السياسات العبثية والخراب

أضف رد جديد
السيف اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 9
اشترك في: الاثنين ديسمبر 22, 2003 6:33 pm

السياسات العبثية والخراب

مشاركة بواسطة السيف اليماني »

السياسات العبثية والخراب


عن صحيفة المستقبل اللبنانية - الجمعة 28 أيار 2004 - العدد 1604 - رأي و فكر - صفحة 19



قال رضوان السيّد:

يتصرف الأميركيون بالعراق ومن حوله، منذ أحداث الفلّوجة، وانكشاف الفظائع بسجن أبو غريب، كأنما هم يريدون الانسحاب بأقل قدر ممكن من الخسائر السياسية والعسكرية والمعنوية. وأول ما يشير لذلك الإقبال على إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بشأن خلافتهم أو شراكتهم مع دول العالم الأخرى في إقرار مستقبل العراق، بعد أن كانوا يرفضون كل شراكة. ولا شكّ أن التصور الذي يعرضونه ليس مثالياً لهم أو للعراق حتى الآن. لكنهم لا يريدون أن يظهروا بمظهر من تراجع أو غيّر رأيه. وثاني ما يشير الى هذا المصير تخلّيهم عن أنصارهم وأتباعهم في مجلس الحكم، خصوصاً أحمد الجلبي، ويبدو أن دور إياد علاّوي قادم، على الرغم من أنهم أخذوا برأيه في عدم اجتثاث البعث، والعودة للاستعانة بالموظفين والضباط من العهد والجيش السابق. وكان من الممكن فهم التخلّي عن الجلبي بوصفه انتصاراً للمخابرات والخارجية على الدفاع. لكن التهمة الرئيسية الموجهة للجلبي الآن تعاونه السري مع إيران. ومن المعروف أن الأميركيين استخدموا هم أنفسهم الجلبي قبل غزو العراق لإقناع إيران بالسماح لممثلي المجلس الأعلى بحضور المؤتمرات الممهّدة للغزو، كما لطمأنة إيران بأن مصالحها لن تتضرر، بل ستستفيد من سقوط خصمها. فإذا لم تكن مع الغزو فلتكن على الحياد على الأقل. وقد نجح الجلبي في المهمتين كما هو معروف. لكن الرجل هو الأعلم بالمزاج الأميركي، والتاريخ السياسي الأميركي في التعامل مع الأتباع الجدد والقدامى. وهو يعرف أن الأميركيين سيخرجون عاجلاً أم آجلاً، ولذلك فليس بعيداً أن يكون قد ربط مع إيران علاقات أعمق مما أراده الأميركيون قبل الغزو وبعده. والأمر الثالث الذي يشير الى إرادة الأميركيين التراجع التاريخي ميلهم المتزايد للمواجهة مع إيران ومع سوريا، وهما البلدان الجاران للعراق، واللذان يمكن أن يكون لهما نفوذ بداخل العراق في حال ضعف الأميركيين أو انسحابهم. في الأيام الأخيرة ضربوا على الحدود السورية. وفي الأيام الأخيرة أيضاً تبادلوا الشتائم والإدانات والاتهامات مع إيران. وإيران قالت انها لن تقبل بانتهاك حرمة العتبات المقدسة، وهم قالوا انهم لن يغضّوا الطرف عن الملف النووي الإيراني، وعن تدخلات إيران في العراق. والأمر الرابع الذي يشير الى التخبط الأميركي بالعراق وإرادة ذرّ الرماد في العيون عن الهدف من التصرفات المتناقضة: مهادنة أهل الفلّوجة، والتصعيد مع مقتدى الصدر، والاستخفاف بالسيستاني. إذ أن ذلك يشير الى التخلّي عن ضرب بقايا النظام السابق، وفي الوقت نفسه عدم الاعتراف بالظواهر التي برزت بعد احتلالهم للعراق، ومن ضمنها تنفّذ بعض أعضاء مجلس الحكم بموافقتهم، وشعبوية الصدر، ومرجعية السيستاني المتجهة للتبلور. والأمر الخامس الميل للاستعانة بقوات الأطلسي، وببعض الدول العربية لسدّ الفراغ الذي يمكن أن يحدث عندما يتفلّتون هم، وتحلّ محلهم المرجعية الدولية. والأمر السادس تراجع الحماس للإعمار بالعراق، ولبذل المزيد من الأموال في دعم عمليات البناء؛ بما في ذلك إصلاح وتقوية المرافق البترولية، التي قيل في وقت سابق أنها كانت في مقدمة أسباب الغزو. وهكذا يبدو أنه لم يعد هناك شيء من السياسات السابقة باستثناء الدعم الثابت للأكراد، والذي يدلّ عليه استمرار استبعاد السماح بالتدخل التركي، فضلاً عن أن الأتراك لا يُظهرون رغبة في ذلك.
لماذا تغيّرت السياسات الأميركية أو هي في طريقها لذلك؟ لا شك أن الخسائر المادية والمعنوية لعبت دوراً كبيراً في هذا الشأن. ولا شكّ أن حساسية الموقف على مشارف الانتخابات الرئاسية لعب أيضاً دوراً في ذلك. بيد أن أبرز العوامل فيما يبدو الحاجة الى التزام أميركي عسكري ومالي يمتد على مدى عقد من الزمن أو أكثر، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة تحمله مهما بلغت قدراتها ورهاناتها. وهكذا تنهار جبال من الأكاذيب والأوهام، وتتجه السياسات العبثية للاستبدال بعبثيات أفظع تتمثل في ترك الأمور تنهار، بل وزيادة الضغط للتسريع في ذلك، بحيث تنسحب الولايات المتحدة تحت غطاء كثيف من غبار المعارك والخراب، ربما يراد له أن يستر فيما يستر الهزيمة المحقّقة.
لماذا قامت الولايات المتحدة إذن بالغزو، ما دامت لا تأبه الآن بالثروة البترولية العراقية، ولا بأسلحة الدمار الشامل، ولا بنشر الديموقراطية؟! قال الجنرال أنطوني زيني قبل أيام ان الولايات المتحدة فعلت ذلك كلّه من أجل إسرائيل! وما كاد أحد يردّ على ذلك. فحتى لو قررنا أن هذه التهمة خطأ أو كانت كذلك قبل سنة ونيّف؛ فإنها الآن لم تعد كذلك!
سياسات عبثية سخّرت لها مواردها الهائلة أكبر قوة في العالم وآلت الى تخريب العراق بعد أفغانستان، وستزداد عبثيتها بالانسحاب الأميركي التدريجي من الشأن العراقي، تماماً كما كافحت بكل قواها طوال قرابة العقدين في فييتنام، لتنسحب بعد ذلك الى غير رجعة. وقال معلّق سياسي أميركي: لعلّ المكسب الوحيد من وراء الانسحاب أن جنودنا لن يعودوا بصحبة أحمد الجلبي، كما جاءوا معه! وأجاب آخر: لكنه عزاء ضئيل الشأن، وقد لا يتحقق؛ إذ قد يجد جنودنا العائدون أن أحمد الجلبي سبقنا وسبقهم الى واشنطن، بحثاً عن أهبل آخر يمكن إقناعه بمغامرة أخرى!

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشـؤون العربيـة والعالمية“