عبد الباري عطوان: إيران والمواجهة الكبري

أضف رد جديد
لــؤي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 3099
اشترك في: الخميس نوفمبر 17, 2005 4:22 pm
مكان: قلب المجالس

عبد الباري عطوان: إيران والمواجهة الكبري

مشاركة بواسطة لــؤي »

عبد الباري عطوان: إيران والمواجهة الكبري
2006/8/23 الساعة 8:18 بتوقيت مكّة المكرّمة

بقلم: عبدالباري عطوان

ردت ايران يوم امس علي العرض الذي قدمته اليها الولايات المتحدة باسم الدول دائمة العضوية في مجلس الامن وتضمن حوافز اقتصادية وسياسية وتقنية مغرية مقابل تخليها عن مشاريعها في تخصيب اليورانيوم، وما يترتب عليها من طموحات نووية، وكل الدلائل تشير الي انها، اي ايران، ما زالت ترفض الشروط الامريكية، وتتمسك ببرنامجها النووي كاملا مهما كانت النتائج.

جون بولتون أحد ابرز مهندسي الغزو الامريكي للعراق قال امس ان بلاده ستتحرك (بسرعة) نحو اعتماد مجلس الامن عقوبات اقتصادية علي ايران اذا جاء ردها غير مرض، ولم يستجب للشروط المحددة من قبل الدول الكبري . ايران تري ان من حقها تخصيب اليورانيوم لتوليد الطاقة، وكفلت معاهدة الحد من الانتشار النووي هذا الحق، ولذلك اعلنت امس عن استخدامها اجهزة طرد مركزي ذات قدرات عالية في هذا الخصوص، للتعبير عن تحديها للولايات المتحدة والدول الغربية الاخري التي تطالبها بوقف عمليات التخصيب.

مصدر قوة ايران تكمن في ضعف الادارة الامريكية الحالية، وفشل حروبها، وخاصة في العراق وافغانستان واخيرا في لبنان، وزيادة رصيدها من الكراهية في العالمين العربي والاسلامي.

ايران تستطيع ان تكبد الولايات المتحدة خسائر ضخمة مادية وبشرية كرد علي اي عقوبات اقتصادية تفرض عليها، وهي تملك اوراق قوة عديدة في هذا الخصوص نلخصها في النقاط التالية:

اولا: تدرك الحكومة الايرانية جيدا انه باستطاعتها افساد المشاريع الامريكية في العراق وافغانستان ولبنان. فمثلما ساعدت ايران الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة، في الاطاحة بالنظامين الافغاني (طالبان) والعراقي (صدام حسين)، بالصمت، او بالايعاز للجماعات الحليفة بالتعاون مع مشاريعها هذه، تستطيع ان تستخدم الجماعات نفسها بالعمل ضد القوات الامريكية في البلدين. ومن المفارقة ان الولايات المتحدة هي التي دربت هذه الجماعات وسلحتها، ودمجتها في قوات الامن والجيش مثلما حدث في العراق.

ثانيا: تستطيع ايران الرد علي اي عقوبات امريكية بزعزعة استقرار منطقة الخليج حيث يوجد ثلثا احتياطات النفط في العالم، مثلما حدث اثناء الحرب العراقية ـ الايرانية، مع فارق بسيط ان ايران اكثر قوة واستعدادا في الوقت الراهن، حيث نجحت في تطوير صناعتها العسكرية، وامتلكت غواصات وصواريخ بعيدة المدي. وهذا ربما يؤدي الي ارتفاع كبير في اسعار النفط الامر الذي سيؤثر سلبا علي الاقتصاد الامريكي والغربي.

ثالثا: باتت الولايات المتحدة دولة شبه جارة لايران، اي ان ايران لم تعد تحتاج الي ضرب واشنطن ونيويورك بالصواريخ او ارسال فرق ارهابية للقيام بهذه المهمة، فهناك 140 الف جندي امريكي في العراق، واقل من ثلث هذا الرقم في افغانستان، وهؤلاء سيتحولون الي صيد سهل للحرس الثوري الايراني والجماعات المرتبطة به في البلدين.

رابعا: فرض عقوبات علي ايران ربما يؤدي الي انفجار الهدنة في لبنان، وتحويل البلد الي فوضي عارمة، او دولة فاشلة وهذا ما يفسر تلكؤ الدول الاوروبية وفرنسا علي وجه التحديد، في ارسال عدد كبير من القوات في اطار قوات الامم المتحدة. فلا بد ان هذه الدول الحليفة لواشنطن، تعلم جيدا بالنوايا الامريكية بعيدة المدي تجاه ايران، ولهذا تراجعت عن حماسها في ارسال القوات. وربما هذا ما يفسر ايضا قرار عدة شركات طيران اوروبية بتأجيل استئناف رحلاتها الي بيروت حتي نهاية هذا الشهر موعد المهلة النهائية لايران للرد علي العروض الأممية المقدمة اليها.

خامسا: مثلما استخدمت الولايات المتحدة الامريكية الضربات الاستباقية كحجر اساسي في استراتيجيتها تجاه ما تسميه بالارهاب والدول الداعمة له، فان ايران لجأت الي الاستراتيجية نفسها في لبنان، عندما دعمت حزب الله في حربه الاخيرة ضد الدولة العبرية، وهي الحرب التي ادت الي انتصار غير مسبوق، وكانت بمثابة بروفة لحرب اكثر شراسة في حال حدوث مواجهة عسكرية بين ايران والولايات المتحدة فيما هو قادم من ايام.

المنطقة تتجه بسرعة نحو المواجهات العسكرية، والاسابيع المقبلة ستشهد عملية تهيئة لها، سواء من خلال قرارات تصدر عن مجلس الامن الدولي ضد ايران توفر الغطاء القانوني، او من خلال اقامة تحالفات دولية واقليمية علي غرار ما حدث في العراق. توني بلير رئيس وزراء بريطانيا والحليف الاقرب للرئيس بوش، بدأ عملية التمهيد هذه قبل اسبوعين عندما تحدث عن وجود قوس التطرف المتنامي في الشرق الاوسط، يضم ايران وسورية وحزب الله وحماس وطالب بمواجهته من خلال قوس من الاعتدال يضم دولا عربية واسلامية مثل مصر والسعودية والاردن.

الرئيس بوش ذهب الي ما هو ابعد من ذلك عندما هاجم الفاشية الاسلامية بعد اكتشاف مؤامرة نسف الطائرات الامريكية المنطلقة من مطار هيثرو، واكد انه سيتصدي لها، ويعمل علي هزيمتها لانها تهدد العالم.

الولايات المتحدة لا تستطيع ان تتحمل وجود قوة اقليمية نووية قرب منابع النفط واحتياطاته وامداداته لأن هذا سيهدد هيمنتها، ويضعفها علي المدي البعيد في مواجهة القوي الكبري الصاعدة، وهي الصين والهند واوروبا التي تعتمد اعتمادا كليا علي النفط المستورد.

المواجهة مع ايران لن تكون مثل المواجهة مع العراق، لان العراق انهكه الحصار مثلما انهكه تآمر الدول العربية. ايران اكثر قوة، وتستطيع الصمود والمقاومة، وتملك اسلحة تمكنها من الدفاع عن نفسها والحاق اكبر قدر من الأذي بالولايات المتحدة وحلفائها.

ايران تملك ورقة الارهاب ولها جماعات منتشرة في مختلف انحاء العالم تنتظر اشارة البدء، مثلما تملك صواريخ قادرة علي ضرب القواعد الامريكية في الخليج، واغلاق مضيق هرمز حيث يمر 18 مليون برميل نفط يوميا الي الغرب. ولن يكون مستبعدا ضرب آبار النفط نفسها، مما يعني وصول سعر البرميل الي اكثر من مئة وخمسين دولارا.

المواجهة في لبنان كانت بين حليف ايران (حزب الله) وحليف امريكا (اسرائيل) وانتهت بفوز الاول وخسارة الثاني. ونحن الآن بانتظار مواجهة الكبار بعد ان شاهدنا مواجهة فريقي الاشبال. ولا نعتقد ان الولايات المتحدة ستخرج فائزة، وان خرجت فسيكون الثمن باهظا جدا لمثل هذا الفوز. اما الخاسر الاكبر فسيكون الدول العربية الحليفة لواشنطن التي شاركت امريكا في كل حروبها ولم تكسب شيئا في المقابل، وستدفع هذه المرة ثمن هذه المشاركة من امنها ونفطها ومالها. اما اسرائيل فقد تكتشف ان مواجهة صواريخ حزب الله كانت عبارة عن نزهة بالمقارنة مع الصواريخ الايرانية التي ستصل الي ما هو ابعد ابعد من حيفا فعلا.

عن القدس العربي
رب إنى مغلوب فانتصر

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشـؤون العربيـة والعالمية“