ظاهـرة الجـمهوريات الوراثية في الوطن العربي

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
freedom
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 159
اشترك في: الثلاثاء مايو 03, 2005 7:22 am

ظاهـرة الجـمهوريات الوراثية في الوطن العربي

مشاركة بواسطة freedom »

...د. عبد الله الفقيه*

من بين 22 دولة عربية هناك ثمان دول تسيطر عليها أنظمة عائلية تمارس مع اختلاف الدرجة حكما استبداديا مطلقا يتم توارثه بين الذكور من أفراد الأسرة الحاكمة. وهناك دول تعاني من عدم الاستقرار السياسي إلى الحد الذي يصعب معه توصيف نظام الحكم فيها والتنبؤ بمستقبله. وبين هذه وتلك يوجد عدد من الدول تتطور نحو مايسمى بـ«الجمهوريات الوراثية» أو «الجملوكية» بحسب تعبير الكاتب العربي الكبير سعد الدين إبراهيم (اي نصف جمهورية ونصف ملكية).






وقد بدأت ظاهرة الجمهوريات الوراثية في سوريا حيث عملت النخبة الحاكمة في يونيو 2000 على نقل السلطة، بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد، الى نجله بشار. وفي العراق، انهار نظام صدام حسين الأسري والمناطقي والطائفي قبل أن يتمكن من توريث السلطة لأحد أبنائه. ويجري العمل، وفقا لسعد الدين إبراهيم، على قدم وساق لبناء العروش الجمهورية في مصر وليبيا واليمن. ومع أن وجود الأنواع الثلاثة من الدول (ملكية، غير مستقرة، وجملوكية) في المنطقة يثير العديد من الأسئلة التي يصعب الإجابة عليها إلا أن التركيز في هذا المقال هو على النوع الثالث. فظاهرة الجمهوريات الوراثية تثير الكثير من الجدل وذلك لأن الشرعية السياسية للانظمة الجمهورية ارتكزت إما على الثورة ضد المستعمر المحتكر للسلطة أو على الثورة ضد الحكم الملكي الوراثي، أو الإثنين معا.

طرق مختلفة والنتيجة واحدة

تختلف الأنظمة العربية في الطريقة التي يتم بها الإعداد لتوريث السلطة. في مصر مبارك حيث التطور السياسي والاجتماعي يفوق نظيره في الجمهوريات الوراثية المرشحة وحيث تم تحقيق قدر كبير من فصل السلطة عن البندقية او السيف عن القلم بحسب تعبير ابن خلدون، تتجه النخبة الحاكمة الى نقل السلطة من مبارك الذي يقترب عمره من الثمانين الى إبنه الأصغر جمال ليس عن طريق الباسه البيادة والميري ونقله بسرعة الضوء من مواطن الى قائد عسكري برتبة عالية بل عن طريق الحزب والمجتمع المدني.

لقد اتبعت النخبة الحاكمة في مصر في سعيها لنقل السلطة من مبارك الى جمال إستراتيجية من ثلاثة أبعاد. أولا، لم يتم تصعيد أي من أفراد النخبة الى موقع نائب الرئيس الذي مازال شاغرا وذلك حتى لايخلق مبارك وريثا قانونيا للعرش وفقا للتقليد الذي بدأه عبد الناصر (عين السادات نائبا له ليصبح رئيسا بعده) ثم سار عليه السادات من بعده (عين مبارك نائبا له ليصبح رئيسا بعد اغتيال السادات) وهو التقليد الذي أوصل مبارك نفسه الى السلطة. ثانيا، عدلت النخبة الحاكمة الآلية التي يتم من خلالها انتخاب رئيس الجمهورية بطريقة تضمن معها عدم ظهور منافس حقيقي لجمال في الانتخابات القادمة. واذا كانت النخبة قد سمحت للاحزاب في انتخابات عام 2005 الرئاسية ان تقوم بانزال مرشحين لمنافسة مبارك دون الحصول على تزكية لا يملكها سوى الحزب الوطني فإن الدستور قد قيد الانتخابات القادمة، التي من غير المحتمل ان يخوضها مبارك لكبر سنه، بحصول الراغب في الترشيح على تلك التزكية.

ثالثا، بدأت النخبة، وفقا لأحد المصادر، منذ عام 2000 حملة مستمرة لتلميع جمال في أعين العامة ولإظهاره كقائد لحركة شبابية تسعى الى التغيير. ولتحقيق ذلك تم تصعيد جمال في مؤتمر الحزب الوطني الحاكم لعام 2002 الى منصب السكرتير السياسي للحزب وهو الموقع الثالث في الهرم الحزبي، وتم تكليفه بمهمة إعادة بناء الحزب وتفعيل أعضائه وتطوير برنامجه، وهي مهمة تتيح لجمال أن يضع أعوانه في المواقع الحساسة في الحزب.

أما في العراق فقد عمل الرئيس صدام حسين قبل زوال نظامه على تركيز السلطة في أقاربه وبالذات ولديه قصي وعدي. صحيح أن التنافس (بل الصراع أيضا) بين الشقيقين ظل قائما على الوظيفة العليا في البلاد إلا ان الصحيح أيضا انها كانت مهيئة لأحدهما. وقد تولى قصي رئاسة الحرس الجمهوري وأشرف على وكالات الاستخبارات. أما عدي فقد تولى رئاسة اللجنة الاولمبية العراقية ونقابة الصحفيين واتحاد الادباء. ثم انتخب عدي عضوا في البرلمان العراقي. ولم يوقف خطط صدام لنقل السلطة الى أحد نجليه سوى الغزو الأمريكي للعراق والذي أطاح بحكم صدام وأقاربه وانهى بطريقة مأساوية حياة نجلي صدام قصي وعدي.

وعلى الحدود الشرقية لمصر، يسير القذافي وفقا لبعض المراقبين، على نفس خطى مبارك في إعداد نجله سيف الإسلام للسلطة، تماما كما سار على خطى مبارك في التطبيع مع أمريكا وكما سار من قبل على خطى عبد الناصر في الدعوة الى الوحدة العربية. ويبني سيف الإسلام، نجل العقيد القذافي، طموحه في الوصول الى السلطة على الأعمال التي يديرها وعلى علاقاته بعالم النفط.

أسباب التوريث

بدأت الأنظمة الجمهورية في العالم العربي حكمها، كما يقول سعد الدين إبراهيم في مقال بعنوان "فقه

الرئيس صالح يسير في الطريق الخطر المتمثل بتركيز السلطة والثروة في أسرته وأبناء قريته



الجملوكيات العربية»، «بدايات 'ثورية' واعدة بإنجاز كل الأحلام التاريخية للأمة: الوحدة العربية، وتحرير فلسطين، والحفاظ على الاستقلال الوطني، والعدالة الاجتماعية، والتقدم الاقتصادي،

والأصالة الحضارية. ولكن كلما طال الأجل بهؤلاء الرؤساء الجمهوريين في قمة السلطة، كلما تعاظم استبدادهم، واستشرى فسادهم، وجلبوا الخراب على بلادهم. بل أكثر من ذلك بدأ كل منهم بإعداد أحد أبنائه لوراثته في الحكم».

وهكذا فإن الطريقة التي تطورت بها الأنظمة الجمهورية في العالم العربي خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين يمكن ان تقدم تفسيرا لظاهرة التوريث. فقد أدت ظروف محلية وإقليمية ودولية إلى ظهور نخب سياسية حاكمة تتصف بالفساد والانتهازية وتتشبث بالسلطة بكل أنيابها وتمنع أي تحول في بنية السلطة مهما كان محدودا خوفا مما يمكن أن يقود اليه مثل ذلك التحول من تغيير في أشخاص الفاعلين داخل النظام ومن تهديد للمصالح غير المشروعة للنخب الحاكمة.

ووفقا لما سبق فإن التحول نحو نظام وراثي يبدو وكأنه تعبير عن مرحلة انحلال لنظام استنفد أغراضه وأثبت فشله في تحقيق أهدافه الجمهورية والثورية وأوصلته آلياته الى مرحلة أصبحت فيها الوراثة وليس التداول السلمي للسلطة هي النتيجة الطبيعية لنظام لايمكن له أن يحيى ويستمر إلا خارج الشرعية.

ويقدم الصحفي البريطاني براين ويتكر في مقال نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 28 أغسطس 2001 بعنوان «الجمهوريات الوراثية في الدول العربية» رؤية اكثر وضوحا لبروز ظاهرة الجمهوريات الوراثية حيث يذهب الكاتب الى القول بان القابضين على السلطة في الجمهوريات العربية يواجهون ثلاثة خيارات فيما يتعلق بانتقال السلطة بعد رحيل الحاكم الحالي: انتخابات حرة، دعم أحد أفراد النخبة، أو نقل السلطة الى نجل الرئيس.

بالنسبة للخيار الأول، الانتخابات الحرة، فيتم استبعاده لمعرفة النخب الحاكمة في الدول العربية بأن المواطن العربي لا يرى في تلك الأنظمة الحاكمة سوى الفساد وانعدام الفكاءة. وفي ظل ذلك الانطباع السلبي، فان الشعوب العربية اذا ما اعطيت الفرصة للتعبير عن ارادتها بحرية فإنها ستدير ظهرها لرموز النظام القائم. ولأن النخب الحالية الحاكمة، قيادة وقواعد، تدرك تلك الحقيقة فإنها بالتالي لا يمكن ان تدعم الاختيار الأول لأنه سوف يقود إما الى انهيار النظام المصلحي القائم أو الى إبدال المنتفعين بذلك النظام المصلحي بآخرين. وتقدم التجربة الجزائرية الدليل على أن أي تحول حقيقي نحو تبني خيار الانتخابات النزيهة كآلية لأنتقال السلطة سوف يؤدي في الأغلب الى هزيمة نكراء للنخب الحاكمة شبيهة بما قاسته جبهة التحرير الوطني في الجزائر.

أما خيار الدفع بأحد أفراد النخبة الى أعلى موقع في السلطة فإنه، من وجهة نظر النخب الحاكمة، قد يؤدي الى ظهور التنافس بين أفراد النخبة من جهة والى تقسيم تلك النخبة بعد رحيل الحاكم الحالي الى رابحين وخاسرين من جهة أخرى. ضف الى ذلك أن الرئيس الحالي قد يجد في الشخص المختار لخلافته تهديدا خطيرا له. ولاتخلو التجربة التاريخية من دروس وعبر تحاول النخب الجمهورية الحاكمة في الوطن العربي الاستفادة منها. فقد لجأ عبد الناصر، مثلا، في السنوات الأخيرة من حكمه الى اختيار محمد أنور السادات خلفا له لا لشيء ولكن لأن السادات كان أضعف حلقات النخبة العليا ولم يكن بالتالي يمثل تهديدا لناصر أو للطامحين الى الزعامة في المستقبل.

ورحل عبدالناصر عام 1970 ممسكا بجمرة الجمهورية وآلت السلطة من بعده لنائبه محمد انور السادات الذي كان ينتمي الى النخبة العسكرية التي نفذت انقلاب 23 يوليو عام 1952 تحت قيادة عبد الناصر. لكن الصراع الداخلي بين أفراد النخبة المصرية الحاكمة سرعان ماتفجر بين رئيس يسعى لفرض أفكاره ورجاله من جهة وبين نخبة تدافع عن مواقعها ومصالحها ورؤاها من جهة اخرى. ولم يكن هناك من طريقة لحسم الصراع سوى الطريقة القديمة: الفوز لفريق والخسارة للآخر.

وحدث أمر مشابه في الأردن. كان الملك حسين قد عين أخاه الأمير الحسن وليا للعهد قبل أكثر من 35 سنة لكن النخبة الحاكمة في الأردن عانت قبل رحيل الملك حسين بفترة قصيرة من تصدع حاد رأى معه بعض أفراد النخبة أن صعود الحسن الى السلطة سوف يمثل قضاء على مصالحهم ومستقبلهم السياسي. ولذلك رتبوا انقلابا ابيض ضد الأمير الحسن انتهى بنقل ولاية العهد فجأة وبشكل سريع الى عبد الله الثاني نجل الملك حسين.

ويبقى الخيار الثالث -خيار نقل السلطة من الرئيس الى ابنه- هو الأكثر جاذبية لأفراد النخبة لما يحمله من ضمان باستمرار النخبة الحالية والحفاظ على كل مكتسباتها. ويحقق خيار التوريث للإبن عدة اهداف للنخبة. أولا، يسهل على أفراد النخبة المقربة مناقشة الأمر مع الحاكم الحالي، دون الخوف من النتائج العكسية لذلك. ثانيا، يسهل على أفراد النخبة تهيئة الإبن للسلطة بحرية تامة وفرضه على أفراد النخبة الحاكمة ككل دون الخوف من أي معارضة داخلية. ثالثا، يؤدي صعود نجل الرئيس الى ضمان مصالح النخبة باعتبارها هي التي دعمت حكم أبيه وحكمه، ويمكنها بالتالي من ممارسة تأثير قوي على السلطة.

وهناك من يعطي العوامل الثقافية التأثير الأكبر في ظاهرة التوريث. يذهب خليل العناني، مثلا، في مقال له حول الخلافة السياسية في العالم العربي «يمكن الحصول عليه من موقع قناة الجزيرة» الى التأكيد على الدور الذي تلعبه «ثقافة الخوف العربية» في انتشار ظاهرة التوريث، وهو خوفه - بحسب العناني- من بطش الحاكم وانتقامه في حال معارضته من جهة، وخوف من التغيير ذاته من جهة أخرى. والخوف من بطش الحاكم واقع حقيقي في حياة الإنسان العربي لكنه لايفسر نزوع الحاكم نفسه الى التوريث في ظل نظام جمهوري. أما الخوف من التغيير فسمة فردية واجتماعية لكنه يصعب التأكد من حجم الدور الذي يلعبه الخوف من التغيير في ظاهرة التوريث.

ولا يمكن لأي محاولة لتفسير ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية ان تغفل الحديث عن بنية السلطة في البلدان العربية ودورها في تحول الأنظمة الجمهورية الى انظمة وراثية. فالسلطة في سورية واليمن ومن قبل ذلك في العراق ورغم محاولات اتباع سياسة التوازن تغلب عليها الأسرية والعشائرية والقبلية والمناطقية وربما الطائفية. فحافظ الأسد الذي حكم سورية بيد من حديد لثلاثة عقود (1970-2000) ومثل أحد أقطاب القومية العربية جعل همه الأساسي هو إبقاء السلطة داخل أسرته وطائفته العلوية برغم أن نسبة العلويين الى سكان سورية لاتتجاوز العشرة في المائة. وانتهج صدام حسين، رغم خطابه القومي، أسلوبا مشابها حيث جعل السلطة الحقيقية في تكريت-مسقط راسه. ويسير رئيس الجمهورية اليمنية علي عبدالله صالح على نفس الطريق الخطر الذي سار فيه قبله الرئيس حافظ الأسد في سوريا والرئيس صدام حسين في العراق حيث يقوم بتركيز السلطة والثروة في اسرته وفي ابناء قريته وبطريقة تتطابق معها خطوط توزيع السلطة والثروة مع خطوط التقسيم المناطقي والطائفي والقبلي والجغرافي للمجتمع اليمني.

وتلعب البيئة الإقليمية -التي تسيطر فيها إما أنظمة ملكية مطلقة أوجمهوريات في طريقها لأن تصبح وراثية- دورا هاما في تطمين النخب الحاكمة الى صواب توجهها وعقلانيته وحكمته. فالمثال السوري جعل النخبة الحاكمة في مصر أكثر علانية في خططها السياسية لنقل السلطة الى جمال مبارك. أما الأنظمة الملكية فتجد في التوجه الجديد داخل الدول الجمهورية برهانا جديدا على حكمتها وتميزها وبالتالي رافدا من روافد الشرعية لاستمراريتها.

ويلقي السياق التاريخي المزيد من الضوء على البيئة الإقليمية التي تشهد تحول الأنظمة من جمهورية الى وراثية. فقد مثل المد الجمهوري، بقوميته وتقدميته، تهديدا خطيرا للأنظمة الملكية في المنطقة العربية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وهو التهديد الذي دفع بالانظمة العربية الوراثية الى الإرتماء أكثر فأكثر في حضن الأجنبي بحثا عن الحماية. ومع أن حرب 1967 وجهت ضربة عنيفة للقومية العربية وللمد الجمهوري إلا أن التهديد ظل مستمرا. فانقسام الأنظمة السياسية في العالم العربي الى جمهورية وملكية كان من أهم العوامل التي غذت الصراع الإقليمي وشكلت العلاقة بين دول المنطقة بعضها ببعض من جهة وبين تلك الدول والعالمين الغربي والشرقي من جهة اخرى. وفي ظل التجربة التاريخية المشار اليها، تجد الأنظمة الملكية في العالم العربي أن من مصلحتها دعم توجه الأنظمة الجمهورية نحو التوريث حتى تقطع الطريق على الحركات المعادية لها و تخلق توافقا بين الأنظمة القائمة في المنطقة يزيل التهديد التاريخي لأمنها.

ولا تختلف البيئة الدولية عن نظيرتها الأقليمية في موقفها من مسألة التوريث. فالولايات المتحدة التي دعمت بقوة الأنظمة الملكية المطلقة في أشد فترات الصراع بينها وبين خصومها الجمهورين، دعمت أيضا حلفاءها من المتقنعين بالجمهورية. ولن تتردد الولايات المتحدة حتى وهي ترفع لافتة الديمقراطية في دعم الجمهوريات الوراثية حاضرا ومستقبلا اذا كان ذلك سيحافظ على مصالحها. ورغم أن أحداث ال11 من سبتمبر 2001 خلقت ظروفا محلية وإقليمية ودولية جديدة إلا أن تلك الظروف الجديدة لاترقى الى مستوى إحداث تغيير جذري يكفل سد الطريق أمام توريث السلطة في الجمهوريات العربية. ومن وجهة نظر البعض فإن المبدأ الامريكي القديم والذي يهتم بالكيفية التي يستخدم بها القادة العرب السلطة ويهمل الكيفية التي يحصلون بها على تلك السلطة مازال وسيظل هو المبدأ الأكثر عملية.

الظاهرة عالميا

لا يمكن بأي حال القول بأن ظاهرة توريث السلطة مقصورة على العالم العربي. فالنزعة الى التوريث تمثل انعكاسا لطبيعة انسانية وليست - كما قد يقول الكثير من المستشرقين - نتاجاً لصفة عرقية أولعقيدة معينة. فالتقدمية في كوريا الشمالية لم تمنع كيم ايل سونج الذي حكم كوريا الشمالية لحوالي نصف قرن (1945- 1994) من توريث الحكم لإبنه من بعده. وحدث أمر مشابه في أذربيجان حيث عمل الرئيس حيدر عالييف على نقل السلطة لإبنه الرئيس الحالي «الهام عالييف» عن طريق انتخابات شكلية اتسمت - بحسب العناني- بغياب الشروط الدنيا للنزاهة. وحتى الرئيس الكوبي فيدل كاسترو الذي تولى السلطة في بلاده كرئيس للوزراء عام 1959 ثم كرئيس للبلاد منذ عام 1976 يبدو متجها الى توريث السلطة لشقيقه رؤول الذي يشغل حاليا منصب القائد العام للقوات المسلحة. وحتى لا يتسرع البعض ويقفز الى القول بأن ظاهرة التوريث في الأنظمة الجمهورية ترتبط بظاهرة الاستبداد والاستحواذ السياسي ونمو نخبة تعيش على الفساد والإفساد، فإنه ينبغي الإشارة الى ان الهند وهي اكبر ديمقراطية سكانية على وجه الأرض قد جربت التوريث لقرابة اربعة عقود على الأقل.

الآثار المحتملة

في ظل الظروف المحلية والإقليمية والدولية في العالم العربي تحمل ظاهرة توريث السلطة -وعلى العكس من الحالة الهندية - الكثير من المخاطر. أولا، إنها تعيد عقارب الساعة الى الوراء وتؤسس إطارا للشرعية يخدم القوى الأنانية والانتهازية التي تسعى الى التشبث بمصالح غير مشروعة عن طريق البقاء في السلطة ولو كان ذلك على حساب حق الشعوب في اختيار حكامها وفي التنمية والتطور.

ثانيا، تؤدي الظاهرة الى ارتماء الحكام (الآباء والآبناء) في حضن الأجنبي. وهذا أمر ليس بجديد حيث لوحظ -مثلا- أن الأنظمة الملكية في الوطن العربي قد كانت خلال الخمسين سنة الماضية أكثر ارتباطا بالخارج ومصالح الخارج على حساب الداخل المحلي والإقليمي. ويتوقع البعض ان ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية ستزيد من اعتماد تلك الأنظمة على الخارج. وهناك من يرى مثلا ان التغيير المفاجىء في علاقة الرئيس الليبي معمر القذافي مع الغرب قد كان مدفوعا ولو جزئيا برغبة العقيد في توريث السلطة لنجله سيف الإسلام. وعلى عكس ماقد يتوقعه البعض فإن الوارثين للسلطة من الأبناء في الوطن العربي قد يصبحون أكثر اعتمادا وربما ارتهانا للخارج مما كان عليه اسلالهم.

ثالثا، تؤدي الظاهرة الى مزيد من الإضعاف لشرعية الأنظمة الجمهورية. ففي الأنظمة الجمهورية الموجودة في مصر واليمن وسوريا وتونس وليبيا وغيرها من الدول العربية تمثل الشرعية الثورية (الإطاحة بالملك أو الإمام، أو التخلص من الحكم الاستعماري، أو الاثنين معا) الأساس الذي يرتكز عليه الحكم. وبرغم الضعف الذي لحق بتلك الشرعية ولأسباب متعددة فإن الأنظمة التي تعد للتوريث تراهن، كما يبدو، على شرعية جديدة لم تتشكل بعد، هي شرعية الإنجاز وشرعية القاعدة الواسعة للنظام والقائمة على علاقة انتفاعية رأسية بين مختلف مستويات الحكم. ويؤكد استطلاع (لم تحدد منهجيته ولا الجهة التي قامت به) نفذ في الفترة المصاحبة لوفاة الرئيس حافظ الأسد وصعود إبنه الى السلطة ونشرت نتائجه في موقع اسلام اون لاين حقيقة ضعف الشرعية في الأنظمة الجمهورية العربية. فقد رأى 61.2% من الذين شملهم الاستطلاع أن «الأوضاع في المنطقة العربية لن يحدث بها أي تغير مع مجيء قيادات جديدة...» وأظهر الاستطلاع، الذي من الصعب تحديد مدى علميته، وجود حالة من الإحباط لدى الرأي العام العربي من إمكانية تغيير الحرس القديم، الذي يحكم الدول العربية منذ استقلالها في خمسينيات القرن الماضي. ورأى البعض ان خلافة الأبناء للآباء ستتم دون حدوث تغييرات او ستكون مصحوبة بتغييرات شكلية محضة. كما اظهر الاستبيان، وفقا للنتائج المنشورة، أن الجماهير العربية تنظر إلى القيادات السياسية الجديدة في المنطقة (في الأنظمة الملكية والجمهورية) والتي صعدت الى السلطة بالوراثة على أنها أقل كفاءة من سابقتها، التي خاضت معارك سياسية وعسكرية، سواء ضد الأعداء في الخارج أو الداخل.

رابعا، يؤدي توريث الحكم في رأس الدولة الى توريثه في كل مؤسسة وجهة وبالتالي إهدار معايير الكفاءة والتنافس والتوزيع العادل للوظائف بين الفئات الإجتماعية المختلفة، وإضعاف قدرة البلد على المنافسة وتحقيق التنمية. وتوضح التجربة اليمنية كيف ان سعي الرئيس صالح لتوريث السلطة لنجله قد قادت الكثير من مسئولي الدولة الى التوريث بطريقة او بأخرى.

خامسا، يؤدي توريث الحكم الى نقل السلطة الى اشخاص قد لا تتوفر فيهم الكفاءة. فالرئيس السوري بشار الأسد مثلا متخصص في طب العيون ومؤهله الوحيد - كما يرى البعض- هو كونه إبنا للرئيس الراحل حافظ الأسد. والأكثر من ذلك هو أن بشار لم يكن يهتم بالسياسة، وأنه وجد نفسه يخوض المعترك بعد وفاة أخيه الأكبر، والوريث المنتظر للرئاسة حينها، في حادث سيرعام 1994م.

سادسا، يؤدي التوريث، في النظم الجمهورية والملكية على السواء، الى تكريس النظام القديم بآلياته ومؤسساته ورجاله وبالتالي تجميد حركة الحياة في تلك المجتمعات. وإذا كانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت انتقال السلطة بالوراثة من الآباء الى الأبناء في كل من المملكة المغربية، البحرين، سوريا، والأردن، الإمارات، وقطر، فإن اسهامات جيل الشباب في احداث تحولات في بلدانهم، من وجهة نظر بعض المراقبين، قد كانت متواضعة.

سابعا، يؤدي التوريث في الجمهوريات العربية الى إضعاف مبدأ الدستورية وسيادة القانون والالتزام بما تسميه تلك الأنظمة "الثوابت الوطنية». ففي سوريا مثلا تم تعديل الدستور بين عشية وضحاها ليصبح شرط السن المنصوص عليه في الدستور مناسبا لسن بشار. وفي الجمهورية اليمنية تم تعديل الدستور من جديد في عام 2001 وذلك بعد مضي خمس سنوات فقط على تعديله للمرة الأولى وذلك بغرض التمديد لرئيس الجمهورية لعشر سنوات اخرى بعد ان كانت ولايته الدستورية على وشك النفاد في الوقت الذي ما يزال فيه نجله تحت السن القانونية التي حددها الدستور لمن يتولى رئاسة الجمهورية.

ثامنا، تؤدي ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية الى إعادة تأكيد دور العسكر في الحياة المدنية وعلى حساب دور السياسيين. ففي سورية مثلا وكجزء من خطة إعداد طبيب العيون بشار الأسد للرئاسة تم إدخاله الى الأكاديمية العسكرية وسرعان ما اصبح عقيدا في الجيش السوري في عام 1999. وفي اليمن ترك نجل الرئيس مقعده في البرلمان ليتم تعيينه قائدا للوحدات العسكرية التي تمثل صفوة الجيش اليمني.


--------------------------------------------------------------------------------

أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء

dralfaqih@yahoo.com

http://www.alwasat-ye.net/modules.php?n ... e&sid=1555

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“