صعدة مدينة يحاصرها الخوف ( إستطلاع ) .

أضف رد جديد
جهاز الأمن السياسي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 101
اشترك في: السبت سبتمبر 18, 2004 5:16 pm
مكان: صنعاء_الحي السياسي_ش/جيبوتي

صعدة مدينة يحاصرها الخوف ( إستطلاع ) .

مشاركة بواسطة جهاز الأمن السياسي »

صورة

قريباً من مدخل مدينة صعدة، تنتصب لوحة مكتوب عليها «أهلاً بكم في مدينة السلام» وعنقود عنب مرسوم تحت العبارة.. أجل العنب مايزال ينمو في صعدة، أما القول بأنها ما تزال مدينة سلام، فتفاؤل كاذب.

الوسط نت ( الأربعاء 22 يونيو 2005 م ) .
استطلاع/ خالد عبدالهادي


الأماكن التي تدور فيها الحروب أو مناطق النزاع غير المستقرة، تستهوي الزائرين بقدر ما تطردهم، وغالباً ما تتركز أهداف الزائرين على استجلاء الحقائق، وتتبع تداعيات الحرب التي تترك آثارها في الأفراد والبيئة على حد سواء، وتنشأ على إثرها أخلاقيات غير التي نشأت في زمن السلم.

صعدة.. وإن كانت لا تقارن بمناطق الصراع المزمن في بلدان كثيرة من العالم، إلا أن عاماً كاملاً من المواجهات الدموية والعمليات العسكرية يكفي لنعتها بـ(بيئة حرب) لها تأثيراتها على الشخوص طباعاً وسلوكاً، وهي البيئة التي تكررت في أكثر من قرن على الأرض ذاتها، وفي سبيل المعتقد ذاته، فصار ذلك أبرز أركان الخصوصية التي تتمتع بها صعدة، المتمثلة في أنها معقل الزيدية الأول في اليمن، الأمر الذي جعل منها بؤرة للانتفاضات والتمردات المسلحة على الأنظمة الحاكمة بوحي من المذهب الزيدي الذي يجيز الخروج على الحاكم الظالم، بغض النظر عما إذا كان هذا المبدأ واجهة تتستر وراءه أغراض أخرى، يريد أصحابها بلوغها.


الجمعة 3 يونيو حزيران الحالي، قصدت «صعدة» وفي نفسي شعور ممزوج باللهفة والرهبة، كنت متلهفاً لجديد أرجع به من هناك أو لأنني سأزورها لأول مرة على الأقل.

على جانبي الطريق الذي راحت تنهبه (الهايلوكس) وأنا محشور في خانتها الثانية بين ثلاثة ركاب إلى جواري، لم يكن ثمة شيء جدير بشد اهتمامي سوى جبال صعدة الشاهقة التي تتخذ نمطاً خاصاً في التكوين والشكل، إذ تتميز بأشكالها المستطيلة وتكويناتها المستقلة المتباعدة عن بعض، أي أنها لا تمثل سلاسل جبلية ممتدة كما في مناطق البلاد الأخرى، بل تنبت من الأرض، منفردة مستقيمة التكوين، ثم تبلغ ما قدر لها من العلو الشاهق، من بعيد، تبدو تلك الجبال للرائي أشبه بنقاط زرقاء تلون الفضاء وحين يقترب منها تتبين له (رواسي شامخات) لا يباريها في الضخامة والثبات شيء آخر. وكنت كلما مررنا بإحداها استحضر خيالاً لجبال مران ونشور والنقعة التي كانت مسرحاً لقتال دام أشهراً، وحين شاهدت مدى وعورتها، أدركت لماذا تعجز الجيوش النظامية القوية عن حسم المعارك مع خصومها المتحصنين في مثل تلك الجبال، لذلك لم أورد وصفها اعتباطاً، إنما لوجود الصلة والرابط، غير أن التأمل في تلك المشاهد لا يستمر، فسرعان ما يقطعه توقف السيارة المتواصل عند المطبات المنتشرة، إذ ينبئ كل مطب بوجود نقطة تفتيش عسكرية عنده، والنقاط العسكرية الواقعة في تخوم المدينة حتى مداخلها تزداد قرباً من بعضها، وإن كان التفتيش في كثير منها شكلياً، لن يستيطع القائمون به - في تقديري- كشف شيء تعمد صاحبه إخفاءه.

جمعة في (الهادي) .

> قبيل الثانية عشرة كنا قد وصلنا المدينة وخلفنا وراءنا أجمل شوارعها واوسعها، ولأنه يمثل أهم مداخل لمدينة صعدة فقد نال حظاً لا بأس به من التوسعة والتحسينات كما هو حال مداخل المدن الأخرى.

لم تبد لي صعدة بائسة كما كنت رسمتها في مخيلتي - خصوصاً وقد أرهقتها الحرب- إذ أمكنني بسهولة الحصول على مشروب بارد، اطفئ به عطش مسافر في نهار قائظ تتجاوز درجة الحرارة فيه 28 درجة مئوية.

في تلك الأثناء كانت التلاوات القرآنية تنبعث من مآذن المساجد مؤذنة بقرب صلاة الجمعة، وكان عليَّ أن أتجه فوراً إلى (جامع الهادي) لاستجلاء الجانب الروحي الأكثر تأثيراً في حياة (المجتمع الصعدي) الذي تحركه العقيدة دوماً، ثم إن المكان والزمان كفيلان بإظهار المشاعر الدينية في ذروة حماسها، فجامع الهادي أحد وأهم المراكز لنشر تعاليم المذهب الزيدي، وهو والجامع الكبير في صنعاء كفرسي رهان في الحفاظ على الموروث الزيدي ورعايته ونشره، وكلاهما يتبوأ مكانة رفيعة في نفوس أبناء المذهب، ومن (الهادي)، انطلق الشعار الحوثي المعروف وكان رئيس الجمهورية أحد من شهدوا ذلك يوم عرج للصلاة فيه وهو في طريقة إلى الأماكن المقدسة لأداء مناسك الحج، وفاجأه أفراد الشباب المؤمن يومذاك بترديد الشعار بصوت عال بعد الانتهاء من الصلاة مباشرة، وتحدث الرئيس نفسه عن ذلك المشهد يوم استعرض مسيرة الحوثي أمام علماء الدين.
صورة
هذه المرة، بدا لي جامع الهادي منكسراً حتى أن الناظر ليخال مئذنته الكبيرة قد تخلت عن زهوها وكبريائها.. المصلون يتدفقون إليه من كل صوب وفي باحته سيارتان تابعتان لشرطة النجدة وقد توزع الجند على زوايا الجامع وعند بواباته تحسباً لأي حركة يفتعلها انصار الحوثي وإن كانت من قبيل ترديد الشعار.

لم تكن خطبتا الجمعة اللتان ألقاهما الخطيب «الشولي» أكثر من وعظ حول التقوى والعمل الصالح وبعد الصلاة خرج المصلون بهدوء وسكينة. يشعر المرء أن شيئاً ما انطفأ في نفوس هؤلاء ويقرأ في وجوههم أسى يحاولون دفنه في أغوارهم، لكن قسمات الوجوه تشي به وتفضحه، كأنما يساقون إلى أمر هم له كارهون، أو أنهم يحجمون عن فعل تتوق نفوسهم إليه، فالرجل الذي تشبع بثورية المنهج الزيدي، ربما لم يكن يتصور يوما ما أن يدخل «الهادي» مطاطئ الراس، كسير المشاعر، يرقب حركاته جندي لم يكن يأبه له من قبل، يبدو ذلك الأمر قاس جداً إذا ما قيس بالعاطفة، لكنه قد يكون مقبولاً لدى اطراف الحرب ولا يخرج عن دائرة الحيطة والتدابير الوقائية
صورة
بعد الصلاة انصرف كثير من المصلين إلى مرقدي الإمامين الهادي وابنه المهدي اللذين يقعان في واجهة الجامع الجنوبية، لقراءة فاتحة الكتاب على روحيهما، والدعاء لهما، بلهفة المحبين ومقتفيي الأثر والمنهج، ويرتفع ضريحا الإمامين حوالي متر عن الأرض، وتجمعهما زخرفة موحدة على الجوانب، بينما يتميز ضريح الهادي بهيكل خشبي على هيئة قبة، وضع فوقه، وحين يسترسل الزوار في الدعاء والقراءة، تسيطر على بعضهم موجة من التأوه والزفير المتتابع، لو استمرت كثيراً لتحولت إلى نوبة بكاء.. إنهم يتشبثون بالرموز، ويظهرون إخلاصهم لتركتهم خصوصاً وهم يشعرون باستهداف مذهبهم، مثلما هو حال الأمم والطوائف التي تحن إلى رموزها الأعلام حين تستهدف في الفكر والمعتقد.

حين كنت أصور الجمع المتحلق حول الضريحين، اقترب مني أحدهم وسألني عن الجهة التي أعمل لحسابها، فأفصحت له عنها، وسط مباركة من الآخرين بتصوير كل ما أريد تصويره فرد عليهم بما معناه إن بعض الناس ينقل ما يحصل على أنه تبرك بالقبور وطواف حولها، وأغلب ظني أن خشيته تلك تولدت جراء المعارك الكلامية الملتهبة التي خاضها السلفي المتشدد مقبل الوادعي ضد من اسماهم «الرافضة المبتدعة» وعلى بعد مسافة قليلة من هذين الضريحين أسس «دار الحديث» في منطقة دماج لتعليم القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه.. وينبغي القول ان تسامحاً وعفوية يلمسهما الزائر لدى هؤلاء القوم إضافة إلى التعاون الذي أبدوه معي، حتى سادن الجامع رغم كبر سنه، إلا أنه لم يبخل علي بالتوضيحات وصبَّر نفسه - منتظراً- حتى أكملت تصوير جوانب ومآذن الجامع.

طوارئ

> لن يتردد أي زائر لمدينة صعدة عن الحكم بأن سكانها قد ضاقوا ذرعاً بالمظاهر المسلحة وأجواء الحرب التي تذكرهم بأيام دامية هم في أمس الحاجة إلى نسيانها، ليبدأوا حياتهم الطبيعية ويتخلصوا من الضغوط النفسية التي تخلفها الحروب، لكن الوضع مختلف تماماً، إذ أن الاشتباكات والمواجهات التي نقلها مقاتلو الشباب المؤمن إلى المدينة اثناء الحرب الثانية، فرضت على قيادة المنطقة الشمالية الغربية -التي تدير الحرب هناك -ومسؤولي المحافظة العمل بقانون الطوارئ وحظر التجوال الليلي ويبدأ تطبيق القانون من الثامنة مساءً حتى الصباح، الأمر الذي تضرر منه أصحاب المحلات التجارية كافة، وقلت الحركة التجارية عامة، بسبب الحرب أولاً ثم ساعد العمل بقانون الطوارئ، على ذلك وعمق حالة التشتت ، يقول أبو الفضل محسن أحمد - الذي يملك مطعماً متواضعاً على الشارع العام ان الدخل في شهر واحد هذه الايام يساوي دخل أربع أو خمس ايام قبل الحرب ويضيف «المشاكل جارية، نفتح المحلات يوماً ونغلقها يومين، أو ثلاثة أيام».

> محمد صالح - نادل في أحد المطاعم- يوافق أبا الفضل الرأي ويؤكد أن حركة العمل خفت بمقدار النصف عما كانت عليه.

ويبدو التذمر من الانتشار العسكري في المدينة واضحاً لدى السكان الذين لا يتوانون عن البوح به مثل ذلك الشاب الذي ركب إلى جواري في الباص وقال إنه يعمل صيدلياً وإن صيدليته تضررت كثيراً من جراء قانون الطوارئ، وتابع القول «هكذا يحاصرون الناس» مشيراً بيده إلى طقمين عسكريين على رصيف أحد الشوارع» بعد أن كان وصف صعدة بلهجته العامية بأنها «زفت الزفت» في بداية حديثه إليّ.

(انتهى كل شيء في نشور) .

> محمد سالم الوائلي قدم من منقطة نشور - التي دارت فيها أكثر المعارك في الجولة الثانية من الحرب - على متن سيارة «نيسان» تحمل لوحة سعودية، ليصلي الجمعة في جامع الهادي قال: إن اشتباكات متفرقة تحدث أحياناً بين قوات الجيش ومقاتلين مجهولين «ربما ليسوا حوثيين، قد يكونون من القبائل الموالية للدولة، يثيرون قلاقل ليبتزوا الدولة» ويقصد بحديثه أن الدولة تعطي أموالاً ومساعدات للقبائل الموالية لها كي تساعدها في قتال العناصر الحوثية فتفتعل الأخيرة أحداثاً تستدر من خلالها عطاء الدولة، سألته عن نشور وحالها، فرد علي بصوت أجش: نشور.. انتهى منها كل شيء، المواطنون منتظرون تعويضات الدولة التي لم تصل إلى الآن وكذا الجمعيات الخيرية لم تفعل شيئاً و إلى الآن لم تنزل إلى المنطقة.»
صورة
لم تشوه نيران الحرب الطباع السوية فحسب، بل تركت تشوهات على واجهات المباني وقباب الأولياء المنتصبة في مقبرة المدينة الواسعة، إذ ما تزال الفتحات التي أحدثتها الرصاص والقذائف - بعضها قذائف دبابات- واضحة على جدران المباني التي تحصن فيها مقاتلو الشباب المؤمن يوم تسللوا إلى المدينة وبدأوا معركة طاحنة مع جنود الجيش النظامي، سقط فيها قتلى كثيرون من الجانبين وفي مقبرة صعدة التي تحتل مساحة شاسعة جداً في وسط المدينة، شوهت القذائف والرصاص القباب البيضاء التي تعلو قبور الأولياء وأكثرها تضرراً القبتان اللتان تقعان في الجهة الشمالية من المقبرة، والتي تقابل مقر قيادة المنطقة الشمالية الغربية وإحداهما نخرتها قذيفة دبابة واحدثت فيها فجوة كبيرة بعد أن عجز الجيش عن إخراج مقاتلي الحوثي منها بالأسحلة الخفيفة، وكان هؤلاء المقاتلون يتحصنون في تلك القباب ويخوضون المعارك الليلية ضد القوات المتمركزة في المدينة- الحذر الأمني والخوف المتزايد يدفع الجيش إلى معارك تستمر لساعات دون وجود عدو حقيقي كما حدث في ليلة الثلاثاء 31 مايو آيار الماضي.. وبعد انتهاء المعركة قال مدير الأمن للمتصلين به إن الجنود اشتبهوا بأشخاص دخلوا المقبرة وتبين أن ذلك كان مجرد وهم.

حديث جندي

> ريثما يكتمل عدد ركاب سيارة الأجرة المتجهة إلى صنعاء صعد إلى جواري شاب أسمر حسن الخلق، وحين بدأنا الحديث، بادرته بالسؤال عن عمله في صعدة، فهمس في أذني: «أنا أحد جنود اللواء الركن جواس مثنى جواس قائد اللواء 119 فوجدتها فرصة للتحدث معه حول ما يجري إلا إنه رد بالقول إن الوقت ليس مناسباً الآن أي في المدينة؛

الخوف سمة الفترة لا شك، سواء لدى أفراد الجيش المرابطين في صعدة أو المواطنين أو المقاتلين.. فالجميع يتوقع إنفجار الموقف بين لحظة وأخرى.

بعد أن تحركت السيارة وغادرنا المدينة طلبت إلى الجندي النقاش حول الحرب التي دارت وما رافقها من الأحداث.

بدأ الجندي حديثه متحفظاً مقلاً في توضيح ما أريده، لكن بعد أن مازحته وأظهرت له عفوية، شرع في سرد الأحداث العالقة في ذهنه « والتي لا يمكن أن ينساها»

قال: أتباع الحوثي لا يخافون الموت مطلقاً ولديهم أساليب قتالية عالية وأكثر ما يجيدونه «التسلل إلى المواقع التي يريدونها خصوصاً في وقت الفجر حين يستسلم الجنود إلى النوم، أذكر أنهم ذات مرة تسللوا إلى أحد مواقع الجيش في نشور وقتلوا ثمانية عساكر من زملائنا» ومن أساليبهم الدفاعية إنشاء متاريس وبجانبها حفر متفرقة وأثناء المعركة يطلق الواحد منهم عدداً من الطلقات ثم يقفز إلى إحدى تلك الحفر فيرد الجيش بوابل من الذخيرة وهكذا يستنزفون الذخيرة»، سألته عن الجولة الثانية من الحرب وسبب اغتيال بعض القادة فأجابني وهو يتنهد.. نعم.. تأثر الجيش كثيراً في الحرب الأخيرة نتيجة للعمليات النوعية التي ينفذها الحوثيون.. مثلاً كانوا يطلقون النار على الجنود الذين يتقدمون نحوهم ويتركونهم ينزفون كي يأتي آخرون لإسعافهم ويقعون في نفس الفخ وهكذا فعلوا بالقائد ناجي حزام الفايق.. اطلقوا عليه رصاصة واحدة وتركوه ينزف لثلاث ساعات حتى جاءته القوات من داخل المدينة لإسعافه، لكنها وصلت وقد فارق الحياة.

وواصل الجندي حديثه «شباب كثيرون (راحوا) أبرزهم عبد الجبار المقدشي قائد كتيبة الإستطلاع.. لقد كان شجاعاً».

ومما قاله إن حوالي سبعة من مقاتلي الحوثي نفدت ذخيرتهم وهم يقاتلون لكنهم رفضوا الاستسلام، وقضوا تحت جنازير (الدبابة) و«لن أنسى تلك الرائحة التي نتجت عن إنسحاق جثثهم».

ذلك ابرز ما استنبطته من حديث الجندي الذي اتضح لي في نهاية الرحلة انه على قدر عال من الأخلاق والبراءة أيضاً وإلا لما سمح لي بنقل ما قاله مع ذكر اسمه حين استأذنته قبل الوداع بأن أنقل ما دار بيننا، لكن فضلت عدم ذكر اسمه وفاء لصداقة استمرت 4 ساعات، وحتى لا يمسه أذى.

المصدر : صحيفة الوسط http://www.alwasat-ye.net/modules.php?n ... le&sid=828
أسماء الشهداء
أسماء المعتقلين
صور تعرض لأول مرة عن دمار ومجازر صعدة
رسائل و مقابلات وغير ذلك
أرجو أن يتم نشر الموقع على أكبر نطاق :

http://www.alyamen.net/

أضف رد جديد

العودة إلى ”متابعات حرب صعدة“