القائد في احتمالاته القصوى

أضف رد جديد
شهيد القسطل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 44
اشترك في: الخميس فبراير 12, 2004 4:28 pm
مكان: فلسطين المحتلة

القائد في احتمالاته القصوى

مشاركة بواسطة شهيد القسطل »

العلامة السيد محمدحسن الامين *

الـقـــائـــد فـي احـــــتــمـالاتــه الـقــصـــوى

اللحظة الفلسطينية الراهنة، مكثفة ومركزة في شخص ياسر عرفات، تؤشر بقوة الى ان هذا الرجل هو القائد الفلسطيني الاكثر احترافاً (بفاء لا تنفي الميم)، والاكثر قدرة على ادارة صراع غير متكافئ. هذا يجعله ايضاً، بالمقارنة وبحكم واقع الحال، القائد العربي الوحيد في هذه المرتبة من الكفاية والاحتراف. واذا أخذنا في الاعتبار جبروت الجبهة التي يقاومها (الادارتان الاميركية والاسرائيلية، متحالفتين ومتواطئتين على فرض اللامعقول السياسي والتاريخي في هذه المنطقة من العالم)، فقد لا نتردد في اعتباره الرقم العربي الاصعب في معادلة الصراع العربي - الاسرائيلي، على ما انتهت اليه او تسير فيه هذه المعادلة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وفي سياق تداعيات الحادي عشر من ايلول. .لعل هذا بالضبط هو ما حمل الادارة الاميركية الحالية على إلقاء "الحُرم السياسي" على عرفات، ورفض التعامل معه (غير ذي صلة!)، ثم حمل الحكومة الاسرائيلية على اتخاذ قرار مبدئي بإقصائه، ينطوي على امكان قتله، بعدما تبيّن لهم انه الاكثر صلة بمكامن القوة ومفاصل الفعل في شعبه... رغم حصار "المقاطعة". اذا انطلقنا من فرضية راجحة، هي ان عالم اليوم، بما فيه الولايات المتحدة، مجمع حقاً على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الرابع من حزيران 1967 (بموجب قرارات الشرعية الدولية، واتفاقات أوسلو، ومبادرة القمة العربية للسلام، وخريطة الطريق...) مع تعديلات طفيفة وتبادلية، فإن مسألة إقصاء عرفات تبدو منافية لمنطق التسوية نفسه، ولا مكان لها الا في اللامعقول السياسي: فهو القائد الفلسطيني الوحيد الذي كان في وسعه توقيع مغامرة أوسلو و"إقناع" شعبه بالسير فيها الى نهاياتها المنطقية: اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على جزء من الحق التاريخي، والاعتراف بدولة اسرائيل. ولنعترف بأن رصيد عرفات لدى شعبه، فضلاً عن الكفاحية العالية والواقعية النضالية اللتين تحلّى بهما هذا الشعب، هي التي أدت الى ما نلاحظه اليوم من شبه إجماع فلسطيني على مشروع الدولة، بمفهوم الاستقلال الوطني بدلاً من مفهوم التحرير الشامل. وتظهر صعوبة "الانجاز" العرفاتي اذا تذكرنا ان المجتمع الاسرائيلي (الشريك المفترض في مغامرة السلام والعيش جنباً الى جنب) قد بادر منذ بداية الطريق الى قتل سيّده (رابين)، حين شعر هذا المجتمع، بالشمّ والغريزة، أنه ذاهب الى مصيدة التاريخ التي نصبها له رجل يدعى عرفات، على وشك أن ينتزع منه صورة داوود العبري، مع احتفاظه بصورة جوليات الفلسطيني. منذ ذلك الوقت المبكر افتقد عرفات الشريك الاسرائيلي، رغم تقاسمه لاحقاً جائزة نوبل مع بيريس ورابين. فحتى زعماء حزب العمل غادروا، بعد رابين، موقع الشريك الفعلي. هذه الحقيقة لا يمكن أن يحجبها الادعاء المعاكس بأن عرفات "جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل"، او انه اصبح "غير ذي صلة"، بعدما تمّ العثور على حكومة محمود عباس. المعنى العملي لاتفاق أوسلو أنه شكل أفقاً لتداعيات، ليس أقلها اندياح الكتلة الفلسطينية المشتعلة في الحقل الاسرائيلي، وليس آخرها ما نشهده اليوم من جنون شاروني. اما المعنى السياسي الأبعد فقد تمثل في فكرة السلام - التسوية التي أُلقيت "فجأة" على المشهد الاسرائيلي - الفلسطيني، مثلما يُخرج الساحر حمامة من قبعته، فكان لها فعل الصدمة الوجودية العنيفة على المجتمع الاسرائيلي المغلَّف بطبقات سميكة من الاساطير والخوف الدهري، وكانت غير مفهومة تماماً في المجتمع الفلسطيني الذي علّمه القهر التاريخي ان لفلسطين طريقاً واحداً... يمرّ من فوهة بندقية. هذا فيما لم يبلغ مسمعه ان فكرة السلام - ضمن شروط معينة - يمكن أن تشكل بذاتها مقاومة غير عادية. هنا، في هذه الابعاد، يكمن معنى أوسلو، لا في كونه اتفاقاً سياسياً وقّع على البارد في لحظة رخاوة وطنية، كما زعم "مجاهدو" الفوران الاسلامي و"مناضلو" الجملة الثورية العروبية، الذين اكتشفوا - او بعضهم - اخيراً ان "عرفات أوسلو" هو الذي يحميهم من نزقهم الذاتي والنزق المقابل، بالرغم من إطلاق النار الكثيف الذي صوّبوه نحوه على مدى سنوات. غير أن الذين يثيرون العجب، اكثر من هؤلاء، اولئك الذين يرفعون صورة عرفات ويهتفون في الوقت نفسه بسقوط أوسلو وخريطة الطريق وكل مشاريع التسوية، مصرّين اصراراً مهولاً على التحرير من البحر الى النهر، بأسلوب حرب التحرير الشعبية طويلة الامد، الذي حفظوه (وحفظناه معهم حيناً من الدهر) عن العمّ الجنرال جياب! لقد وقعت الذكرى العاشرة لاتفاق أوسلو، الاسبوع الفائت، مع قرار الحكومة الاسرائيلية إقصاء ياسر عرفات أو طرده أو قتله. وفي هذه المناسبة جرى كلام اسرائيلي كثير، من كتّاب وصحافيين وسياسيين، بعضه اكثر نفعاً وتنويراً لنا من معظم ما يجري بين ظهرانينا. ثمة من رأى أن اتفاق أوسلو كان "حصان طروادة" صنعه ياسر عرفات واحتال به على قيادات اسرائيل وشعبها. اما شمعون بيريس فقد حلّ عقدة لسانه، اذ اعتبر الجنون الليكودي دليلاً على الافلاس، محذراً من هؤلاء الذين "لا يزالون عالقين في الهذيان المسيحاني، ويؤمنون انه بالهراء يمكن ان يختفي أوسلو ومعه الشعب الفلسطيني". ولعل أبلغ ما قيل قد جاء على لسان ابراهام بورغ (رئيس سابق للكنيست والوكالة اليهودية) الذي رأى ان الصهيونية في هذه اللحظة امام خيارات محددة: "إما التمييز الاتني الذي يمارسه اليهود، وإما الديموقراطية. إما المستوطنات، وإما الرجاء للشعبين. إما وهم الجدار الفاصل والحواجز على الطرق والكاميكازات، وإما حدود دولية يقرها الطرفان، وقدس تكون عاصمة مشتركة للدولتين... لا بد من موقف واضح، وأي مواربة ستكون تواطؤاً مع الخساسة". وقبل نحو ثلاثة اشهر توجه عكيفا إلدار، المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، الى الاسرائيليين بالقول: "اذا لم توافقوا على ما قدمه المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 من مشروع لاقامة الدولة الفلسطينية في حدود ،1967 سيكون البديل بيع الصهيونية في المزاد العلني، لان التطورات الديموغرافية والجيوسياسية تدفع في اتجاه دولة مشتركة على كل ارض فلسطين، قد يكون رئيسها في المستقبل فلسطينياً، مثلما حدث في جنوب افريقيا". هل تجهل الادارة الاميركية وشارون الحقائق المذكورة آنفاً، وهل يجهلون معاً الاستنتاجات المنطقية التي عبّر عنها بعض عُتاة الاسرائيليين أنفسهم وغير الاسرائيليين؟ - نستبعد ذلك. اذاً لماذا الاصرار على اطاحة قيادة الشعب الفلسطيني، ممثلة في ياسر عرفات؟ - إنه فائض القوة الذي يُغري بمعاندة المنطق، ويدفع بصاحبه الى محاولة فرض "وقائع" يمكن إحلالها محلّ "الحقائق". ولم لا؟ فالقاطرة الاميركية والمقطورة الاسرائيلية لا تخشيان كثيراً مغبّة فشل المحاولة، طالما ان العالم الراهن لا يملك الا القليل من وسائل المحاسبة، وطالما ان خريطة الطريق ليست الآن للتطبيق. وعليه يمكن القول إن الهدف من تشكيل حكومة محمود عباس، في المنظور الاميركي الاسرائيلي، هو الا تفضي الى شيء على صعيد خريطة الطريق، وان تفضي - اذا أمكن - الى ملء الفراغ بقتال فلسطيني داخلي يهدم البيت على صاحبه، في ظل سيادة الفعل ورد الفعل العنفيين. كذلك يمكن القول ان الهدف من تشكيل الحكومة نفسها، في المنظور الفلسطيني العرفاتي، هو ألا تفضي الى شيء على صعيد الفتنة الداخلية، طالما ان تطبيق خريطة الطريق ليس في يدها. وهذا يفترض ألا تمتلك الحكومة من وسائل القوة الا بمقدار تجاوب الطرف الآخر (وهو امر مستبعد)... اذاً الا تمتلك من وسائل القوة ما قد يورطها في استخدامها، نتيجة الفعل ورد الفعل، ونتيجة الضغط من هناك والخطأ من هنا. نعتقد بقوة ان محمود عباس كان منذ البداية حتى النهاية في جانب التصوّر الفلسطيني، واداة من ادواته في الوقت عينه، على وعي منه، وإن كانت حركته محكومة بأن تكون في المساحة الملتبسة من المسرح. إن فشله يقع ضمن الخطة الفلسطينية المقاومة، مثلما يقع ضمن الخطة الاميركية - الاسرائيلية المفترية. وهو بهذا المعنى فشل إيجابي مقاوم. لعل الفارق الاساسي بينه وبين ياسر عرفات ان هذا الاخير لم يقتنع للحظة واحدة بإمكان تحصيل شيء في هذه الفترة، وبالتالي لا يجوز تقديم شيء مهم، خصوصاً مع استمرار شعار عزله، ومع الطلب اليه بأن يكون القابلة الصامتة التي تقوم بمهمة توليد نقيضها. أما محمود عباس فيبدو ان أملاً ما قد ساوره في بعض اللحظات، من موقع الحرص على المصلحة الفلسطينية وليس من اي موقع آخر. ومن هنا كان "سوء التفاهم" الذي دفعته الاعصاب المشدودة الى تأويلات قد تكون خاطئة، وقد تكون مجحفة بحق محمود عباس، ولكنها ليست مفاجئة في واقع الحال. إن سقوط حكومة محمود عباس كان الصوت المدوي بنجاح ياسر عرفات والشعب الفلسطيني في هذه المواجهة الصعبة المعقدة: ليس نجاحه على رفيق دربه، وانما على المضمر - المعلن في الخطة الاسرائيلية. على أي حال فإن استقالة محمود عباس، مشفوعة ببيانه امام المجلس التشريعي، قد وضعت بعض النقاط الاساسية على الحروف: "لم يقدّم الجانب الاسرائيلي او الاميركي شيئاً سوى النفخ والتحريض; وحين اصبحت الامور مدفوعة في اتجاه صدام فلسطيني - فلسطيني كان لا بد من الاستقالة". اما الملاحظات التي قدمها بخصوص عدم تعاون الجانب الفلسطيني، والتي اعتبرها البعض لائحة اتهام ضد عرفات، فإنها في واقع الامر إقرار معلن بأن الرجل يمسك فعلاً بكل المفاصل: من الامن، الى الادارة، الى التنظيم، الى السياسة، الى المال، الى مختلف مراكز القرار الفلسطيني وهيئاته. ما فات محمود عباس ان يذكره هو ان ياسر عرفات يمتلك ما يفوق هذه كلها، وهو اتصاله المباشر بشعبه، وتطابقه التام، في العناوين الكبرى والتفاصيل، مع هذا الشعب. واذا كان التحكم بالمفاصل المذكورة كافياً لإجهاض خطة الفتنة الداخلية، فإنه لا يكفي لحماية ياسر عرفات في لحظة الجنون الاسرائيلي الذي تمثل بقرار الطرد- القتل. الذي حماه هو حضور الشعب الى جانبه على النحو الذي شاهدنا. إن هذه النقطة الجوهرية تعيدنا الى أصل معادلة المقاومة في الواقع الفلسطيني، وهو الاهمية الحاسمة للحضور الشعبي في مقدمة المشهد المقاوم. بمعنى ان أي اسلوب يؤدي الى تهميش هذا الحضور، كما فعلت العمليات الاستشهادية ومسار العسكرة، انما هو في الواقع خطة خاسرة في مطلق الاحوال، وخطة محفوفة بالشبهة في بعض الاحوال... وكل ذلك عاينّاه ولم يخبرنا به أحد. لذلك، أليس من الأجدى والأصوب والأفعل، لا بل أليس من الواجب، العمل على تطوير الحضور الشعبي الفلسطيني على اختلاف اشكاله ومستوياته في المشهد المقاوم، بدلاً من تطوير الاحزمة المتفجرة وسبطانات مدافع الهاون وصواريخ القسّام؟ غاية القول إن هذا الرجل، ياسر عرفات، هو الاكثر احترافاً بالمعنيين السياسي الاستراتيجي، والاكثر قدرة على ادارة صراع غير متكافىء، في ظروف شديدة التعقيد. ولقد نجح في "استخدام" جميع الاوراق، على اختلافها وتناقضها احياناً: من حكومة محمود عباس، الى فعل "حماس" و"الجهاد" و"كتائب الاقصى"، الى الاجهزة والمؤسسات، الى الحضور الشعبي في اللحظة الحاسمة، وحتى الى أخطاء خصمه شارون... لقد بلغ بذلك مرتبة "القائد في احتمالاته القصوى"; ومن كان في هذه المنزلة لا يُخشى عليه من الانكسار... قد نخشى عليه من أي شيء آخر، الا الانكسار.

--------
ولد سماحته سنة : 1365 هـ / 1946 م في بلدة شقراء من جنوب لبنان ( جبل عامل ) .

تخرج من كلية الفقه في النجف الأشرف عام : 1387 هـ / 1967 م ثم على أعلام وفقهاء النجف الأشرف عام : 1392 هـ / 1972 م حيث عاد بعدها إلى لبنان .

مارس نشاطه الديني والإجتماعي والثقافي والأدبي من بيروت .

تولى القضاء الشرعي بمدينة صور عام : 1394 هـ / 1974 م ثم عيِّن مستشاراً للمحكمة الشرعية العليا في بيروت عام : 1397 هـ / 1977 م .

منذ إقامته بالنجف نظم الشعر فأبدع ، وشارك في مختلف القضايا السياسية والمناسبات الدينية .

له مواقف سياسية تجاه الاحتلال الإسرائيلي للجنوب .

عضو مؤسس لتجمع علماء جبل عامل .

له بحوث ومقالات نشرت عبر الصحف اللبنانية والعربية .

شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الفكرية والثقافية والأدبية في الشرق والغرب .

من مؤلفاته :

1. نقد العلمنه والفكر الديني .

2. بين القومية والاسلام .

3. الإسلام والديمقراطية .

4. مساهمات في النقد الأدبي .

5. ديوان شعر .
واعلم يا ولدي أن الثورة ميلاد الإنسان
لن تنتصر الثورة إلا بالصدق
وإذا انتصرت بالسارق والخائن كانت بدعا
وانقض لصوص الأمس على جوهرة الحكم
ما نفع الثورة ان لم تصنع زمنا يجدر بالإنسان ؟
وتصنع إنسانا يجدر بالنصر ؟!

شهيد القسطل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 44
اشترك في: الخميس فبراير 12, 2004 4:28 pm
مكان: فلسطين المحتلة

مشاركة بواسطة شهيد القسطل »

نعشق الحق.... :lol: :oops: :wink:
واعلم يا ولدي أن الثورة ميلاد الإنسان
لن تنتصر الثورة إلا بالصدق
وإذا انتصرت بالسارق والخائن كانت بدعا
وانقض لصوص الأمس على جوهرة الحكم
ما نفع الثورة ان لم تصنع زمنا يجدر بالإنسان ؟
وتصنع إنسانا يجدر بالنصر ؟!

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشـؤون العربيـة والعالمية“