عطوان: تحرك عربي متأخر جداً

أضف رد جديد
Nader
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1060
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 6:22 pm

عطوان: تحرك عربي متأخر جداً

مشاركة بواسطة Nader »

مقال يقطر سخرية و غضبا و تهكما كعادة مقالات عطوان:

--------------------------------------
تحرك عربي متأخر جداً

عبد الباري عطوان





المنطقة العربية بأسرها تقف حالياً علي ابواب التغيير. اسرائيل تغيرت، والعرب تغيروا ايضاً، وملامح شرق اوسط جديد بدأت تتبلور فعلاً انطلاقاً من مثلث المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين.

اسرائيل تغيرت لأن حروبها ضد العرب لم تعد في اتجاه واحد، اي ان ترسل طائراتها لتقصف، وتدمر، وتقتل، وتعود سالمة، وينخرط العرب، شعوبا وحكومات في الندب والعويل، والحديث عن ارهاب الدولة، وعقد مؤتمرات قمة تصدر قرارات شجب واستنكار.

العرب تغيروا ايضا لأن الايام التي كان يلجأ فيها الجندي العربي الي خلع حذائه، والتخلص من سلاحه، والفرار الي أقرب بر للأمان، اختفت ايضاً، واصبحت من التراث، تراث الانظمة، الثورية سابقاً، والعقلانية حالياً.

المقاومة الاسلامية والوطنية، في لبنان والعراق وفلسطين، فرضت ابجديات جديدة للصراع، عنوانها الصمود، والدفاع عن الارض والعرض بكل الوسائل، ومهما تواضعت الامكانيات، ومن هنا تحققت معجزة الانتصار الحالية في الجنوب اللبناني التي احيت الروح في امة ظن الكثيرون انها ماتت وتحللت.

الجيش الاسرائيلي الذي هزم كل جيوش الانظمة العربية، وجنرالاتها المتكرشين، ومهد لموجة الاستسلام التي تكللت بمعاهدات سلام غير متكافئة، وبالشروط الاسرائيلية، هذا الجيش يعيش حالياً اسوأ ايامه، ولا يعرف كيف يتصرف مع مقاومة شرسة تحقق كل يوم مفاجأة جديدة.

ما قتلته المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان من جنود اسرائيليين في الاسابيع الاربعة الماضية يكاد يفوق ما قتلته الجيوش العربية مجتمعة علي امتداد خمسين عاما ونيف.

الصواريخ باتت تهطل كالمطر وبالمئات علي المستوطنات الاسرائيلية، وتصيب اهدافها بدقة، اي لا تسقط في البحر، ولا في الخرائب، وانما في قلب ثكنات الجيش الاسرائيلي، وهذه سابقة لم تعرفها المنطقة من قبل، رغم انفاق اكثر من ثلاثمائة مليار دولار لشراء اسلحة ومعدات حديثة لتسليح الجيوش العربية وتدريب الجنرالات.

وزراء الخارجية العرب، الذين يمثلون انظمة متواطئة علي المقاومات العربية، هرعوا الي بيروت لعقد اجتماعهم الطارئ خجلا وحياء من اللعنات التي انهالت عليهم من الشارع العربي، وفي وصلة من التمثيل الرديء الفاشلة، وغير المقنعة، وللادعاء بانهم حريصون علي لبنان ومتضامنون مع اهله.

العرب تحركوا بعد ان ادركوا ان المقاومة الاسلامية في لبنان لن تقهر، ولن تستسلم، ولن تهرب، مثل جيوشهم وجنرالاتهم، رغم امكانياتها المتواضعة، فجنودها طلاب شهادة وجنرالاتهم طلاب عطايا وصفقات تجارية، وحماية الأنظمة وقادتها وليس الاوطان.

من المؤسف والمحزن في الوقت نفسه ان وزراء الخارجية العرب ذهبوا الي بيروت بعد ان زارها وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي، وكان امرا معيبا ان يأتوا بعده بأكثر من اسبوع، حتي يتأكدوا ان صمود المقاومة حقيقي، وان التفاف الشعب حولها مؤكد، لانهم بنوا كل مواقفهم علي نجاح العدوان الاسرائيلي وتحقيق اهدافه في غضون اقل من اسبوع.

السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية، ابلغت حلفاءها العرب مسبقاً بالمخططات الاسرائيلية لتدمير لبنان، ونزع سلاح حزب الله بالقوة، ووجدت منهم كل مباركة وتأكيد، وهذا ما يفسر البيانات المتسرعة التي صدرت في السعودية تدين حزب الله وتحمله المسؤولية وتتهمه بالاقدام علي مغامرات غير مسؤولة، ثم بعد ذلك، وبدرجة اقل من الاردن ومصر. لقد فرحوا بالعدوان الاسرائيلي واعتقدوا انه سيخلصهم من المقاومة الاسلامية بسرعة مثلما خلصهم الغزو الامريكي للعراق من نظام حكم البعث.

بعد اربعة اسابيع من العدوان الاسرائيلي علي لبنان وقتل المئات وتشريد الملايين من ابنائه، بدأ العرب تحركهم الدبلوماسي بارسال وفد الي نيويورك لبحث تعديل مشروع قرار مجلس الأمن الدولي الذي يتجاهل المطالب اللبنانية في سحب جميع القوات الاسرائيلية، وعودة مزارع شبعا الي السيادة اللبنانية، وتبادل الأسري كشرط لوقف اطلاق النار.

هذا التحرك العربي المتأخر لن يعطي ثماره، لأنه تحرك المتواطئين مع العدوان، تحرك جاء نتيجة احراج، وليس نتيجة نوايا حقيقية لانقاذ لبنان وشعبه، والا لكان وزراء الخارجية العرب قد وجهوا تحية الي المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في بيانهم الختامي، لان هذه المقاومة هي التي تصنع التحول في المنطقة، وتبلور بصمودها ملامح الشرق الاوسط الجديد الذي تتطلع اليه الشعوب العربية.

مجلس الامن الدولي سيصدر قراره، بالشكل الذي تريده السيدة رايس، والشروط التي يفرضها ايهود اولمرت وجنرالاته، ولكن هذا لن يؤدي قطعا الي وقف اطلاق النار، لأن مارد المقاومة خرج من القمقم، وبات من الصعب اعادته الي ما كان عليه الحال في السابق.

المواجهة الحالية في لبنان هي مجرد بروفة لمواجهات قادمة ربما تكون اكثر شراسة واتساعاً. مواجهات ربما تحمل عناوين عديدة، ابرزها الملف النووي الايراني وتغير المعادلات والتحالفات في العراق.

هيبة اسرائيل سقطت، وكذلك هيبة جيشها واجهزتها الأمنية والاستخباراتية، ومعها هيبة الانظمة العربية الرسمية، وعلي اساس هذا السقوط المريع ستتغير المنطقة بأسرها. فالحرب لم تعد طريقا في اتجاه واحد، والمشردون لم يعودوا من العرب وحدهم. فمن كان يتصور سقوط الصواريخ في حيفا والعفولة وطبريا، ومن كان يتصور لجوء مليون اسرائيلي الي الملاجئ، وخلو الشواطئ من المصطافين في نهاريا وحيفا وتل ابيب؟

ان حجم الدمار النفسي والمعنوي الذي لحق بالدولة العبرية بفضل هذه الحرب وتوازن الرعب فيها لن يظهر الآن، وانما بعد انقشاع غبارها، حيث ستبدأ الانقسامات وحالة من عودة الوعي الي الاسرائيليين حول فداحة المأزق الذي اوقعهم فيه جنرالاتهم وحكومتهم، فالهجرة المعاكسة آتية، سواء للبشر او لرؤوس الاموال هربا الي مكان آمن بعد ان اصبح الامان، الذي هو ابرز اسس قيام دولتهم، من الأمور المتآكلة وبسرعة غير عادية.

ومن كان يتصور ردة فعل الشارع العربي الغاضبة وجيوشها ووزرائها وقممها.

نشهد حاليا انهيار مرحلة من الاستسلام امتدت لاكثر من ثلاثين عاما، مثلما نشهد صحوة تعيد المنطقة العربية الي المربع الاول، مربع الرفض والمقاومة، لكل مشاريع الهيمنة الامريكية ـ الاسرائيلية.

القيادة الاسرائيلية ستندم كثيرا علي غرورها وغطرستها، ستندم علي عدم استغلالها مبادرات السلام العربية التي عرضت عليها، وتقديم تنازلات شكلية، ومن أرض عربية، تستر عورات اصحاب هذه المبادرات امام جماهيرها.

هناك مثل لبناني شهير ينطبق تماماً علي حال اسرائيل والانظمة العربية يقول جاءك يا بلوط مين يعرفك . والمثل لا يحتاج الي اي شرح.

http://www.caricadonya.com/index.php?pn ... &&wid=2120

تحياتي...
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشـؤون العربيـة والعالمية“