نماذج من المجاهدات في نساء السلف

يختص بقضايا الأسرة والمرأة والطفل
أضف رد جديد
الامير الصنعاني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 792
اشترك في: الاثنين مارس 27, 2006 11:55 pm

نماذج من المجاهدات في نساء السلف

مشاركة بواسطة الامير الصنعاني »

نماذج للمرأة المجاهدة من نساء السلف
[الكاتب: يوسف العييري]
<<||>>
وما سنذكره من صور نود منك أختي الكريمة أن تقتدي بهن ليحصل لك من الخير ما حصل لهن وللدين في وقتهن، فهن حقاً من يستحق أن يقتدى بهن، وليست القدوة لك أختي المسلمة تلك البغي الراقصة أو المتاجرة بجسدها في كل ميدان، أو تلك المغنية أو العارضة كلا، فإن أردت أن تعرفي من أنت فانظري بمن تقتدين، وإذا أردت أن تعرفي حال الأمة فانظر بمن تقتدي نسائها، فإن كن يقتدين بالعظيمات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات السائحات فقد انتصرت الأمة، وإن كن يقتدين بالعاهرات الكافرات الكاذبات الضالات المضلات المائلات المميلات، فهذا خسران الأمة حقاً وهذا ما رأيناه في هذه الأيام نسأل الله العفو والغفران.

لقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله.

يبين ذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معه نساء فأرسل إلينا فقال: (ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟)، فقلنا: خرجنا نناول السهام ونسقي الناس السويق ومعنا ما نداوي به الجرحى ونغزل الشَّعر ونعين به في سبيل الله، قال: (قمن فانصرفن)، فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجل، قلت: يا جدة ما أخرج لكن؟ قالت: تمراً.

ومن حبها أيضاً للجهاد والفداء لهذا الدين فقد قادها ذلك الحب الصادق إلى طلب خوض الجهاد طلباً صريحاً من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت - كما في البخاري وسنن النسائي واللفظ له - عن عائشة أنها قالت: قلت: يا رسول الله ألا نخرج فنجاهد معك فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد؟ قال: (لا ولكن أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور)، وفي رواية أحمد والبخاري قال: (لا جهادكن الحج المبرور وهو لكن جهاد).

وبمقارنة بين حال المرأة بالأمس التي كانت تطلب أن يشرّع لها الجهاد بسبب حبها لهذا الدين، نجد أن المرأة اليوم ودت أن قول الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ)، لم ينزل خاصة إذا علمت أن ابنها أو والدها أو زوجها سيستجيب لله ويخرج في سبيله مدافعاً عن هذا الدين، فهذا البون الشاسع بين نساء الأمس ونساء اليوم انعكس انعكاساً مباشراً على حال الأمة فنساء الأمس أخرجن رجالاً ملكوا رقاب ملل الكفر كلها، ونساء اليوم أخرجن ذكوراً ملك عبّاد البقر والحجر والشجر والصليب والهيكل رقابهم حتى دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأول تلك النماذج - أختي الكريمة - التي نسوقها لك لتزني نفسك وأعمالك بها قبل أن توزني، امرأة عظيمة حقاً إنها تزن ألف رجل وأكثر، ولو كانت نساء المسلمين عشرها أو أقل لما ضاع لنا حق ولا انتهكت لنا حرمة:

إنها المجاهدة الشجاعة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية.

جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء [2/278] قال: (شهدت أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحدا والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وقطعت يدها في الجهاد، وقال الواقدي شهدت أحداً مع زوجها غزية بن عمرو ومع ولديها، خرجت تسقي ومعها شن وقاتلت وأبلت بلاء حسنا وجرحت اثني عشر جرحا، وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدا، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان - وكانت تراها يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، وكانت تقول: إني لأنظر إلى ابن قمئة وهو يضربها على عاتقها، وكان أعظم جراحها فداوته سنة، ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم رضي الله عنه ورحمها، قالت أم عمارة: رأيتني انكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون به منهزمين، ورأني ولا ترس معي، فرأى رجلاً موليا ومعه ترس فقال: (ألق ترسك إلى من يقاتل)، فألقاه فأخذته فجعلت أترس به عن رسول الله، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، ولو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فيقبل رجل على فرس فيضربني وترست له فلم يصنع شيئا، وولى فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا ابن أم عمارة أمك أمك! قالت فعاونني عليه حتى أوردته شعوب - اسم من أسماء الموت -

قال: عن عبد الله بن زيد - ابن أم عمارة - قال: جرحت يومئذ جرحا وجعل الدم لا يرقأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعصب جرحك، فتقبل أمي إلي ومعها عصائب في حقوها فربطت جرحي والنبي صلى الله عليه وسلم واقف، فقال: انهض بني فضارب القوم، وجعل يقول: من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟! فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله: هذا ضارب ابنك، قالت: فأعترض له فأضرب ساقه فبرك، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى رأيت نواجذه وقال: استقدت يا أم عمارة؟ ثم أقبلنا نعله بالسلاح حتى أتينا على نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي ظفرك.

وقال عن عبد الله بن زيد بن عاصم أيضاً، يقول: شهدت أحدا فلما تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دنوت منه أنا وأمي نذب عنه، فقال: ابن أم عمارة؟ قلت: نعم! قال: ارم، فرميت بين يديه رجلا بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس فاضطرب الفرس فوقع هو وصاحبة وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم، ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال: أمك أمك اعصب جرحها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، قلت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا.

وعن محمد بن يحيى بن حبان قال: جرحت أم عمارة بأحد اثني عشر جرحا وقطعت يدها يوم اليمامة، وجرحت يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا، فقدمت المدينة وبها الجراحة فلقد رئي أبو بكر رضي الله عنه وهو خليفة يأتيها يسأل عنها، وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطّعه مسيلمة، وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتل يوم الحرة، وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب بسيفه).

وجاء في صفة الصفوة [2/63] من أحوالها: (أنه روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني) أه.

وجاء في الإصابة [4/418] من أخبارها قال: (ذكر الواقدي أن نسيبة بنت كعب لما بلغها قتل ابنها حبيب بن زيد على يد مسيلمة عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة أو تقتله، فشهدت اليمامة مع خالد بن الوليد رضي الله عنه ومعها ابنها عبد الله رضي الله عنه، فقتل مسيلمة وقطعت يدها في الحرب.

وذكر ابن هشام في زيادته من طريق أم سعد بن سعد بن الربيع قالت: دخلت على أم عمارة، فقالت: يا خالة أخبريني؟ فقالت: خرجت - يعني يوم أحد - ومعي سقاء فيه ماء، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلمّا انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أباشر القتال وأذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، وأرمي بالقوس حتى خلصت الجراح إلي.

قالت أم سعيد بنت سعد بن الربيع: فرأيت عاتقها أجوف له غور، فقلت: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة). أهـ

هذه هي المجاهدة الشجاعة أم عمارة، وحقاً من يطيق ما تطيق أم عمارة؟! إن الرجال لا يطيقون ثباتها وصبرها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بالنساء؟! ولكن متى كانت هذه قدوتك أختي الكريمة في شجاعتها وفدائها وإقدامها وثباتها وصبرها على هذا الطريق أفلحت بإذن الله.

وإليك أختي نموذجاً واضحاً يدل على فداء المرأة وقوة قلبها في سبيل نصر دين الله، فقد خاطرت بنفسها ودخلت ميدان المعركة واستعدت لمواجهة الرجال كل ذلك بسبب حبها للدين ونصر الإسلام، وهذا النموذج هي أم سليم.

فقد جاء عنها في حياة الصحابة [1/597] وصفة الصفوة [2/66]: أنها دخلت أرض المعركة يوم حنين فداءً منها لدين الله وكان معها خنجراً (فجاء أبو طلحة يوم حنين يضحك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم، فقال: يارسول الله ألم تر إلى أم سليم معها خنجر؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصنعين به يا أم سليم؟ قالت: أردت إن دنا أحد منهم مني طعنته، وفي رواية قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك) أه.

وهذا أختي المجاهدة نموذج آخر فيها من قوة القلب ما نحتاجه في نسائنا، ولا نظن أن رجلاً يعلم أن وراءه مثلها فينكص عن الجهاد والإقدام، وهذا النموذج:

هي صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد جاء عنها في الإصابة [7/744] أنها قالت: (إن رسول الله لما خرج إلى الخندق جعل النساء في أطم - أي حصن - يقال له فارع، وجعل معهن حسان بن ثابت، قالت فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن حتى أطل علينا، فقلت لحسان قم فاقتله فقال لو كان ذلك فيّ كنت مع رسول الله - لأنه كان شيخاً فانياً – قالت: فاعتجرت وأخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته وقطعت رأسه، وقلت لحسان: قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن، فقال: والله ما ذاك، قالت: فأخذت رأسه فرميت به عليهم، فقالوا: قد علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفا ليس معهم أحد فتفرقوا، وهي أول امرأة قتلت رجلا من المشركين أخرجه بن سعد عن أبي أسامة) أه.

أما عن تحريضها للرجال على القتال فلم تقتصر في التحريض على لسانها فقط، ولم تحرض القاعدين بل حرضت الغزاة الذين لم يظفروا بعدوهم، وكان ذلك التحريض بجوارحها.

قال في الإصابة وجاء من طريق حماد عن هشام عن أبيه: أن صفية جاءت يوم أحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوههم، فقال النبي: (يا زبير المرأة).

أما صبرها على المصيبة واحتسابها فهي جبل أشم قال في الإصابة: (وفي السيرة من رواية يونس بن بكير قال: قتل حمزة فأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى أخيها فلقيها الزبير، فقال: أي أمة إن رسول الله يأمرك أن ترجعي، قالت: ولم وقد بلغني أنه مثّل بأخي؟ وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك لأصبرن وأحتسبن إن شاء الله، فجاء الزبير فأخبره، فقال: خل سبيلها، فأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به ودفن) أه.

وهذه قدوة أخرى لك أختي في الله، فمتى تصل نسائنا إلى ما وصلن من الفداء والإقدام:

وهذه القدوة هي أسماء بنت يزيد بن السكن بنت عم معاذ بن جبل رضي الله عنه.

جاء عنها في سير أعلام النبلاء [2/297] أنها: (من المبايعات المجاهدات، وقتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم) أ ه.

ومن المجاهدات أيضاً اللاتي ينبغي لك أختي أن تتخذيها قدوة وخاصة في نصرتها لدين الله والدفاع عن المسلمين:

هي البطلة أم موسى اللخمية زوج نصير اللخمي والد موسى ابن نصير الذي فتح الأندلس.

جاء في الإصابة [4/501]: (أنها شهدت مع زوجها اليرموك فقتلت حينئذ علجاً وأخذت سلبه، وكان عبد العزيز بن مروان يستحكيها ذلك فتصفه له، وتقول: بينما نحن في جماعة من النساء إذ جال الرجال جولةً، فأبصرت علجاً يجر رجلاً من المسلمين، فأخذت عمود فسطاط - والفسطاط بيت من الشعر - ثم دنوت منه فشدخت به رأسه، وأقبلت أسلبه، فأعانني الرجال على أخذه) أه.

وأسألك بالله أختي الكريمة كم مرة رأيت صور إخوانك بين قتيل وجريح ومشرد ومسلوب، فهل فكرت يوماً أن تقدّمي لهم ما ترفعي به عنهم الشر الذي أصابهم؟ ألم تر إلى أم موسى كيف فعلت لما رأت منظراً واحداً لم تملك نفسها فيه وتقدمت ودخلت الميدان بعمود وعدوها معه السيف ومدجج بالسلاح؟ وما حملها على ذلك إلا غيرتها على هذا الدين، فأين غيرتك أنت؟ أم أن غيرتك دفعتك لحبس مالك عن المجاهدين وصد ابنك أو زوجك عن الجهاد في سبيل لله؟!

ولك أختي المسلمة في أم حكيم بنت الحارث عبره زوج عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، وكيف تعالت على مصيبتها في زوجها، كل ذلك لأجل الجهاد.

جاء في الإصابة [4/443]: (أنها خرجت مع زوجها عكرمة إلى غزو الروم، فاستشهد فتزوجها خالد بن سعيد بن العاص، فلما كانت وقعة مرج الصفر أراد خالد أن يدخل بها، فقالت: لو تأخرت حتى يهزم الله هذه الجموع، فقال: إن نفسي تحدثني أني أقتل، قالت: فدونك، فأعرس بها عند القنطرة، فعُرفت بها بعد ذلك، فقيل لها "قنطرة أم حكيم".

ثم أصبح فأولم عليها، فما فرغوا من الطعام حتى وافتهم الروم، ووقع القتال فاستشهد خالد، وشدت أم حكيم عليها ثيابها وتبدت، وإن عليها أثر الخلوق، فاقتتلوا على النهر، فقاتلت أم حكيم يومئذ، فقتلت بعمود الفسطاط الذي أعرس بها خالد فيه سبعةً من الروم) أه.

وهذه أختي في الله قدوة لك تحثك سيرتها على حب الجهاد كما كانت الصحابيات يحببنه ويتشوقن إليه ففي هذا النموذج عبرة لك، فما أبعد نسائنا عن حب الجهاد بل ما أقربهن من بغض هذه الشعيرة العظيمة وما ذلك إلا لقلة الإيمان، ولو كان حب الله والرسول فوق كل شيء لكانت نسائنا مثل أم حرام.

جاء في الإصابة [4/441] قال: (قال رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم في بيت أم حرام بنت ملحان - قال من القيلولة أي نام في الظهيرة - فاستيقظ وهو يضحك وقال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة) قالت فقلت: يارسول الله ادع الله أن يجعلني منهم؟ فدعا لهم، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله... كما قال في الأولى، قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم؟ قال: أنت من الأولين، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت رضي الله عنها.

قال ابن الأثير: وكانت تلك الغزوة عزوة قبرص، فدفنت فيها، وكان أمير ذلك الجيش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في خلافة عثمان رضي الله عنه في سنة سبع وعشرين) أه بتصرف.

هذه أختي الكريمة أم حرام، لم ترض بالدنية بل تشوقت لتكون ممن يركب ذروة سنام الإسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها لتكون من الغزاة في سبيل الله، وما كان هذا السؤال منها إلا لأن قلبها قد امتلأ بحب الله ورسوله والجهاد في سبيله فاسترخصت النفس في مقابل ذلك فرحمها الله وأسكنها فسيح جناته.

ولك أختي في صبر النساء وحضهن أبنائهن على القتال قدوة ألا وهي ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.

جاء في سير أعلام النبلاء عنها [2/293-395]: (قال عروة: دخلت أنا وأخي - أي عبد الله بن الزبير - قبل أن يقتل على أمّنا بعشر ليال وهي وجعة، فقال: عبد الله كيف تجدينك؟ قالت: وجعة، قال: إن في الموت لعافية، قالت: لعلك تشتهي موتي فلا تفعل – وضحكت - وقالت: والله ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك - أي في قتاله مع الحجاج - إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني، وإياك أن تعرض على خطة فلا توافق فتقبلها كراهية الموت، قال عروة: وإنما عني أخي- أي في كلامه السابق - أن يقتل فيحزنها ذلك، وكانت بنت مئة سنة.

ولما جاءها ابن عمر رضي الله عنه ليعزيها بمقتل ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وجدها في ناحية المسجد وذلك حين صلب ابن الزبير فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله فاتقي الله واصبري، فقالت: وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل) أه

تعزت رحمها الله بمصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم وهانت عليها مصيبتها، لأن دين الله أحب إليها من ابنها فلما تذكرت ما أصاب نبي الله يحيى وهو أكرم على الله من ابنها هان عليها مصابها.

ولك أختي الكريمة قدوة جعلت سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق كل شيء رغم قتل ابنها، لأنها تعلم يقيناً أن الدين لا يضره موت ابنها، إنما الذي يضر الدين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جاء في التاريخ الإسلامي [2/246]: (لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من عزوة أحد خرج من فيها لا ستقبالهم والسؤال عنهم وكان من بين من خرج أم سعد ابن معاذ سيد الأنصار، وكانت تيركب فرسه وابنها سعد آخذ بلجامها، فقال سعد: أمي يا رسول الله، فقال: مرحباً بها، فلما اقتربت منه عزّاها بابنها عمرو بن معاذ، فقالت: أما إذ رأيتك سالماً فقد هانت مصيبتي، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لها: أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقهم في الجنة جميعاً وقد شفعوا في أهلهم جميعاً) أه.

وهذه أيضاً صحابية أخرى لا تعد المصاب شيئاً إزاء سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا كنساء اليوم الآتي لا يبكين إلا على حبيب، ولا يكترثن بما يصيب الدين وأهله، فالحقي أختي بالصالحات إن كنت تريدين الجنة.

جاء في البداية والنهاية [4/47]: (قال ابن اسحاق عن سعد بن أبي وقاص قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله؟ قالوا: خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟ قال: فأشير لها إليه حتى إذا رأته، قالت: كل مصيبة بعدك جلل، قال ابن هشام: الجلل يكون من القليل والكثير، وهو هاهنا القليل، قال امرؤ القيس:

لقتل بني أسد ربهم ألا كل شيء خلاه جلل


أي صغير وقليل).

وإن أردت أختي في الله قدوة لك في احتساب المصيبة في سبيل الله والصبر عليها، فإليك هذا النموذج.

جاء في سير أعلام النبلاء [4/508] قال: (معاذة بنت عبد الله السيدة العالمة أم الصهباء العدوية البصرية العابدة زوجة السيد القدوة صلة بن أشيم، ولما استشهد زوجها صلة وابنها في بعض الحروب اجتمع النساء عندها فقالت: مرحبا بكن إن كنتن جئتن للهناء، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن، وكانت تقول: والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي بالوسائل لعله يجمع بيني وبين أبي الشعثاء وابنه في الجنة).

وهذه أختي امرأة فريدة من نوعها كرمها الله على النساء ورزقها الأولاد ولم تطب نفسها إلا أن يجاهدوا كلهم في سبيل.

جاء في الإصابة [8/26] قال: (عفراء بنت عبيد بن ثعلبة، قال بن الكلبي: قتل معاذ ومعوذ فجاءت أمهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله هذا سر بني عوف بن الحارث؟ - أي آخرهم – فقال: لا، قلت: وعفراء هذه لها خصيصة لا توجد لغيرها وهي أنها تزوجت بعد الحارث البكير بن يا ليل الليثي فولدت له أربعة إياساً وعاقلاً وخالداً وعامراً وكلهم شهدوا بدراً وكذلك إخوتهم لأمهم بنو الحارث، فانتظم من هذا أنها امرأة صحابية لها سبعة أولاد شهدوا كلهم بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم) أهـ.

وأنت يا أم الرجال كم لك من الأبناء؟ وهل قدمت ما قدمت عفراء؟ وهل لك أحد من الأبناء غزا غزوة واحدة؟ أما تستحين أن تلقي الله عز وجل بذلك العدد من الأبناء كلهم لم يقدم لدين الله شيئاً؟ بل أما تتقين الله أن تكوني أنت عقبة في طريق أبناءك إلى الجهاد؟ أما لك في السالفات عظة وعبرة؟ قدمي ما قدمن لتنالي مثل أجرهن.

وهذه امرأة مشهورة لو أن نساءنا مثلها لما بقي أحد في الخوالف، ولو كانت النساء مثلها لخرج الرجال جماعات للجهاد ألا وهي الخنساء.

جاء في طبقات الشافعية [1/260] والإصابة [7/614] عنها إن صح الخبر قالا: (حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار وفيها أنها قالت: إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وإنكم لبنوا أب واحد وأم واحدة ما هجنت آباءكم ولا فضحت أخوالكم، ثم قالت لهم وقد تعلمون ما أعد الله لكم من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرب لظاها على سياقها، وجللت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالمغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، فخرج بنوها قابلين لنصحها فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا وكان منهم إنشاد قبل أن يستشهدوا رجزاً.

فقال الأول:

يا إخوتي إن العجوز الناصحة قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة

مقالة ذات بيان واضحة فباكروا الحرب الضروس الكالحة

وإنما تلقون عند الصائحة من آل ساسان كلابا نابحه

قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة وأنتم بين حياة صالحة



أو ميتة تورث غنما صالحة

وتقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.

ثم تقدم الثاني وهو يقول:

إن العجوز ذات حزم وجلد والنظر الأوفق والرأي الأسد

قد أمرتنا بالسداد والرشد نصيحة منها وبرا بالولد

فباكروا الحرب حماة في العدد إما لفوز بارد على الكبد

أو ميتة تورثكم غنم الأبد في جنة الفردوس والعيش الرغد


فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى.

ثم تقدم الثالث وهو يقول:

والله لا نعصى العجوز حرفا قد أمرتنا حبا وعطفا

نصحا وبرا صادقا ولطفا فبادروا الحرب الضروس زحفا

حتى تلفوا آل كسرى لفا وتكشفوهم عن حماكم كشفا


فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى.

وحمل الرابع وهو يقول:

لست لخنساء ولا للأخرم ولا لعمرو ذي السناء الأقدم

إن لم أرد في الجيش جيش العجم ماض على المهول خضم خضرم

إما لفوز عاجل ومغنم أو لوفاة في السبيل الأكرم


فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.

فبلغ خبرهم الخنساء أمهم فقالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته فكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يعطي الخنساء بعد ذلك أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد منهم مائتي درهم) أه.

هذه أختي المسلمة شريحة من نساء السلف نقلنا لك جهادهن ومثلهن كثير وما يمعنا من الاستزادة إلا خشية الإطالة، علماً أننا لم نذكر لك إلا جانباً واحداً من سيرتهن، فكيف لو ذكرنا لك طرفاً من عبادتهن وخشيتهن لله وعلمهن وصدقتهن وسائر أعمالهن الصالحة، إذاً لطال بنا المقام، ولكن فيما ذكرنا كفاية إن شاء الله.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأسرة والمرأة“