محاضرة حول تكليف المرأة

يختص بقضايا الأسرة والمرأة والطفل
أضف رد جديد
بنت الهدى2
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 108
اشترك في: الاثنين مارس 21, 2005 8:11 pm

محاضرة حول تكليف المرأة

مشاركة بواسطة بنت الهدى2 »

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ومن فيهن ، والحمد لله الذي جعل لكل خلق من خلقه سبباً وحكمة وتكليفاً والحمد لله الذي زودنا بأسباب الاستطاعة على أداء تكليفه ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأطهرهم وأزكاهم محمد بن عبدا لله وعلى آله الطيبين الطاهرين .
إن موضوعنا اليوم يتمثل في الحديث عن المرأة وهل هي مكلفة مثل الرجل أم أن تكليفها أقل أو موازياً لتكليف الرجل كل بحسب مهمته وهل هناك تفاضل في التكليف وما معيار هذا التفاضل ؟ ..
إن خير ما يستهل به في موضوع اليوم هو القرآن الكريم فهو المحجة البيضاء التي يرجع إليها القاصي والداني في كل أمرٍ يتعسر على المرء الحكم فيه ونبدأ بسم الله القائل { يا أيها الذين أمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } صدق الله العظيم
إذن حين خلق الله الخلق خلقهم صنفين ذكرٌ وأنثى وكانت هذه هي سنة الحياة فلا يوجد شيء إلاَّ وهو على هذه الهيئة وحدد لهذه المخلوقات مهامها ومزاياها وزودها بأسباب القدرة على تأدية هذه المهام وحديثنا اليوم ينصب على العنصر المهم في هذه المخلوقات والذي ترتب على تعطيله وإخراجه من النسق الذي خلقه الله عليه خلل كبير في تكوين المجتمعات وهو المرأة التي ارتبط وجودها بتكوين الحياة وكان لها دور مهم على مدار التاريخ ، فلنعد بأذهاننا إلى بدء الخليقة ونبحث عن تأثير المرأة في مجريات وأحداث هذه الحياة .
أولاً : عندما خلق الله الناس جعل التكليف الرئيسي لهم هو عبادته ولم يستثني في هذا التكليف أحداً منهم رجالاً ونساءً وإنما جعل لهم معيار للتفاضل فيما بينهم وهذا المعيار يتمثل في قوله تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) فلم يربط الله سبحانه وتعالى التفاضل والتقييم بالنوع وإنما جعل التقوى هي المعيار الأول والأخير للتفاضل فيما بينهم ، ومن هنا ننطلق ونبحث عن المرأة وتكليفها بين دفتي كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وفي القرآن أمثله كثيرة وواضحة الدلالة على تكليف المرأة وأنها مسئولة عن كل فعل تفعله سواءً كان صغيراً أو كبيرا ومن هذه الأمثلة نبدأ بالسيدة هاجر أم نبي الله إسماعيل .
السيدة هاجر كانت من النساء اللائي امتحنهن الله تعالى وقد أبلت بلاءً حسنا في هذا الامتحان فقد صبرت ورضيت بحكم الله فيها ولم تعترض ولم تتذمر ، هذه المرأة اختارها الله لتكون أماً لأول طفل يرزق به نبي الله إبراهيم بعد طول انتظار ، وبعد الفرحة بقدوم هذا المولود جاء أمر الله وكلنا نعرف القصة المذكورة في القرآن الكريم ولكن من منا استشعرت موقف هاجر وحاولت أن تستحضر مشاعر تلك الأم في تلك الظروف ، فحين أخبرها نبي الله إبراهيم أنه يجب عليهم الرحيل من تلك البلاد إلى بلاد أخرى ، سألت هاجر هل هذا أمر من الله فكان الجواب بنعم ، وبروح المؤمنة المتيقنة من عدل الله وحكمته قالت : لن يضيعنا الله أبدا ، ورحلت مع زوجها وهي راضية أمنة ، ولنتأمل معاً الموقف الأشد وطأة على قلب الأم ، فبعد أن وصلت مع نبي الله إبراهيم إلى ذلك الوادي المقفر الخالي من الناس والماء ومن أي شيء يدل على وجود حياة به أتى أمر أخر وهو تركها هي وصغيرها وحيدين في تلك البقعة المقفرة ، وبنفس الروح المؤمنة تقبلت الأمر ورضيت إكراماً لخالقها وإيماناً منها بأنه لن يضيعها ، وتركها نبي الله إبراهيم هي ورضيعها وحيدين ، وبعد مرور أيام نفذ منها الماء واشتد بصغيرها العطش فكيف بأم ترى طفلها يتلوى ويصرخ من شدة العطش وهي عاجزة عن تقديم أي نوع من أنواع المساعدة فمن منا ستصبر كما صبرت هاجر ولم يكن أمامها سوى أن تجري حائرة من مكانها إلى تلة صغيرة وتعود وفعلتها سبعاً إلى أن فجر الله من بين قدمي رضيعها ماءً فسكنت إلى جواره وسقته و أطمئنت بأن الله لن يضيعها أبداً ، وإكراماً لهذه المرأة العظيمة وصبرها جعل الله سعيها شعيرة من شعائر الإسلام يؤديه القاصي والداني والقوي والضعيف والغني والفقير من المسلمين إلى أن تقوم الساعة . وأما صبرها على أن ترى أبنها يذبح فهذا يحتاج إلى حديث طويل نتوصل من خلاله إلى أن هذه المرأة ارتقت في عبادتها لله من مرحلة النفس ألأمارة بالسوء إلى مرحلة العبادة الروحية التي يكون كل همها هو الله سبحانه وتعالى ، وحققت التكليف في أكمل صورة وهو عبادة الله التي لا يتخللها أي عارض دنيوي حتى ولو كان أغلى ما تملكه المرأة وهو ابنها ، أليست هذه من النماذج التي يجب أن تقتدي بها كل نساء الدنيا .
ومن بين الآيات الكريمة نأتي لنموذج أخر من النساء وهما امرأة لوط وامرأة نوح كانتا متزوجتين من نبيين من أنبياء الله ومع هذا لم تؤمنا بهما بل كانتا ممن أهلكهم الله من الكافرين بسبب عدم التزامهما بما كلفهما الله به أي أن المرأة والرجل كل مسئول عن عمله ولم يغني عنهما كونهما تحت عبدين صالحين كما وضح القرآن الكريم بل نالتا جزائهما بما كسبتا من العمل .
ويأتي القرآن الكريم ويذكر نموذج أخر للمرأة ويوضح فيه أن المرأة مكلفة وبأنها تتحمل مسئولية كل ما تقوم به من فعل أو قول ، ووصف لنا وصف دقيق عن مدى قدرة المرأة على التفكير السليم في حالة تحملها للمسئولية وإدراكها لمدى التكليف الملقى على عاتقها فكان المثال متمثل في الآيات من سورة النحل والتي تتحدث عن ملكة سباء وتوضح مدى حكمتها وفهما للأمور بقوله تعالى (( قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون )) فالآيات توضح أن تلك المرأة كانت ذات علم ودراية وحكمة لأنها قبل أن تتخذ أي قرار فكرت في ما قيل لها وبدأت في عرض الصفات التي يتصف بها الملوك والأنبياء وهذا لا يكون إلاَّ عن علم بصفات الناس وأصنافهم وبعد أن تأكدت أمنت دون تردد وهذا يدل على أنها لم تكن تابعة لأحد وأنها لم تتخذ قرارها إلاَّ بعد بحث وطول تأمل وهذا دليل واضح لمن يتهمون الدين بأنه يعيق المرأة ويحرمها من حقوقها .
ومن النماذج التي تدلل دلالة واضحة على قوة الإيمان والصبر هي من ضرب الله تعالى بها مثالاً للمؤمنين نساءً ورجالاً قال تعالى (( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون ، إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعملة ونجني من القوم الظالمين )) أين الضعف والنقص الذي يريدون أن يقنعوا المرأة به في هذه الآيات إن هذه الآيات تزخر بكل معاني القوة والإيمان والشوق إلى الله تعالى وقوة الصبر على الأذى في سبيل الله ، إن هذه المرأة توفر لها من مفاتن الدنيا ما لم يكن لغيرها من الناس فقد كانت زوجة فرعون وهو من يدعي الربوبية ومن يمتلك مصر بمن فيها ، ويقال بأن فرعون كان يحبها حباً عظيما حيث أنها لو تطلب منه أي شيء مما تتمناه النساء لأحضره لها وجعله بين يديها ، ولكنها عزفت عن ذلك كله واتجهت لمن هو أغنى وأقوى ومن بيده ملك فرعون وغيره ، وعانت في سبيل إيمانها وذاقت كل أنواع العذاب الذي لا يمكن لأحدٍ من البشر أن يتحمله إلاَّ من امتلاء قلبه إيماناً مثلها ويذكر التاريخ أن من أنواع العذاب التي استخدمها فرعون لتعذيبها هو تثبيتها بمسامير تدق في يديها وتمشيط جسدها بأمشاطٍ من حديد ثم كانت نهايتها بأن ألقى عليها صخرها قتلها بها ، وهذه من النماذج التي يجب أن تتوقف كل امرأة عندها وتتأملها لتعرف ما هي الهوية التي أرادها لها الله سبحانه وتعالى وبأنها ستصبح مسخاً لو حاولت أن تستقي معرفتها بنفسها من خارج كتاب الله ، والأمثلة كثيرة في القرآن الكريم عن النساء اللاتي كان لهن أدوار مختلفة في التاريخ وقد بينت الآيات ووضحت مكنون نفوس تلك النسوة كل بحسب إيمانها وقربها وبعدها من الله سبحانه وتعالى ، فذكر لنا أم نبي الله موسى مثال للمرأة المؤمنة وذكر لنا زوجة العزيز والتي مثلت النفس الأمارة بالسؤ باعتراف منها وهكذا فالقرآن مليء بمثل هذه الأمثلة ، ولكن المثال الذي كان قوياً من حيث المعنى والهدف والتأثير هو ذكر قصة مريم العذراء بكل ما تحمله من معاني العضة والعبرة للنساء والرجال على حدٍ سواء ، فهي بحق صاحبة الابتلاء الأشد والأقوى فقد اختارها الله سبحانه لهذا الامتحان من قبل أن تولد ، سيقول الجميع كيف هذا ؟! والجواب موجود في الآيات التي ذكرت قصة هذه المرأة ولا يحتاج منا سوى القليل من التأمل والتدقيق لنعرف الحكمة من وراء هذه الحادثة وما هي الرسالة التي تحملها الآيات بين سطورها وكيف لنا أن نستفيد من هذه الرسالة التي تحمل الكثير من المعاني التي نحتاج إليها في الوقت الحالي . ...........................................
ولنبدأ مع بداية الآيات والتي تذكر بأن والدة مريم ( عليها السلام ) كانت عقيم فتوجهت إلى ربها بالدعاء أن يرزقها مولوداً وقيدت دعائها بنذر وكان نذرها متمثلاً في أنها إذا رزقت مولوداً ستهبه لخدمة المعبد شكراً منها لله عز وجل على تفضله عليها .. فقالت (( رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم )) صدق الله العظيم .. وبالفعل حملت ، والله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم ما في بطنها وهو الذي سمع الدعاء وهو الذي استجاب له وكانت مشيئة الله في أن يكون المولود أنثى فهل من المعقول أن تكون إرادة الله في خلق هذه المرأة عبثاً ، وهل كانت الحكمة من خلقها هي ولادة عيسى فقط لا لأن الله لا يحتاج لوجود امرأة من أجل يخلق ذكراً فقد خلق آدم دون أبٍ وأم ولكن هناك آية أقوى وأشد من خلق عيسى ( عليه السلام ) وهي الرسالة التي أراد الله أن يوصلها إلى اليهود عبر هذه المرأة قال الله تعالى (( فتقبلها ربها بقبول حسن ، وأنبتها نباتاً حسنا ، وكفلها زكريا )) فسبحان الله أي امرأة هذه التي كان المتقبل لها هو الله سبحانه وتعالى والكافل لها هو نبي الله ، فنالت بذلك شرفً لم ينله غيرها من النساء والرجال ، ولا بأس لو أطلنا الوقوف أمام هذه الحادثة لنتأمل قليلاً محاولين استخراج ولو جزء بسيط من رسالة الله عز وجل لنا بين سطور هذه الآيات الكريمة ..............
حدثت هذه الواقعة في زمن كانت المرأة في أشد حالات الاضطهاد والاحتقار كانت بين قوم يحتقرون المرأة ولا يعدونها في مرتبة الإنسان بل هم متحيرون أين يضعونها في مرتبة الإنسان أو الحيوان ويؤمنون بأنها لم تخلق إلاَّ لخدمة الرجل وإشباع شهوته فقط وليس لها الحق في أي شيء أخر حتى دخول المعبد كان محرماً على المرأة لأنها في نظرهم مسخ من الشيطان ولنلاحظ أن هذا كله كان عند أمة تؤمن برسالة ربانية ولديها كتاب منزل ولكن النفوس الضالة والأمارة بالسؤ هي التي تحكمت في العقول وطغت حتى على شرع الله سبحانه وتعالى ولذا كان ميلاد مريم ( عليها السلام ) ودخولها المعبد صفعة قوية لهم فقد ثارت ثائرتهم واحتجوا على دخولها المعبد وعارض كثير من الكهنة على هذا القرار ولكن نبي الله زكريا ( عليه السلام ) كفلها وصمم على الوفاء بنذر أمها فوافق الكهنة على مضض وبشرط أن يقتصر دخول مريم إلى المعبد على الخدمة فقط وتنظيف المعبد من الخارج دون الدخول إلى مكان التعبد لأنه محرم عليها ذلك كونها امرأة ، ولأن مريم ( عليها السلام ) امرأة مؤمنة وتعرف بأنها مكلفة بعبادة الله ولم تخلق لشيء سوى عبادته بكل صورها المختلفة ظلت تسعى إلى الدخول إلى العبادة حتى أنها كانت تشعر بأن هناك من يناديها من داخل المعبد للدخول والتعبد حتى جائها الأمر الإلهي (قال تعالى: (يَمَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ) [سورة: آل عمران - الأية: 43] فعزمت على الدخول وليكن ما كان فدخلت إليه بالفعل ، أحدث دخولها المعبد ضجة كبيرة ولكن نبي الله زكريا دافع عنها ومنعهم من أن يؤذوها وبنا لها محراباً خاصاً تتعبد فيه وكانت من كثرة تعبدها تنسى نفسها ومن حولها حتى أنها تنسى معني الجوع والعطش من كثرة تعلق روحها بالخالق عز وجل فكان يأتيها رزقها من الله عز وجل حتى أن نبي الله زكريا استغرب وجود الطعام لديها وسألها (( يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )) ولنتأمل لو كان في المرأة نقص أو عدم أهلية لأداء أي نوع من أنواع التكليف لما اختار الله مريم ( عليها السلام ) بل وأكد اختياره لها بآيات قرآنية واضحة قال تعالى (( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العلمين )) ونلاحظ أن الآية تحمل اصطفائين ، الأول : الاصطفاء العام وهو اصطفائها وتطهيرها من بين الخلق كلهم ذكور وإناث ، والثاني : هو الاصطفاء الخاص وهو اصطفائها من بين بنات جنسها ، ثم حدد لها ما يترتب على هذا الاصطفاء فقال عز من قائل (( يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين )) صدق الله العظيم .إذن المرأة تصطفى وتكلف وتحاسب وتعاقب وليس لها أي عذر أمام الله عز وجل ، ونغوص في القرآن الكريم أكثر لتتضح لنا الآية أكثر ، عندما نقول بأن الحكمة من ذكر قصة السيدة العذراء ( عليها السلام ) ليس لمجرد ولادتها لعيسى ( عليه السلام ) فقط وإنما الحكمة أبعد من ذلك ، وتتمثل في خلق المرأة كجنس لها مهام محددة وهي مسئولة عن أي فعل تقوم به لأن الله زودها بأسباب القدرة على تأدية ما هي مكلفة بأدائه وهي جزء من الأمة التي تنتمي إليها ، الذي يؤيد هذا القول هو أن ما ذكرناه سابقاً من أحداث ووقائع ذكرت في سورة ( آل عمران ) فقد تحدثت السورة بشكل مفصل ودقيق عن ولادة مريم ( عليها السلام ) وتقبل الله عز وجل لها وكفالة نبي الله زكريا لها وعن معارضة الكهان وعن ... وعن ..... الخ .. فالآيات في هذه السورة تتحدث في السياق العام أي ما يخص آل عمران ومن معهم ولم تتحدث عن مريم كفرد وإنما أظهرتها الآيات كجزء من كل وهم أهلها ومن معهم من الناس فكان الهدف من الآيات هو ما ذكرناه سابقاً من الرفع من مكانة المرأة بين تلك الأمة التي تراها شيء مشين ، وعندما أراد الله سبحان وتعالى أن يتحدث عن مريم ( عليها السلام ) كجنس أعدت لمهمة معينة أفرد لها سورة كاملة باسمها وكانت آيات هذه السورة واضحة الدلالة على المهمة التي أوكلها الله تعالى إليها وتناولت قصة ولادة نبي الله عيسى ( عليه السلام ) بالتفاصيل وهذا كان هو السياق الخاص في الحكمة من خلق السيدة مريم العذراء ( عليه السلام ) وهنا أريد التنويه إلى شدة الابتلاء التي ابتليت به السيدة العذراء فبعد أن اصطفاها الله عز وجل ووضعها في مكانتها التي تليق بها جاءها الامتحان ليحدد مدى إيمانها وصبرها وقدرتها على تأدية ما أوكله الله إليها ، فالبلاء الأول كان لها ولمجتمعها فاجتازته بنجاح والبلاء الثاني لها هي كإنسانة مؤمنة والمؤمن ممتحن والله يريد أن يمحصه لينال أعلى الدرجات ، ولتكن مثالاً لكل النساء اللاتي يطمحن إلى مرتبة الإيمان ودرجة الصديقين ، فكان حملها بعيسى ( عليه السلام ) البلاء الشديد الذي لا يمكن لامرأة مؤمنة طاهرة أن تتقبله لولا أن الله ربط على قلبها وأيدها من عنده لكي تجتاز هذه المرحلة بنجاح لتكون سيدة نساء العالمين ، والمثال الذي لابد لكل امرأة أن تتوقف أمامه لتستمد منه الحكمة والموعظة والسداد ، وموضوع السيدة العذراء طويل جداً يحتاج إلى مساحة أوسع مما هو محدد لنا فنكتفي بهذا القدر لننتقل إلى مرحلة أخرى من مراحل وجود المرأة وتأثيرها في مسار التاريخ بشكل عام ، فبعد أن أوردنا أمثلة القرآن الكريم وهي كثيرة ولم نذكر منها إلاَّ القليل ننتقل إلى مرحلة أخرى من مراحل حياة المرأة وهي مرحلة ما قبل ظهور الإسلام وما بعد ظهوره وما مدى تأثير المرأة في هذه الحقبة من الزمن .
إن حال المرأة قبل الإسلام لا يخفى على أحد فالجميع قرأ وسمع عن حالها قبل الإسلام ولو لم يكن من وضع المرأة قبل الإسلام سوى الوئد لكان كافياً ولكن الأوضاع السيئة للمرأة كانت كثيرة ومختلفة باختلاف العقائد والطبائع والعادات لكل بلد ولكل قبيلة ، ومن بين تلك القبائل كانت قبيلة قريش التي تتكون كأي قبيلة من نساء ورجال وكانت الأوضاع فيها كغيرها من القبائل ، ومن العدل أن لا نجحف في الحكم على حال المرأة بشكل عام ولا بد من النظر بعين فاحصة لتلك الفترة من الزمن وسنجد بأن هناك نماذج متعددة لأوضاع النساء في تلك الفترة فهن ما بين مضطهدة ومغلوبة على أمرها ، وما بين مسيطرة ومحرضة على الشر والعصيان ، وما بين عاقلة شريفة عفيفة و حكيمة ولقد برز من بين النموذج الثالث شخصيات كان لها الأثر الكبير في نصرة الإسلام والمسلمين . ومن النماذج المتميزة في حياة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هي السيدة ( خديجة بنت خويلد ) والتي اشتهرت من قبل ظهور الإسلام براجحة العقل والحكمة والشرف والعفة ، إذن لم تكن حكمة هذه المرأة ورجاحة عقلها مرتبطتان بالنبوة وإنما كانتا من أهم مكونات شخصيتها قبل الإسلام ولقد تجلت هذه الحكمة في تصرفها مع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فخديجة ( عليها السلام ) آمنت برسول الله كشخص وإنسان قبل أن تؤمن به نبياً وكان هذا واضحاً في عرضها عليه أن يعمل لديها بعد أن سمعت عن أمانته وصدقة ومكارم أخلاقة فأرادت أن تتأكد مما سمعته عن قرب ولكن بطريقة في غاية الحكمة والأدب ، فقد طلبت منه أن يعمل لديها كشريك بالجهد وليس أجير لأنها أدركت بحكمتها أن مثل هذه الشخصية العظيمة لا يصح أن تستأجر وتم لها ما أرادت ورحل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتجارتها وكان بصحبته غلامها الذي ظل يراقب كل تصرفات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأدهشه ما رأى من صدق وأمانة وحكمة ورجولة في تصرفات رسول الله ( ص ) وتعجب من قدرته على البيع والشراء حتى أن قافلة السيدة خديجة ( ع) عادت بأرباح وفيرة خلاف كل رحلة سابقة لها ببركة وجود رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيها ، وما أن وصلت القافلة حتى أسرعت السيدة خديجة ( ع ) في سؤال غلامها عن كل تصرف وكل عمل قام به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أثناء الرحلة فذكر لها غلامها كل ما راءاه فلم تنكر أو تستغرب وإنما ازدادت إيماناً وإعجاباً برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقررت أن تفوز بمثل هذا الرجل ، على الرغم من أنها رفضت الكثير ممن تقدم لخطبتها من كبار شخصيات القبائل في ذلك الحين ، واختارت خيرهم خلقاً و حسباً ونسب وسعت إلى الزواج منه بطريقة مثلت فيها أعلى معاني العفة عند المرأة وهذا ما كان منها قبل النبوة ، أما بعد النبوة فقد كانت الصديقة والمعينة والمؤمنة التي مثلت كل معاني الصدق والإيمان فقد وهبت كل ما تملك لنصرة الإسلام ولولا مال خديجة لما استقام للإسلام أمره ولولا صبرها ومؤازرتها ووقوفها بجانب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما ثبتت قواعد الإسلام في أول ظهوره ، فخديجة ( ع ) تعد إحدى الدعائم التي ارتكز عليها الإسلام والمسلمين فقد كانت بحق أماً للمؤمنين فوهبت أبنائها مالها وحياتها في سبيل نصرة دين الله ولهذه الصفات التي كانت تتمتع بها لم ينساها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أن لحق بها .
وهكذا كانت السيدة خديجة ( عليها السلام ) تعد أولى بشائر الخير لخطٍ من الجهاد قامت به مجموعة من المسلمات اللاتي جعلن منها قدوة ومثالاً يقتدين به في كل مراحل حياتهن ، فكتبت الشهادة في سبيل الله لأول مرة في الإسلام باسم امرأة قدمت روحها وحياتها في سبيل دينها وهي ( سمية ) أم عمار بن ياسر وهي أحد أفراد العائلة التي بشرها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالجنة فقد تلقت هذه المرأة من ألوان العذاب ما لا يحتمله بشر فصبرت إلى أن استشهدت رحمها الله تعالى .
ومن النماذج المتميزة أيضاً ( نسيبة بنت كعب المازنية ) كانت مثال للمرأة المجاهدة بنفسها وولدها ، فقد شاركت في غزوات كثيرة منها ( غزوة أحد ) ودافعت وصمدت إلى أن قال فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآ0له وسلم ) والله لموقف نسيبة أفضل من فلان وفلان . فقد كانت تضرب بالسيف وترمي بالرمح والسهم وكان خوفها كله على رسول الله ( ص) ، ومن الحروب التي شاركت فيها تلك المرأة ما تسمى بحروب الردة فقد خرجت عازمة على قتل مسيلمة الكذاب فقاتلت إلى أن قطعت يدها واستمرت في القتال حتى تأكدت من أن مسيلمة قتل وكان قتالها هذا معبراً عن وفائها وحبها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأين نحن من هؤلاء النسوة .
ونجد بأن المرأة كانت تحتج وتعترض وتشتكي فهناك من رفضت الزواج علناً وهناك من اشتكت هجران زوجها لرسول الله ( ص ) فتمثلت شكواها في سورة من كتاب الله العزيز. فلم ينهاهن الرسول عن ذلك بل أقر احتجاجهن وناقشهن فيه وحكم لهن ووجهن إلى ما يجب وما لا يجب عليهن من الحقوق والواجبات ولم يكن الإسلام حكراً على الرجال دون النساء فالجميع مسلمون ولا يميزهم عن بعض سوى تقوى الله.
والأمثلة كثيرة جداً فقد ذكر التاريخ نماذج عديدة لنساء كانت لهن مواقف لم تكن لأمثالهن من الرجال وكل هذا كان بفضل الإسلام الذي أعلى من مكانة المرأة وجعل منها ركناً قوياًً يترتب على صلاحه وفساده صلاح الأمة وفسادها ، ومن العجيب أن أول خطاب سياسي بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو خطاب الزهراء عليها السلام في المسجد احتجاجاً منها على من أخذوا منها حقها ، واستمرت المرأة في ممارسة حقها الطبيعي فترة من الزمن فالجميع يتذكر المقولة المعروفة للخليفة ( عمر بن الخطاب ) حين قال : أصابت امرأة وأخطاء عمر ، ومما يذكره بعض المؤرخين أن الخليفة ( عمر بن الخطاب ) عين لمنصب الحسبة وولاية السوق امرأة مسلمة هي ( ليلى بنت عبدالله القرشية) الملقبة بالشفاء وهي من المهاجرات الأوليات , وكانت مهمة المحتسب هي مراقبة التجار وأرباب الحرف ومراقبة الأسعار ومنع الغش ، ورعاية الأخلاق كمنع شرب الخمر وغيره من الأعمال الغير مشروعة ، فلو كان في المرأة نقص لما تولت هذه المرأة هذا المنصب ، ومن الأثر الواضح لتأثير الإسلام في النفوس وتغييرها وتعديلها إلى مرحلة الرقي والعطاء هو ما يتمثل في شخصية الخنساء التي ضلت ترثي أخاها لسنوات عديدة بعد وفاته ولكن حين اعتنقت الإسلام منحها القوة والإيمان بضرورة الجهاد بالنفس والأولاد فقدمت خمسة من أبنائها بنفس راضية مطمئنة ، وهذه من الأمثلة التي أراد الله للمرأة أن تكون عليها ، والغاية من ذكر هذه الأمثلة هي الرد على من يقول بأن الإسلام ينتقص المرأة وفي الوقت ذاته رداً على النساء اللاتي لديهن قناعة بأن المرأة غير مكلفة وليس عليها شيء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس بالضرورة أن تسعى إلى طلب العلم فهي غير مكلفة بشيء مما كلف الله به الرجال ، والأهم من هذه الردود هو أن نعرف كيف ولماذا ؟ وصلت المرأة إلى الوضع الذي نحن عليه ولمصلحة من تم تعطيل المرأة ممَّ كلفها الله سبحانه وتعالى به ؟
يتضح لنا مما سبق ذكره أن المرأة لم تعش كما شاء الله لها أن تكون إلاَّ في فترة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما بعده بقليل ، وهذا يبين لنا سر تكرار الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للتوصية بالتعامل مع النساء بالحسنى فلم تخلوا مناسبة إلاَّ ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ( أوصيكم بالنساء خيراً ) وقوله ( ما أكرمهن إلاَّ كريم وما أهانهن إلى لئيم ) فقد كان يعلم صلوات ربي وسلامه عليه بما سيئول إليه حال المرأة من التدني والإهمال الذي سيترتب عليه فساد كبير .
ونأتي لبداية العمل على إقصاء المرأة عن دورها الذي كلفها الله تعالى به ، كانت البداية سياسية بحتة ثم تحولت إلى مسألة شخصية تعلقت بالنفس الأمارة بالسوء ، لننظر معاً ونحكم ، عندما بدأ تاريخ الأمة في التحول كانت المرأة جزء مهم منه ، فكانت الأم المصطفاة من الله عز وجل ، وكانت الزوجة المجاهدة بمالها ونفسها ، وكانت الابنة الصالحة العفيفة الطاهرة ، وكانت الأخت المدافعة عن أخيها وأهلها وذويها وكانت ...... وكانت ..... إلخ .... إذن بدأ دور المرأة يتجسد بمعناه الحقيقي وبدأت تشكل خطراً على كثير من أصحاب النفوس الضعيفة وهنا بدأت التغطية على كل امرأة ذات موقف وقول وإرادة ، وكانت هذه التغطية مدروسة حيث صبغت نفسها بالطابع الديني الذي لا يمكن أن يحتج عليه أحد ، وبدأت الأحاديث المنسوبة إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تتكاثر وتنموا وتجد لها متسع في قلوب أصحاب النفوس الضعيفة ، وهكذا بدأت الأحاديث التي تقلل من شأن المرأة ودورها وبأنها غير مؤهلة للاعتماد عليها في أي أمر من أمور الحياة حتى تربية أبنائها والتي أعدها الله سبحانه وتعالى للقيام بها حرموها منها بحجة أنها غير قادرة على ذلك فاقتصرت مهمتها على ألعناية الشكلية بأطفالها فنشاء عن ذلك خلل كبير في تربية الأبناء والبنات .
ثم بدأ الإقصاء يتخذ شكل أخر إلى أن وصل إلى مرحلة الانقسام وهي المرحلة التي نعيشها حالياً فإذا أمعنا النظر في الأوضاع الموجودة حالياً سنجد أن هناك اتجاهين يعملان على هذه المهمة الاتجاه الأول وهو ما يسمى بالاتجاه الديني والذي يعمل على حصر الأحاديث الموضوعة وتقديمها على أنها أدلة على عدم أهلية المرأة وعلى عدم الأخذ بأي رأي تقدمه لأنها غير قادرة حتى على التفكير ولا يجب الأخذ برأيها لأنه يعد نقص وتناسوا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخذ بمشورة أم سلمة يوم صلح الحديبية فكيف هذا النبي الذي يقول (( شاوروهن وخالفوهن )) ثم يعمل بمشورة امرأة ومثل هذه الأحاديث كثيرة ليس لها هدف سوى إحداث خلل داخل المجتمع ، أما القسم الثاني : فهو يريد لها الحرية كما يراها هو ، والتي تتمثل في سلخها من كل معاني الإنسانية وتحويلها إلى لوحة متحركة يستمتع برؤيتها الرجل ويرضي جميع رغباته ويحركها كيف ما يشاء وهو يوهمها بأنها حرة وهي ممتثلة لذلك بكل رضا وسعادة لأنها كما تقول حرة ، يتضح لنا مما سبق أن هناك مسميين تتضارب المرأة ما بينهما ولكل منهما وسائله والنتيجة بالنسبة للمرأة واحدة .
الأول : تحت مسمى الدين عطلوا عقلها وحولوها إلى إنسان مسير لا يمتلك سوى السمع والطاعة واستغلوا كل الطاقات التي خلقها الله فيها لصالحهم مما أخل بمهمتها الأساسية التي خلقت من أجلها .
الثاني : تحت مسمى الحرية حولوها إلى إنسانة متمردة على أي شيء اسمه واجب أو حرام أفقدوها أنوثتها وعطلوا مهمتها التي كلفها بها الله سبحانه وتعالى وحركوا نفسها الأمارة بالسوء ودعموها بكل الوسائل .
والنتيجـــــــــــــة : -
هي ضياع المرأة بين الطرفين وتحويلها إلى كائن مسير غير مخير وهذا مخالف لكتاب الله وسنة نبيه ، ونجد بأن عدم صلاحية المرأة أصبح حقيقة ملموسة فعندما تقوم المرأة بأي عمل نربطه بالآخرين ، فأن التزمت يقال مضغوط عليها وإن انحرفت يقال مغرر بها وأثروا عليها ، لماذا لا تكون المرأة مسئولة عن فعلها ، لقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (( لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ) أي أنها مسئولة عن نتيجة فعلها ، وهذا هو الإسلام الكل مسئول عن أفعاله أمام الله وأمام الآخرين والكل سيحاسب نساء ورجال لن يستثنى منهم أحد بسبب جنسه و لم يرد نص بهذا لا في القرآن ولا في السنة بل قال الرسول الكريم (( كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته )) ................
إذن المرأة مكلفة والمفروض أن تربى وتعامل على هذا الأساس ، ولكن المفروض شيء والواقع شيء آخر مما أدى إلى وجود خلل واضح في حياة كثير من الأسر المكونة من ذكور وإناث ، والخلل هذا سببه مشترك مابين النساء والرجال وسنأتي لتوضيح ما هو الخلل فيما بعد ، ونعود إلى مسألة الانقسامات والتوجهات وما ترتب عليها من أمور كما ذكر سابقاً بأن هناك دراسة وتخطيط لتعطيل دور المرأة ، ولكن يجب ألاَّ نغفل أن للمرأة دور ومشاركة في هذا الموضوع وهي تتحمل جزء كبير من المسئولية حيث أنها استسلمت لكل تلك الآراء بشقيها وكأنها مغلوبة على أمرها ولو أنها بحثت عما أودعه الله بداخلها من الإمكانيات والقدرات التي سلحها بها الله سبحانه وتعالى لتتمكن من أداء مهمتها الموكلة إليها لوجدتها إمكانيات وقدرات في غاية الأهمية لأنها أودعت أساساً في مخلوق أوكل إليه مهمة إعداد النفوس البشرية في أول مراحل نموها ، ولكنها مالت إلى تعطيل هذه الإمكانيات بحجة الراحة وأنها ناقصة عقل ولا تستطيع التحكم في كثير من الأمور ، وهذا يعد من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها المرأة في حق نفسها وحق خالقها الذي أودع فيها العاطفة التي تمنحها القدرة على الصبر والعطاء ، ولهذا نجد كثير من النساء انقدن وراء هذين الرأيين ولم يبحثن عن الأسباب التي جعلت هذين التيارين مستمرين إلى الآن ، بل أن مجموعه منهن استسلمت للرأي الأول واقتنعت بأنها غير قادرة على شيء ولم يخلقها الله سبحانه وتعالى إلاَّ لإنجاب الأولاد ومراعاتهم الرعاية الجسدية دون الروحية ، ومجموعة انقادت للتيار الثاني وحملت الإسلام كل ما آلت إليه حالها وذهبت تبحث عن نفسها خارج دينها وبيئتها .
وهنا نأتي لذكر الخلل الذي نتج عن وجود مثل هذه الاتجاهات والآراء التي ليس لها هدف سوى ضياع الإسلام والمسلمين ، وننوه إلى أن الخلل عادة يحدث بسبب إحداث عطل في الشيء المراد تخريبه وتعطيله عن أداء المهمة المطلوبة منه أو التي خلق أو صنع من أجلها وهذا ما حدث فعلاً للموضوع الذي ننحن بصدد الحديث عنه سيسأل الجميع كيف وما معنى هذا الكلام ؟
والجواب هو القول بأن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل وجعل عليه القوامة بمفهومها الصحيح وخلق المرأة وأوكل إليه مهمة الأمومة بمفهومها الصحيح ، ولكن حين تدخل الإنسان وأحدث العطل اختل الميزان الرباني ولم تعد كفتي الميزان متساويتان فتارة تميل إلى جانب وتارة تميل إلى الجانب الآخر ، فحين تحولت مسألة القوامة من المعنى الذي أرادها الله عليه وهو أن يكون على الرجل توفير الحماية والاستقرار والأمن لأسرته وبذل كل ما يستطيع من أجل أن تكون هذه الأسرة مستقرة وآمنة وجعل الله أسباب الاستطاعة للقيام بهذه الأمور متمثل في العقل الذي يطغى على العاطفة عند الرجل ومن معاني القوامة التوجيه الصحيح إذا حدث خلل من الطرف الآخر ومعاني كثيرة لا يمكن ذكرها لضيق الوقت ، ولكن المهم هو أن هذه المعاني تحولت إلى السيطرة والتحكم وإصدار الأوامر والنواهي وفرض الآراء دون دليل ولا برهان لا من الكتاب ولا من السنة .
وحين تحولت مسألة الأمومة من معناها الحقيقي وهو العطاء والبذل وتزويد الأبناء بكل معاني الخير والاهتمام الروحي قبل الجسدي والسمو فوق كل معاني الأنانية في سبيل إسعاد وراحة الأسرة ومعاني كثيرة لا حصر لها وجعل الله أسباب الاستطاعة للقيام بهذه الأمور متمثلاً في العاطفة الزائدة لدى المرأة ، ولكن حين تحولت هذه المعاني إلى شيء آخر لا يتعدى الاهتمام بالنفس أولاً ثم الآخرين ، انقلبت الموازين ووصلنا إلى الوضع الذي نحن عليه الآن ومن أهم الأضرار التي نتجت عن هذا الخلل هو عقوق الوالدين ، وهذا الوضع ماثلاً أمامنا بوضوح ودائماً يتكرر الحديث عنه في خطب الجمعة وفي المحاضرات والندوات التي يقيمها علمائنا حفظهم الله ولكن لا نرى أي استجابة لماذا يا ترى وما السبب ؟ السبب هو ما ذكرناه سابقاً ، فعندما يتربى طفل في أسرة لا تقيم للمرأة أي معنى وتنظر لها بأنها ناقصة عقل والرجل الحقيقي هو الذي لا يأخذ بمشورة امرأة والرجل هو الذي لا يسمع كلام النساء والرجل و.....و...
عندها نجد أن الشاب بمجرد أن يصل لمرحلة التكليف والبلوغ ينظر إلى أمه على أنها أقل منه فهو رجل وهي امرأة وليس واجباً عليه طاعتها ، ومهما وعظناه وأرشدناه لن يجدي نفعاً لأن من شب على شيء شاب عليه فكيف نغرس فيه أن المرأة لا تنفع لشيء ثم نطلب منه طاعتها ، ونفس الوضع يتكرر مع الأخوات فكم من أخت أكبر من أخيها بسنوات نرى أخاها الصغير لا يقيم لها وزناً وإنما يتعامل معها بصيغة الآمر الناهي لأنه رجل وهي امرأة ، وهكذا عدنا للجاهلية دون أن ندري ، والمؤلم في هذا بأن جزء من هذا الوضع يقع باسم الدين ويسهم فيه بعض العلماء الذين يشجعوا مثل هذه الأفكار التي ترتب عليها خطر كبير وهو اقتناع كثير من النساء بأن الإسلام يضع المرأة في مكانة مزرية يجعلها مستعبدة للرجل ليس لها أي قيمة ولا يقيم لها وزنا ، فاتجهت كثير من النساء إلى تبني أي فكرة تأتي من خارج مجتمعها بحجة أن هذه هي الحرية ما دامت الفكرة من خارج الإسلام ، وهكذا نكون قدمنا لمن تحوي نفوسهم حقداً على الإسلام والمسلمين أرضية جاهزة وصالحة لبذر كل أنواع الأشواك السام منها والمضر وستنمو وستترعرع دونما رقيب لأن الجزء الأكبر من العقول متوقف عن التفكير .
ولنتأمل معاً كيف يكون العمل لمثل هذه الجهات تهدف إلى ضياع المرأة :-
أولاً : بث الشعارات الضخمة والمطاطة عن حرية المرأة وحقوق المرأة المهضومة والدفاع عن المرأة وتعليم المرأة ومحاربة العنف ضد المرأة و.... و..... كل هذا كلام جميل ورائع ولكن كيف يتم العمل على تنفيذه ، دائماً تكون الإحصائيات والدراسات عبارة تقديم أرقام لمجموعة من الحالات وتحت مسميات محدودة دون البحث في ما هو المسبب لمثل هذه الحالات مثال :- 1 - ( عدد ) حالة عنف ضد المرأة . 2- ( عدد ) حالة زواج مبكر .
ثم نأتي للحقوق المتمثلة في :- حقها في التملك - حقها في تولي المناصب السياسية - حقها في التعليم .
والمطلوب هنا هو البحث في لماذا تحدث مثل هذه الحالات ولماذا تضيع مثل هذه الحقوق ، قبل أن نبدأ في حصرها والمطالبة بها وإلاَّ فنحن من حيث المبدأ متفقون بعض الشيء معهم ولكن ما نريد قوله هنا هو أن مثل هذا الشعارات تقدم لإنسان لا يعرف هويته أساساً فالمرأة المسلمة لم تعد تعرف من هي فقد اختلطت الأمور عليها بسبب احتكار العلم وجعله حكراً على الرجال دون النساء ، ولذا يجب علينا قبل نضع بذورنا في أرض غير صالحة أن نستصلح هذه الأرض ونعالجها ونعدها لقبول مثل هذه البذور الصالحة إن وجدت .
ومن العجيب أيضاً أن نجد كثير من النساء تنتظر أن تقدم لها الحرية كما يزعمون على طبق من ذهب مع أن المعروف هو أن الحرية لا تعطى ولكن تؤخذ أي أنه إذا لم تدرك المرأة بأنها بحاجة إلى البحث عن هويتها والسعي إلى حريتها الحقيقية وليست الحرية التي نراها على شاشات التلفزيون وعلى أغلفة المجلات هي بنفسها فلن تكون إلاَّ منقادة لأراء وشعارات الآخرين والأعجب من هذا أن تبحث المرأة العربية المسلمة عن حريتها وحقوقها من خلال جمعيات أجنبية ليس لها علاقة لا بدينها ولا مجتمعها ، لماذا لا تبحث هي ويكون بحثها من قناعتها وتبحث عن نفسها بين صفحات كتاب الله وبين الصحيح من سنة نبيه وتجعل قدوتها هن بنات رسول الله اللائي مثلن المرأة المسلمة كما أراد لها الله أن تكون وبعد أن تتحصن من هذا النبع لا مانع من أن تتقبل أي رأي آخر وتبحث وتناقش مع من شاءت وتنتقي من أفكار الآخرين ما يناسب دينها ومجتمعها وبيئتها لا أن تكون منقادة للآخرين وأفكارهم .
والناتج العام لكل ما ذكر سابقاً هو أن صراخ المسلمين العلماء منهم والعوام بدأ يتعالى صراخهم من حال المرأة الآن وبدؤا في الخوف على وضعها لماذا ؟ لأنهم أحسوا بالضرر من وضعها المتدني ، أحسوه في نفوسهم وفي أبنائهم وفي استقرارهم ولهذا فهم يحاولون إنقاذ مصالحهم لأنهم وجدوا بأن أي خلل في سلوك المرأة يؤثر على حياتهم بصورة مباشرة وهذا يدفعهم إلى محاولة تصليح ما أفسدوه .
ومن حسن الحظ أننا وصلنا إلى مرحلة جديدة وهي وصول البعض من علمائنا إلى نقطة معينة وهي ضرورة تعلم المرأة العلوم الشرعية ، ولكني أطمع إلى الوصول إلى مرحلة الإيمان بضرورة تعلم المرأة العلوم الشرعية ، فأن مجرد الشعور بالحاجة إلى تعلم المرأة فقط لا يكفي بل يجب أن يدعمه الإيمان بذلك لأن الحاجة إلى الشيء تزول بزوال تلك الحاجة ولكن الإيمان يكبر ويتسع وهذا ما نطمح إليه .
وفي الأخير نتوجه بالقول للمرأة : أنت مخلوق خلقه الله سبحانه و تعالى الذي أثنى على نفسه بقوله (( فتبارك الله أحسن الخالقين )) والله سبحانه وتعالى توجه للنساء والرجال بآيات صريحة وواضحة تدل على أن التكليف للجنسين أمر مفروغ منه وأن كل من الطرفين مسئول عن كل فعل يقوم به فقال تعالى (( كل نفس بما كسبت رهينة )) وقال عز من قائل (( إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى )) وقال تعالى (( ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة )) ويقول تعالى (( لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات )) فهل تريد المرأة أكثر من هذا وضوحاً لكي تستفيق من غفلتها وتعود لتؤدي رسالتها التي أرادها منها الله سبحانه وتعالى .
أسأل الله العلي القدير أن ينير بصائرنا ويرشدنا إلى طريق الهدى ويرزقنا العلم النافع ويهدينا إلى العمل به وأن يجعلنا من عباده الصالحين السائرين على نهج نبيه الكريم وآل بيته الطيبين الطاهرين ،،،،،
والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأطهرهم وأزكاهم محمد بن عبد الله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأسرة والمرأة“