بسم الله الرحمن الرحيم
استاذي الشريف
جزاكم الله خير
قد بان لي تقسيم الإرادة الذي حكيتموه عن أهل السنة وشيخ الإسلام رحمه الله
لكن ما زال عندي اشكالين
1- نسبة هذا التقسيم إلى شيخ الإسلام وأهل السنة
2- صحة هذا التقسيم من أساسه بغض النظر عن قائله
أما الإشكال الأول فالخوض فيه الآن أستاذي الكريم سيسبب إنحراف عن مسار الموضوع فلذلك أرى تأجيله
وأما الإشكال الثاني فالمهم فيه عدة نقاط
1- أن تعلم أستاذي الكريم أن تلميذكم الامير الصنعاني لا يسلم بصحة التقسيم المذكور
والتقسيم السليم حسب فهمي هو ما ذكرته لك سابقاً مع توضيحات أحب أن تلتفت لها معلمي الفاضل سأذكرها لاحقا هنا
2- من المهم أن أعلم موقفك استاذي الفاضل من التقسيم الذي نسبته إلى أهل السنة وموقف الزيدية القائلين بعصمة أهل البيت من هذا التقسيم هل هم يقرون بصحته
وعودة إلى أصل كلامكم أستاذي
فما ذكرتموه تحت بند تحديد نوع الخطاب مبني على التسليم بصحة التقسيم للإرادة الذي ذكرته ونسبته إلى شيخ الإسلام وأهل السنة
وبالتالي فأنا لا اقبل بحجة الزيدية في مسألة آية التطهير لسببين
الأول - لأني لا أسلم بالتقسيم المذكور للإرادة
الثاني - الزيدية حسب ما أعلم عنها لا تقول ولا ترتضي هذا التقسيم اصلاً وهي تميل إلى قول المعتزلة في معنى الإرادة وقول المعتزلة في الإرادة يتعارض مع التقسيم المذكور في كلامك استاذي فكيف تحتج الزيدية بأشياء غير صحيحة عندها
تنبيهات
ما فهمه تلميذك استاذي الفاضل من كلام أهل السنة وكلام ابن تيمية على وجه الخصوص هو
أن
الإرادة الكونية = القدر
وكل ما في هذا الكون صغيره وكبيره داخل تحت القدر
فالإرادة الشرعية لا يمكن ابداً أن تكون خارج القدر وبالتالي فهي لا يمكن إلا أن تكون جزء من الإرادة الكونية ولا يمكن أن يكون شيء من الإرادة الشرعية خارج عن الإرادة الكونية
بكلمات أخرى
كل إرادة شرعية هي إرادة كونية ولكن ليس كل إرادة كونية إرادة شرعية
فلا يوجد ما يسمى بإرادة شرعية غير كونية بالمعنى الذي شرحته أنت أستاذي الفاضل
وإن صح كلامك استاذي الشريف العلوي في أن أهل السنة يقولون بوجود إرادة شرعية غير كونية بحسب الفهم الذي طرحته
فلازم هذا أن أهل السنة تقول
أنه يحدث في هذا الكون ما لا يشاءه الله لأن الإرادة الكونية هي المشيئة
------------
الفوارق التي ذكرتها أستاذي بين الإرادة الشرعية والكونية
الفارق الأول: أن إرادة الله تعالى الكونية لا تتخلف فلا بد من وقوعها , وإرادته الشرعية قد تقع وقد لا تقع .
هذا الفارق لا أسلم به
بل الصواب عندي أن إرادة الله الشرعية لا تتخلف ولا بد من وقوعها.
نعم بعض علماء أهل السنة يستخدم التعبير الذي سقته أن الإرادة الشرعية قد تقع وقد لا تقع
لكن أنا لا أفهم من كلامهم المعنى الذي تريده أنت أستاذي الشريف
وما أفهمه من قولهم قد تقع أو لا تقع أي قد توجد أو لا توجد (في المكلف المعين) ومرادهم (إثبات التخيير للمكلف ونفي الجبر)
وهذا الإثبات لا يعني إخراج بعض الإرادة الشرعية من الإرادة الكونية كما ذكرت أنت أستاذي الشريف
وسيتضح لك مرادي من كلامي هذا عند التطرق إلى المثال لاحقاً
الفارق الثاني :- الكونية قد يحبها الله ويرضاها وقد لا يحبها ولا يرضاها , والشرعية لا بد أن يحبها ويرضاها .
هذا الكلام سليم لكنه لا يثبت إخراج بعض الإرادة الشرعية من الكونية
بل الإرادة الشرعية هي جزء من الإرادة الكونية التي يحبها الله ويرضها
بمعنى أن إرادة الله الكونية فيها ما يحبه الله ويرضاه ومن ذلك إرادته الشرعية
الفارق الثالث :- الكونية متعلقها ربوبية الله وخلقه , والشرعية متعلقها ألوهية الله وشرعه .
هذا الكلام سليم إلى حد ما ولكنه لا يخرج بعض الإرادة الشرعية من الكونية لأن
ألوهية الله تعالى هي من لوازم ربوبيته
فالله تعالى كونه الرب فلازم ذلك أنه هو الإله المعبود
والإسلام جاء ليوكد أن الإله هو الرب
وبالتالي فالإرادة الشرعية متعلقها ألوهية الله وشرعه وبالتالي فهي متعلقة بربوبيته
الفارق الرابع:- الكونية مقصودة لغيرها كخلق إبليس لتحصل التوبة , والإرادة الشرعية مقصودة لذاتها كمحبة الطاعة .
يبدوا أنك تقارن بين الإرادة الكونية الغير شرعية والإرادة الكونية الشرعية
الفارق الخامس : الكونية والشرعية قد تجتمعان في حق المطيع , وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر , وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر.
هذا الكلام لا أسلم بصحته بالمعنى الذي تريده
والصواب عندي هو
أن الإرادة الشرعية لا يمكن أن تخرج عن الإرادة الكونية
ولنتكلم الآن عن المثال المذكور
إيمان الكافر
هل إيمان الكافر مراد الله شرعاً فقط دون أن يكون كوناً؟
الجواب
بالتأكيد لا حاشا أن يكون في خلق الله ما لا يشاءه الله
بل إيمان الكافر هو مراد الله الكوني وهو مراده الشرعي
فإن اعترضت وقلت الكافر لم يؤمن ومات على كفره فكيف يكون هذا مراد الله الكوني؟
الجوااااب
اعتراضك ساقط
لإن الله أراد أن يكون الكافر مكلف وبالتالي أراده مخير وبالتالي فإرادة الله الكونية للكافر هي إيمان الكافر إختياراً
فكون إيمان الكافر لم يحدث فهذا لا يعني أن إرادة الله لم تتحقق بل تحققت لأن الله إنما أراد الإيمان من العبد إختياراً لا جبراً
وهذا هو معنى قول أهل السنة أن الإرادة الشرعية قد تقع أو لا تقع
يعني أن الإنسان مخير ليس مجبور
فإيمان الكافر اختياراً هو مراد الله الكوني والشرعي وبالتالي فهو ما يحبه الله ويرضاه
وكفر الكافر اختياراً هو مراد الله الكوني غير الشرعي وهو لا يحبه الله ولا يرضاه
أما إيمان الكافر جبراً فهذا ليس مراد الله تعالى لا الشرعي ولا الكوني
وكفر الكافر جبراً ليس مراد الله شرعاً ولا كوناً
الفارق السادس:- الكونية يدل عليها الوقوع , والشرعية يدل عليها العقل أو الشرع .
هذا الكلام سليم استاذي مع التنبيه على أن الإرادة الشرعية إذا لم تقع فهذا لا يعني خروجها من الكونية
لأن الإرادة الشرعية تتضمن حدوث المراد اختياراً فكونها لم تحدث يعني ان عكسها حدث وعكسها حتماً خارج الإرادة الشرعية لكنه داخل في الإرادة الكونية
أما ما نقلته من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فلا أراه ينطبق علي كلامي نهائياً ولا أرى هذا موضع الخوض في ذلك
وأما قولك
- فإن قلت : ما هي الإرادة الشرعية غير الكونية ؟
فالجواب : هي ما أحبه الله تعالى ولم يوقعه , مثاله : الله تعالى أحب من الخلق أن يسلموا فلم يسلم أكثرهم , وأحب أن يتوب عليهم فلم يتب على أكثرهم .
فكون إيمان الكافر وطاعة العاصي محبوبة لله دلنا على أنها : شرعية , وكونها لم تقع دلنا على أنها : غير كونية .
ولا يمكنك أن تقول هي غير شرعية لأن معناه أن الله لم يطلب الإيمان من الكافر وهذا باطل , ولا يمكن أن تقول هي كونية لأن إيمان الكافر لم يقع .
جوابك لا اتفق معك فيه وقد تم توضيح ذلك لكني اكرر واقول
الإرادة الشرعية هي إرادة اختيارية في حق المكلف وكونها لم تقع لا يعني أنها غير كونية
فالله تعالى أحب من الخلق أن يسلموا (إرادة شرعية ) وأراد أن يسلموا إختياراً (إرادة كونية)
فمن أسلم تحقق فيه مراد الله الشرعي الكوني
ومن لم يسلم تحقق فيه مراد الله الكوني حيث أنه اختار أن لا يسلم لكن اختياره هذا لا يحبه الله فهو ليس مراد الله الشرعي
اعتذر استاذي الشريف إن كنت تراني اكرر وأعيد كلامي ويعلم الله أن هذا التكرار والبيان مني ليس مقصودي منه الاستنقاص من مقدرتكم في الفهم لكن التكرار سببه الإحساس بعجزي في بيان مرادي كما أريد
دمتم في حفظ الله ورعايته
تلميذكم ومحبكم
الامير الصنعاني