الزهراء (ع) المعصومة ـ أنموذج المرأة العالمية (محاضرة)

يختص بقضايا الأسرة والمرأة والطفل
أضف رد جديد
المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

الزهراء (ع) المعصومة ـ أنموذج المرأة العالمية (محاضرة)

مشاركة بواسطة المتوكل »

الزهراء (ع) المعصومة ـ أنموذج المرأة العالمية (محاضرة)




الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمَّد وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع أنبياء اللّه المرسلين، السلام عليكم أيُّها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة اللّه وبركاته.

لماذا الزهراء (ع)؟

لماذا هي؟ولماذا يوم ولادتها يوم المرأة في العالـم.

لماذا هي؟ وهي التي لـم تتعدَّ فترة الشباب، بل كانت كلّ حياتها طفولة مليئة بالمعاناة وبكلّ الروحانية التي قد لا نجدها في أيّة طفولة أخرى، وشباباً كان قصيراً، فلم تكن حياتها طويلة، بل عاشت حياة عريضة متسعة. وقيمة حياة الإنسان ليس في الامتداد الذي تتلاحق فيه ساعات الزمن، ولكنَّها في العمق الذي يعطي للزمن القيمة والفكرة والحركة والانفتاح بالمستوى الذي تشعر فيه أنَّ ساعة من الزمن تعادل عدد سنين. كم من ساعة من ساعات الذين اكتشفوا، والذين أنتجوا، والذين تركوا علمهم للحياة، كم من ساعة استطاعت بعطائها العميق أن تساوي ألف سنة.

لذلك، فالمسألة ـ أيُّها الأحبة، ليست في امتداد الحياة على مستوى الطول، بل في امتدادها على مستوى العرض والعمق والارتفاع.

لماذا يوم المرأة العالمي في مولد الزهراء (ع):

لماذا هي؟ ولماذا يوم المرأة في يوم مولدها؟ هو كذلك، لأنَّ المسألة ـ أيُّها الأحبة ـ أنَّ التاريخ كان تاريخ الرّجل ولا يزال، الرّجل الذي اختصر حياة المرأة في دائرة ضيقة، ولـم يطلق لها الأفق الواسع لتعيش فكرها، لتنتج فكراً كما ينتج الرّجل الفكر، ولتعطي لطاقة الحنان والعطف في قلبها شيئاً يرفع مستوى الحنان والعاطفة، فلا يقتصر على حنان أمّ وابن يعيش في أحضانها، ولكنَّه ينفتح ليعطي الحبّ والحنان للإنسان كلّه.

إن هذا التاريخ لـم يفسح للمرأة المجال من أجل أن تنتج للحياة طاقة من طاقتها، فكان دور المرأة دوراً هامشياً، كانت المرأة من شؤون الرّجل ولـم تكن إنساناً معترفاً به لذاته. لذلك جاء الإسلام من أجل أن يخاطب المرأة والرّجل حول كلّ المسؤوليات، وعندما نوّع بينهما، نوّع الأدوار في دائرة ما يملكان من عناصر التنوّع التي تتكامل في الدائرة الإنسانية. لـم يكن التنوّع تفضيلاً فيما يُعطيه الفضل الإنساني في معناه العقلي والروحي والحركي، ولكنَّه كان تمايزاً من خلال هذه الخصائص التي تمثّل التنوّع الإنساني.

في حركة القيمة لا فرق بين الرّجل والمرأة:

وهكذا قدّم الإسلام النموذج بعد أن بيّن الخطوط العامة في القرآن الكريـم، فنحن نلاحظ أنَّ القرآن الكريـم عندما تحدّث عن المسؤوليات العامة، لـم يتحدّث عن رجل، وإنَّما تحدث عن رجل وامرأة، عن المؤمن والمؤمنة {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب:36].

فالمؤمن إلى جانب المؤمنة يتحركان في مسؤوليتهما أمام اللّه لتنفيذ ما أوصى به إلى نبيّه، لتكون حياة الإنسان صورة له، وكلّ ذلك يشمل الرّجل والمرأة، وخطاب اللّه الحاسم هو للمؤمن والمؤمنة معاً.

وهكذا عندما تحدّث عن جهد الخير في الرّجل وجهد الخير في المرأة، فإنَّه خاطبهما معاً {أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى} [آل عمران:195] فالمسألة أنَّ العمل لا يتميز فيه الرّجل عن المرأة، فربَّما يكون عمل المرأة أغنى وأسمى وأعمق وأكثر امتداداً في الحياة، من المستوى الذي عند بعض نماذج الرّجال.

وهكذا عندما نلاحظ التفاصيل الإسلامية حول عناوين الخير وعناوين العمل وعناوين الفضائل بالنسبة إلى الرّجل والمرأة معاً، نجد أنَّ الإسلام لا يفرق بين رجل وامرأة في ذلك كلّه، فنحن نقرأ مثلاً في سورة الأحزاب كيف تحدّث اللّه سبحانه وتعالى عن النتائج الأخروية للصفة الإيجابية لدى الرّجل والمرأة: {إنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين اللّه كثيراً والذاكرات أعدّ اللّه لهم مغفرة وأجراً عظيماً} [الأحزاب:35].

ليس هناك في حركة القيمة؛ قيمة العقيدة وقيمة العمل الصالح وقيمة الموقع والموقف، فرق بين رجل وامرأة، لأنَّ إنسانيتهما هنا وهناك استطاعت أن تغني الحياة بالإسلام والإيمان والقنوت والصبر والتصدّق والصيام وذكر اللّه والعفة، وما إلى ذلك.

لا بُدَّ للمؤسسة الزوجية من مدير:

لذلك أيُّها الأحبة، فالحديث عن فضل رجل على امرأة في المعنى الإنساني للفضل هو ما لا نجده في القرآن الكريـم، وإذا كنّا نقرأ: {الرّجال قوامون على النساء بما فضل اللّه بعضهم على بعض} [النساء:34] فهي قوامة في داخل البيت الزوجي، قوامة في إدارة البيت في بعض الجوانب، وليست قوامة مطلقة في الحياة كلّها، وأنتم تعرفون أنَّه لا بُدَّ لكلّ مؤسسة من مدير ولا بُدَّ لها من مشرف، فإذا تعدّد المدراء، فإنَّ الإدارة تتحول إلى مشكلة تطاول كلّ أعضاء المؤسسة. مع ذلك، عندما تحدّث اللّه عن الحياة الزوجية، تحدّث عن حياة لا تتحرّك من خلال المواد القانونية؛ المادة الأولى تسجلها المرأة على الرّجل والمادة الثانية يسجلها الرّجل على المرأة {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم:21] فالحياة الزوجية هي حياة الحبّ الذي ينطلق من قلب هنا يعانق قلباً هناك ومن روحٍ هنا تحتضن روحاً هناك ومن رحمة هنا تقدّر ظروف هذا الإنسان ليقدّر هذا الإنسان ظروفه.

في النظرة الإسلامية، نجد أنّ قيمة الإنسان هي في إنسانيته، والذكورة والأنوثة هما خطّان تفصيليان في التنوع الإنساني الذي يملك كلّ جانب منهما غنى يقدمه للحياة لتغتني به، فالأنوثة تقدّم حالة من الغنى الروحي والعاطفي والحركي، والذكورة تعطي نوعاً من الغنى العقلي والروحي والعاطفي وما إلى ذلك. وهكذا تتكامل الأدوار وتتحقق إنسانية الرّجل والمرأة من خلال هذا التكامل.

كلّ معاني الأمومة تجسدت في الزهراء (ع):

لماذا هي الزهراء (ع)؟ لأنَّها كانت طفلة عاشت مع أبيها كابنة انفتحت على الحياة فرأت أباها مثقلاً بكلّ أعباء الرسالة يعيش آلام الواقع الذي كان يتحدى كلّ حركته الرسالية، ورأت أباها بعد سنين وقد فقد أمّها، زوجته الوفيّة، التي أعطته كلّ شيء من عقلها وقلبها ومالها واستطاعت أن تمهد له الكثير من السبل للوصول إلى بعض النتائج الإيجابية في رسالته، وعاشت معه وهو في البيت وعليّ ثالثهما لأنَّه كان ابن رسول اللّه(ص) في التربية وفي الروح، كان يضمّه إليه ويشمُّه عرفه ويلقي إليه في كلّ يوم خلقاً من أخلاقه، وكان يتبعه اتباع الفصيل أثر أمّه.

هكذا كانت، وهي الطفلة التي اختلف النّاس في عمرها، هل كانت آنذاك في العاشرة أو في الخامسة، وما إلى ذلك، ولكن مهما اختلف النّاس في التأريخ، فهي كانت في سنّ الطفولة وكانت تعي ما تختزنه من طاقة نلمح في آثارها أنَّها لـم تكن في طاقة طفل يعيش براءة الطفولة وبساطتها، ولكنَّها كانت طاقة طفل يختزن في نفسه إحساسهُ بالدور المنوط به في تلك المرحلة من حياة رسول اللّه (ص) والآلام التي كان يواجهها. ونحن لا نعرف الكثير من تفاصيل تلك المرحلة ومن تفاصيل علاقاتها برسول اللّه (ص) من حيث المفردات الحياتية، ولكنّنا نعرف أنَّها تلقته ذات يوم وقد وضع المشركون الأوساخ على ظهره، فكانت تزيل ذلك بيديها الصغيرتين وهي تبكي لتشاركه أو لتحتج على ذلك بدموعها. نحن لا نعرف الكثير من خطوط طفولتها، ولكنَّ كلمة النبيّ (ص) "أنَّها أمّ أبيها" تختصر ذلك كلّه، لأنَّها تختصر كلّ معنى الأم.. ماذا تفعل الأمّ بطفلها؟ إنَّها تقدّم له كلّ نفسها، كلّ روحها، كلّ مشاعرها، كلّ أحاسيسها، كلّ احتضانها، حتى تملأ عليه كلّ حياته، لترفع بذلك عنه الهمّ والغمّ والحزن والأسى.

ولـم يكن رسول اللّه (ص) يشكو عقدة من طفولته التي فقد فيها أمّه، ولكنَّه كان بحاجة لكلّ هذا الحنان الذي عوضته له ابنته فاطمة (ع) عن فقده لأمّه، كإنسان يعيش إنسانيته بكلّ معانيها. ورسول اللّه إنسان بشري في أحاسيسه ومشاعره، كان بحاجة إلى كلّ هذا الحنان الغامر الفياض وهو يعيش تلك المرحلة الصعبة التي كان يُسبّ فيها ويشتم ويُتهم أيضاً، وكانت الحجارة تنطلق باتجاهه من هنا وهناك، وكان يطاوله المشـركون بكلّ الأساليب القاسية. وأيّ وقت يحسّ فيه صاحب الرسالة العظيمة بالحاجة إلى الحنان أكثر من الوقت الذي يجد فيه كلّ شياطين الأرض وكلّ الذين لا يعيشون قيمة الإنسان، يهجمون عليه بالكلمة وبالممارسة السلبية وما إلى ذلك. وكان بحاجة إلى الحنان وكانت الزهراء (ع) أمّه حناناً وابنته روحاً وجسداً وعقلاً.

الزهراء (ع) وعليّ (ع) أول تلميذين في مدرسة رسول اللّه(ص):

وهكذا رأينا أنَّ الزهراء وعليّ (ع) كانا أول تلميذين في القسم الداخلي في مدرسة رسول اللّه (ص)، حسب ما نعبّر في هذه الأيام، كان عليّ (ع) يجلس إلى رسول اللّه(ص) في مكة حين كان الوحي ينزل عليه، وكانت فاطمة (ع) تجلس إلى رسول اللّه مع عليّ (ع) والوحي ينزل عليه، وكانا يقرآن الوحي معاً، وكانا يستمعان إلى دروس رسول اللّه (ص) وهو يشرح لهما معاني الوحي معاً، وكانا يتعلمان ما أوكل اللّه إلى نبيّه من تشريع للإنسان معاً، ولذلك كانت الزهراء (ع) مع عليّ (ع) في هذا المدّ الثقافي الرسولي، وربَّما يفهم الإنسان القول بأنَّه "لو لـم يكن عليّ لما كان لفاطمة كفؤ"، من خلال هذا المستوى العقلي الذي تملكه الزهراء (ع) ولا يملكه إلاَّ عليّ (ع).

وهكذا نجد أنَّها عاشت روحانية رسول اللّه (ص) وقد عاشها عليّ قبلها.

أيُّها الأحبة، عندما ندرس روحانية عليّ أمير المؤمنين (ع)، هذه الروحانية التي أحبّ فيها اللّه في أعلى درجات الحبّ حتى لـم يعد يشعر في كلّ حياته أنَّ له حياة شخصية، عندما نفهم ذلك، فإنّنا نفهم أنَّ حياة عليّ (ع) كانت كلّها للّه عزَّ وجلّ {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رؤوف بالعباد} [البقرة:207] وفي دعاء كميل يقول: " فهبني يا إلهي صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك". ليست المشكلة عند عليّ (ع) أن يحترق بالنّار، ولكنَّ المشكلة عنده هي في أن لا يفقد الحبّ الإلهي.
من خلال ذلك عاش عليّ مع رسول اللّه (ص) ابتهالاته ومناجاته وتأملاته وتلك الوحدة الروحانية التي كان يعيشها في غار حراء.

روح الزهراء (ع) فاضت على خصوصيتها:

وكان (ع) مع النبيّ (ص) في الليل والنهار، وجاءت فاطمة (ع) فكانت معهما في الليل والنهار أيضاً، وهذا ما جعلنا نتمثّلها وهي تعطي حبّها للإنسان كلّه، ويرتفع هذا الحبّ حتى يصل إلى المرحلة التي تفضّل فيها شفاء آلام الإنسان الآخر على شفاء آلامها، فتدعو لآلام الإنسان قبل أن تدعو لآلامها. وبهذا أجابت ولدها الإمام الحسن (ع) عندما قال لها وهي تصلي صلاة الليل: "لما لا تدعين لنفسك؟ قالت له: يا بني الجار قبل الدار" {يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر:9] هذا هو الحبّ الإنساني العميق الذي يجعل الجار قبل الدار.

وهكذا رأينا أنَّ الروحانية عندما تعيش في قلب إنسان يملك وعي معنى الألوهية ومعنى العبودية ويملك وعي معنى الرسالة، تتحقق وترتفع وتفيض هذه الروحانية لتتجاوز خصوصيته وتمتد بالحبّ الإلهي إلى الحبّ الإنساني بالمطلق.

فالإنسان الذي يحبّ اللّه، لا يمكن أن يبغض الإنسان "الخلق كلّهم عيال اللّه وإنَّ أحبّهم إليه أنفعهم لخلقه".

هكذا أيُّها الأحبة، كانت الزهراء (ع) علماً بعد أن كانت عاطفة وحناناً لأبيها الرسول (ص)، وانطلقت لتكون روحانية فياضة، ودخلت إلى بيت الزوجية، وعاش عليّ وفاطمة (ع) بيتاً إسلامياً فيه كلّ وعي عليّ (ع) للإسلام ووعي فاطمة (ع) للإسلام، وفيه كلّ صبر عليّ (ع) على المعاناة وصبر فاطمة (ع) على المعاناة.

حتى عندما أريد من النبيّ (ص) أن يعطي فاطمة (ع) خادماً وقد أثقلتها شؤون البيت، قال لهما: "كبرا أربعاً وثلاثين مرة وسبحا واحمدا ثلاثاً وثلاثين مرة"، وهو المعروف بتسبيح الزهراء (ع)، وكان هذا هو العطاء الذي قدّمه رسول اللّه (ص) بدلاً من الخادم. كأنَّه يقول: اصبرا، وليكن صبركما باللّه، والمعاناة بين يديه، أحلى من العسل ما دام الإنسان يعيش في رحاب اللّه وفي آفاقه.

أوفى الزوجات .. فاطمة (ع):

وكانت الزهراء (ع) زوجة كأوفى ما تكون الزوجات، وهذا ما قالته لزوجها الإمام عليّ (ع) وهي في حالة الاحتضار: "هل عهدتني خائنة أو خالفتك منذ عرفتك؟" كانت تنطلق فتتطلع إلى عينيه فيما يريد، وفي قسمات وجهه ماذا يحبّ، وفي حركة فكره كيف يفكر، ولذلك كانا معاً يؤسسان هذا البيت الإسلامي الذي عاشا الأبوة والأمومة فيه وأنتجا منه حسناً وحسيناً وزينب (ع)، هؤلاء الذين مثّلوا الكواكب المضيئة في كلّ الواقع الإسلامي برغم أنَّهم عاشوا المعاناة تماماً كما عاشت أمّهم وأبوهم تلك المعاناة. فمعاناتهم(ع) لـم تكن معاناة شخصية فحسب، بل كانت معاناة في خطّ الرسالة، ولذلك تقبّل الحسن والحسين وزينب (ع) كلّ هذه المعاناة التي عبّر عنها الإمام الحسين(ع) بقوله: "هوّن عليّ ما نزل بي أنَّه بعين اللّه" وعبّرت عنها زينب (ع) عندما قالت: "اللهم تقبل منّا هذا القربان"، وذلك كان سرّ عليّ (ع) وفاطمة (ع) فيما أعطياه من كلّ هذا الفيض الروحي من الوعي والصبر ومن لذة المعاناة.

وقد كانوا يشاهدون أباهم وأمّهم كيف يُظلمان وكيف يعانيان ويتألمان من أجل الرسالة، قالها عليّ (ع): "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولـم يكن فيها جور إلاَّ عليّ خاصة". هكذا كان أئمة أهل البيت (ع)، كانت القضية، أن تسلم أمور المسلمين ولو تحملوا كلّ الظلم والجور في القضايا الخاصة والقضايا العامة.

الزهراء (ع) .. المصلحة المرشدة:

وهكذا رأينا الزهراء (ع) فيما ينقله لنا كُتّاب سيرتها، مثقلة بالبنين وبشغل البيت، ومنشغلة بخدمة أبيها الذي كان بيتها بيته، ومع ذلك كانت تعلّم النساء وترشدهنّ، وكانت، فيما ينقل كُتّاب سيرتها، تكتب ما تسمعه من رسول اللّه (ص). في بعض الأحاديث، ينقل بعض العلماء أنَّه: "جاء رجل إلى فاطمة (ع) ـ وعلى حسب هذه الرِّواية نعرف أنَّ الرّجال كانوا يسألونها وكانت تستقبلهم ليأخـذوا منها العلم ـ فقال: يا بنت رسول اللّه، هل ترك رسول اللّه (ص) عندك شيئاً تطرفينيه (تعطينني إياه)، فقالت: يا جارية، وكانت عندها فضة في أواخر أيامها، هاتي تلك الحريرة أو (الجريدة التي تكتب عليها)، فطلبتها فلم تجدها فقالت: ـ (الاحترام للعلم بهذا المستوى) ـ ويلك اطلبيها فإنَّها تعدل عندي حسناً وحسيناً، هذا تراث رسول اللّه (ص)، فطلبتها (بحثت عنها) فإذا هي قد قممتها في قمامتها (وضعتها في النفايات)، فإذا فيها ـ والظاهر من الحديث أنَّه مما كتبته الزهراء (ع) ـ قال النبيّ (ص): ليس من المؤمنين من لـم يأمن جاره بوائقه يعني (مشاكله وأذاه) ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت، إنَّ اللّه تعالى يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف ويبغض الفاحش الظنّين البذّاء السئّال الملحف (الذي يُلحف في سؤاله) إنَّ الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة، إنَّ الفحش من البذاء والبذاء في النّار".

لقد احتفظت بمثل هذه وبغير هذه مما يضيق المقام عن الحديث عنه، مما نعرف منه أنَّ الزهراء (ع) كانت تحتفظ بتراث رسول اللّه (ص) فيما تحفظه وفيما تكتبه وإن كان التاريخ لـم ينقل لنا الشيء الكثير من ذلك.

الزهراء (ع) .. الخطيبة المجاهدة:

وهكـذا نجـد أنَّ الزهراء (ع) بالإضافة إلى نشاطها الثقافي التعليمي التربوي، كانت المجاهـدة، فنحن نعـرف أنَّ هنـاك حقّاً لعليّ (ع) أبعده القوم عنه، وكان هناك حقٌّ لفاطمة (ع) صرفه القوم عنها في فدك، وكانت هناك مشاكل أحاطت ببيت عليّ (ع) وفاطمة (ع)، يختلف المؤرخون في طبيعتها مما أساء القوم فيه إليهما. ولكن هنا وقفت فاطمة (ع) عدّة مواقف، وقفت ثائرة ومعارضة وخطيبة ومحاورة ومحاجة، وقفت لترد الحجّة بالحجّة، ووقفت بقوّة لتعنف حيث يمكن للعنف أن يؤكد معنى الحقّ، وترق حيث يمكن للرّقة واللين أن يفيدا في المسألة.

وقفت في المسجد خطيبة، وخطبتها التي لـم نعرف مثلها في التأريخ العربي، لـم نعرف قبلها خطيبة تتحدّث عن أسرار التشريع الإسلامي في عناوينه الكبيرة، بحيث اختصرت كلّ العناوين الكبيرة في الإسلام وجعلت لكلّ واحدٍ منها تفسيراً وكشفت عن معناه وحكمته، لتعطي النّاس في هذا الموقف أسرار التشريع الإسلامي وطبيعة حركة هذا التشريع في واقعهم. وهكذا دخلت في جدال ومناقشة حول مسألة الإرث وآيات الإرث وحقّها فيه وما إلى ذلك.
ثُمَّ تحدّثت مع النساء اللاتي اجتمعن عندها حول الأسس التي يرتكز عليها عليّ (ع) في حقّه من خلال كلمات رسول اللّه (ص) ومن خلال كفاءة عليّ (ع).

الزهراء (ع) .. رائدة النساء في العمل السياسي:

وهكذا عندما جاءها رجالهنّ وقد قرّعتهم، جاؤوا إليها يعتذرون، وتكلمت معهم بكلام حاسم قوي. وهكذا تنتقل كما تقول الرِّوايات لتتحدّث مع المسلمين حول هذا الحقّ، كانت المجاهدة، وإذا أردنا أن نستخدم بعض (المصطلحات) الراهنة ، فإنَّها كانت الإنسانة التي خاضت العمل السياسي كأقوى ما يكون العمل السياسي، وقفت وحدها أمام سلطة قد يختلف النّاس في طبيعتها، ولكنَّها كانت تقف وحدها، وكان عليّ(ع)، من خلال بعض الظروف، لا يواجه المسألة بالطريقة المباشرة.. وحدها كانت في المسجد، وحدها كانت مع نساء المهاجرين والأنصار، وحدها كانت في ساحة المدينة، وحدها كانت في كلّ أساليبها العملية التي تتحرّك فيها العاطفة في حزنها على رسول اللّه(ص) تارة وأخرى تتحرّك فيها الثورة في مواجهتها لكلّ ذلك. وبذلك أعطت المرأة المسلمة شرعيّة الدخول في العمل السياسي خطيبة ومعارضة وحركية بكلّ ما يتطلبه هذا الدور من طاقة وجهد. وقد تميزت في معارضتها، أنَّها أرادت لهذه المعارضة ولثورتها واحتجاجها أن يبقوا بعد الموت، حيث أوصت أن تدفن ليلاً وأن لا يحضر جنازتها من ظلموها أو من انحرفوا عن الحقّ.

الزهراء (ع) سيِّدة الفضائل:

إنّنا أيُّها الأحبة، ونعود للسؤال لماذا هي؟ في يوم المرأة، لماذا هي؟ هي فاطمة (ع)، لأنَّها تمثّل النموذج الأكمل للمرأة في عقلها الذي كان قطعة من عقل رسول اللّه، وللمرأة في روحها الذي كان نبضة من نبض روح رسول اللّه (ص)، وللمرأة في علمها وحركتها الثقافية، وللمرأة في حياتها الزوجية وحياة الأمومة وحياة الإنسانة التي عاشت حركيّة المجتمع في كلّ قضاياه.

إنَّ الإسلام يقول للمرأة في العالـم: هذه فاطمة (ع) بنت محمَّد (ص) سيِّدة نساء العالمين، لا بنسبها، ولكن سيِّدة نساء العالمين بفضائلها، انطلقوا بفاطمة لتتعلموا منها كيف يكون الحبّ الإنساني للإنسان كلّه، وكيف يكون العطاء الإنساني للإنسان كلّه، وكيف تكون المسؤولية الثقافية عندما يملك الإنسان علماً للنّاس كلّهم، وكيف تكون المواجهة، كيف تكبر المرأة في دورها لتقف ضدّ كلّ ظالـم وكلّ مستكبر وكلّ إنسان يتحرّك في خطّ ظلم الإنسان للإنسان.

لماذا فاطمة (ع)؟ لأنَّ فاطمة هي التي تقول للمرأة: كوني إنساناً ولا تكوني مجرد أنثى تتحرّك بأنوثتها لتسقط إنسانيتها، كوني إنسانة مع اللّه، كوني إنسانة مع النّاس، كوني إنسانة في المعنى الروحي والعقلي والحركي، تلك هي المرأة الإنسان. وتبقى المرأة الأنثى والرّجل الذكر، يبقيان مجرّد إنسانين يعيشان جواً معيناً ويلتقيان في إنسانيتهما لينطلقا مع قول اللّه سبحانه وتعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف} وكل ما يبني الحياة على أساس الحقّ والعدل والخير هو المعروف {وينهون عن المنكر} [التوبة:71] وكلّ ما يسقط الإنسان في الحياة هو المنكر.

لذلك في يوم ولادتها، لا بُدَّ للمؤمنين والمؤمنات من أن يتحرّكوا من أجل حياة أفضل ومن أجل آخرة أفضل، حياة أفضل يجسدون فيها كلّ ما يحبّه اللّه، وآخرة أفضل ينعمون فيها برضوان اللّه ونعيمه {ورضون من اللّه أكبر} [التوبة:72] تلك هي فاطمة، وقد عرفنا لماذا هي في يوم المرأة.

والحمد للّه ربّ العالمين


-------
منقول من موقع سماحة السيد العلامه / محمد حسين فضل الله
صورة
صورة

لــؤي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 3099
اشترك في: الخميس نوفمبر 17, 2005 4:22 pm
مكان: قلب المجالس

مشاركة بواسطة لــؤي »

سلمت يداك أخي حسن
محاضرة قيمة جدا
أنصح الجميع بقرأتها
رب إنى مغلوب فانتصر

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

عصي الدمع كتب:سلمت يداك أخي حسن
محاضرة قيمة جدا
أنصح الجميع بقرأتها
الله يسلمك أخي عصي الدمع

فعلاً المحاضرة جديرة بالقراءة بتأمل وإمعان

وليكن يوم ميلاد الزهراء سلام الله عليها هو اليوم العالمي للمرأة
وليكن يوم ميلاد الزهراء سلام الله عليها هو عيد الأم
صورة
صورة

بنت الهدى2
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 108
اشترك في: الاثنين مارس 21, 2005 8:11 pm

مشاركة بواسطة بنت الهدى2 »

هكذا أراد الله سبحانه وتعالى للمرأة أن تكون

بدر الدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1344
اشترك في: الاثنين أغسطس 01, 2005 1:58 am
مكان: هنااك
اتصال:

مشاركة بواسطة بدر الدين »

شكرا اخي على الموضوع القيم

وفقك الله الى كل خير
واعانك الله على ما انت فيه
وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون.......!

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأسرة والمرأة“