كتاب زيارة القبور للعلامة بدر الدين الحوثي

هذا المجلس لتبادل الخبرات.
أضف رد جديد
لــؤي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 3099
اشترك في: الخميس نوفمبر 17, 2005 4:22 pm
مكان: قلب المجالس

كتاب زيارة القبور للعلامة بدر الدين الحوثي

مشاركة بواسطة لــؤي »

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.

وبعد: فهذا جواب في مسألة القباب والتمسح بالتراب من الرد على مقبل.



وهاهنا مسألتان:

مسألة التمسح بالتراب، ومسألة نداء الميت. نعقد لكل منهما فصلاً وذلك لبيان الحق والدفاع عن المسلمين فنقول:

الفصل الاول: التمسّح بالتراب
التمسح بالتراب يكون لاعتقاد المتمسح أنه دواء من حكة أو غيرها، أو لرجاء أن يكون دواء. وهذا ليس شركاً، وإن دل على اعتقاد فضل الأنبياء والأولياء عليهم السلام وعلى رجاء أن يكون تراب قبورهم دواء لذلك، وهذا واضح ولا يحتاج إلى ذكر دليل، لأن البينة على المدعي، فمن ادعى أنه شرك فالبينة عليه.

وأخرج مسلم في صحيحه في تحريم الذهب والحرير على الرجال [ج14/ ص43]: فقالت ـ أي أسماء ـ: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت، قبضتها وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها.

هل يراهم الوهابي قد أشركوا إذ شربوا ماء الجبة لرجاء الشفاء؟.

هل يراهم أشركوا حين استعملوا ماء الجبة استعمال الدواء؟.
أم هو هنا يعرف أنه لا تلازم بين التبرك والشرك، فما كل متبرك مشركاً؟

فلماذا يرى التمسح بتراب قبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام شركاً؟!.

هل يدعي مقبل أنهم يعتقدون فيه النفع والضر من دون الله فهو مظنة هذا الافتراء؟!.

فكم يفترون على الشيعة ليرموهم بالشرك بغضا لهم وعداوة لأجل التشيع؟ كما قال ابن الأمير:

مذاهب من رام الخلاف لبعضها
يعض بأنياب الأســاود والأسد

يصب عليه ســوط ذم وغيبة
(و)يجفوه من قد كان يهواه عن عمد

ويعزى إليه كــل مالا يقوله
لتنقيصه عند التهـامي والنجـدي




وفي صحيح مسلم ( ج15 ص87 ): عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه، قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فأُتيت فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم نام في بيتك على فراشك قال: فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم ففتحت عتيدتها فجعلت تنشّف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، ففزع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: « ما تصنعين يا أم سليم »؟ فقالت: يا رسول الله، نرجو بركته لصبياننا، قال: «أصبت». انتهى.

فهل اعتقدت أم سليم انه ينفع ويضر من دون الله؟ هل أشركت أم سليم وصوّبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل كان التبرك والشرك متلازمين لا ينفك التبرك عن الشرك ولا يمكن أن يقع التبرك بلا شرك؟

أليس من المعقول إمكان التبرك بلا شرك؟ بلى والله إنه لمعقول. ولكن بغضكم للتشيع والشيعة والتصنع لدى أسيادكم الوهابية حملكم على رميهم بالشرك من أجل ذلك وأنساكم قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ألا تتقون الله؟ ألا تخشون إثم التفريق بين المسلمين وهم في أشد الحاجة إلى الإجتماع؟ ألا تخشون إثم رمي المسلمين بالشرك؟ (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ).

إنكم لتعلمون أنه يمكن أن يتمسح بتراب قبور الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) للتداوي به، أو لرجاء البركة من لا يعتقد فيه النفع من دون الله ولا الضر من دون الله، وإنما يعتقد فضله فلذلك يرجو البركة في تراب قبورهم. فإذا كان هذا ممكنا معقولاً، كان دعوى أنهم مشركون يعتقدون فيه النفع من دون الله دعوى عارية عن الدليل، افتراها اعداؤهم بغياً وعدوانا فقد جاءوا ظلماً وزوراً.

وقد عقدت فصلا في التبرك في كتاب شرح الصدور، أحد الكتب المسماة «الإيجاز في الرد على فتاوي الحجاز» (4) ومحلّ هذا الفصل (ص141) فليراجعه من أراد التحقيق في المسألة ففيه كفاية.



الفصل الثاني: في نداء الميت



اعلم أنا نتكلم في المسألة لتحقيقها، فأما النداء للأنبياء والأولياء (عليهم السلام) فإنك إذا دخلت أضرحتهم المشرّفة وحضرت الزائرين لا تسمع أحداً يدعوه ولا يستغيث بهم، فقد بهتهم بهذا مقبل، المقلّد في هذا الشأن، المنقاد لداعي العصبية والشنآن المخالف لقول الله تعالى: ((وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)). وقد كان ينبغي له وهو يعلم الحقيقة ويعرف براءة أهل القبلة من شرك الدعاء أن يبرئهم منه، ويبلغ الأبعدين الذين لا يعلمون الحقيقة عنهم، دون أن يقلدهم فيما يعلم بطلانه.

أخرج أحمد بن حنبل في المسند (ج6 ص 436): عن أم العلاء الأنصارية قالت أم العلاء: فاشتكى عثمان بن مظعون عندنا، فمرضناه حتى إذا توفّي أدرجناه في أثوابه فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: رحمة الله عليك يا أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وما يدريك...» الحديث.

فهل أشركت أم العلاء حين قالت: يا أبا السائب، تعني عثمان بن مظعون وهو ميت؟

وأخرج أحمد في المسند (ج1 ص335) عن ابن عباس قال: لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته: هنيئاً لك يا بن مظعون بالجنة، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظرة غضب فقال: «ما يدريك؟ فو الله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل بي...»الحديث

فهل أشركت امرأة عثمان؟ فكيف لم يغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للشرك؟ وكيف لم يقل لها أشركت ارجعي إلى الإسلام؟ إنما غضب لقطعها بالجنة لعثمان وهي لا تدري، كما تفيده هذه الرواية.

وأخرج الحاكم في المستدرك (ج3 ص59): عن أنس أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه يا أبتاه إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي.

فهل أشركت فاطمة البتول سيدة النساء وخامسة أهل الكساء لقولها يا أبتاه، وقد توفاه الله؟.

إن الأمر واضح، فما كل نداء شركاً، ولكن غلاة التوحيد يحبون رمي الناس بالشرك وما مقبل إلاّ فرع من فروعهم.

وقد روى الحاكم في المستدرك (ج4 ص297): عن قتيلة بنت صيفي امرأة من جهينة قالت: إن حبراً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « قولوا ما شاء الله ثم شئت وقولوا ورب الكعبة». هذا حديث صحيح الإسناد واقره الذهبي.

فإذا كان الحديث صحيحاً فينبغي مخالفة اليهود وأن لا نقتدي بهم في رمي المسلمين بالشرك، وأن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعليم الناس الأدب في القول وتجنب الكلمات الموهمة التي يتعلق بها العدو لرمي المسلمين بالشرك. وهذه الخصلة أعني رمي المسلمين بالشرك لو لم يكن فيها إلاّ عار المشابهة لهذا الخبر والموافقة له لكفى صارفاً عنها لمن يأنف من التشبه باليهود.

هذا وقد حققت مسألة الدعاء في كتاب «الإجادة» أحد الكتب المجموعة في «الإيجاز في الرد على فتاوي الحجاز» وذلك في المقصد الأول من كتاب الإجادة (ص91) فراجعه فالكتاب مطبوع منشور والحمد لله.

قال مقبل (ص223): وقد أخبرني شيخي عبد الرزاق الشاحذي أنه قد شرحها ـ يعني الأربعين السيلقية ـ يحيى بن حمزة الذي خالف الأمة الإسلامية وقال: لا بأس بالبناء على قبور الفضلاء، كما ذكره العلامة الشوكاني.

الجواب وبالله التوفيق: إن هذا دليل على أن مقبلاً لا يعتبر الأمة الإسلامية إلاّ أهل نحلته الذين يرون أن من يخالفهم في هذه الأشياء مشرك، فجعلوا جمهور الأمة الإسلامية مشركين.

قال مقبل بعد أن روى حديث: «يا علي لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي بما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بأحد من المسلمين إلاّ اخذوا التراب من أثر قدميك لطلب البركة» وردّه بأن في سنده حرب بن حسن الطحان ويحيى بن يعلى. وذكر كلام أسلافه فيهما، ثم قال: فعلم بهذا أن الحديث عن شيعيين مقدوح فيهما خصوصاً فيما يوافق مذهبهما.

والجواب: أن القدح من خصومهما ورواية خصومهما فلا يقبل، مع أنهم يحاربون فضائل علي(عليه السلام) ويجدّون في دفاعها على اختلاف درجاتهم في هذه الطريقة، حتى أنهم ليجرحون في الرواة بنفس روايتهم لبعض الفضائل. فلذلك لا يلتفت إلى جرحهم في الشيعة، لأن تحكيم خصومهم فيهم عدول عن طريقة الإنصاف وتعصب للأسلاف. وإنما الطريقة أن نبحث نحن ولا نقلد، فإذا تتبعنا أحاديث الرجل الصحيحة عنه فإنا سنعرفه على ضوء رواياته، وكذلك إذا عرفنا تاريخ الرجل وعقيدته، فذلك يعين على معرفته بدون تقليد.

قال مقبل: وهذا الحديث الموضوع قد اتخذه القبوريون أصلاً في جواز التمسح بأتربة القبور، وهكذا يفعل الغلو بأهله.

والجواب: أن الأصل في التمسح بالتراب هو الإباحة، فلا حاجة إلى الاستدلال على جوازه، بل الدليل على من منع من ذلك وحرّمه، لأنه المدعي والبينة على المدعي فلا حاجة لاعتماد الحديث المذكور.

وأما قوله: «وهكذا يفعل الغلو بأهله» فالغلو في الدين إنما يكون بالتديّن بما هو زيادة على الدين وتجاوز لحدوده، فمعناه الزيادة على المشروع تديّنا بالزيادة. على أن لفظ الزيادة يفهم معنى التدين وإنما نحتاج إليه إذا قلنا في حد الغلو: هو تجاوز الحد المشروع إلى غيره تدينا بغير المشروع.

فالحاصل: أن الغلو يعتبر فيه أمران: تجاوز الحد المشروع، والتدين بما زاد على المشروع. فلا يكون من الغلو في الدين إلاّ ما جمع الأمرين، ومن أمثلة الغلو جعل التمسح بالتراب شركاً، فالنهي عن الشرك من الدين والنهي عن غيره بدعوى أنه شرك مبالغة في النهي عن الشرك وغلوّ في ذلك لأنه تجاوز للحد على طريقة التدين.

وهكذا سائر ما يفعلون باسم التوحيد وليس منه، أو باسم التحذير من الشرك وليس منه، من قتل للمسلمين ونهب لأموالهم، ومن تخريب لقبابهم ومنع للزيارة وغير ذلك. فقد بان أن الغلاة تحت غطاء التوحيد أكثر الناس غلوا وأخطر الغلاة على المسلمين، لأنهم بغلوّهم كفّروا المسلمين ورموهم بالشرك واستحلوا دماءهم وأموالهم ونساء بعضهم، وأهانوا أولياء الله وحقروا أكابر الأمة بهدم قبابهم، وتركوا قبورهم معرضة للكلاب، بناء منهم على أن ذلك من التوحيد والتحذير من الشرك وأنه من الإخلاص في الدين.

تسوية القبور: قال مقبل: وهم مع هذا يدعون محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي (رضي الله عنه) وهم في الحقيقة كاذبون في دعواهم إذ لو كانوا صادقين لعملوا بما أمر به علي (رضي الله عنه) أبا الهياج الأسدي اذ يقول له: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أن لا تدع قبراً مشرفاً إلاّ سويته، ولا صورة إلاّ طمستها». رواه مسلم، ولكنهم في الحقيقة مناقضون لمقاصد الشرع.

والجواب: ان ابا الهياج ليس بالمشهور بحيث يكون حديثه حجة ينكر على من خالفه، وقد قال السيوطي في حاشية سنن النسائي: ليس له في الكتب إلاّ هذا الحديث، ولا نعلم احداً وثقه إلاّ ابن حبان روي أنه وثقه، وقد ظهر من مذهبه توثيق المجاهيل كما قدمناه، وإلاّ العجلي، روي أنه وثقه وهو يكثر توثيق التابعين، ولعل مذهبه فيهم مثل مذهب ابن حبان في الجملة. أعني لعل مذهب العجلي توثيق التابعي المجهول لأجل حديث: «ثم الذين يلونهم... ».

والحاصل أنه لا يقلد في توثيقه لأنا لا ندري ما مذهبه في التوثيق، بل العجلي غير موثوق به عندنا.

مع أن تلك القبور يحتمل أنها كانت قبور مشركين، وإذا كانت كذلك فلا حق لأهلها في التعظيم فلذلك ينبغي إزالة ما فيها من تعبير عن شرفهم من شُرف أو تسنيم، وذلك تسويتها في حقهم. ولا يقاس عليها قبور المسلمين لقول الله تعالى: ((أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ {35} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) ويحتمل أنها قبور مجهولة، من عهد الجاهلية فكان الأصل فيها أن تجري مجرى قبور الكفار.

فإن قيل: إن القبور لا نعلمها نحن ما هي وما سبب الأمر بتسويتها، فلا يصح دعوى أنها قبور المشركين أو من أهل الجاهلية المجهولين

قلنا: إذا كنا لا نعلمها نحن ما هي وما سبب تسويتها المذكورة، فلا يقاس عليها غيرها حتى يعرف ما سبب حكمها، لأن القياس يتوقف على معنى العلة، إذ تعميم الحكم بدون عموم اللفظ إنما هو في الحقيقة ضرب من القياس.

وكذلك التأسي يحتاج فيه إلى معرفة وجه الفعل حتى تتم الموافقة، ألا ترى أن موسى (عليه السلام) لو تأسّى بالخضر فقتل غلاماً آخر قبل أن يعرف وجه قتل الغلام الذي قتله الخضر، أو خرق سفينة أخرى قبل أن يعرف السبب في خرق السفينة التي خرقها الخضر لكان مخطئاً إذا لم يوافقه في المعنى وإن وافقه في الصورة؟ وهذا لأن حديث أبي الهياج في قبور مخصوصة وهي التي بعث إليها علي (عليه السلام) والتي بعث إليها أبو الهياج، وذلك لا يعم كل قبر سيكون في الزمان المستقبل، ولكنه يقاس على تلك القبور ما شاركها في علة الحكم، فان كانت العلة أن أهلها مشركون أو جاهليون سويت قبور المشركين أو الجاهليين تسوية تلك القبور. وإن كانت العلة غير ذلك قيس عليها ما شاركها في العلة متى عرفت العلة، فان جهلت العلة ترك القياس. فإن زعم الغلاة من مدّعي التوحيد أنهم قد عرفوا العلة فليأتوا بحجة على ما زعموه، فإن لم يكن عندهم حجة فلماذا يحتجّون به لهدم قبور الأولياء والصالحين؟ يحتجون بهذا الحديث الذي لا يدل على مذهبهم ويدّعون على من يرى بقاءها أنه خالف المشروع وأنه لا يحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا علياً(عليه السلام)وأنه مناقض لمقاصد الشرع. مع أن المسألة مما تختلف فيها الأنظار. وليس لهم أن يدعوا الناس إلى تقليدهم لأنه لا يجوز تقليدهم لأنهم غلاة متهمون في هذا الباب وغيره. فكيف وهم يزعمون أنه لا يجوز التقليد؟ وكيف يلزمون برأيهم من لا يرى رأيهم؟ وذلك دعوة إلى التقليد لو كانوا يعلمون.

هذا والتسوية تحتمل معنيين:

المعنى الأول: جعل القبر سوياً ومعنى هذا جعله على الصفة المشروعة وعلى وجه الصواب. والدليل على استعمال سوّى بمعنى جعله سوياً قول الله تعالى: ((إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِين ٍ(71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)) أي إذا جعلته سويّاً بتمام تصويره وإكمال أعضائه وصلاحه لنفخ الروح فيه. وقول الله تعالى: ((ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ)) قول الله تعالى: ((الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)) فتسوية الشيء بهذا المعنى جعله على ما ينبغي أن يكون عليه من الصفة بحيث يصح أن يقال له سويّ.

المعنى الثاني: جعل القبر سواء ليس بعضه أرفع من بعض فلا يترك مسنماً ولا جانب منه أرفع من جانب ولا فيه شرف.

فأما تفسير بعض الغلاة من مدّعي التوحيد للتسوية بالتسوية بالأرض، فإن كان من حيث ثبت عندهم أن المشروع في القبر أن يسوى بالأرض بدليل آخر، فلا يترك من ترابه ولا غيره شيء مرتفعاً على ما حوله من الأرض فلم يخالفوا معناه لغة. وإن كانوا ظنوا أن معنى تسوية القبر، تسويته بالأرض لا جعله سواء ولا سويّاً فهو غلط في التفسير لهذا الحديث، لأن استعمال التسوية بمعنى جعل المسوّى مساوياً لغيره إنما تكون مقيدة، فيقال سوّى هذا بهذا، فمعنى التسوية مع الإطلاق غير معناها مع التقييد.

الرد على كلام ابن القيّم
قال مقبل (ص293): ورحم الله ابن القيّم إذ يقول في إغاثة اللهفان (ج1 ص214): ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القبور وما أمر به ونهى عنه وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم، رأى أحدهما مضاداً للآخر مناقضاً له بحيث لا يجتمعان أبداً. فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها، ونهى عن اتخاذها مساجد وهؤلاء يبنون عليها المساجد ويسمونها مشاهد مضاهاة لبيوت الله تعالى، ونهى أن تتخذ عيداً وهؤلاء يتخذونها أعياداً ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر، وأمر بتسويتها كما في صحيح مسلم، ثم ذكر الحديث المتقدم.

وفي صحيحه أيضاً عن ثمامة بن شفي قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم، فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوّي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بتسويتها. وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين ويرفعونها عن الأرض كالبيت ويعقدون عليها القباب. ونهى عن تجصيص القبور والبناء عليها كما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبور وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» ونهى عن الكتابة عليها كما روى أبو داود والترمذي في سننهما عن جابر (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وهؤلاء يتخذون عليها الالواح ويكتبون عليها القرآن وغيره، ونهى أن يزاد عليها غير ترابها كما روى أبو داود من حديث جابر أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يجصص القبر أو يكتب عليه أو يزاد عليه، وهؤلاء يزيدون عليه سوى التراب الآجر والأحجار والجص... الخ.

والجواب: أنه يعني بهذا الكلام الشيعة، ومتى كانت هذه الروايات أو بعضها مما تفرد به خصوم الشيعة، فخصوم الشيعة متهمون بقصد التشنيع على الشيعة ورميهم بمخالفة السنة، فلا يصح

الاحتجاج بذلك عليهم. قال ابن حزم في الفصل (ج4 ص94) في كلامه في الشيعة: لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا، فهم لا يصدقونا ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقهم... الخ.

ولا يخفى أن الحديث الأول، أعني قوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة إلى القبور، لا يفيد مطلوبهم من منع الصلاة حولها إذا لم تكن الصلاة إلى شيء منها، وإنما هذا من الغلو في الدين، لأنه زيادة على ما دل عليه الحديث. وكذلك الحديث الثاني النهي عن اتخاذ القبور مساجد، لأن معنى اتخاذ القبور مساجد أن تتخذ القبور نفسها مساجد، بحيث يكون القبر نفسه مصلّى يصلى عليه. هذا معنى الحديث الظاهر. أما ما زادوه فهو دعوى لا يلتفت اليها وذلك لعدم دلالة لفظ «مسجد» عليه في اللغة، لأن مسجداً اسم لمكان السجود الذي يسجد فيه، كمنزل للمكان الذي ينزل فيه ومجلس للمكان الذي يجلس فيه. فمعنى اتخاذ القبر مسجداً اتخاذه مكاناً للسجود يسجد فيه، وهذا واضح وإنما حملهم التعصب على زيادة الصلاة حوله أو إليه، ولا حجة لهم في ذلك.

وقوله: «وهؤلاء يبنون عليها المساجد ويسمونها مشاهد» يعني أنهم لا يسمونها مساجد ولكنها بزعمه مساجد وإن سموها مشاهد.

الجواب: أن معنى المسجد معروف، سمي مسجداً لأنه بني للصلاة فيه وهو مشتق من السجود كاشتقاق مصلى من الصلاة، فالقباب المبنية على القبور لا للصلاة بأن تجعل أرضها للصلاة، بل لمجرد تعظيم صاحب القبر والتعريف بمكانه وتيسير الزيارة للزائر بالظلال ونحو ذلك، فلم تُبن لجعل أرضها مصلى فليست مسجداً، فدعوى أنها بنيت للصلاة، كما يكون الغرض بالمسجد، دعوى عارية عن الدليل وهي دعوى تعصب وتعنت بسبب عداوة المذهب. نعم مقتضى الإنصاف أن نقول: المحراب الذي يجعل فيها يجعل للصلاة فموضع المصلي فيه وإليه في معنى المسجد وحده دون سائر القبة وأرضها، وهذا المحراب ليس فوق القبر، فليس استعماله من اتخاذ القبور مساجد، بل هو كبناء مسجد حول القبر.

فأما القبة كلها فلا مشابهة بينها وبين المسجد في المعنى الذي لأجله سمي المسجد مسجداً، فتسميتها مسجداً مغالطة وتلبيس ومشابهة لأهل الكتاب في لبس الحق بالباطل. ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) وهذه الخصلة في الغلاة تحت ستار التوحيد مما أشبهوا فيها أهل الكتاب وحذوا فيها حذوهم.

وقوله: «مضاهاة لبيوت الله» قد بينا أنها غير مشابهة لبيوت الله في المعنى، لأنها ما بنيت للصلاة ولا يصلى في جميع نواحيها كما في المساجد فلم تتخذ مساجد لا لفظاً ولا معنى. وأما المضاهاة في شكل البناء والزخرفة فلا تسمى مساجد من أجلها ولا يثبت لها معنى المساجد، لأن العلة في منع اتخاذ القبور مساجد هي الصلاة على القبور، وهي غير حاصلة في القباب ولا بنيت لها.

وأما الحديث الرابع: وهو قوله: «ونهى أن تتخذ عيداً».

فالجواب: أن الظاهر من العيد هو يوم يكون فيه إظهار السرور، واشتق له اسم العيد لأنه يعود السرور فيه. وفي الإسلام عيد الأضحى وعيد الفطر. هذا هو المعنى المشهور للعيد، ويوم الجمعة عيد للمسلمين لهذا المعنى فيه. فأما مطلق الاجتماع فلا يسمى عيداً حقيقة، ولذلك لا تسمى الأسواق أعياداً، وإن كان الناس يجتمعون لها ويعاودون الاجتماع فيها في كل أسبوع أو كل يوم، وكذلك المعارك التي يجتمع الناس فيها للقتال ولو عاودوا القتال فلا تسمى أعياداً حقيقة.

وعلى هذا، فاتخاذ القبر عيداً معناه أن يجعل مرجعاً للاجتماع وملتقى لجمع الناس، يجتمعون إليه للاحتفال والسرور وإظهار الزينة، وهذا لا يناسب اللائق بمن حضر القبور، لأن اللائق به هو الحزن لتذكر الموت والآخرة وغير ذلك من أسباب الحزن. وعلى هذا فالنهي عن اتخاذ القبر عيداً مثل كراهية الضحك بين المقابر لان ذلك من شأن أهل القسوة والغلظة.

وأما الحديث الخامس: وهو الأمر بتسويتها، فحديث أبي الهياج عن علي(عليه السلام) قد اجبنا فيه بما يكفي وبيّنا أن قوله: «أن لا تدع قبراً مشرفا إلاّ سويته» يحتمل «سوّيته» جعلته سويّاً على الحد اللائق به، ويحتمل «سويته» جعلته مستوياً، وهذا المعنى الثاني أظهر لأنه إن صح الحديث فالظاهر في القبور التي أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّا ً(عليه السلام) لتسوية المشرف منها أنها قبور جاهلية لا حرمة لها، وعلى ذلك يكون الغرض هدمها لا تسويتها، لأنها بعد أن تهدم لا يطلب لها صفة مخصوصة تعتبر تسوية، فالتسوية غير مطلوبة من حيث هي تسوية، والمطلوب فيها هو الهدم، فكان على هذا يكون الأصل في التعبير أن يقال إلاّ هدمته بدل إلاّ سويته لأن الأصل في التعبير أن يذكر المقصود، فإذا كان المقصود الهدم فالأصل أن يذكر هو بلفظه لا بلفظ التسوية لأنه لا غرض في جعله سوياً لأنه لا حرمة له، والتعبير عن الهدم بالتسوية لا يناسب عدم حرمة القبر إنما يناسب القبر المحترم.

فظهر أن الأولى والأرجح تفسير التسوية بجعله سواء لإزالة ما له من ميزة من شرف أو تسنيم فيكون ذلك تعبيراً عن نفي شرف صاحب القبر، ولم يؤمر بهدمه تيسيراً أو تخفيفاً لكثرة القبور ومشقة هدمها وإغناء التسوية في حصول الدلالة على نفي الشرف ومعارضة التعظيم لصاحب القبر.

وقد يقال: إذا كان المقصود بتسوية القبر جعله سواء مستوياً فلم خص المشرف بذلك؟

والجواب: أنه يجوز أن يكون خص تيسيراً أو تخفيفاً، لئلا تكثر عليه القبور فاكتفى بالأهمّ الذي هو المشرف. ويحتمل أن عادتهم في القبر المشرف أن يجعلوا له شرفاً دون غيره، فخص المشرف لأجل الشّرف. والله اعلم.

وأما حديث فضالة، فإن صح فلا يدل على مطلوبهم، لأن تسوية القبور إما بمعنى جعلها مستوية غير مسنمة ولا مشرفة، وإما بمعنى جعلها سوية على الصفة المشروعة، وذلك لا يدل على مطلوبهم، لأنه إن كان بمعنى جعل القبر مستوياً غير مسنم ولا مشرف فذلك لا ينافي رفعه. وإن كان بمعنى جعله سوياً على الصفة المشروعة فذلك يتوقف على معرفة الحد المشروع، وإذا كان المشروع الرفع لقبر الفاضل ليتميز عن غيره وللدلالة على فضله وأانه من تعظيم شعائر الله فرفعه تسوية بهذا المعنى.

فإن قيل: أن فضالة أمر بالتخفيف عن القبر، واحتج بأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بتسويتها وذلك يدل على أنه فهم من التسوية عدم الرفع..

قلنا: لا نسلّم أنه فهم من التسوية ذلك على أنه مفهوم التسوية، بل يحتمل أنه فهم من التسوية أن يجعل القبر سواء، وأنه رآهم يجعلون على القبر التراب أو البطحاء أو الحصباء أو نحو ذلك مما إذا كثر انهال وصار القبر مسنما، فأمرهم بالتخفيف ليبقى القبر سواء غير مسنّم، وهذا هو الظاهر المطابق لمعنى التسوية المعروف في اللغة، أو أنه أراد بالتسوية جعله سويّاً وهذا خلاف الظاهر هنا لأنه يكون احتجاجاً بمجمل، ولو فهم ذلك فلا يدل على مرامهم، لأن جعل فضالة التخفيف تسوية بهذا المعنى يكون أمراً غير ما قد فهم، لأن الذي فهم على هذا التقدير هو جعله سوياً أي مطابقاً للمشروع. وأما جعل التخفيف عنه تسوية فهو زائد على معنى الحديث وهو يحتاج إلى دليل آخر يدل على أن جعل القبر سوياً أي على الصفة المشروعة هو أن يخفف عنه التراب، ولا دليل على ذلك، ولا حجة في قوله. كيف وهو بعيد عن التوفيق لأنه من عمال معاوية؟ بل الراجح رد روايته لاقترانها بقوله في التخفيف واحتمال أن له فيه غرضاً من أغراض النواصب إذا كان قد علم أن قبور أهل البيت (عليهم السلام) ترفع فهو متهم فيه، وخصوصاً مع تفرده بالرواية بهذه الصفة، لأن حديث أبي الهياج خاص فلا يصلح شاهداً لحديث فضالة..

وأما النهي عن تجصيص القبر، فالقبر هو الحفرة وترابها، وهم لا يجصصون داخلها ولا ترابها في الغالب، وإن صدر من بعض العامة تجصيص ظهر القبر فهو بدون أمر العلماء، والغالب إنما هو تجصيص البناء وليس من القبر في الحقيقة، بل تجصيص القبر أن يجصص داخله قبل إرجاع التراب فيه، وقبل إنزال الميت فيه مثلاً، أو يجصص وجه ترابه، فأما البناء الذي يبنى حوله لحفظ ترابه فليس من القبر في الحقيقة فتجصيصه ليس تجصيصاً للقبر.
رب إنى مغلوب فانتصر

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

حياكم الله أخي / عصي الدمع

الكتاب كاملاً موجود على الرابط التالي :-
http://www.ahl-ul-bait.org/final_lib/ar ... QABR00.HTM



كما يمكنك أن تجد روابط لكتب أخرى للعلامه / بدر الدين الحوثي .... وكتب أخرى كثيرة على الرابط التالي :-
http://al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=24
صورة
صورة

لــؤي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 3099
اشترك في: الخميس نوفمبر 17, 2005 4:22 pm
مكان: قلب المجالس

مشاركة بواسطة لــؤي »

جميل أخي حسن
أحسن الله إليكم
رب إنى مغلوب فانتصر

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس تبادل الخبرات“