اللُهُوف على قتلى الطفوف

مجلس للمشاركات الأدبية بمختلف أقسامها...
أضف رد جديد
الموسوي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 427
اشترك في: الجمعة ديسمبر 19, 2003 12:19 am

اللُهُوف على قتلى الطفوف

مشاركة بواسطة الموسوي »

أقدّم لكم من كتاب اللُهُوف على قتلى الطفوف, ما يصف فيه حال القتال في يوم عاشوراء, و الكتاب هو أفضل مقتل جمع أحاديث فاجعة الطفّ المؤلمة من عمل السيّد عليّ بن موسى بن جعفر ابن طاووس الحسني الحلي المتوفى سنة 664هـ .
...المسلك الثاني: فِي وَصْفِ حالِ القِتالِ وَ ما يَقْرُبُ مِنْ تِلْكَ الحالِ
قالَ الرّاوي: وَنَدَبَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيادٍ أصْحابَهَ إِلى قِتالِ الحسين عليه السلامُ فَأتَّبَعُوهُ , و أسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأطاعُوهُ ,وَ أشْتَرى مِنْ عُمَرِ بْنِ سَعْدٍ آخِرَتَهُ بِدُنْياهُ ,وَدَعاهُ إِلى وِلايةِ الحَرْبِ فَلَبّاهُ ,وَ خَرَجَ لِقتالِ الحسين عليه السلامُ فِي أرْبَعَةِ آلافِ فارِسٍ ,وأتْبعَهُ ابنُ زيادٍ بِالعَساكِر ,حَتّى تَكامَلَتْ عِنْدَهُ _ إِلى سِتّ لَيالِ خَلَوْنَ مِنْ مُحَرَّم _ عِشْرُوْن ألفِ فارِسِ، فَضَيّقُوا عَلَى الحسين عليه السلامُ حَتّى نالَ مِنْهُ العَطَشُ وَمِنْ أصْحابِهِ ,فَقامَ عليه السلام وَاتَّكأ عَلى قائِمِ سَيْفه وَنادى بِأعْلى صَوْتِه,فَقالَ: أنْشِدُكُم اللهَ هَلْ تَعرِفُونَني؟
قالوُا : اللَّهُمَّ ,نَعَمْ ,أنْتَ ابْنُ رَسوُلِ اللهِ وَسِبْطُهُ.
قالَ : أنْشِدُكم اللهَ هل تَعلَمُونَ أنَّ جَدّي رَسوُلُ الله!؟
قالوا: اللّهُمَّ , نَعَمُ.
قالَ: أنشِدُكُم اللهَ , هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ أبي عَلِيَّ بْنِ أبى طالِب عليه السلام ؟
قالُوا: اللَّهُمَّ ,نَعَمْ.
قالَ: أنْشِدُكُم اللهَ ,هَلْ تَعْلَموُنَ أنَّ أُمّي فاطِمَةَ الزَهراْ بِنْتَ مُحَمَّدٍ المُصْطَفى صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم ؟
قالوا: اللَّهُمّ، نَعَمْ.
قالَ: أنْشِدُكُمُ اللهَ ,هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ جَدَتّي خَديجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أوَّلُ نِساءِ هذِهِ الأُمّةِ إِسْلاما ؟
قالوا: اللَّهُمّ,نَعَمْ.
قال: أنْشِدكُم هَل تَعَلَمُون أنَّ حَمْزَةَ سِيَدُ الشهداءَ عَم أبيّ ؟
قالُوا: اللَّهُمّ ,نَعمْ.
قالَ: أنْشِدُكُمُ اللهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ جَعْفَرَ الطَيّارِ فِي الْجَنَّةِ عَمّي ؟
قالُوا: اللَّهُمّ ,نَعَمْ.
قالَ أنْشِدُكُمْ اللهَ ,هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ هذا سَيْفُ رَسُولِ اللهِ ,أنَا مُتَقَلِّدِهُ؟
قالوا: اللَّهُمّ ,نَعَمْ.
قال: اُنْشِدُكُمُ اللهَ ,هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ هذِهِ عِمامَةُ رَسُولِ اللهِ ,أنَا لابِسُها؟
قالوُا:أللّهُمَّ ,نَعَمْ.
قالَ :أنْشِدُكُمْ اللهَ ,هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ عَلِيّاً عليه السلام كانَ أوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلاماً وَأعْلَمُهُمْ عِلْماً وَأعْظَمُهُم حِلْماً وَ أنَّهُ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ؟
قالُوا: أللَّهُمَّ ,نَعَمْ.
قَالَ: فَبِمَ تَسْتَحِلُّونَ دَمي؟ و أبي عليه السلام الذائِدُ عَنِ الحَوضِ غَدَاً ,يَذُودُ عَنهُ رِجالاً كَما يُذادُ البَعيرُ الصادِرُ عَن الماءَ ,وَ لِواءُ الحَمْدِ فِي يَدِ أبي يَوُمَ القِيامَةِ؟!.
قالُوا: قَدْ عَلِمْنا ذلِكَ كُلَّهُ , وَنَحْنُ غَيْرُ تارِكِيكَ حَتّى تَذُوقَ المَوْتَ عَطَشاً!
فَلَمّا خَطَبَ هذِهِ الخُطْبَةَ وَسَمِعَ بَناتُهُ وَأخْتُهُ زَيْنَبُ كَلامَه , بَكَيْنَ , وَنَدبْنَ وَلَطَمْنَ وارْتَفَعَتْ أصْواتُهُنَّ ,فَوَجَّهَ إِلَيْهِنَ أخاهُ العَبّاسَ وَعَلِيَّاً ابْنَهُ وَقالَ لَهُما:أسْكِتاهُنَّ , فَلَعَمْري لَيَكْثُرَنَّ بُكاؤُهُنَّ.
قالَ الراوي: وَوَرَدَ كِتابُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيادٍ عَلى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ يَحُثُّهُ عَلى تَعْجيلِ القِتالِ وَيُحَذِّرُهُ مِنَ التَّأخِيْرِ وَالإهْمالِ ,فَرَكِبُوا نَحْوَ الحُسَيْن عليه السلامُ .
وَأقبَلَ شمرُ بنُ ذي الجَوْشَنِ فَنادى: أيْنَ بَنُو أخْتي عَبْدَاللهِ وَجَعْفَرُ وَالعبّاسُ وَ عُثْمانَ ؟
فَقالَ الحسين عليه السلامُ : أجيبُوهُ وَ إنْ كانَ فاسِقاً فإِنَّهُ بَعُضُ أخْوالِكُم.
فَقالوُا لَهُ :ما شَانُكَ ؟
فَقالَ: يابَني أخْتي أنْتُمْ آمِنوُنَ , فَلا تَقْتُلوا أنْفُسَكُمْ مَعَ أخيكِمُ الحُسَيْن عليه السلامُ والزَمُوا طاعَةَ أميرِالمُؤْمِنينَ يَزيدَ.
قالَ: فَناداهُ العَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلامُ : تَبَّتْ يَداكَ وَلَعَنَ ما جِئْتَنَا بِهِ مِنْ أمانِكَ , يا عَدوَ اللهِ , أتَأمُرُنا أنْ نَتْرُكَ أخانا وَ سَيَّدَنَا الحُسَيْنَ بْنَ فاطِمَةِ ,وَنَدْخُلَ فِي طاعَةِ اللُعَناء وَ أوْلادِ اللُعَناءِ.
قالَ: فَرَجَعَ شمرُ إِلى عَسْكَرِهِ مُغْضَباً.
قالَ الراوي: وَلَمّا رَأىَ الحُسَيْن عليه السلامُ حِرْصَ القَوْمِ عَلىَ تَعْجيلِ القِتالَ وَقِلَّةِ انْتِفاعِهِمْ بِمَواعِظِ الفِعالِ وَالمَقالِ، قالَ لأَخيهِ العَبّاسِ عليه السلام : إِنْ اسْتَطَعْتَ أنْ تَصُرِفَهُمْ عَنّا فِي هذَا اليَوْمِ فَأفْعَلْ ,لَعَلَّنا نُصَلّي لِرَبِّنا فِي هذِهِ اللَيّلَةِ ,فَإِنَّهُ يَعْلَمْ أنّي أحِبُّ الصلاةَ لَهُ وَتِلاوَةََ كِتابِهِ.
قالَ الراوي : فَسَألُهُم العَبّاسُ ذلِكَ , فَتَوَقَّفَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ! فَقالَ عَمْرُو بْنُ الحَجّاجِ الزبَيْدي : وَاللهِ لَوْ أنَّهُمْ مِنَ التُرْكِ وَالدَيْلَمِ وَسَألوُنا مِثْلَ ذلِكَ لأجَبْنَاهُمْ , كَيْفَ وَهُم مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم ؟
فَأجابُوهُم إِلى ذلِكَ .
قالَ الراوي: وَجَلَسَ الحُسَيْن عليه السلامُ , فَرَقدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ ، فقالَ : يا أخْتاهُ , إِنّي رَأيْتُ السّاعَةَ جَدّي مُحَمَّداً صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم وأبي عَلِيّاً و أمّي فاطِمَةَ وَ أخي الحَسَنَ , وَ هُمْ يَقُولُونَ : يا حُسَيْنُ , إِنَّكَ رائِحٌ إِلَيْنا عَنْ قَريبٍ.
وَ فِي بَعْضِ الرواياتِ: غَدَاً .
قالَ الراوي: فَلَطَمَتْ زَيْنَبُ وَجْهَها وَصاحَتْ وَبَكَتْ , فَقالَ لَها الحُسَيْنُ :مَهْلاً لاتُشْمِتي القَوْمَ بِنا.
ثُمَّ جاءَ اللَيْلُ فَجَمَعَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ أصْحابَهَ , فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنى عَلَيْهِ , ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقالَ: أمّا بَعْدُ. فإنّي لا أعْلَمُ أصْحابَاً خَيْراً مِنْكُم وَلا أهلَ بَيْتٍ أبَرَّ وَلا أفْضَلَ مِنْ أهْلِ بَيْتي، فَجَزاكُمُ اللهُ جَميعاً عَنّي خَيْراً , وَهذا اللَيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلاً , وَلْيَأخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ رَجُلِ مِنْ أهْلِ بَيْتي وَ تَفَرَّقُوا فِي سَوادِ هذَا اللَيْلِ , وَذَرُوني وَهؤُلاء القَوْمِ فَإِنَّهُمْ لايُريدُوَن غَيْري.
فَقالَ لَهُ إِخْوَتُهُ وأبْناؤهُ وأبْنلءُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ : وَلِمَ نَفْعَلْ ذلِكَ ؟! لِنَبْقى بَعْدَكَ ؟ لاأرانا اللهُ ذلِكَ أبْدَاً ، وَبَدأهُمْ بِذلِكَ القَوْلِ اَلعَبّاسُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلامُ ثُمَّ تابَعُوهُ.
قالَ الراوي: ثُمَّ نَظَرَ إِلى بَني عَقيلٍ وَ قالَ: حَسْبُكُمْ مِنَ القَتْلِ بِصاحِبِكُمْ مُسْلِم , اذْهَبُوا , فَقَدْ أذِنُتْ لَكُمْ.
وَرُوِيَ مِنْ طَريقٍ آخر ,قالَ :فَعِنْدَها تَكَلَّمَ اخْوَتُهُ ,وَجَميعُ أهْلِ بَيْتِهِ ، وَقالوُا: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ , فَما يَقُولُ النّاسُ لَنا؟ وَماذا نَقُولُ لَهُمْ ؟ نَقُولَ لَهُم : إِنّا تَرَكْنا شَيْخَنا وَكَبيرَنا وابْنَ بِنْتِ نَبِيَّنا , لَمْ نَرْمِ مَعَهُ بِسَهْمٍ ,وَلَمْ نَطْعَنْ مَعَهُ بِرُمْحٍ ,وَلَم نَضْرِبْ مَعَهُ بِسَيْفٍ ؟! لا وَاللهِ _ يا ابْنَ رَسُولِ اللهِ _ لانُفارِقُكَ أبدَاً , وَلَكِنّا نَقيكَ بِأنْفُسِنا حَتّى نُقْتَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَرِدَ مَوْرِدَك , فقَبَّحَ اللهُ العَيْشَ بَعْدَكَ.
ثُمَّ قامَ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ , وَقالَ : نَحْنُ نُخَلّيكَ هكَذا وَ نَنْصَرِف عَنْكَ !؟ وَقَد أحاطَ بِكَ هذَا العَدُوُّ ؟! لا وَاللهِ لايَرانِيَ اللهُ أبَدَاً وَأنَا أفْعَلُ ذلِكَ , حَتّى أكَسِّرَ فِي صُدُوِرهِمْ رُمْحي, وأضارِبَهُم بِسَيْفي ما ثَبَتَ قائِمُهُ بِيَدي , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لي سِلاحٌ أقاتِلُهُم بِهِ لَقَذَفْتُهُمْ بِالحِجارَةِ , وَلَمْ أفارِقَكَ أوْ أمُوتَ دوُنَكَ.
قالَ: وَقامَ سَعيدُ بْنُ عَبْدِاللهِ الحَنَفي ,فَقالَ: لا وَاللهِ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ لانُخَلّيكَ أبَدَاً ,حَتّى يَعْلَمُ اللهُ أنّا قَدْ حَفِظْنا فيكَ وَصِيَّةَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم ,وَلَوْ عَلِمْتُ أنّي أقْتَلُ فيكَ ثُمَّ أحْيى ثُمَّ أحْرَقُ حَيّاً ثُمَّ أذْرى , يُفْعَلُ ذلِكَ بي سَبْعينَ مَرَّةً ما فارَقْتُكَ حَتّى ألْقى حِمامي دُونَكَ ! وَكَيْفَ لاأفْعَلُ ذلِكَ؟ وَإنّما هِيَ قَتْلَةٌ واحِدَةُ ثُمَّ أنالُ الْكَرامَةَ الَتي لاانْقِضاء لَها أبَدَاً.
ثُمَّ قامَ زُهَيرُ بْنُ القَيْنِ وَقالَ: وَاللهِ _ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ _ لَوَدَدْتُ أنّي قُتِلْتُ ثُمَّ نُشِرْتُ ألْفَ مَرَّةٍ , وأنَّ اللهَ تَعالى يَدْفَعُ بِذلكَ القَتْلَ عَنْكَ وَعَنْ هؤُلاء الفِتْيَةِ مِنْ إِخْوانِكَ وَ وُلْدِكَ وَأهْلِ بَيْتِكَ.
و تَكَلَّمَ جَماعَةٌ مِنْ أصْحابِه بِنَحْوِ ذلِكَ ، وَقالُوا : أنْفُسُنا لَكَ الفِداءُ ,نَقيكَ بِأيْدِينا وَوُجُوهِنا ، فَاِذَا نَحْنُ قُتِلْنا بَيْنَ يَدَيْكَ نَكُونُ قَد وَفَيْنا لِرَبِّنا وَقَضَيْنا ما عَلَيْنا.
وَقيلَ لِمُحَمّدِ بُنِ بَشيرِ الحَضْرَمي فِي تِلْكَ الحالِ : قَد أسرَ ابْنُكَ بِثَغْرِ الريّ فَقالَ: عِنْدَ اللهِ أحْتَسِبُهُ وَنَفْسي , ما كُنْتُ أحَبُّ أن يُؤْسَرَ , وَأنا أبْقى بَعْدَهَ.
فَسَمِعَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ قَوْلَهُ فقالَ: رَحِمَكَ اللهُ , أنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعَتي فَأعْمَلْ فِي فِكاكِ ابْنِكَ.
فَقالَ أكَلَتْنِيَ السباعُ حَيّاً إِنْ فارَقْتُكَ.
فَقالَ : فَأعْطِ ابْنَكَ هذِهِ الأَثْوابَ وَالبُروُدَ يَسْتَعِنْ بِها فِي فِكاكِ أخيهِ , فَأعْطاهُ خَمْسَةَ أثْوابٍ قيمَتُها ألْفُ دينارٍ.
قالَ الراوي: وَباتَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ وَأصْحابُهَ تِلْكَ اللَيْلَةَ، وَلَهُمْ دَوِيٌّ كَدَّويِّ النَحْلِ , ما بَيْنَ راكِعٍ وَساجِدٍ وَقائِمٍ وَقاعِدٍ.
فَعَبَرَ علَيْهِمْ فِي تِلْكَ الليْلَةِ مِن عَسْكَرِ عُمَرَ بنِ سَعْدٍ اثْنانِ وَثَلاثُون رَجُلاً.
وَكَذا كانَتْ سَجِيَّةُ الحُسَيْنِ عليه السلامُ فِي كَثْرَةِ صَلاتِهِ وَكَمالِ صِفاتِهِ.
وَ ذَكَرَ اِبْنُ عَبْدِ رَبّهِ فِي الجُزْءِ الرابِعِ مِنْ كِتابِ ( العِقْدِ ) قالَ: قيلَ لِعَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ عليه السلامُ : ما أقَلَّ وُلْدُ أبيكَ؟
فَقالَ : العَجَبُ , كَيْفَ وُلِدَتُ لَهُ كانَ يُصَلّي فِي اليَوْمِ و اللَيْلةِ اَلْفَ رَكْعَةٍ , فَمَتى كانَ يَتَفَرَّغُ لِلنساءِ؟
قالَ: فَلَمّا كانَ الْغَداةُ أمَرَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ بِفُسْطاطٍ فَضُرِبَ فَأمَر بِجِفْنَةٍ فيها مِسْكٌ كَثيرٌ وَجُعِلَ عِنْدَها نُورَةً ، ثُمَّ دَخَلَ لِيُطَّلِيَ, فَرُوِيَ : أنَّ بُرَيْرَ بْنَ خُضَيْرِ الهَمْدانِي , وَ عَبْدَالرَحْمِن بْنَ عَبْدِ رَبّهِ الأَنْصاري وَقَفا عَلى بابِ الفُسْطاطِ لِيَطَّلِيا بَعْدَهُ، فَجَعَلَ بُرَيْرٌ يُضاحِكُ عَبْدَالرَحْمن , فَقالَ لَهُ عبْدُالرحْمن: يا بُرَيْرُ أتَضْحَكُ ؟ ما هذِهِ ساعَةُ ضِحْكٍ وَ لاباطِلٍ.
فَقالَ بُرَيْرُ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمي أنَنّي ما أحْبَبْتُ الباطِلَ كَهْلاً و لا شابّاً , وَ إِنَمّا أفْعَلُ ذلِكَ اسْتِبْشاراً بِما نَصيرُ إلَيْهِ فَوَاللهِ ما هُوَ إِلا أنْ نَلْقى هؤُلاء القَوْمَ بأسْيافِنا نُعالِجُهُمْ بِها سَاعَةً، ثُمَّ نُعانِقُ الحُوْرَ العِيْنَ.
قالَ الراوي : وَ رَكِبَ أصْحابُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ , فَبَعَثَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ بُرَيْرَ بنَ خُضَيْرِ فَوَعَظْهُم فَلَمْ يَسْتَمِعُوا و ذَكَّرَهُمْ فَلَمْ يَنْتَفِعُوا , فَرَكِبَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ ناقَتَهُ , وَ قيلَ فَرَسَهُ، فَأسْتَنْصَتَهُم , فَأنْصَتُوا، فَحَمِدَ اللهَ و أثْنى عَلَيْهِ وَ ذَكَرَهُ بِما هُوَ أهْلُهُ وصَلّى عَلى مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم وَ عَلى المَلائِكَةِ و الأَنْبِياء وَ الْرُسُلِ، وَ أبْلَغَ فِي المَقالِ.
ثُمَّ قالَ: تَبَّاً لَكُمْ _ أيَّتُها الجَماعَةُ _ وَ تَرَحاً , أَحِيْنَ اسْتَصْرَخْتُمَونا والهِينَ فَأصْرَخْناكُمْ مُوجِفينَ , سَلَلْتُمْ عَلَيْنا سَيْفَاً لَنا فِي أيْمانِكُم وَحَشَشْتُم عَلَيْنا نارَاً اْقتَدَحْناها على عَدُوِّنا وَعَدَوِّكُمْ , فَأصْبَحْتُمْ إلْباً لأعْدائِكُمْ عَلى أوْليائِكُمْ , بِغَيْرِ عَدْلٍ أفْشَوْهُ فيكُم ، وَلا أمَلٍ أصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ ! فَهَلاّ _ لَكُمْ الوَيْلاتُ_ تَرَكْتُمُونا وَالسيْفُ مَشِيْمُ والجَأشُ طامِنٌ وَالرَأيُ لمّا يُسْتَحْصَفُ، وَلكِنْ أسْرَعْتُم إلَيْها كَطَيْرةِ الذُبابِ وَتَداعَيْتُم إِلَيْها كَتَهافُتِ الفِراشِ, فُسُحْقاً يا عَبيدَ الأُمَّةِ، وَشُذّاذَ الأَحْزابِ وَنَبَذَةَ الكِتابِ، وَمُحَرّفِي الكَلِمَ، وَعُصْبَةَ الآثامِ وَنَفْثةَ الشيْطانِ ، وَمُطْفِئِ السُنَنِ، أهؤُلاء تَعْضُدُونَ؟ وَعَنّا تَتَخاذَلُونَ؟
أجَلْ _ وَاللهِ _ الغَدْرُ فيكُمْ قَديمٌ ،وَشَجَتْ علَيْهِ أصُولُكُمْ وَتَأزَّرَتْ عَلَيْهِ فُروْعُكُمْ ، فَكُنْتُم أخْبَثَ ثَمَرٍ شَجىً لِلنّاظِرِ وَ أكْلَةً لِلغاصِبِ.
ألا إِنَّ الدَّعِيَّ بْنَ الدَّعِيِّ قَدْ رَكَنَ بَيْنِ اثْنَتَيْنِ بَيْنَ السِلَةِ وَالذِلَّةِ، وَهَيهاتَ مِنَّا الذِلَّةُ ! يَأبَى اللهُ ذلِكَ لَنا وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ، وَحُجُوْرٌ طابَتْ وَطَهُرَتْ , وَأنُوفٌ حَمِيَّةٌ ، وَنُفُوسٌ أبِيَّةٌ مِنْ أنْ نُؤْثِرَ طاعَةَ اللِئامِ عَلى مَصارِعِ الكِرامِ ، ألا وَإنّي زاحِفٌ بِهذِهِ الأُسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ العَدَدِ وخِذْلانِ النّاصِرِ.
ثُمَّ أوْصَلَ كَلامَهُ بأبْياتِ فَرْوَةِ بْنِ مُسَيْكٍ المُرادِي :
فَإنْ نَهْزِمُ فَهَزّامُونَ قِدْماً * وَإنْ نَغلِبْ فَغَيْرُ مُغَلبينا
وَما إنْ طِبُّنا جُبنٌ ، وَ لكِنُ * مَنايانا، وَدَولَةُ آخَرينا
إِذا ما المَوْتُ رَفَّعَ عَنْ أناسٍ * كَلاكِلَهُ أناخَ بِآخَرينا
فَأفْنى ذلكُمْ سَرَواتِ قَوْمي * كَما أفْنى القُرُونَ الأَوّلينا
فلَو خَلَدَ المُلُوك إذنْ خَلَدْنا * وَلَوْ بَقِيَ الكِرامُ إذنْ بَقينا
فَقُلْ لِلشّامِتينَ بِنا أفيقُوا * سَيَلْقَى الشامِتُونَ كَما لَقينا
ثَم قالَ :وأيْمُ اللهِ ,لاتَلْبَثُونَ بَعْدَها إلاّ كَريثما يُرْكَبُ الفَرَسُ حَتّى تَدُورَ بِكُم دَوْرَ الرَحَى ، وَيَقْلَقُ بِكُم قَلَقَ المِحْوَرِ , عَهْدٌ عَهِدَهُ إِليَّ أبي عَنْ جَدّي ( فَأجْمِعُوا أمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُم ثُمَّ لايَكُنْ أمْرُكُم عَلَيْكُم غُمّةً ثُمَّ اقْضُوا إِليَّ وَلاتُنظِرُونِ * إنّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دابَّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ).
اللَّهُمَ احْبِسْ عَنهُمْ قَطْرَ السماءِ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ ، وَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلامَ ثَقِيْفٍ فَيَسُومَهُم كَأساً مُصَبَّرَةً فَإِنَّهَمْ كَذَّبُونا وَخَذَلُونا, وَ (أنْتَ رَبُّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أنَبْنا وَإِلَيْكَ المَصيرُ(
ثُمَّ نَزَلَ عليه السلامُ وَدَعا بِفَرَسِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم ( المُرْتَجُز ) فَرَكِبَهُ وَعَبَّأَ أصْحابَهَ للْقِتالِ.
فَرُويَ عَنِ الباقِرِ عليه السلامُ:أنَّهُم كانُوا خَمْسَةً وَأرْبَعينَ فارِساً وَ مِائَةَ راجِلٍ , وَ رُوِىَ غَيْرُ ذلِكْ.
قالَ الراوي: فَتَقدَّمَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فَرَمى نَحْوَ عَسْكَرِ الحُسَيْن عليه السلامُ بِسَهْمٍ ، وَقالَ: اشْهَدُوا لي عِنْدَ الأَميرِ أنّي أوَّلُ مَنْ رَمى, وَأقْبَلَتِ السهامُ مِنَ القَوْمِ كأنَّها القَطْرُ!
فَقالَ عليه السلامُ لأَصْحابِهِ : قُومُوا رَحِمَكُم اللهُ إِلى المَوْتِ الذي لابُدّ مِنْهُ ,فَإنَّ السِهامَ رُسُلُ القَوْمِ إِلَيْكُم.
فاقْتَتَلُوا ساعَةً مِنَ النَهارِ , حَمْلَةً , وَحَمْلَةً، حَتّى قُتِلَ مِنْ أصْحابِ الحُسَيْنِ عليه السلامُ جَماعَةٌ.
قالَ : فَعِنْدَها ضَرَبَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ يَدَهُ إِلى لِحْيَتِهِ وَجَعَلَ يَقُول : اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ تَعالى عَلى اليَهُودِ إذْ جَعَلُوا لَهُ وَلَداً , وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ تَعالى عَلَى النَصارى إِذْ جَعَلُوْهُ ثالِثَ ثَلاثَةٍ ، واشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَى المَجُوسِ إذْ عَبَدُوا الشَمْسَ وَالقَمَرَ دُوْنَهُ ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلى قَوْمٍ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهمْ عَلى قَتْلِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِم , أما وَاللهِ لا أجيبُهُمْ إِلى شَيءٍ مِمّا يُريدوُنَ حَتّى ألقَى اللهَ تَعالى وَ أنَا مُخَضَّبٌ بِدَمي.
فَرُويَ عَنْ مَوْلانَا الصادِقِ عليه السلامُ: أنَّهُ قالَ:سَمِعْتُ أبي يَقُولُ : لَمّا التَقَى الحُسَيْنُ عليه السلامُ وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ , وَقامَتِ الحَرْبُ أنْزَلُ اللهُ تَعالى النَصْرَ حَتّى رَفْرَفَ عَلى رَأسِ الحُسَيْنِ عليه السلامُ , ثُمَّ خُيِّرَ بَيْنَ النصْر عَلى أعْدائِهِ وَبَيْنَ لِقاءَ اللهِ ؟ فاخْتارَ لِقاءَ اللهِ.
رَواها أبُو طاهِر مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ النَرْسي فِي كِتابِ ( مَعالِمِ الدّينِ) .
قالَ الراوي: ثُمَّ صاحَ عليه السلام :
أما مِنْ مُغِيْثٍ يُغِيْثُنا لِوَجْهِ اللهِ؟
أما مِنْ ذابٍّ يَذُبُ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ الله؟
قالَ : فإِذا الحُرُّ بْنُ يَزيدٍ قَدْ أقبَلَ إِلى عُمرَ بْنِ سَعْدٍ فَقالَ: أمُقاتِلٌ أنْتَ هذا الرَجُلَ؟!
قالَ: إي _ وَالله _ قِتالاً أيْسَرُهُ أنْ تَطِيْرَ الرُؤُوسُ و تَطيْحَ الأَيْدي.
قالَ: فَمَضى الحُرُّ وَوَقفَ مَوْقِفاً مِنْ أصْحابِهِ, و أخَذَهُ مِثْلُ الإِفْكِلِ.
فَقالَ لَهُ المُهاجِرُ بْنُ أوْسٍ: وَاللهِ إنَّ أمْرُكَ لَمُريْبٌ, وَلَوْ قيلَ لي: مَنْ أشْجَعُ أهْلِ الكُوفَةِ؟ لَما عَدَوْتُكَ, فَما هذا الذي أرى مِنْكَ؟
فَقالَ: إنّي _ وَاللهِ _ أخَيِّرُ نَفْسي بَيْنَ الجنَّةِ والنارِ , فَوَاللهِ لا أختارُ عَلَى الجَنَّةِ شَيْئَاً وَ لَوْ قُطِّعْتُ وَأحْرِقْتُ .
ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ قاصِدَاً إِلى الحُسَيْنِ عليه السلامُ, وَيَدُهُ عَلىَ رَأسِهِ, و هُوَ يَقُولُ: اللّهُمَّ إِلَيْكَ أنَبْتُ فَتُبْ عَلَيَّ , فَقَدْ أرْعَبْتُ قُلُوبَ أوْلِيائِكِ وَأوْلادِ بِنْتِ نَبِيِّكَ.
فَقالَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلامُ: جُعِلْتُ فِداكَ !أنَا صاحِبُكَ الذي حَبَسَكَ عَنِ الرُجُوعِ وَ جَعْجَعَ بِكَ, وَاللهِ ما ظَنَنْتُ أنَّ القَوْمَ يَبْلُغُونَ مِنْكَ ما أرى، وَ أنَا تائِبٌ إِلى اللهِ تَعالى, فَهَلْ تَرى لي مِنْ تَوْبةٍ؟
فَقالَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ :نَعَمْ , يَتُوبُ اللهُ عَلَيْكَ ، فانْزِلَ .
قالَ: أنَا لَكَ فارِسَاً خَيْرٌ مِنّي راجِلاً, وَ إِلَى النُزولِ يَصِيْرُ آخرُ أمْري.
ثُمَّ قالَ: فَإذا كُنْتُ أوَّلَ مَنْ خَرَجَ عَلَيْكَ, فَأْذَنْ لي أنْ أكُونَ أوَّلَ قَتِيْلٍ بَيْنَ يَدَيْكَ، لَعَلّي أكُونَ مِمَّنْ يُصافِحُ جَدَّكَ مُحَمَّداً صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم غَداً فِي القِيامَةِ.
قالَ جَامِعُ الكِتابِ : إنَمّا أرادَ أوَّلَ قَتيْلٍ مِنَ الآنَ , لأَنَّ جَماعَةً قُتِلُوا قَبْلَهُ كَما وَرَدَ.
فَأذِنَ لَهُ , فَجَعَلَ يُقاتِلُ أحْسَنَ قِتالٍ، حَتّى قَتَلَ جَماعَةً مِنْ شُجْعانٍ وَ أبْطالٍ , ثُمَّ اسْتُشْهِدَ , فَحُمِلَ إِلَى الحُسَيْنِ عليه السلامُ فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُرابَ عَنْ وَجْهِهِ , وَ يَقُولُ: أنْتَ الحُرُّ كَما سَمَّتْكَ أمُّكَ حُرّاً فِي الدنْيا وَالآخِرَةِ.
قالَ الراوي : وَ خَرَجَ بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرِ , وَ كانَ زاهِدَاً عابِداً , فَخَرَجَ إِلَيْهِ يَزيدُ بْنِ المُغَفَّلِ فَأتَّفَقا عَلَى المُباهَلَةِ إِلى اللهِ تَعالى فِي أنْ يَقْتُلَ المُحِقُّ مِنْهُما المُبْطِلَ , وَتَلاقَيا فَقَتَلَهُ بُرَيْرٌ , وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتّى قُتِلَ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِ.
وخَرَجَ وَهَبُ بْنُ جَناب الكَلْبي , فَأحْسَنَ فِي الجِلادِ وَبالَغَ فِي الجِهادِ وَكانَ مَعَهُ امْرَأتُهُ وَوالِدَتُهُ , فَرَجَعَ إِلَيْهِما وَقالَ: يا أمّاهُ أرَضِيْتِ أمْ لا ؟
فَقالَتِ الأُم: ما رَضِيتُ حَتّى تُقْتَلَ بَيْنَ يَدَي الحُسَيْنِ عليه السلامُ .
وَقالَتْ امْرَأتُهُ : بِاللهِ عَلَيْكَ , لاتُفْجِعْني بِنَفْسِكَ.
فَقالَتْ لَهُ أمُّهُ: يا بُنَىَّ! أعْزِبْ عَنْ قَوْلِها وَ ارْجِعْ فَقاتِلْ بَيْنَ يَدْي ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّكَ , تَنَلْ شَفاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ القِيامَةِ.
فَرَجَعَ , فَلَمْ يَزلْ يُقاتِلُ حتّى قُطِعَتْ يَداهُ فأخَذَتْ امْرَأتُهُ عَمُوداً فأقبَلَتْ نَحْوَهُ وَهيَ تَقوُلُ: فِداك أبي و أمّي قاتِلْ دوُنَ الطَيبين حَرَمِ رَسوُلِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم.
فَأقْبَلَ لِيَرُدَّها إِلَى النساء ,فَأخَذَتْ بِجانِبِ ثَوْبِهِ وَقالَتْ : لَنْ أعُودَ دوُنَ أنْ أمُوتَ مَعَكَ.
فَقالَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ : جُزيتُمْ مِنْ أهْلِ بَيْتٍ خَيْرَاً , ارْجِعي إِلىَ النساء , رَحِمَكِ اللهُ.
فَأنْصَرَفَتْ اِلَيْهنَ .
وَلَمْ يَزِلِ الكَلْبيُّ يُقاتِلُ حَتّى قُتِلَ , رِضْوانُ اللهِ عَلَيْه.
ثُمَّ خَرَجَ مُسْلِمُ بنُ عَوْسَجَة فَبالَغَ فِي قِتالِ الأَعْداءِ وَصَبَرَ عَلى أهْوالِ البلاء حَتّى سَقَطَ إِلى الأَرْضِ وَ بِهِ رَمَقٌ ، فَمَشى إِلَيْهِ الحُسَيْنُ عليه السلامُ وَمَعَهُ حَبيبُ بْنُ مُظاهِرٍ , فَقالَ لَهُ الحُسَيْنُ : رَحِمَكَ اللهُ يا مُسلِمُ ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْديلاً)
وَدَنا مِنهُ حَبيْبٌ وَقالَ: عَزَّ عَلَيَّ مَصْرَعُكَ يا مُسْلِمُ , أبْشِرُ بِالجَنَّةِ ، فَقالَ لَهُ مُسْلِمٌ _ بِصَوْتٍ ضَعيْفٍ _:بَشَّرَكَ اللهُ.
ثُمَّ قالَ لَهُ حَبيبٌ : لَولا إنَّني أعْلَمُ أنّي فِي الأِثْر , لأَحْبَبْتُ أنْ تُوصِيَ إِلَيَّ بِكُلِّ ما أهَمَّكَ.
فَقالَ لَهُ مُسْلِمٌ : فَإِنّي أوْصيكَ بِهذا _ وَأشارَ بِيَدِهِ إلىَ الحُسَيْنِ عليه السلامُ _ فَقاتِلْ دوُنَهُ حَتّى تَمُوتَ.
فَقالَ لَهُ حَبيبٌ: لأَنعُمَنَّكَ عَيْناً.
ثُمَّ ماتَ رِضْوانُ اللهِ تَعالى عَلَيْهِ.
فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ قَرَظَةَ الأنْصاري فَأسْتَأذَنَ الحُسَيْنَ عليه السلامُ , فأذِنَ لَهُ، فَقاتَلَ قِتالَ المُشْتاقينَ إِلى الجَزاء ، وَبالغَ فِي خِدْمَة سُلْطانِ السَماء ، حَتّى قَتَلَ جَمْعاً كَثيراً مِنْ حِزْبِ ابْنِ زِيادٍ , وَجَمَعَ بَيْنَ سَدادٍ وَجِهادٍ ، وَكانَ لايَأتي إِلى الحُسَيْن عليه السلامُ سَهْمٌ إِلاّ اتَّقاهُ بِيَدِهِ، وَلاسَيْفٌ إِلاّ تَلَقَّاهُ بِمُهْجَتِهِ , فَلَمْ يَكُنْ يَصِلُ إِلى الحُسَيْنِ سُوءٌ حَتّى أثْخِنَ بِالجِراحِ فَالتَفَتَ إِلى الحُسَيْنِ عليه السلامُ وَقالَ: يابْنَ رَسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلّم , أوفَيْتُ؟
فَقالَ: نَعَم , أنْتَ أمامي فِي الجَنَّةِ , فَاقْرَأْ رَسُولَ اللهِ عَنّي اَلسَلامَ , وَأعْلِمْهُ أنّي فِي الأثَرِ.
فَقاتَلَ حَتّى قُتِلَ رِضْوانُ اللهِ تَعالى عَلَيْهِ .
ثُمَّ بَرَزَ جَوْنٌ مَولى أبي ذَرٍ , وَكانَ عَبْداً أسْودَ , فَقالَ لَهُ الحُسَيْنُ عليه السلامُ :أنْتَ فِي إِذْنٍ مِنّي ، فَإنَّما تَبِعْتَنا طَلَباً لِلعافِيَةِ , فَلا تَبْتَلِ بِطَريقِنا.
فَقالَ: يابْنَ رَسُولِ اللهِ , أنَا فِي الرَخاءِ ألْحَسُ قِصاعَكُمْ , وَفِي الشدَةِ أخْذِلُكُم ؟! وَاللهِ , إنَّ ريحي لَنَتِنٌ , وَإنَّ حَسَبي لَلَئيْمٌ , وَلَوْني لأَسْوَد , فَتَنْفُسُ عَليَّ الجَنَّةَ , فَيَطيبُ ريحي وَيًشْرُفُ حَسَبي , وَيبْيَضُّ وَجْهي؟!
لا _ وَاللهِ _ لا أفارِقُكُمْ حَتّى يَخْتَلِطَ هذَا الدمُ الأَسْوَدُ مَعَ دِمائِكِم.
ثُمَّ قاتَلَ ,رِضْوانُ اللهِ تَعالى عَلَيْهِ ,حَتّى قُتِلَ.
قالَ الراوي: ثُمَّ بَرَزَ عَمْرُو بْنُ خالِد الصَّيْداوي ,فَقالَ لِلحُسَيْنِ عليه السلامُ : يا أباعَبْدِاللهِ! جُعِلْتُ فِداكَ , قَد هَمَمْتُ أنْ ألْحَقُ بِأصْحابِكَ,وَكَرِهْتُ أنْ أتَخَلَّفَ فأراكَ وَحيْداً فَريْداً بَيْنَ أهْلِكَ قَتيلاً .
فَقالَ لَهُ الحُسَيْنُ عليه السلامُ : تَقَدَّمْ فَإِنّا لاحِقُونَ بِكَ عَنْ ساعَةٍ.
فَتَقَدَّمَ فقاتَلَ حَتّى قُتِلَ رِضْوانُ اللهِ تَعالى عَلَيْه.
قالَ الراوي: وَجاء حَنْظَلَةُ بْنُ أسْعَدِ الشّاميّ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الحُسَيْنِ يَقيهِ السِهامَ وَالرِماحَ وَالسُيُوفَ بِوَجْهِهِ وَنَحْرِهِ ، وَأخَذَ يُنادي:
( يا قَوْمِ إِنّي أخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزابِ مِثْلَ دَأبِ قَوْمِ نُوْحٍ وَعادٍ وَثَمُوْد وَالذينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُريْدُ ظُلْماً للعِبادِ(
)وَيا قَوْمِ إِنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ ، يَوْمَ تُوَلُّوْنَ مُدْبِريْنَ مالَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ(
يا قَوْمِ , لاتَقْتُلُوا حُسَيْناً فيُسْحِتَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَن افْتَرى .
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى الحُسَيْنِ عليه السلامُ فَقالَ لَهُ: أفلا نَرُوحُ إِلى رَبِّنا وَنَلْحَقُ بِإِخْوانِنا؟
فَقالَ لَهُ : بَلْ رُحْ إلى ما هُوَ خَيْرُ لَكَ مِن الدُنْيا وَما فيها , وَإلى مُلْكٍ لايَبْلى.
فَتَقَدَّمَ , فَقاتَلَ قِتالَ الأَبْطالِ، وَصَبَر عَلى احْتِمالِ الأَهْوالِ , حَتّى قُتِلَ رِضْوانُ اللهِ تَعالى عَلَيْهِ .
قالَ : وَحَضَرَتْ صَلاةُ الظُهْرِ ، فَأمَرَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ زُهَيْرَ بْنَ القَيْنِ ، وَسَعيْدَ بنَ عَبْدِاللهِ الحَنَفيَّ أنْ يَتَقَدَّما أمامَهُ بِنِصْفِ مَنْ تَخَلَّفَ مَعَهُ , ثُمَّ صَلّى بِهِمْ صَلاةَ الخَوْفِ. فَوَصَلَ إِلىَ الحُسًيْنِ عليه السلامُ سَهْمٌ , فَتَقَدَّم سَعيدُ بْنُ عَبْدِاللهِ الحَنَفيُ وَوَقَفَ يَقيْهِ بنَفْسِهِ, ما زالَ وَلاتَخَطّى حَتّى سَقَطَ إِلى الأَرْضِ، وَهُوَ يَقُولُ : اللَهُمَّ الْعَنْهُم لَعْنَ عادٍ وَ ثَمُودٍ ,اللَّهُمَّ أبْلِغْ نَبيَّكَ عَنّي السَلامَ , وَأبْلِغْهُ ما لَقيْتُ مِنَ ألَمِ الجِراح ، فَإِنّي أرَدْتُ ثَوابَكَ فِي نَصْرِ ذُريَّةِ نَبِيِّكَ .
ثُمَّ قَضى نَحْبَهُ رِضْوانُ الله تَعالى عَلَيْهِ , فَوُجِدَ بِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ سَهْماً , سِوى ما بِهِ مِنْ ضَرْبِ السُيُوفِ وَطَعْنِ الرماحِ.
قالَ الراوي : وَتَقَدَّمَ سُوَيْدُ بْنُ عَمْرُو بْنِ أبي المُطاعِ ، وَكانَ شَريفَا كَثيرَ الصلاةِ، فَقاتَلَ قِتالَ الأَسَدِ الباسِلِ وَبالَغَ فِي الصَبْرِ عَلَى الخَطْبِ النازِلِ ، حَتّى سَقَطَ بَيْنَ القَتْلى وَقَدْ أثْخِنَ بِالجِراحِ , فَلَمْ يَزَلْ كَذلِكَ وَلَيْسَ بِهِ حِراكٌ حَتّى سَمِعَهُمْ يَقُولوُنَ قُتِلَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ , فَتَحامَلَ , وَأخْرَجَ سِكّيناً مِنْ خُفُّهِ وَجَعَلَ يُقاتِلُهُمْ بِها حَتّى قُتِلَ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِ.
قالَ: وَجَعَلَ أصْحابُ الحُسَيْنِ عليه السلامُ يُسارِعُونَ إِلى القِتالِ بَيْنَ يَدَيْهِ , وَكانُوا كَما قيلَ فيهِمْ:
قَوْمٌ إذا نُودُوا لِدَفْعِ مُلِمَّةٍ * وَالخَيْلُ بَيْنَ مُدَعَّسٍ وَمُكَرْدَسِ
لَبِسُوا القُلُوبَ عَلَى الدُرُوعِ فَأقْبَلُوا *يَتَهافَتُونَ إِلى ذِهابِ الأَنْفُسِ
فَلَمّا لَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوى أهْلِ بَيْتِهِ خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ عليه السلامُ وَكانَ مِنْ أصْبَحِ الناسِ وَجْهاً وَأحْسَنِهِم خُلْقاً فاسْتَأذَنَ أباهُ فِي القِتالِ، فَأذِنَ لَهُ , ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةَ آيِسٍ مِنْهُ وَأرْخى عليه السلامُ عَيْنَهُ وَبَكى ,ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَقَدْ بَرَزَ إِلَيْهِمْ غُلامٌ أشْبَهُ الناسِ خَلْقاً وخُلُقاً وَمَنْطِقاً بِرَسُولِكَ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم , وَكُنّا إذَا اشْتَقْنا إِلى نَبِيِّكَ نَظَرْنا إِلَيْهِ , فَصاحَ وَقالَ : يا بنَ سَعْدٍ ! قَطَعَ اللهُ رَحِمَكَ كَما قَطَعْتَ رَحِمِي .
فَتَقدَّمَ نَحْوَ القَوْمِ فَقاتَلَ قِتالاً شَديداً وَقَتَلَ جَمْعاً كَثيراً , ثُمَّ رَجَعَ إِلى أبيهِ , وَقالَ : يا أبَةَ ! العَطَشُ قَدْ قَتَلَني وَثِقْلُ الحَديدِ قَدْ أجْهَدَني , فَهَلْ إِلى شَرْبَةٍ مِنَ الماءِ سَبيلٌ ؟
فَبَكَى الحُسَيْنُ عليه السلامُ وَقالَ : واغَوْثاهُ! يا بُنَيَّ ! مِنْ أيْنَ لِيَ الماءُ ؟ قاتِلْ قَليلاً , فَما أسْرَعَ ما تَلْقى جَدَّكَ مُحَمَّداً صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم , فَيَسْقيكَ بِكَأسِهِ الأَوْفى شَرْبَةً لاتَظْمَأُ بَعْدَها أبَداً.
فَرَجَعَ إِلى مَوْقِفِ النِزالِ , وَقاتَلَ أعْظَمَ القِتالِ, فَرَماهُ مُرَّةُ بْنُ مُنْقِذِ العَبْديُّ بِسَهْمٍ فَصَرَعَهُ , فَنادى : يا أبَتاهُ ! عَلَيْكَ مِنّي اَلسَلامُ , هذا جَدّي يُقْرِؤُكَ السَلامَ , وَيَقُولُ لَكَ : عَجِّل القُدُوُمَ عَلَيْنا .
ثُمَّ شَهَقَ شَهْقَةً فَماتَ، فَجاءَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ , وَوَضَعَ خَدَّهُ عَلى خَدِّهِ , وَقالَ: قَتَلَ اللهُ قَوْماً قَتَلُوكَ , ما أجْرَأهُمْ عَلَىَ اللهِ وَعَلى انْتِهاكِ حُرْمَةِ الرَسُولِ ، عَلَى الدُنْيا بَعْدَكَ العَفا.
قالَ الراوي: وخَرَجَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ عليه السلامُ تُنادي: يا حَبيباهُ! يا بْنَ أخاهُ! وَجاءَتْ فَأكَبَّتْ عَلَيْهِ , فَجاءَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ فَأخَذَها وَرَدَّها إِلى النساءِ .
ثُمَّ جَعَلَ أهْلُ بَيْتِهِ عليهم السلامُ يَخْرُجُ الرَجُلُ مِنْهُمْ بَعْدَ الرَجُلِ ، حَتّى قَتَلَ القَوْمُ مِنْهُمْ جَماعَةً فَصاحَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ فِي تِلْكَ الحالِ :
صَبْراً يا بَني عُمُومَتي !صَبْراً يا أهْلَ بَيْتي !فَوَاللهِ لارَأيتُمْ هَوْنا بَعْدَ هذَا اليَوْمِ أبَدَاً.
قالَ الراوي : وَخَرَجَ غُلامٌ كأنَّ وَجْهَهُ شَقَّةُ قَمَرٍ ، فَجَعَلَ يُقاتِلُ , فَضَرَبَهُ ابْنُ فُضَيْلِ الأَزْديُّ عَلى رَأسِهِ فَفَلقَهُ، فَوَقعَ الغُلامُ لِوَجْهِهِ وَصاحَ : يا عَمّاهُ!
فَجَلَّى الحُسَيْنُ عليه السلامُ كَما يَجْلِّي الصَقْرُ, ثُمَّ شَدَّ شَدَّةَ لَيْثٍ أغْضَبَ ،فَضَرَبَ ابْنَ فُضَيْلٍ بِالسيْفِ فَأتَّقاها بِالساعِدِ فَأَطَنَّها مِنْ لَدُنِ المِرْفَقِ فَصاحَ صَيْحَةً سَمِعَهُ أهْلُ العَسْكَرِ، وَحَمَلَ أهْلُ الكُوفَةِ ليَسْتَنْقِذُوهُ فَوَطَأتْهُ الخَيْلُ حَتّى هَلَكَ.
قالَ اَلراوي: وَانْجَلَتِ الغَبْرَةُ , فَرَأيْتُ الحُسَيْنُ عليه السلامُ قائِماً عَلى رَأسِ الغُلامِ وَ هُوَ يَفْحَصُ برِجْلَيْهِ، والحُسَيْنُ عليه السلامُ يَقُولُ : بُعْداً لِقَوْمٍ قَتَلوُكَ وَمَنْ خَصَمْهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ جَدُّكَ وَ أبُوكَ .
ثُمَّ قالَ : عَزَّ وَاللهِ عَلى عَمِّكَ أنْ تَدْعُوَهُ فَلا يُجيبُكَ ، أوْ يُجيبُكَ فَلايَنْفَعُكَ صَوْتُهُ ، هذَا يَوْمٌ _ وَاللهِ _ كَثُرَ واتِرُهُ، وَقَلَّ ناصِرُهُ..
ثُمَّ حَمَلَ الغُلامَ عَلى صَدْرِهِ حَتّى ألْقاهُ بَيْنَ القَتْلى مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ.
قالَ : وَلَمّا رَأى الحُسَيْنُ عليه السلامُ مَصارِعَ فِتْيانِهِ وَأَحِبَّتِهِ ، عَزَمَ عَلى لِقاءِ القَوْمِ بمُهْجَتِهِ، وَنادى :
هَلْ مِنْ ذابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم ؟.
هَلْ مِنْ مُوَحِّدٍ يَخافُ اللهَ فينا ؟
هَلْ مِنْ مُغِيْثٍ يَرْجُو اللهَ بِإِغاثَتِنا ؟
هَلْ مِنْ مُعِيْنٍ يَرْجُو ما عِنْدَ اللهِ فِي إِعانَتِنا ؟
فَارْتَفَعَتْ أَصْواتُ النساءِ بِالعَويلِ , فَتَقَدَّمَ إِلى بابِ الخَيْمَةِ وَقالَ لِزَيْنبَ : ناوِليني وَلَدِيَ الصَغِيْرَ حَتّى أَوَدِّعَهُ .
فَأَخَذَهُ وَ أَوْمَأَ إِلَيْهِ لِيُقَبِّلَهُ ، فَرَماهُ حَرْمَلةُ بْنُ الكاهِلِ الأَسَديُّ بِسَهْمٍ , فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ فَذَبَحَهُ .
فَقالَ لِزَيْنَبَ: خُذيهِ ، ثُمَّ تَلْقَى الدَّمَ بِكَفَّيْهِ فَلَمّا امْتَلأتا رَمى بِالدَّمِ نَحْوَ السَماءِ ,ثُمَّ قالَ: هَوَّنَ عَلَيَّ ما نَزَلَ بي أنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ.
قالَ الباقِرُ عليه السلامُ : فَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ ذلِكَ الدَّمِ قَطْرَةٌ إِلى الأَرْضِ .
قالَ الراوي : وَاَشْتَدَّ العَطَشُ بِالحُسَيْنِ عليه السلامُ فَرَكِبَ المُسَنَّاةَ يُريْدُ الفُراتَ , وَالعَبّاسُ أَخوُهُ بَينَ يَدَيْهِ ، فَأَعْتَرَضَتْهُما خَيْلُ ابْنِ سَعْدٍ فَرَمى رَجُلٌ مِنْ بَني دارِمٍ الحُسَيْنَ عليه السلامُ بِسَهْمٍ , فَأَثْبَتَهُ فِي حَنَكِهِ الشَريفِ , فَأَنْتَزَعَ عليه السلامُ السهْمَ وَبَسَطَ يَدَيْهِ تَحْتَ حَنَكَهِ حَتّى امْتَلأَتْ راحَتاهُ مِنَ الدَّمِ ، ثُمَّ رَمى بِهِ وَقالَ : اللَّهُمَّ إِنّي أَشْكُوُ إِلَيْكَ ما يُفعَلَ بِابْنِ بِنْتِ نَبِيِّكَ , ثُمَّ اقْتَطَعُوا العَبّاسَ عَنْهُ , وأَحاطُوا بِهِ مِنْ كُلِّ جانِبٍ حَتّى قَتَلوُهُ قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ , فَبَكىَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ لِقَتْلِهِ بُكاءً شَديْداً .
وَ فِي ذلِكَ يَقوُلُ الشاعِرُ :
أَحَقُّ الناسِ أَنْ يُبْكى عَلَيْهِ *فَتىً أَبْكَىَ الحُسَيْنَ بِكَرْبلاءِ
أَخُوهُ وَابْنُ والِدِهِ عَلِيٍّ *أَبوُ الفَضْلِ المُضَرَّجُ باِلدِماءِ
وَمَنْ وَاسَاهُ لايُثْنيْهِ شَيءٌ *وَجادَ لَهُ عَلى عَطَشٍ بِماءِ
قَالَ الراوي : ثُمَّ إنَّ الحُسَيْنَ دَعَا الناسَ إِلَى البِرازِ, فَلَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ بَرَزَ إلَيْهِ حَتّى قَتَلَ مَقْتَلةً عَظيمَة , وَ هُوَ فِي ذلِكَ يَقُولُ:
القَتْلُ أَوْلىَ مِنْ رُكُوْبِ العارِ*وَ العارُ أَوْلى مِنْ دُخُوْلِ النارِ
قالَ بَعْضُ الرواة: فَوَ اللهِ ما رَأَيْتُ مَكْثُوراً قَطُّ قَدْ قُتِلَ وُلْدُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَصْحابُهُ أَرْبَطَ جَأَشاً مِنْهُ ، وَ إنَّ الرجالَ لتَشُدُّ عَلَيْهِ فَيَشُدُّ عَلَيْها ، بِسَيْفِهِ فَتَنْكَشِفُ عَنهُ انْكِشافَ المِعْزى إذا شَدَّ فيهِا الذئْبُ ، وَلَقَدْ كانَ يَحْمِلُ فيهِمْ وَلَقَدْ تَكَمَّلُوا ثَلاثَينَ أَلْفاً فَيَهْزِمُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنّهُمْ الجَرادُ المُنْتَشِرُ ، ثُمَّ يَرْجعُ إِلى مَرْكَزِهِ وَهُوَ يَقُولُ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ اَلعَلِيِّ اَلعَظيمِ.
قالَ الراوي : وَلَمْ يَزَلْ عليه السلامُ يُقاتِلُهُمْ حَتّى حالُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ رَحْلِهِ , فَصاحَ عليه السلامُ : وَيْلَكُمْ , يا شيعَةَ آلِ أَبي سُفْيانَ , إنْ لَمْ يَكُنْ لكُمْ دِيْنٌ وَكُنْتُمْ لاتَخافُونَ المَعادَ، فَكُونُوا أَحْرارَاً فِي دُنياكُمْ هذِهِ، وَارْجِعُوا إِلى أَحْسابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ عَرَبَاً كَما تَزْعُمُونَ.
قالَ:فَناداهُ شَمِرٌ: ما تَقُولُ ؟ يَابْنَ فاطِمَةَ؟!
فَقالَ : أَقُولُ: إنّي أَقاتِلُكُمْ وَ تُقاتِلُونَني وَ النساءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ , فَامْنَعُوا عُتاتَكُمْ وجُهّالَكُم و طُغاتَكُم مِنَ التَعَرُّضِ لِحَرَمي ما دُمْتُ حَيّاً.
فَقالَ شِمْرٌ : َكَ ذلكَ يابْنَ فاطِمَةَ .
فَقَصَدَوهُ بِالحَرْبِ , فَجَعلَ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهِ , وَ هُوَ فِي ذلِكَ يَطْلُبُ شَرْبَةً مِنْ ماءٍ فَلا يَجِدُ , حَتّى أَصابَهُ اثْنانِ وَسَبْعُون جَراحَةً ، فَوَقَفَ يَسْتَريحُ ساعَةً , وَقَدْ ضَعُفَ عَنِ القِتالِ , فَبَيْنا هُوَ واقِفٌ إِذْ أَتاهُ حَجَرٌ فَوَقَعَ عَلى جِبْهَتِهِ , فَأَخَذَ الثَوْبَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ جِبْهَتِهِ فَأَتاهُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ , لَهُ ثَلاثُ شُعَبٍ , فَوَقَعَ عَلى قَلْبِهِ فَقالَ:بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ، وَعلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم , ثُمَّ رَفَعَ رأَسَهُ إِلىَ السَماءِ , وَقالَ: الهي ! أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتُلوُنَ رَجُلاً لَيْسَ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ ابْنُ بِنْتِ نَبيٍّ غَيْرُهُ.
ثُمَّ أَخَذَ السَهْمَ فَأَخْرَجَهُ مِنْ وَراءِ ظَهْرِهِ فَأَنْبَعَثَ الدَّمُ كَأَنَّهُ مِيْزابٌ.
فَضَعُفَ عَنِ القِتالِ , وَوَقَفَ , فَكُلَّما أَتاهُ رَجُلٌ انْصَرَفَ عَنْهُ كَراهِيَةَ أَنْ يَلْقَى اللهَ بِدَمِهِ , حَتّى جاءَهُ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَة , يُقالُ لَهُ : مالِكُ بْنُ النَّسْرِ، فَشَتَمَ الحُسَيْنَ عليه السلامُ وَضَرَبَهُ عَلى رَأَسِهِ الشَريْفِ بِالسَيْفِ فَقَطَعَ البُرْنُسَ وَ وَصَلَ السَيْفُ إِلى رَأَسِهِ , وَأَمْتَلأَ البُرْنُسُ دَماً.
قالَ الراوي: فَاسْتَدْعَى الحُسَيْنُ عليه السلامُ بِخِرْقَةٍ فَشَدَّ بِها رَأَسَهُ وَاستَدْعى بِقَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَها وَ اعْتَمَّ عَلَيْها.
فَلَبِثُوا هُنَيْئَةً ثُمَّ عادُوا إِلَيْهِ وَ أَحاطُوا بِهِ، فَخَرَجَ عَبْدُاللهِ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلامُ وَ هُوَ غُلامٌ لَمْ يُراهِقْ , مِن عِنْدَ النساءِ , فَشَدَّ حَتّى وَقَفَ إِلى جَنْبِ الحُسَيْنِ , فَلَحِقَتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عليٍّ لِتَحْبِسَهُ فَأَبى وَأَمْتَنَعَ امْتِناعاً شَديداً فَقالَ : لا _ وَاللهِ _ لاأَفارِقُ عَمّي.
فَأَهْوى أَبْجُرُ بْنُ كَعْبٍ - وَقيلَ : حَرْمَلَةُ بْنُ كاهِلٍ - إِلى الحُسَيْنِ عليه السلامُ بِالسَيْفِ. فَقالَ لَهُ الغُلامُ : وَيْلَكَ , يابنَ الخَبيثةِ, أَتَقْتُلُ عَمّي؟
فَضَربَه بالسَيفِ فأَتَقَّى الغُلامَ بِيَدِهِ , فَأَطَنَّها إِلى الجِلْد , فَإِذا هِيَ مُعَلَّقةٌ ,فَنادَى الغُلامُ : ياعَمّاهُ ! فَأَخَذَهُالحُسَيْنُ عليه السلامُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ , وَقالَ : يابْنَ أَخي , اصْبِرْ عَلى ما نَزَلَ بِكَ ، وَاحْتَسِبْ فِي ذلِكَ الخَيْرَ , فَإِنَّ اللهَ يُلْحِقُكَ بِاَّبائِك الصالحين.
قالَ : فَرَماهُ حَرْمَلةُ بْنُ كاهِلٍ بِسَهْمٍ فَذَبَحَهُ وَ هُوَ فِي حِجْرِ عَمِّهِ الحُسَيْن عليه السلامُ .
ثُمَّ إِنَّ شَمِرَ بْنَ ذي الجَوْشَنِ حَمَلَ عَلى فُسْطاطِ الحُسَيْنِ عليه السلامُ فَطَعَنَهُ بَالرُمْحِ ثُمَّ قالَ: عَلَيَّ بِالنارِِ أَحْرِقْهُ عَلى مَنْ فيهِ.
فَقالَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ : ياَبْنَ ذي الجَوْشَنِ , أَنْتَ الداعي بِالنارِ لِتُحْرِقَ عَلى أَهْلي ؟ أَحْرَقَكَ اللهُ بِالنارِ.
وَ جاءَ شَبَثٌ فَوَبَّخَهُ فَاسْتَحْى وَ انصَرَفَ.
قالَ الراوي : وَ قالَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ: ابْغُوا لي ثَوْباً لا يُرْغَبُ فيهِ , أَجْعَلُهُ تَحْتَ ثِيابي لِئَلاّ أَجَرَّدَ مِنْهُ .
فَأَتِيَ بِتُبّانٍ , فَقالَ : لا, ذاكَ لِباسُ مَنْ ضُرِبَتْ عليه الذلَةُ.
فَأَخَذَ ثَوْبَاً خَلِقاً فَخَرَقَهُ وَ جَعَلَهُ تَحْتَ ثِيابِهِ فَلَمّا قُتِلَ عليه السلامُ جَرَّدُوْهُ مِنْهُ.
ثُمَّ اسْتَدْعَى الحُسَيْنُ عليه السلامُ بسَراويلَ مِنْ حَبْرَةٍ فَغَرَزَها وَ لَبِسَها , وَ إنَّما غَرَزَها لِئلاّ يُسْلَبَها , فَلَمّا قُتِلَ عليه السلامُ سَلَبَها أَبْجُرُ بْنُ كَعْبِ,وَ تَرَكَ الحُسَيْن عليه السلامُ مُجَرَّداً.
فَكانَتْ يدا أبْجُرِ _ بَعْدَ ذلِكَ _ فِي الصَيْفِ كَأَنّهُما عُوْدانِ يابِسانِ , و تَتَرَطَبّانِ فِي الشتاء ، فَتَنْضَحانِ دَماً وَقيْحاً , إِلى أَنْ أَهْلَكَهُ اللهُ تَعالى بِيَدِ المُخْتارِ.
قالَ الراوي: وَلَمّا أَثْخِنَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ بِالجِراحِ وَبَقِيَ كَالقُنْفِذِ ، طَعَنَهُ صالِحُ بْنُ وَهَبِ المَزَني عَلى خاصِرَتِهِ طَعْنَةً فَسَقَطَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ عَنْ فَرَسِهِ إِلى الأَرْضِ عَلى خَدِّهِ الأَيْمَنِ وَ هُوَ يَقُولُ:بِسْمِ اللهِ وَ بِاللهِ وَ عَلى مِلَّةِ رَسُولِ الله. ثُمَّ قامَ عليه السلامُ .
قالَ الراوي : وَ خَرَجَتْ زَيْنَبُ مِنْ بابِ الفُسْطاطِ وَ هِيَ تُنادي : وأَخاهُ!وَاسَيّداهُ! وَاأَهْلَ بَيْتاهَ! لَيْتَ السَماءَ أطْبَقَتْ عَلَى الأَرْضِ، وَلَيْتَ الجِبالَ تَدَكْدَكَتْ عَلَى السَهْلِ.
قالَ: وَصاحَ شَمِرٌ بِأَصْحابِهِ : ما تَنْتَظِرُونَ بِالرَجُلِ ؟
قالَ: وَ حَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جانِبٍ فَضَرَبَهُ زُرْعَةُ بْنُ شَريكٍ عَلى كِتْفِهِ اليُسْرى، و ضَرَبَ الحُسَيْنُ عليه السلامُ زَرْعَةَ فَصَرَعهُ.
وَ ضَرَبَ آخَرُ عَلى عاتِقِهِ المُقَدَّسِ بِالسَيْفِ ضَرْبَةَ كَبَا عليه السلامُ بِها لِوَجْهِهِ , وَ كانَ قدْ أَعْيى وَ جَعَلَ يَنوُءُ وَيَكْبُو ،فَطَعَنَهُ سِنانُ ابْنُ أَنَسِ النَخَعيُّ فِي تَرْقُوَتِهِ ثُمَّ انْتَزَعَ الرمْحَ فَطَعَنَهُ فِي بَواني صَدْرِهِ ,ورَماهُ سِنانٌ _ أَيْضَاً _ بِسَهمٍ فِي نَحْرِهِ , فَسَقَطَ عليه السلام وَجَلَسَ قاعِداً , فَنَزَعَ السَهْمَ مِنْ نَحْرِهِ وَ قَرَنَ كَفَّيّهِ جَميعاً فَكُلَّما امْتَلأتا مِنْ دِمائِهِ خَضَبَ بِهِما رَأَسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَ هُوَ يَقُولُ: هكَذا اَلْقَى اللهَ مُخَضَّبَاً بِدَمي مَغْصُوباً عَلَيَّ حَقّي.
فَقالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لِرَجُلِ عَنْ يَمينِهِ : انْزِلْ وَيْحَكَ إِلى الحُسَيْنِ فَأَرِحْهُ .
قالَ: فَبَدَرَ إلَيْهِ خَوْلَى بْنُ يَزيدٍ الأَصْبَحيُّ لِيَحْتَزَّ رَأَسَهُ , فَأَرْعَدَ.
فَنَزَلَ إليْهِ سِنانُ بْنُ أَنَسِ النَخَعيُّ لعنه الله فَضَرَبَ بِالسَيْفِ فِي حَلْقِهِ الشَريفِ وَ هُوَ يَقوُلُ : وَاللهِ إِنّي لأحْتَزُّ رَأَسَكَ وَ أَعْلَمُ أَنَّكَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم وَ خَيْرُ الناسِ أَباً وَ أَمّاً !!
ثُمَّ احْتَزَّ رَأَسَهُ المُقَدَّسَ المُعَظَّمَ ,وَ فِي ذلكَ يَقُولُ الشاعِرُ:
فَأَيُّ رَزِيَّةٍ عَدَلَتْ حُسَيْناً *غَداةَ تُبِيْرُهُِ كَفّا سِنانِ
وَ رُويَ : أَنَّ سِناناً أَخَذَهُ المُخْتارُ فَقَطَعَ أَنامِلَهُ، أَنْمُلَةً أَنْمِلَةَ ,ثُمَّ قَطَعَ يَدَيْهِ وَ رِجْلَيْهِ وَ أَغْلى لَهُ قِدْراً فيها زَيْتٌ وَرَماهُ فيها وَ هُوَ يَضْطَرِبُ.
وَ رَوى أَبوُ طاهِر مُحَمّدُ بْنُ الحَسَنِ البُرْسيُّ فِي كِتابِ ( مَعالِمِ الدينِ ) قالَ: قالَ أَبوُ عبدِالله عليه السلامُ : لَمّا كانَ مِنْ أَمْرِ الحُسَيْن عليه السلامُ ما كان , ضَجَّتِ المَلائِكَةُ إِلى اللهِ بِالبُكاءِ وَ قالَتْ: يا رَبِّ , هذَا الحُسَيْنُ عليه السلامُ صَفِيُّكَ وَ ابْنُ بِنْتِ نَبِيِّكَ؟!
قالَ : فَأَقامَ اللهُ ظِلَّ القائِمِ عليه السلامُ وَ قال: بِهذا أَنْتَقِمُ لِهذا.
قالَ الراوي : فَارْتَفَعَتْ فِي السماء فِي ذلِكَ الوَقْتِ ، غَبْرَةٌ شَديدَةٌ سَوْداءُ مُظْلِمَةٌ , فيها ريحٌ حَمْراءُ , لا تُرى فيها عَيْنٌ وَلا أَثَرٌ , حَتّى ظَنَّ القَوْمُ أَنَّ العَذابَ قَدْ جاءَهُمْ ! فَلَبِثُوا كَذلِكَ ساعَةً , ثُمَّ انْجَلَتْ عَنْهُمْ.
وَرَوى هِلالُ بْنُ نافِعٍ قالَ: إنّي كُنْتُ واقِفاً مَعَ أَصْحابِ عُمَرَ بنِ سَعْدٍ إذْ صَرَخَ صارِخٌ :أَبْشِرْ أَيُّها الأَميْرُ ! فَهذا شَمِرٌ قَتَلَ الحُسَيْنَ!.
قالَ فَخَرَجْتُ بَيْنَ الصفيْنِ , فَوَقَفْتُ عَلَيْهِ وَ إنَّه لَيَجُودُ بِنَفْسَهِ , فَوَاللهِ مارَأَيْتُ قَطُّ قَتيلاً مُضَمَّخاً بَدَمِهِ أَحْسَنَ مِنْهُ وَ لا أَنوَرَ وَجْهاً , وَ لَقَدْ شَغَلَني نُورُ وَجْهِهِ، وَ جَمالُ هَيْأَتِهِ عَنِ الفِكْرَةِ فِي قَتْلِهِ , فَأَسْتَسْقى فِي تِلْكَ الحالِ ماءاً , فَسَمِعْتُ رَجُلاً يَقوُلُ لَهُ :وَاللهِ لا تَذوُقُ الماءَ حَتّى تَرِدَ الحامِيَةَ فَتَشْرَبَ مِنْ حَميمِها!.
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يا وَيْلَكَ , أَنَا لا أَرِدُ الحامِيَةَ وَ لا أَشْرَبُ مِنْ حَميمِها , بَلْ أَرِدُ عَلى جَدّي رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم , وَ أَسْكُنُ مَعَهُ فِي دارِهِ ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَليكٍ مُقتَدِرٍ ) وَأَشْرَبُ مِنْ ماءٍ غَيرِ آسِنٍ وَ أَشْكُو إِلَيْهِ ما ارْتَكَبْتُمْ مِنّي وَ فَعلْتُمْ بي .
قالَ :فَغَضِبُوا بِأَجْمَعِهِمْ حَتّى كَأَنَّ اللهَ لَم يَجْعَلْ فِي قَلبِ واحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الرَحْمةِ شَيْئاً, فاحْتَزُّوا رَأَسَهُ وَإنَّهُ لَيُكَلِّمُهُمْ , فَتَعَجَّبْتُ مِن قِلَّةِ رَحْمَتِهِمْ وَقُلتُ: وَاللهِ لا أَجامِعُكُمْ عَلى أَمْرٍ أَبَداً.
قالَ : ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلى سَلْبِ الحُسَيْنِ :
فَأَخَذَ قميصَهُ إِسْحاقُ بْنُ حُوْبَةِ الحَضْرَمي لَعَنَهُ اللهُ , فَلَبِسَهُ فَصارَ أَبْرَصَ وَ امْتَعَطَ شَعْرُهُ.
وَرُويَ :أنَّهُ وُجِدَ فِي قَمِيْصِهِ مِائةٌ وَبِضْعَ عَشْرَةَ، مابَيْنَ رَمْيَة سَهْمٍ وَطَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ.
وَقالَ الصادِقُ عليه السلامُ : وُجِدَ فِي الحُسَيْنِ عليه السلامُ ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ طَعْنَةً وأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ ضَرْبَةً.
وَأَخذَ سَراويلَهُ أَبْجُرُ بْنُ كَعْبِ التَميمي لعنه اللهُ , فَرُوِىَ : أَنَّهُ صارَ زَمِناً مُقْعَداً منْ رِجْلَيْهِ.
وَأَخَذَ عِمامَتَه أَخْنَسُ بْنُ مُرْثِدِ بْنِ عَلْقَمَة الحَضْرَمي , وَقيلَ :جابِرُ بْنُ يَزيدِ الأُودي لعنهما الله , فَأَعْتَمَّ بها فَصارَ مَعْتُوهاً.
وَأَخذَ نَعْلَيْهِ الأَسْوَدُ بْنُ خالِدٍ لعنه الله.
وَأَخَذَ خاتَمَهُ بَجْدَلُ بْنُ سَليمِ الكَلْبي , وقَطَعَ إِصْبَعَهُ عليه السلامُ مَعَ الخاتَمِ .
وَهذا أَخَذَهُ المُخْتارُ فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَتَركَهُ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ حَتّى هَلَكَ.
وَأَخَذَ قَطيفَةً لَهُ عليه السلامُ , كانَتْ مِنْ خَزٍّ, قَيْسُ بْنُ الأَشْعَثِ.
وَأَخَذَ دِرْعَهُ البَتْراءَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ ، فَلَمّا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَهَبَها اَلمُخْتارُ لأَبي عَمْرَةِ قاتِلِهِ.
وَأَخذَ سَيْفَهُ جَميْعُ بْنُ الخَلْقِ الأَوْدي , وَقيلَ رَجُلٌ مِنْ بَني تَميمٍ يُقالَ لَهُ :أَسْوَدُ بْنُ حَنْظَلَةَ , وَفِي رِوايَةِ ابْنِ سَعْدٍ : أَنَّهُ أخَذَ سَيْفَهُ الفلافِسُ النَهْشَليّ , وزاد محمّدُ بنُ زكريّا:أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ ذلِكَ إِلى بِنْتِ حَبيبِ بْنِ بُدَيْلٍ .
وَهذا السَّيْفُ المَنْهُوبُ المَشْهُورُ لَيْسَ بِذي الفِقارِ, فَإِنَّ ذلِكَ كانَ مَذْخُوراً وَ مَصُوناً مَعَ أَمْثالِهِ مِنْ ذَخائِرِ النبُوَّةِ وَ الإِمامَةِ .
وَقَدْ نَقَلَ الرواةُ تَصْديقَ ما قُلْناهُ وَ صُورَةَ ما حَكَيْناهُ.
قالَ الراوي : وَجاءَتْ جارِيَةٌ مِنْ ناحِيَةِ خِيَمِ الحُسَيْنِ عليه السلامُ فَقالَ لَها رَجُلٌ : يا أَمَةَ اللهِ , إنّ سِيَّدَكِ قُتِلَ!
قالَتِ الجارِيَةُ : فَأَسْرَعْتُ إِلى سَيدَتي وَأَنَا أَصِيْحُ , فَقُمْنَ فِي وَجْهي وَصِحْنَ.
قالَ: وَتَسابَقَ القَوْمُ عَلى نَهْبِ بُيُوتِ آلِ الرَسُولِ , وَ قُرَّةَ عَيْنِ البَتُولِ , حَتّى جَعَلُوا يَنْتَزِعُونَ مِلْحَفَةَ المَرْأةِ عَلى ظَهْرِها , وَخَرَجَ بَناتُ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم وَ حَريمُهُ يَتَساعَدْنَ عَلَى البُكاءِ , وَ يَنْدُبْنَ لِفِراقِ الحُماةِ وَالأَحِبّاءِ.
وَ رَوى حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ قالَ: رَأَيْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وائِل , كانَتْ مَعَ زَوْجِها فِي أَصْحابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ , فَلَمّا رَأَتِ القَوْمَ قَدْ اقْتَحَمُوا عَلى نِساءِ الحُسَيْنِ عليه السلامُ وَ فُسْطاطِهنَّ وَهُمْ يَسْلِبونَهُنَّ ، أَخَذَتْ سَيْفاً وَ أَقْبَلَتْ نَحْوَ الفُسْطاطِ وَ قالَتْ: يا آلَ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ أَتُسْلَبُ بَناتُ رَسوُلِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم ؟
لاحُكْمَ إِلاّ للهِ ، يالَثاراتِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم , فَأَخَذَها زَوْجُها وَرَدَّها إِلى رَحْلِهِ.
فَقالَ الراوي: ثُمَّ أَخْرَجوُا النِساء مِنَ الخَيْمَةِ , و أَشْعَلُوا فيهَا النارَ ,فَخَرَجْنَ حواسِرَ مُسْلَّباتٍ حافِياتٍ باكِياتٍ , يَمْشِينِ سَبايا فِي أَسْر الذلَةِ .
وقُلْنَ : بِحَقّ اللهِ إِلا ما مَرَرْتُمْ بِنا عَلى مَصْرَعِ الحُسَيْنِ عليه السلامُ ,فَلَمّا نَظَرَ النسْوَةُ إِلى القَتْلى صِحْنَ وَ ضَرَبْنَ وُجُوهَهُنّ .
قالَ: فَوَاللهِ لاأَنْسى زَيْنَبَ بِنْتَ عَلِيٍّ عليه السلامُ تَنْدُبُ الحُسَيْنَ عليه السلامُ وَتُنادي بِصَوْتٍ حَزيْنٍٍ وَقَلْبٍ كَئيبٍ : يامُحَمَّداهُ صَلّى عَلَيْكَ مَلائِكَةُ السماءِ , هذا حُسَيْنٌ بالعَراءِ، مُرَمَّلٌ بِالدماءِ ,مُقَطَّعُ الأَعْضاءِ، وَ بَناتُكَ سَبايا، إِلى اللهِ المُشْتَكى , وَ إِلى مُحَمَّدٍ المُصْطَفى , وَ إِلى عَلِيٍّ المُرْتَضى , وَ إِلى فاطِمَةَ الزَهْراءِ ، وَ إِلى حَمْزَةَ سَيّدِ الشُهَداء ,يا مُحَمَّداهُ! هذا حُسَينٌ بِالعَراء تَسْفي عَلَيْهِ الصبا, قَتيلُ أَوْلادِ البَغايا ، واحُزْناهُ! واكَرْباهُ عَلَيكَ يا أباعَبداللهِ .
اليَومَ ماتَ جَدّي رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم .
يا أَصْحابَ مُحمَّدٍ ! هؤُلاء ذُريّةُ المُصْطَفى يُساقُونَ سَوْقَ السَبايا.
و فِي رِوايَةٍ: يا مُحَمّداهُ! بَناتُكَ سَبايا و ذُرِيَّتُكَ مُقَتَلَّةٌ، تَسْفي عَلَيْهِمْ رِيحُ الصبا , وَ هذا حُسَيْنٌ مَحْزُوزُ الرأَسِ مِنَ القَفا , مَسْلُوبُ العِمامَةِ و الرداءِ .
بِأَبي مَنْ أَضْحى عَسْكَرُهُ فِي يَوْم الاثْنَيْن نَهْباً!
بِأَبي مَنْ فُسْطاطُهُ مُقَطَّعُ العُرى.
بِأَبي مَنْ لاغائِبٌ فَيُرْتَجى ولاجَريحٌ فَيُداوى.
بِأَبي مَنْ نَفسي لَهُ الفِدا.
بِأَبي المَهْمُومُ حتّى قَضَى .
بِأَبي العَطْشانُ حتّى مَضَى .
بِأَبي مَنْ شَيْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدما.
بِأَبي مَنْ جَدَّهُ مُحَمَّدٌ المُصْطَفى.
بِأَبي مَنْ جَدُّهُ رَسُولُ إلهِ السما.
بِأَبي مَنْ هُوَ سِبْطُ نَبِيّ الهُدى.
بِأَبي [ابن] مُحَمَّدٍ المُصْطَفى.
بِأَبي [ابن] خَديجَةِ الكُبْرى.
بِأَبي [ابن] عَلِيٍّ المُرْتَضى .
بِأَبي [ابن] فاطِمَةَ الزَهْراء سَيّدَةِ نِساء العالَمين.
بَأَبي [ابن] مَنْ رُدَّتْ لَهُ الشمْسُ وَصَلّى.
قالَ الراوي : فَأَبْكَتْ _ وَاللهِ _ كُلَّ عَدُوٍّ وَ صَديقٍ.
ثُمَّ إِنَّ سُكَينَةَ اعتَنَقَتْ جَسَدَ أَبِيْهَا الحُسَيْن عليه السلامُ فَأَجْتَمَعَتْ عِدَّةٌ مِنَ الأَعْرابِ حَتّى جَرُّوها عَنْهُ.
قالَ الراوي : ثُمَّ نادى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فِي أَصْحابِهِ مَنْ يَنْتَدِبُ لِلحُسَيْنِ عليه السلامُ فَيُوْطِىءُ الخَيْلَ ظَهْرَهُ وَ صَدْرَهُ ؟
فَأَنتَدَبَ مِنْهُم عَشْرَةٌ وَهُم:
إِسْحاقُ بْنُ حُوْبَة الَذي سَلَبَ الحُسَيْن عليه السلامُ قَميصَهُ ,وَ أَخْنَسُ بْنُ مِرْثَد، وَ حُكَيْمُ بنِ طُفَيلِ السُنْبِسيّ، و عُمَرُ بنُ صُبَيْحِ الصَيْداوي، وَ رَجاءُ بْنُ مُنْقِذٍ العَبْدي، وَ سالِمُ بنِ خُثَيْمَة الجُعَفي ،وصالُح بنُ وهب الجُعْفي ,وواحِظُ بنُ غانِم , وَ هانيُ بْنُ ثُبَيْثِ الحَضْرَميّ ، وَ أُسَيْدُ بنُ مالِكٍ , لَعَنَهُم اللهُ .
فَداسُوا الحُسَيْنَ عليه السلامُ بِحَوافِرِ خَيْلِهِمْ حَتّى رَضُّوا صَدْرَهُ وَ ظَهْرَهُ.
قالَ الراوي : وَ جاءَ هؤُلاءِ العَشْرَةُ حَتّى وَقَفُوا عَلى ابْنِ زِيادٍ فَقالَ أَسَيْدُ بْنُ مالِكِ _ أَحَدُ العَشْرَةِ عَلَيْهِمْ لَعائِنُ اللهِ_:
نَحْنُ رَضَضْنا الصَدْرَ بَعْدَ الظهرِ * بِكُلِّ يَعْبُوبٍ شَديدِ الأَسْرِ
فَقالَ ابْنُ زِيادِ: مَنْ أَنتُم؟
قالُوا: نَحْنُ الذينَ وَطَأْنا بِخُيُولِنا ظَهْرَ الحُسَيْنِ حَتّى طَحَنّا حَناجِرَ صَدْرِهِ!
قالَ: فَأَمَرَ لَهُمْ بِجائِزَةٍ يَسيرَةٍ.
قالَ أَبو عُمَر الزاهِدُ: فَنَظرْنا إِلى هؤلاء العَشْرَةِ فَوَجَدْناهُم جَميعاً أَوْلادَ زِنا .
وَهُؤلاء أَخَذَهُمُ المُخْتارُ فَشَدَّ أَيْديَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ بِسِكَكِ الحَديدِ وَأَوْطأَ الخَيْلَ ظُهُورَهُمْ حَتّى هَلَكُوا.
وَرَوىَ ابْنُ رِياح قالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً مَكْفُوفاً قَد شَهِدَ قَتْلَ الحُسَيْنِ عليه السلامُ فَسُئلَ عَنْ ذِهابِ بَصَرِهِ ؟
فَقالَ: كُنْتُ شَهِدتُ قَتْلَةَ عاشِرَ عَشَرَةٍ , غَيْرَ أَنّي لَمْ أَضْرِبْ وَلَمْ أَرْمِ , فَلَمّا قُتِلَ رَجَعْتُ إِلى مَنْزِلي وَصَلَّيْتُ العِشاءَ الآخِرَةِ ,وَنُمْتُ فَأَتاني آتٍ فِي مَنامي فَقالَ : أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم .
فقُلتُ مالي وَلَهُ ؟ فَأَخَذَ بِتَلابيبي و جرَّني إليه فإذا النَّبيُّ جالِسٌ فِي صَحراءَ حاسِرٌ عَنْ ذِراِعَيْهِ , آخِذٌ بِحَرْبَةٍ , وَمَلَكٌ قائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ مِنْ نارٍ يَقْتُلُ أَصْحابي التِسْعَةِ ، فَكُلَّما ضَرَبَ ضَرْبةً الْتَهَبَتْ أَنْفُسَهُم ناراً, فَدَنَوْتُ مِنْهُ ،وَجَثَوْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَقُلتُ: السلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ ، فَلَم يَرُدَّ عَليَّ .
وَمَكَثَ طَويلاً ثُمَّ رَفَعَ رأَسَهُ وَقالَ : يا عَدُوَّ اللهِ انْتَهَكْتَ حُرْمَتي , وَقَتَلْتَ عِترَتي وَلَمْ تَرْعَ حَقّي، وَفَعَلْتَ ما فَعَلْتَ ؟
فَقُلْتُ: وَاللهِ , يارَسُولَ اللهِ , ماضَرَبْتُ بِسَيْفٍ وَلاطَعَنْتُ بِرُمْحٍ وَلا رَمَيْتُ بِسَهْمٍ، قالَ :صَدَقْتَ ، وَلكِنَّكَ كَثَّرْتَ السَوادَ , أَدْنُ مِنّي، فَدَنَوْتُ مِنْهُ , فَإذا طَسْتٌ مَمْلُوءٌ دَماً ! فَقالَ لي : هذا دَمُ وَلَدي الحُسَيْن عليه السلامُ , فَكَحَّلني مِنَ ذلِكَ الدَّمِ , فانتَبَهْتُ حَتّى الساعَةِ لا أَبْصِرُ شَيئاً.
وَرُوِيَ عَنِ الصادِقِ عليه السلامُ , يَرْفَعُهُ إِلى النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم , أَنَّهُ قالَ: إذا كانَ يَوْمَ القِيامَةِ نُصِبَ لِفاطِمَةٍ قُبَّةٌ مِنْ نُورٍ وَيُقْبِلُ الحُسَيْنُ عليه السلامُ وَرَأَسُهُ فِي يَدهِ فَإذا رَأَتْهُ شَهِقَتْ شَهْقَةً لايَبْقى فِي الجَمْع مَلكٌ مُقَرَّبٌ وَلانَبيٌّ مُرْسَلٌ إِلاّ بَكى لَها, فَيُمَثِّلُهُ اللهُ عَزَّوجَلَّ لَها فِي أَحْسَنِ صُوْرَةٍ ، وَهُوَ يُخاصِمُ قَتَلَتَهُ , بلا رأسٍ , فيجْمَعُ اللهُ لي قتلته و المُجْهِزِيْنَ عَلَيْه ، وَمَنْ شَرَكَهُمْ فِي قَتْلِهِ , فَأَقتُلُهُمْ حَتّى آتي عَلى آخِرِهِم ، ثُمَّ يُنْشَرُونَ فَيَقتُلُهُم أَميرُ المُؤمنين عليه السلام, ثُمَّ يُنشَرُونَ فَيقْتُلُهُم الحَسَنُ عليه السلام ، ثُمَّ يُنْشَرُونَ فَيَقْتُلُهُم الحسين عليه السلامُ ، ثُمَّ يُنْشَرُونَ , فَلا يَبقى أَحَدٌ مِن ذُرِيَّتِنا إِلاّ قَتَلهُمْ قَتْلةً , فَعِنْدَ ذلكَ يُكشَفُ الغَيْظُ وَيُنْسَى الحُزْنُ.
ثُمَّ قالَ : قالَ الصادِقَ عليه السلام : رَحِمَ اللهُ شيعَتَنا، هُم - وَاللهِ - المُؤمِنُونَ , فَقَدْ وَاللهِ شَرَكُونا فِي المُصِيْبَةِ بِطُولِ الحُزْنِ وَالحَسْرَةِ.
وَعَنِ النَّبيّ عليه السلامُ أَنَّهُ قالَ : إذا كانَ يَوْمَ القِيامَةِ جاءَت فاطِمَةٌ فِي لُمَّةٍ مِنْ نِسائِها فَيُقالُ لَها : أَدْخُلي الجنةَ، فَتَقُولَ : لاأَدْخُلُ حَتّى أَعْلَمَ ما صُنِعَ بِوَلدي مِنْ بَعْد؟
فَيُقالُ لَها : انْظُري فِي قَلْبِ القِيامَةِ .
فَتَنْظُرُ إِلى الحُسَيْن عليه السلامُ قائِماً لَيْسَ عَلَيْهِ رَأَسٌ , فَتَصْرُخُ صَرخَةً , فَأَصْرخُ لِصراخِها , وَتَصْرَخُ المَلائِكَةُ لِصُراخِها.
وَفِي رِوايَةِ: وَتُنادي : واوَلَداه! واثَمَرَةَ فُؤاداه!
قالَ : فَيَغْضَبُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ لَها عِنْدَ ذلِكَ فَيَأَمُرُ ناراً يُقالَ لَها : ( هَبْ هَبْ) قَدْ أَوقِدَ عَلَيْها أَلْفَ عامٍ , حَتّى اسْوَدَّتْ , لا يَدْخُلُها رَوْحٌ أَبَداً , وَ لا يخْرُجُ مِنْها غَمٌّ أَبَداً .
فَيُقالُ لَها: التَقطي قَتَلَةَ الحُسين عليه السلامُ.
فَتَلْتَقِطُهُم , فإذا صاروا فِي حَوْصَلِتِها , صَهَلَتْ وَصَهَلُوا بِها، وَشَهِقَت وَشَهِقُوا بِها، وَزَفَرَت وَزَفَرُوا بِها. فَيَنطِقُونَ بِأَلسِنةِ ذَلِقَةٍ ناطِقةٍ : يا رَبّنا! بِمَ أَوْجَبْتَ لَنا النارَ قَبْلَ عَبَدَةِ الأَوْثانِ؟
فَيَأَتيهِمُ الجَوابُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَّ مَنْ عَلِمَ لَيْسَ كَمَنْ لايَعلَمُ .
رَوى هذينِ الخَبَرَينِ ابْنُ بابَوَيْهِ فِي كِتابِ (عِقاب الأَعْمال ).
وَ رَأَيتُ فِي المُجَلَّدِ الثَّلاثينَ مِن تَذييلِ شيخِ المُحدّثينَ بِبَغدادِ مُحَمدِ بنِ النَجّارِ فِي تَرجِمَةِ ( فاطِمَة بنتِ أَبي العَبّاسِ الأزدي , بِإِسنادِهِ عَنْ طَلحَةَ قالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهَ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم يَقُولُ: إنَّ مُوسَى بنَ عِمْرانَ سَأَلَ رَبَّهُ قال: يا رَبّ إنَّ أَخي هارُونَ ماتَ فأَغْفِر لَهُ.
فَأَوحَى اللهُ إلَيْهِ : يا مُوسَى بنَ عِمرانَ لَوْ سَأَلْتَني فِي الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ لأَجَبْتُكَ ما خَلا قاتِلَ الحُسَيْنِ بنِ عَلِي بنِ أَبى طالِب عليهما السلام .
لن تنالوا خيراً لا يناله أهلُ بيتِ نبيكم ولا أصبتم فضلاً إلا أصابوه (الامام زيد بن علي)

الموسوي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 427
اشترك في: الجمعة ديسمبر 19, 2003 12:19 am

مشاركة بواسطة الموسوي »

و تجدون الكتاب بكامله في كل من الوصلتين:
http://www.aqaed.com/shialib/books/all/ ... index.html
http://www.al-shia.com/html/ara/books/a ... ehrest.htm

كما يمكن الاستماع الى قراءة (المقتل) على الرابط التالي:
http://www.rafed.net/media/doaa/maqtal.ram
لن تنالوا خيراً لا يناله أهلُ بيتِ نبيكم ولا أصبتم فضلاً إلا أصابوه (الامام زيد بن علي)

صقر اليمن
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 339
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 03, 2003 11:21 pm
مكان: صنعاء- اليمن

مشاركة بواسطة صقر اليمن »

عظم الله أجر الجميع في سيد الشهداء الحسين عليه السلام ولك جزيل الشكر أخي الموسوي

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

بطاقه

مشاركة بواسطة المتوكل »

يا نفس بعد الحسين هووووووووووووووني

صورة
صورة
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأدب“