آفات ومصائب

مجلس للحوار والنقاش مع المذاهب الأخرى ( كثيرا من المواضيع والمشاركات فيه يطرحها المخالفين للفكر الزيدي )، فللزائر الباحث عن الفكر الزيدي عليه التوجه لمجلس الدراسات والأبحاث ومجلس الكتب.
أضف رد جديد
رامان
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 14
اشترك في: الخميس سبتمبر 25, 2008 3:19 pm

آفات ومصائب

مشاركة بواسطة رامان »

آفات ومصائب جبر وخلق افعال وتزوير للاحاديث والروايات ثم نسبتها الى السنه وسنة رسول الله منها براء

انظر من هو الرجل الحقيقي الذي اخترع لهم عقيدتهم واحاديثم وسنتهم

أضواء على سياسة معاوية في الأمة


لو درسنا طبيعة المجتمع الذي عاش به الحسين عليه السلام نراه تنطبق عليه كل مواصفات المجتمع المقهور والمسلوب الإرادة، لأن معاوية عندما تسلم زمام السلطة جاء إليها وهو يحمل في صدره كل أحقاد بني أمية وكل العقد النفسية الخبيثة الموجودة عند هذه الأسرة فجاء بهذه العقد إلى السلطة كي يحارب الأسلام ويقضي على ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى ذكر أهل بيته الكرام عليهم السلام.

قد يبدو للناظر بأن معاوية كان هدفه السلطة والتأمر على الناس كما يظهر من خطابه لأهل الكوفة عندما خطب بهم بعد صلحه مع الإمام الحسن عليه السلام، حيث قال: "اعلموا ما قاتلتكم لتصوموا وتصلوا وتحجزوا وتزكوا ، وإنما قاتلتكم لكي أتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له من الكارهين".

لكن الحكم لم يكن كل أمنيات معاوية، وإنما أمنية معاوية بعيدة المدى هي أن يقضي على الإسلام وعلى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اجتهد كثيراً لتحقيق هذا الهدف لكنه لا يستطيع أن يمحي ذكر النبي إلا من خلال القضاء على الإسلام لأنه طالما الإسلام موجود فذكره موجود أيضاً ، لذلك اتجه إلى هدم الإسلام وتحطيم المسلمين واتبع أساليب خبيثة لتحقيق أهدافه.

إن منع تدوين الحديث كان له بعض الآثار السلبية على وضع السنة المحمدية، ومن هذه الآثار هو إعطاء الفرصة للوضاعين والكذابين بأن يختلقوا روايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يحدث بها النبي، وبما أنه لا يوجد ضابط للرواية في ذلك الوقت فستنتشر هذه الأحاديث بين المسلمين والمحدثين لتصبح سنة نبوية، والذين دونوا الحديث بعد قرنين من الزمن لن يستطيعوا تمييز الصحيح من غيره مهما كانت القواعد التي يضعونها لاختيار الحديث والتدقيق به. إذ أكثر ما يمكن أن يعتمد أصحاب المسانيد على سند الرواية، بالسلسلة المعروفة (حدثنا فلان عن فلان عن فلان) والحكم على صحة هذه الروايات من خلال معرفة المحدث بالرواي وأنه ثقة أو غير ثقة، ونحن نعلم بأن مسألة الوثاقة قد اتخذت طابعاً مذهبياً على أساسه يحكم بالوثاقة وعدمها.

ومنع تدوين الحديث أعطى الفرصة لبني أمية وخصوصاً زعيمهم وقائدهم معاوية بن أبي سفيان لكي يسيسوا الإسلام كما يرونه هم وكما يريدون أن يكون، وكانت سياسة معاوية ذكية ومدبرة نستطيع أن نلخص معالمها في زمانه (وقد حكم عشرين عاماً) على النحو التالي:



أولاً - سياسة الإرهاب والتجويع

وأعطيكم مثالاً واحداً على ذلك:

حدث سفيان بن عوف الغامدي، وهوأحد قواد معاوية العسكريين، قال:

"دعاني معاوية فقال: إني باعثك بجيش كثيف ذي أداة وجلادة، فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بهيت فتقطعها، فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم، وإلا فامض حتى تغير على الأنبار، فإن لم تجد جنداً فامض حتى توغل في المدائن. إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم، وتفرح كل من له هوى فينا منهم، وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر، فاقتل كل من لقيته ممن هو ليس على مثل رأيك
وأخرب كل ما مررت به من القرى، وأحرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب" (شرح نهج البلاغة 2/85- 86)

وهذا نموذج عن سياسة معاوية ويوجد مثلها الكثير لو يسع المقام، وخير ما يعبر عن ذلك قول الإمام الباقر عليه السلام:

"وقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكل من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام." (شرح نهج البلاغة 11/ 44-46)

وقد عين معاوية ولاة على الأمصار يطبقون تعاليمه بدقة ويتقربون إليه بكثرة القتل والتجويع، ومثال على ذلك أن زياد استعمل سمرة بن جندب (الصحابي) على البصرة فأسرف في القتل إسرافاً لا حدود له، ويحدث أنس بن سيرين قائلاً لما سأله هل كان سمرة قتل أحداً؟: "وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب.؟! استخلفه زياد على البصرة، وأتى الكوفة، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس، فقال له، يعني زياداً- هل تخاف أن تكون قتلت أحداً بريئاً؟ فرد عليه قائلاً: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت" ...!!!!

والمثال الآخر على تجويع الناس، كتاب معاوية إلى عماله بعد عام الجماعة:

".....أنظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به وأهدموا داره" (شرح نهج البلاغة 11/ 44-46). وطبعاً هذه السياسة عليها شواهد تاريخية كثيرة، لا يمكن إدراجها كلها في هذا المختصر.



ثانياً - إحياء النزعة القبلية

اتبع معاوية سياسة (فرق تسد) بين القبائل العربية حفاظاً على ملكه وهي السياسة الاستعمارية نفسها، والتي نفذها ولا يزال ينفذها الاستعمار الغربي في بلادنا، وهدف معاوية من هذه السياسة إلهاء القبائل عن حكمه بالمشاكل الداخلية والخلافات القبلية، فكان يثير النزاعات بين مضر وربيعة والأزد...

وكان الأنصار يعارضون حكمه على أساس ديني ويرفضون سياسة الظلم والإرهاب فكان من واجبهم وتكليفهم الشرعي معارضة الأمويين، فجاء معاوية بشاعر البلاط الأموي الأخطل، وهو نصراني، يرد عليهم فهجاهم بقصيدة منها:

ذهبـت قريش بالمكارم والعلى واللؤم تـــحت عــمائم الأنصار

ثم بدأ معاوية بإثارة الضغائن بين الأوس والخزرج القبيلتين العربيتين، المعروفتين بعدائهما القديم. (وهكذا بث معاوية روح البغضاء والنفرة بين القبائل العربية فشغلت هذه القبائل بأحقادها الصغيرة عن مقارعة خصمها الحقيقي –الحكم الأموي- وشغل زعماء هذه القبائل بالسعي عند الملوك الأمويين للوقيعة بأعدائهم القبليين، وفاز معاوية وخلفاؤه من بعده، بكونه حكماً بين أعداء هو الذي أشعل النيران العدائية بينهم من حيث لا يشعرون، ووحدهم في طاعته من حيث لا يدرون، وقد دفعهم هذا الوضع إلى أن يقفوا دائماً مع الحاكمين ضد الثائرين ليحافظوا على الامتيازات الممنوحة لهم، فكانوا يقفون في وجه كل محاولة تهدف إلى الثورة على النظام القائم وينخذلون عنها بل ويتسابقون في استخدام أقصى ما يملكون من نفوذ ودهاء في هذا السبيل للتأكيد على ولائهم التام للسلطة القائمة)( ثورة الحسين للشيخ محمد مهدي شمس الدين، ص100).

وبديهي أن الإسلام حارب العنصرية بلا هوادة وجعلها نوعاً من أنواع الجاهلية فقد قال الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، كلكم لآدم وآدم من تراب).

فكان بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي من الصحابة المقربين جداً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لإخلاصهم في الدين وقربهم من الله تعالى.

لكننا نرى أن معاوية أثار الجاهلية من جديد بعد أن خبت، وأحياها بعدما ماتت في نفوس المؤمنين. فعمل على تعميقها وركز على التفرقة بين العرب والعجم.

(استدعى معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس وسمرة بن جندب وقال لهما: إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت وأراها قد قطعت على السلف. وكأنهم أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان فقد رأيت أن أقتل شطراً وأدع شطراً لإقامة السوق، وعمارة الطريق. وكان هذا الموقف العدائي من الموالي سبباً في امتهانهم وإرهاقهم بالضرائب وفرض الجزية والخراج عليهم وإسقاطهم من العطاء فكان الجنود الموالي يقاتلون من غير عطاء)( ثورة الحسين للشيخ محمد مهدي شمس الدين، ص103).



ثالثاً- التخدير باسم الدين وشل الروح الثورية

الأمويون يعلمون بأنهم مغتصبون للحق، وأن دين محمد لا يسمح للظالمين باستلام السلطة والتحكم بأمور المسلمين.

يقول ولهاوزن في كتابه (الدولة العربية) ص 53:

"المأخذ الدائم الذي يؤخذ على الأمويين هو أنهم كانوا- أصولاً وفروعاً- أخطر أعداء النبي صلى الله عليه وآله، وأنهم اعتنقوا الإسلام في آخر ساعة مرغمين، ثم أفلحوا في أن يحولوا إلى أنفسهم ثمرة حكم الدين أولاً بضعف عثمان، ثم بحسن استخدام نتائج قتله. هذا، وأصلهم يفقدهم مزية زعامة أمة محمد ومن المحن التي بلي بها حكم الدين أنهم أصبحوا قائمين عليه، مع أنهم كانوا ما فتئوا مغتصبين لسلطانه، وقوتهم في جيشهم الذي هو على قدم الاستعداد في الشام، ولكن قوتهم لا يمكن أن تصبح حقاً".



لقد أراد معاوية أن يتغلب على هذا الشعور العام بسلاح الدين نفسه، كما أراد التوصل إلى تحطيم ما لأعدائه من سلطان روحي على المسلمين عن هذا الطريق أيضاً. وقد برع في هذا الميدان كل البراعة، وواته الظروف عليه فلبغ منه أقصى ما يرجو.

وقد حفظ لنا التاريخ بعض الأسماء البارزة من أعوان معاوية في هذا اللون من النشاط، قال ابن أبي الحديد:

"ذكر شيخنا أبو جفعر الإسكافي، أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير." (شرح النهج 4/61)، وغيرهم كسمرة بن جندب وأمثاله.

وقد استغل معاوية هؤلاء الأشخاص في سبيل إيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة برادع داخلي هو الدين نفسه، يعمل مع العوامل الخارجية كالتجويع والإرهاب والانشقاق القبلي.

هذا بالإضافة إلى مهمة أساسية أخرى ألقاها معاوية على عاتق هؤلاء الأشخاص وهي اختلاق الأحاديث التي تتضمن الطعن في علي وأهل بيته ونسبتها إلى النبي(صلى الله عليه وآله) ويوضح لنا النص الآتي مدى اتساع هذه الشبكة التي كونها معاوية، ومدى تجاوبها مع رغباته.

كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: "أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضائل أبي تراب وأهل بيته"

فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرءون منه... وكتب إلى عماله أن لا تقبلوا لأحد من شيعة علي وأهل بتيه شهادة. وكتب إليهم:

"أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته"

ففعوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه معاوية إليهم من الصِّلات والكساء ولحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي. فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيئ أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه. فلبثوا بذلك حيناً.

ثم كتب إلى عماله:

"إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته." (شرح نهج البلاغة 11/ 44 – 46(

وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه- وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم- في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: "إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم، بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم." (شرح نهج البلاغة 11/46)



الآثار السلبية لهذا الأسلوب

لقد خلقت مدرسة معاوية في الرواية والحديث ألواناً من الأحاديث النبوية:

1- منها ما يرجع إلى القدح في علي وآله بيته، وقد استفرغ معاوية غاية وسعه في هذا الميدان كما تبين لك مما قدمناه.

2- ومنها ما يرجع إلى تمجيد بني أمية- وعلى الأخص عثمان ومعاوية- ويجعلهم في مرتبة القديسين. كهذا الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله:

"إن الله ائتمن على وحيه ثلاثاً: أنا، وجبرئيل، ومعاوية".

وأن النبي صلى الله عليه وآله ناول معاوية سهماً فقال له: "خذ هذا حتى تلقاني في الجنة"، و"أنا مدينة العلم وعلي بابها، ومعاوية حلقتها"

وحديث: "تلقون من بعدي اختلافاً وفتنة، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه، يشير بذلك إلى عثمان".

3- ومنها ما يرجع إلى تخدير المسلمين وشل حركتهم الثورية، ويزين لهم الرضوخ ويوهمهم أن الثورة على الظلم والسعي نحو إقامة نظام عادل عمل مخالف للدين. وبديهي أن شيئاً من ذلك لم يصدر عن الله ولا عن رسوله. ومن هذه الأحاديث ما عن عبد الله بن عمر، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها. قالوا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم"

و"من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإن من فارق الجماعة شبراً فمات إلا ميتة جاهلية".

و"ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائناً ما كان".



وطبعاً هذه النصوص وأمثالها تجدها في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث.

أقول: طبعاً حتى لو كان الحسين بن علي هو القائم على طغاة الإسلام فهذا الحديث يشمله فيجب ضربه بالسيف !!!!

وحدث العجاج قال: قال لي أبو هريرة:

"ممن أنت؟ قال قلت: من أهل العراق. قال: يوشك بأن يأتيك بقعان أهل الشام فيأخذوا صدقتك فإذا أتوك فتلقاهم بها، فإذا دخلوها فكن في أقاصيها وخل عنهم وعنها. وإياك أن تسبهم، فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك، وإن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة". (ابن قتيبة: عيون الأخبار1/7)

وما شاكل هذا من الأحاديث التي تدعو المسلمين إلى الخضوع لأمرائهم الظالمين، وتحرم عليهم الثورة على هؤلاء الأمراء طلباً لحقهم.

وينطلق المأجورون والوعاظ والمحدثين فينفثون هذه السموم في قلوب الجماهير المسلمة وعقولها، وبذلك يلجمونها عن التذمر والثورة بلجام ينسبونه إلى الدين والدين منه بريء ويقعدون بها عن الاحتجاج على سياسة التعسف والظلم، ويحجزونها عن محاولة تحسين حياتها.

وهذا اللون من الروايات في نظري هو السبب في انهيار المسلمين وتخلفهم فيما بعد وإلى يومنا هذا، لأنهم يرون ذلك من الدين ولا يجرؤون على مخالفة الدين.

بينما لو نظرنا إلى أصل الدين المأخوذ من القرآن والنبي وأهل البيت مباشرة نجدها تناقض هذه المفاهيم التي قدمها بنو أمية.

فالقرآن يقول: "لا تركنوا إلى الذي ظلموا فتمسكم النار".

والإمام الحسين عليه السلام يروي عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "أيها الناس من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحُرم الله ناسياً لعهد الله ، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، ولم يغير عليه بقول ولا فعل كان على الله حقاً أن يستدخله مدخلاً".

فمع مسخ هذه المفاهيم ، وتحويلها إلى مفاهيم مثل "أطع الأمير ولو كان فاجراً"، فسيكون في الأمة أمثال شمر بن ذي الجوشن عندما يسأل عن تجرئه في قتل الحسين عليه السلام يقول: "أنا أطعت الأمير والرسول أوصى بإطاعة الأمير ولو كان فاجراً".

4- ومنها ما يتعلق بالعقائد

فقد اتبع الأمويون لوناً آخر من التضليل الديني استخدموه وبرعوا في أستخدامه، وهو تأسيس الفرق الدينية السياسية التي تقدم للجماهير تفسيرات دينية تخدم سطلة الأمويين وتبرر أعمالهم.

ومن الأمثلة البارزة في هذا الميدان فرقة (المرجئة). فقد كان الأمويون يواجهون الشيعة الذين يعتبرون بني أمية قتلة غاصبين لتراث النبي صلى الله عليه وآله، والخوارج الذين يرونهم كفرة تجب الثورة عليهم، وإزاحتهم عن الحكم، وكان كل واحد من هذين الفريقين يقدم بين يدي دعواه حججاً دينية، لا يملك الأمويون ما يقابلها، لذلك أنشأوا فرقة المرجئة التي قدمت أدلة مقابلة لأدلة الشيعة والخوارج ووقفت ضدهم في ميدان النضال السياسي الديني.

ويحدثنا ابن أبي الحديد أن معاوية كان يتظاهر بالجبر والإرجاء وأن المعتزلة كفروه لذلك. (شرح النهج 1/340)

لقد اعتبر المرجئة الإيمان عملاً قلبياً خالصاً لا يحتاج للتعبير عنه بفعل من الأفعال فيكفي الإنسان أن يكون مؤمناً بقبله ليعصمه الإسلام ويحرم الاعتداء عليه وهم ينادون: "لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة"

وقالوا: "إن الإيمان الاعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه وعبد الأوثان ولزم اليهودية والنصرانية في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ولي لله عز وجل من أهل الجنة" (ابن حزم: الفصل في الملل والنحل 4/204)

والنتيجة المنطقية لهذا اللون من التفكير هي أن الأمويين مؤمنون مهما ارتكبوا من الكبائر. (فيليب حتي: تاريخ العرب 2/316)

ومن نتائج ذلك أن المرجئة لا يوافقون الخوارج والشيعة على محاربتهم للأمويين، وإزالة دولتهم لأن حكومة الأمويين حكومة شرعية لا يجوز الخروج عليها، ولم يسلم المرجئة بأن انصراف خلفاء بني أمية عن تطبيق أحكام الشريعة كاف لحرمانهم من حقوقهم كأولياء الأمر في الإسلام.

ومن شواهد ذلك:

"لما استخلف يزيد بن عبد الملك بن مروان قال: سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز، فمكث كذلك أربعين ليلة، فأتي بأربعين شيخاً شهدوا له أنه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب" (ابن كثير ص232).

كما واجه الأمويون خطراً ساحقاً عليهم من عقيدة (القدرية) القائلين بحرية الإرادة والاختيار، وأن الإنسان هو الذي يختار نوع السلوك والعمل الذي يمارسه في حياته، وإذا كان حراً فهو المسؤول عن أفعاله لأن كل حرية تستتبع حتماً المسؤولية.

هذه العقيدة كانت خطراً على الأمويين، فاضطهدوا هذه العقيدة ودعاتها وتمسكوا بالعقيدة المضادة لها (عقيدة الجبر) فهذه هي العقيدة التي تلائمهم في الميدان السياسي لأنها توحي إلى الناس بأن وجود الأمويين وتصرفاتهم مهما كانت شاذة وظالمة ليست سوى قدر مرسوم من الله لا يمكن تغييره ولا تبديله، فلا جدوى من الثورة عليه.

ثم أصحبت عقيدة الجبر هي العقيدة الشائعة بين المسلمين إلى يومنا هذا، ومستندة إلى سنة صحيحة عندهم حكمت المسلمين من القرن الثاني وإلى هذا اليوم. وهذه العقيدة لوحدها كافية لتكون سبب تخلف المسلمين وانغلاق عقولهم على مدى الأيام، لأنها هي الحاكمة على عقولهم وطريقة تفكيرهم إلى يومنا هذا.

هذا النهج وهذه السياسة التي تبناها معاوية وبنو أمية فككت من تماسك المسلمين وشلت الروح الإسلامية عندهم، وتحول المسلم في العهد الأموي من انسان مسؤول عن الإسلام، إلى إنسان مشلول.

انتهى

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الحوار مع الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى“