القصيدة التائية المشهورة لــ دعبل الخزاعي
وقد أنشدها الشاعر دعبل الخزاعي بحضرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ،،،،
بكيتُ لرسمِ الدار من عَرَفاتِ *** وأذريتُ دمعَ العينِ بالعَبَراتِ
وفَكَّ عُرى صبري، وهاجت صَبابتي *** رسومُ ديارٍ قد عَفَت وعِراتِ
مدارسُ آياتٍ خَلَت من تلاوةٍ *** ومنزلُ وحيٍ مُقفِر العَرَصاتِ
لآلِ رسولِ الله بالخيفِ من مِنىً *** وبالركن والتعريف والجمَراتِ
ديار عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ *** وحمزةَ والسجّادِ ذي الثَّفِناتِ
منازل وحيِ الله.. يَنزِلُ بينَها *** على أحمدَ المذكورِ في السُّورات
منازل قومٍ يُهتدى بهداهمُ *** فتُؤمَنُ منهم زَلّةُ العَثَراتِ
منازل كانت للصلاةِ وللتُّقى *** وللصومِ والتطهيرِ والحسَناتِ
منازلُ.. جِبريلُ الأمينُ يَحِلُّها *** من الله بالتسليم والرَّحَماتِ
منازل وحيِ الله، مَعدِن علمِه *** سبيلُ رشادٍ واضح الطُّرُقاتِ
ديارٌ عفاها جورُ كلِّ مُنابذٍ *** ولم تَعفُ للأيام والسنواتِ
قِفا.. نسألِ الدارَ التي خَفَّ أهلها: *** متى عهدُها بالصومِ والصلواتِ ؟
وأين الأُلى شَطّت بهم غربةُ النوى *** أفانينَ في الآفاقِ مُفتَرِقاتِ ؟
همُ أهلُ ميراثِ النبيِّ إذا اعتزَوا *** وهم خيرُ ساداتٍ وخيرُ حُماةِ
وما الناسُ إلاّ غاصبٌ ومكذِّبٌ *** ومُضطغنٌ ذو إحنَةٍ وتِراتِ
فكيف يُحبّون النبيَّ ورهطَهُ *** وهم تركوا أحشاءهم وَغِراتِ ؟!
أفاطمُ.. قُومي يا ابنةَ الخير واندُبي *** نجومَ سماواتٍ بأرضِ فَلاةِ
قبورٌ بكوفانٍ، وأخرى بطيبةٍ، *** وأخرى بفَخٍّ.. نالَها صَلَواتي
وقبرٌ بأرضِ الجَوزَجانِ مَحِلُّهُ *** وقبر بباخَمْرى.. لدى الغُرباتِ
وقبر ببغدادٍ لنفسٍ زكيةٍ *** تَضمّنها الرحمنُ في الغُرُفاتِ
فأكمل له الإمام علي بن موسى الرضا البيتين التاليين
وقد قصد الإمام علي الرضا قبرة في قوله ( وقبرٌ بطوسٍ ) :-
وقبرٌ بطوسٍ.. يا لَها من مُصيبةٍ *** ألَحَّت على الأحشاءِ بالزَّفَراتِ
إلى الحشرِ.. حتّى يبعثَ اللهُ قائماً *** يُفرِّجُ عنّا الهمَّ والكُرُباتِ
وبعد بكاء دعبل الخزاعي ... تابع قصيدته بقوله :-
فأمّا المُمِضّاتُ التي لستُ بالغاً *** مبالغَها منّي بكُنهِ صفاتِ
قبورٌ بجنبِ النهرِ من أرضِ كربلا *** مُعَرَّسُهم فيها بشطِّ فُراتِ
تُوفُّوا عُطاشى بالفراتِ.. فليتَني *** تُوفِّيتُ فيهم قبلَ حينِ وفاتي
إلى اللهِ أشكو لَوعةً عند ذِكرِهم *** سَقَتني بكأسِ الثُّكلِ والفَظَعاتِ
أخافُ بأن أزدارَهُم فتَشوقَني *** مصارعُهم بالجزعِ فالنَّخَلاتِ
تَقسّمَهُم رَيبُ المَنونِ، فما تَرى *** لهم عُقوة مَغشيّة الحجراتِ
سوى أنّ منهم بالمدينة عُصبةً *** مدى الدهرِ أنضاءً مِن اللَّزَباتِ
قليلة زُوّارٍ.. سوى بعضِ زُوَّرٍ *** من الضُّبع والعِقبان والرّخَماتِ
لهم كلَّ يومٍ نَومةٌ بمَضاجِعٍ *** لهم، في نواحي الأرض مختلِفاتِ
سأبكيهمُ ما حَجَّ للهِ راكبٌ *** وما ناحَ قُمريٌّ على الشجراتِ
وإنّي لمَولاهم، وقالٍ عدوَّهم *** وإني لمحزونٌ بطولِ حياتي
أُحبُّ قَصيَّ الرحم من أجل حبّكم *** وأهجُر فيكم أُسرتي وبناتي
وأكتمُ حُبِّيكُم؛ مخافةَ كاشحٍ *** عنيدٍ، لأهلِ الحقِّ غيرِ مُواتِ
فياعينُ.. بَكِّيهم وجودي بعَبرةٍ *** فقد آنَ للتَّسكابِ والهمَلاتِ
لقد خِفتُ في الدنيا وأيامِ سعيها *** وإنّي لأرجو الأمنَ بعد وفاتي
ألَم تَرَ أنّي مذ ثلاثينَ حجّةً *** أروحُ وأغدو دائمَ الحسَراتِ ؟!
أرى فَيأهُم في غيرهم مُتَقسَّماً *** وأيديهمُ من فَيئهم صَفِراتِ
سأبكيهمُ ما ذَرَّ في الأرضِ شارقٌ *** ونادى مُنادي الخير بالصلواتِ
وما طَلَعت شمسٌ وحانَ غُروبُها *** وبالليل أبكيهم.. وبالغُدُواتِ
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غدٍ *** تَقَطَّع نفسي إثرَهُم حَسَراتِ
خروجُ إمامٍ، لا مَحالةَ خارجٌ *** يقوم على اسم الله والبركاتِ