رحم الله الإمام الخميني وتجاوز عنه وألحقه بآبائه الصالحين.
وقد أنشأت ملف يحتوي على مجموعة كبيرة من خطابته ويمكن تحميله من
الكوثر:
ومن خطاب له رحمه الله:
"أما فيما يتعلق بالإسلام فقد شرعوا بالترويج لمقولة أن الإسلام دين مرن – كان لا بد أن يتقدموا في خطتهم بشكل تدريجي – قالوا بأن الإسلام عقيدة تدور حول الدعاء والذكر، وتمثل نوعا من الإرتباط بين الإنسان والخالق، وأن لا علاقة له بالسياسة ولا علاقة له بالحكومة، وقد بلغت مساعيهم الإعلامية في هذا المجال حدا ترك أثره على العلماء أيضا. لذا أصبح العديد من العلماء يتساءل ما هي العلاقة بين العالم والسياسة؟ وما هي علاقته بالحكومة؟ ما هي علاقته بنظام الحكم، فلينشغل العالم بالصلاة في المسجد وما شابه ذلك من الممارسات وليدرس ويبحث، وليشغل نفسه بتوضيح آداب الإسلام للناس.
لقد أدرك هؤلاء بأن ما يؤديه العلماء من صلاة فرضها الإسلام لا تمثل أي ضرر عليهم، فليصلّوا ما شاؤوا، ليقطعوا صلتهم بالنفط ثم ليصلوا ما شاؤوا، ليصلوا حتى تنقطع أنفاسهم، وليدرسوا ما طاب لهم، وليتباحثوا حول دروسهم ما طاب لهم، لكن ليكفّوا أنفسهم عن التدخل ضد السياسات الإستعمارية وليدعوهم وشأنهم.
وقد روجوا لهذه المعاني إلى درجة جعلت السواد الأعظم من الناس يقتنع بصحة هذه الأمور. والآن يدور همس حول عدم أرجحية تدخل العلماء بالسياسة! فليس من شأن العلماء أن يدققوا النظر في طبيعة الحكومة، أو أن يطالعوا في ممارسات هؤلاء الظلمة من الناس، وأن على العلماء أن يهتموا بمدارسهم وإقامة صلاة الجماعة في الظهيرة والمساء، حتى أن الناس لا ينظرون إلى العالِم في غير هذه الدائرة.
يزعمون أن الإسلام في الأساس لا علاقة له بالسياسة، فالدين لا علاقة له بالسياسة. السياسة لهم ولنا الدين، ومراكز القوة والنفوذ في أيديهم وما تبقى من مساجد مليئة بالعجزة فهي لنا، وتلك هي القسمة التي ارتضَوها سابقا وما يزالون.
والذين تجرأوا قليل، نعتوهم بالرجعية، فالدين إنما جاء إلى البشر لكي يغفوا على أحلامه، هذا هو الدين في زعمهم! الدين هو نتاج أو وسيلة الأثرياء والأقوياء، لكي يحذروا به الناس، ومن ثم يصادرون حقهم ومقدراتهم. شيئا فشيئا راح الناس يصدقون مزاعمهم، حتى أنك لتجد بعض العلماء والمعممين يرددون وراءه: لا.. لا يمكن أبدا تطبيق الشريعة.. إنه أمر يعود إلى 1400 سنة.
هكذا عرّفوا الإسلام إلى المجتمعات الإسلامية، فالإسلام صلاة وصوم، ولا شأن له بحياة الشعوب، وأن العلماء يستخدمون الدين كأفيون للأمة، لكي تغفو وتنام وتضعف، لكي يسلبهم الدين قدرة الرفض والمقاومة إزاء غارات الناهبين، وأبواقهم تروّج لكل هذا وذلك يصدقهم، حتى المتنورين دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في القرآن والسنة.
لا ينبغي لنا أن نصدق كل ما يقال أو يروّج له بين الناس أنها من نوع من الأمراض.. المعدية، فالإنسان السليم لا ينقل موضوعا أو يعمل على نشره دون تفحص وتأمل.
ولا يلزمنا بحث عميق في القرآن، إن مجرد مطالعة ولو سطحية سترشدنا إلى أهداف الأنبياء.. ولماذا بعثهم الله إلى الناس جميعا.. وهل حقا أنهم جاؤوا يدعون الجماهير إلى النوم، وهل كانوا حقا عملاء للأقوياء.
وهل جاء القرآن للذكر والدعاء وكتابة الحروز؟ هل طالعوا القرآن حقا؟ هل عرفوه؟ من يطالع القرآن يرى فيه آيات عن الحرب.. تدعو إلى حرب، حرب من؟ حرب الأقوياء – ليست آية أو آيتين إنما آيات عديدة تبحث في الحرب- ولقد كان تاريخ الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تاريخ حرب مع الأقوياء، والقرآن كتاب (حركي) أكثر منه في شيء آخر. كتاب يدعو الشعوب إلى النهوض، إلى كسر الجمود والخنوع والصراع مع الطواغيت.
ومذ بُعث النبي في الحجاز، تصدى له الأقوياء وحاربوه، بعضهم كانوا تجارا أثرياء في مكة، وبعضهم "الطائف" كانوا من أصحاب النفوذ والقدرة والمال كأبي سفيان وغيره. إنهم يعيشون حياة البذخ والترف كالسلاطين لا يعوزهم شيء.
وكان صراع النبي مع هؤلاء. وعندما هاجر إلى المدينة، عاش مع الفقراء لا مع الأثرياء، عاش مع الفقراء ليستيقظوا، ليهبّوا من رقادهم ويواجهوا الأثرياء، الذين أسسوا ثراءهم على نهب الفقراء، ولقد كانت حروب النبي كثيرة وكانت كلها مع الأثرياء والظالمين.
ولنغص أكثر في التاريخ، فنقف عند سيدنا موسى (سلام الله عليه)، لقد حمل عصاه وواجه فرعون مصر..
إنه لم يقف إلى جانب فرعون ويدعو الناس إلى الإستسلام!! لقد هب موسى بعصاه وأعلن الدعوة إلى الله..
وإبراهيم الذي حمل فأسه ليحطم أصنام الطغاة، ووقف يتحدى الظالمين دفاعا عن الجماهير، لقد كانوا يرَون واجبهم في النهوض ضد الظلم الذي يصبّه الأقوياء على الأمم المغلوبة، فكيف يمكننا أن نقول إن الدين هو من صنع الأقوياء لكي تغفو عليه الشعوب؟ إنها دعايات الإستعمار التي يروّجها من أجل إبعادكم عن القرآن والإسلام ليحطموا حقد السد المنيع.. وقد أفلحوا في ذلك، وتحطم هذا السد أمام أعين المسلمين، واستسلم المسلمون لنوم عميق، ثم دعَوهم لحرب الإسلام دون وعي، وهذا هو معنى ما يقوله البعض ويردده، ما هي علاقة الإسلام بالحياة، هذه المقولة حرب على الإسلام، جهل الإسلام.. ما هي علاقة الإسلام بالسياسة؟.. إنها تعني حرب على الإسلام يقوم بها المسلمون أنفسهم.
ينبغي علينا أن نرى مع من كان رسول الله يحارب؟ مع أقوياء مكة وطواغيت الحجاز.. علينا أن ننظر الخلفاء من بعده.. الذين نقبلهم أو لا نقبلهم ضد من كانوا يحاربون.. لقد حشدوا قواتهم ضد سلاطين إيران وسلاطين الروم وحاربوهم.
لقد دعَوا الشعوب إلى النهوض لا إلى النوم.. دعَوا المستضعفين إلى الثورة ضد ناهبيهم.. ولقد فتحوا إيران وبلاد الروم، وكانت حربا من اجل الإسلام، ولم يكن هناك من يساوم السلاطين، وكان منطق الإسلام الحرب دون هوادة مع الطواغيت والأقوياء والناهبين. من أجل هذا حارب رسول الإسلام وخلفاؤه من بعده."