على طريق الأسره المسلمه

يختص بقضايا الأسرة والمرأة والطفل
أضف رد جديد
المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

على طريق الأسره المسلمه

مشاركة بواسطة المتوكل »

لماذا الأسرة.. ولماذا هذه العلاقة الزوجية المعقّدة ؟

ربما نستوحي من القرآن الكريم، أنّ قضية الزواج والنـزوع إلى تكوين الأسرة، ينبعان من الشعور العميق بالحاجة إلى أن يكمل الإنسان ـ رجلاً وامرأة ـ ذاته من خلال ارتباطه بالجنس الآخر، انطلاقاً من الفطرة التي فطر الله الناس عليها والكامنة في تكوينه الإنساني، الذي تختلط فيه الحاجة الروحية إلى الزوجية، بالحاجة الجسدية إلى إرواء الرغبة في إطار روحي حميم.. ما يعني أن عدم تلبية هذه الحاجة يدفع بالإنسان إلى الشعور الدائم بالقلق الروحي الذي يفترس طمأنينته، فيؤدي به إلى البحث عن الفرصة التي تحقق له ذلك.

وقد نستطيع التعرف على طبيعة هذه الفطرة من خلال ملاحظة النماذج الإنسانية التي قد تندفع إلى إرواء الغريزة إلى حدّ كبير، بعيداً عن إطار الزواج، ولكنها تظل تعيش الحنين والرغبة إلى أجواء الزوجية، لأنها تشعر بالفراغ الكبير الذي يغمر حياتها في ظلّ العزوبيّة، مهما حاولت أن توحي لنفسها بالامتلاء، فإننا نجد في ذلك أن قضية الحاجة إلى الزواج ليست هي الحاجة إلى إرواء الغريزة أو إشباعها، بل هي ـ بالإضافة إلى ذلك ـ حاجة روحية إلى الاتحاد الروحي والجسدي مع إنسان آخر..

وهذا ما نستوحيه من الآية الكريمة في قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم:21]..

فنحن نلاحظ في هذه الآية التأكيد على الوحدة في أصل الخلقة والتكوين، للإيحاء بالحالة النفسية التي تحدثها لدى الطرفين.. وذلك في فقرة {خلق لكم من أنفسكم أزواجاً}..

ونلاحظ ـ إلى جانب ذلك ـ التركيز على أن الغاية هي حصول الطمأنينة والسكينة الروحية التي يشعر الإنسان من خلالها أنه وجد ذاته بتمامها، وتكتمل الصورة في اعتبار المودّة والرحمة أساساً للعلاقة في طبيعة التكوين.. وقد يلفت نظرنا ـ ونحن نتابع التشريعات الإسلامية ـ أن الإسلام يريد للزوجين أن يعيشا الشعور الروحي المرتبط بالله حتى في بداية الممارسة الجنسية، لئلا يتحوّل الزواج إلى عملية جسدية خالصة لا ترتبط بالمعاني الروحية، بل يعود علاقة تمتزج فيها المادة بالروح في عملية اتحاد وتكامل، انطلاقاً من الخط الإسلامي الأصيل الذي يريد للإنسان أن يسير في كل أفعاله وأقواله وعلاقاته، في تزاوج الجانب الروحي والجانب المادي للحياة..

وفي هذا الإطار، ورد في الأحاديث المأثورة الشريفة عن أئمة أهل البيت(ع) بعض التعاليم التي تجعل من بداية الحياة الزوجية صلاة خاشعة لله، وتأكيداً على الجانب الشرعي للعلاقة، من أجل الإيحاء بالطبيعة العملية للسلوك في الحاضر والمستقبل، فقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال: "إذا دخلت بأهلك فخذ بناصيتها واستقبل القبلة وقل: اللهم بأمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللتها، فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقياً.. ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً.."(1).

وقد جاء عن الإمام محمد الباقر(ع) في حديثه إلى بعض أصحابه: "إذا دخلت فمُرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضية، ثم أنت لا تصل إليها حتى تتوضّأ، وصلّ ركعتين، ثم مجِّد الله وصلّ على محمد وآل محمد، ثم ادعُ الله ومُر مَن معها أن يؤمنوا على دعائك، وقل: اللهمّ ارزقني إلفها وودّها ورضاها وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام"(2)..

وفي حديث الإمام جعفر الصادق إلى بعض أصحابه، قال: "إذا أراد الرجل أن يتزوج المرأة فليقل: أقررت بالميثاق الذي أخذ الله، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"..

إننا نشعر ونحن نتابع هذه الكلمات الطيبة، أن الإسلام يريد للزوج أن يبدأ من خلال المسؤولية الروحية والعملية، لا من خلال النهم الغريزي الذي يريد إشباعه، ولعلّ القيمة الكبيرة لهذا الجو، أنه يفتح قلب الإنسان وروحه على طبيعة الخطوات التي يجب أن يخطوها في هذا السبيل، فيتحرك من خلال الوعي المنفتح على الله، لا من خلال العادة العمياء التي تسير على غير هدى.

وفي تأكيد الآية الكريمة على "السكن" و"المودة والرحمة" كطابع يطبع الحياة الزوجية في مفهوم الإسلام، قد نستشعر نوعية الأجواء التي يريد الإسلام للزوجين أن يعيشاها في ظل حياتهما الجديدة، فليست هي الأجواء التي يحقق فيها كل واحد منهما مصالحه الذاتية، أو أطماعه الخاصة لدى الآخر، وليست هي الأجواء التي تتحفّز فيها الشهوة الغريزية المجردة لتكون الأساس المتين لبناء هذه الحياة، بل هي الأجواء التي تؤكد الإنسانية فيها ذاتها، عندما تنطلق العلاقة من منطلق إنساني رحيب صاف يشعر فيه كل طرف بأنه مشدود إلى طرفه الآخر برباط المودة والمحبة، الأمر الذي يجعل كلاً منهما باحثاً عما لدى الآخر من أسس المحبة الدائمة المرتكزة على التأمل والتفكير، لئلاّ تكون مجرد عاطفة طارئة لا تلبث أن تتضاءل أو تذوب أمام حالات الرغبة المضادّة.

وإذا استطاعا أن يعيشا هذا الشعور العقلاني بالمحبة والمودة، فستخضع حياتهما المشتركة للعفوية والعطاء والسماح في كل ما يجدُّ فيها من متاعب ومشاكل وآلام. ثم نجد في كلمة "الرحمة" إيحاءً جديداً بطبيعة العلاقة الزوجية من جانب آخر، وهو الجانب الذي يتصل بالفهم الواعي المسؤول لدى كل منهما عن الآخر، من خلال ظروفه العائلية والنفسية والاجتماعية، فإذا عاش كل منهما ظروف الآخر، أمكنه أن يتعامل معه على أساس تقديره لتلك الظروف، ويتعايش معه من خلال محاولة الانسجام ـ مهما أمكن ـ مع الأجواء التي تفرضها، والمشاعر التي تخلقها في داخل النفس.. فيبتعدان في هذه الأجواء عن الأنانيات الذاتية التي تحطم الحياة الزوجية، عندما يندفع كل منهما ليفكر بنفسه بعيداً عن مصلحة رفيقه، فيبدأ بالبحث عن أفضل السبل لاستغلال هذه العلاقة لمصالحه ومزاجه وأطماعه.. وتأتي الرحمة لتبدل كل هذه المشاعر والوسائل، فيتجه التفكير ـ من جديد ـ إلى أن هناك حياة مرتبطة بحياته، وأن لهذه الحياة ظروفاً تختلف عن ظروف حياته، وأنّ للإنسان الآخر الذي يعيش معه، أجواء فكرية وروحية ونفسية تختلف عن أجوائه في ما عاشه من بيئة مختلفة عن بيئته، وأسلوب في التربية مختلف عن أسلوب تربيته، وتأثيرات عاطفية وفكرية متنوعة لا تتفق مع التأثيرات التي شاركت في تكوين شخصيته، فيعمل على مراقبة ذلك كله، عندما يتعامل مع الكلمة التي ينطقها، أو الحركة التي يطلقها، أو العمل الذي يقوم به، الأمر الذي يجسد الرحمة بالممارسة بدلاً من تجسيدها بالشعور الطيب الساذج، فيرحم كل منهما آلام الآخر وأحلامه وتطلعاته من خلال تأثيرها في حياته.. حتى الخطأ الذي يراد إصلاحه لا بد من التعامل معه برفق وحكمة، لئلا يحوّله إلى عقدة بدلاً من تحويله إلى صواب..

وبذلك تتحوّل الحياة الزوجية إلى "سكن" يسكن إليه كل منهما في حياته الداخلية والخارجية، حيث يعيشان الهدوء الروحي والعقلي بعيداً عن المشاحنات والمنازعات التي تشوّه جمالها وتسيء إلى طبيعتها الرحبة.

وأحسب أننا لو عشنا المودة والرحمة على هذا الأساس، لاستطعنا أن نخفف كثيراً من المشاكل الزوجية التي نعايشها مما يرتكز على إهمال كل طرف ما لدى الطرف الآخر من ظروف ومؤثرات، وعلى "الأنانية" التي توحي للإنسان بالواجبات الملقاة على عاتق صاحبه تجاهه من دون تفكير بالحقوق المترتبة عليه.

دور الأسرة في تربية الشخصية

وقد نجد في نظام الأسرة في التشريع الإسلامي تركيزاً على جانبين أساسيين من جوانب تربية الشخصية الإنسانية مما قد لا يتوفر في غيرها بشكل دقيق:

الجانب الأول: التدريب العملي على التدرج في حمل المسؤولية، ففي الحياة الزوجية، يتحمل كلٌّ من الطرفين مسؤوليته تجاه الطرف الآخر، كما يشتركان في حمل المسؤولية تجاه الأولاد، ما يحقق لأيّ منهما تجربة جيدة في مواجهة المسؤوليات العامة والخاصة، فينطلق إلى الحياة من موقع الشعور بالمسؤولية على أساس أن له حقوقاً وواجبات تجاه الآخرين في مقابل ما لهم عليه من حقوق وواجبات، وبذلك يستطيع أن يضع يديه على طبيعة الزيادة والنقصان في حقوقه وحقوق الآخرين.. ولعل ذلك هو الذي توحي به الآية الكريمة: {ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة} [البقرة:228].. فلم تجعل للرجال إلا درجة واحدة يتميّزون بها في قوامة الرجال على المرأة التي استحقها نتيجة بعض الميزات الطبيعية، وقيامه بمسؤولية الإنفاق على البيت الزوجي.. وربما كان لهذا التحديد في مواجهة المسؤولية وممارستها أثره في تخفيف النظرة المتعالية التي ينظر بها الرجل إلى دوره إزاء المرأة، ليعرف أنّ القضية ليست قضية سيادة وعبودية، بل قضية مراعاة بعض الميزات الأساسية المحدودة من الناحية العامة.

وإذا استطاع الزوجان أن يعيشا المسؤولية بهذا الوعي والعمق والامتداد، لأمكنهما أن يحصلا على ذهنيّة تواجه أبعاد المسؤولية بعملية حسابية دقيقة لا تستسلم للعاطفة، ولا تنهار أمام الانفعالات.. ولاستطاعا ـ من خلال نجاحهما في هذه التجربة الصغيرة ـ أن يحققا النجاح في مجالات المسؤوليات الأخرى في الحياة التي قد تكبر وتصغر تبعاً للظروف العامة والخاصة التي تفرض نفسها على الإنسان.

الجانب الثاني: الجوّ الروحي والعاطفي الذي يعيشه الأولاد في داخل الأسرة، فقد نجد في هذا الجوّ ما لا نجده في غيره من المؤثرات العميقة التي تشارك في البناء الروحي والعاطفي للطفل.. فإن التربية أو الرعاية لا تعتبر في هذا الجوّ وظيفة يمارسها الأبوان بروحية المهنة، بل تعتبر رسالة يحملانها من خلال المشاعر الداخلية المشبعة بالعاطفة والحنان، وبذلك يعيش الطفل في تغذيةٍ عاطفية ممزوجة بروح الأبوة والأمومة، ما يجعله في حالة إشباع عاطفي مستمر، وشعور عميق بالالتصاق بمنابع الحياة التي تمده بالشعور الدائم بالأمن والطمأنينة والقوة، بعيداً عن كل الحالات التي توحي بالفراغ واليأس والضياع.. ولعلّ من بديهيات الأمور، أن الرعاية كلما توفرت للطفل بشكل مباشر، كلما كانت العناية أكثر والإحساس بالتجاوب أعمق، فإن هناك فرقاً واضحاً بين أن يحصل الإنسان على الرعاية والعناية بشكل خاص، وبين أن يحصل عليها في ضمن مجموعة كبيرة، فقد نجد في المشاعر والنتائج التي تتركها الرعاية الخاصة، الغنى الكبير الذي لا نجده في الحالة الشاملة التي يتحوّل فيها الإنسان إلى رقمٍ من الأرقام الكثيرة في قائمة المسؤولية العامة..

وبكلمة واحدة: إن قيمة الأسرة، هي في هذا الجو الذي تتيحه للطفل في الارتواء العاطفي الذي يوحي له بالمحبة والحنان والامتلاء، ويجعله موضع الاهتمام والرعاية المباشرة من الأبوين، ما لا تتيحه له المحاضن الكبيرة التي تتحول الحاضنات فيها إلى موظفات يمارسن المهنة بعقلية المهنة، لا بروحية الرسالة، ما يفسح في المجال للمزيد من الجفاف الروحي والإهمال التربوي.


مسؤوليتنا في حفظ الأسرة كمؤسسة

ومن خلال هذا العرض الموجز، نشعر بأن مؤسسة الزواج التي تفسح المجال لنظام الأسرة الواحدة، هي من المؤسسات التي تؤدي وظيفة إنسانية يجب أن نحافظ عليها، وأن نكفل لها الامتداد والتركيز، فلنقف أمام الدعوات التي تطلق من هنا وهناك لتدعو إلى الثورة على هذا النظام، بحجة أنه يشتمل على سلبيات كثيرة، ولكنها لا تحاول النظر إلى إيجابياته، لتكون القضية المطروحة هي الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات، فيكون الحكم أكثر اتزاناً وأقرب للواقعية والعدالة.

مع سلبيات نظام الأسرة

إننا نواجه كثيراً من التيارات الحديثة، في ما نقرأ، وفي ما نشاهده، في أوروبا وأمريكا وفي غيرهما من البلدان التي تحارب الأسرة كنظام، والزواج كمؤسسة، على أساس أن الأسرة تخنق حرية الفرد، رجلاً أو امرأة وتحبسه في نطاق ضيّق لا يستطيع معه أن يمارس حريته في حياة اللهو والعبث وفي الانطلاق. وقد يحلو لبعضهم أن يربط القضية بحقوق المرأة وحاجتها إلى تأكيد إنسانيتها، على أساس أن نظام الأسرة يحولها إلى إنسانة لا شغل لها إلا الحمل والولادة والرضاع والحضانة، ما يعني إهدار طاقاتها الأخرى التي تستطيع من خلالها تقديم العطاء الأكبر للإنسانية.

وقد يجد البعض في نظام الأسرة جواً خانقاً ضيّقاً يحبس الأطفال في الإطار المحدود الذي تتحرك فيه عقلية الأبوين، فيتأثر به ويتجمّد.. وقد يؤدي ذلك إلى الفوضى في التفكير لدى الأمة عندما تتنوّع ذهنية أبنائها وتختلف وتتناقض تبعاً للذهنيات المتنوعة للآباء المختلفين في عقلياتهم وتفكيرهم.

ويحاول هؤلاء أن يضعوا البديل لنظام الأسرة، في المحاضن الكبيرة التي تحوّل الأعداد الكبيرة من الأطفال إلى أسرة كبيرة واحدة تشرف عليها مربيات متخصّصات بأحدث وسائل التربية والرعاية، حيث تتوفر لهم الحياة الجماعية الواسعة، والتربية الموحدة، في الوقت الذي توفر للآباء والأمهات الحرية الكاملة في ممارسة حياتهم على حسب ما يشتهون، وتفجير طاقاتهم المتنوعة كما يريدون، بعيداً عن ضغوط المسؤوليات المترتبة على الأبوة والأمومة من خلال نظام الأسرة.

وقد يضيف بعضهم إلى ذلك، أننا لا نحتاج إلى إعطاء العلاقات الجنسية صفة الشرعية في إطار الزواج، لأن مهمة الزواج هي المحافظة على النوع البشري، إلى جانب الاستجابة للحاجة الغريزية.. ونحن لا نشعر بالضرورة إلى إخضاع ذلك للقوانين التي تجعل للعلاقة حدودها الشرعية القانونية.. وقد يطرح بعضهم موضوع "أنابيب الاختبار" كموضوع جديد يلغي منابع الحمل والولادة، ويجعل قضية امتداد البشرية في الوجود خاضعة للمزارع المستقبلية للإنسان، تماماً كمزارع الدجاج وغيره.


الإيجابيات تتحدى السلبيات

ربما يفكر بعض الناس على هذا الشكل، ولكن هذا التفكير لا يعطي لعلاقة الرجل والمرأة أيّ بُعد روحي، بل يعتبرها قضية مادية ككل القضايا المادية الجامدة الجافة الخاضعة لنظام الآلات والأرقام.. حتى قضية الأطفال ليست إلا كقضية وجود أو نشأة أي نوع من الحيوان أو النبات أو الجماد، فهو شيء كالأشياء التي تخضع للقوالب الجاهزة الجامدة.

ولكننا لا نستطيع السير معهم في هذا المجال، لأن هذا الاتجاه قد يحقق بعضاً من الإيجابيات، ولكنه يخلِّف الكثير الكثير من السلبيات التي تتحدى النموّ الطبيعي للإنسان في طفولته وشبابه وحياته كلها.. ونحن لا نريد الدخول في جدل فلسفي عميق أو عقيم، بل كل ما نريد أن نقدمه أمام هذه الفكرة، في هذه الوقفة الخاطفة، هو التجربة المريرة التي عاشها الإنسان من خلال انحلال الأسرة وتفككها في حياة الإنسان المعاصر في أوروبا وأمريكا، على أساس مفاهيم الحرية اللامسؤولة، وعلى أساس من العقلية المادية الجامدة..

فإننا نشاهد أمامنا الواقع الذي ابتعد فيه الإنسان تدريجياً عن جو الأسرة، في أجواء الفتيات، وفي أجواء الشباب من الأبناء والبنات.. وهكذا في جيل الآباء والأمهات، فقد تحوّلت الأسرة عندهم إلى سجن كبير، وأصبح البيت الذي يجتمعون فيه يمثل فندقاً صغيراً يتجمع فيه خليط متنوع من الناس لا يشعرون فيه بأيّة رابطة تربطهم ببعضهم البعض، فلكلّ منهم حريته حسب هواه، ولكلٍ منهم أوضاعه وعلاقاته حسب رغبته، ولا مجال للحنان والعاطفة في حياتهم من قريب أو بعيد..

..وهكذا وجدنا لدى هذا الجيل جفافاً في الإنسانية، وشعوراً بالضياع، وإحساساً عميقاً بالعبث في ممارسة الإنسان للحياة. وهكذا بدأت "الصرعات" التي تجتاح أوروبا وأمريكا وغيرهما من خلال الشعور العميق بالجفاف الروحي والجدب العاطفي، ما يغريه بالهروب من واقعه، والتمرد على طريقة الحياة فيه، فقد تحوّلت علاقته بأبويه وبالناس كافة إلى علاقة تخضع للأرقام الحسابية في كل مجالاتها، ولا تخضع لأية دوافع روحية يعطيه منها الآخرون ما يملأ روحه وحياته وما يزيد في نموه العاطفي والنفسي.

إننا نشاهد في هذه التجارب البسيطة التي لم تقتلع ـ حتى الآن ـ الأسرة كنظام، وإنما خففت من أجوائها، فأبعدت الأسرة عن تأدية وظيفتها الطبيعية.. إننا نشاهد الإنسان وهو يعيش الجفاف والقسوة، ويتحول إلى إنسان جائع، لا للمال ولا للشهوات، بل هو جائع للحنان وللعاطفة، تماماً كالطفل الذي يعيش هذا الجوع في بدايات أيامه، إن الإنسان يتحوّل الآن إلى طفل كبير يعيش الحاجة إلى العطف والحنان اللتين فقدهما في طفولته عندما ابتعدت الأسرة عن معانيها الروحية، ولهذا فإننا نعيش الآن في زمن الأطفال الكبار الذين يبحثون في طفولتهم الجديدة عن الروح التي تجعل من طفولتهم شيئاً حياً يبني لهم روحهم كما يبني لهم ماديتهم..

أما حديث الآفاق الضيقة، والحريات الإنسانية، وغير ذلك مما أثاره هؤلاء، فإنه لا يزيد عن إثارة بعض السلبيات أمام الفكرة، ولكنها سلبيات لا تثبت أمام الإيجابيات الكثيرة، ولا تثبت أمام النقد، لأن الحياة كفيلة بتوسعة الآفاق الضيقة التي قد يعيشها الطفل من خلال أبويه، كما أن التربية المتقدمة الموحّدة، قد توفر لأبناء الأمة تفكيراً موحداً من خلال المناهج الموحدة، بل ربما نجد في تنوّع ذهنية الآباء واختلافها خصباً جديداً في تنويع الذهنيات وتحريكها، لئلا تتجمد عند أفق واحد.. فيعطي كل أسلوب منها معنىً جديداً للحياة عندما تبدأ الطاقات بالتفجر والانفتاح.

أما حديث حقوق المرأة وحرية الأبوين، فقد لا نجد فيه ما يغري بالتفكير والمناقشة، لأن هذا النظام لا يجمِّد الحريات، بل يضعها في إطار المسؤولية، ولا يهدر الحقوق، وإنما ينظّم لها مسارها وحركتها في حياة الإنسان.

ومهما انطلقت السلبيات هنا وهناك في هذا النظام، فإننا نرى أن السلبيات التي يفرزها النظام البديل تهدِّد حيوية الحياة في أعماق الإنسان وتهدم له روحيته، وتجفف في داخله ينابيع الرحمة والحنان.

ولهذا، فإننا نصرّ ونؤكّد على الاحتفاظ بالأسرة كنظام، وبالزواج كمؤسسة، لأن الإنسانية لم تجد البديل الأفضل الذي يمكن أن تسير عليه في الاتجاه الآخر، وقد لا نجد مانعاً من التوفر على دراسة سلبيات هذا النظام ومحاولة تقليلها وتخفيفها من خلال العمل على سلامة التطبيق.

* * *

(1) الكافي، المعجم الفقهي، ج:5، ص:500.

(2) وسائل الشيعة، المعجم الفقهي، ج:20، ص:115.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتبس من أحد مقالات العلامه السيد / محمد حسين فضل الله .
آخر تعديل بواسطة المتوكل في السبت سبتمبر 24, 2005 12:24 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
صورة

سهيل اليمانى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 451
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 5:07 pm
مكان: اليمن- صنعاء

زوجك الله

مشاركة بواسطة سهيل اليمانى »

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزى الغالى /حسن لك وفيت وكفيت
واسأل المولى العزيز القدير ان يرزقك بنت الحلال اللهم أمين ونفرح بك عن قريب
تحياتى واتمنا ان اراك لانك غيبت عليناااااا
تقبل تحياتى
لآل البيت عــز لا يـــزول ... وفضــل لا تحيـط به العقــول
أبوكـم فـارس الهيجا علـي ... وأمكــم المطهــرة البتــول
كفاكم يا بـني الزهـراء فخرا ... إذا ما قيل جدكم الرسولُ

صورة

صقر اليمن
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 339
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 03, 2003 11:21 pm
مكان: صنعاء- اليمن

مشاركة بواسطة صقر اليمن »

موضوع رائع سلمت يمينك

فدك الزهراء
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 61
اشترك في: الأحد يونيو 20, 2004 1:17 pm

مشاركة بواسطة فدك الزهراء »

سلمت يداك اخي الكريم
ولن اقول اكثر مما قاله الاخوان الكرام
ولكن ساقول جزاك الله خيرا وسدد خطاك

بنت الهدى2
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 108
اشترك في: الاثنين مارس 21, 2005 8:11 pm

مشاركة بواسطة بنت الهدى2 »

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق اجمعين محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين
أعجبني الموضوع كثيراً وأتمنى أن يستمر النقاش فيه لتكتمل فكرة الزواج لدى الطرفين الشباب والشابات ولي سؤال أتمنى أن نوفق جميعاً في الرد عليه هل الزواج مهمة ربانية أم رغبة دنيوية ؟ إذا كانت مهمة ربانية أرجو التوضيح لأبعاد هذه المهمة وشروطها لنستفيد جميعاً .

جويـدا
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 406
اشترك في: الثلاثاء إبريل 12, 2005 9:56 pm

مشاركة بواسطة جويـدا »

موضوع قوي جميل و مهم، تسلم أخي.
صورة

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

أخي / سهيل اليماني (( آمين ))
سيدي / صقر قريش
أختي / فدك الزهراء
أختي / بنت الهدى 2
أختي / جويدا

حياكم الله جميعاً
ولا شكر على واجب

فأنا مجرد ناقل فقط ، أنقل لكم كل ماهو جيد مفيد لدنيانا وآخرتنا .


---------
بخصوص سؤالكم أختي / بنت الهدى 2

فالزواج مهمة ربانية ، أو بالأصح سنة إلهيه لحفظ النسل البشري بالشكل الصحيح الشرعي ، تجنباً لإختلاط الأنساب .

أما الأبعاد والشروط ..
فأفضل أن أترك المجال لكم ولغيري في ذكرها ، وتفصيلها
لنتشارك جميعاً في الحوار إن شاء الله .


تحياتي .
صورة
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأسرة والمرأة“