[]سئل العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، في ندوته الأسبوعية، حول الموقف الإسلامي من قضية الحب والكراهية، وخصوصاً في مسألة العلاقة مع الغرب؟ [/
الحرب على الإسلام دخلت في الاستراتيجيات السياسية والفكرية للغرب
فأجاب: "ينظر الإسلام إلى الإنسان ككائن تختلط فيه العاطفة بالعقل والروح بالجسد، وهذا يضفي على الإنسان خصوصية تميّزه عن سائر الكائنات، وعلى الرغم من أن العقل هو الميزان الأساسي لتقويم العواطف وتحديد الموقف منها، إلا أنّ ذلك لا يعني أن للإسلام موقفاً سلبياً من العاطفة، بل إنه يعتبر أن عمق العلاقة مع الآخر أو مع المبادىء والمفاهيم، يتجذّر أكثر من خلال حضور العنصر العاطفي وفاعليته. وعلى هذا الأساس اهتمّ الإسلام بالحبّ كعنصر فاعل في العلاقة بالإنسان الآخر، لتتحرك هذه العلاقة على ضوء المحبة، لنحب الذي نتفق معه فنتعاون معه. كما نحب الذي نختلف معه فنتمنّى له الخير والهداية ونعمل على انتزاع الشرّ والعداوة من قلبه، ليكون قلب الإنسان المسلم والمؤمن نابضاً بالمحبة اتجاه الآخر، لا بل اتجاه سائر الكائنات، وأن يمارس دوره الأساسي على مستوى الكون كله في صناعة الحب ونشر ثقافته في الأمم بديلاً من ثقافة الحقد والكراهية التي فتكت بالإنسان فأنتجت الدمار للإنسانية وللحياة كلها.
ومن هنا، فإننا نسجل ملاحظة كبيرة على بعض الدعوات الدينية التي تنشر الأحقاد بين الناس باسم الدين، مع أن الدين، كما ورد في الحديث الشريف، ليس سوى الحب وهو ـ أي الحب ـ القاعدة في النظرة إلى الآخر وفي العلاقات الإنسانية كلها، أما البغض والحقد فهو الاستثناء الذي يلغي القاعدة، وحتى هذا البغض الذي قد يكون مبرراً عندما يشعر الإنسان بضرورة تسجيل الموقف المضاد من الآخر المعادي له والذي يستخدم كل الأساليب الوحشية لقمعه، فإنه لا ينطلق على أساسٍ شخصي بل لأخذ الموقف من فكره وممارساته الخاطئة، فهو في الحقيقة ينظر إلى شخص الآخر بمحبة وإشفاق، ولكنه يبغض الشر الذي يمارسه ويصدر منه. ومن هنا رأينا كيف أن رسول الله(ص) كان يمثل محبة للعالمين، حتى إنه كان يتألم لأعدائه وللجهّال من قومه الذين واجهوه بكل أساليب العدوان وقد كان يدعو الله لهم قائلاً: {اللهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}، ولا يسمح للحقد أن يحكم علاقته بهم. ولذا صفح عنهم وترحّم عليهم عندما تمكّن منهم بعد فتح مكة، حيث قال كلمته الشهيرة: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تُصان الحرمة".
وفي ضوء ذلك، فإننا نجد أن الإسلام عندما أرسى علاقته مع الآخر على أسس العدل وقواعده، فإن ذلك يعني أن الإنسان كلما كان مؤمناً أكثر كلما طهّر قلبه من الأحقاد أكثر. وبذلك فهو القابل دائماً على الانفتاح على الآخرين بصرف النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو حتى السياسي، وهو لا يريد للمنتمين إليه أن يحبسوا أنفسهم داخل سور من العزلة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها، بل الانفتاح على الآخر بما يحفظ خصوصيته وعدم مصادرة خصوصيات الآخرين. ومن هنا، فإننا لا نجد مبرراً لكل هذه الحرب المسعورة على الإسلام والمسلمين في كثير من الدوائر الغربية، بزعم أن المسلمين ليس لهم قابلية الاندماج في المجتمعات الغربية، ما يفرض التعامل معهم على أساس العنف والكراهية. إن ذلك يمثل مجافاة للحقيقة ويرتكز على أحقاد تخفي الواقع المعقّد الذي يعيشه هؤلاء تجاه الإسلام، فيعمدون إلى تفسير بعض الظواهر الاجتماعية بطريقة سياسية تستهدف في الأساس محاربة الإسلام نفسه، بزعم أن مفاهيمه هي التي تنشر ثقافة العنف وتدفع المسلمين للتصادم الدائم مع الآخرين.
إن هذه الكراهية التي باتت تنبعث رائحتها في أوساط سياسية وحتى ثقافية غربية هي التي تُسهم في إذكاء روح العنف وحركة التطرف لدى بعض المسلمين الذين يتغذون من هذا الجو ويعيشون حال الإحباط واليأس، ما يدفعهم إلى أن ينطلقوا في أجواء الاعتراض التي قد تصل إلى مستوى الشغب أو الفوضى التي لا بد من معالجتها بمعالجة أسبابها، ولا يمكن أن تتم المعالجة بطريقة التفافية تعمل على مصادرة حقّ المسلمين بفهم القران وتفسيره كما يجري في أكثر من موقع غربي أو غيره في هذه الأيام.
إننا نريد أن ننبّه إلى خطورة ما يجري في هذا المجال، فلقد كان الكثيرون منّا يعتقدون أن القوم يريدون تغييراً في المناهج الدراسية الإسلامية في بعض الدول الإسلامية ليُصار إلى تقديم نصوص المحبة والسماح على نصوص الكراهية والعقاب للمجرمين والكافرين والمشركين، ولكن الواقع أنهم ذهبوا أبعد من ذلك كثيراً، حيث نراهم يعملون على تغيير الإسلام نفسه، وفرض تفسير وحيد لنصوص الإسلام والتلاعب بالمفاهيم الإسلامية وترويضها بما يخدم مصالحهم وخططهم السياسية في بلادنا أو خارجها. لقد كنا نقول ـ منذ البداية ـ بأننا مع التفاهم المستمر والتنسيق المتواصل بين الجاليات الإسلامية والدول الغربية بكل سلطاتها بما يضمن التعاون على أوسع نطاق، ولكننا بدأنا نلمس جدياً وجود حرب معلنة ضد الإسلام ومحاولة لاستلاب الإسلام من نفوس المسلمين.
إننا نريد للدول الغربية أن تحمي أمنها، ونريد للمسلمين أن يساهموا في حفظ الأمن العام للناس في أي موقع تواجدوا فيه انطلاقاً من العقود التي ألزموا أنفسهم بها منذ أن استضافتهم هذه البلاد، إلا أننا نرفض أن تتحول القوانين التي تحمل عنوان مكافحة الإرهاب في هذه الدولة وتلك إلى قوانين تحاكم الإسلام نفسه، ومن ثم وضع المسلمين بكاملهم في دائرة الاتهام حتى يثبت العكس. وقد بدأنا نلحظ في الآونة الأخيرة محاولات إسرائيلية للتماهي مع بعض الحالات الغربية بما يوحي للأوروبيين وغيرهم، بأن إسرائيل تقف في الموقف نفسه الذي يقفون فيه في مواجهة الحضارة الإسلامية، وأنها حاضرة لمحاكمة المفاهيم الإسلامية باسم محاكمة الأشخاص، لتكون المسألة في نهاية المطاف حرباً مفتوحة ضد الإسلام، وضد القرآن نفسه.
إننا نحذّر من النتائج المدمّرة لهذه السياسة العمياء، كما نحذر المسلمين من أن الحرب على الإسلام دخلت في صلب الاستراتيجيات السياسية والأمنية لكثير من الدول الغربية، والأخطر من ذلك أنها دخلت في الاستراتيجيات الفكرية والثقافية والأدبية لهذه الدول، فبتنا نستمع إلى "أوركسترا" سياسية ثقافية تعمل على الانتقام من الإسلام والتعامل مع المسلمين كمتوحشين ومتخلّفين، والأخطر من ذلك كله أننا غارقون في مشاكلنا المذهبية ومتاهاتنا الطائفية وانفعالاتنا السياسية، والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه علينا: متى ننظم أولوياتنا في حركة المواجهة بين من يعمل للاقتصاص منا على مستوى الانتماء للإسلام، وبين الذي نختلف معه في بعض التفاصيل والهوامش السياسية والثقافية والدينية؟".[/