بقلم/ حسن محمد زيد
> من الواضح أنه لا توجد حيثيات حقيقية للحكم الذي أصدره فضيلة القاضي نجيب القادري بحق المعتقلين/ يحيى حسين الديلمي ومحمد أحمد مفتاح، لأنه لا توجد قضية ومن باب الأولى جريمة يمكن أن تقترن باسميهما، فحياتهما وسلوكهما وشخصيتهما يمكن تلخيصها في أنهما ناشطان زيديان نذرا حياتهما ووجودهما وما يملكان لحماية المذهب الزيدي من الانقراض، بالتعريف به وتعليم فقهه ونشر آرائه، وشاركا في حث أتباعه على محاولة تنظيم جهودهم من خلال تأسيس جمعيات خيرية أو مؤسسات ثقافية أو مراكز تعليمية، ولأنهما نذرا حياتهما لله فقد كانا يهتمان لما يحدث لإخوانهم في الإنسانية والدين والقومية والوطن، لذلك استجابا لأية دعوة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني أو التعبير عن التعاطف مع الإخوة في العراق.
ولكن مشاركتهما كانت محسوبة عليهما رغم أن أية مشاركة منهما لم تكن تتم إلا إذا كانت مرخصة من قبل السلطات الأمنية المختصة، بل أكثر من ذلك لقد كان الداعي والمنظم لها هو في الحقيقة عناصر النظام وتحت رعاية المسئولين ولذلك كانت تغطى إعلامياً من الإعلام الرسمي.
وخلال أحداث مران التي استمرت حوالى 90 يوماً عاشا كغيرهما من أبناء الشعب القلق والحزن على ما يجري، إلا أن معاناتهما " لمكانتهما" العلمية في المجتمع الزيدي كانت أكبر؛ لأن علماءَ ودعاة الزيدية أقحموا في الصراع قبل انفجاره من خلال البيان الذي نُشر في الصحافة الرسمية باسم علماء الزيدية وتضمن التعليق على بعض ما نُسب إلى حسين بدر الدين الحوثي من آراء عن أصول الفقه والدين وعن مواقف علماء ورموز الزيدية، وأقحموا بصورة أكبر باتساع رقعة المواجهة خصوصاً - الإعلامية - التي طالت الزيدية كمذهب والتشيع عموماً في مقابل خصومهم ولعدم انحصارها في حسين بدر الدين بل طالت كل زيدي وكل شيعي ليس المعاصرين فحسب بل وعبر التأريخ، ووضع الزيدية على الأقل إعلامياً في سلة واحدة ودائرة اتهام لم يسلم منها حتى مَن جاهروا بالوقوف علناً مع النظام في حربه مع حسين بدر الدين، كالدكتور المرتضى زيد المحطوري،"
وكلما طال أمد الحرب يوماً زادت دائرة المواجهة اتساعاً.
وكانا معنيين بما يجري فكل ما ومن حولهما كرموز زيدية يطالبهما باتخاذ موقف للتعبير عن الرغبة في إيقاف الحرب والحد من تداعياتها بالإضافة إلى أن الواجب الشرعي يلزمهما بيان رأيهما حول شرعية استمرار الحرب كمبدأ بين الحكومة وبعض المواطنين، خصوصاً وقد قيل بأن علماء الزيدية هم مَن أفتى بوجوب القضاء على حسين بدر الدين الحوثي وجماعته من خلال - البيان المشهور - وحضورهم المتكرر إلى دار الرئاسة او اجتماعات جمعية العلماء التي كانت تفهم وكأنها تأييدٌ لاستمرار الحرب، وفي المقابل كانت الخشية قد بدأت من أن تتسرب أفكار متطرفة فتغزو عقول بعض شباب الزيدية لتزيين فكرة وجوب نصرة حسين بدر الدين الحوثي بتوسيع نطاق الحرب إلى أماكن أخرى خصوصاً بعد إقحام والده بدر الدين الحوثي في الصراع وهو من أكابر علماء الزيدية والذي شاع خبر عن رغبة بعض كبار القادة العسكريين المباشرين للحرب بالعمل على تصفيته والقضاء عليه، لهذا وغيره ونتيجة للضغوط وإحساسا بالواجب الشرعي استجاب الأخوين لدعوة وُجهت لهما باللقاء في مقيل مفتوح بمنزل صهر الأخ يحيى الديلمي، وخرجوا من المقيل بفكرة عمل اعتصام في مسجد الشوكاني عقب صلاة الجمعة، ولكن عليهم قبل ذلك التوجه للوالد العلامة حجة الإسلام والمسلمين _ كما يقول عنه الرئيس- محمد محمد المنصور لعرض الفكرة عليه، ورجح الكتابة أولاً للرئيس إيماناً منه بأن أية فعالية سلمية تطالب بإنهاء الحرب لا شك أنها تتفق ورغبة وإرادة الرئيس لأنه أحرص اليمنيين على تجنب أي صراع داخلي أو خارجي؛ لأن أي صراع مسلح يستنزف طاقات وإمكانيات الدولة والمجتمع ويسيء إلى سمعة اليمن في الخارج و يخيف المستثمرين ويضر بقطاع السياحة، كما أنه يضعف موقف اليمن في علاقاتها بالجيران والأصدقاء والخصوم على حد سواء، وقد أثبت الرئيس علي عبد الله صالح طوال فترة حكمه إدراكه لهذه الأبعاد، ولذلك حرص على تجنب أية أزمة تقود إلى صراع وعندما ينشب الصراع يبذل أقصى جهده في إخماده، وموقفه المعلن في هذه القضية لم يكن بعيداً عن أسلوبه المعتاد ولذلك حاول إيقاف القتال، إلا أن أمراء الحرب وسوء الفهم أفشلت كل المحاولات، ولكي يتمكن الرئيس من إيقاف الحرب كان بحاجة إلى دعم جماهيري لممارسة الضغط على من لهم مصلحة في تأجيجها وتوسيع رقعتها، إما بدوافع مذهبية أو سياسية أو مصالح مالية، وفعلاً أرسلت الرسالة بخط الوالد العلامة محمد محمد المنصور ووقع عليها معه الكثير من قيادات العمل السياسي منهم أمين عام التنظيم الوحدوي الناصري النائب سطان حزام العتواني ورئيس الدائرة السياسية محمد الصبري وعضو اللجنة المركزية د/عبد القدوس المضواحي ومحمد قحطان -رئيس الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح وأكثر قادة الحزب الإشتراكي أذكر منهم علي الصراري ويحيى منصور أبو أصبع وحسن محمد زيد -رئيس الدائرة السياسية بحزب الحق وعلي سيف حسن -رئيس منتدى التنمية السياسيةوعبد الله سلام الحكيمي
إلا أن ترجمتها للرئيس قدمتها له وكأنها تحميل السلطة المسؤولية وتطالبها بالتوقف عن الحرب مع أن مضمونها لا يحمل هذا المعنى ولا يقبله؛ لأن الرفض كان للحرب كمبدأ والدعوة لوقفها موجه لطرفي القتال لأنه لا توجد حرب مواجهه لها طرف واحد بل لا بد من طرفين وكان رد الرئيس .. وبناءً عليه ولتوضيح الموقف الداعي لوقف القتال والتحذير من توسيعها أقر بضرورة الاعتصام الذي كان الهدف والغاية منه حماية المجتمع كل المجتمع من الاقتتال انطلاقاً من الحرص على دم الجندي بنفس الحرص على دم المواطن.
إلا أن الاعتصام فسر وكأنه عمل عدائي موجه ضد السلطة، وعندما أدرك - يحيى الديلمي - هذه الحقيقة وافق بناءً على اتصال من وزير الداخلية نقل إليه من قبل حسن محمد زيد- كما جاء في محاضر جمع الاستدلالات عن وقف الاعتصام- فتقدم بنفسه لإعلان هذا القرار وعلق الاعتصام قبل أن ينعقد بقرار من يحيى الديلمي لأنه "" لم يرد"" ولم تكن نيته أن يسبب أي إزعاج للقيادة السياسية؛ لأن أي مسعى لوقف الحرب لا يمكن أن يوفق للنجاح إلا إذا كان المسعى مقبولاً من القيادة السياسية ويحظى بثقتها.
ويبدو أن أمراء الحرب استشعروا خطر هذا الجهد وخطر هذا التعقل والتفهم فسعوا إلى التحريض ضد يحي الديلمي ومن وقف موقفه وصوروا موقفهم وكأنه الخطر البالغ فتم اعتقاله يوم ٩/٩/2004، على خلفية الاعتصام كما اعتقل غيره ومنهم محمد أحمد مفتاح ومعهما المئات من كل المناطق اليمنية بعضهم أفرج عنهم والبعض الآخر ل يزال رغم صدور قرار العفو العام الذي أطلقه الرئيس وأكد عليه إلا أن الضغط الذي مارسه تلاميذ وعوائل يحيى ومحمد لإطلاقهما دفع الأجهزة إلى البحث عن تهمة لتقديمهما للمحاكمة.
مع أن قراءة سريعة للحكم ستجد أن الواقعة الوحيدة المجرمة بموجب نصوص الدستور والقانون هي واقعة حجز حرية الأخوين مفتاح والديلمي، وما ترتب عليها ونتج منها؛ لأن الوقائع المنسوبة إليها غير مجرمة بل أنها أفعال مباحة وواجبة، يتضح ذلك من خلال أبسط قراءة للدعوى ""قرار الاتهام"" ووقائع الجلسات وحيثيات الحكم.
فالتهمة الأولى مثلاً تضمنت واقعة زيارة سفارة دولة أجنبية واللقاء بسفيرها والملحق الثقافي ست مرات من قبل المعتقل الأول تحدث عنها المعتقل نفسه باعتبارها عملاً مباحأً أو أداءً لواجب ولم يخطر في باله كما لا يمكن أن يخطر في بال أحد أن زيارة سفارة استجابة لدعوة غداء أو حفلة تعارف مفتوحة في وجود آخرين وفي وضح النهار أو حضور حفل في فندق مع عشرات المدعوين أو للحصول على تأشيرة دخول لمريض للعلاج ""جريمة"" لأنه لا يوجد نص في القانون أو عرف أو تقليد يمنع من ذلك، ولم يصدر من أجهزة السلطة أو جهازها الإعلامي ما يوحي أن السلطة تحرم أو تمنع ذلك وتعاقب عليه، بل على العكس الظاهر أن هذا الفعل مطلوب ويشجع عليه بدليل تعامل أجهزة الإعلام الرسمية مع هذه المناسبات الإحتفالية، ولو كان ذلك جريمة لوجب محاكمة أغلب موظفي الدولة والعاملين في المجالات الاجتماعية ناهيكم عن السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. "
ولو كانت زيارة السفارة هي الجريمة لتم القبض عليهما عقب آخر زيارة من الزيارات أو على الأقل بعدها بفترة وجيزة، أي لما انتظرت الأجهزة حوالي ست سنوات على آخر زيارة بل وأكثر، وعدم تسمية السفارة والدولة في الدعوى الجزائية يدعو للغرابة فمن أين علم القاضي اسم السفارة مع أن المعتقلين دخلا أكثر من سفارة وقابلا أكثر من سفير كما جاء فيما نسب إليهما؟
والأكثر أن القاضي في الحكم كما جاء في الحيثيات لم يحكم بموجب دعوى النيابة، التي اعتبرت أن مجرد الزيارة لسفارة ما جريمة، بل حكم بناءً على حيثية أخرى لا علاقة لها بالزيارة أو اللقاء مع دبلوماسي أجنبي بدليل أنه برأ محمد أحمد مفتاح من تهمة الاتصال غير المشروع والتخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية...الخ مع أنه زار السفارة
ونص كلام القاضي في الحيثيات ما يلي:" وحيث أن المتهم الثاني قد نفى في أقواله السابقة على المحاكمة أن يكون المتهم الأول قد طلب دعماً من السفير الإيراني بحضور المتهم الثاني فإن أقوال المتهم الأول منفرداً دون أدلة قوية قاطعة أخرى تعززه غير للجزم بتوفر القصد الجنائي عند ارتكابه لفعل السعي - بركنه المادي للواقعة- مما يجعل واقعة السعي المسندة إليه منعدمة لانعدام قصده الجنائي ...."" ص66-76 من الحكم، و اعتبر لقاءات محمد مفتاح بالمحلق الثقافي مشروعة لأن محمد مفتاح بررها بعمله كصاحب مكتبة، واعتبرت المحكمة تبريره للزيارة إلى إيران معقولاً ومقبولاً.
فالزيارة للسفارة والتواصل مع الدبلوماسي ليس مجرماً ودعوى النيابة فيما يتعلق بالتهمة الأولى هي هذه، إلا أن القاضي اختلق واقعة لم تدعيها النيابة العامة ولا يوجد ما يدل عليها وهي طلب الدعم الذي تقدم به بحسب زعم القاضي المعتقل الأول يحيى الديلمي من السفير الإيراني بحضور محمد مفتاح والذي نفاه محمد مفتاح بدوره، أي أن الجريمة هي واقعة لم تسندها النيابة إلى أي من المتهمين المعتقلين وبالتالي لم تقدم دليلاً عليها، ولم تذكر في قرار الاتهام وبالتالي لا يمكن أن تثبت على المتهمين ولا يمكن أن ينسب لهما إنكارها لا واقعاً ولا حكماً.
وبالعودة إلى الحكم وبقراءة فاحصة له لم نجد لما نسبه القاضي للمعتقل يحيى الديلمي أي أصل، بل على العكس نجد أن النيابة العامة أثبتت نفي المعتقل يحيى الديلمي طلب الدعم من أية جهة خارجية أو الحصول عليه، وأكد على ذلك بقوله: " لم نحصل على أي دعم خارجي وإنما يتم الدعم لتغطية أعمالنا من خلال التبرعات التي نحصل عليها من شباب صنعاء ومن بعض التجار والتبرعات العينية الممثلة في طاقات البز....." ص17 وسمى أنشط قيادة فرع المؤتمر الشعبي بإمانة العاصمة مطهر تقي كأهم داعم للفعاليات"
وهنا يجب أن نقف لنصرخ بأعلى صوت أن من المعيب فعلاً أن يصل الأمر بقاضي إلى اختلاق وقائع ونسب أقوال ليس لها أصل فيما برز لديه وقدم أمامه!
من أين جاء القاضي بهذه الواقعة؟ هل التبس عليه الأمر فظن نفي المعتقل الديلمي لواقعة الدعم المالي إثبات ؟
الظاهر أن ذلك لم يحدث لأن السياق لا يساعد، زد على ذلك أنه لا يوجد في أقوال المعتقل الثاني محمد أحمد مفتاح أي ذكر لواقعة طلب يحي الديلمي للدعم من السفير وبالتالي لا يوجد نفي من محمد مفتاح بل أنها لم تكن مطروحة أصلاً.
والقارئ لما جاء في الحكم سيجد أن أقوال محمد مفتاح وبمعنى أدق المنسوبة إليه قد تليت من قبل النيابة في جلسة يوم الأحد 27 ذي الحجة 1425هـ الموافق 2005/2/6م، في غياب المعتقلين بعد أن قررت المحكمة إبعادهما من القاعة وحكمة عليهما بعقوبة الحجز الانفرادي لمدة أسبوع كما جاء في ص20 من الحكم، وسردت تلاوة النيابة أقوال محمد مفتاح نقلاً عن محضر جمع الاستدلالات المؤرخ2004/9/17 وبدأت بالسؤال "" أذكر لنا عدد الاجتماعات التي عقدتموها بخصوص الاعتصام "" ص20 من الحكم، وختمت في بداية ص27 بقوله "" وقد قمنا بحفر خنادق للشرب فقط "" س4 ص27، ولم يوجه له سؤال عن إن كان الديلمي طلب الدعم أمامه وبالتالي لم ينف ذلك، فمن أين جاء القاضي بهذه الواقعة ؟
على كل حال الثابت أنه لا يوجد فيما نسبته النيابة إلى المعتقلين أي سلوك مجرَّم وهذا ما حكمت به المحكمة فيما يتعلق بالتهمة الأولى كما قدمنا وبموجبه حكمت ببراءة المعتقل محمد أحمد مفتاح من هذه التهمة، وكما هو بين جلي فيما يتعلق بالتهمة الثانية ولأنها لم تجد في قرار النيابة والأدلة التي قدمتها النيابة ما يبرر الحكم على يحي الديلمي فقد اختلقت المحكمة من عندها واقعة جديدة لم تذكر في قرار الاتهام كما لم تذكر في محاضر جمع الاستدلالات أو محاضر تحقيقات النيابة.
الواقعة هي أن يحيى الديلمي قال أنه طلب الدعم من السفير الإيراني بحضور محمد مفتاح، ولا يمكن أن يكون يحيى الديلمي قد خص القاضي بهذه الواقعة؛ لأن القاضي كما هو ثابت في الحكم لم يدع أنه انفرد بالحديث مع يحي وسمع منه ذلك، كما أن القاضي لم يدع أنه حضر الجلسات التي سميت بمحاضر جمع الاستدلالات و التحقيقات، فمن أين جاء القاضي بهذا؟
لا يهم، المهم هو أن القاضي قد نسب هذا القول ( الجرم!!) إلى يحيى الديلمي منفرداً وجزم بعدم وجود أدلة قوية قاطعة أخرى تقرره، وحكم بأن ذلك غير كاف للجزم بتوفر القصد الجنائي.
وفي ص 6 من حيثيات الحكم ومنطوقة قال القاضي: " حيث أن من البين من أقوال المتهم الأول أنه تواصل مع سفير الدولة الإيرانية بصنعاء ذاهباً إليه ست مرات أحدها كانت دعوة على غداء طلب منه فيها الدعم بحضور المتهم الثاني"" وبالعودة الأقوال التي نسبت إلى يحيى الديلمي في محاضر جمع الاستدلالات عن زياراته للسفارة الإيرانية كما نقلت بالنص في الحكم نفسه ص16-17 نجد أولاً أنها مرة واحدة وليست ست مرات، ونستوحي من الإختلاف في العدد عدم الدقة وليس الكذب لأن العدد 1 أو 6 لا يترتب عليه أي أثر، وعدم الدقة توحي بأشياء كثيرة منها عدم احترام المحكمة لعقولنا واستهانتها بحياتنا، والأهم أنه إذا كانت لم تكلف نفسها عناء القراءة لتحديد العدد فكيف ستتحرى وتتأمل وتتمعن ما ورد عن هذه الزيارات؟ "
إن من لا يميز بين مرة وست مرات لا يمكن أن يقبل "" كشاهد"" فكيف يقبل كقاضي؟؟
إن من لا يدرك الفرق بين ذهب إلى السفير الأول مرة وللثاني مرتان وذهب إلى السفير ست مرات لا يمكن الوثوق بقدرته على الإدراك والفهم، فكيف يؤتمن على إصدار حكم بإعدام حياة؟ من أين جاء العدد "" 6 مرات""؟ من قرار النيابة إلا أن فضيلة القاضي لم يقرأه حتى بعناية لأن القرار كما جاء في ص2 من الحكم "" المتهم يحيى حسين الديلمي جاء في اعترافاته ومحاضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة ما يلي "" أنه ذهب إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات والتقى بسفيرها وكان من ضمن الحضور محمد مفتاح وقد تحدثوا في إحدى الزيارات عن وضع الزيدية في اليمن وأنها تعاني من نقص كبير في الاحتياجات ..الخ"".
النيابة تحكي نقلاً عن محاضر جمع الاستدلالات ذهاب يحيى الديلمي إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات والتقى بسفيرها مرة وكان ضمن الحضور محمد مفتاح والقاضي يقول: " إن البين من أقول المتهم الأول يحيى الديلمي أنه تواصل مع سفير الدولة بصنعاء ذاهباً إليه ست مرات". ص60 نفس الحكم. أي أن النيابة تستند إلى أقوال يحيى كما جاءت في محاضر جمع الاستدلالات والقاضي يدعي أنه تبين له من نفس الأقوال خلاف ذلك، إلا أن النيابة حددت مكان ذهاب يحيى الديلمي إلى سفارة دولة اجنبية ولم تسم السفارة وصرحت بأنه التقى بسفيرها ولكنها لم تبين عدد مرات لقاءه بالسفير فأجملت، ومرات اللقاء تحتمل من واحد إلى ست مرات والأقرب أن اللفظ ينصرف على مرة واحدة وهي التي حضرها محمد مفتاح، والسفارة غير السفير ومن لا يدرك ذلك لا يقبل كشاهد فيكف به قاضي؟؟
وبالعودة إلى محاضر جمع الاستدلال نجد أن يحيى الديلمي ذهب إلى السفارة مرة واحدة فقط وهي المتعلقة بطلب تأشيرة دخول إلى إيران للعلاج، فالنيابة لم تكن دقيقة في تضمين دلالة أقوال يحيى ولم تبذل أي جهد لقراءتها ومعرفة معناها ولهذا قالت "" أنه ذهب إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات"" مع أن المصدر الذي استندت إليه حصرها بزيارة واحدة فقط. "
إنه لم يذهب إلا مرة واحدة إن كان المقصود هي السفارة الإيرانية، والقاضي لم يسمع بشكل جيد قرار الاتهام ولم يطلع عليه، لأنه لو فعل لردد مع النيابة أن يحيى ذهب إلى السفارة ست مرات، كما أنه لم يستمع كقاضٍ إلى محاضر جمع الاستدلالات عند تلاوتها أمامه في الجلسة، هذا إن كانت قد تليت عليه فعلاً، لأنه لم يدرك أن أقوال يحيى الديلمي لا تتضمن ذهابه إلى السفير إلا مرة، السفير الأول في منزله مع المفتي، ومرتين السفير الجديد، مرة للغداء مع عدد كبير ومرة من أجل علي الشامي ومرتين قابل علي جمبز - ذهبا للمركز الإيراني - ومرة قابله في النهرين ومرة حضر حفل فندق سبأ، فكم مرة ذهب إلى السفارة ؟؟ مرة واحدة، وكم مرة قابل السفير؟ الأول مرة والثاني مرتين، فمن أين جاء العدد ست مرات؟ من عدم القراءة، من عدم الفهم، من عدم الدقة، من الاستهتار، من عدم الشعور بالمسؤولية.
وفي الحيثيات نجد أن القاضي كما ذكرت في ص61 قال أنه تبين من أقوال المتهم الأول أنه كان يتواصل مع شخص يد علي جمبز وهو موظف في السفارة الإيرانية، وكان تلفون كلاً منهما مع الآخر، وهذا القول منسوب في محاضر الاستدلالات إلى المتهم الثاني محمد مفتاح كما جاء في ص23 وسُئل أذكر لنا اسمَ الشخص الأجنبي الإيراني الموظف في السفارة بصنعاء والذي كان يتواصل معك بصورة شبه دائمة أو مستمرة، فأجاب بأن الشخص اسمه علي جمبز، وسُئل اشرح لنا طبيعة علاقتك بالمدعو علي جمبز وكيف تعرفت عليه، أجاب: تعرفت عليه في مكتبتي قبل أربع سنوات تقريباً وكان يأتي لشراء الكتب ...إلى أن يقول في ص24 وطلب رقم تلفون المكتبة وفعلاً أعطيته رقم تلفوني الشخصي وتلفون المكتبة....وبعد أن بعت المكتبة لم يعد يتواصل بي بالرغم من وجود رقمه معي ورقمي معه، ص24
فالقاضي في الحيثيات ومنطوق الحكم ينسب أقوال الثاني إلى الأول ولا يفرق بين السفارة والسفير والمركز الطبي الإيراني ويختلق وقائع لا أصل لها، ولا يحسن إدراك العدد ويؤكد على أن المعتقلين منكران للتهم، ولكنه يستند إلى أقوالهما التي لم يثبت صحة نسبتها إليهما أحد، وقد قال هو "" أن عبئ إثبات أي واقعة ترتب مسؤولية جزائية تقع على عاتق من يدعيها وفقاً لحكم المادة321/2 من قانون الإجراءات الجزائية فإن المحكمة قد ألزمت المدعي العام بإثبات ما يدعيه فاستدل بأقوال المتهمين في المرحلتين ... "
وهنا نسأل كيف أثبت له الادعاء العام أن هذه الأقوال هي أقوالهما؟ هل أقرا بصحة ما جاء فيها وأنها منهما برضاهما واختيارهما؟، هل كتبت هذه الأقوال بخط المتهمين؟، وهل يعرف القاضي خطهما؟، ألا يحتمل أن تزور عليهما؟، ألا يحتمل أنها ليست بخطيهما؟، ألا يحتمل أنها ليست أقوالهما؟، ألا يحتمل أن رئيس النيابة ووكيلها ضللا القاضي أو ضللاهما وأعطيت للقاضي محاضر جمع الاستدلالات لا علاقة لها بالمتهمين؟، لو كان ما تقدمه النيابة وتستدل به من أقوال في محاضر جمع الاستدلالات حجة قاطعة لا يقبل الشك فما وظيفة القاضي والمحكمة؟ ولماذا المحاكمة؟، ألتقرير العقوبة فقط؟، أليس كذلك؟.
ج1من مقال قراءة متأنية في حيثيات الحكم بحق العالمين الديلمي
ج1من مقال قراءة متأنية في حيثيات الحكم بحق العالمين الديلمي
آخر تعديل بواسطة حسن زيد في الخميس أكتوبر 27, 2005 3:04 am، تم التعديل مرة واحدة.
إن مع العسر يسرا،إن مع العسر يسرا
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2745
- اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
- اتصال:
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 30
- اشترك في: الاثنين أغسطس 15, 2005 10:57 pm
شكرا استاذ حسن
الموضوع ممتاز وفيه قراءه ممتازه ارجو من الكتاب والساسه ان يسيرو في ما سار به الاستاذ حسن زيد وليوفق الله الجميع علماً ان قد تم الاستغنا عن مدرسين ومدرسات في دار العلوم العليا وعددهم تقرباً 20 مدرس ومدرسه من المذهب الزيدي واحضار سلفيون من سوريا ؟؟؟؟
متى نصحا من غفلتنا والايام قادمه وتم التغيير باومر عسكريه ؟؟؟
متى نصحا من غفلتنا والايام قادمه وتم التغيير باومر عسكريه ؟؟؟
نقلاً عن البلاغ
بقلم/ حسن محمد زيد
> من الواضح أنه لا توجد حيثيات حقيقية للحكم الذي أصدره فضيلة القاضي نجيب القادري بحق المعتقلين/ يحيى حسين الديلمي ومحمد أحمد مفتاح، لأنه لا توجد قضية ومن باب الأولى جريمة يمكن أن تقترن باسميهما، فحياتهما وسلوكهما وشخصيتهما يمكن تلخيصها في أنهما ناشطان زيديان نذرا حياتهما ووجودهما وما يملكان لحماية المذهب الزيدي من الانقراض، بالتعريف به وتعليم فقهه ونشر آرائه، وشاركا في حث أتباعه على محاولة تنظيم جهودهم من خلال تأسيس جمعيات خيرية أو مؤسسات ثقافية أو مراكز تعليمية، ولأنهما نذرا حياتهما لله فقد كانا يهتمان لما يحدث لإخوانهم في الإنسانية والدين والقومية والوطن، لذلك استجابا لأية دعوة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني أو التعبير عن التعاطف مع الإخوة في العراق.
ولكن مشاركتهما كانت محسوبة عليهما رغم أن أية مشاركة منهما لم تكن تتم إلا إذا كانت مرخصة من قبل السلطات الأمنية المختصة، بل أكثر من ذلك لقد كان الداعي والمنظم لها هو في الحقيقة عناصر النظام وتحت رعاية المسئولين ولذلك كانت تغطى إعلامياً من الإعلام الرسمي.
وخلال أحداث مران التي استمرت حوالى 90 يوماً عاشا كغيرهما من أبناء الشعب القلق والحزن على ما يجري، إلا أن معاناتهما " لمكانتهما" العلمية في المجتمع الزيدي كانت أكبر؛ لأن علماءَ ودعاة الزيدية أقحموا في الصراع قبل انفجاره من خلال البيان الذي نُشر في الصحافة الرسمية باسم علماء الزيدية وتضمن التعليق على بعض ما نُسب إلى حسين بدر الدين الحوثي من آراء عن أصول الفقه والدين وعن مواقف علماء ورموز الزيدية، وأقحموا بصورة أكبر باتساع رقعة المواجهة خصوصاً - الإعلامية - التي طالت الزيدية كمذهب والتشيع عموماً في مقابل خصومهم ولعدم انحصارها في حسين بدر الدين بل طالت كل زيدي وكل شيعي ليس المعاصرين فحسب بل وعبر التأريخ، ووضع الزيدية على الأقل إعلامياً في سلة واحدة ودائرة اتهام لم يسلم منها حتى مَن جاهروا بالوقوف علناً مع النظام في حربه مع حسين بدر الدين، كالدكتور المرتضى زيد المحطوري،"
وكلما طال أمد الحرب يوماً زادت دائرة المواجهة اتساعاً.
وكانا معنيين بما يجري فكل ما ومن حولهما كرموز زيدية يطالبهما باتخاذ موقف للتعبير عن الرغبة في إيقاف الحرب والحد من تداعياتها بالإضافة إلى أن الواجب الشرعي يلزمهما بيان رأيهما حول شرعية استمرار الحرب كمبدأ بين الحكومة وبعض المواطنين، خصوصاً وقد قيل بأن علماء الزيدية هم مَن أفتى بوجوب القضاء على حسين بدر الدين الحوثي وجماعته من خلال - البيان المشهور - وحضورهم المتكرر إلى دار الرئاسة او اجتماعات جمعية العلماء التي كانت تفهم وكأنها تأييدٌ لاستمرار الحرب، وفي المقابل كانت الخشية قد بدأت من أن تتسرب أفكار متطرفة فتغزو عقول بعض شباب الزيدية لتزيين فكرة وجوب نصرة حسين بدر الدين الحوثي بتوسيع نطاق الحرب إلى أماكن أخرى خصوصاً بعد إقحام والده بدر الدين الحوثي في الصراع وهو من أكابر علماء الزيدية والذي شاع خبر عن رغبة بعض كبار القادة العسكريين المباشرين للحرب بالعمل على تصفيته والقضاء عليه، لهذا وغيره ونتيجة للضغوط وإحساسا بالواجب الشرعي استجاب الأخوين لدعوة وُجهت لهما باللقاء في مقيل مفتوح بمنزل صهر الأخ يحيى الديلمي، وخرجوا من المقيل بفكرة عمل اعتصام في مسجد الشوكاني عقب صلاة الجمعة، ولكن عليهم قبل ذلك التوجه للوالد العلامة حجة الإسلام والمسلمين _ كما يقول عنه الرئيس- محمد محمد المنصور لعرض الفكرة عليه، ورجح الكتابة أولاً للرئيس إيماناً منه بأن أية فعالية سلمية تطالب بإنهاء الحرب لا شك أنها تتفق ورغبة وإرادة الرئيس لأنه أحرص اليمنيين على تجنب أي صراع داخلي أو خارجي؛ لأن أي صراع مسلح يستنزف طاقات وإمكانيات الدولة والمجتمع ويسيء إلى سمعة اليمن في الخارج و يخيف المستثمرين ويضر بقطاع السياحة، كما أنه يضعف موقف اليمن في علاقاتها بالجيران والأصدقاء والخصوم على حد سواء، وقد أثبت الرئيس علي عبد الله صالح طوال فترة حكمه إدراكه لهذه الأبعاد، ولذلك حرص على تجنب أية أزمة تقود إلى صراع وعندما ينشب الصراع يبذل أقصى جهده في إخماده، وموقفه المعلن في هذه القضية لم يكن بعيداً عن أسلوبه المعتاد ولذلك حاول إيقاف القتال، إلا أن أمراء الحرب وسوء الفهم أفشلت كل المحاولات، ولكي يتمكن الرئيس من إيقاف الحرب كان بحاجة إلى دعم جماهيري لممارسة الضغط على من لهم مصلحة في تأجيجها وتوسيع رقعتها، إما بدوافع مذهبية أو سياسية أو مصالح مالية، وفعلاً أرسلت الرسالة بخط الوالد العلامة محمد محمد المنصور ووقع عليها معه الكثير من قيادات العمل السياسي منهم أمين عام التنظيم الوحدوي الناصري النائب سطان حزام العتواني ورئيس الدائرة السياسية محمد الصبري وعضو اللجنة المركزية د/عبد القدوس المضواحي ومحمد قحطان -رئيس الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح وأكثر قادة الحزب الإشتراكي أذكر منهم علي الصراري ويحيى منصور أبو أصبع وحسن محمد زيد -رئيس الدائرة السياسية بحزب الحق وعلي سيف حسن -رئيس منتدى التنمية السياسيةوعبد الله سلام الحكيمي
إلا أن ترجمتها للرئيس قدمتها له وكأنها تحميل السلطة المسؤولية وتطالبها بالتوقف عن الحرب مع أن مضمونها لا يحمل هذا المعنى ولا يقبله؛ لأن الرفض كان للحرب كمبدأ والدعوة لوقفها موجه لطرفي القتال لأنه لا توجد حرب مواجهه لها طرف واحد بل لا بد من طرفين وكان رد الرئيس .. وبناءً عليه ولتوضيح الموقف الداعي لوقف القتال والتحذير من توسيعها أقر بضرورة الاعتصام الذي كان الهدف والغاية منه حماية المجتمع كل المجتمع من الاقتتال انطلاقاً من الحرص على دم الجندي بنفس الحرص على دم المواطن.
إلا أن الاعتصام فسر وكأنه عمل عدائي موجه ضد السلطة، وعندما أدرك - يحيى الديلمي - هذه الحقيقة وافق بناءً على اتصال من وزير الداخلية نقل إليه من قبل حسن محمد زيد- كما جاء في محاضر جمع الاستدلالات عن وقف الاعتصام- فتقدم بنفسه لإعلان هذا القرار وعلق الاعتصام قبل أن ينعقد بقرار من يحيى الديلمي لأنه "" لم يرد"" ولم تكن نيته أن يسبب أي إزعاج للقيادة السياسية؛ لأن أي مسعى لوقف الحرب لا يمكن أن يوفق للنجاح إلا إذا كان المسعى مقبولاً من القيادة السياسية ويحظى بثقتها.
ويبدو أن أمراء الحرب استشعروا خطر هذا الجهد وخطر هذا التعقل والتفهم فسعوا إلى التحريض ضد يحي الديلمي ومن وقف موقفه وصوروا موقفهم وكأنه الخطر البالغ فتم اعتقاله يوم ٩/٩/2004، على خلفية الاعتصام كما اعتقل غيره ومنهم محمد أحمد مفتاح ومعهما المئات من كل المناطق اليمنية بعضهم أفرج عنهم والبعض الآخر ل يزال رغم صدور قرار العفو العام الذي أطلقه الرئيس وأكد عليه إلا أن الضغط الذي مارسه تلاميذ وعوائل يحيى ومحمد لإطلاقهما دفع الأجهزة إلى البحث عن تهمة لتقديمهما للمحاكمة.
مع أن قراءة سريعة للحكم ستجد أن الواقعة الوحيدة المجرمة بموجب نصوص الدستور والقانون هي واقعة حجز حرية الأخوين مفتاح والديلمي، وما ترتب عليها ونتج منها؛ لأن الوقائع المنسوبة إليها غير مجرمة بل أنها أفعال مباحة وواجبة، يتضح ذلك من خلال أبسط قراءة للدعوى ""قرار الاتهام"" ووقائع الجلسات وحيثيات الحكم.
فالتهمة الأولى مثلاً تضمنت واقعة زيارة سفارة دولة أجنبية واللقاء بسفيرها والملحق الثقافي ست مرات من قبل المعتقل الأول تحدث عنها المعتقل نفسه باعتبارها عملاً مباحأً أو أداءً لواجب ولم يخطر في باله كما لا يمكن أن يخطر في بال أحد أن زيارة سفارة استجابة لدعوة غداء أو حفلة تعارف مفتوحة في وجود آخرين وفي وضح النهار أو حضور حفل في فندق مع عشرات المدعوين أو للحصول على تأشيرة دخول لمريض للعلاج ""جريمة"" لأنه لا يوجد نص في القانون أو عرف أو تقليد يمنع من ذلك، ولم يصدر من أجهزة السلطة أو جهازها الإعلامي ما يوحي أن السلطة تحرم أو تمنع ذلك وتعاقب عليه، بل على العكس الظاهر أن هذا الفعل مطلوب ويشجع عليه بدليل تعامل أجهزة الإعلام الرسمية مع هذه المناسبات الإحتفالية، ولو كان ذلك جريمة لوجب محاكمة أغلب موظفي الدولة والعاملين في المجالات الاجتماعية ناهيكم عن السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. "
ولو كانت زيارة السفارة هي الجريمة لتم القبض عليهما عقب آخر زيارة من الزيارات أو على الأقل بعدها بفترة وجيزة، أي لما انتظرت الأجهزة حوالي ست سنوات على آخر زيارة بل وأكثر، وعدم تسمية السفارة والدولة في الدعوى الجزائية يدعو للغرابة فمن أين علم القاضي اسم السفارة مع أن المعتقلين دخلا أكثر من سفارة وقابلا أكثر من سفير كما جاء فيما نسب إليهما؟
والأكثر أن القاضي في الحكم كما جاء في الحيثيات لم يحكم بموجب دعوى النيابة، التي اعتبرت أن مجرد الزيارة لسفارة ما جريمة، بل حكم بناءً على حيثية أخرى لا علاقة لها بالزيارة أو اللقاء مع دبلوماسي أجنبي بدليل أنه برأ محمد أحمد مفتاح من تهمة الاتصال غير المشروع والتخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية...الخ مع أنه زار السفارة
ونص كلام القاضي في الحيثيات ما يلي:" وحيث أن المتهم الثاني قد نفى في أقواله السابقة على المحاكمة أن يكون المتهم الأول قد طلب دعماً من السفير الإيراني بحضور المتهم الثاني فإن أقوال المتهم الأول منفرداً دون أدلة قوية قاطعة أخرى تعززه غير للجزم بتوفر القصد الجنائي عند ارتكابه لفعل السعي - بركنه المادي للواقعة- مما يجعل واقعة السعي المسندة إليه منعدمة لانعدام قصده الجنائي ...."" ص66-76 من الحكم، و اعتبر لقاءات محمد مفتاح بالمحلق الثقافي مشروعة لأن محمد مفتاح بررها بعمله كصاحب مكتبة، واعتبرت المحكمة تبريره للزيارة إلى إيران معقولاً ومقبولاً.
فالزيارة للسفارة والتواصل مع الدبلوماسي ليس مجرماً ودعوى النيابة فيما يتعلق بالتهمة الأولى هي هذه، إلا أن القاضي اختلق واقعة لم تدعيها النيابة العامة ولا يوجد ما يدل عليها وهي طلب الدعم الذي تقدم به بحسب زعم القاضي المعتقل الأول يحيى الديلمي من السفير الإيراني بحضور محمد مفتاح والذي نفاه محمد مفتاح بدوره، أي أن الجريمة هي واقعة لم تسندها النيابة إلى أي من المتهمين المعتقلين وبالتالي لم تقدم دليلاً عليها، ولم تذكر في قرار الاتهام وبالتالي لا يمكن أن تثبت على المتهمين ولا يمكن أن ينسب لهما إنكارها لا واقعاً ولا حكماً.
وبالعودة إلى الحكم وبقراءة فاحصة له لم نجد لما نسبه القاضي للمعتقل يحيى الديلمي أي أصل، بل على العكس نجد أن النيابة العامة أثبتت نفي المعتقل يحيى الديلمي طلب الدعم من أية جهة خارجية أو الحصول عليه، وأكد على ذلك بقوله: " لم نحصل على أي دعم خارجي وإنما يتم الدعم لتغطية أعمالنا من خلال التبرعات التي نحصل عليها من شباب صنعاء ومن بعض التجار والتبرعات العينية الممثلة في طاقات البز....." ص17 وسمى أنشط قيادة فرع المؤتمر الشعبي بإمانة العاصمة مطهر تقي كأهم داعم للفعاليات"
وهنا يجب أن نقف لنصرخ بأعلى صوت أن من المعيب فعلاً أن يصل الأمر بقاضي إلى اختلاق وقائع ونسب أقوال ليس لها أصل فيما برز لديه وقدم أمامه!
من أين جاء القاضي بهذه الواقعة؟ هل التبس عليه الأمر فظن نفي المعتقل الديلمي لواقعة الدعم المالي إثبات ؟
الظاهر أن ذلك لم يحدث لأن السياق لا يساعد، زد على ذلك أنه لا يوجد في أقوال المعتقل الثاني محمد أحمد مفتاح أي ذكر لواقعة طلب يحي الديلمي للدعم من السفير وبالتالي لا يوجد نفي من محمد مفتاح بل أنها لم تكن مطروحة أصلاً.
والقارئ لما جاء في الحكم سيجد أن أقوال محمد مفتاح وبمعنى أدق المنسوبة إليه قد تليت من قبل النيابة في جلسة يوم الأحد 27 ذي الحجة 1425هـ الموافق 2005/2/6م، في غياب المعتقلين بعد أن قررت المحكمة إبعادهما من القاعة وحكمة عليهما بعقوبة الحجز الانفرادي لمدة أسبوع كما جاء في ص20 من الحكم، وسردت تلاوة النيابة أقوال محمد مفتاح نقلاً عن محضر جمع الاستدلالات المؤرخ2004/9/17 وبدأت بالسؤال "" أذكر لنا عدد الاجتماعات التي عقدتموها بخصوص الاعتصام "" ص20 من الحكم، وختمت في بداية ص27 بقوله "" وقد قمنا بحفر خنادق للشرب فقط "" س4 ص27، ولم يوجه له سؤال عن إن كان الديلمي طلب الدعم أمامه وبالتالي لم ينف ذلك، فمن أين جاء القاضي بهذه الواقعة ؟
على كل حال الثابت أنه لا يوجد فيما نسبته النيابة إلى المعتقلين أي سلوك مجرَّم وهذا ما حكمت به المحكمة فيما يتعلق بالتهمة الأولى كما قدمنا وبموجبه حكمت ببراءة المعتقل محمد أحمد مفتاح من هذه التهمة، وكما هو بين جلي فيما يتعلق بالتهمة الثانية ولأنها لم تجد في قرار النيابة والأدلة التي قدمتها النيابة ما يبرر الحكم على يحي الديلمي فقد اختلقت المحكمة من عندها واقعة جديدة لم تذكر في قرار الاتهام كما لم تذكر في محاضر جمع الاستدلالات أو محاضر تحقيقات النيابة.
الواقعة هي أن يحيى الديلمي قال أنه طلب الدعم من السفير الإيراني بحضور محمد مفتاح، ولا يمكن أن يكون يحيى الديلمي قد خص القاضي بهذه الواقعة؛ لأن القاضي كما هو ثابت في الحكم لم يدع أنه انفرد بالحديث مع يحي وسمع منه ذلك، كما أن القاضي لم يدع أنه حضر الجلسات التي سميت بمحاضر جمع الاستدلالات و التحقيقات، فمن أين جاء القاضي بهذا؟
لا يهم، المهم هو أن القاضي قد نسب هذا القول ( الجرم!!) إلى يحيى الديلمي منفرداً وجزم بعدم وجود أدلة قوية قاطعة أخرى تقرره، وحكم بأن ذلك غير كاف للجزم بتوفر القصد الجنائي.
وفي ص 6 من حيثيات الحكم ومنطوقة قال القاضي: " حيث أن من البين من أقوال المتهم الأول أنه تواصل مع سفير الدولة الإيرانية بصنعاء ذاهباً إليه ست مرات أحدها كانت دعوة على غداء طلب منه فيها الدعم بحضور المتهم الثاني"" وبالعودة الأقوال التي نسبت إلى يحيى الديلمي في محاضر جمع الاستدلالات عن زياراته للسفارة الإيرانية كما نقلت بالنص في الحكم نفسه ص16-17 نجد أولاً أنها مرة واحدة وليست ست مرات، ونستوحي من الإختلاف في العدد عدم الدقة وليس الكذب لأن العدد 1 أو 6 لا يترتب عليه أي أثر، وعدم الدقة توحي بأشياء كثيرة منها عدم احترام المحكمة لعقولنا واستهانتها بحياتنا، والأهم أنه إذا كانت لم تكلف نفسها عناء القراءة لتحديد العدد فكيف ستتحرى وتتأمل وتتمعن ما ورد عن هذه الزيارات؟ "
إن من لا يميز بين مرة وست مرات لا يمكن أن يقبل "" كشاهد"" فكيف يقبل كقاضي؟؟
إن من لا يدرك الفرق بين ذهب إلى السفير الأول مرة وللثاني مرتان وذهب إلى السفير ست مرات لا يمكن الوثوق بقدرته على الإدراك والفهم، فكيف يؤتمن على إصدار حكم بإعدام حياة؟ من أين جاء العدد "" 6 مرات""؟ من قرار النيابة إلا أن فضيلة القاضي لم يقرأه حتى بعناية لأن القرار كما جاء في ص2 من الحكم "" المتهم يحيى حسين الديلمي جاء في اعترافاته ومحاضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة ما يلي "" أنه ذهب إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات والتقى بسفيرها وكان من ضمن الحضور محمد مفتاح وقد تحدثوا في إحدى الزيارات عن وضع الزيدية في اليمن وأنها تعاني من نقص كبير في الاحتياجات ..الخ"".
النيابة تحكي نقلاً عن محاضر جمع الاستدلالات ذهاب يحيى الديلمي إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات والتقى بسفيرها مرة وكان ضمن الحضور محمد مفتاح والقاضي يقول: " إن البين من أقول المتهم الأول يحيى الديلمي أنه تواصل مع سفير الدولة بصنعاء ذاهباً إليه ست مرات". ص60 نفس الحكم. أي أن النيابة تستند إلى أقوال يحيى كما جاءت في محاضر جمع الاستدلالات والقاضي يدعي أنه تبين له من نفس الأقوال خلاف ذلك، إلا أن النيابة حددت مكان ذهاب يحيى الديلمي إلى سفارة دولة اجنبية ولم تسم السفارة وصرحت بأنه التقى بسفيرها ولكنها لم تبين عدد مرات لقاءه بالسفير فأجملت، ومرات اللقاء تحتمل من واحد إلى ست مرات والأقرب أن اللفظ ينصرف على مرة واحدة وهي التي حضرها محمد مفتاح، والسفارة غير السفير ومن لا يدرك ذلك لا يقبل كشاهد فيكف به قاضي؟؟
وبالعودة إلى محاضر جمع الاستدلال نجد أن يحيى الديلمي ذهب إلى السفارة مرة واحدة فقط وهي المتعلقة بطلب تأشيرة دخول إلى إيران للعلاج، فالنيابة لم تكن دقيقة في تضمين دلالة أقوال يحيى ولم تبذل أي جهد لقراءتها ومعرفة معناها ولهذا قالت "" أنه ذهب إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات"" مع أن المصدر الذي استندت إليه حصرها بزيارة واحدة فقط. "
إنه لم يذهب إلا مرة واحدة إن كان المقصود هي السفارة الإيرانية، والقاضي لم يسمع بشكل جيد قرار الاتهام ولم يطلع عليه، لأنه لو فعل لردد مع النيابة أن يحيى ذهب إلى السفارة ست مرات، كما أنه لم يستمع كقاضٍ إلى محاضر جمع الاستدلالات عند تلاوتها أمامه في الجلسة، هذا إن كانت قد تليت عليه فعلاً، لأنه لم يدرك أن أقوال يحيى الديلمي لا تتضمن ذهابه إلى السفير إلا مرة، السفير الأول في منزله مع المفتي، ومرتين السفير الجديد، مرة للغداء مع عدد كبير ومرة من أجل علي الشامي ومرتين قابل علي جمبز - ذهبا للمركز الإيراني - ومرة قابله في النهرين ومرة حضر حفل فندق سبأ، فكم مرة ذهب إلى السفارة ؟؟ مرة واحدة، وكم مرة قابل السفير؟ الأول مرة والثاني مرتين، فمن أين جاء العدد ست مرات؟ من عدم القراءة، من عدم الفهم، من عدم الدقة، من الاستهتار، من عدم الشعور بالمسؤولية.
وفي الحيثيات نجد أن القاضي كما ذكرت في ص61 قال أنه تبين من أقوال المتهم الأول أنه كان يتواصل مع شخص يد علي جمبز وهو موظف في السفارة الإيرانية، وكان تلفون كلاً منهما مع الآخر، وهذا القول منسوب في محاضر الاستدلالات إلى المتهم الثاني محمد مفتاح كما جاء في ص23 وسُئل أذكر لنا اسمَ الشخص الأجنبي الإيراني الموظف في السفارة بصنعاء والذي كان يتواصل معك بصورة شبه دائمة أو مستمرة، فأجاب بأن الشخص اسمه علي جمبز، وسُئل اشرح لنا طبيعة علاقتك بالمدعو علي جمبز وكيف تعرفت عليه، أجاب: تعرفت عليه في مكتبتي قبل أربع سنوات تقريباً وكان يأتي لشراء الكتب ...إلى أن يقول في ص24 وطلب رقم تلفون المكتبة وفعلاً أعطيته رقم تلفوني الشخصي وتلفون المكتبة....وبعد أن بعت المكتبة لم يعد يتواصل بي بالرغم من وجود رقمه معي ورقمي معه، ص24
فالقاضي في الحيثيات ومنطوق الحكم ينسب أقوال الثاني إلى الأول ولا يفرق بين السفارة والسفير والمركز الطبي الإيراني ويختلق وقائع لا أصل لها، ولا يحسن إدراك العدد ويؤكد على أن المعتقلين منكران للتهم، ولكنه يستند إلى أقوالهما التي لم يثبت صحة نسبتها إليهما أحد، وقد قال هو "" أن عبئ إثبات أي واقعة ترتب مسؤولية جزائية تقع على عاتق من يدعيها وفقاً لحكم المادة321/2 من قانون الإجراءات الجزائية فإن المحكمة قد ألزمت المدعي العام بإثبات ما يدعيه فاستدل بأقوال المتهمين في المرحلتين ... "
وهنا نسأل كيف أثبت له الادعاء العام أن هذه الأقوال هي أقوالهما؟ هل أقرا بصحة ما جاء فيها وأنها منهما برضاهما واختيارهما؟، هل كتبت هذه الأقوال بخط المتهمين؟، وهل يعرف القاضي خطهما؟، ألا يحتمل أن تزور عليهما؟، ألا يحتمل أنها ليست بخطيهما؟، ألا يحتمل أنها ليست أقوالهما؟، ألا يحتمل أن رئيس النيابة ووكيلها ضللا القاضي أو ضللاهما وأعطيت للقاضي محاضر جمع الاستدلالات لا علاقة لها بالمتهمين؟، لو كان ما تقدمه النيابة وتستدل به من أقوال في محاضر جمع الاستدلالات حجة قاطعة لا يقبل الشك فما وظيفة القاضي والمحكمة؟ ولماذا المحاكمة؟، ألتقرير العقوبة فقط؟، أليس كذلك؟.
> من الواضح أنه لا توجد حيثيات حقيقية للحكم الذي أصدره فضيلة القاضي نجيب القادري بحق المعتقلين/ يحيى حسين الديلمي ومحمد أحمد مفتاح، لأنه لا توجد قضية ومن باب الأولى جريمة يمكن أن تقترن باسميهما، فحياتهما وسلوكهما وشخصيتهما يمكن تلخيصها في أنهما ناشطان زيديان نذرا حياتهما ووجودهما وما يملكان لحماية المذهب الزيدي من الانقراض، بالتعريف به وتعليم فقهه ونشر آرائه، وشاركا في حث أتباعه على محاولة تنظيم جهودهم من خلال تأسيس جمعيات خيرية أو مؤسسات ثقافية أو مراكز تعليمية، ولأنهما نذرا حياتهما لله فقد كانا يهتمان لما يحدث لإخوانهم في الإنسانية والدين والقومية والوطن، لذلك استجابا لأية دعوة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني أو التعبير عن التعاطف مع الإخوة في العراق.
ولكن مشاركتهما كانت محسوبة عليهما رغم أن أية مشاركة منهما لم تكن تتم إلا إذا كانت مرخصة من قبل السلطات الأمنية المختصة، بل أكثر من ذلك لقد كان الداعي والمنظم لها هو في الحقيقة عناصر النظام وتحت رعاية المسئولين ولذلك كانت تغطى إعلامياً من الإعلام الرسمي.
وخلال أحداث مران التي استمرت حوالى 90 يوماً عاشا كغيرهما من أبناء الشعب القلق والحزن على ما يجري، إلا أن معاناتهما " لمكانتهما" العلمية في المجتمع الزيدي كانت أكبر؛ لأن علماءَ ودعاة الزيدية أقحموا في الصراع قبل انفجاره من خلال البيان الذي نُشر في الصحافة الرسمية باسم علماء الزيدية وتضمن التعليق على بعض ما نُسب إلى حسين بدر الدين الحوثي من آراء عن أصول الفقه والدين وعن مواقف علماء ورموز الزيدية، وأقحموا بصورة أكبر باتساع رقعة المواجهة خصوصاً - الإعلامية - التي طالت الزيدية كمذهب والتشيع عموماً في مقابل خصومهم ولعدم انحصارها في حسين بدر الدين بل طالت كل زيدي وكل شيعي ليس المعاصرين فحسب بل وعبر التأريخ، ووضع الزيدية على الأقل إعلامياً في سلة واحدة ودائرة اتهام لم يسلم منها حتى مَن جاهروا بالوقوف علناً مع النظام في حربه مع حسين بدر الدين، كالدكتور المرتضى زيد المحطوري،"
وكلما طال أمد الحرب يوماً زادت دائرة المواجهة اتساعاً.
وكانا معنيين بما يجري فكل ما ومن حولهما كرموز زيدية يطالبهما باتخاذ موقف للتعبير عن الرغبة في إيقاف الحرب والحد من تداعياتها بالإضافة إلى أن الواجب الشرعي يلزمهما بيان رأيهما حول شرعية استمرار الحرب كمبدأ بين الحكومة وبعض المواطنين، خصوصاً وقد قيل بأن علماء الزيدية هم مَن أفتى بوجوب القضاء على حسين بدر الدين الحوثي وجماعته من خلال - البيان المشهور - وحضورهم المتكرر إلى دار الرئاسة او اجتماعات جمعية العلماء التي كانت تفهم وكأنها تأييدٌ لاستمرار الحرب، وفي المقابل كانت الخشية قد بدأت من أن تتسرب أفكار متطرفة فتغزو عقول بعض شباب الزيدية لتزيين فكرة وجوب نصرة حسين بدر الدين الحوثي بتوسيع نطاق الحرب إلى أماكن أخرى خصوصاً بعد إقحام والده بدر الدين الحوثي في الصراع وهو من أكابر علماء الزيدية والذي شاع خبر عن رغبة بعض كبار القادة العسكريين المباشرين للحرب بالعمل على تصفيته والقضاء عليه، لهذا وغيره ونتيجة للضغوط وإحساسا بالواجب الشرعي استجاب الأخوين لدعوة وُجهت لهما باللقاء في مقيل مفتوح بمنزل صهر الأخ يحيى الديلمي، وخرجوا من المقيل بفكرة عمل اعتصام في مسجد الشوكاني عقب صلاة الجمعة، ولكن عليهم قبل ذلك التوجه للوالد العلامة حجة الإسلام والمسلمين _ كما يقول عنه الرئيس- محمد محمد المنصور لعرض الفكرة عليه، ورجح الكتابة أولاً للرئيس إيماناً منه بأن أية فعالية سلمية تطالب بإنهاء الحرب لا شك أنها تتفق ورغبة وإرادة الرئيس لأنه أحرص اليمنيين على تجنب أي صراع داخلي أو خارجي؛ لأن أي صراع مسلح يستنزف طاقات وإمكانيات الدولة والمجتمع ويسيء إلى سمعة اليمن في الخارج و يخيف المستثمرين ويضر بقطاع السياحة، كما أنه يضعف موقف اليمن في علاقاتها بالجيران والأصدقاء والخصوم على حد سواء، وقد أثبت الرئيس علي عبد الله صالح طوال فترة حكمه إدراكه لهذه الأبعاد، ولذلك حرص على تجنب أية أزمة تقود إلى صراع وعندما ينشب الصراع يبذل أقصى جهده في إخماده، وموقفه المعلن في هذه القضية لم يكن بعيداً عن أسلوبه المعتاد ولذلك حاول إيقاف القتال، إلا أن أمراء الحرب وسوء الفهم أفشلت كل المحاولات، ولكي يتمكن الرئيس من إيقاف الحرب كان بحاجة إلى دعم جماهيري لممارسة الضغط على من لهم مصلحة في تأجيجها وتوسيع رقعتها، إما بدوافع مذهبية أو سياسية أو مصالح مالية، وفعلاً أرسلت الرسالة بخط الوالد العلامة محمد محمد المنصور ووقع عليها معه الكثير من قيادات العمل السياسي منهم أمين عام التنظيم الوحدوي الناصري النائب سطان حزام العتواني ورئيس الدائرة السياسية محمد الصبري وعضو اللجنة المركزية د/عبد القدوس المضواحي ومحمد قحطان -رئيس الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح وأكثر قادة الحزب الإشتراكي أذكر منهم علي الصراري ويحيى منصور أبو أصبع وحسن محمد زيد -رئيس الدائرة السياسية بحزب الحق وعلي سيف حسن -رئيس منتدى التنمية السياسيةوعبد الله سلام الحكيمي
إلا أن ترجمتها للرئيس قدمتها له وكأنها تحميل السلطة المسؤولية وتطالبها بالتوقف عن الحرب مع أن مضمونها لا يحمل هذا المعنى ولا يقبله؛ لأن الرفض كان للحرب كمبدأ والدعوة لوقفها موجه لطرفي القتال لأنه لا توجد حرب مواجهه لها طرف واحد بل لا بد من طرفين وكان رد الرئيس .. وبناءً عليه ولتوضيح الموقف الداعي لوقف القتال والتحذير من توسيعها أقر بضرورة الاعتصام الذي كان الهدف والغاية منه حماية المجتمع كل المجتمع من الاقتتال انطلاقاً من الحرص على دم الجندي بنفس الحرص على دم المواطن.
إلا أن الاعتصام فسر وكأنه عمل عدائي موجه ضد السلطة، وعندما أدرك - يحيى الديلمي - هذه الحقيقة وافق بناءً على اتصال من وزير الداخلية نقل إليه من قبل حسن محمد زيد- كما جاء في محاضر جمع الاستدلالات عن وقف الاعتصام- فتقدم بنفسه لإعلان هذا القرار وعلق الاعتصام قبل أن ينعقد بقرار من يحيى الديلمي لأنه "" لم يرد"" ولم تكن نيته أن يسبب أي إزعاج للقيادة السياسية؛ لأن أي مسعى لوقف الحرب لا يمكن أن يوفق للنجاح إلا إذا كان المسعى مقبولاً من القيادة السياسية ويحظى بثقتها.
ويبدو أن أمراء الحرب استشعروا خطر هذا الجهد وخطر هذا التعقل والتفهم فسعوا إلى التحريض ضد يحي الديلمي ومن وقف موقفه وصوروا موقفهم وكأنه الخطر البالغ فتم اعتقاله يوم ٩/٩/2004، على خلفية الاعتصام كما اعتقل غيره ومنهم محمد أحمد مفتاح ومعهما المئات من كل المناطق اليمنية بعضهم أفرج عنهم والبعض الآخر ل يزال رغم صدور قرار العفو العام الذي أطلقه الرئيس وأكد عليه إلا أن الضغط الذي مارسه تلاميذ وعوائل يحيى ومحمد لإطلاقهما دفع الأجهزة إلى البحث عن تهمة لتقديمهما للمحاكمة.
مع أن قراءة سريعة للحكم ستجد أن الواقعة الوحيدة المجرمة بموجب نصوص الدستور والقانون هي واقعة حجز حرية الأخوين مفتاح والديلمي، وما ترتب عليها ونتج منها؛ لأن الوقائع المنسوبة إليها غير مجرمة بل أنها أفعال مباحة وواجبة، يتضح ذلك من خلال أبسط قراءة للدعوى ""قرار الاتهام"" ووقائع الجلسات وحيثيات الحكم.
فالتهمة الأولى مثلاً تضمنت واقعة زيارة سفارة دولة أجنبية واللقاء بسفيرها والملحق الثقافي ست مرات من قبل المعتقل الأول تحدث عنها المعتقل نفسه باعتبارها عملاً مباحأً أو أداءً لواجب ولم يخطر في باله كما لا يمكن أن يخطر في بال أحد أن زيارة سفارة استجابة لدعوة غداء أو حفلة تعارف مفتوحة في وجود آخرين وفي وضح النهار أو حضور حفل في فندق مع عشرات المدعوين أو للحصول على تأشيرة دخول لمريض للعلاج ""جريمة"" لأنه لا يوجد نص في القانون أو عرف أو تقليد يمنع من ذلك، ولم يصدر من أجهزة السلطة أو جهازها الإعلامي ما يوحي أن السلطة تحرم أو تمنع ذلك وتعاقب عليه، بل على العكس الظاهر أن هذا الفعل مطلوب ويشجع عليه بدليل تعامل أجهزة الإعلام الرسمية مع هذه المناسبات الإحتفالية، ولو كان ذلك جريمة لوجب محاكمة أغلب موظفي الدولة والعاملين في المجالات الاجتماعية ناهيكم عن السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. "
ولو كانت زيارة السفارة هي الجريمة لتم القبض عليهما عقب آخر زيارة من الزيارات أو على الأقل بعدها بفترة وجيزة، أي لما انتظرت الأجهزة حوالي ست سنوات على آخر زيارة بل وأكثر، وعدم تسمية السفارة والدولة في الدعوى الجزائية يدعو للغرابة فمن أين علم القاضي اسم السفارة مع أن المعتقلين دخلا أكثر من سفارة وقابلا أكثر من سفير كما جاء فيما نسب إليهما؟
والأكثر أن القاضي في الحكم كما جاء في الحيثيات لم يحكم بموجب دعوى النيابة، التي اعتبرت أن مجرد الزيارة لسفارة ما جريمة، بل حكم بناءً على حيثية أخرى لا علاقة لها بالزيارة أو اللقاء مع دبلوماسي أجنبي بدليل أنه برأ محمد أحمد مفتاح من تهمة الاتصال غير المشروع والتخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية...الخ مع أنه زار السفارة
ونص كلام القاضي في الحيثيات ما يلي:" وحيث أن المتهم الثاني قد نفى في أقواله السابقة على المحاكمة أن يكون المتهم الأول قد طلب دعماً من السفير الإيراني بحضور المتهم الثاني فإن أقوال المتهم الأول منفرداً دون أدلة قوية قاطعة أخرى تعززه غير للجزم بتوفر القصد الجنائي عند ارتكابه لفعل السعي - بركنه المادي للواقعة- مما يجعل واقعة السعي المسندة إليه منعدمة لانعدام قصده الجنائي ...."" ص66-76 من الحكم، و اعتبر لقاءات محمد مفتاح بالمحلق الثقافي مشروعة لأن محمد مفتاح بررها بعمله كصاحب مكتبة، واعتبرت المحكمة تبريره للزيارة إلى إيران معقولاً ومقبولاً.
فالزيارة للسفارة والتواصل مع الدبلوماسي ليس مجرماً ودعوى النيابة فيما يتعلق بالتهمة الأولى هي هذه، إلا أن القاضي اختلق واقعة لم تدعيها النيابة العامة ولا يوجد ما يدل عليها وهي طلب الدعم الذي تقدم به بحسب زعم القاضي المعتقل الأول يحيى الديلمي من السفير الإيراني بحضور محمد مفتاح والذي نفاه محمد مفتاح بدوره، أي أن الجريمة هي واقعة لم تسندها النيابة إلى أي من المتهمين المعتقلين وبالتالي لم تقدم دليلاً عليها، ولم تذكر في قرار الاتهام وبالتالي لا يمكن أن تثبت على المتهمين ولا يمكن أن ينسب لهما إنكارها لا واقعاً ولا حكماً.
وبالعودة إلى الحكم وبقراءة فاحصة له لم نجد لما نسبه القاضي للمعتقل يحيى الديلمي أي أصل، بل على العكس نجد أن النيابة العامة أثبتت نفي المعتقل يحيى الديلمي طلب الدعم من أية جهة خارجية أو الحصول عليه، وأكد على ذلك بقوله: " لم نحصل على أي دعم خارجي وإنما يتم الدعم لتغطية أعمالنا من خلال التبرعات التي نحصل عليها من شباب صنعاء ومن بعض التجار والتبرعات العينية الممثلة في طاقات البز....." ص17 وسمى أنشط قيادة فرع المؤتمر الشعبي بإمانة العاصمة مطهر تقي كأهم داعم للفعاليات"
وهنا يجب أن نقف لنصرخ بأعلى صوت أن من المعيب فعلاً أن يصل الأمر بقاضي إلى اختلاق وقائع ونسب أقوال ليس لها أصل فيما برز لديه وقدم أمامه!
من أين جاء القاضي بهذه الواقعة؟ هل التبس عليه الأمر فظن نفي المعتقل الديلمي لواقعة الدعم المالي إثبات ؟
الظاهر أن ذلك لم يحدث لأن السياق لا يساعد، زد على ذلك أنه لا يوجد في أقوال المعتقل الثاني محمد أحمد مفتاح أي ذكر لواقعة طلب يحي الديلمي للدعم من السفير وبالتالي لا يوجد نفي من محمد مفتاح بل أنها لم تكن مطروحة أصلاً.
والقارئ لما جاء في الحكم سيجد أن أقوال محمد مفتاح وبمعنى أدق المنسوبة إليه قد تليت من قبل النيابة في جلسة يوم الأحد 27 ذي الحجة 1425هـ الموافق 2005/2/6م، في غياب المعتقلين بعد أن قررت المحكمة إبعادهما من القاعة وحكمة عليهما بعقوبة الحجز الانفرادي لمدة أسبوع كما جاء في ص20 من الحكم، وسردت تلاوة النيابة أقوال محمد مفتاح نقلاً عن محضر جمع الاستدلالات المؤرخ2004/9/17 وبدأت بالسؤال "" أذكر لنا عدد الاجتماعات التي عقدتموها بخصوص الاعتصام "" ص20 من الحكم، وختمت في بداية ص27 بقوله "" وقد قمنا بحفر خنادق للشرب فقط "" س4 ص27، ولم يوجه له سؤال عن إن كان الديلمي طلب الدعم أمامه وبالتالي لم ينف ذلك، فمن أين جاء القاضي بهذه الواقعة ؟
على كل حال الثابت أنه لا يوجد فيما نسبته النيابة إلى المعتقلين أي سلوك مجرَّم وهذا ما حكمت به المحكمة فيما يتعلق بالتهمة الأولى كما قدمنا وبموجبه حكمت ببراءة المعتقل محمد أحمد مفتاح من هذه التهمة، وكما هو بين جلي فيما يتعلق بالتهمة الثانية ولأنها لم تجد في قرار النيابة والأدلة التي قدمتها النيابة ما يبرر الحكم على يحي الديلمي فقد اختلقت المحكمة من عندها واقعة جديدة لم تذكر في قرار الاتهام كما لم تذكر في محاضر جمع الاستدلالات أو محاضر تحقيقات النيابة.
الواقعة هي أن يحيى الديلمي قال أنه طلب الدعم من السفير الإيراني بحضور محمد مفتاح، ولا يمكن أن يكون يحيى الديلمي قد خص القاضي بهذه الواقعة؛ لأن القاضي كما هو ثابت في الحكم لم يدع أنه انفرد بالحديث مع يحي وسمع منه ذلك، كما أن القاضي لم يدع أنه حضر الجلسات التي سميت بمحاضر جمع الاستدلالات و التحقيقات، فمن أين جاء القاضي بهذا؟
لا يهم، المهم هو أن القاضي قد نسب هذا القول ( الجرم!!) إلى يحيى الديلمي منفرداً وجزم بعدم وجود أدلة قوية قاطعة أخرى تقرره، وحكم بأن ذلك غير كاف للجزم بتوفر القصد الجنائي.
وفي ص 6 من حيثيات الحكم ومنطوقة قال القاضي: " حيث أن من البين من أقوال المتهم الأول أنه تواصل مع سفير الدولة الإيرانية بصنعاء ذاهباً إليه ست مرات أحدها كانت دعوة على غداء طلب منه فيها الدعم بحضور المتهم الثاني"" وبالعودة الأقوال التي نسبت إلى يحيى الديلمي في محاضر جمع الاستدلالات عن زياراته للسفارة الإيرانية كما نقلت بالنص في الحكم نفسه ص16-17 نجد أولاً أنها مرة واحدة وليست ست مرات، ونستوحي من الإختلاف في العدد عدم الدقة وليس الكذب لأن العدد 1 أو 6 لا يترتب عليه أي أثر، وعدم الدقة توحي بأشياء كثيرة منها عدم احترام المحكمة لعقولنا واستهانتها بحياتنا، والأهم أنه إذا كانت لم تكلف نفسها عناء القراءة لتحديد العدد فكيف ستتحرى وتتأمل وتتمعن ما ورد عن هذه الزيارات؟ "
إن من لا يميز بين مرة وست مرات لا يمكن أن يقبل "" كشاهد"" فكيف يقبل كقاضي؟؟
إن من لا يدرك الفرق بين ذهب إلى السفير الأول مرة وللثاني مرتان وذهب إلى السفير ست مرات لا يمكن الوثوق بقدرته على الإدراك والفهم، فكيف يؤتمن على إصدار حكم بإعدام حياة؟ من أين جاء العدد "" 6 مرات""؟ من قرار النيابة إلا أن فضيلة القاضي لم يقرأه حتى بعناية لأن القرار كما جاء في ص2 من الحكم "" المتهم يحيى حسين الديلمي جاء في اعترافاته ومحاضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة ما يلي "" أنه ذهب إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات والتقى بسفيرها وكان من ضمن الحضور محمد مفتاح وقد تحدثوا في إحدى الزيارات عن وضع الزيدية في اليمن وأنها تعاني من نقص كبير في الاحتياجات ..الخ"".
النيابة تحكي نقلاً عن محاضر جمع الاستدلالات ذهاب يحيى الديلمي إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات والتقى بسفيرها مرة وكان ضمن الحضور محمد مفتاح والقاضي يقول: " إن البين من أقول المتهم الأول يحيى الديلمي أنه تواصل مع سفير الدولة بصنعاء ذاهباً إليه ست مرات". ص60 نفس الحكم. أي أن النيابة تستند إلى أقوال يحيى كما جاءت في محاضر جمع الاستدلالات والقاضي يدعي أنه تبين له من نفس الأقوال خلاف ذلك، إلا أن النيابة حددت مكان ذهاب يحيى الديلمي إلى سفارة دولة اجنبية ولم تسم السفارة وصرحت بأنه التقى بسفيرها ولكنها لم تبين عدد مرات لقاءه بالسفير فأجملت، ومرات اللقاء تحتمل من واحد إلى ست مرات والأقرب أن اللفظ ينصرف على مرة واحدة وهي التي حضرها محمد مفتاح، والسفارة غير السفير ومن لا يدرك ذلك لا يقبل كشاهد فيكف به قاضي؟؟
وبالعودة إلى محاضر جمع الاستدلال نجد أن يحيى الديلمي ذهب إلى السفارة مرة واحدة فقط وهي المتعلقة بطلب تأشيرة دخول إلى إيران للعلاج، فالنيابة لم تكن دقيقة في تضمين دلالة أقوال يحيى ولم تبذل أي جهد لقراءتها ومعرفة معناها ولهذا قالت "" أنه ذهب إلى سفارة دولة أجنبية ست مرات"" مع أن المصدر الذي استندت إليه حصرها بزيارة واحدة فقط. "
إنه لم يذهب إلا مرة واحدة إن كان المقصود هي السفارة الإيرانية، والقاضي لم يسمع بشكل جيد قرار الاتهام ولم يطلع عليه، لأنه لو فعل لردد مع النيابة أن يحيى ذهب إلى السفارة ست مرات، كما أنه لم يستمع كقاضٍ إلى محاضر جمع الاستدلالات عند تلاوتها أمامه في الجلسة، هذا إن كانت قد تليت عليه فعلاً، لأنه لم يدرك أن أقوال يحيى الديلمي لا تتضمن ذهابه إلى السفير إلا مرة، السفير الأول في منزله مع المفتي، ومرتين السفير الجديد، مرة للغداء مع عدد كبير ومرة من أجل علي الشامي ومرتين قابل علي جمبز - ذهبا للمركز الإيراني - ومرة قابله في النهرين ومرة حضر حفل فندق سبأ، فكم مرة ذهب إلى السفارة ؟؟ مرة واحدة، وكم مرة قابل السفير؟ الأول مرة والثاني مرتين، فمن أين جاء العدد ست مرات؟ من عدم القراءة، من عدم الفهم، من عدم الدقة، من الاستهتار، من عدم الشعور بالمسؤولية.
وفي الحيثيات نجد أن القاضي كما ذكرت في ص61 قال أنه تبين من أقوال المتهم الأول أنه كان يتواصل مع شخص يد علي جمبز وهو موظف في السفارة الإيرانية، وكان تلفون كلاً منهما مع الآخر، وهذا القول منسوب في محاضر الاستدلالات إلى المتهم الثاني محمد مفتاح كما جاء في ص23 وسُئل أذكر لنا اسمَ الشخص الأجنبي الإيراني الموظف في السفارة بصنعاء والذي كان يتواصل معك بصورة شبه دائمة أو مستمرة، فأجاب بأن الشخص اسمه علي جمبز، وسُئل اشرح لنا طبيعة علاقتك بالمدعو علي جمبز وكيف تعرفت عليه، أجاب: تعرفت عليه في مكتبتي قبل أربع سنوات تقريباً وكان يأتي لشراء الكتب ...إلى أن يقول في ص24 وطلب رقم تلفون المكتبة وفعلاً أعطيته رقم تلفوني الشخصي وتلفون المكتبة....وبعد أن بعت المكتبة لم يعد يتواصل بي بالرغم من وجود رقمه معي ورقمي معه، ص24
فالقاضي في الحيثيات ومنطوق الحكم ينسب أقوال الثاني إلى الأول ولا يفرق بين السفارة والسفير والمركز الطبي الإيراني ويختلق وقائع لا أصل لها، ولا يحسن إدراك العدد ويؤكد على أن المعتقلين منكران للتهم، ولكنه يستند إلى أقوالهما التي لم يثبت صحة نسبتها إليهما أحد، وقد قال هو "" أن عبئ إثبات أي واقعة ترتب مسؤولية جزائية تقع على عاتق من يدعيها وفقاً لحكم المادة321/2 من قانون الإجراءات الجزائية فإن المحكمة قد ألزمت المدعي العام بإثبات ما يدعيه فاستدل بأقوال المتهمين في المرحلتين ... "
وهنا نسأل كيف أثبت له الادعاء العام أن هذه الأقوال هي أقوالهما؟ هل أقرا بصحة ما جاء فيها وأنها منهما برضاهما واختيارهما؟، هل كتبت هذه الأقوال بخط المتهمين؟، وهل يعرف القاضي خطهما؟، ألا يحتمل أن تزور عليهما؟، ألا يحتمل أنها ليست بخطيهما؟، ألا يحتمل أنها ليست أقوالهما؟، ألا يحتمل أن رئيس النيابة ووكيلها ضللا القاضي أو ضللاهما وأعطيت للقاضي محاضر جمع الاستدلالات لا علاقة لها بالمتهمين؟، لو كان ما تقدمه النيابة وتستدل به من أقوال في محاضر جمع الاستدلالات حجة قاطعة لا يقبل الشك فما وظيفة القاضي والمحكمة؟ ولماذا المحاكمة؟، ألتقرير العقوبة فقط؟، أليس كذلك؟.
إن مع العسر يسرا،إن مع العسر يسرا