اختلاف امتي رحمة ... نقمة

مجلس للحوار والنقاش مع المذاهب الأخرى ( كثيرا من المواضيع والمشاركات فيه يطرحها المخالفين للفكر الزيدي )، فللزائر الباحث عن الفكر الزيدي عليه التوجه لمجلس الدراسات والأبحاث ومجلس الكتب.
أضف رد جديد
خادم المرجعية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 60
اشترك في: السبت مايو 02, 2009 5:36 am

اختلاف امتي رحمة ... نقمة

مشاركة بواسطة خادم المرجعية »

بحث في التفسير



اختلاف أمتي

رحمة ... نقمة


لسماحة آية الله العظمى

السيد محمود الحسني

(دام ظله الشريف)



قوله تعالى : { تِبْياناً لِكُلِّ شَيءٍْ وَهُدى ً وَرَحْمَةً } سورة النحل/آية89

السؤال :

هل تعتقد بأن القرآن تبياناً لكل شيء أو الأمر المشكل من الدين فإذا كان الاعتقاد بأنه الأمر المشكل من الدين فما هو الرد على قوله تعالى : {وَكُلَّ شَيءٍْ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ } والكتاب إمام لقوله تعالى : {وَمِـن ْقَبْـلِهِ كِـتابُ مُـوسى إِمـاماً وَرَحْمَةً } سورة الأحقاف /آية 12

ملاحظة :

القرآن يزيل الاختلاف وليس موضوعاً للاختلاف فقد وصف الله القرآن بأنه { نور – وهدى – وأنه آيات بينات – ومبينات ومفصلات – وتفصيلاً لكل شيء – وأنه رحمة – وشفاءاً وأنه مبين ومنير – وأنه مستبين – وأنه أحسن الحديث – وذكرى – وتذكرة }

في نهج البلاغة عن علي(u) قال: (( ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه )) ومنها قوله(u) في صفة الكتاب: (( ومنازل لا يضل نهجها المسافرون وأعلام لا يعمى عنها السائرون وآكام لا يجوز عنها القاصدون )) .

عن علي(u) في الخطبة(ص176): ((وأعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش والهادي الذي لا يضل والمحدث الذي لا يكذب ……. الخ ))

وعن الإمام جعفر بن محمد(u) بسند: ((وفيه بدأ الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر الجنة وخبر النار وخبر ما كان وما هو كائن)) .

ومن الواضح أن المقصود بتلك الأخبار ليس الصفات لكل من الجنة والنار والسماء والأرض بل المقصود على خبر الحديث هو (الحوادث – والمواقع – والوقائع )


الخلاصة :- لقد اختلف العلماء في تفسير القرآن فما هو السبب لهذا الاختلاف وهل تعتقد بأن الاختلاف رحمة ؟

قوله تعالى :{ وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّن َلَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون َ} سورة النحل / آية 64

فحصر السبب بالتبيين لهم والهدى والرحمة وأما من هم الذين يبين لهم فأني أجزم بأنهم جميع الأمم على الأرض ، فقوله: ( لتبيّن لهم) ثم اعتقادهم انهم اجتهدوا من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه دلالة على اتهامهم الرسول بعدم التبيين ؟ والإمام علي خليفته ووزيره من بعده .


الـجــواب :

بسمه تعالى : الكلام في أمور

الأول : الاستدلال

استدلالك في الآيات القرآنية غير تام لأن بعد التسليم بأن الكتاب في قوله تعالى ((كِتابُ مُوسى)) هو الإمام في قوله تعالى ((كِتابُ مُوسى إِماماً)) فبعد التسليم بأن الكتاب هو الإمام ، فأن تفسيرك الإمام بالكتاب في قوله تعالى { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ }

أي كل شيء أحصيناه في كتاب لا يدل على مطلوبك مـن أن المراد هو القرآن ، لإحتمالية أن يكون المراد هو كتاب موسى أو غيره .


الثاني : الإمام المبين

قوله تعالى :{إِنـَّا نَحْن ُنُحْي ِالْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيءٍْ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ} سورة يس/آية 12

ورد فيه عدة أقوال أي في إِمامٍ مُبِـينٍ عدة أقوال :

1 - إنه علم الله تعالى .

2 - إنه اللوح المحفوظ وهو لوح القضاء الإلهي ، المحفوظ من التغير والحاوي على تفصيل قضائه سبحانه في خلقه .

3 - إنه صحائف الأعمال .

ويستدل لهذا المعنى :

أ- قوله تعالى : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن ْخَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِن ْسُوءٍ تَوَدُّ لـَوْ أَن َّبَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} سورة آل عمران /آية 30

ب - قوله تعالى : {ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } سورة الكهف /آية 49

جـ - وقوله تعالى :{هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنـَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون َ} .

د- وعن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم ): (( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ، لا ينقص من أوزارهم شيء ) ثم تلا(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله تعالى:{وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ} .

4- إنه وصية الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين((u .

ويستدل لهذا ما ورد عن الإمام الكاظم(u) قال: (( قلت لأبي عبد الله((u: أليس كان أمير المؤمنين(u) كاتب الوصية ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم ) المملي عليه وجبرائيل والملائكة المقربون شهود … - (وكان في الوصية) – سنن الله وسنن رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال الإمام الكاظم(u): أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين(u) قال أبو عبد الله الصادق(u): نعم والله شيئاً شيئا ، وحرفاً حرفاً ، أما سمعت قول الله(عز وجل): { إِنـَّا نَحْن ُنُحْي ِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيءٍْ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ } .

5- المقصود بالإمام هو إمام الحق أمير المؤمنين(u) .

ويستدل لهذا بما ورد :

أ- عن الإمام الباقر(u) عن أبيه الإمام السجاد(u) عن أبيه الحسين(u) أنه قال: ((لما نزلت الآية { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ } ، قام أبو بكر وعمر من مجلسهما وقالا : يا رسول الله هو التوراة ،… قال(صلى الله عليه وآله ) : لا

قالا : فهو الإنجيل … قال(صلى الله عليه وآله) : لا

قالا : فهو القرآن … قال (صلى الله عليه وآله) : لا

فأقبل أمير المؤمنين(u) ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): هذا هو ، إنه الإمام الذي أحصى الله تعالى فيه علم كل شيء )) .

ب- عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله): (( معاشر الناس مـا من علم إلا علّمنيه ربي ، وأنا علّمته علياً ، وقـد أحصاه الله فيًّ ، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين ، وما من علم إلا علمته علياً )) .

جـ- عن الإمام الباقر(u) عن آبائه عن جده(صلوات الله عليهم وعلى آلهم): (( أن علياً الإمام الذي أحصى الله تبارك وتعالى فيه علم كل شيء )) .

د- عن ابن عباس عن أمير المؤمنين(u): (( أنا والله الإمام المبين ، أبيّن الحـق من الباطل ، ورثته من رسول الله (صلى الله عليه وآله))) .



الثالث : تبيان كـل شيء

قوله تعالى : {وَنَـزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيءٍْ} سورة النحل /آية 89

ورد في معناه :

1 - إن كتاب الله تعالى يبين كل شيء يُحتاج إليه من أمور الشرع ، فإنه ما من شيء يحتاج إليه الخلق في أمر من أمور دينهم إلا وهو مبين في الكتاب ، أما بالتنصيص عليه أو بالإحالة على ما يوجب العلم من الرجوع للنبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) ، أو الرجوع إلى حكم العقل في أحيان أخرى ، فيكون حكم الجميع في النتيجة مستفاداً من القرآن أما بالنص أو بالإشارة إلى مصدر الحكم .

2- نفس المعنى السابق ولكن ليس في أمور الشرع فقط بل في كل ما يخص الخلق .

3- إن كتاب الله تعالى يبين كل شيء أما بالنص أو بذكر القاعدة والأصل ، فتكون الحوادث والوقائع من تطبيقات وصغريات الأصول والقواعد المذكورة في القرآن ، ومعرفة التطبيق والمصداق ومعرفة أصله يقصر عنه عقول الرجال ويختص به من ميزه وفضله الله تعالى وهم أهل بيت العصمة(عليهم السلام) .

أ - فعن الإمام الصادق(u): { ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله (عز وجل) ولكن لا تبلغه عقول الرجال } .

ب - عن الإمام الباقر(u): { إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله … ثم قال(u) في بعض حديثه: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال } .

فقيل له: يابن رسول الله ، أين هذا من كتاب الله .

قال(u): إن الله عز وجل يقول {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن ْنَجْواهُمْ إِلاَّ مَن ْأَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْن َالنَّاسِ} وقال تعالى:{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً} ، وقال تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَن ْأَشْياءَ إِن ْتُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} .

4- إن كتاب الله يبين كل شيء من الكليات والجزئيات ومن دلالة ألفاظه ، ولكن التعامل مع الألفاظ والحروف القرآنية بطرق وحسابات خاصة لا يعلمها إلا من خصه الله تعالى بعلمه وهم الراسخون في العلم المطهرون .

5- إن كتاب الله تعالى يبين كل شيء كلي وجزئي وظاهري وباطني عن طريق الدلالة اللفظية وعن طريق إشارات مادية ومعنوية تكشف عن أسرار وخبايا لا سبيل للفهم المتعارف معرفتها وأختص بها أهل الذكر(عليهم السلام) ويشهد لهذا وما سبقه ما ورد :

أ- عن الإمام الصادق(u): (( كتاب الله فيه تبيان ما قبلكم وخبر مـا بعدكم وفصل ما بينكم ، ونحن نعلمه )) .

ب- عن الإمام الصادق(u): (( قد ولدني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وأنا أعلم بكتاب الله ، وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر الجنة ، وخبر النار ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي ، إن الله تعالى يقول {فيه تبيان كل شيء } )) .

جـ- عن الإمام الصادق(u): (( نحن نعلم ما في السماوات وما في الأرض وما في الجنة وما في النار وما بين ذلك ، …

ثم قال(u): ذلك في كتاب الله تعالى .

ثم تلا قوله تعالى : { وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيءٍْ } .

د - عن الإمام الباقر(u): (( إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة ، إلا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله(صلى الله عليه وآله) وجعل لكل شيء حداً ، وجعل عليه دليلاً يدل عليه )) .


الرابع : التفسير

التفسير في اللغة هو الإستبانة والكشف .

وفي الاصطلاح العلمي , هو علم يبحث فيه عن المرادات والمقاصد الكامنة والأحكام المدلول عليها بألفاظ القرآن الافرادية والتركيبية .


الخامس : الـمفسرون

طبقات المفسرين عديدة يمكن ذكر بعضها وفقاً لمراحل تاريخية معينة :

1- المصطفى الأمجد(صلى الله عليه وآله) المفسر الأول ، ويمثل مرحلة نزول القرآن ويشير لهذا قوله تعالى : { كَما أَرْسَلْنا فِـيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُـزَكِّيكُمْ وَيُـعـَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ } سورة البقرة / آية 151

وأهل البيت يمثلون الامتداد الحقيقي لهذا الخط المحمدي الأصيل للتفسير وسيأتي الكلام لاحقاً إن شاء الله تعالى .

2- الطبقة الأولى من مفسري الصحابة: كـ(إبن عباس(رضي الله عنه) وعبد الله بن عمر) ، وكان التفسير في تلك المرحلة لا يتجاوز بيان ما يرتبط من الآيات بجهاتها الأدبية وما يتعلق بشأن النزول وقليل من الاستدلال بآية من القرآن على أخرى ، وبعض التفسير بالروايات المأثورة عن النبي(صلى الله عليه وآله) في القصص ومعارف المعاد وغيرها .

3- حلقة التابعين في القرنين الأولين من الهجرة , كـ ( قتادة ومجاهد والشعبي وابن أبي ليلى والأسدي) وغيرهم ، ونفس الكلام في وصف التفسير في الطبقة والمرحلة السابقة مع ازدياد التفسير بالروايات في القصص والمعارف الراجعة إلى الخلقة كإبتداء السماوات وتكوين الأرض والبحار ، وفي هذه المرحلة بدأ تأثير اليهود يظهر في دس العديد من الروايات .

4- طبقة المنفتحين على المعارف الأخرى :

أ- بعد الفتوحات الإسلامية واختلاط المسلمين بالفرق والنحل المختلفة وعلمائها في البلدان المفتوحة ، شاع البحث الكلامي .

ب- بعد أن نقلت فلسفة اليونان وترجمت إلى العربية في أواخر القرن الأول الهجري في عهد السلطة الأموية وثم السلطة العباسية ، شاع البحث العقلي الفلسفي بين العديد من الباحثين من المسلمين .

جـ- تقارن مع انتشار البحث الفلسفي ظهور التصوف وتمايل الناس إلى نيل المعارف الدينية من طريق المجاهدة والرياضة النفسانية دون البحث اللفظي والعقلي .

السادس: التفرق والتشعب

في مقابل الاتجاهات الثلاثة السابقة بقي الاتجاه الرابع الذي يمثل أهل الحديث بقي على التعبد المحض بالظواهر والاقتصاد دائماً أو غالباً على البحث عن اللفظ بجهاتـه الأدبية ،

إضافة لذلك فأن كل اتجاه قد تفرق وتشعب إلى مذاهب ومذاهب وكلما مر الزمان ازدادت الاتجاهات وكثر التفرق والتشعب ، وهذا كله أدى بدوره إلى اختلاف الباحثين في التفسير حسب مسالكهم ومذاهبهم فاختلفوا في معنى الأسماء والصفات والأفعال والسماوات والأرض والقدر والقضاء والجبر والتفويض والثواب والعقاب وفي الموت والبرزخ والبعث والنشر والحساب والجنة والنار .

السابع : ماذا يقول القرآن أو ماذا نريد أن نقول ؟!!

الاختلافات السابقة في المذاهب التي نشأت من التعصب الأعمى وحب الذات واتباع الهوى ، أدت بالمفسر الذي يبحث عن معنى الآيات القرآنية أن يقصر بحثه على المعنى الذي يجب أن نحمل عليه الآية ( وليس البحث في ماذا يـقول القرآن وما هو المعنى الذي تدل عليه الآية مع نسيان أو تناسي أي فكرة أو نظرية مذهبية عند البحث حتى يكون البحث منصفاً ) ، وبالتأكيد فإن حمل الآيات على المعاني المذهبية التعصبية الجاهلة يؤدي إلى اختلاف واختلاف وإختلاف … في التفسير فيكون كل تفسير تابع لهوى صاحبه وشيطانه .


الثامن : القرآن قائد أو مقود

ما ذ ُكِر من اختلاف في التفسير هو الحالة السيئة المرفوضة شرعاً وعقلاً وأخلاقاً ، لأنها إتباع الهوى والرأي الشخصي المصلحي التعصبي ، وهو مخالفة شرعية وأخلاقية لما ورد عن الشارع المقدس بأن القرآن هو القائد والمبين والمرشد والمتبوع فأصبح يفعل أئمة الضلالة مقوداً وتابعاً ومضلاً ، فبأس ما يصنعون .

التاسع : الاختلاف في التفسير

علمنا مما سبق أن التفسير الصحيح الذي فيه نجاة للأمة هو الوارد عن المعصومين(عليهم السلام) والذي يرجع إلى تفسير القرآن بـالقرآن ، ولكن مع هذا نجد اختلافاً بالتفسير بين الباحثين ممن يأخذ عن ذلك المنبع الصافي الواضح أو ممن يدعي ذلك أو ممن يُحسب على هذا ، ويرجع هذا إلى أمور عديدة منها:

1- إن بعض الإجابات والتفسيرات كانت على مستوى أذهان السائلين والسامعين فيكون الاختلاف في تفسير ذلك وتطبيقه بحسب أذهان المجتمعات بصورة عامة في كل عصر ومصر وبحسب المستويات الذهنية بين أفراد المجتمع نفسه .

2- التقية من الأعداء ، التي مر بها المعصومون(عليهم السلام) وأصحابهم المؤمنون(رضوان الله عليهم) ، حيث أخفي واختفى الكثير من التفسيرات الخاصة بالآيات القرآنية .

3 - ما فعله الأعداء من حكام وهمج رعاع بالاعتداء على أئمة الهدى(عليهم السلام) وأصحابهم الكرام وسرقة نتاجاتهم التفسيرية والعلمية وإتلافها .

4- الكذب والافتراء والدس في الأقوال والمقالات والتفسيرات وكتب الحديث ، من قبل الأعداء المخالفين وأهل النفاق والمغالين ، ممن يكذب على الله تعالى ورسوله وأئمة الهدى(صلوات الله عليهم أجمعين) ويحرف ما يصدر عن الشارع المقدس .

5- كما فعل المجتمع السني فعل العديد من الشرائح الاجتماعية الشيعية بالتوجه بالتفسير وغيره إلى كبرائهم الذين يفسرون طبقاً لأهوائهم ودنياهم ويسندون ذلك إلى رسول الله وأئمة الهدى(صلوات الله عليهم) ، ورجوع الناس إلى مثل هؤلاء بنفس الدافع الذي يدعيه المجتمع السني من أن الصحابة كلهم عدول ، وهنا كل من كتب بالتفسير أو حكى على المنبر (مثلاً) وكل من ارتدى الزي الديني فهو عادل ، ولم يعلم الناس أن الكثير منهم يبطنون النفاق ويجترون على الله تعالى ويفترون على رسوله والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) .

6- العديد من مفسرينا استند في تفسيره إلى رؤساء وعلماء العامة (السُنة) فاختلف التفسير عندهم باختلاف المنقول عند العامة .

7- في التفسيـر اتجاهات عديدة فكرية وعلمية ، ولكل مفسر غرض وهدف يضعه في ذهنه عند البحث ، ولاختلاف الأغراض وتحقيقاتها نجد البعض يرجح جانب اللغة والقراءة والنحو والصرف على غيره ، وبعضهم يرجح جانب علم الكلام على غيره ، وثالث يرجح البحوث الفلسفية على غيرها ، ورابع يرجح العرفان ، وغيره يرجح البحوث العلمية المعاصرة وتطبيقاتها على غيرها .

8- إنَّ لألفاظ القرآن وآياته معاني ظاهرية وهذه المعاني الظاهرية لها تطبيقات عديدة تختلف من مجتمع لآخر ومن جيل لآخر ، ولها معاني باطنية متعددة في العرض والطول . وهذا بدوره يؤدي إلى تعدد التفاسير واختلافها ظاهرياً ، لتعدد الروايات المشيرة إلى المعاني الظاهرية والباطنية المتعددة .

ويشهد لما سبق ما ورد :

أ- عن النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله): {{ فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن فإنه شافع ومشفع وماحل مصدّق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، …… للقرآن ظهر وبطن ، فظاهره حكمة وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ،… فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعروف لمن عرف بالنصفة ، فليرْعَ رجل بصره وليبلغ الصفة نظره ، ينجو من عطب ويخلص من نشب ، فإن التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ، يحسن التخلص ويقل التربص }} .



العاشر : القرآن الناطق

وعليه فكلمة التوحيد ووحدة الأمة والتفسير المبين ، وهو النابع والصادر من بحر الطهارة والقدس النبي المصطفى (صلوات الله وسلامه عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين(عليهم السلام) فالمعلم الأول في القرآن والتفسير الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والثاني أمير المؤمنين(u) وهكذا الزهراء والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وباقي أئمة الهدى(u) فهم عِدل القرآن وكل واحدٍ منهم يمثل القرآن الناطق ، وبهذا الطريق السوي والمنهج القويم الواضح تتفق الآراء وتتحد الكلمة ويظهر الحق وتضمر وتنمحي كلمة الباطل وتبدل الفرقة ويذهب الاختلاف في الكلمة والحكم في التفسير وغيرها ، ومما يشهد لهذه المعاني :

1 - قوله تعالى: { وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّن َلِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } سورة النحل /آية 44

2 - قوله تعالى:{ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ} سورة الجمعة /آية 2

3 - قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآن َكَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُون ٍلا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون َ} سورة الواقعة / آية 79

وقوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .

4- قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): {{إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض}} .

5- عن الإمام الصادق(u): {{ قال أمير المؤمنين(u): أيها الناس ، إن الله تبارك وتعالى أرسلَ إليكم الرسول(صلى الله عليه وآله) …… إلى أن قال: فجاءهم بنسخه ما في الصحف الأولى ، وتصديق الـذي بين يديه ، وتفصيل الحلال من ريب الحرام ، … ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق لكم …

أُخبركم عنه ، أن فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم ، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون فلوا سألتموني عنه لأخبرتكم }} .


الحادي عشر : الطريق الأمثل

الطريقة المثلى في التفسير الواردة عن الشارع المقدس هي تفسير القرآن بالقرآن سواء القرآن الصامت أو القرآن الناطق ويشير لهذا المعنى :

1- قوله تعالى : {إنا أنزلنا عليكَ الكتاب تبياناً لكل شيء} فإذا كان تبياناً لكل شيء والقرآن نفسه شيء من الأشياء فهو تبيان لنفسه .

2- ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله): {فإذا التبست عليكـم الفتن كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن فإنه شافع ومشفع وماحل مصدّق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، ……} .

3- ما ورد عن أمير المؤمنين(u): {نطبّق القرآن بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض …} .


الثاني عشر : اختلاف أمتي رحمة

وبعد معرفة الطريق الشرعي المنجي في التفسير وبعد معرفة أن في القرآن ناسخاً ومنسوخـاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وخاصاً وعاماً ، ومبيناً ومبهمـاً ، ومقطوعاً وموصولاً ، وفرائض وأحكامـاً ، وسنناً وآداباً ، وحلالاً وحراماً وعزيمة ورخصة ، وظاهراً وباطناً ، ولا يعلم تمييز ذلك كله إلا من نزل في بيته وكان معيناً ومفوضاً ومسدداً من الله تعالى في ذلك فكان القرآن الناطق وهم أهل بيته(عليهم السلام) ، فمن سلك الطريق القويم وأخذ من بيت العصمة تفسيره وبذل ما في وسعه لتمييز وإبراز التطبيق والمصداق الصحيح والأنسب والأصلح بالنظر إلى مجموع السورة وما يتعلق بها تارة ، أو بالنظر إلى الآية بمجموعها وما يتعلق بها ثانية أو بالنظر إلى الكلمات والجمل وما يتعلق بها ثالثة , فهو على خير وإلى خير وما يحصل من اختلاف بين المفسرين المخلصين السالكين هذا المنهج القويم فهو اختلاف رحمة وفي هذا المقام تمثل أحد تطبيقات ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) وعلى بعض معاني: (( اختلاف أمتي رحمة )) لرجوعهم إلى المنبع الصافي المقدس وترددهم عليه ، لأن هذا الاختلاف اختلاف علميٌ فيه نمو ونضج للفكر الإنساني وفيه الصلاح في التطبيق الحياتي والاجتماعي فيواكب الدين الحياة ويقود المجتمع نحو تحقيق دولة الحق والعدل الإلهي المقدس جعلنا الله تعالى من خدام وأعوان وأنصار صاحب الظهور المقدس وقائد الثورة الإلهية العظمى ومحقق دولة العدل المقدسة أرواحنا لتعجيل ظهوره الفداء .

الثالث عشر : اختلاف أمتي نقمة

إن إتباع الهوى وحب الدنيا والتعصب العمى والابتعاد عن الحق وأهله وترك المنهاج الواضح المقدس لأهل بيت العصمة(صلوات الله وسلامه عليهم) وتفسيرهم الإلهي وأحكامهم التامة المسددة النابعة من الفيض الأقدس ، فالابتعاد عن الحق وتركه يعني الفرقة والتشتت والكذب على الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله) وكتابه المبين وأهل بيت الرسول المعصومين(عليهم السلام) ويعني اختلاف الآراء وتعصبها الأعمى واضطرابها وتناقضها وتهافتها وسقمها ، وهذا هو الضلال والانحراف والكفر والنفاق وكان لسان حال الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) في مثل هذا المقام ( إن اختلاف أمتي نقمة ) بينما كان قوله(صلى الله عليه وآله) في مقام مراجعة علماء الحق والتردد عليهم وأخذ العلم والحكم والتفسير منهم هو (اختلاف أمتي رحمة) ، ويشير إلى تلك المعاني ما ورد عن أمير المؤمنين(u) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا حيث قال(u): { ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيـره ، فيحكم بها بخلافه ، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم ، فيصوب آراءهم جميعاً ، وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد ،…

أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه ، ثم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ، …

أم كانوا شركاء له ، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ،…… أم أنزل الله سبحانه وتعالى ديناً تاماً فقصر الرسول(صلى الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه ، والله سبحانه يقول (( ما فرطنا في الكتاب من شيء ، فيه تبيان كل شيء )) ، وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً ، وأنه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً )) …

وان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات إلا به }} .


المنصور
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 156
اشترك في: الأربعاء أغسطس 03, 2005 1:25 pm

Re: اختلاف امتي رحمة ... نقمة

مشاركة بواسطة المنصور »

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك كتاب قيم للإمام القاسم بن محمد عليه السلام في نفس الموضوع .
واسم الكتاب الإرشاد إلى سبيل الرشاد .

وهو على هذا الرابط :

http://www.almahatwary.org/p8-1-j.htm

والمباحث التي فيه هي :

الفصل الأول : في الإرشاد إلى حكم الخلاف .

الفصل الثاني : في الإرشاد إلى معرفة المحق وتمييزه من المخطئ.

الفصل الثالث : في ذكر وقوع الاختلاف من أهل البيت عليهم السلام والإرشاد إلى معرفة أسبابه .

الفصل الرابع : في الإرشاد إلى ما يجب من العمل في اتباع أهل البيت عليهم السلام بعد اختلافهم.

الفصل الخامس : في الإرشاد إلى حكم أقوال المخالفين للعترة عليهم السلام الخارجين بأقوالهم عن موافقة المجتهدين منهم ، وحكم أقوال الفاسقين من المجاهرين والمتأولين.

الفصل السادس : في الإرشاد إلى حكم ما يحصله المقلدون تفريعاً على نصوص المجتهدين.
( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ )
[img]http://mail.google.com/mail/?attid=0.1& ... 9296cc0528[img/]

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الحوار مع الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى“