترافاَ بأدواره العظيمة ، ففي يوم الثامن عشر من ذي الحجة من سنة عشرة للهجرة وصل موكب رسول الله (ص) ومعه عشرات الآلاف إلى أطراف الجحفة ونزلوا على ضفاف غدير مجرى ماؤه في وادي خم ، هنالك أذَّن مؤذن رسول الله بالناس أن يجتمعوا وهيئ لهم مكان الاجتماع وقام فيهم رسول الله خطيباَ فذكر الله وأثنى عليه وذكر أموراَ كثيرة ثم قال : أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ؟؟ قالوا بلى يا رسول الله .
عندها أخذا بيد علي ورفعها أمامهم وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، ودعا له ولمن والاه وقال للناس ( إنما أنا رسول ربي يوشك أن أدعا فأجيب وأني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي أن اللطيف الخبير قد أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فنظروا كيف تخلفوني فيهما ) وقضى رسول الله مقالته تلك ولم يمكث بعدها إلا أياماَ يسيرة حتى ألمَّ به صداع استمر معه حتى أثقله مرض الموت بعد شهرين وأربعة وعشرين يوماَ فسلام الله عليه يوم ولد ويوم أوحى إليه ويوم توفاه الله ويوم يبعث شافعاَ مشفعاَ للعالمين وسلام الله على أخيه ووصيه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يقف إلى جوار رسول الله تحت راية الحمد وعلى حوض الكوثر سلام عليه في يوم الوفاء للتضحية وفي كل يوم إلى يوم الدين.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“