عبدالله حميد الدين:الوجود البيولوجي ..هل يحدد هوية المرأة؟

يختص بقضايا الأسرة والمرأة والطفل
أضف رد جديد
مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

عبدالله حميد الدين:الوجود البيولوجي ..هل يحدد هوية المرأة؟

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

الوجود البيولوجي ..هل يحدد هوية المرأة؟
عبدالله حميد الدين

طرح الأسئلة هو بصعوبة وضع الإجابات، بل أصعب في بعض الحالات.
موضوع المرأة يحتل مكانة كبيرة في هذه الفترة لدوافع سياسية واجتماعية واقتصادية وحقوقية ومعرفية. ولا شك في ان اختلاف الدوافع سيعني اختلاف نوع الطرح عمقاً وأصالة، لأن كل طرح سيكتفي بتحقيق الدافع له. ويُلاحظ ان التوجه العام للحوارات والبحوث التي تتناول المرأة خصوصاً في منطقة الخليج هو نحو وضع حلول. أي انها افترضت ايضاً تجليات تلك المشكلة ضمن دائرتين هما: حرمانها من المشاركة في الحياة العامة، والتضييق عليها في حياتها الخاصة. مقدمة مع ذلك حلولاً تنوعت بتنوع الخلفيات والاجتهادات والمصالح، او منكرة وجود مشكلة ما من اصلها.
ما يجب ان يضاف الى تلك الحوارات والبحوث، او يتقدمها، هو معالجة الاسس الفلسفية والمعرفية لموضوع المرأة. وذلك بأن تدرس ماهية مشكلة المرأة، وتحدد آليات المعالجة بالاستناد الى اسس معرفية واضحة ومتينة، بحيث يمكن على ضوء ذلك وضع الاسئلة وبيان مشروعيتها.
والواقع هو غياب نحو هذه الاسئلة، او على الاقل قلة حضورها.
ان القضايا المشكلة تُعالج بأسلوبين: أولهما وفق الكيفية التي تُظهر المشكلة نفسها لنا. وثانيهما وفق الكيفية التي نحن نرى المشكلة. المعالجة بالأسلوب الاول غالباً ما تكون انفعالية، وغير مطردة المنهج والاسلوب ومتغيرة بتغير الظروف. المعالجة الثانية تكون فاعلة، ذات استقرار وثبات نسبيين.
المعالجة الثانية لا تتأتى ما لم يكن هناك تفلسف وتجريد. التفلسف يضع الاسئلة التي علينا ان نجيب عليها، ويحدد المنهج المعرفي الملائم لتناولها. والتجريد يضع تلك الاسئلة في شكل بنيان ذهني مجرد يمكن تصوره بحيث يتأتى علاجه.
والمعالجة المنظمة لمشكلة المرأة في تجارب الحضارة الغربية تعود الى منتصف القرن التاسع عشر. أي لدينا تجربة يزيد عمرها على قرن ونصف القرن. في تلك التجربة نجد انه بالقدر الذي كان هناك نشاط عملي لتحرير المرأة، فقد كان في المقابل نشاط آخر نظري يعمل على تحديد طبيعة مشكلة المرأة. ونجد في تلك التجربة ان تطور البحث النظري كان له مساهمة اساسية في صوغ الحلول التي قدمتها الانشطة العملية. ولا يعني هذا الموافقة على النتائج التي توصلوا اليها، او حتى الاختلاف معها، وإنما الاشارة الى ان مساري التنظير والعمل يجب ان يسيرا معاً.
غياب مثل هذه الاسئلة يكاد يكون عاماً من خطابات النخب والمفكرين وقادة الرأي والمهتمين بقضايا المرأة، بل حتى في بعض المؤتمرات والندوات التي قامت لتؤصل واقع المرأة، وتعزيز دورها في المجتمع والتغلب على المشكلات التي تواجه مسيرتها سواء في المجتمعات الاسلامية او العربية. اننا نسمع ونقرأ عن طروحات لقضايا تتناول الحقوق والواجبات الشرعية للمرأة، وأخرى تتناول المرأة والعمل، وأخرى المرأة والتعليم، وأخرى المرأة والمجتمع، ولكن لا نجد ما يتناول مفهوم «المرأة» نفسه، او تحديد «هوية المرأة» التي نريد معالجة مشاكلها، او تحديد لمفهوم «المشكلة» من حيث تحديد متى تكون قضية ما مشكلة، وعلاقة ذلك بالسياق الظرفي اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً. وهذه قضايا من الأهمية بمكان وتفتح للبحوث في قضية المرأة آفاقاً غير منظورة.
مناسبات متعددة وفريدة لوضع معالم في طريق معالجة قضايا المرأة، ومع ذلك يفوت كثير منها طرح الاسئلة الجوهرية تلك. ولا اجد تسويغاً لذلك الغياب إلا ضيق الآفاق للمادة النظرية المقبول طرحها، او النفور التقليدي لكثير من الباحثين عن التأسيس النظري.
إن كلمة «امرأة» في الخطاب العام البسيط لا تعني اكثر من الانثى. أي ذات مضمون بيولوجي محض. وهو مضمون يعالجه علماء الاحياء معالجة مناسبة. اما في السياق الاجتماعي فإننا نتناولها من ابعاد مختلفة تماماً. انها ابعاد قد تبدأ من المضمون البيولوجي مجموعة من المعاني. فهي الأم، والبنت، والزوجة، ورقيقة البنية، والعاطفية، وأيضاً «الآخر» بالنسبة الى الرجل، كما انها «آخر» بالنسبة الى نفسها ولغيرها من الهويات الاجتماعية. تلك الابعاد الاجتماعية تفرض طرح اسئلة جديدة لدى فئة من المفكرين حيث يرون انه لا بد من تناول تلك المعاني واحدة واحدة، وتحديد اياً منها يقدم مشكلة خاصة بالمرأة البيولوجية، وأياً منها مشترك بين المرأة البيولوجية وبين الرجل البيولوجي، وأياً منها يعتبر مشكلة للمرأة، وأياً منها يعتبر مشكلة لكل رقيق بدن، ولكل عاطفي، ولكل طفل... الخ. في حين ان هناك فئات اخرى لا ترى في وجود تلك الابعاد ما يوجب اعادة النظر الى الاسئلة المطروحة حول موضوع المرأة.
اياً كان الموقف الصائب، فإن الاختيار لا بد من ان يستند الى البحث الواعي، الا انني أرى ان تحديد هوية المرأة ذات قيمة مركزية. فالهوية هي الاساس في تحديد مصالح الذات، وأيضاً في تحديد الدور المتوقع من تلك الذات. ولا يصح لنا ان ننطلق من التحديد الانثوي للمرأة عندما نريد ان نتناولها من بعدها الاجتماعي. لا يمكن تحديد هوية المرأة من خلال وجودها البيولوجي الا اذا كنا نريد ان نجري بحثاً بيولوجياً. وأما اذا اردنا ان نصنع معرفة اجتماعية فلا بد من تحديد هويتها من خلال وجودها الاجتماعي، وهو وجود يختلف قطعاً عن البيولوجي.
ان ما سبق يحوّل السؤال «من هي المرأة؟» من سؤال بديهي في ظاهره الى اشكالية بذاتها. اشكالية مستقلة عن كل حديث عن مشاكل المرأة، ولكن في الوقت نفسه تؤسس لكل الابحاث الاجتماعية عن المرأة.
أيضاً فإن لتحديد هوية المرأة دوراً اساسياً في تحديد الآخر بالنسبة اليها. والآخر من المفاهيم الاساسية التي توضّح لنا المتوقع من التفاعلات الاجتماعية. وهناك جدل كبير حول ما يمكن ان تتمخض عنه العلاقات بين الذات وبين الآخر من: علاقات صراع بينهما، الى علاقات الغاء، الى علاقات تكامل. كما يمكن ان تكون العلاقة من علاقات التكوين التبادلي حيث يسهم الآخر في صناعة الذات، وتسهم الذات في صناعة الآخر في علاقة دائرية تارة تنطلق من نقطة لتعود الى ذاتها فتعزز ما هو موجود من هويات وعلاقات، او في علاقة حلزونية حيث لا يتم البدء والانتهاء من نقطة واحدة، وبالتالي تكون الهويات والعلاقات في تغير مستمر. مهما كان الامر، فإنه لا بد من تحديد للآخر بالنسبة الى المرأة. لا بد من معرفة ذلك الآخر الذي علينا ان نحدد العلاقة بينها وبينه. هذا الآخر وفق رؤية تلقائية هو الرجل، ولكن هذه الرؤية التلقائية قاصرة، وتقدم مشكلة بذاتها. لماذا نعتبر ان المرأة آخَرها الرجل؟ ولماذا نعتبر ان آخَر الرجل هو المرأة؟ هل هو التعريف البيولوجي لكل من الرجل والمرأة؟ ام هل هو الاعتقاد بضرورة الاشتراك بين الذات والآخر في المحدد الاساسي للهوية؟ وبالتالي فإننا لما اعتبرنا ان محدد هوية المرأة هو بيولوجي، افترضنا انه لا بد من ان يكون آخَرها محدداً بيولوجياً ايضاً. في كل الاحوال يبقى السؤال قائماً: من هو آخَر المرأة؟ الرجل؟ ام الاقوى؟ ام الثقافة؟ ام التاريخ؟ المجتمع؟ بل هل تكون المرأة آخر المرأة في علاقة جدلية بين الذات ونفسها؟ ام كلهما معاً ولكن في سياقات مختلفة؟
أسئلة لا أدعي اجاباتها ولكن ارى ان طرحها لازم. اننا نتكلم عن واجبات المرأة، وعن حقوقها، وعن المساواة من اجلها، وعن حرية المرأة، وعن اطلاق القيود عليها، وهذه كلها لا معنى لها الا بمعرفة الآخر الذي عليه مراعاة حقوقها، والآخر الذي نحوه واجباتها، والآخر الذي تتساوى معه، والآخر الذي يسلبها حريتها، والآخر الذي يقيدها. غياب تلك الاسئلة من ذهنية أي باحث في قضية المرأة يعني غياب معيارية مطردة في تحديد ما يصح وما لا يصح بالنسبة الى المرأة.
ويلاحظ ان غالبية تلك الاطروحات انطلقت من اعتبار ان الحرمان والتقييد والسيطرة وتضييق الآفاق تمثل الاشكاليات الاساسية التي تعاني منها المرأة. والخلاف كان في تحديد ما ينتمي الى تلك الامور مما لا ينتمي. ومع انه لا يختلف احد على ما تفرضه تلك الامور من معاناة على المرأة، الا ان النظر اليها من حيث «انها مشكلة ولا بد من حلها» أمر آخر تماماً. اننا لا نحل المشاكل منطلقين مما تقدمه من معاناة، وإنما منطلقين من فهم لما وراء تلك المعاناة من بنى وهياكل اجتماعية. إن مشكلة المرأة تتجاوز كل تلك الامور لتصل الى طبيعة البنية الاجتماعية، والمضمون الثقافي للمجتمع. وهذا امر يتم التنبيه اليه ولكن لا يتم التوقف عنده وجعله محوراً بذاته. ذلك ان التعامل مع البنى التحتية او مع المظاهر يمثل منهجين مختلفين في كثير من القضايا الاجتماعية، وطرح هذه القضية كمحور بحث مستقل ضروري اذا ما اردنا ان نقدم للمناهج المختلفة المتصورة في معالجة امور المرأة. ويأسف المرء من ان كثيراً من الابحاث كررت عبارات وشعارات صارت مستهلكة وتحولت الى قضايا ثقافة عامة، في حين ابتعدت عن قضايا مركزية وجوهرية.
من الامور المهمة ايضاً التي تظهرت في الخطاب العام هي كونها انطلقت في تحديدها لما تعانيه المرأة من خلال وعيها بما يمتاز به الرجل. وهذا الامر بذاته يقدم مشكلة لبعض الدارسين. ذلك انهم يرون ان أي مطالبة لحقوق المرأة بالاستناد الى ما هو مسموح للرجل يعتبر بذاته انتهاكاً لحقوقها، وإن جعل الرجل منطلق مقارنة هو بذاته تقييد لها. ان المرأة كائن مستقل، تستحق حقوقها من ذاتها، لا من خلال ما يُمنح لغيرها. هذه الرؤية قد نتفق عليها، كما قد نختلف حولها، ولكن طرحها على بساط البحث مهم لأنها تقوم بتغيير جذري لما نراه ظلم وحرمان وتقييد وتضييق بالنسبة الى المرأة. فوفق تلك الرؤية فإنه سينظر الى ما تستحقه المرأة انطلاقاً من هويتها هي، ومن ذاتيتها هي، ومن الامكانات الكامنة فيها هي. وهذا يعني فتح آفاق للمطالبات قد تتجاوز ما هو ممنوح للرجل نوعاً وكيفاً وكماً. انها ستفتح آفاقاً تركز لا على ما حرمت به المرأة مما مُنِح للرجل، وإنما على ما حُرمت به مما كان يمكنها ان تتمتع به.
من القضايا الاخرى البارزة التي لا تجد الاهتمام اللائق بها هو احد ابرز العناصر السلبية في الرؤية الاجتماعية القائمة نحو المرأة. فما يؤسف له ان كونها رمزاً او اداة إغراء تبقى السمة الألصق بها. ومع وجود بعض التعليقات المتفرقة حول هذا الموضوع هنا وهناك، ومع انطلاق بعض كتابات وأطروحات من ذهنية ناقدة لمثل هذه الرؤية السلبية للمرأة، الا انه لم يتم التعامل معها كمشكلة اساسية لا بد من تجاوزها او على الاقل ابرازها صراحة الى ساحة البحث والحوار العام. وهذه قضية ذات اهمية بالغة، ولا تتسم بما تتسم به القضايا السابقة من صبغة فلسفية او تجريدية. ايضاً مما لا يتم ابرازه بالقدر الكافي هو اننا نتعامل مع مشاكل المرأة ضمن ذهنية مضمرة ترى انه يوجد تميز واضح بين مجموعتين في المجتمع: مجموعة النساء، ومجموعة الرجال. هذه الذهنية كأنها تفترض ان كل النساء يعاملن بالطريقة نفسها، وفي المقابل كل الرجال لهم تلك الامتيازات نفسها. او كأنها تفترض ان الكون امرأة او الكون رجل يفترض ممارسات محددة، والواقع خلاف هذا. ولعل التأمل في هذا النوع من الطرح سيوصلنا الى انه يخلق قضية اخرى. وذلك انها تعزز الهوية الانثوية للمرأة لأنها المشترك الوحيد بين جميع النساء من مختلف الخلفيات والمجتمعات. وسيتم تعزيز تلك الهوية باعتبارها الهوية الاساسية التي تمتلكها المرأة، بحيث تكون هي الهوية المهيمنة هي بقية الهويات التي تكتسبها المرأة في حياتها. واذا صارت الانوثة هي الهوية الاساسية فإنه يؤدي الى رفع قيمة كل ما يتعلق بها على حساب امور اخرى. وفي تصوري هذا ما يعزز التفكير عن المرأة باعتبارها رمز إغراء.
قضية اخرى لا ارى انها تجد الاهتمام التي تستحقه هو التمييز بين القضايا التي تعاني منها المرأة بحسب اكثر من تصنيف. هذه التصنيفات تساعدنا على تحديد القضايا التي فعلاً تختص بالمرأة من حيث هي أنثى، وتلك التي تختص بالمرأة من حيث انتمائها الى فئات اجتماعية اخرى.
وهو تحديد ذات اهمية لكل من يريد ان يخطط لعلاج مشاكل المرأة بدقة وفاعلية. من هذا الامر التمييز بين المشاكل ذات اصول ثقافية والتي تتعلق بالانطباعات المشتركة عن المرأة ودورها وما لها وما عليها، وتلك ذات الاصول التشريعية والتي تتعلق بالتكيفات الشرعية او القانونية للقضايا التي تخص المرأة، وتلك التي تتعلق بخصائص النساء الفردية او بشخصياتهن وخصوصاً من حيث تعاملها مع سوء المعاملة. ايضاً هناك التمييز للمشاكل وفق السلوك البارز فيها، او وفق الدوافع خلف السلوك، او الاطار التي وقعت فيه، او المثير لها، او التسويغات المقدمة، او الوضع الاجتماعي، او العوامل المديمة للمشكلة.
قبل الختام، تجدر الاشارة الى ان السائد الاعتقاد ان مشاركة المرأة في أي حدث عام يعد بذاته هدف ونتيجة، وكلما كانت نسبة المشاركة مرتفعة كلما اعتبر الامر نجاحاً وانجازاً. ولكن بالنظر في ما سبق من اسئلة يظهر ان المشاركة مهما علت نسبتها لا تعني بذاتها أي شيء. ان قيمة تلك المشاركة، وبل قيمة كل خطوة من الخطوات التي تتخذ لا يمكن تحديدها قبل البحث الجاد في مثل ما سبق من قضايا.
أخيراً، اننا نعمل كثيراً على تغيير واقع المرأة ونفكر في اساليب ذلك، ولكننا قليلاً ما نفكر في ما يجب ان نعمله عندما نريد ان نغير من واقع المرأة، ولذلك نجد انفسنا نعالج مظاهر من دون معالجة ما وراءها من بُنى. وأنا اتصور ان في البنى تكمن المشكلة حيث توجد بنية اجتماعية، وثقافة فردية واجتماعية، تدفع نحو الاساءة للأضعف واستغلالهم.
ولا يعني هذا توقف العمل على تغيير المظاهر التي تخلق حالة معاناة للمرأة، بل لأي كائن. وكثير مما هو مشاكل امرأة انما هي مشاكل انسان

http://www.balagh.com/woman/shaksi/u50rqd57.htm
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأسرة والمرأة“