...

مجلس للمشاركات الأدبية بمختلف أقسامها...
أضف رد جديد
آية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 82
اشترك في: الأحد إبريل 03, 2005 3:16 pm
مكان: صنعاء

...

مشاركة بواسطة آية »

يبدو ان اخي الكريم واصل كان ادرى عندما اقترح وضع القصه مره واحده, و ان كان اعتراضي هو بسبب طولها النسبي و نسيت ان اهل مكه ادرى بشعابها :)

عموماً و كما يقول المثل عندنا better late than never .. :wink:

هأنا اضعها كامله بين ايديكم, اما اذا ظل الحال على ما هو عليه فسأعتبر ان الرد وصلني بدون كلام :)

صدقاً يسرني النقد كيفما كان, لقد سبق و عرضتها الجريده على ناقد ادبي قبل نشرها و لكن النشر الورقي يفتقد دوماً الى التفاعل الحقيقي مع القارىء و غالباً ما تكون الردود ايجابيه و تفتقر الى التنوع في المضمون
-------------------------------------------------------------------------------------------------
يتقدم نحو الشمس مستقبلا الأفق شاعرا بمشاعر غريبة يعجز عن مجرد التفكير بوصفها, هاهو ذا بعد ما ابيض منه الأسودين, رأسه و قلبه, يعود إلى نقطة البداية, تائبا زاهدا لا يحمل بقلبه ضغينة لأحد و لا يدور في بالة الانتقام بأي شكل من الأشكال لا يرغب سوى بالسلام الذي يأمل أن توفره له الأرض التي طرحته في يوم من الأيام غرسا طيبا قبل أن يعيث دودها فيه فسادا و ينخر فيه شرا, جل ما يتمناه أن يجد أهلها كما عهدهم من طيبه في النفوس و نقاء الضمائر,

عسى أن تكون هذه الأرض المنفية قد ظلت أمنه من زحف المادية و ما يتبعها من شرور الحياة, فقد كانت في يوم ما اقرب ما يستطيع القصور الإنساني الوصول إليه من المدينة الفاضلة و جنة الله في أرضه..لولا أن كان هو الحية التي أغوت سكانها ...
ترى أما تاب الله عليهم بعد؟

دقائق هي و يتضح له مآبها و حال سكانها فليصبر النفس قليلا ما ضرها الانتظار على أمل, بعد أن عانت من اليأس ما عانت.
هاهي معالم الحياة تتبدى شيئا فشيئا و هاهي نبضات القلب تسابق بعضها يكاد يضع يده عليه حتى لا يقفز من صدره ..
طفل صغير يجري حافي القدمين يجر وراءه خيطا لا يعلم إلا الصغير و ربه ما يفترض به أن يكون , و آخرون ينبشون الأرض قد يكون بحثا عن شيء ضائع أو قد يكون حلم مدفون يسعون لبعثه .

و هؤلاء شباب القرية يتسكعون في طريق عودتهم من الحقل بعد أن حرثوه و يدورون بأنظارهم على استحياء بغية أن يلمحوا صبايا القرية المتخفيات خلف الستائر الثقيلة التي يرتدينها و الأمهات من النوافذ يصرخن بأن يسرعن بجلب الماء و الحطب, كأن ثلاثين عاما من التشرد و الغربة لم تمر قط, البيوت هي البيوت و الشوارع كما هي, فقط الوجوه التي تغيرت, منها ما خط الزمن أثاره عليه بالكاد يستطيع تبين بعض الملامح خلف التجاعيد, و منها ما ينبض بالحياة و يشع بروح الشباب... أما كان هو بنفسه في يوم من الأيام يضج نشاطا و يفور شبابا و يظن الأرض خلقت لأجله و عليه السعي لينال منها ما يستطيع..

ألا ليت الشباب يعود يوما, و لكن هل يتمنى ذلك حقا.. أيعود للسير على ذات النهج لو قدر له أن يستعيد شبابه؟
هو لم يكن يوما ما ممن يسعون لمغالطة النفس حتى يتمكنوا من العيش بسلام مع أنفسهم, كلا.. أن كان له من خصلة طيبه فهي الاعتراف بالحق لنفسه قبل أن يكون للآخرين و عليه فهو يدرك انه لو عاد به الزمن ثلاثون عاما إلى الخلف فلن يكون له إلا المضي على نفس الخطى المصيرية, ليس لأنه قدر بل لأن النار التي كانت تشتعل بداخله و تقوده كانت في أوجها تنشر لهيبها حيثما طالت ألسنتها

كان مساء خريفيا واضح المعالم, الرياح تزأر بين الحين و الآخر تجر معها أوراق الشجر المتساقطة, و الأشجار تبدو باردة تبعث قشعريرة في نفس من يراها تتمايل عارية الأغصان

و كان الجميع قد عادوا من الحقل بعد صباح شاق, في دنيا الفلاحين و المزارعين لا فرق بين شتاء و ربيع, يقصدون الأرض قبل شروق الشمس بوقت محدد لا يتأخرون عنه و لا يتقدمون... كلهم هكذا, ما عداه..غريب هو كيف ينبت من الشجر المثمر شوكا ,هكذا كان هو لأهل القرية و لوالديه الذين كانا مضرب الأمثال في التقوى و الزهد و صلاح الشأن,, كيف شب عن طوعهم و تمرد عن أمرهم... لا احد يدري كيف و متى بدء شيطانه يميله عن الطريق المستقيم عن درب والديه و أهله الصالحون.

و هكذا ابتدأت الطرقات تخلوا من الماره ما عدا أطفال متناثرون على جنبات الطريق بين مسافة و أخرى
مما زاد من وعورة الطريق بالنسبة إليه..و زادها وحشة و كآبه

حتى بدا له مراده من بعيد..في آخر الطريق بجانب شجرة السنديان العتيقة...

تسارعت دقات قلبه أكثر و أكثر...يداه تتعرقان و ترجفان..ساقيه يشعر بهما رخوتان لا تكادا تقويا حمله..

و البيت يبدوا لناظريه اقرب فاقرب حتى أصبح لا يرى غيره..طغى على عالمه كله..

الآن و قد أصبح أمامه لم يعد يفصل بينه و بين الماضي سوى طرقة باب

- دق دق ...
ينتظر هنيهة و لكن ما من مجيب فيعيد الكره
- دق دق دق...
و هكذا و لأكثر من عشرة دقائق و ما من مجيب حتى تسلل اليأس الى نفسه و استدار ليغادر قبل ان يسمع همهمة..
- دق دق ...هل من احد؟
- رويدك يا من تطرق الباب..
توقف قلبه بين أضلعه لثواني عند سماعه الصوت..
هذا الصوت...نفس الصوت لم يغير فيه الزمن شيء ابدآ ..ذلك الصوت ببحته الناعمة..

فُتح الباب و لكن بشكل يسير ليسمح لمن وراءه بمشاهدة من جاء دون ان يسمح للطرف الأخر بالرؤية

أطلت عينان متسائلتان..قبل أن يغزوهما الإدراك و تتسعا ذهولاً..
- ............
- أسماء..
- تمالكت أسماء نفسها بصعوبة جمة و استقامت في وقفتها ولكنها لم توسع فتحة الباب قيد أنمله
- لماذا..
- اجل..اعرف أني تأخرت أكثر من ربع قرن قالها و هو يبتسم بمرارة
- لماذا
- حسناً..ألن تدعيني إلى الدخول اولاً ؟
نظرت إليه أسماء بجمود ثم شرعت الباب له فتقدم داخلاً لكأنه عاد فتياً في الثامنة عشره من جديد
ثم استدار إليها فجأة
- عمي....؟
نظرت إليه بذات الجمود ثم قالت
- في الأعلى..
- هل لك..اعني هل أستطيع أن أراه؟
- لا أظن ذلك ..انه تعب و لن يتحمل الصدمة
- بالله عليك يا أسماء..قومي بالتمهيد له
- لا أستطيع
- أرجوك
- كلا
- يا الهي..لم أعهدك بهذه القسوة

اكتفت بالنظر إليه بعينين خاويتين لكأنها أغلقت على روحها ستار من حديد.. و هكذا كان, فان سمحت له برؤية ما يعتمل بداخلها من ثورات و مشاعر و حنين و غضب فلا شك أن حسن الذي تعرفه سيسخر منها و يسعى إلى استغلال ضعفها

حسن...من كان ابن عمها و صديق طفولتها و مثلها الأعلى ...حسن.. من قام بتدمير عالمها و ضيع أسرتها و فرق شملهم..حسن.. من قتل أحلامها و خنق أمالها و حكم على مستقبلها و مستقبل أهله جميعاً بالدمار

لماذا..لماذا عاد؟



رد حسن مدركاً ما يجول في بالها من خواطر: لهذا يجب أن أراه

أجابته أسماء بمرارة لم تستطع إخفائها :
- لماذا..التنهي ما لم تستطع انهاءه منذ ثلاثين عاماً؟ صدقني لقد أنجزت مهمتك على أكمل وجه في حينه..لم يكن بك من حاجه إلى العودة

- أسماء.. أنا لا أستطيع أن ألومك لما تحمليه من غضب و كراهية بل لا أستطيع حتى أن أناقشك أو أن أسعى لتبرير ما فعلته و لكنني بشر..إنسان اقترف ذات يوم ما لايغتفر... و هاأنذا اليوم بعد أن خمدت فورة الشباب و هجع شيطاني..هانا ذا قد عدت ليس لاعتذر عما فعلته..فلا أظن أن هناك ما يمكن أن يكفر عنه و لكن قد عدت سائلاً الله أن تقبلوني بينكم من جديد ..أن ترضوا باحتوائي و ضم حزني إلى حزنكم , أن نطوي صفحة الماضي بكل ما فيها.. لم يعد في العمر مثل ما قد مضى فهل يجوز أن نقضيه و نحن نحمل أحقادنا و أحزاننا .. لم يعد لنا مما كانت يوماً تشكل اعرق و اكبر أسره في القرية سوى بعضنا البعض, بضعة أنفار لن يجديهم العيش على ذكرى أحقادهم نفعاً.. ليت الذكريات تعيد لنا ما كان..ليت الحقد يحي من قد مات لكنت غذيته من دمي من فكري و من قلبي..و لكن ما حدث قد انتهى و انقضى و آن أوان دفنه..


- أتظن الأمر بهذه السهولة؟ احقاً تظن ما اقترفته يمكن أن يُمحى و يدفن بمجرد بضعة كلمات منمقه و عبارات استعطاف تقولها؟ اهذ ما يقوله لك ضميرك الذي استيقظ بعد ثلاثون عاماً ؟ ماذا دهاك ؟ ألا تدرك هول ما اقترفته يداك ؟أم أن خلايا ذاكرتك أصابها الهرم ؟؟ أتريدني أن أقوم بتذكيرك؟ أم ربما تريد أبي القعيد المريض نتاج فعلتك السوداء أن يذكرك بما كان ؟

- صدقيني لست بحاجه لأحد ليذكرني بما كان..فإذا كان ماضي بالنسبة لك و لعمي..فهو واقع أحياه يوم بيوم... لا..لا احتاجك لإنعاش ذاكرتي عزيزتي.. إني لأكاد اشتم رائحة الأرض في ذلك اليوم..اشعر بهبوب الرياح في وجهي.. اشعر أشعة الشمس ألحارقه على وجهي ...

يضحك بمرارة.. تريد تذكيره....كأنه لا يحيا أحداث ذلك الصيف من عمره كل يوم عشرات المرات.. لقد أصبحت الذكرى هي واقعه الوحيد..أما حياته أليوميه فهي مجرد روتين و عمل آلي لا يكاد يدري ما تفاصيلها و كيف يقوم بها.

------------------------------------


يجدر به أن يكون بالحقل... لا شك أن أباه سيلقي عليه محاضره من محاضرته التي أصبح مؤخراً يحفظها عن ظهر قلب
أطلق زفره ضيق ثم رفس بقدمه حجر من أحجار الطريق ..عله ينفس عن شيء من غضبه..الغريب انه لا يدرك سبب هذا الغضب..

منذ متى أصبح يكره الذهاب إلى الحقل.. لقد كان الحقل هو ملعبه و متنفس صباه..

و لكن مؤخراً أدرك انه لا يجوز لمن كان بمستواه الاجتماعي أن يعمل في الحقل مثله مثل الفلاحين المطحونين..لقد حاول إقناع أباه بتأجير من يقوم بحرثها و حصادها و لكنه رفض حتى سماع الفكره
بل لقد حاول ايظاً أن يقنعه بتوكيل عمه بشئون الأرض كلها..من حرث و حصاد مقابل اجر أو نسبه معينه بينما يقوم هو فقط بالإشراف..أليس ذلك أفضل لوجيه القرية و ابنه ؟

حتى عمه لم يقتنع بالفكرة.. كم يشعر بالغضب منه..هو لا يستطيع التعبير عن غضبه من والده و لكن مع عمه الأمر مختلف.. لقد أصبح يفتعل شجاراً تلو الآخر معه.. ربما بحكم صغر سنه نسبياً عن أبيه و ربما بسبب معرفته بقدرته التأثيرية على أبيه فلو شاء لأقنعه..و لكنه يعشق الأرض مثله مثل أباه و يستحيل أن يقتنع بوجهة نظره.

كان أباه هو الأخ الأكبر و الأكثر ثراءاً رغم إنه و أخاه ورثا ثروة متساوية و لكن عمه انفق نصفها في علاج يائس لزوجته المتوفاة..و كمصاريف لدراسة ابنه الأكبر ياسر في المدينة.

و عند هذه النقطة توقف حسن عن التفكير..ياسر.. لقد ابتدأت مشاكله هو عند عودة ياسر حاملاً شهادته متفاخراً بها

اجل..الآن يستطيع أن يقول انه بدء بكره الأرض و الذهاب إلى الحقل منذ عودة ياسر
أصبح يشعر بهذا الغضب الهائل بداخله منذ عودة ياسر
أصبح أباه يقارن كل ما يفعله بما فعل ياسر و يضرب فيه المثل

حتى أسماء ابنة عمه الغالية و أكثر من يحب من أقربائه لم يعد لها من حديث إلا عن أخيها الأكبر ياسر

وجد نفسه يتبسم لا شعورياً عند تفكيره بأسماء..يالها من طفله ذكيه ..الآن وقد قاربت على دخولها ربيعها الرابع عشر فقد أصبحت تستشيط غضباً إذا ما ناداها احد بطفله.. لله درها من فتاه كم يشعر بالفخر بها عندما يتناقل الأهل نوادر فطنتها و ذكائها المتوقد.


- حسن... في أي عالم تحلق أيها الرجل..
تنبه حسن من أفكاره على صوت صديقه دغمان فتبسم له قائلاً
- هنا..و هناك... ما الذي أتى بك إلى قريتنا؟
- هههه لماذا..هل هي حصراً عليكم يا أصحاب السعادة..


هل هي نبرة حقد هذه التي تظهر في صوت دغمان أم انه هيئ له؟؟ لا شك انه توهم ذلك..قد يكون الغضب الذي بداخله يجعله يتوهم أشياء لا أساس لها من الصحة..فلماذا سيحقد عليه دغمان؟ فهما صديقان مقربان منذ ما يقرب السبعة اشهر.. التقى به في زيارة صلة رحم لعمته التي تسكن في القرية المجاورة
عندما خرج مع أبناء عمته ليعرفوه على القرية و أهلها....انشغل أبناء عمته الثلاثة بأصدقائهم و تركوه يهيم وحيداً في القرية حتى كاد يشتبك في شجار مع عصبة فتيان لولا أن جاء دغمان و أمرهم بالكف عنه.

اعُجب به من ساعته..اُعجب بجو السلطة الذي يحيط به ..و الثقة ألمطلقه التي تنعكس في كلامه و تصرفاته, ووجد نفسه رويداً رويدا يقلده في الكثير من تصرفاته.

- حللت اهلاً و نزلت سهلاً..و لكني أتساءل فليس من عادتك العروج علينا, غالباً ما أكون أنا الضيف المثقل عليك
- لا تقل هذا يا رجل..تعرف أنني اسعد بك و بصحبتك و يسرني استقبالك في أي وقت,, أما بالنسبة لزيارتي فقد أحببت أن أمر عليك لأمر ما..
- عساه خير؟
- لا تقلق..سأحدثك به لاحقاً أما ألان عليك أن تكرم ضيافتي و تدعوني إلى فنجان قهوة


اصطحب حسن, دغمان إلى داره .. و ما أن دخلا و رأته والدته حتى هتفت
- حسن..ما بالك لست بالحقل..
- بالله عليك يا أمي ليس هذا بالوقت المناسب للعتاب..لدي ضيف وعلينا حسن إكرامه

تنبهت ألام لمرافق حسن وتيقظت حسن ضيافتها فقامت من فورها ترحب بالضيف و تسأله عما يفضل شربه

استقرا في الحديقة الخلفية يشربان القهوة و يتنادمان و إن كان حسن أدرك أن صديقه مشغول البال و لكنه لم يشاء استعجاله في الحديث.

- حسن..هناك أمر يشغل بالي
- اجل لقد بدا هذا جلياً لي.. هل لي بمعرفة الأمر
- انه ياسر ابن عمك

فوجىء حسن من عبارة دغمان .. ما علاقة ياسر بصديقه دغمان؟؟ و كيف وصل إليه؟
- ما هذا الذي تقول يا رجل..ياسر ابن عمي عبد الله؟ ما شأنك به؟

- بل قل ما شِأنه هو بي...هتف دغمان عبارته بغضب و حقد شديدين..حتى أن حسن بهت و لم يدري ما يرد
- ......

- هل تذكر ما حدثتك به عن ابنة شيخ قريتنا و التي اعتزم التقدم خاطباً لها؟
- اجل
- لقد قام ياسر بخطبتها
- يا الهي..كلا...لا شك انك تمزح
- و هل هذا موضوع يحتمل الهزل !

- أللعنه.. ألا تكون إشاعة إذا ؟ قد تكون مجرد أشاعه لا أساس لها من الصحة..أنت تعرف كيف تجري هذه الأمور و كيف تنبثق منها إشاعات لا حصر لها تربط كل يوم بين عزاب القرية و بناتها و بنات القرى ألمجاوره.


- لقد حدثت أمها أمي بما كان... لقد تحدث الرجال و قبِل أباها و لم يعد هناك سوى تحديد موعد عقد القران..
- رباه..يالها من صدفه كريهة..لا عليك يا أخي لا شك أن القدر يخبىء لك من هي أجمل و افضل منها.

ثارت ثائرة دغمان و صرخ قائلاً:

- أتظن الأمور بهذه السهولة؟؟ هذه الفتاه كانت جوازي الوحيد نحو شخصيه محترمه و مقبولة اجتماعياً..و لقد ضاعت..ضاع مني جواز الحياة الكريمة.. و كل هذا بسبب ابن عمك المعتوه!!

- ما هذا الكلام الذي تقوله؟ أي فرصه وحيده أيها الأحمق..ألا تدرك انك و بأموال أبيك تستطيع مصاهرة من تشاء من أكارم الأسر؟


- هه ... أضحكتني اضحك الله سنك.. قالها بمرارة فائقة..
- ما بالك يا رجل؟
- حسناً... سوف أخبرك بسري..و لكن..إياك ثم إياك أن يشيع خبر ما سوف أقوله لك..سوف لن اتهم سواك..
- إذا أسألك أن تعفيني
- بل أصر على أخبارك..لتعرف مدى أهمية الموضوع بالنسبة لي
- ....

- لم تمض عشرون عاماً بعد على استقرارنا في القرية....مازال الكثير من سكان القرية يعتبرنا دخلاء و أغراب.. و لكن الاكثريه تقبلتنا و أولتنا الاحترام الكافي ..قد يكون هذا لطيب أصلهم أو لأموال أبي
- اياً كان السبب..فنحن راضون بما أنجزناه و ما نلناه من احترام و اعتبار حيث كان هذا غرضنا الأساسي من هجرة قريتنا الاصليه و الاستقرار في ارض غريبة ووسط ناس لا يعرفونا..
أتدري لماذا؟

- لماذا...
- جدي....والد أبي..و من قبله أبيه و من قبله جده و جد جده و هكذا إلى مالا أستطيع إحصاءه من شجرة العائلة كانت مهنتهم الجزارة....

لم يستطع حسن إخفاء الصدمة التي ظهرت جليّه على وجهه.. فتبسم دغمان بمرارة..

- ٌترى...أكنت تصادقني لو انك تعرف هذا...
- دغمان..
-
- لا تقل شيء..أنا لا ألومك فهذه موروثات تلبستنا و سيطرت على مفاهيمنا..فكما أنني لا أستطيع عمل شيء حيال تغيير نظرة الناس أدرك انك لا تستطيع عمل شيء لتغيير نظرتك أنت

- لا تقل هذا... بالله عليك..أنت تعرف أني لا أعير هذا الكلام بالاً..لا فرق بيننا جميعاً إلا بالتقوى.


- دعك من كلام النثر و اخبرني..لو كان لديك أخت..أو فلنقل لو تقدمت طالباً يد ابنة عمك..ماذا سيكون ردك؟
ازدرد حسن ريقه بصعوبة و زاغت نظراته و لم يستطع أن يواجه بها صديقه.

- أترى.. لهذا أقول لك أن ابنة الشيخ كانت فرصتي الوحيدة و ألفرصه التي لن تعوض..لقد قامت أمي بفتح حديث من باب جس النبض ووجدت قبولاً ملحوظاً من أمها..و لكن أبي كان يتخوف أن يقدم على خطوه رسميه فيجابه بالرفض..رغم أن أمي أخبرته أن امرأة الشيخ تكاد تكون أجابتها اجابه مباشره بان نعم و بأنها استشارت زوجها في الأمر.

لم أكن اعلم بما ينتويه ابن عمك..لذلك لم أقم باستعجال أبي...و لكن الان..لا أقول إلا أن ابن عمك هو من جنى على نفسه..فقد خطب على خطبة أخيه ..

- و لكن لا تنسى يا دغمان انه لم يكن يعرف ما تعتزمه..فلا تستطيع لومه لهذا
- يالله..انك تقف معه!...لم أتوقع هذا ابدآ رغم انه ابن عمك و لكني ظننت انك ستقف معي أنا..ليس فقط لأني صديقك و لكن لأن الحق معي ايظاً!

- انا معك قلباً و قالباً ولا يخُفى عنك عدم استلطافي لياسر....و لكني أحاول أن اكون موضوعي..و ذلك لأخفف عنك الألم.
- لا شيء سيخففه...مالم...
- مالم ماذا؟
- مالم ينسحب ابن عمك
- و كيف تتوقع أن ينسحب؟؟

- تحدثه... نحدثه كلينا.. سوف اخبره بما أخبرتك لو لزم الأمر.. انه إنسان جامعي و متعلم و في الأخير لا بد أن الحوار المنطقي سيلقى قبولاً لديه.

- لا ادري..لا أريد أن أخيب أمالك و لكن ياسر ليس كما يحاول أن يوحي للناس به
- ماذا تعني
- اعني انه ليس على هذا القدر من سعة الصدر و الأفق.
- يجب أن أجرب على أية حال...قبل أن الجاء لوسائل أخرى.
- أي وسائل أخرى..! دغمان بالله عليك لا تفكر بالقيام بعمل متهور.
- دعنا لا نستبق الأمور.
- اذاً..متى ترغب بالحديث معه..
- الآن إن أمكن.
- لا أظن ذلك..فهو يرافق والدي و عمي إلى الحقل منذ عودته..يقول بأنه يريد الانخراط في الأرض حتى يستطيع تطبيق ما درسه..
- و متى يعود
- مساءا...تستطيع المكوث هنا حتى عودته
- كلا....أفضل الذهاب ثم ألعوده لاحقاً
- كما تشاء يا صديقي
- إلى اللقاء لاحقاً
- في حفظ المولى

انطلق دغمان خارجاً و هو متجهم غارق في أفكاره تاركاً حسن بدوره في دوامة أفكار...

يا لهذا القدر.. لماذا من بين فتيات القرية و القرى المجاوره قام ياسر باختيار نفس الفتاه التي يريدها دغمان............ ابن عمه و صديقه........ كفة من يفترض به أن يرجح..

العقل و المنطق يقول له أن ياسر ليس مذنب..فهذا حق شرعي له طالما لم يعلم بما ينتويه دغمان..

و لكن ما قاله له دغمان زاد في تعتيم صورة ياسر و جعله يراه كجاني...يسلب الفرصة الوحيدة لضحية التخلف المتوارث في المجتمع في عيشه كريمه و صوره لائقة كما وصفها هو بنفسه.

يا لهذه التقاليد الباليه التي تقيدنا و تجرنا ورائها قرن بعد قرن و جيل بعد جيل و نحن نسير ورائها كالنعاج..
و لكن بأي حق ينتقدها...لقد أصابه سؤال دغمان في مقتل.... لم يعهد نفسه بهذه الرجعية و التخلف...أليس هو من يريد التمرد على تقاليد القرية الباليه..أليس هو من نصح أباه بالتوقف عن الذهاب إلى الحقل لما يراه فيه من مجهود غير مبرر طالما هناك من يقوم به..أليس هو من ينوي الذهاب إلى المدينة لتحصيل شهادة اكبر من شهادة ياسر و العودة إلى قريته ليعيد بناءها وفق أفكاره هو..

ولكنه يحب قريته كما هي...يعشق أرجائها النظرة و أهلها الطيبون...

يا لهذا الصراع الذي وجد نفسه فيه منذ فتره ..يريد ولا يريد..يحب ولا يحب...بغضب لأتفه الأسباب.....يتمرد على عادات طيبه نشاء عليها و تغلغلت في نفسه...ثم يجد نفسه يتبع منها السيئ دون تفكير...أهي فورة الشباب و ما يصحبها من تناقضات و صراع نفسي؟

أم انه يقف على مفترق طرق..... اختياره لأحد الطريقين سيحدد أي نهج ستسير عليه حياته.




- اهذا ما نبذت ارض أجدادك لأجله...الجلوس في الحديقة سارحاً محدقاً في الفراغ..
- أبي؟
-
اعتدل حسن واقفاً ليحدث أباه..

- اعذرني يا أبي..لم استطع الذهاب اليوم فقد انشغلت مع صديقي دغمان.

- و ما هذا الأمر الذي لا يحتمل التأجيل و الذي أعاقك عن الحظور حتى من قبل الالتقاء بصديقك هذا.
تلعثم حسن...
- لقد..سوف..اعني لقد كنت انتظر مروره علي اليوم ليحدثني في شأن خاص به.

- اسمع يا بني.. أنا أدرك ما يجول في خاطرك و قلبك منذ وقت ليس بالقصير..أتظن أني لم الحظ تغيرك؟
لقد أنهيت الآن مدرستك و لقد كنت آمل انك ستنخرط من فورك في الحقل.. و لكن يبدوا أنني أسأت تقدير الأمور فلم تعد يا حسن ذاك الصبي الذي يعشق الأرض و يستنشق ترابها بحب ..و لكني واثق أن حبها يسري في عروقك و أن ما تمر به هو سحابة صيف و تزول و يعود حسن ابن الأرض الذي ربيته ليكمل مسيرتي و مسيرة الأجداد من قبل. الأرض يا بني هي ما يبقى بعد ذهابنا جميعاً...الأرض يا بُني وعدها الله للبناء ووُعدِنا نحن للفناء....و لهذا يا بني علينا أن نقوم بواجبنا تجاهها و لكني مستعد أن أبعثك إلى المدينة لتكمل تعليمك عسى خروجك من نطاق القرية و احتكاكك بالعالم الخارجي يجعلك تدرك مقدار قريتك لديك و تعرف قيمتها عند مقارنتها بما يحدث هناك, و عسى معرفتك هذه تعيدك إلينا كما كنت سابقاً..

- أبي..

- لا أريد إجابتك الآن..فكر فيما اقترحته عليك و من ثم بلغني بقرارك..و أنا سأقوم بسؤال ياسر عن ما نحتاجه من معلومات.

أنهى الأب حديثه ثم استدار مغادراً..تاركاً املآ و غضباً جديدين لدى حسن....أمل بتغيير حياته حسبما اقترح عليه والده..و غضب بأن ياسر دائماً هو المرجع الرئيسي في أي قرار أو اقتراح يتم تداوله.

كان حسن قد نسي موضوع دغمان كلياً في انشغاله بما حدثه به أبوه حتى جاء دغمان قاطعاً عليه حبل أفكاره من جديد

- دغمان؟ مرحباً بك من جديد
- هل لنا أن نذهب الآن
- حسناً..لقد عاد والدي و عليه لا بد أن ياسر ايظاً قد عاد إلى بيته
- هلم بنا..
قطعا الطريق صامتين حتى وصلا إلى المنزل الذي لا يبعد كثيراً عن بيت حسن..

- دق دق
- نعم نعم نعم..
و بسرعة البرق فُتح الباب و أطلت أسماء الصغيرة متوثبة سعيدة بهذا آلاتي اياً كان ليكسر الهدوء القاتل في منزلهم.
- حسسسن ...ظننته شخصاً آخر.

- شخصاً آخر مثل من أيتها الشقيه..من يسمعك يظن أن هناك زواراً يأتوكم غيرنا.
قالها مداعباً ليغيظها لعلمه أنها تشكو دائماً من قلة الزوار بعد وفاة والدتها.
- أين ياسر؟
- ياسر؟؟ ماذا تريد منه.
قالتها بفضول لإحساسها أن حسن لم يكن يستلطف ياسر و عموماً هو لم يكن يسأل عنه إطلاقا أثناء زياراته فمالذي جد عليه.
- سوف لن يقتلك سوى فضولك..أين ياسر وبسرعة فنحن على عجل.
و هنا تنبهت أسماء للشخص الآخر الذي يرافقه و ازداد فضولها..
- هممم... ياسر ..اظنه في الديوان يقرأ.
- اخبريه أننا هنا و سوف ننتظره في غرفة الضيوف.
قالها حسن و قام بالتحرك صوب ألغرفه دالاً دغمان على الطريق في حين ظلت أسماء تحدق خلفهم بفضول ثم لم تلبث أن هزت كتفيها في استغراب و انطلقت لتنادي ياسر.


- مرحباً بابن العم و صديقه العزيز
دخل ياسر إلى غرفة الضيوف مرحباً بهم..ويبدوا في عينيه تساؤل عما يريدوه
- مرحباً بك يا ياسر..هذا دغمان صديقي من القرية المجاوره اظنك تعرفه
- اجل اجل..مرحباً بك في بيتي
رد دغمان باقتضاب:
- شكراً
- "ياسر ... سوف لن نطيل عليك وسوف ندخل فوراً في صلب الموضوع." قالها حسن بحزم
أنت تعرف يا ابن العم أن خطبة المسلم عل خطبة أخيه لا تجوز...
- اجل..؟
- حسناً... خطبتك لابنة شيخ قرية دغمان لا تجوز
اعتدل ياسر في مقعده و بدا التوجس في ملامحه..
- ما هذا الذي تقوله..و عل أي أساس أعلنت عدم جوازها
- على أساس أن دغمان كان قد تقدم لها قبلك
- حسناً ؟
و هنا نهض دغمان غاضباً
- حسناً ؟ أما زلت تتساءل؟ أظن الأمر واضح بما فيه الكفاية..عليك أن تنسحب..
اجابه ياسر بمنتهى البرود
- و لماذا انسحب.. أن كنت قد تقدمت طالباً يدها وتقدمت أنا بعدك غير عالم بهذا و تم اختياري..فأين حجتك في الموضوع؟ أنا لا أرى أن هناك ما يبرر طلبك و اتهامكم لي باني خطبت على خطبتك.

و هنا تدخل حسن بغية تهدئة الأوضاع
- في كلامك شيء من الصحة يا ياسر..و لكن هناك ظروف و مبررات أخرى نعجز عن الإدلاء بها لك تجعل ما طلبه منك دغمان مبرر ... لقد جئنا آملين أن تعليمك و عليه سعة أفقك سيبررا لنا ما طلبناه.

- ما زلت لا أرى في ما قلته ما يمكن أن يجعلني أعيد التفكير
تبادل دغمان و حسن النظرات..ثم التفت دغمان إلى ياسر قائلاً:

- ياسر..سوف ائتمنك عل سر ظل طي الكتمان ما يقرب العشرون عاماً و شاء القدر أن أبوح به اليوم مرتين........أنا ممن يطلق عليهم مصطلح" بدون اصل" .... و ابنة الشيخ هي أملي في الحصول على هذا " الأصل" و بالتالي تأصيل أبنائي من بعدي, و كنت قد نجحت في الحصول على رد مبدئي بالقبول قبل ان تتقدم أنت.

- ما هذا الذي تقوله؟ أتعني انك تجرأت و تقدمت خاطباً يد ابنة الشيخ و أنت ذو اصل وضيع؟؟
صرخ ياسر بوجه دغمان غاضباً
اسود وجه دغمان و لم يدر ماذا يقول و لكن حسن هب غاضباً

- ما هذا الهراء الذي تقوله يا ياسر....اهذا ما عدت لنا به من ألمدينه؟ اهذا تعليمك الذي حصلت عليه و لا تنفك تتخايل به أمام أهل القرية كلها؟ بأي شرع و بأي حق تتهم أصله بالوضيع؟؟ ألأن أجداده امتهنوا مهنه صنفها الجهلة في زمنهم بأنها لا تليق بأبناء الأصول ؟

نظر ياسر إلى حسن ببرود و رد عليه
- اصمت يا حسن..أنت ما زلت صغير في السن و لا تفقه شيء .. يبدوا إنني سأضطر إلى تنبيه عمي بشأن الصحبة الفاسدة التي تسايرها...الم تجد إلا ابن الجزار ليكون صديق لك..ماذا سيقول الناس إذا ما عرفوا.

و هنا هب دغمان مذعوراً
- كلا أرجوك يا ياسر... ما أخبرتك به هو سر جاهدنا في الحفاظ عليه و بذلنا المستحيل ليظل طي الكتمان..استحلفك بالله أن لا تحدث به اياً كان.

رد حسن مخاطباً دغمان
- لا تترجاه! هو أدرى بالامانه و حملها....إن كان ضميره سيسمح له بان يخون ما ائتمنته عليه فهذا شأنه و ربه. هيا بنا...لا مقام لنا هنا..لقد أخبرتك بأن لا أمل يُرجى في ياسر.

تردد دغمان قبل أن يتحرك ذاهباً ثم التفت إلى ياسر عند وصوله إلى باب الخروج قائلاً

- ياسر.. إذا اصريت على إتمام الخطبة فهذا شانك..لا أستطيع القيام بشيء لمنعك..و لكن إن تحدثت بما أخبرتك به..فهذا سيصبح شأني أنا..سوف تعطيني الفرصة التي أريدها لأروي غليلي و حينها.....لا تلومن إلا نفسك.


- و الآن ماذا
كانا قد أصبحا على مشارف القرية عندما تحدث حسن أخيرا سائلاً دغمان.

- لا ادري..ارغب في استجماع أفكاري و إعادة النظر في الموضوع كله,,لم أتوقع إطلاقا أن يكون ياسر على هذه الدرجة من التجلد.
- لقد أخبرتك.. و لكن كان لا بد من المحاولة حتى ترى بنفسك
- ارجوا أن تعذرني يا حسن لقد أقحمتك في ما ليس لك به شأن
- لا تقل هذا بالله عليك..
- لا بأس عليك.. استودعك الله و لنا لقاء قريب
- استودعك الله...دغمان...لا تجعل ياسر يكدرك..لا شك ستجد مخرجاً مما أنت فيه بأذن الله تعالى
- خير إنشاء الله.


تركه حسن يمضي في طريق قريته و اتجه عائداً إلى البيت..

في اليوم التالي وقبل أن تشرق الشمس كان حسن قد توجه إلى الحقل...
فوجىء والده عندما وصل إلى الحقل ووجد حسن قد سبقه فابتسم بفخر لابنه.. و مضى النهار سريعاً و حان موعد عودتهم إلى البيت .. و في الطريق إلى البيت اقترب حسن من أبيه و قال له

- أبي..بالنسبة لما أخبرتني البارحة.. لقد أعدت النظر في الأمر ... لم اعد ارغب في الذهاب الى المدينة.. على الأقل ليس الآن ولا في المستقبل القريب.
- و ما الذي جعلك تغير رأيك هكذا
- لقد أدركت أن الذهاب إلى المدينة و الدراسه فيها ليس سبباً مضموناً لنيل الثقافة و سعة الأفق التي انشدها و أنني أستطيع الحصول عليها وأنا هنا من خلال المطالعة.
- و ما الذي جعلك تصل إلى هذا الاستنتاج
لم يرد حسن فقال له والده
- اخبرني..هل من سبب معين
اخيراً اجاب حسن قائلاً
- ليس هناك سبب معين و لكني كنت أفكر في عدة أمور حتى توصلت لهذه النتيجة
نظر إليه أبوه بعمق..و هو يدرك أن هناك ما يخفيه و لكنه ابتسم له اخيراً قائلاً
- اياً كان سببك فانا سعيد لأنك توصلت إلى هذا القرار, ارجوا أن تكون أوليته التفكير الكافي ووصلت إليه عن قناعه تامة
- و هو كذلك يا أبي...أنا واثق من صحة خياري تماماً.

و هكذا انخرط حسن كلياً في العمل بالأرض بروح جديدة مليئة بالإصرار و العزيمة و أصبح يقضي فيها اغلب أوقاته

بعد مضي أسبوع على زيارة دغمان ألسابقه.. و في نهار مختلف كلياً عن ذلك النهار و عن الحالة النفسية التي كان يمر بها حسن .. عاد حسن الى بيته بعد نهار شاق ليجد والدته باستقباله و يبدوا على وجهها القلق
- حسن..صديقك الذي كان برفقتك الأسبوع الماضي ينتظرك منذ ما يقرب الساعة...و هو..لا يبدوا بحاله حسنه
اندفع حسن إلى الداخل و هو يشعر بتأنيب ضمير ..لقد نسي كل ما يختص بموضوع دغمان في انشغاله بنفسه..ياله من صديق..
- دغمان..مرحباً بك أخي... يا الهي!! ما بك يا رجل؟
لم يتوقع حسن أن يجده على هذه الصورة المزرية...كان يبدوا كرجل فقد كل ما يهمه ...زائغ النظرات شاحب الوجه ... لا يمت إلى دغمان الواثق بنفسه بصله
- خبرني بالله عليك...ماذا هناك؟
- لقد فعلها
- من هو و ما هي ؟؟
- ياسر..! ياسر ابن عمك..لقد اخبر الشيخ بحقيقة أصولنا....
- عليه اللعنه!! يا له من وضيع عديم الامانه ! و ماذا قال الشيخ؟
- لم يقل شيئاَ...لقد فعل..
- ماذا تعني؟
- لقد أرسل برجال القرية ليحرقوا منزلنا و يبسطوا على أراضينا
- ..........
- طُردنا من القرية شر طرده عقاباً لنا على تجرؤنا على خطبة ابنة الشيخ و على إخفاء حقيقتنا طوال هذه السنين.... أما أختي فقد طلقها زوجها ما أن عرف بالخبر.. بيتنا حُرق عن بكرة أبيه..بالكاد استطعنا الهروب بأرواحنا.. أموالنا؟؟ لم يعد لنا من شيء...كرامتنا المستعارة مُرغت في الوحل...قاموا بإخراجنا من القرية و أطفال القرية يلحقوننا و يرشقونا بالشتائم و الحجارة......

شعر حسن انه يحلم..لا يعقل أن يكون هذا كله حقيقة..لا يمكن... ابشر هؤلاء أم وحوش؟
إلى ما قبل أسبوع..أسبوع فقط..كان دغمان يحيا حياه كريمه شريفه واثق من نفسه سعيد في بيته و مع أهله محترم في قريته .. إلى ما قبل أسبوع و هو يحسد دغمان على حياته و ثقته بنفسه...
.كيف يعقل أن يذهب هذا كله في غمضة عين..و لماذا؟ لأجل خزعبلات و خرافات متوارثة.

بالكاد استطاع حسن الكلام
- و أين استقر بكم المقام الآن
- سخرية الأقدار...عدنا إلى قريتنا ألام...والدي طريح الفراش من يومها..أختي تندب حظها العاثر ليل و نهار..أمي ممزقه ما بين الحالة الصحية لأبي و النفسية لأختي...و أنا....أنا عاجز عن عمل أي شيء ! لقد جئتك اليوم متسللاً خشية أن يصيبني هنا ما صابني في قريتنا...اعني...قريتنا ألسابقه

قالها و شرد بنظراته من جديد..

مازال حسن مصدوماً لا يقوى الحديث.... كيف دُمرت حياة أسره كاملة... من الملام الرئيسي في هذا.. اهو مجتمع القرية الذي يقدس خزعبلات الأجداد...أم هو ياسر من خان الامانه و باح بالسر و عرض دغمان و أسرته لهذا الدمار..

بل هو ياسر...
و ما أن وصلت أفكاره إلى هذه النقطة حتى شعر بنفسه يكاد ينفجر غيظاً و غضباً و حقداً...لو كان ياسر أمامه في هذه اللحظة لهجم عليه يمزقه بيديه العاريتين.

نهض حسن فجاءه فتنبه دغمان من شروده و سأله
- أين ستذهب
لم يجبه حسن بل تحرك صوب الباب و خرج من الغرفة و من ثم من المنزل متجهاً صوب منزل عمه عبدالله


- طخ طخ طخ
- من هناك؟
جاءه صوت أسماء مذعور من قوة الطرق على الباب
- افتحي الباب يا أسماء هذا أنا حسن
فتحت أسماء الباب و هي مستغربه و زاد استغرابها عند رؤيتها لحسن و ما ارتسم على وجهه من غضب شديد
- حسن... ماذا هناك
- أين أخاك
- ياسر؟ لقد ذهب هو وأبي إلى زيارة للقرية المجاوره
- ذهب للاحتفال بفعلته...قالها حسن محدثاُ نفسه
- ماذا؟؟
لم تكد أسماء تنهي سؤالها حتى دار حسن على عقبيه مغادرا
انطلق حسن لا يلوي على شيء متوجهاُ إلى القرية المجاوره وهكذا وصل إلى هناك مسابقاً الريح لا يكاد يشعر بخطو قدميه...و ما أن وصل حتى اتجه إلى منزل الشيخ عُمير ...

تمالك حسن أعصابه قبل أن يقرع الباب..فتح له الباب صبي صغير فسأله
- هل الشيخ عُمير موجود
- اجل و لكنه بالمجلس مع ضيوفه
- اخبره أن هناك من يريد التحدث إليه في أمر عاجل و هام
انتظر حسن عدة دقائق قبل أن يأتي الشيخ إليه متساءلاً عن هذا الزائر..

- مرحباً
- مرحباً أيها الشيخ,, أنا حسن بن سلمان من القرية المجاوره
- اجل اجل..استبشر وجه الشيخ عند معرفته بمن يكون و قال:
- أتيت في وقتك..تفضل على الرحب و السعه..عمك و ابن عمك قد سبقوك..
- اعذرني أيها الشيخ لم آتي في زيارة اجتماعيه..لقد أتيتك في شأن هام
- و ما هو ؟
- هل تأذن لي بالدخول و التحدث إليك على انفراد
- تفضل يا بني
قاده إلى غرفه منفصلة عن تلك التي يجلس فيها عمه و ياسر ثم التفت إليه متساءلاً
- ما هو هذا الأمر الخطير ؟
- في البداية أريد أن أقول أني لم آتي إليك إلا بعد صراع عنيف بين ضميري و بين ولائي العائلي
- خير يا بني؟ أفزعتني
- لقد سمعت عن تطاول بعض عديمين الأصل على سيادتكم و تجرأهم على طلب يد مصونتكم و أحزنني ما سمعت أيما حزن
عُقد حاجبا الشيخ عند تذكره ذلك و قال
- اجل...أترى إلى أي حال وصل بالناس انعدام الأخلاق
- اجل ..حسبنا الله و نعم الوكيل... و لكن هذه الحادثة هي ما جعلت ضميري يدفعني إلى المجيء إليكم
فانه لمن عظيم الجُرم أن تتعرضوا لموقف شبيه يقلل من مقامكم و لهذا كان لا بد أن أتدارك الوضع
- ما هذا الذي تقوله؟ أي موقف مشابه ؟
- حسناً سوف أخبرك بالقصة كاملة و لكن أريد أن أذكرك في البداية أن هذا قد لا يؤثر في كون ياسر شخص جيد و إنسان خلوق
- ما باله ياسر....قل ما لديك فوراً...
قالها الشيخ بعصبيه..

- ياسر هو ابن عمي.....بالتبني
- ماذا؟
- اجل... هو طفل لقيط تبناه عمي منذ أربعه و عشرون عاما
- يا لهذا الهراء... الديك دليل على ما تقول

- كلا..لا يوجد لدي أي دليل.. و لكن ما يهمني هوان ابلغ الامانه و اخلص ضميري من حمل هذا الوزر..الآن تستطيع أن تمضي قدماً و أنت تعرف حقيقته و لكن هذا لا يسيء إليه ارجوا أن لا يؤثر ما قلته لك في قرارك السابق بمصاهرتنا..و سنظل نحن نفخر بنسبتكم و إن كان عن طريق لقيط الاسره..و لكن الناس لا يعلمون بذلك و كل أملي أن لا يعلموا به بمرور الزمن.


- يا الهي..

- و لا اعتقد أنهم سيعلمون يوماً ...اعني..لا تجعلوا ما حدث من أمر عائلة"شديد " و انكشاف أمرهم بعد كل هذه السنين يؤثر عليكم ...فلا سبيل للمقارنة اعني أننا في القرية منذ أجيال...صحيح أن عمي هاجر لفترة من الزمن ثم عاد بياسر و لكن لا أظن الناس يدققوا على هكذا تفاصيل..أو حتى على حقيقة عدم شبه ياسر بأي منا آل سلمان فكما ترون نحن جميعاً نحمل ذات الملامح و يظهر جلياً لكل من يعرفنا أننا ننتمي لنفس العائلة ما عدا ياسر..
- يا الهي...

كان الشيخ مذهول و أكاذيب حسن تدخل إلىعقله و يصدقها رويداً رويدا حتى انتفض قائلاً
- هل أصبح الشيخ عُمير اهزوله في يد اللقطاء و عديمي الأصل..!! هل أصبح مشاعاً لكل ذو اصل وضيع!! كلا و ألف كلا!! سأريهم من هو الشيخ عُمير...
و انطلق خارجاً إلى المجلس..

تبسم حسن بسعادة و خرج في عقبه...لا يريد تفويت فرصة الشماتة في ياسر و رؤية ملامحه..

دخل الشيخ عُمير إلى المجلس كإعصار و انطلق إلى ياسر و امسك بخناقه
- أيها الوضيع الحقير...كيف تجروء على طلب مصاهرتي...

ذُهل ياسر و لم يسعه الرد..بينما قام أبوه للحيلولة بين الشيخ و بينه فالتفت إليه الشيخ و امسك بخناقه ايظاً قائلاً له
- و أنت...أتظن أني أبرئك. إن كنت تعرف حقيقة ابنك اللقيط فكيف تجروء على توسيخنا به !
- ما هذا الذي يجري؟؟ ما هذا الهراء الذي تقوله؟
- اصمت أنت و ابنك اللعين..لقد عرفت حقيقتكم... و احمد الله أن الأوان لم يفت بعد... اغربوا عن وجهي و غادروا منزلي قبل أن ارتكب جريمة ... هيا لا أريد لمنزلي أن يوُسخ بوجودكم ...اغربوا عن وجهي

كانت أسمى آيات الذهول مرتسمة على وجهي ياسر و أباه حتى لمح ياسر حسن واقفاً عند الباب يبتسم بشماتة و أدرك ياسر فوراً أن له يد في التحول العجيب لمعاملة الشيخ

- عمي..لا ادري ماهو السم الذي بثه حسن و لكن عليك ألا تصدقه
- تناديني بعمك أيها الوضيع!! قلت لك ان تغرب عن وجهي قبل ان اقضي عليك
- - أرجوك اسمعني
- اغرب عن وجهي!!!!!!
و هنا تدخل الأب و سحب إليه ياسر قائلاً
- هيا يا بني... علينا المغادرة من هنا
ثم التفت إلى الشيخ قائلاً:
- و إن كنت لا ترغب بمصاهرتنا فكان يكفي أن تقول كلا ...
صرخ الشيخ من جديد...: اغربوا عن وجهي...كيف تجرؤون على طلب المصاهرة !!

ظل الشيخ يصرخ وهو في حال شبه هستيرية فيما غادر ياسر و أبوه .. و يليهم حسن الذي اكتفى برمي ابتسامة شماتة على ياسر ثم انطلق في حال سبيله.

في اليوم التالي..


كانت الشمس في اتجاهها للغرب قد باشرت في رحلة العودة..و حسن ما زال في الحقل يعمل بنشاط ..
عندما سمع صوت يقول له:

- أتظن انك انتصرت علي..

التفت حسن فوجد ياسر واقفاً و الشرر يتطاير من عينيه ...
أدار له حسن ظهره من جديد و انكب يعمل ... فصرخ ياسر قائلاً :
- سوف لن تنجوا بفعلتك... صدقني..سأجعلك تندم على ما فعلته اشد الندم
مازال حسن متجاهلاً لياسر حتى جُن جنون هذا الأخير وأوشك على الانقضاض على حسن مهاجماً :
- سوف اجدع انفك أيها المعتوه سأجعلك تمشي بين الناس منكساً رأسك بخجل ...
قالها ياسر و اخرج من جيبه مطواة..

- كف يديك عن ابن عمك.....

نطق والد حسن بعبارته بحزم شديد جعل ياسر يتوقف هنيهة ليرى عمه و والده واقفين على بعد عدة أمتار...والده يبدوا مذهول مما يراه بينما عمه يقف بهيبة و جلال منتظراً منه الانصياع

- هذا بيني و بين حسن يا عماه لا شأن لك به و الأفضل أن تظل بعيداً عن الأمر

صرخ حسن بغيظ:
- تحدث بأدب مع والدي أيها النذل

و هنا..كانت هذه القشة التي قصمت ظهر البعير...انقض ياسر مهاجماً حسن الأعزل بسكينه.. و تدفقت دماء حسن......... ثم.........دوت طلقه شقت سكون الدقائق الاخيره من هذا النهار المشئوم..... شقت طريقها إلى صدر ياسر..... منطلقه من بندقية والد حسن..

بدا لهم أن الأرض توقفت عن الدوران.... و جمدت الشمس لدقائق من الزمن ترسل بأشعتها الاخيره حارقه..أكثر حرقة منها ساعة الظهيرة.... و رائحة الأرض....التي طالما عشقها آل سلمان امتزجت برائحة الدماء.....

و نظرات الذهول تعلو الأوجه جميعها.. ابتداء من وجه ياسر الذي يلفظ أنفاسه الاخيره إلى حسن الذي يمسك بذراعه الجريحة و ينقل نظراته ما بين أبيه و ياسر بذهول...إلى عمه ..والد ياسر الذي خر على الأرض ينظر إلى ابنه بتبلد و ذهول تام...انتهاءً بوالد حسن الذي خلا وجهه من اللون و تسمر في مكانه مذهولاً.
______

أصيب عبدالله والد ياسر بالشلل... لم تتحمل أعصابه منظر ابنه يُقتل على يد أخيه الأكبر الذي يكُن له أسمى آيات الحب و التقدير..

بينما اعتكف والد حسن في غرفته و اعتزل الناس ...بعد أن انتهت التحقيقات بأن الأب كان يدافع عن ابنه و تنازل عبدالله عن حقه..ليس نتيجة حبه لأخيه و لكن نتيجة الذهول التام الذي أصابه و لم يعد على أثره يدرك ما يدور .. لكأنه حلم..كابوس سينهض منه الجميع ليجد ياسر ابنه الحبيب.. حي..و أخاه الغالي مازال كما عهده ..

منذ ذلك اليوم المشئوم و حسن يسعى إلى رؤية أبيه و الحديث إليه و ذاك الأخير يرفض كلياً... محاولات ألام بالتوسط لابنها عند أبيه باءت كلها بالفشل... حتى جاء صباح يوم دخلت والدته عليه تقول له بأن أباه يرغب بالحديث إليه

توجه حسن إلى غرفة أبيه..متفائلاً... انه يدرك بطبيعة الحال أن أباه يحمله الذنب.. و يقدر موقفه..و لكنه يرغب بالحديث معه لثقته انه سيقنعه و يبعد هذه الأفكار عن رأسه

- أبي..
- ما أن رآه حسن حتى انحنى مقبلاً يديه..
- أبي..حمداً لله على سلامتكم...
- ....
- قد أخبرتني والدتي بأنك ترغب بالحديث إلي... أظن أن الأوان قد آن لنتحدث عن الموضوع و أبعاده
- اجل ....قد آن الأوان......... و قد تحدثت مع عمك
- حقاً؟؟؟تحدثت مع عمي؟؟ حمداً لله !! اذاً فقد عادت المياه إلى مجاريها...أشكرك يا رب على ما أنعمت علينا...
نظر إليه أبيه بجمود ثم قال
- اخبرني عمك بما فعلته في منزل الشيخ عُمير
- ........
- لماذا.. أين أخطأت في تربيتك حتى تكبر لتصبح على ما أصبحت عليه
- أبي...أنت لا تفهم الموضوع.... يجب أن تسمعني.... أنت لا تعلم مالذي فعله ياسر ليجعلني أقوم بما قمت به
- اصمت!!! لا تذكر اسم ياسر على لسانك...تستطيع أن تكذب عليه و تلفق له ما شئت و لن يستطيع هو أن يدافع عن نفسه بكلمه...... لقد رحل..توفي..بل قُتل!! قتلته أنا!! أنا الذي لم أطلق في حياتي رصاصه على سبع أو ضبع أو ابن آوى ...أطلقته على ابن أخي لحمي و دمي و كل هذا بسببك!! اجل بسببك...أنت من استفززت ياسر بتدمير أمله في الزواج و الادهى من هذا تشويه سمعته بكذبه وضيعه لا ادري من أين جاءك بها خيالك المريض ...أنت من أوصلنا جميعاً إلى ما نحن عليه....أنت شيطان هذه الاسره..بل أنت اللقيط!! لا يعقل أن تكون ابني من لحمي و دمي..و تصنع ما صنعت...

ظل حسن صامت منكساً رأسه..فقد قالها أبيه...لن يستطيع الدفاع عن نفسه أو تبرير موقفه طالما الطرف الآخر ياسر لم يعد موجود ليقول كلمته....لن يصدقه احد... لن يرغبوا بتصديقه حتى و إن جاء بدغمان ليؤكد كلامه..هذا إذا افترضتا أنهم سيقبلوا بشهادة دغمان..

- أريد منك أن تحزم أمتعتك و تغادر القرية
رفع حسن رأسه مذعوراً
- و لكن يا أبي
- لا أريد أن اسمع كلمه أخرى...أريدك أن تغادر القرية و لا تعود إليها ابدآ ما دمت أنا على قيد الحياة
سأعتبر انك قُتلت يوم قُتل ياسر...
أما كان هذا ما تريد...الآن تستطيع أن تغادر القرية إلى الأبد... بعد أن دسست السم في دماء أهلها..
اذهب إلى حال سبيلك ... انظر أين ستقودك قدماك لتكمل مسيرة الشر الذي تغلغل في عروقك...اذهب و انشر أكاذيبك و دمر علاقات و حياة و أعمار..

لم ينطق حسن بكلمه حتى انتهى أبيه من حديثه ثم قال

- استودعك الله يا أبي..في أمان الله و في حفظه..قد لا نلتقي مجدداً و لكن ...أنا اعلم بأنك و في أعماقك تدرك أني بريء مما نسبته إلي... لم تقبل أن تسمع دفاعي بحجة أن ياسر لم يعد موجود...و لكن لنا يوم نجتمع فيه جميعاً بما فينا ياسر عند من لا يأخذ بظواهر الأمور..و عندها ستعلم ...
في أمان الله أبي...

قام حسن بحزم متاعه في حقيبة صغيره لم يضع فيها غير اليسير من حاجياته...و أمه تندب و تبكي...ودع أمه و هو يشعر انه يودع روحه و أنها تُنتزع منه بعنف و بدون أدنى مبرر... و خرج متجهاً إلى بيت عمه...المحطة الاخيره التي لا بد له أن يقف بها...

توقف حسن أمام الباب مطولاً... متردداً...لا يدري أيطرق الباب ليودع أسماء الصغيرة أم يرحل دون أي عبارة ..يرحل و يتركها لهم ليغذوا عقلها بما اتهموه به...
و يخسر آخر إنسان بل أكثر إنسان يعني له على وجه الأرض...
و بعد صراع بين رغبته في رؤيتها و بين ما هو الأفضل لها.....أدار حسن ظهره للباب و توجه صوب الطريق العام مغادراً قريته و أهله و أحبته.... بذنب لم يعد يدري إن كان صحيح أم لا..لم يعد يميز أين اخطىء و أين أصاب..لقد اخطىء..و لكن ليس بمقدار ما اتهم به.. و هاهو يتحمل وزر خطيئته أضعاف أضعاف ما تستحق
ألقى نظره أخيره على القرية...ثم استدار مغادراُ إلى الأبد
______________


كانت دموع أسماء تنهمر بغزاره و لم تتوقف دقيقه منذ ابتدأ حسن يقص عليها ما حدث....
لقد كانت طفله..طفله في ربيعها الثالث عشر على وشك الدخول بالرابع عشر... طفله وجدت عالمها ينهار من حولها فجاءه و بدون أي مقدمات.. و لم تجد من تلوم الا من كان الكل يلومه...

رغم صغر سنها...كانت تشعر في أعماقها أن حسن بريء من كثير مما نُسب إليه...فهي تعرف حسن ربما أفضل مما يعرفه أي شخص آخر
صحيح أن حسن كان ذو دم حار يفور لأبسط الأسباب..صحيح أن حسن كان مشاكس و كانت هي أول ضحايا مشاكسته و مشاغبته و لسانه الحاد..و لكنها كانت تعرف أن وراء هذا كله يكمن قلب ابيض و روح مثاليه متمرده على الواقع البائس من حولها....

نظرت أسماء إلى حسن بصمت.....و تبادلا نظرات صامته كانت ابلغ من كل ما قيل...
و اخيراً قالت أسماء
- انتظرتك طويلاً...
-.....
- حسن....لم يفت الأوان بعد
أشرق وجه حسن كألف شمس مضيئة وتفتحت ورود و أزهر الريحان... أشرق الكون فجاءه و مرة واحده ليمحي ظلام السنوات السابقة و ما عانوه فيها....... انتهى موسم العوسج و أزهر لهم الريحان.
أنا حامل كفني وفي طياته مازال يثقلني السؤال
كفني أخف علي من حمل السؤال فمن يزيحه
ما الموت,ما الميلاد ,ما الشرف الرفيع وما الفضيحة
أهي الحياة تريد إغواء الحياة..فما الحياة؟! و ما السؤالات الجريحة

ابو عز الدين
مشرف مجلس الفتوى
مشاركات: 416
اشترك في: السبت مارس 20, 2004 9:41 am

مشاركة بواسطة ابو عز الدين »

أن يأتي متأخراً خيراً من أن لا يأتي ابدا..


لقد جاء بصبح واضح المعالم وقد بانت موهبة متميزة بل وأكثر من رائعة حفظكم الله وزادكم من فضله ايضا :wink: وقلي عني مجامل بس هذا رأيي ((والِ ما يعجبوش :wink: )) هو حر :)
لا تضق ذرعاً بحالٍ *** فالذي سواك حاضرْ *** وهو بي أرحم مني *** كلما دارت دوائرْ *** لا تخف لا تخشَ مهما *** كنتَ للرحمانِ ذاكرْ

نور الهداية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 54
اشترك في: الاثنين مايو 02, 2005 3:07 pm

مشاركة بواسطة نور الهداية »

ما كل هذه المواهب شعر وقصص وما خفي كان أعظم

عندي لك اقتراح
8)
8)
8)



سلفيني بعض مواهبك وسأردها لك مضاعفة ( يعني ربا ) :lol: :lol:

جويـدا
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 406
اشترك في: الثلاثاء إبريل 12, 2005 9:56 pm

مشاركة بواسطة جويـدا »

الاخت العزيزة / آية
لقد تابعت قصتكِ منذ أول حلقة قمتي بنشرها هنا في المجالس ، و قد استمتعت كثيراً و أنا أقرأها.
حيث بما أننا جميعاً نقوم بمتابعة المجالس أولاً بأول و بالأخص المجلس السياسي للإطلاع على الأحداث المتزامنة معه، فقد وُفقتِ في اختيار التوقيت، فالجميع هنا أظن بحاجة إلى استراحة ولو قصيرة بسبب تراكم الضغوط داخل العقل البشري الصغير، سواء ضغوط نفسية في ظل الأحداث السياسية التي نعيشها اليوم - ليس هنا فقط - بل في شتى بقاع العالم، أم دينية أم اجتماعية أم اقتصادية..... عدد بلا حرج.
أشكركِ مرة اخرى اختي، و تابعينا بفاصلكِ الاستراحي القصير (تعبير لغوي جديد ولكن وجدته مناسباً هنا).
ودمتِ...
صورة

واصل بن عطاء
---
مشاركات: 885
اشترك في: الاثنين ديسمبر 01, 2003 1:02 am
مكان: مصر المحمية بالحرامية
اتصال:

مشاركة بواسطة واصل بن عطاء »

أختي الفاضلة آية
كون القصة نشرت بهذه الصورة في جريدة أمر غريب !!
أنت بالفعل موهوبة وأسلوبك جيد وواضح أنك غنسانة ذات عقلية ومثقفة ، ولكن لا يمنع من أن أنصحك بالتزود من القراءة خاصة لكبار الكتاب والروائيين .
الحوارات المتعاقبة بدون وصف مقبولة في المسرحيات ، ولكن يفضل في القصة أن تتحدث الأحداث أكثر من الشخوص ، وهذا ما تلاحظينه في جميع كتابات كبار الروائيين .
الموضوع بالنسبة لي ليس بالجيد إلا في حالة واحدة إن كان يعبر حقيقة عن تفكير بعض الناس في بلد ما ، فهل أهل اليمن يفكرون فعلا بهذه الطريقة ؟؟؟؟؟؟؟
أما مهنة الجزار فهي عندنا مهنة عادية ، ومن يمتهنها من زمان له مكانة خاصة فهو دائما كبير المنطقة وأكثر أهل المنطقة (في الأحياء الشعبية) ثراء وجبروتا .
كما كان من الشعراء من امتهن الجزارة مثل أبي الحسين الجزار القائل
كيف لا أشكر الجزارة ما عشت ** حفاظا وأرفض الآدابا
وبها صارت الكلاب ترجيني ** وبالشعر كنت أرجو الكلابا
لكن اعتقد ان الحال في اليمن ليس كما صورت لنا فرد الأخت جويدا يوحي بأنها فهمت أن القصة خفيفة ومسلية تريح قليلا من الضغوط العصبية التي نعانيها .
مع خالص تحياتي .
الموت لأمريكا .... الموت لإسرائيل .. النصر للإسلام (عليها نحيا وعليها نموت وبها نلقى الله عز وجل )

((لا بد للمجتمع الإسلامي من ميلاد، ولا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام.)) الشهيد سيد قطب

الأثير
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 59
اشترك في: الثلاثاء مايو 17, 2005 10:47 pm
مكان: الأثير

مشاركة بواسطة الأثير »

أنا أعتبرها محاولة جادة وجديرة بالإشادة ولا يمنع من التنويه بأهمية القراءة لكبار الكتاب فهذا يزيد من الخبرة ويصقل الموهبة التي فرضت نفسها وكشفت عن ملامحها وفقك الله وتمنياتي لك بالتوفيق
فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك ، فو اللَّه لا تمحو ذكرنا و لا تميت وحينا و لا تدرك أمدنا و لا تدحض عنك عارها ، و هل رأيك إلاّ فند وأيّامك إلاّ عدد و جمعك إلاّ بدد ، و يوم يناد المناد ألا لعنة اللَّه على الظالمين

آية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 82
اشترك في: الأحد إبريل 03, 2005 3:16 pm
مكان: صنعاء

مشاركة بواسطة آية »

الشكر لكل من علق على القصه , و اعتذر عن غيابي

اخي الفاضل عز الدين ..مجامله اسعد بها :wink:

عزيزتي نور الهدايه..اخجلتم تواضعنا 8)

اختي جويدا..يسعدني انك وجدتيها استراحه مسليه :)

اخي الكريم واصل..عندنا في اليمن نظام طبقي عنصري اصيل.. الجزارون و الحلاقون و غيرهم من اصحاب بعض الحرف يصنفوا بأنهم ادنى طبقات المجتمع اياً كان وضعهم المادي و يحرم تحريما|ً تاماً على "اولاد الناس" و هم كل من ينطوي في غير هذه الفئه الزواج منهم بل و الاختلاط بهم الى حد معين

صدقني اخي الكريم, هو وضع غير سار ابداً و ان كنت ذكرته مجرد ذكر في القصه دون معالجه حقيقيه,

و حتى الان في بعض المناطق اليمنيه اذا ما تجراء احد ابناء"المزاينه" و هو مصطلح اخر لهم على التقدم بطلب مصاهرة اسره اخرى ..فحدث ولا حرج عما يمكن ان يصيبه

نروح بعيد ليش, لي ابن عم درس في الجامعه في بلد عربي و كانت له زميله يمنيه مصنفه من هذه الفئه و هي فتاه مخلقه و قمه في الادب و التدين, و لم يُخفى علينا اعجاب ابن عمي بها.زو عندما سألته لما لا يفكر بان يتوج اعجابه هذا و يتمم نصف دينه؟
اجابني بالحرف" انتي بعقلش؟ ما عيقولوا الناس!"

و بعد حوار و اخذ و رد وصل لاجابه اخرى اسكتتني و هي" انه لا يريد ان يظلم ابناءه بأم ينظر اليها الناس بأنها اقل من غيرها!

حسبنا الله و نعم الوكيل..و نتهم الغرب بالتعصب..
أنا حامل كفني وفي طياته مازال يثقلني السؤال
كفني أخف علي من حمل السؤال فمن يزيحه
ما الموت,ما الميلاد ,ما الشرف الرفيع وما الفضيحة
أهي الحياة تريد إغواء الحياة..فما الحياة؟! و ما السؤالات الجريحة

واصل بن عطاء
---
مشاركات: 885
اشترك في: الاثنين ديسمبر 01, 2003 1:02 am
مكان: مصر المحمية بالحرامية
اتصال:

مشاركة بواسطة واصل بن عطاء »

يا نهار أسود ومطين !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
لا إذا كان الأمر كذلك فهو يحتاج لمعالجة أشد قوة وقسوة على مجتمع يفكر بهذه الطريقة المتخلفة ..
وقد أحسني عقد ما يسمونه (بالحبكة) وذكرتني بمسرحية بها نفس الحبكة المستخدمة في قصتك اسمها (بيومي أفندي) للمسرحي الرائع يوسف وهبي .
أحسنتي وأنا في انتظار إبداع جديد .
الموت لأمريكا .... الموت لإسرائيل .. النصر للإسلام (عليها نحيا وعليها نموت وبها نلقى الله عز وجل )

((لا بد للمجتمع الإسلامي من ميلاد، ولا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام.)) الشهيد سيد قطب

آية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 82
اشترك في: الأحد إبريل 03, 2005 3:16 pm
مكان: صنعاء

مشاركة بواسطة آية »

اخي واصل..و ما خفي كان اعظم :(

الاخ الكريم الاثير, فاتني تعليقك , و اشكرك على تمنياتك الطيبه
أنا حامل كفني وفي طياته مازال يثقلني السؤال
كفني أخف علي من حمل السؤال فمن يزيحه
ما الموت,ما الميلاد ,ما الشرف الرفيع وما الفضيحة
أهي الحياة تريد إغواء الحياة..فما الحياة؟! و ما السؤالات الجريحة

نشوان الحميري
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 625
اشترك في: الأربعاء أكتوبر 06, 2004 10:39 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة نشوان الحميري »

الأخت الكريمة آية...... لا أدري ما ذا أقول ولكني منذ زمن طويل لم اقرأ قصة بهذا الطول ومع ذلك لم أستطع مفارقة شاشة الكمبيوتر حتى اكملتها ..... سيدتي أنت تعالجين موضوعا مهما جدا وأسأل الله أن يكتب أجرك على ذلك...... والله لقد كدت ابكي وأنا أقرأ هذه القصة .... كدت أبكي على دغمان وأسرته وعلى ياسر وثقافته وعلى حسن وشهامته ومن كل هذه العادات الجاهلية التي أتى الإسلام ليخلصنا منها قبل أربعة عشر قرنا ولكننا نرفض إلا أن نمرغ انفسنا في الوحل..... قصة رائعة رائعة رائعة ..... أهنئك من كل قلبي :D
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }{وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ }الشعراء83-85
صورة

آية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 82
اشترك في: الأحد إبريل 03, 2005 3:16 pm
مكان: صنعاء

مشاركة بواسطة آية »

اخي الكريم نشوان..ماذا اقول .. حقيقة اسعدني ردك جداً.. :oops:

----

اخي الكريم واصل اشكرك ايضاً على النقد البناء فيما يختص بالحوار المسرحي وفعلاً لفت نظري الى هذه الموضوع.
أنا حامل كفني وفي طياته مازال يثقلني السؤال
كفني أخف علي من حمل السؤال فمن يزيحه
ما الموت,ما الميلاد ,ما الشرف الرفيع وما الفضيحة
أهي الحياة تريد إغواء الحياة..فما الحياة؟! و ما السؤالات الجريحة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأدب“