( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مجلس للمشاركات الأدبية بمختلف أقسامها...
أضف رد جديد
قرين القران
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 240
اشترك في: السبت مارس 07, 2009 10:29 pm

( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة قرين القران »

( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )
ذات يوم وأنا أتنقل بين مدن اليمن وفي جو عاصف ملبد بالغيوم وإذا بعجوز يكسو وجهها نور الإيمان متحشمة بحشمة التقوى وقد أعياها التعب ومن ملامحها كأنها أم ثكلى تبحث عن أبنائها في كل مكان..
إقتربت منها بحياء وقلت لها بماذا أساعدك يا أماه فصرخت في وجهي بصوت أرعبني ويحك هل تراني ثكلى لا أجد من أبنائي من يواسيني ، ألست أمآ لبني عدنان وبني قحطان،
فأدرت لها ظهري وألقيت تحية الوداع ، فإذا بها تأن وتبكي بدون دموع..
فقلت لها أستحلفك بالله يا أم من أنتي وما حكايتك..
فقالت بصوت حزين أنا صعدة ، أنا صعدة ، أنا صعدة ، ووقتك لا يتسع إلا للقليل من أخباري..
أنا كنت أنافس مدن العالم في فضلي، أنا من دخل الإسلام فيها قبل غيري، أنا من إحتضن نجل رسول الله الهادي، وأنجبت له خيرة أبنائي، وآخيت له بين أبنائه وأبنائي، وتعاونت معهم في نشر دين الله بالقرآن وبالسيف وأهل البيت، فرفضنا كل جبار وباغي، هم بالقرآن وبالسيف وأنا أحميهم وأذود عنهم وأرفرف عليهم بجنحاني..
وبفضل الله علينا أصبحت مهوى أفئدة المؤمنين، وبذلت قصار جهدي في إكرام ضيفي من أرضي وسمائي، وأصبح أبنائي منارات يعلمون دين الله و ينشرون دروسآ في الشجاعة والبطولات..
وكانوا أبناءًا بررة بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله وفي سبيل أن أبقى عزيزة مكرمة محتشمة بحشمة مذهب أهل البيت، فاستقر الوضع لنا زمنآ طويلآ، وقسوت على قلبي وأخفيت آلامي وأنا أرى أبنائي يتخلون عني ويهاجرون ،ولكني رضيت بذلك لأني أعلم أنهم لن يتخلوا عني ولن ينسوني، وإنما هاجروا في سبيل الله يتعلمون ويعلمون ويجاهدون..
فتصبرت على ألم الفراق، بل وطالما تفاخرت على باقي المناطق والمدن بأني أدبت أبنائي و صدرتهم في سبيل الله فلم تكد تخلو مدينة أو قرية إلا وكان لي فيها بصمة، وكان لي فيها بنين وحفدة..
وكان حضني لا يزال مليئآ بالأبناء البررة فلم أكن أبالي بمن غادرني منهم..
وأول ضربة قاصمة تلقيتها عندما غزاني الأنجاس أحفاد بني إسرائيل والأقباط، فلم يرحموني ولم يرحموا أبنائي، ضربوني بالطائرات والمحرمات، أهلكوا حرثي ونسلي، ومزقوا حشمتي، وعروني..
قتلوا أبنائي أمام عيوني، فطالما لملمت أعضاءهم المتناثرة وأخفيتها داخل أحشائي، ضربوا البيوت فوق ظهري، ودمروا بساتيني التي طالما أغنيت بها أبنائي وأكرمت بها ضيوفي..
فتصبرت وحملت على جراحي وأخذت سيفي لأدافع به عن أبنائي وأحمي من إستطعت منهم ، فجمعنا صفوفنا وقاومنا حتى دب الوهن بيننا ، فتمكنوا منا..
وآه مما فعلوه فينا فلم أجد بدآ إلا أن أرسل من بقي من أبنائي خارج أحضاني أملآ في أن يعودوا يومآ يحملون العباءة في أيديهم فيغطونني ويستروا ما قد بدا من جسدي، ولكن هيهات يا أبنائي لماذا تجافونني ، لماذا تركتموني لإواجه مصيري..
لقد جاءوا لي بأقوام لا أعرفهم ليبنوا خيامهم فوق صدري بنيات خبيثة، سعوا فوق ظهري بالفساد ، ونجسوا جسمي بالمحرمات وجاءوا بأفكار الضلالات، ونشروها بين أبنائي فغسلوا أدمغة الكثيرين منهم، واستعانوا بهم على هدم أفكار أهل البيت التي طالما تلقيت الضربات القاتلة من أجلها، وطالما سكبت الدماء في سبيلها، حتى مساجدي أخرجوا أبنائي منها ، ووضعوا مكانهم أناس غرباء قد ظهر المنكر في وجوهم ، جاءوا معهم بالمعازف وأحلوها مكان مآذن القرآن..
فأجهشت بالبكاء وأنا أراقب دموعها تسقط على الأرض كقطرات المطر..
حتى بناتي جاءوا لهن بالشواذ ليدخلوا في أوساطهن ويخرجوهن من جلابيبهن ،فلم يستطيعوا أن ينالوا من شرفي وشرف بناتي فأوفدوا لهم من يقوم بتلك المهمة من غير بناتي ، فنشروا الفواحش، وأصبح الله يعصى فوق أرضي الطاهرة، فتقاسموا أرضي وهتكوا عرضي وأساءوا إلى سمعتي..
وفي هذااا الزمن ولأن واحدآ من أبنائي أراد هو وإخوته ومن على قمم الجبال أرادوا أن يكسوني بدل العباءة بالدروع ،وأراد أن يستنهض همم إخوته في إستعادة نور الإيمان الذي غطا وجهي، وأراد أن يواجه أعداء الله وأعدائي بالقرآن وبالسيف، ويطرد كل من أساء إلي ، ونشر الإنحلال بين أبنائي..
آه ، آه ، آه ياولدي..
ومن أجل ذلك جمع العملاء وعباد الدولار طائراتهم ودباباتهم وجيوشهم وحشدوا علينا الحشود، واستعانوا علينا باليهود..
فضربوني بالطائرات والدبابات، فلم يدعوا بيتآ إلا وضربوه، ولا مسجدآ إلا هدموه، ولا بستانآ إلا أحرقوه، ولا مشروعآ يأكل منه أبنائي حلالآ طيبآ إلا سمموه..
قصموا ظهري، ومزقوا ستري، حتى جبالي فجروها، والوديان لغموها، أحرقوا كل شيئ، إستبدلوا حلتي الخضراء وألبسوني ثياب الحزن السوداء..
أما أبنائي وهي تبكي فماذا أقول لك وأنا ألملم أشلاء خيرة أبنائي من كل مكان ، قتلوا الرجال والشباب حتى النساء والأطفال ، إستخدموا كل أنواع الدمار والقتل..
يقتلون هذا ويذبحون هذا ويحرقون هذا ويهدمون البيوت فوق رؤوس أبنائي وبناتي ،ويمثلون بالشباب والأطفال، كلما وطئوا موطئآ حاصروهم فيه، كانوا يتعمدون أن يسقوني من دماء أبنائي وأنا لا أملك حيلة فقد تكالبوا علي وقيدوني، بل والأشد من ذلك أنهم تعمدوا أن أرى بعض أبنائي وهم يتعاونون معهم ويقتلون بعضهم بعضآ زيادة منهم في التنكيل بي..
فقلت لها في خجل وأنا لا أكاد أقوى على وضع الكلمة فوق الكلمة ، وأين كان أبناؤك من ذلك كله؟
فسكتت طويلآ وهي تخرج من صدرها هواءآ ساخنآ يدل على حجم النار المشتعلة داخلها..
وقالت أبنائي ثلاثة: من هاجر منهم وغادرني: تنكر لي ولإخوانه وأرتضى له أمآ غيري وإخوة غير أبنائي،ونسي حناني، وجلس يراقبني من بعيد، وأنا أتدمر وأحترق..
ومنهم من عايش فترة تدميري وأحترق صدره لهول ما رأى ، ولكنه أدار ظهره عني ولم ينصرني ولو بكلمة، وتأول التأويلات، والتمس الأعذار ودخل في صمت عميق..
ومنهم من صمد وسل سيفه دفاعآ عني فأمتلأت الأرض بدمه ودم إخوانه ..
ولكن لا،وألف لا ، فليعلم الجميع أن صعدة خلقت للصعود لا للركوع، فلن أنحني ولن أستكين..
وسأكتسي بحلة الإيمان من جديد ، وسأحمل جلباب العزة والكرامة فوق رأسي بإقتدار..
وسأرضع أبنائي القيم والإيمان والعدل والتوحيد والشجاعة والعزة والكرامة، وسأصنع لهم سيوفآ من حديد وأنشرهم فوق جبالي بعيون يقضة وقلوب قوية وسواعد شجاعة ليعيدوا العزة لدين الله من جديد..
أفلا يحق لي أن أبحث عن أبنائي . وأشرح لهم مأساتي. ليضمدوا ما بقي من جراحاتي..
فرفعت رأسي وإذا بها قد أصبحت كالسراب أمام عيني..
وإذا بورقة صغيرة سقطت منها سهوآ مكتوب عليها يا أماه نحن أبناؤك قد جمعنا صفوفنا وهانحن نسير على طريق العزة من جديد وقد جمعنا الدماء الزكية التي سقطت في مران وفي كل مكان من جسمك ونسجنا منها رايات ترفرف في كل مكان في العالم..
فابتهجي بنا وأفخري.

عذرآ يا صعدة ... عذرآ يا صعدة
والسلام عليكم ورحمة الله

قرين القرآن

الحرة
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 200
اشترك في: الأحد إبريل 02, 2006 4:34 am

Re: ( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة الحرة »

قصة أم ثكلى
قصة شعب ممزق
قصة شباب ضايع
قصة تاريخ يدفن و مستقبل مشوه
ماضي ومستقبل أييييييين الحاضر
ابكتني سطورك ولكن هل ينفع البكاء
رداً أو تعليقاً على
هذه الشكوى من أم..... ثكلى

اللهم اعطنا القوة لنعرف ان الخائفين لا يحمون الدين و الوطن.
و ألخائنين لا يصنعون للخير و لا يحمون الشرف و الحرية و الاستقلال.
و المترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة على التعمير و التجديد و البناء.

قرين القران
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 240
اشترك في: السبت مارس 07, 2009 10:29 pm

Re: ( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة قرين القران »

أختاه يارمز الحرية :
كفكفي عنك الدموع ..
فهذا زمن البناء لا زمن البكاء ..
ولتعلمي جيدًا أنه :
لولا الألم لما تعلمنا القوة والشجاعة ..
ولو لا الدموع لما تمنينا رؤية الإبتسامة ..
ولو لا النقص والتضحيه لما صنعنا العزة والكرامة ..
لا تهنوا ولا تستكينوا ..
إعصموا القلوب بالقرآن ..
وجففوا الدموع بالشجعان ..
واجعلوا من الماضي منارة تضئ لكم الطريق الى مستقبل أفضل ...
والسلام ... قريــــــن القـــــرآن .

قرين القرآن

ابن زيد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 146
اشترك في: الجمعة يناير 16, 2009 2:49 pm

Re: ( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة ابن زيد »

شكرا لك اخي على هذه الكلمات المعبرة والجميلة بارك الله فيك وزاد في الرجال من امثالك

هديتي لأعضاء ومشرفي مجالس آل محمد تفضلوا
http://www.almajalis.org/forums/viewtop ... 20&t=11436

قرين القران
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 240
اشترك في: السبت مارس 07, 2009 10:29 pm

Re: ( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة قرين القران »

اشكرك اخي العزيز ابن زيد على هذه المداخلات الجميلة التي تعطي المشتركين دفعة قوية للامام سائلين الله التوفيق لنا ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات
قرين القرآن

قرين القران
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 240
اشترك في: السبت مارس 07, 2009 10:29 pm

Re: ( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة قرين القران »

هذه القصة من باب الأستشهاد لا من باب الحصر
قرين القرآن

قرين القران
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 240
اشترك في: السبت مارس 07, 2009 10:29 pm

Re: ( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة قرين القران »

عذرآ ... فقد ذكرني المقال الذي بعنوان عذرآ يا أهل صنعاء .. أن أستذكر الحقائق

وأشم عبق المستقبل الزاهر لكل اليمن والذي بدأ نوره يعاكس عيني البكر بقوة عينه

فالبشرى و الأمل بنصر الله زاد المؤمنين .. وبشر الصابرين
قرين القرآن

صارم الدين الزيدي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1155
اشترك في: الأربعاء يناير 07, 2009 6:42 am

Re: ( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة صارم الدين الزيدي »

صعدةُ في دمي وعقلي *** ووعدٌ من اِلهٍ قد نصر
وترنوا إليكِ نفوسٌ أبت *** خُنوعَ العبيد ومن قد غدر
سلاماً إلى أهلها الصامدين *** حماةَ الديار وتاجَ الفخر


سيدي قرين القران وفقكم الله وسدد خطاكم واعلى مقامكم ومنزلتكم في الدارين
وسبحان من اعطاكم هذه الاسلوب الادبي الراقي والجميل
فقد تأثرت جدا بها
كيف وهي تحكي عن المدينه التي تهفوا قلوبنا اليها متعلقة بها
سلام الله على اهلها الصابرين ورجال الله الصامدين
وإن تباشير الصبح ومصادقيه قريبه ونصر الله قريب بأذنه تعالى
وفقكم الله الى كل خير
وتقبلوا خالص حبي وتقديري
محبكم

صارم الدين
صورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا رَبُّ بهم وبآلِهِمُ *** عَجِّلْ بالنَصْرِ وبالفَرجِ

قرين القران
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 240
اشترك في: السبت مارس 07, 2009 10:29 pm

Re: ( عذرًا ياصعدة...قصة أم ثكلى )

مشاركة بواسطة قرين القران »

أستاذي الفاضل صارم الدين أخجلنا تواضعكم فأنتم الأصل ومنكم تعلمنا و أنتم أهل السبق ولكم الجزاء الأكبر بإذنه تعالى .. ودمت عزيزآ كريما
قرين القرآن

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأدب“