وفاة سيدة نساء العالمين

إبراهيم شريف
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 83
اشترك في: الاثنين يونيو 21, 2004 11:15 pm
مكان: مملكة علي عبدالله صالح اليمنيه/للأسف
اتصال:

مشاركة بواسطة إبراهيم شريف »

محمد الغيل كتب:سيدي ابراهيم شريف

اتمنى عليكم ادراج ما قلتم عن رجوع الامام يحيى بن حمزة في قضية الشيخين وذلك للاهمية

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي محمد الغيل

إن شاء الله سيكون ذلك في أقرب وقت

ولكن أمهلونا حتى تزول بعض المعوقات في طريقنا ، وحتى تهدأ الأوضاع في بلادنا قليلاً


والسلام عليكم ورحمة الله
الـتـقلـيد حـجـابٌ عن معرفة الصواب .

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

حسنا سيدي ابراهيم شريف الى أن يسهل الله ذلك أرى أن نتأمل ما ورد في كتاب الكاشف الامين تأليف العلامةالفقيه العزي محمد بن يحيى مداعس
رضي الله عنه ورحمه رحمة الابرار



الفرع الثاني: حكم فدك والعوالي
اعلم أن هذه المسألة يذكرها المتكلمون في علم الكلام ويلحقونها بمباحثه وليست من مسائل الأصول اللازم معرفتها على كل مكلف لكن اتصلت بهذا الفن من حيث أنه لما اختلف الناس في إمامة أبي بكر حسبما مر أن الأمة في ذلك بين معتقد صحة إمامته وبين معتقد بطلانها، وكان من أبي بكر قبضه فدكاً وسائر مخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاءته فاطمة عليها السلام تقول: فدك بيدي أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتطلبه ميراثها من مخلفه وسهم ذوي القربى فأبى أن يدفع إليها شيئاً من ذلك، واحتج بما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " نحن معاشر الأنبياء لا نُوْرَث ما تركناه صدقة "، فجرى بينهما من الاحتجاج واللجاج والاختلاف ما أفضى إلى أن غضبت الزهراء عليها السلام وانصرفت باكية إلى قبر أبيها صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله تشكو إليه صلى الله عليه وآله وسلم ما فعل أبو بكر وتنشده:
لو كنت شاهدتها لم تكثر الخُطََبُواختل قومك فاشهدهم فقد نكبوافغبت عنا فنحن اليوم نُغْتَصَبُعليك تنـزل من ذي العزة الكتبُمذ غبت عنا فكل الخير مُحْتَجَبُمن البرية لا عُجْمٌ ولا عربُمنا العيون بهتانهما سربُ قد كان بعدك أنباءٌ وهينمةإنا فقدناك فقد الأرض وابلهاوكان جبريل بالآيات يونسناوكنت بدراً ونوراً يستضاء بهتهضّمتنا رجال واستخف بناوقد رزينا الذي لم يرزه أحدفسوف نبكيك ما عشنا وما بقيتْ
فلما كان ذلك كذلك مع ما تواتر من الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغضب لغضبها عليها السلام، فقد وردت أحاديث بلفظ: "يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "، وقع الاختلاف بين المسلمين هل أصاب أبو بكر بهذا الذي فعله عين الصواب بحسب دلالة الكتاب والسنة، فلا بد أن هذه الأحاديث مقيدة بمن أغضبها عليها السلام تعدياً من دون حق ثابت في حكم الشرع، أم أخطأ بهذا الذي فعل عين الصواب والحكم الثابت في حكم الشرع، فيصدق عليه هذه الأحاديث وما في معناها من الأحاديث الدالة على تحريم أذية أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم وأذية كل مؤمن أو مؤمنة، وتفرع على هذا افتراق الناس في شأن أبي بكر وعمر وعثمان لسيرتهما في ذلك بسيرته وعمر وعثمان لسيرتهما في ذلك بسيرته إلى مصوب له فيوالي، ومخط له يعد ذلك كبيرة فيعادي أو صغيرة أو ملتبسة فيتولى أو يتوقف، فصار لهذه المسألة ارتباط وتعلق بعلم العقائد وأدرجت في مسائل علم الكلام الذي الحق فيها مع واحد.
إذا عرفت ذلك فالكلام في هذه المسألة يقع في مطلبين: المطلب الأول: في حكم فدك في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وكيف كان فعله فيها وكيفية مصيرها بيده صلى الله عليه وآله وسلم. والمطلب الثاني: كيف كان النـزاع والاحتجاج بين أبي بكر وفاطمة عليها السلام ؟ وبمعرفة هذين المطلبين تحصل النتيجة الصحيحة الشرعية لمن أنصف وبالله التوفيق.
أما المطلب الأول: فاعلم أنه لا خلاف أن فدكاً من أراضي الكفار أجلي عنها أهلها بلا إيجاف عليهم من المسلمين، قال ابن هشام وقال ابن إسحاق: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر، قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر إلى قوله: فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. وقال ابن أبي الحديد: عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسناده إلى محمد بن إسحاق صحاب السيرة عن الزهري قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل، فسمع ذلك أهل فدك فنـزلوا على مثل ذلك، وكانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.
وقد اختلف فيما هذا شأنه فقال أئمتنا عليهم السلام وكثير من علماء غيرهم وهو قول ابن هشام وابن إسحاق من أهل السيرة: إن ما هذا حاله بأن فر عنه الكفار أو صالحوه لمجرد الخوف والرعب منه صلى الله عليه وآله وسلم من دون ايجاف عليهم من المسلمين وتوجه وتجمع لقتالهم، فإنه يكون ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك الإمام بعده، وعليه بنى أبو بكر الاحتجاج لكن زعم أنه لا يورث عنه للخبر الذي رواه.
وقال أئمتنا عليهم السلام وأتباعهم: بل يورث عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الإمام يورث عنه ما صار إليه بمجرد الرعب والخوف منه من دون توجيه الجند وتجميعهم على الكفار، وقال الفريقان: بل يصير للمصالح العامة لجميع المسلمين وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا سهمه من الخمس، وعند أئمتنا عليهم السلام لا خمس فيه لأنه ليس بغنيمة للمسلمين لما لم يكن لهم فيه سعي.
حجة أئمتنا عليهم السلام ومن وافقهم:
قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ {الحشر:6}، فنص الله سبحانه وتعالى أنه أفاءه على رسوله ولم يشرك معه غيره بل أشار أنه لا حق لسائر المسلمين فيه بقوله: ﴿فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ﴾، وبين العلة في عدم استحقاقهم وهي أنه لم يكن منهم إيجاف على الكفار ثم أكده بقوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
وحجة الفريقين الحنفية والشافعية:
الآية التي بعدها: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾{الحشر:7}، وجعلوا هذه الآية بياناً للأولى وأن المعنى: ولله ولرسوله ولسائر من ذكر خمسه والأربعة الأخماس لسائر المسلمين تصرف في مصالحهم بنظر الإمام.
قلنا: هذا مال آخر غير ما ذكر في الآية الأولى، وهو ما أخذ من الكفار بعد تجمع المسلمين عليهم وإيجافهم بالخيل والركاب فله حكم آخر خلاف ما ذكر في الآية السابقة وهو أنه يخمس ويقسم بين المجاهدين الموجفين ولا يشاركهم غيرهم فيه ممن قعد عن النصرة لهم ولم يكن منه إيجاف معهم يدل عليه ما ذكر في آخر الآية: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾{الحشر:8}، هم المهاجرون المجاهدون لقوله: ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، ثم شرك معهم الأنصار بقوله: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾{الحشر:9}، ثم يبين حكمهم هذين الضربين مما يؤخذ من الكفار فيما بعد عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة وهو زمن التابعين فمن بعدهم إلى منقطع التكليف أن حكمهما كذلك بقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾{الحشر:10}، يعني والذين جاؤوا من بعدهم وهم على منهجهم من الإيمان ونصرة الدين حكمهم كذلك.
ويدل عليه أيضاً:ما ذكره ابن هشام في سيرته ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ قال ابن إسحاق: ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب وفتح بالحرب عنوة ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾{الحشر:7}، يقول هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه انتهى.
ويدل عليه أيضاً: ما ثبت من الأخبار الصحيحة برواية الموالف والمخالف.
أما الموالف: فما ذكره في شرح الأساس وهو في كتاب الاعتصام للإمام القاسم بن محمد عليهما السلام بروايات متعددة، وذكره صاحب المنشورات عن الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهما السلام، قال ما لفظه: قال عليه السلام وبالإسناد المتقدم إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: " لما أنزل قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾{الإسراء:26}، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً "، قال: ونحن نرويه عن أبي سعيد بغير هذه الطريق، وفي شرح الأساس ما لفظه: وروى أبو العباس الحسني رضي الله عنه بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:لما نزل قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام وأعطاها فدكاً، وروى أيضاً بإسناده إلى جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه أن فدكاً سبع قريات متصلات حد منها مما يلي وادي القرى غلتها في كل سنة ثلاث مائة ألف دينار أعطاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام قبل أن يقبض بأربع سنين إلى آخر ما ذكره، وهو في غير ذلك من كتب الأصحاب.
وأما المخالف: فذكر السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور ما لفظه: وأخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:لما نزلت هذه الآية ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فأعطاها فدكاً، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدكاً، إلى غير ذلك من الروايات المفيدة أن ذلك ملكاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه لو كان ملكاً للمجاهدين جميعاً لم يجز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصرفه إلى الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، وإن كان للمصالح عموماً فلا يمتنع أن يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن من جملتها أن يعطي الزهراء ما يكفيها وبنيها وبعلها بعد مفارقته لهم، حيث قد علم صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة ستغدر بهم ولا يصير الأمر بأيديهم بل سينـزع منهم قسرا،ً غير أن هذا الوجه بعيد حيث قد ثبت بدلالة الآية السابقة أن ذلك ملك للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبنى عليه أبو بكر احتجاجه وهو قول أكثر العلماء، وإن اختلفوا هل تورث عنه أم لا؟.
فإن قيل: كيف قلتم: إنه ملك للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والحال أنه لم يحصل جلاء الكفار عنه ورعبهم وخوفهم من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا لاجتماع من معه من المسلمين، وإلا فما كان الكفار يهابونه لو كان وحده صلى الله عليه وآله وسلم أو في قلة من قومه كما كان قبل الهجرة وبعدها قبل أن يكثر المسلمون ويتقوى أمره صلى الله عليه وآله وسلم، وحينئذ فالجلاء والرعب والخوف ليس حاصلاً منه صلى الله عليه وآله وسلم وحده بل هو منه وممن معه من المسمين جميعاً أو المجاهدين منهم، فلا يختص به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
قلنا: إن الرعب والخوف إنما حصل من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بدليل قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾، ولا يمتنع أن اجتماع من اجتمع معه إذ ذاك من المسلمين كالشرط في حصول ذلك الرعب والخوف من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الموجبان للجلاء، والشروط لا تأثير لها في إيجاب الأحكام وإنما توجبها الأسباب المقتضية لها، فأما الشروط فإنما أثرها في اختلال الأحكام وعدمها عند عدم الشرط لا في إيجابها للحكم عند وجود الشرط وذلك كالوضوء في الصلاة فليس بموجب لها وإنما هو شرط في صحتها تختل الصلاة وتعدم بعدمه، فكذلك ما نحن فيه الخوف والرعب سبب الجلاء الموجبان له، وإنما حصلا بتسليط الله تعالى رسوله على الكفار فهما مسببان عن التسليط لا غير فهو سبب السبب، والاجتماع شرط في حصول الرعب والخوف ولا أثر له في وجود الخوف والرعب أو في وجود التسليط وإنما أثره في تخلف الرعب والخوف عند تخلفه وهذا لا إشكال فيه.
فإن قيل: قولكم: إنه يصير ملكاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينافيه ما رويتم من الأخبار ورواه غيركم أنه لما نزل عليه قوله تعالى:﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾، دعا فاطمة وأعطاها فدكاً لأنه إذا كان ملكاً له فكيف يكون حقاً لذوي القربى يأمره الله تعالى بتسليمه إليهم ؟
قلنا: إنما أمره الله تعالى بإعطاء ذوي القربى من باب صلة الرحم، وذلك صحيح فيما هو ملك للإنسان سواء كان على سبيل الوجوب كما عند ضرورة الرحم ووجوب نفقته عليه أو على جهة الندب فيما عدا ذلك، ومما يؤيد كونه أعني ما أجلى عنه أهله بلا إيجاف يصير ملكاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما نقله ابن أبي الحديد عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسناده إلى مالك بن أوس الحدثان: أن عمر بن الخطاب دعاه يوماً بعدما ارتفع النهار وساق خبراً طويلاً إلى قوله: فأقبل على العباس وعلي عليه السلام فقال: أنشدكما الله تعالى هل تعلمان ذلك ؟ قالا: نعم، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر أن الله تبارك وتعالى خص رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره قال تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾{الحشر:6}، وكانت هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما اختارها دونكم ولا استأثر بها عليكم لقد أعطاكموها، وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال وكان ينفق منه على أهله سنتهم، ثم يأخذ ما بقي فيجعله فيما يجعل مال الله عز وجل إلى آخر ما ذكره.
فصرح عمر أنه صار خاصاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحتج على ذلك بالآية، وذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفق منه على نفسه وأهل بيته، وظاهره إدخال علي والعباس عليهما السلام معهم ينفق على نفسه صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم كفاية السنة، وما فضل عليها أنفقه في سبيل الله تعال،ى وهذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أعطاه فاطمة عليها السلام لأن من الجائز أن يفعل ذلك عن إذنها ورضاها أو عن أمرها بذلك قصداً منها التقرب بذلك إلى الله تعالى أو أنه ملكها الرقبة لما بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم واستثناء الغلة مدة حياته صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ينافي أيضاً ما رواه أئمتنا عليهم السلام أن عبداً لها جبيراً كان يقبض غلتها وكيلاً لها عليها السلام بعد أن ملكها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته بأربع سنين، إذ من الجائز أن يقبض الغلة ويأتي بها إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيعمل بها كذلك حسبما ذكر عمر، وهذا هو الظاهر من حال فدك في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، والله أعلم.
وأما المطلب الثاني: وهو في كيفية وقوع النـزاع بين أبي بكر وفاطمة عليها السلام، فقال في شرح الأساس: اعلم أنه لا خلاف بين الناس أن فاطمة عليها السلام نازعت أبا بكر في فدك، وأنها جاءت بعلي عليه السلام وأم أيمن رضي الله عنهما شاهدين، وأنها رجعت بغير شيء وأنها دفنت ليلاً ولم يحضرها أبو بكر ولا عمر فهذا مما لا يخالف فيه أحد، وروى أهل البيت عليهم السلام كافة أنها ماتت غضبانة على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت أن لا يحضرا جنازتها.
وقال في محاسن الأزهار للفقيه حميد رحمه الله تعالى: روى البخاري بسنده عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة عليها السلام منه شيء، فوجِدَتْ فاطمة على أبي بكر وهجرته ولم تكلمه حتى توفيت، وقد عاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها الإمام علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر.
وقال ابن أبي الحديد: نازعت فاطمة أبا بكر في ثلاثة أشياء: الأول: الإرث، الثاني: النحلة في فدك، الثالث: في سهم ذوي القربى، ومنعها أبو بكر ذلك جميعاً انتهى. وقوله عليه السلام : وروى أهل البيت عليهم السلام كافة لا يؤخذ بمفهومه أن غير أهل البيت عليهم السلام لم يرو ذلك بل هو مما يوافق عليه كثير من المخالفين كما تراه في رواية البخاري، وذكره في تفريج الكروب عن البخاري ومسلم، وهو في تاريخ ابن قتيبة وفي شرح ابن أبي الحديد عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من طرق بسنده بعضها عن عروة بن الزبير عن عائشة قال ابن أبي الحديد ما معناه: وإنما ننقل من أفواه أهل الحديث وكتبهم لا من كتب الشيعة ورجالهم لأنا مشترطون على أنفسنا أن لا نحفل بذلك، وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة وفدك وما وقع من الاختلاف والاضطراب عقيب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: وأبو بكر هذا عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته، وذكر ابن أبي الحديد في آخر الكلام على فدك ما لفظه: وأما إخفاء القبر وكتمان الموت وعدم الصلاة وكلما ذكره المرتضى يعني - في رده على قاضي القضاة - لما أنكر القاضي ذلك وزعم أن أبا بكر هو الذي صلى عليها عليها السلام هو الذي يظهر ويقوى عندي لأن الروايات به أكثر وأصح من غيرها، وكذلك القول في مَوْجِدَتِها وغضبها انتهى.
قلت: لا خلاف في وقوع النـزاع بين الزهراء عليها السلام وبين أبي بكر على الجملة، وإنما اختلفت الروايات هل طلبته عليها السلام أولاً بالنحلة، فلما لم يعمل بدعواها مع شهادة أمير المؤمنين عليه السلام وأم أيمن انتقلت إلى الطلب بالميراث أم طلبته أولاً بالميراث، فلما احتج بالخبر الذي رواه " نحن معاشر الأنبياء لا نُوْرَث "، انتقلت إلى الطلب بالنحلة المذكورة، وقد حكى ابن أبي الحديد وقوع المشاححة بين أبي علي والقاضي وبين المرتضى رحمه الله تعالى فأنكر أبو علي تقدم الطلب في النحلة ورد عليه المرتضى بأن أحد الأمرين قبل الآخر لا يصحح له مذهباً فلا يفسد لمخالفه مذهباً، ثم أن الأمر في أن الكلام في النحل كان المتقدم ظاهر والروايات كلها به واردة.
وأقول: بل مرام أبي علي بإنكار تقدم الطلب بالنحلة، وقوله: إنها إنما ادعته بالميراث أولاً، التوصل بذلك إلى أنه لا يصح منها عليها السلام دعوى النحلة بعد أن ادعته بالميراث، فلا يصير لها المطالبة بكلي الوجهين معاً بل لما تقدم منها الطلب بالميراث دل على عدم وقوع النحلة، وقد روى الأمير المؤلف في الشفاء أنها عليها السلام ادعت الهبة لها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنكر أبو بكر فجاءت بأم أيمن فشهدت لها بالهبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أم أيمن من أهل الجنة "، وجاءت بعلي عليه السلام فشهد لها بالهبة ولم يفعل أبو بكر وعلي وفاطمة عليهما السلام معصومان فلما لم يقبل رجعت إلى دعوى الميراث فروى: "إنا معاشر الأنبياء لا نورث" فقالت: إن الله تعالى يقول: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُود﴾{النمل:16}، وقال في زكريا: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾{مريم:6}، فسلم لها فدك وصك بها لها فلقيها عمر خارجة فسألها ما فعل أبو بكر فأعلمته فقال: أريني الكتاب فأرته إياه فأخذه ومزقه ولم يسلم إليها منه شيئاً، واستمروا على ذلك إلى وقت عمر بن عبد العزيز، فلما ولي عمر بن عبد العزيز ردها على أولاد فاطمة عليها السلام، وقطع لعن علي عليه السلام على المنابر انتهى. ومثله ذكر ابن أبي الحديد عن عبد العزيز بن أحمد الجوهري بإسناده إلى زيد بن علي عليهما السلام إلا أنه لم يذكر قوله: وعلي وفاطمة عليهما السلام معصومان الخ، بل ذكر أنه بعد أن شهد علي عليه السلام وأم أيمن لها بالهبة قال لها أبو بكر: فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية، ثم قال زيد: وأيم الله لو رجع الأمر إلي لقضيت فيه بقضاء أبي بكر، وهذا لا يعرف عند آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعني أن زيداً عليه السلام قال: وأيم الله لو رجع إلي لقضيت فيه بما قضى أبو بكر، وإنما هو من حكايات المحدثين والمخالفين لهم والله أعلم، فإن صح فلعله محمول على قضائه الذي قضى به في الصحيفة التي مزقها عمر لما ذكرها الإمام القاسم بن محمد عليه السلام في الاعتصام من قوله عليه السلام : قلت: وأجمع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن الأنبياء يورثون إلى آخر ما ذكره عليه السلام ، ولما رواه القاضي العلامة عبد الله بن زيد العنسي رحمه الله تعالى في المحجة البيضاء من قوله: وأجمع أهل البيت عليهم السلام، أنه ظلمها ذلك ونقله منها إلى آخر كلامه ذكره صاحب المنشورات رحمه الله تعالى عن القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري رحمه الله تعالى عن العنسي من المحجة البيضاء، ولما رواه صاحب أنوار اليقين عليه السلام عن زيد بن علي عليهما السلام، أنه نسب ما أصابه من ظلم هشام إلى الشيخين لأجل كونهما أول من سن ظلم العترة عليهم السلام والتقدم على الأئمة إلى آخر ما نقله عنه في هذا المعنى.
قلت: ولعل ما ذكر من إجماع العترة عليهم السلام، والمراد به إجماع القدماء لأنه قد ذكر في القلائد وحكاه الإمام في الأساس عن الإمام يحيى بن حمزة والمهدي عليهم السلام تصحيح حكم أبي بكر حيث أنه حكم باجتهاده وكل مجتهد مصيب، لكن التعليل بهذا لا يفيد أن أبا بكر أصاب نفس الحق باعتبار موافقة الكتاب والسنة بل باعتبار أنه أداه اجتهاده إلى ذلك، وإن كان الإمام المهدي عليه السلام قد ذكر في شرحه على القلائد ما معناه: إن خبر أبي بكر مخصص لآيات المواريث، فإنما ساق ذلك الاحتجاج على مساق احتجاج المعتزلة كما فعل ذلك في كثير من المسائل التي لا يوافقهم فيها والله أعلم.
هذا وقد ذكر في المنشورات عن الإمام عبد الله بن حمزة عليهما السلام بإسناده إلى عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا إلى أبي بكر يلتمسان ميراثهما من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة "، وذكر ابن أبي الحديد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسناده إلى عروة عن عائشة بمثله إلا أنه قال: وسهمه بخيبر، وزاد: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أغير أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.
وفي الاعتصام وأخرج البخاري وساق السند إلى عائشة أن فاطمة والعباس رضي الله عنهما أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما، وساق الحديث بمثل ما ذكره الجوهري، وفيه أيضاً عن أبي العباس الحسني قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي بإسناده عن عائشة: أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر وساق الحديث بمثل ما رواه المنصور بالله عليه السلام قال فيه: قال أبو العباس الذي طلباه ميراثا سهمه من خيبر، فأما فدك فقد كانت لفاطمة حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قدمنا وهو وجه الحديث.
هذا وقد تقدمت رواية الفقيه حميد ورواية البخاري ومسلم وأحمد بن عبد العزيز الجوهري كلهم عن عائشة أن فاطمة عليها السلام أرسلت إلى أبي بكر، وفي هذه الأحاديث عن عائشة أيضاً أنها جاءت هي والعباس وسبق من رواية زيد بن علي عليهما السلام: أن فاطمة عليها السلام جاءت إلى أبي بكر ولم يذكرا معها العباس رضي الله عنه، ولا مانع من الإرسال مرة والمجيء أخرى، وأن معها العباس، وإن لم يذكر في بعض الروايات أو أن المجيء مرتين إحداهما مع العباس والأخرى من دونه فلا تنافي في ذلك، وإنما الذي يظهر ما يقتضي التنافي أجوبة أبي بكر على الزهراء أو عليها هي والعباس ففي الروايات السابقة الاعتذار بأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " نحن معاشر الأنبياء " الخ، وفي بعض الروايات الاعتذار بما ينافي نحو ما ذكره أحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسناده إلى أبي صالح عن أم هاني رضي الله عنها أن فاطمة عليها السلام قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت ؟، قال: ولدي وأهلي، قالت: فمالك ترث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دوننا ! قال: يا ابنة رسول الله ما ترك أبوك داراً ولا مالاً ولا ذهباً ولا فضةً، قالت: بلى سهم الله الذي جعله لنا وصار فيئنا الذي بيدك فقال لها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إنما هي طعمة أطعمناها الله فإذا مت كانت بين المسلمين" فهذا يقتضي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتملك ذلك فلا يصح عليه حديث: " لا نُوَرْث تركناه صدقة" ويقتضي أنه بين المسلمين ملك لا أنه صدقة بالغلة فقط.
قال أحمد بن عبد العزيز: وأخبرنا أبو زيد وساق السند إلى أبي الطفيل قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أنت ورث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم أهله ؟ قال: بل أهله، قالت: فما بال سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن الله أطعم نبيه طعمة ثم قبضه وجعله للذي يقوم بعده" فوليت أنا بعده أن أرده بين المسلمين، قالت: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال ابن أبي الحديد: وفي هذا الحديث عجب لأنها قالت له: أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم أهله قال: بل أهله، وهذا تصريح بأنه صلى الله عليه وآله وسلم موروث يرثه أهله وهو خلاف قوله: لا نورث.
قال أحمد بن عبد العزيز: وأخبرنا أبو زيد وساق السند إلى أبي سلمة أن فاطمة عليها السلام طلبت فدك من أبي بكر، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" إن النبي لا يورث" من كان النبي يعوله فأنا أعوله، ومن كان النبي ينفق عليه فأنا أنفق عليه، فقالت: يا أبا بكر أيرثك بناتك ولا يرث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بناته ؟ فقال: هو ذاك !!
قال أحمد بن عبد العزيز: وروى هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن أم أيمن تشهد لي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاني فدك، فقال لها: يا بنت رسول الله والله ما خلق الله خلقاً أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قوله إن هذا المال لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كان مالاً من أموال المسلمين يحمل له النبي الرجال وينفقه في سبيل الله، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليته كما كان يليه إلى آخر ما ذكره.
وهذا كما ترى فيه إنكار الملك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه عدم المناكرة لشهادة أم أيمن بتمليك الزهراء عليها السلام لكن زعم أنه ليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يملكها ذلك لأنه مال المسلمين وهو ينافي ما سبق من الأجوبة بطلبه لها إتمام نصاب الشهادة، وقد اعترض ابن أبي الحديد على أبي بكر بهذا الجواب وناقش عليه بأكثر مما ذكرنا حتى قال: وهذا ليس بجواب صحيح.
وفي الاعتصام عن الهادي إلى الحق عليه السلام لما ادعت فاطمة عليها السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنحلها فدكاً ونزع أبو بكر عاملها وطلبها شهوداً جاءت بعلي والحسن والحسين عليهم السلام وأم أيمن رضي الله عنها فشهدوا لها، فقال: أبو بكر لا أقبل شهادتهم لأنهم يجرون بها المال إلى أنفسهم وأم أيمن امرأة لا أقبل شهادتها وحدها.
وفيه أيضاً نقلاً عن مصابيح أبي العباس الحسني رضي الله عنه بإسناده إلى عبد الله بن الحسن عليهما السلام: أنه أخرج وكيل فاطمة من فدك وطلبها بالبينة بعد شهر من موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما ورد وكيل فاطمة عليها السلام قال: أخرجني صاحب أبي بكر، سارت فاطمة عليها السلام ومعها نسوة من قومها إلى أبي بكر فقالت: فدك بيدي أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعرض صاحبك لوكيلي، فقال: يا فاطمة أنت عندنا مصدقة إلا أن عليك البينة، فقالت: يشهد لي علي بن أبي طالب وأم أيمن، فقال: هاتي، فشهد أمير المؤمنين وأم أيمن، فكتب لها صحيفة وختمها فأخذتها فاطمة عليها السلام فاستقبلها عمر فقال: يا ابنة محمد هلمي الصحيفة ونظر فيها وتفل فيها ومزقها، وهو في الأساس برواية صاحب المحيط رحمه الله تعالى بإسناده إلى عبد الله بن الحسن عليهما السلام بهذا اللفظ إلا أنه قال: وخرقها وزاد في روايته واستقبلها علي عليه السلام يا ابنة محمد مالك غضبانة، فذكرت له ما صنع عمر، فقال: ما ركبوا من أبيك ومني أكبر من هذا، قال فمرضت فجاءا يعودانها فلم تأذن لهما، فجاء أمير المؤمنين من الغد وبلغهما أن أمير المؤمنين عليه السلام عندها فتشفعا به عندها، فأذنت لهما فدخلا فسلما فردت عليهما سلاماً ضعيفاً فقالت: سألتكما بالله الذي لا إله إلا هو هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من آذى فاطمة فقد آذانِ " فقالا: نعم، قالت: فأشهد أنكما قد آذيتماني، وقد روى حديث طلب أبي بكر وعمر عيادة فاطمة عليها السلام وتشفعهما بعلي عليه السلام ابن قتيبة في تاريخه بأبسط من هذا.
وفي شرح الأساس أيضاً عن صاحب المحيط بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد الباقر عليهما السلام مثل الحديث الأول المذكور عن عبد الله بن الحسن عليهما السلام وزاد: فسألته فدك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث " فقالت: قد قال تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾، فلما خصمته أمر من يكتب لها إلى آخره سواء.
وفي شرح الأساس أيضاً: عن ابن بهران رحمه الله تعالى في تخريجه عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من أبيها، فقال لها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إن الله إذا أطعم نبيه طعمة فهو للذي يقوم من بعده".
خلاصة حكم فدك والعوالي
قلت وبالله التوفيق: فهذه الأخبار كما تراها أيها الطالب الرشاد من رواية الموالف والمخالف، وقد اضطربت أجوبة أبي بكر واحتجاجاته على فاطمة عليها السلام اضطراباً شديداً، وتخالفت وتناقضت تخالفاً وتناقضاً ما ترى بعده مزيداً، فتارة يعتذر بحديث:" نحن معاشر الأنبياء لا نورث" فيقرر ملك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتارة يقول:" إن ذلك طعمة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم" يعني - ليس بملك له - فإذا مات فهو بين المسلمين، وتارة يقول: "كانت للذي يقوم بعده"، وتارة يقول: إن هذا المال ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كان مالاً من أموال المسلمين، وآوِنة يطلب في شهادة علي عليه السلام وأم أيمن رجل مع الرجل أو امرأة مع الامرأة، وأخرى في شهادة علي والحسنين عليهم السلام يقول: لا أقبل شهادتهم لأنهم يجرون المال إليهم، ورواية: أنه قبل شهادتهم وشهادة أم أيمن وكتب لهم كتاباً ففعل به عمر ما فعل، وأخرى: أنه لما حاججته فاطمة عليها السلام: أيرثك بناتك ولا يرث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: هو ذاك، والاضطراب عند أهل الحديث من أكبر عيوب الحديث التي توجب ضعفه واطراحه، والتناقض والاختلاف في كلام المرء من أكبر الأدلة على بطلان ذلك الكلام.
وحينئذ فقد ظهر لك أيها الطالب الرشاد بطلان فعل أبي بكر وعمر في أخذهما واستمرارهما على قبض فدك بأقوالهما وأفعالهما. لكنا نزيد الكلام إيضاحاً على سبيل التفضل وإزاحة شبهة من يحسن الظن بأبي بكر وعمر فنقول:
لا يقال: قد تعارضت هذه الأخبار والروايات المعارضة لحديث: "نحن معاشر الأنبياء" تفرد بها من ذكرتموها عنه، وحديث: نحن معاشر الأنبياء، فيرجع عليها بكثرة رواته.
لأنا نقول: رواية جميع المحدثين وغيرهم من الأئمة عليهم السلام وشيعتهم ومخالفيهم كلها قد انتهت في الروايات المذكورة سابقاً في حديث: "نحن معاشر الأنبياء" قد انتهت إسناداتهم إلى عروة بن الزبير عن عائشة ولم تقل عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: نحن معاشر الأنبياء الخ، وإنما حكت ذلك عما أجاب به أبو بكر، فحصل التفرد في هذا الحديث في ثلاثة من رواته أبو بكر وهو مع ذلك خصم منازع وجار إلى نفسه حق القبض والاقباض والعزل والتولية وسائر التصرفات، وعائشة هي أعظم مناصر له في هذه الدعوى، وعروة وهو بعد خالته عائشة في مناصرة أبي بكر مع أنه مجروح عند أئمتنا عليهم السلام وغيرهم بأنه كان من أعوان الظلمة، ولا كذلك سائر الأحاديث المعارضة لحديث: "نحن معاشر الأنبياء" فإنها رواية ثبت غير متهم عن مثله إلى جماعة وأعداد من الصحابة والتابعين، فبعضها إلى أم هاني بنت أبي طالب رضي الله عنها وهي أجل من أن تتهم أو تحتاج إلى تعديل، وبعضها إلى أبي الطفيل رضي الله عنه وهو كذلك، وبعضها إلى أبي سلمة زوج أم سلمة رضي الله عنها قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها إلى هشام بن محمد الكلبي عن أبيه، وبعضها عن الهادي إلى الحق، وبعضها عن عبد الله بن الحسن الكامل، وبعضها عن أبي جعفر الباقر، وهؤلاء الأئمة عليهم السلام لا يروون إلا عن آبائهم الكرام حتى تنتهي سنداتهم إلى علي وفاطمة عليهما السلام وهما المعصومان عن الكذب والدعاوي الباطلة وشهادة الزور والتجرم والتظلم ممن هو محق في فعله ما صنع بهم.
فتدبر إن كنت ممن يتدبر وإلا فأعد جواباً للسؤال في يوم المحشر، فصار كل واحد من هذه الأحاديث أقوى وأولى بالترجيح على حديث: "نحن معاشر الأنبياء" فكيف باجتماعها جميعاً واتفاق معناها معاً على إبطال معنى ذلك الحديث المنكر الذي لم يرو عن غير أبي بكر ولم يُؤثر ؟
فإن قيل: رواه أبو بكر بمحضر جماعة من الصحابة وهم عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص فصدقوه ولم ينكر أحد منهم على ما ادعاه قاضي القضاة فيما نقله عنه ابن أبي الحديد.
قلنا: لم يقل أحد منهم وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن سلمنا صحة ذلك عنهم، وإنما صدقوه تحسيناً منهم للظن بأبي بكر.
وبعد فعمر وعثمان ممن هو خصم في هذه المسألة وطلحة والزبير وسعد لا مناكرة في خروج الأولين على علي عليه السلام وخذلان سعد له، فإن استند القاضي أو غيره من المنتصرين لأبي بكر إلى رواية هؤلاء أنهم حضروا وصدقوا لم يقبل ذلك لاجترائهم الجميع على أمير المؤمنين وأهل بيته بما هو أعظم من تصديق خصمهم، وإن استند إلى رواية غيرهم من سائر الصحابة أنه حضر وسمع تصديقهم لأبي بكر، فالواجب تعيين ذلك الغير وتسميته ليعلم صحة روايته من بطلانه، ثم التهمة باقية بعينها حيث لم يكن لذلك الغير سماع للحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما سمع تصديق أولئك لأبي بكر.
وبعد فهم عدد يسير لا يستحيل على مثلهم التواطؤ على ذلك التصديق من دون علم لهم أو سماع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد فلو قال كل واحد منهم وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل منهم مع كون حال كل واحد منهم كما ذكر بلا خلاف.
وبعد فلا يمتنع أن كل واحد منهم خاف على نفسه المعاتبة والمؤاخذة على انفراده إن لم يصدق أبا بكر بعد أن طلبه التصديق وقد صار أبو بكر ذو شوكة يقتدر معها على مؤاخذة كل واحد على انفراده بل قد صار أبو بكر في تلك الحال متمكناً من البطش بأولئك النفر جميعاً لكثرة من قد بايعه وتابعه من سائر الناس.
ثم نقول على سبيل التنـزل والفرض: سلمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة"، ويعمل الحديث إنصافاً للخصم على حسب القواعد الأصولية والأدلة الشرعية والقضايا العقلية واللوازم الضرورية.
فنقول: هذه المسألة والمعاملة في فدك وخُمُس خيبر وسهم ذوي القربى لا يخلو أن يكون مما أمره إلى الأئمة، ففعل أبي بكر وإعماله الحديث فيها واجتهاده في كل ما يتعلق بهذه الثلاثة المذكورة مبنية على صحة إمامته ودون تصحيحها خَرْط القَتَاد لما مر من الأدلة القاطعة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وبطلان إمامة من تقدمه أو مما أمره إلى آحاد الناس كإرشاد الضال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكغسل الميت وحفر القبر ودفنه فلا قائل به من الأمة، فلزم من هذا أنه لا صحة لما فعله ولا ما أعمله أبو بكر من ذلك الحديث وعمل به واجتهد لو فرضنا أنه وفر الاجتهاد حقه واستوفى النظر فيما يتعلق بتلك المخاصمة والمحاكمة في الثلاثة الأشياء المذكورة، فكيف ومعاملته كلها في ذلك مبنية على الحيف والميل والتلوُّن والتلجلج في الحجة والاختلاف والاضطراب في الأجوبة حسبما مر من روايات ذلك كله، ولزم أن لا عمل في ذلك كله إلا بما رآه أمير المؤمنين واستنبطه واجتهد فيه دون سائر الناس فلا عمل على اجتهاداتهم في هذه المسألة، ألا ترى أن المسألة المتعلقة بفعل الخصومات لا عمل على اجتهاد أحد فيها سوى الحاكم المولى عليها من طرف الإمام أو حاكم الصلاحية أو التراضي عند فقده، وكذلك لا عمل على اجتهاد غير ولي المرأة وولي مال اليتيم فيما يتعلق بهما مما أمره إلى الولي ونحو ذلك من الأمثلة، ثم إن سلمنا على سبيل التنـزل صحة إمامة أبي بكر فحكمه باطل من وجوه:
أحدها: أن الحديث يحتمل معنيين:
الأول: أن يكون معناه ما تركناه حال كونه صدقة قد قبضناها من أربابها ومِتنَا عنها قبل تفريقها في مصارفها فلا تورث عنا.
والثاني: أن يكون معناه ما تركناه من أملاكنا فلا يورث عنا بل يصير صدقة، وليس في الحديث قرينة لفظية تعين أحد المعنيين إلا ما يزعمه الخصم أن الحديث ورد برفع صدقة، وأنه لا يستقيم المعنى الأول إلا لو ورد منصوباً، ولا عمل على هذا ولا يكفي التعويل عليه والاعتماد على مجرده في تعيين المراد لاحتمال أن الحديث منصوب فرواه أبو بكر أو من تلقفه عنه مرفوعاً ملاحظة للمراد، وإن سلم أنه مرفوع فهو يحتمل أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة حالية والتقدير: ما تركناه وهو صدقة.
وحينئذ فلا بد من طلب مُرَجِّح من المرجحات الخارجة عن اللفظ الراجعة إلى المناسبة وموافقة الكتاب والسنة وتعديل راوي ما عارض الحديث المذكور من السنة ونحو ذلك من المرجحات المذكورة في علم الأصول، فيرجح المعنى الأول على الثاني بمرجحات:
أحدها: أنه لا يعارض آيات القرآن الحكيم بخلاف المعنى.
الثاني: فهو معارض لقوله تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾، وقوله تعالى: ﴿فهب لي من لدنك ولياً يرثني ﴾.
لا يقال: المراد وراثة العلم والنبوة والحكمة.
لأنا نقول: أصل الميراث مع الإطلاق لا يستعمل حقيقة إلا في انتقال المال عن ملك الميت إلى الوارث لأنه لا يفهم من اللفظ عند قولهم لا وارث لفلان إلا فلان غير ذلك، فإن استعمل في غيره فمجاز لا يصح إلا مع القرينة نحو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾{فاطر:32}، ونحو: "العلماء ورثة الأنبياء"، وأيضاً فإن النبوة والعلم والحكمة لا ينتقل شيء منها عما هي فيه بالميراث، وإلاَّ لزم تقسيط ذلك على الفرائض للزوجة الثمن والجدة السدس ونحو ذلك، بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء النبوة بالوحي، والعلم والحكمة بالتعلم وتكرر النظر وتنوير البصيرة، وأيضاً فقد كان سليمان عليه السلام نبياً وعالماً زمن داود عليهما السلام كما قال تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ﴾ الآية{الأنبياء:78}.
ثانيها: أنه الأنسب بمقام التشريع ليقتدي بهديه صلى الله عليه وآله وسلم ولاة الأمر بعده من الأئمة الهادين والعمال والمحتسبين والمقتصدين، فلا يورث عنهم ما جمعوه من الصدقات وسائر بيوت الأموال كما هي عادة بعض سلاطين الجور، فيكون حمل الحديث على هذا المعنى هو المناسب للتشريع وتكون ثمرة العمل به مستمرة إلى منقطع التكليف، بخلاف حمله على المعنى الثاني فلا مناسبة فيه لمقام التشريع ولا ثمرة له يستمر العمل بها سوى مصير أملاك الأنبياء عليهم السلام إلى أيدي الظلمة يتداولونه ويتوطون به إلى تناول الشهوات والبغي على أئمة الحق بإنفاقه في قتالهم وإقطاعه من أعانهم على ذلك، كما قد فعل به جبابرة بني أمية وبني العباس، كما ذلك مذكور في التواريخ وبسائط هذا الفن.
ثالثها: أنه لم يُسمع ولم يُنقل عن أحد من الأنبياء عليهم السلام أن ورثته أُحرموا ميراثه وأنه أخذه عليهم من هو محق بعد مورثهم من نبي أو وصي ولله القائل:
عن مآرِيثِهَا أبوها زَوَاها أيها الناس أي بنتِ نبيٍ
رابعها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول من خطب بقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ إلى آخر آيات المواريث{النساء:11}، وابنته صلوات الله عليها من أول من يدخل في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾، فلا يصح إخراجها عمن تناولته هذه الآيات إلا بناسخ قطعي ومخصص شرعي غير ما ذكره الخصم، لأنه محل النـزاع، وقد قَفَّا سبحانه وتعالى هذه الآيات بالوعد لمن أعملها والوعيد لمن تعداها وأهملها فقال تعالى: ﴿تلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُoوَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ {النساء:13،14}.
خامسها: أن حملها على المعنى الثاني الذي حمله عليه أبو بكر بلا دلالة معينة له يستلزم إغضاب البتول عليها السلام، وإغضابها مستلزم إغضاب الله تعالى ورسوله كما قد ثبت بالأحاديث المتواترة والروايات المتظاهرة، فلو سلم أن المراد من الحديث ما ذكره الخصم، فلا يدخل فيه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وابنته عليها السلام إلا على سبيل دلالة العموم فيصح تخصيص العموم بإخراج نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وابنته بهذا المخصص بالتخصيصات المنفصلة وهذا واضح لا إشكال فيه، أفما كان ينبغي لأبي بكر ومن حذا حذوه إعمال المسألة على هذه القاعدة ويتقي بذلك ويدفع عن نفسه غضب الله ورسوله لو كان في الأئمة الهادين والخلفاء الراشدين.
الوجه الثاني:
مما يدل على بطلان حكم أبي بكر من ذلك: أنه يلزم من صحة حكمه لو فرضت رد الأخبار الواردة بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أنحل فاطمة عليها السلام فدكاً، وهي روايات متظاهرة متظافرة يرويها الموالف والمخالف، وقد نقل بعضها عن السيوطي في الدر المنثور وبعضها عمن ذكرنا من أهل البيت عليهم السلام.
ويؤيدها ما رواه في الاعتصام عن الإمام المحدث أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم الحسكاني رحمه الله تعالى في شواهد التنـزيل من ست طرق كلها تنتهي إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل عليه قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾{الإسراء:26}، دعا فاطمة عليها السلام وأعطاها فدكاً منها طريق وهي آخرها لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾، دعا فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً والعوالي وقال: "وهذا لي قسم قسمه الله لك ولعقبك".
وما رواه بإسناده في هذه الآية إلى علي عليه السلام لما نزلت ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾، دعا فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً.
وما رواه أيضاً في قوله تعالى: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ في سورة الروم{38}، بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فأعطاها فدكاً وذلك بصلة القرابة الخ ما ذكره في تفسير الآية.
وفي مجمع الزوائد عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت: ﴿وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل﴾، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام وأعطاها فدكاً، قال: رواه الطبراني.
فهذه الأخبار على كثرتها وتظاهرها لا ينبغي لعالم ردها ولا يمكن تأويلها لأنها نص صريح في المراد لا يحتمل التأويل فأهون من ردها وتكذيب رواتها تخطئة أبي بكر فيما فعل.
الوجه الثالث:
أن فعل أبي بكر هذا مخالف لما يقوله الوصي والزهراء وسائر أهل البيت عليهم السلام وهم معصومون عن الزلل في القول والعمل سيما المسائل التي تتعلق بها العقائد، ونسبة المخالف فيها من الأموال والولايات، ولا يتأتى فيها تصويب الخصمين على القول بتصويب كل مجتهد، أما الزهراء عليها السلام فذلك ظاهر، وأما الوصي عليه السلام فمعلوم أنه لا يمكن أن يشهد لفاطمة عليها السلام بالنحلة ويصوب أبا بكر في انتـزاعها من يدها، ويدل عليه قوله عليه السلام كتبه إلى عامله بالبصرة عثمان بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه: بل قد كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وشحت عنها نفوس آخرين الخ كلامه عليه السلام في شأن المتقدمين عليه إلى أن قال: فنقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخالفوا إلى غير فعله في أخذهم فدكاً من يد ابنته، وتأولوا ما لم يدركوا معرفة حكمه، ذكره في أنوار اليقين، وأما سائر أهل البيت عليهم السلام فقد مر نقل إجماعهم عن الإمام القاسم بن محمد عليه السلام في الإعتصام وعن القاضي عبد الله رحمه الله تعالى في المحجة البيضاء وحمل ذلك على ما قبل زمن الإمام يحيى بن حمزة والمهدي عليهما السلام فلا نعلم قبلهما من يصحح حكم أبي بكر من آل محمد عليهم السلام.
طلب زوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ميراثهن أبي بكر
الوجه الرابع:
ما رواه ابن أبي الحديد وذكره الإمام القاسم بن محمد عليه السلام في الاعتصام: أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يطلبه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم موروث، وإن كان في الرواية أن عائشة ردت عليهن بقولها أوليس قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث "، وفيه ما يدل على عدم صحة ما ذكره قاضي القضاة أن عثمان صدق أبا بكر على صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ لا يستقيم تحمل عثمان الطلب لنساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالميراث وهو يعلم الخبر، ومما يدل على كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم موروثاً ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر قال: لقد ظهرت ذات يوم على ظهر بيت حفصة، وفي رواية: على ظهر بيت لنا باعتبار أنه وارثه من أخته حفصة، ومن المعلوم أنه لا يصير إليها ملكاً يورث عنها إلا إذا ورثته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلا فهو على قول أبي بكر صدقة على سائر المسلمين، فدل على أن نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورثن منه صلى الله عليه وآله وسلم ما ورثن، وإنما خص بتلك المعاملة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإلى الله المشتكى وإليه المصير، هذا وقد روى ابن أبي الحديد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري خطبة الزهراء عليها السلام المشهورة من طرق:
أحدها: بالإسناد إلى زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام.
والثانية: بالإسناد إلى محمد بن علي الباقر عليهما السلام.
والثالثة: بالإسناد إلى عبد الله بن الحسن الكامل عليهما السلام.
وواحدة: مرسلة عن جعفر الصادق عن أبيه عليهما السلام.
قالوا جميعاً لما بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدكاً: لاثت خمارها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطافي ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار فضرب بينها وبينهم ريطة بيضاء، وقال بعضهم قُبيطة وقالوا قَبيطة بالضم والكسر،ثم أَنَّتْ أَنَّةً أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلاً حتى سكتوا من فورتهم، ثم قالت عليها السلام: ابتدأ بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد، الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم إلى آخرها، وذكرها صاحب المنشورات عن القاسم بن إبراهيم بإسناده إلى زيد بن علي عليهما السلام عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام، ورواها الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهما السلام في الشافي، كما نقل شطر منها عنه صاحب العسجد المذاب في اعتقاد الآل في الأصحاب، ورواها أيضاً الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين في أنوار اليقين عليهما السلام بالسند المذكور عن القاسم بن إبراهيم عليهما السلام عند شرح قوله في أرجوزة أنوار اليقين:
حيث أتت إلى عتيقٍ خَاصمَهخاطبة للقوم وهي كاظِمَهوغضب السبطين والحليلِوغضب المهيمن الجليلِ واسمع إلى قول البتول فاطمهْزاريةٌ في فدكٍ محاكمهْفما ترى في غضبِ البتولِأليس منه غضب الرسولِ
وذكر ابن أبي الحديد عن المرتضى بإسناده إلى أحمد بن أبي طاهر قال: قلت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: كلام فاطمة عليها السلام عند منع أبي بكر إياها فدكاً، وقلت له: إن هؤلاء يزعمون أنه مصنوع وأنه من كلام أبي العيناء لأن الكلام منسوق البلاغة فقال لي: رأيت مشائخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم قبل أن يوجد جد أبي العيناء، وقد حدث الحسين بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع عبد الله بن الحسن بن الحسن يذكر عن أبيه هذا الكلام، ثم قال أبو الحسين عليه السلام : وكيف ينكرون هذا من كلام فاطمة عليها السلام وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة عليها السلام ويحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت إلى آخر ما ذكره في شرح النهج، وهذه الخطبة طويلة شهيرة ولذكرها في الكتب المذكورة استغنينا عن ذكرها ههنا خشية التطويل، فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بتلك الكتب، لكن ينبغي ههنا أن نذكر كلام الزهراء عليها السلام الذي قالته في مرضها عند أن أتى إليها من نساء المهاجرين والأنصار يَعُدْنَها - وقد ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج من رواية أحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسناده إلى فاطمة بنت الحسين السبط عليهما السلام، وذكره أبو العباس الحسين والمنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهم السلام - فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن أعجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد وخور القنا وخطل الرأي،: ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾{المائدة:80}، لا جرم قد قلدتهم ربقتها وشنت عليهم غارتها فَجَدْعاً وعَقْراً وسُحْقاً للقوم الظالمين، ويحهم أين زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين والطِّبّين بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا من أبي حسن نقموا والله نكير سيفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله، وتالله لو تكافؤوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعتقله وسار بهم سيراً سجحاً لا يتكلم خشاشة ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا ً غير فضفاض تطفح فضفاضه، ولأصدرهم بطاناً قد تحير بهم الرأي غير متحل بطائل إلا بغمرة الناهل وردعة سَوْرَة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلممن فاستمعن وما عشتن أراكن الدهر عجباً، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث، إلى أي ملجأً استندوا وبأي عروة تمسكوا، لبئس المولى ولبئس العشير ولبئس للظالمين بدلاً، استبدلوا والله الذنابا بالقوادم والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، ويحهم ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾{يونس:35}، أما لعمر الله لقد لفحت قنطرة ريثما تحلب ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً وذعاقاً ممقراً هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسهم نفساً واطمأنوا للفتنة جأشاً وابشروا بسيف صارم وهوج شامل واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً، فيا حسرةً عليكم وأنى لكم وقد عميت عليكم ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾{هود:28} والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين، انتهى من شرح النهج.
قال ابن أبي الحديد: هذا الكلام وإن لم يكن فيه ذكر فدك والميراث إلا أنه من تتمة ذلك، وفيه إيضاح لما كان عندها عليها السلام وبيان لشدة غيظها وغضبها.
وقال المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهما السلام: فهذا كلام فاطمة الذي لقيت الله تعالى عليه ولا نتعدى طريقة من يحب الاقتداء به من الآباء والأمهات عليهم السلام.
ولنختم هذا الكلام بما ذكره صاحب المنشورات الجليلة، فيما انطوت عليه الوصية المتوكلية وصية الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم عليهما السلام وهو السيد العلامة جمال الإسلام علي بن عبد الله بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد عليهم السلام جميعاً عن القاضي العلامة جمال الملة وحافظها أحمد بن سعد الدين المسوري رحمه الله تعالى عن القاضي العلامة فخر الدين عبد الله بن سعد الدين المسوري رحمه الله وأعاد من بركاته وجزاه خيراً في المحجة البيضاء بعد كلام له طويل في شأن فدك، ومنع المطهرة البتول حقها ما لفظه:
واعلم أن الله تعالى عهد إلينا أن نحكم بالحق وبما أنزل الله وقال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾ {المائدة:44}، وفي آية أخرى: ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾، ونهى أن يحتج للباطل وأهله، فقال: ﴿وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾{النساء:105}، ونحن نستحي من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن نتولى أبا بكر وعمر بعد أن أخذا مال فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعضدهم عليها ونجادل عنهم ونحسن الظن فيهم مع عصمتها وقد علمنا عصمتها ومعصية من أغضبها، وتحققنا هلاك من يغمها ويضيق عليها وهي بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعلم أن الحق معها والباطل مع خصمها، وأن خصمها هو خصم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد آذوها، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ {الأحزاب:57}. وقد تحققنا أمر فدك وقصتها، وقد أجمع أهل البيت عليهم السلام على ما رويناه أولاً فيها وإجماعهم عليهم السلام عندنا حجة، فالذي نقول به وندين به أن الحق كان في فدك وخيبر لها، ومعلوم أنها طالبت أبا بكر ونازعته في هذه المظلمة، وأجمع أهل البيت عليهم السلام أنه ظلمها ذلك ونقله منها وجعله صدقة، وكذلك أصحاب التواريخ ومن حكى قصة أبي بكر وقصة فاطمة عليها السلام ذكر ذلك وذكر مناظرتها، والمنكر لذلك منكر لبيعة أبي بكر وإمامته التي اختارها لنفسه، فإن العلم بأحدهما كالعلم بالآخر ولا يدفع ذلك أحد إلا من لا معرفة له بأخبار السير والآثار انتهى كلامه والمسك ختامه.
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس المناسبات“