رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهم السلام

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
مصطفى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 5
اشترك في: الثلاثاء إبريل 22, 2008 1:33 am

رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهم السلام

مشاركة بواسطة مصطفى »

رسالة الحقوق للإمام زين العابدين
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(تقديم)
ـ 1 ـ
ليس في تاريخ هذا الشرق ـ الذي هو مهد النبوات ـ من يضارع الإمام زين العابدين عليه السلام في ورعه وتقواه، وشدة انابته إلى الله، اللهم إلا آباؤه الذين أضاؤوا الحياة الفكرية بنور التوحيد، وواقع الإيمان.
لقد حكت سيرة هذا الإمام العظيم سيرة الأنبياء والمرسلين، وشابههم بميع ذاتياتهم، واتجاهاتهم، فهو كالمسيح عيسى بن مريم في زهده، وإنابته إلى الله وكالنبي أيوب في بلواه وصبره، وكالرسول محمد (صلى الله عليه وآله) في صدق عزيمته وسمو أخلاقه... ولا تحد نزعاته الخيرة وأرصدته الروحية، وحسبه أنه وحده في تأريخ هذه الدنيا، قد عرف بزين العابدين ولم يمنح لأحد هذا اللقب سواه.
ـ 2 ـ
وبرز الإمام زين العابدين (عليه السلام) على مسرح الحياة الإسلامية كألمع سياسي إسلامي عرفه التاريخ، فقد استطاع بمهارة فائقة ـ وهو في قيد المرض وأسر الأمويين ـ أن ينشر أهداف الثورة العظمى التي فجرها أبوه الإمام الحسين القائد الملهم للمسيرة الإسلامية الظافرة، فأبرز قيمها الأصيلة بأسلوب مشرق كان في منتهى التقنين والأصالة والإبداع.
لقد قام هذا الإمام العظيم ببلوة الفكر العام، وإزاحة التخدير الاجتماعي الذي مُنيت به الأمة أيام الحكم الأموي الأسود الذي عمد إلى شل الحركة الثورية في الإسلام، فأحال حياة المسلمين إلى اشلاء مبعثرة ما بها من حياة وإحساس لقد وضع هذا الإمام العبوات الناسفة في أروقة السياسة الأموية ففجرت نصرهم المزعوم أو نسفت معالم زهوهم وجبروتهم، وأعادت للإسلام حياته ونضارته... لقد حقق الإمام (عليه السلام) هذه الانتصارات الباهرة بخطبه الحماسية الرائعة التي ألقاها على الجماهير الحاشدة في الكوفة، وفي دمشق، وفي يثرب، والتي كان لها الأثر البالغ في إيقاظ الأمة وتحريرها من عوامل الخوف والإرهاب.
ـ 3 ـ
لقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً في دنيا الشجاعة والبطولات وكان من بينها أنه حينما حمل أسيراً إلى ابن مرجانة الذي هو أقْذر إرهابي على وجه الأرض، فاستهان الإمام به، ونعى عليه ما اقترفه من عظيم الجريمة والإثم، وقابله الطاغية بالتهديد بالقتل، إلا أن الإمام لم يعن به وسدد له السهام النافذة لقلبه ببليغ منطقه، وقد كان لحديثه معه صدى هامٌّ في الأوساط الرسمية وغيرها من عامة الناس، وظل يلقي الأضواء على معالم الثورة الحسينية، ويبث موجاتها على امتداد الزمن والتاريخ.
أما خطابه في بلاط يزيد فإنه من أروع الوثائق السياسية في الإسلام، ولا أكاد أعرف خطاباً سياسياً أبلغ، ولا أشد تأثيراً منه في إيقاظ الجماهير وتوعية الرأي العام، فقد سد على يزيد كل نافذة يسلك منها للدفاع عن نفسه، وتبرير جريمته في قتله لسيد شباب أهل الجنة، وإبادته للعترة الطاهرة.. وأخذ الناس يتحدثون بإعجاب وإكبار عن خطاب الإمام الذي كان من ثمرات النهضة الحسينية، وصفحة من صفحاتها المشرقة.
ـ 4 ـ
وكان من مظاهر تخليده للثورة الحسينية كثرة بكائه على ما حل بأبيه وأهل بيته وأصحابه من أهوال يوم الطف، فقد حرم الإمام على نفسه الفرح والسرور، وذاب أسىً وحزناً، وعُد من البكائين الخمس الذين مثلوا الأسى على امتداد التاريخ.
وفيما أحسب أن كثرة بكائه ليس من عظم ما مُني به من الخطوب، والمصائب الجسام التي حلت به من فجائع كربلاء، وإنما كان تخليداً لثورة أبيه التي كانت من أجل تحرير الإنسان من الظلم والعبودية والطغيان، وقد أحدث بكاؤه على أبيه لوعة في نفوس المسلمين ولعل هذه الظاهرة جملة من العوامل التي حفزت الجماهير الإسلامية على مناجزة الحكم الأموي، فقد انطلقت الشرارة الأولى من يثرب، فأعلن أبناء الصحابة عصيانهم المسلح على حكومة يزيد التي استهانت بقيم الأمة ومقدراتها.
ـ 5 ـ
واتجه الإمام الأعظم زين العابدين (عليه السلام) ـ بعد كارثة كربلاء ـ صوب العلم لأنه وجد فيه خير وسيلة لأداء رسالته الإصلاحية، كما وجد فيه خير ضمان لراحته النفسية التي أذابتها كوارث كربلاء، وقد هرع للانتهال من بحر علمه أبناء الصحابة، والعلماء والفقهاء، فأخذ يغذيهم بعلومه ومعارفه ليكونوا مناراً للعلم والأدب في العالم الإسلامي، ويعرض هذا الكتاب إلى إعطاء صورة من تراجمهم.
لقد أنبرى الإمام (عليه السلام) إلى إنارة الفكر العربي والإسلامي بشتى أنواع العلوم والمعارف، وقد دعا ناشئة المسلمين إلى الإقبال على طلب العلم، وحثهم عليه، وقد مجَّد طلابه، وأشاد بحملته، وقد نمت ببركته الشجرة العلمية المباركة التي غرسها جده الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأقبل الناس ـ بلهفة ـ على طلب العلم ودراسته فكان حقاً من ألمع المؤسسين للكيان العلمي والحضاري في دنيا الإسلام.
ـ 6 ـ
أما الثروات الفكرية والعلمية التي أثرت على الإمام زين العابدين (عليه السلام) فإنها تمثل الإبداع والانطلاق والتطور، ولم تقتصر على علم خاص، وإنما شملت الكثير من العلوم كعلم الفقه والتفسير وعلم الكلام، والفلسفة، وعلوم التربية والاجتماع، وقد عني بصورة خاصة بعلم الأخلاق، واهتم به اهتماماً بالغاً، ويعود السبب في ذلك إلى أنه رأى انهيار الأخلاق الإسلامية، وابتعاد الناس عن دينهم من جراء الحكم الأموي الذي حمل معول الهدم على جميع القيم الأخلاقية فانبرى (عليه السلام) إلى إصلاح المجتمع وتهذيب أخلاقه، وتقول عنه الشيعة: إنه حين استسلم الناس لشهواتهم تابعين لملوكهم جعل الإمام يداوي النفوس المريضة بالصرخات الأخلاقية والآيات السامية .
لقد عالج الإمام (عليه السلام) بصورة موضوعية وشاملة القضايا التربوية والأخلاقية، وبحوثه في هذا المجال من أنفس البحوث الإسلامية وأدقها في هذا الفن.
ـ 7 ـ
ولعل من أجمل تلك الثروات بل من أهمها وأكثرها عطاءً في تنمية الفكر الإسلامي هي أدعيته الجليلة التي عرفت بالصحيفة السجادية، والتي أسماها العلماء تارة بزبور آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأخرى بإنجيل آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعدوها بعد القرآن الكريم، ونهج البلاغة في الأهمية وهي ـ بحق ـ منهج متكامل للحياة الإسلامية الرفيعة، وذلك بما حوته من معالم الأخلاق، وقواعد الاجتماع... ومن الجدير بالذكر أنها احتلت المكانة المرموقة عند الأوساط العلمية الإمامية فعكفوا على دراستها وشرحها، وقد تجاوزت شروحها أكثر من خمسة وستين شرحاً ، كما أن من مظاهر اهتمامهم بها أنهم كتبوا نسخاً منها بخطوط جميلة تعد من أنفس الخطوط العربية، كما زخرفت بعضها بالزخرفة الثمينة التي هي من أنفس الذخائر في الخطوط العربية.
ـ 8 ـ
ونعود مرة أخرى للحديث عن الصحيفة السجادية فنقول: (إن أهميتها لم تقتصر على العالم العربي والإسلامي، وإنما تعدت إلى العالم الغربي فقد ترجمت إلى اللغة الإنكليزية والألمانية والفرنسية، وأقبل علماء تلك الأمم والشعوب على دراستها، والامعان في محتوياتها، وقد وجدوا فيها كنزاً من كنوز الفكر والعلم، كما وجدوها تفيض بالعطاء لتربية النفس وتهذيبها بمكارم الأخلاق.. ومن الحق أنها أضافت إلى ذخائر الفكر الإنساني ثروة لا تطاول، ولن تثمن وأنها قد حوت من ألوان الثقافة العالية ما ندر وجوده في الكتب الدينية والأخلاقية، كما أنها من أهم المصادر في دراستنا عن شخصية الإمام (عليه السلام).
ـ 9 ـ
أما مُثل الإمام زين العابدين (عليه السلام) وعناصره النفسية فهي مما تبهر العقول وتدعو إلى الاعتزاز والفخر لكل مسلم بل لكل إنسان يدين لإنسانيته، ويخضع لمثلها وقيمها.
لقد تحلى هذا الإمام العظيم بكل أدب، وتزين بكل فضيلة وشرف، وتجرد من كل أنانية، وابتعد ابتعاداً مطلقاً عن جميع زخارف الحياة، ومباهجها، وكان من ألمع نزعاته الإنابة إلى الله، والانقطاع إليه، فقد شاعت في عقله وقلبه وجسمه محبة الله والخوف منه، وأشرقت نفسه بنور اليقين بالله، وامتلأت ذاته رجاءً وأملاً برحمة الله... وكان فيما اجمع عليه المؤرخون قد اجهد نفسه أي اجهاد على العبادة والطاعة، وحملها من أمره رهقاً.
ولم ير الناس في عصره من هو أعبد، ولا من هو أتقى منه، ونظراً لكثرة عبادته فقد لقب بسيد الساجدين، وزين العابدين وإمام المتقين.
ـ 10 ـ
وأشفق عليه أهله من كثرة عبادته، وخافوا عليه ما يعانيه من المشقة والإعياء فخفوا مسرعين إلى الصحابي العظيم جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان عنده أثيراً، وطلبوا منه أن يلتمس منه في أن لا يجهد نفسه في العبادة فكلمه جابر وطلب منه ذلك برجاء، وكان مما قاله له: أنه بقية النبوة، وبقية الله في الأرض، وأنه ممن يستدفع به البلاء، إلا أن الإمام (عليه السلام) أصر على ما ذهب إليه من الدأب على العبادة، وملازمة الطاعة، فانطلق جابر يقول بإعجاب:
(ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين...).
حقاً إنه لم ير في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين في زهده وتقواه، وشدة أنابته لله.
ـ 11 ـ
وظاهرة أخرى من المثل العليا التي اتصف بها الإمام عليه السلام هو أنه كان كثير البر والإحسان بالعبيد، وكان يشفق عليهم كثيراً، وكان من أهم ما يصبو إليه في حياته تحريرهم من الرق والعبودية، وقد اعتق مجموعة كبيرة منهم، ولو وجد مجالاً لما أبقى رقاً ولعل السبب في ذلك هو القضاء على الرقية وعلى استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وتعريف المسلمين بواقع دينهم العظيم الذي جاء لتحرير الإنسان وإنقاذه من الذل والعبودية، وتحريره فكرياً وجسدياً من جميع ألوان التبعية.
ـ 12 ـ
ومن الحق أن يقال: إن هذا الإمام الملهم العظيم ليس لطائفة خاصة من الناس، ولا لفرقة معينة من الفرق الإسلامية دون غيرها، وإنما هو للناس جميعاً على اختلاف عصورهم، بل وعلى اختلاف أفكارهم وميولهم واتجاهاتهم، فإنه سلام الله عليه يمثل القيم الإنسانية والكرامة الإنسانية، ويمثل كل ما يعتز به هذا الإنسان من الكمال والآداب، وسمو الأخلاق.
ونظراً لسمو شخصيته العظيمة، وما له من الأهمية البالغة في نفوس المسلمين فقد سارعت كثير من الفرق الإسلامية إلى القول بأنه منها، فالمعتزلة التي تعد من أكثر الفرق الإسلامية تخصصاً في البحوث الكلامية، قد عدوه ـ باعتزاز وشرف ـ منهم واحداً. كما ادعت الصوفية أنه من أعلامهم، وترجموا له في موسوعاتهم .
ـ 13 ـ
وكان المسلمون يرون في سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) تجسيداً حياً لقيم الإسلام وامتداداً مشرقاً لجده الرسول الأعظم (ص)، فهو يحكيه في منهجه وسيرته ومآثره وقد ملك القلوب والعواطف بأخلاقه الرفيعة، وكانوا لا يرون غيره أهلاً لقيادتهم الروحية والزمنية، وكانوا يزدرون بملوكهم الأمويين الذين لم تتوفر فيهم أية نزعة من نزعات الفضيلة، وقد دلل على ذلك ما حدث في البيت الحرام في موسم الحج، وكان مزدحماً بالوفود من كل حدب وصوب، فأطل عليهم الإمام ليطوف بالبيت، وكأنما أطل عليهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فصعّدوا تهليلهم وتكبيرهم وازدحموا عليه كازدحامهم على الحجر الأسود فكان السعيد منهم من يلمس ثيابه أو يقبل يديه، أو يأخذ التراب من تحت أقدامه للتبرك به، في حين أن خصمه هشام بن عبد الملك عميد الأسرة الأموية كان من جملة الحجيج، إلا أنه لم يعن به أي أحد، وقد خف إليه أهل الشام يسألونه عن هذا الرجل العظيم الذي قابله الجمهور بهذه الحفاوة والتكريم، فأنكر الطاغية معرفته لئلا يزهد فيه أهل الشام، فانبرى شاعر البلاد الأموي الفرزدق، وعرفه للجماهير برائعته الخالدة التي مثلت وعي الفكر ويقظة الضمير، وقد استحال البيت الحرام إلى سوق عكاظ، وتعالت من جميع جنبات المسجد الهتافات بإعادة لرائعة الفرزدق والدعاء له، وقد تميز هشام غيظاً، وانتفخت أوداجه.
لقد كان الأمويون يشعرون بدخالتهم على هذه الأمة، وأنهم ليسوا أهلاً لقيادتها، وإنما فرضوا سلطانهم عليها بقوة السلاح، وإنما معدن الحكم والقيادة للإمام علي بن الحسين، فلذلك كانوا يحقدون عليه، وقد أدلى الوليد بذلك قال: (لا راحة لي وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا...) وقد عمدوا إلى اغتياله كما اغتالوا غيره من أئمة المسلمين، وأعلام الإسلام من الذين كانوا يشكلون خطراً عليهم.

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)
في سطور
* جده: أمير المؤمنين (عليه السلام).
* أبوه: الحسين الشهيد.
* أمه: شاه زنان ـ أي ملكة النساء ـ بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ـ ملك الفرس ـ سماها أمير المؤمنين (عليه السلام) (مريم) وقيل (فاطمة) وكانت تدعى (سيدة النساء).
* أخوته: علي الأكبر، عبد الله الرضيع ـ الشهيدان في كربلاء ـ جعفر .
* أخواته: سكينة، فاطمة، رقية.
* مكان ولادته: ولد في المدينة يوم الجمعة خامس شعبان سنة 38.
* كنيته: أبو محمد.
* ألقابه: زين العابدين، سيد الساجدين، سيد العابدين، الزكي، الأمين، ذو الثفنات.
* شهد مأساة كربلاء، وواكب مسير العائلة بعد الفاجعة إلى الكوفة، ومنها إلى الشام.
* أشهر زوجاته: فاطمة بنت الإمام الحسن السبط.
* أولاده: محمد (أبو جعفر الباقر عليه السلام) عبد الله، الحسن، الحسين، زيد، عمر، الحسين الأصغر، عبد الرحمن، سليمان، علي، محمد الأصغر.
* بناته: خديجة، أم كلثوم، فاطمة، عليَّة.
* نقش خاتمه: وما توفيقي إلاّ بالله.
* شاعره: الفرزدق.
* مكان إقامته: كانت إقامته عليه السلام في المدينة، وكان فيها المفزع للمهمات، يفيض على الأمة علماً وسخاءً.
* إمامته: عاش بعد أبيه الحسين (عليه السلام) أربعاً وثلاثين سنة، وهي مدة إمامته (عليه السلام).
* ملوك عصره: يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان بن الحكم، عبد الملك بن مروان الوليد بن عبد الملك.
* آثاره: الصحيفة السجادية، رسالة الحقوق.
* قاتله: سمه الوليد بن عبد الملك بن مروان.
* وفاته: في الخامس والعشرين من المحرم سنة 95.
* قبره: دفن في البقيع مع عمه الحسن (عليه السلام).

المهمة التعليمية
لقد كانت الحياة العلمية في عصر الإمام (عليه السلام) شبه معدومة حيث اقتضت مصلحة الدولة الأموية آنذاك إقصاء الوعي الثقافي في الأمة، واركاسها في منحدر سحيق من الجهل، لأن بلورة الوعي العام وإشاعة العلم بين المسلمين يهددان مصالحها وملكها القائم على الجهل. فقد كان الناس في عصر الإمام (عليه السلام) لا يعرفون كيف يصلون، ولا كيف يحجون.
فيقول أنس بن مالك عن ذلك ـ على ما رواه البخاري والترمذي ـ (ما أعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قيل الصلاة قال: أليس صنعتم ما صنعتم فيها).
وبعد عصر أنس بقليل نجد الحسن البصري يقول: (لو خرج عليكم أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما عرفوا منكم إلا قبلتكم).
وعن عبد الله بن عمر بن العاص أنه قال: لو أن رجلين من أوائل هذه الأمة خطو بمصحفيهما في بعض الأدوية لأتيا الناس اليوم ولا يعرفان شيئاً مما كانا عليه).
وبعد هذا... فإن من الطبيعي أن يعتبر من حفظ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعض الأحاديث أو بعض الأحكام، إن من الطبيعي أن يعتبر أنه أعلم الناس وأعظمهم في وقته وعصره.
هذا عرض موجز عن واقع سياسة التجهيل التي كانت تتعرض لها الأمة بأسرها في ذلك الوقت.
وقد رأى الإمام زين العابدين (عليه السلام) محنة الأمة، وما هي فيه من أخطار مدمرة لوجودها وكيانها، فرفع (عليه السلام) مناراً للعلم، ودعا شباب الأمة إلى التحرر من قيود الجهل، حيث قام بتأسيس مدرسته الفكرية الإسلامية من أجل هذا الهدف.
فقد كان المسجد النبوي الشريف، ودار الإمام (عليه السلام) يشهدان نشاطاً فكرياً من الطراز الأول، حيث استقطب الإمام (عليه السلام) خلال تلك الفترة طلاب المعرفة الإسلامية في جميع حقولها وأغراضها لا في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحدهما وإنما في الساحة الإسلامية بأكملها.
لقد فتح الإمام (عليه السلام) آفاقاً مشرقة من العلم لم يعرفها الناس من ذي قبل حيث عرض لعلوم الشريعة الإسلامية من رواية الأحاديث الشريفة الصحيحة عن جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عبر سلسلة نقية لا يرقى إلى رواتها أدنى شك، تبدأ بسيدي شباب أهل الجنة، وتمر بأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وتنتهي برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالوحي المقدس...
وإلى جانب عرضه للحديث فقد قام الإمام (عليه السلام) بعرض الفقه والتفسير، وعلم الكلام، والفلسفة، ومن خلال تلك العملية البناءة وعبر خمس وثلاثين سنة وهي مدة إمامته (عليه السلام) حيث استطاع أن يخرج من مدرسته الإسلامية رواة حفاظاً، وفقهاء، وقادة فكر يعدون من الرعيل الأول، وكان فيهم الصحابي، والتابعي، وسواهم... ويقول بعض المترجمين له عن ذلك: (إن العلماء رووا عنه من العلوم ما لا يحصى)، ونوردها هنا ثبتاً بأسماء بعضهم:
فمن روى عنه: الزهري، وسفيان بن عيينه، ونافع، والأوزاعي، ومقاتل والواقدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم.
وروى عمن روى عنه: الطبري، وابن البيع، وأحمد بن حنبل، وابن بطة، وأبو داوود، وصاحب الأغاني، وصاحب قوت القلوب، وصاحب أسباب النزول، وصاحب الفائق، وصاحب الترغيب والترهيب، وغيرهم...
ومن التابعين: سعيد بن جبير، ومحمد بن جبير بن مطعم، والقاسم بن عوف، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، وإبراهيم والحسن ابنا محمد بن الحنفية، وجبير بن أبي ثابت، وأبو أيمن الأسدي، ومسلمة بن دينار المدني، وسواهم...
ومن أصحابه: أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار، وجابر بن محمد بن أبي بكر، وأبو أيوب بن الحسن، وعلي بن رافع، وأبو محمد القرشي السري الكوفي، والضحاك بن مزاحم الخراساني، وسعيد بن المسيب المخزومي، وأبو خالد الكابلي وحميد بن موسى الكوفي، وسواهم...
وهكذا فلقد أصبح تلامذة الإمام زين العابدين (عليه السلام) الذين تخرجوا من مدرسته الرائدة فيما بعد بناة للحضارة الإسلامية الشامخة ورجال فكرها وتشريعها وأدبها الإسلامي.

مؤلفاته
ـ 1 ـ
الصحيفة السجادية
من المحقق أن أول من ألَّف ودون في دنيا الإسلام هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، والعلماء العظام من شيعتهم ، فهم الرواد الأوائل الذين خططوا مسيرة الأمة الثقافية وفجروا ينابيع العلم والحكمة في الأرض.
ومن الجدير بالذكر أن مؤلفاتهم، وسائر بحوثهم لم تقتصر على علم خاص، وإنما تناولت جميع أنواع العلوم كعلم الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول، وعلم النحو، والكلام، والفلسفة، بالإضافة إلى وضعهم لقواعد الأخلاق، وآداب السلوك، وأصول التربية.. وكان أول من سبق في هذا المضمار عملاق هذه الأمة، وروائد نهضتها الفكرية والعلمية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهو الذي فتق أبواب العلوم العقلية والنقلية وأسس أصولها، وقواعدها، يقول العقاد: إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد فتق أبواب اثنين وثلاثين علماً، فوضع قواعدها، وأرسى أصولها ويقول ابن شهر آشوب: الصحيح أن أول من صنف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم سلمان، ثم أبو ذر، ثم الأصبغ بن نباتة، ثم عبيد الله بن أبي رافع، ثم صنفت الصحيفة الكاملة .
وممن ألف من الأئمة الطاهرين الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقد كانت مؤلفاته نموذجاً رائعاً لتطور الفكر الإسلامي، وتقدم الحركة الثقافية والعلمية، ومن مؤلفاته القيمة ما يلي.
الصحيفة السجادية
أما الصحيفة السجادية فهي من ذخائر التراث الإسلامي، ومن مناجم كتب البلاغة والتربية والأخلاق، والأدب في الإسلام، ونظراً لأهميتها البالغة فقد سماها كبار رجال الفكر والعلم، بأخت القرآن، وإنجيل أهل البيت، وزبور آل محمد.
ومما زاد في أهميتها أنها جاءت في عصر طغت فيه الأحداث الرهيبة، والمشاكل السياسية القائمة على حياة المسلمين فاحالتها إلى سحب مظلمة ليس فيها أي بصيص من نور الإسلام وهديه وإشراقه، فقد انشغل المسلمون بالتكتل الحزبي والسياسي، سعياً وراء مصالحهم واطماعهم،ولم يعد هناك أي ظل لروحانية الإسلام وتعاليمه، وآدابه، وحكمه.
لقد فتحت الصحيفة السجادية آفاقاً جديدة للوعي الديني، لم يكن المسلمون يعرفونه من ذي قبل، فقد دعت إلى التبتل وصفاء الروح، وطهارة النفس والتجرد من الأنانية، والجشع، والطمع، وغير ذلك من النزعات الشريرة، كما دعت إلى الاتصال بالله تعالى خالق الكون، وواهب الحياة الذي هومصدر الفيض والخير لجميع الكائنات.

مؤلفاته
ـ 2 ـ
المناجات الخمس عشرة
من المؤلفات القيمة للإمام زين العابدين (عليه السلام) (المناجات الخمس عشرة وهي من الأرصدة الروحية في دنيا الإسلام، فقد عالج بها الإمام الكثير من القضايا النفسية، كما فتح بها آفاقاً مشرقة للاتصال بالله تعالى، فقد ناجاه بقلب مفعم بالأمل والرجاء، وتضرع إليه بتذلل وخشوع، وذاب أمام عظمته؛ ورجاه رجاء المخلصين والمنيبين، واتجه بقلبه ومشاعره، فلم يبصر غيره، فوقف يناجيه صاغراً، ذليلاً، منكسراً، يرجو العفو، ويطلب منه الغفران، وقد غمرت مناجاته قلوب المتقين والصالحين من شيعة أهل البيت عليهم السلام فراحوا يناجون بها الله في غلس الليل البهيم، وفي الأماكن المقدسة راجين منه تعالى أن تشملهم عنايته والطافه.
لقد شاعت نسبة هذه المناجات للإمام زين العابدين (عليه السلام)، وقد دونها المحقق المجلسي في بحاره، وعدها العلماء الذين ألفوا في ملحقات الصحيفة السجادية من بنودها، كما ذكرها المحقق الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان، وقد نظر إليها العلماء باهتمام بالغ، فقد ترجمت إلى بعض اللغات منها اللغة الفارسية، ترجمها سرتيب رشدية، وطبعت في طهران، وقد خطت بخطوط أثرية مذهبة ومزخرفة، تعد من ذخائر الخط العربي وقد حفلت بها خزائن المخطوطات في مكتبات العالم الإسلامي.
مؤلفاته
ـ 3 ـ
رسالة الحقوق
من المؤلفات المهمة في دنيا الإسلام (رسالة الحقوق) للإمام الأعظم زين العابدين (عليه السلام)، فقد وضعت المناهج الحية لسلوك الإنسان، وتطوير حياته، وبناء حضارته، على أسس تتوفر فيها جميع عوامل الاستقرار النفسي، ووقايته من الإصابة بأي لون من ألوان القلق والاضطراب، وغيرهما مما يوجب تعقيد الحياة. لقد نظر الإمام الحكيم بعمق وشمول للإنسان، ودرس جميع أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه، ونفسه، وأسرته، ومجتمعه، وحكومته، ومعلمه وغير ذلك، فوضع له هذه الحقوق، والواجبات، وجعله مسؤولاً عن رعايتها وصيانتها ليتم بذلك إنشاء مجتمع إسلامي تسوده العدالة الاجتماعية والعلاقات الوثيقة بين أبنائه من الثقة والمحبة، وغيرهما من وسائل التطور والتقدم الاجتماعي.
وفيما اعتقد أنه لم يسبق نظير لمثل هذه الحقوق التي شرعها الإمام العظيم، سواء في ذلك ما شرعه العلماء في عالم الفكر السياسي أم الاجتماعي وغيرهما مما قننوه لحقوق الإنسان، وروابطه الاجتماعية، وأصوله الأخلاقية، وأسسه التربوية.
وعلى أي حال فإن الإمام (عليه السلام)، قد كتب هذه الرسالة الذهبية أو اتحف بها بعض أصحابه وقد رواها العالم الكبير ثقة الإسلام ثابت بن أبي صفية، المعروف بأبي حمزة الثمالي تلميذ الإمام (عليه السلام)، وقد رواها عنه بسنده المحدث الصدوق وحجة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني والحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني في (تحف العقول) وننقلها عنه، وفي ما يلي النص الكامل لها:
عرض موجز للحقوق
وقبل أن يدلي الإمام (عليه السلام) ببيان هذه الحقوق قدم عرضاً موجزاً لها قال:
(اعلم رحمك الله، إن لله عليك حقوقاً محيطة بك، في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها، وآلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض.
وأكبر حقوق الله عليك، ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق، ومنه تفرع، ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك، على اختلاف جوارحك، فجعل لبصرك عليك حقاً، ولسمعك عليك حقاً، وللسانك عليك حقاً، وليدك عليك حقاً، ولرجلك عليك حقاً، ولبطنك عليك حقاً، ولفرجك عليك حقاً، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال، ثم جعل عز وجل لافعالك عليك حقوقاً، فجعل لصلاتك عليك حقاً، ولصومك عليك حقاً، ولصدقتك عليك حقاً، ولهديك عليك حقاً، ولأفعالك عليك حقاً، ثم تخرج الحقوق منك، إلى غير ذلك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، وأوجبها عليك حقاً أئمتك، ثم حقوق رعيتك، ثم حقوق رحمك، فهذه حقوق يتشعب منها حقوق، فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك: حق سائسك بالسلطان ثم سائسك بالعلم، ثم حق سائسك بالملك، وكل سائس أمام، وحقوق رعيتك ثلاثة: أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان، ثم حق رعيتك بالعلم، فإن الجاهل رعية العالم، وحق رعيتك بالملك من الأزواج، وما ملكت من الإيمان، وحقوق رحمك متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة، فأوجبها عليك حق أمك، ثم حق أبيك، ثم حق ولدك، ثم حق أخيك ثم الأقرب فالأقرب، والأول فالأول، ثم حق مولاك، المنعم عليك، ثم حق مولاك الجاري نعمته عليك، ثم حق ذوي المعروف لديك، ثم حق مؤذنك بالصلاة، ثم حق إمامك في صلاتك، ثم حق جليسك ثم حق جارك، ثم حق صاحبك، ثم حق شريكك، ثم حق مالك، ثم حق غريمك الذي تطالبه، ثم حق غريمك الذي يطالبك، ثم حق خليطك، ثم حق خصمك، المدعي عليك، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه، ثم حق مستشيرك، ثم حق المشير عليك، ثم حق مستنصحك ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر منك، ثم حق من هو أصغر منك، ثم حق سائلك، ثم حق من سألته، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل، عن تعمد منه أو غير تعمد منه، ثم حق أهل ملتك عامة، ثم حق أهل الذمة، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال، وتصرف الأسباب فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه، ووفقه وسدده...).
لقد احتوت هذه الفقرات المشرقة من كلام الإمام (عليه السلام) على عرض موجز للحقوق الأصيلة التي قننها (عليه السلام) للإنسان المسلم.
تفاصيلها
أما تفاصيل هذه الحقوق الرائعة فلنستمع إلى الإمام (عليه السلام) يحدثنا عنها.

حق الله
1 ـ حق الله
(فأما حق الله الأكبر فإنك تعبده، لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منهما..) إن من أعظم حقوق الله تعالى على عباده، أن يعبدوه بإخلاص، ولا يشركوا بعبادته أحداً، فإن في ذلك تطهيراً لقلوبهم من الزيغ، وتحريراً لعقولهم وأفكارهم من الرق والتبعية، أما عبادة غير الله من الأصنام والأوثان فإنها ذل وعبودية، وقضاء على كرامة الإنسان، وعزته، والقاء له في حضيض من الانحطاط ما له من قرار.
وقد ضمن الله تعالى لمن عبده بحق أن يكفيه أمور آخرته ودنياه.

حق النفس
2 ـ حق النفس:
(وأما حق نفسك عليك فإن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك...).
وعرض الإمام (عليه السلام) إلى حق النفس على الإنسان، وأن عليه حقوقاً وأهمها أن يستوفيها في مرضاة الله وطاعته، ولا يجعل للشيطان عليها سبيلاً، وبذلك ينقذها من المخاطر والمهالك، وينجيها من شر عظيم، وذكر الإمام أن لكل جارحة في بدن الإنسان حقاً عليه، ولنستمع إلى حديثه التالي مفصلاً تلك الحقوق.

حقوق الجوارح
3 ـ حق اللسان:
(وأما حق اللسان فاكرامه عن الخنى، وتعويده على الخير، وحمله على الأدب، واجمامه إلا لموضع الحجة والمنفعة للدين والدنيا، واعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها وبعد شاهد العقل والدليل عليه، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...).
إن اللسان من أهم الجوارح في بدن الإنسان، كما أنه من أخطرها على حياته، فباقراره واعترافه في حقوق الناس وأموالهم يدان، وقد قال الفقهاء: اقرار المرء على نفسه جائز ـ أي نافذ ـ كما أن الإنسان إنما يعز أو يهان بمنطقة فإن صدر منه خير احترم، وإن صدر منه شر حقر، وقد دعا الإمام الحكيم الإنسان إلى السيطرة على لسانه، والزامه بمراعاة الحقوق التالية:
(أ) إكرامه عن الخنى ـ أي الفحشاء ـ لأنها مما توجب سقوط الإنسان ومهانته.
(ب) تعويده على مقالة الخير، وما ينفع الناس ولا يضرهم.
(ج) حمله على التلفظ بالأدب، والكلم الطيب، الذي يرفع إلى الله تعالى.
(د) اجمامه وسكوته إلا لموضع الحاجة من الأمور الدينية أو الدنيوية.
(هـ) اعفاؤه ومنعه من الخوض في فضول القول الذي لا يعود عليه ولا على الناس بخير.
هذه بعض الأمور التي ينبغي للإنسان المسلم أن يحمل لسانه عليها ومن المؤكد أنها ترفع شأنه، وتعزز مكانته.
4 ـ حق السمع
(وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيراً، أو تكسب خلقاً كريماً، فإنه باب الكلام إلى القلب، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله..).
إن جهاز السمع هو الأداة الفعالة في تكوين شخصية الإنسان، وبناء سلوكه، وذلك بما ينقله من المسموعات التي تنطبع في دخائل الذات وقرارة النفس، ومن حقه على الإنسان أن يجعله بريداً لنقل الآداب الكريمة، والفضائل الحسنة، والمزايا الحميدة ليتأثر بها، وتكون من صفاته وخصائصه.
5 ـ حق البصر
(وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك، وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً فإن البصر باب الاعتبار) إن للبصر حقاً على الإنسان، وهو حجبه عن النظر إلى ما حرمه الله الذي هو مفتاح الولوج في اقتراف الآثام، فينبغي للمسلم أن يغض بصره عما لا يحل له، وأن ينظر إلى مواضع العبر ليستفيد منها في بناء شخصيته، كما أنه ينبغي له أن يستفيد ببصره علماً يهذب به نفسه، وينفع به مجتمعه.
6 ـ حق الرجلين
(وأما حق رجليك فإن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها، فإنها حاملتك، وسالكة بك مسلك الدين ، والسبق لك، ولا قوة إلا بالله...).
خلق الله الرجلين ليمشي بهما الإنسان إلى مواطن الرزق، فيكد ويعمل ليعيش هو وأفراد أسرته، ومن حقهما عليه أن يسعى بهما إلى طريق الخير والصلاح، وليس له أن يسعى بهما إلى الحرام كالوشاية بمؤمن، أو سرقة إنسان، وغير ذلك مما حرمه الله.
7 ـ حق اليد
(وأما حق يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك، فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة، في العاجل ولا تقبضها مما افترضه الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت، وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب في الآجل...).
وعرض الإمام (عليه السلام) لحق اليدين على الإنسان، ومن حقهما أن لا يبسطهما في ما حرمه الله تعالى من نهب أموال الناس، والاعتداء عليهم أو يعين بهما ظالماً على ظلمه، فإنه بذلك يستحق العقاب في دار الآخرة كما يستحق اللوم والعتاب من الناس في دار الدنيا، فالواجب عليه أن يوقرهما بالالتزام بما أمر الله.
8 ـ حق البطن:
(وأما حق بطنك فأن لا تجعله وعاءً لقليل من الحرام، ولا لكثير، وأن تقتصد له في الحلال، ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين، وذهاب المروءة، وضبطه إذا همَّ بالجوع والظمأ، فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة، ومثبطة، ومقطعة عن كل بر وكرم، وأن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومذهبة للمروة...) وأدلى الإمام (عليه السلام) في هذه الفقرات بحقوق البطن على الإنسان، والتي منها.
(أ) عدم التغذية بالطعام الحرام فإن له كثيراً من المضاعفات السيئة كقساوة القلب، اللامبالاة الموجبة الانحراف عن الطريق القويم.
(ب) الاعتدال في الأكل، والاقتصاد في تناول الطعام الحلال.
(ج) النهي عن الشبع الموجب للتخمة، فإنها تسبب الإصابة بالكسل، والابتعاد عن البر والكرم، والخلق النبيل، كما أنها تعطل جميع القوى العقلية، بالإضافة إلى ما تحدثه من الأضرار الصحية كالإصابة بمرض السكر، وضغط الدم، والسمنة وغيرها.
9 ـ حق الفرج
(وأما حق فرجك فحفظه مما لا يحل لك، والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الأعوان، وكثرة ذكر الموت، والتهدد لنفسك بالله، والتخويف لها به، وبالله العصمة والتأييد، ولا حول ولا قوة إلا به...).
تتركز الحياة الجنسية في الإسلام على العفة والفضيلة، وصيانة النفس من اقتراف الزنا والفحشاء، أما الطرق الوقائية التي تحجب الإنسان عن هذه الجريمة فهي كما أدلى بها الإمام:
(أ) غض البصر عن المحارم فإن النظر هو العامل الأول للوقوع في الحرام، وقد عبر عنه في بعض الأخبار بزنى العين.
(ب) الإكثار من ذكر الموت فإنه يقضي على هيجان الشهوة الجنسية.
(ج) تهديد النفس بالله العظيم، والتخويف من عقابه، فإنه من عوامل القضاء على جريمة الزنا.

حقوق الأفعال
وبعد ما تحدث الإمام (عليه السلام) عن حقوق الجوارح على الإنسان أخذ في بيان حقوق الأفعال، وهي:
10 ـ حق الصلاة
(فأما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى الله، وأنك قائم بها بين يدي الله، فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام الذليل، الراغب، الراهب، الخائف، الراجي، المسكين، المتضرع، المعظم من قام بين يديه، بالسكون والاطراق وخشوع الأطراف، ولين الجناح، وحسن المناجاة له في نفسه، والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك، واستهلكتها ذنوبك، ولا قوة إلا بالله...).
أما الصلاة فإنها من أعظم الطقوس الدينية، وأهمها في الإسلام، وهي قربان كل تقي ـ حسبما ورد الحديث ـ وهي الوفادة إلى الله تعالى، ومن حقها على المسلم أن يعلم المصلي أنه قائم بين يدي الله الملك الجبار، خالق السموات والأرض، وواهب الحياة، وعليه أن يتجه بجميع مشاعره وعواطفه نحو الله فيقف أمامه موقف الذليل، الراغب في ما عند الله، والخائف من عقابه والراجي لمغفرته ورضوانه، والمسكين الذي يرجو رفده، وعليه أن يصلي بسكينة ووقار، خاشع الأطراف، حسن المناجاة، لا يشغل فكره بأي شأن من شؤون الدنيا، وعليه أن يسأل الله أن ينقذه من التبعات والخطيئات، وفك رقبته من النار.
11 ـ حق الصوم:
(وأما حق الصوم فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك، وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك، ليسترك به من النار، وهكذا جاء في الحديث (الصوم جنة من النار) فإن سكنت أطرافك في حجبها رجوت أن تكون محجوباً، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها، وترفع جنبات الحجاب، فتطلع على ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله، لم تأمن أن تخرق الحجاب، وتخرج منه، ولا قوة إلا بالله...).
وأما الصوم فهو من العبادات المهمة في الإسلام، وفي الحديث أنه جنة من النار، وتترتب عليه كثير من الفوائد الصحية والاجتماعية والاقتصادية، والأخلاقية، والنفسية، والتي منها تقوية فعالية الإرادة، وتنشيطها والتي بها يحقق الإنسان أهم ما يصبو إليه في هذه الحياة… وقد ذكر المعنيون في البحوث الإسلامية فوائد كثيرة للصوم، كما ألفت بعض الكتب في فوائده.
وعلى أي حال فقد تناول الإمام في حديثه ما ينبغي للصائم أن يقوم به في أثناء صومه، فقد ذكر أنه ينبغي له أن لا يقتصر في صومه على الإمساك عن الطعام والشراب، وإنما عليه أن يمسك لسانه عن الكذب وقول الباطل، ويمسك سمعه عن سماع الغيبة، وفرجه مما لا يحل له، وبطنه عن تناول الحرام ليكون بذلك بمنجىً من عذاب الله وعقابه.
12 ـ حق الصدقة
(وأما حق الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سراً، أوثق بما استودعته علانية، وكنت جديراً أن تكون أسررت إليه أمراً أعلنته، وكان الأمر بينك وبينه فيها سراً على كل حال، ولم يستظهر عليه في ما استودعته منها باشهاد الاسماع والأبصار عليه بها، كأنها أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك، ثم لم تمتن بها على أحد لأنها لك، فإذا أمتننت لم تأمن أن تكون بها على تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه، لأن في ذلك دليلاً على أنك لم ترد نفسك بها، ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد، ولا قوة إلا بالله...) أكد الإمام (عليه السلام) على الصدقة، واعتبرها ذخراً عند الله للمتصدق وهو إنما يقدمها لنفسه، فإنه يجدها عنده حاضرة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، كما أكد (عليه السلام) على ضرورة الصدقة في السر، وأن تكون خالية من المن، لأنها في الحقيقة له فكيف يمن بها على المتصدق؟ ونظراً لأهمية الصدقة في السر، فقد كان الإمام يعول مائة بيت في يثرب، وهم لا يعلمون من هو الذي يعيلهم.
13 ـ حق الهدي:
(وأما حق الهدي فأن تخلص بها الإرادة إلى ربك، والتعرض لرحمته وقبوله، ولا تريد عيون الناظرين دونه، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفاً ولا متصنعاً، وكنت إنما تقصد إلى الله، واعلم أن الله يراد باليسير، ولا يراد بالعسير، كما أراد بخلقه التيسير، ولم يرد بهم التعسير، وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن لأن الكلفة والمؤونة في المتدهقنين، فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما، ولا مؤونة عليهما، لأنهما الخلقة، وهما موجودان في الطبيعة، ولا قوة لا بالله...).
وعرض الإمام (عليه السلام) في هذه الفقرات إلى حق الهدي، وهو ما يذبحه حجاج بيت الله الحرام في مكة أو في منى من الأنعام، وقد أكد على أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى غير مشفوع بأي داع من الدواعي الفاسدة كالرياء وطلب السمعة، فإن الله تعالى لا يتقبله، وعرض الإمام (عليه السلام) إلى أن الله تعالى إنما يُتقرب إليه باليسير من الأعمال لا بالعسير، فإن لم يشرع أي تكليف حرجي، ثم أنه (عليه السلام) فرع على ذلك بأن التذلل أولى من التصدي للزعامة لأنها تحتاج إلى الجهد والكلفة والعناء أما من لا يتصدى إليها فإنه في غنى عن ذلك.

حقوق الأئمة
14 ـ حق الأئمة:
(فأما حق سائسك بالسلطان فإن تعلم أنك جُعلت له فتنة، وأنه ابتلي فيك، بما جعله الله له عليك من السلطان، وأن تخلص له في النصيحة، وأن لا تماحكه وقد بُسطت يده عليك، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه، وتذلل وتلطف لاعطائه من الرضى ما يكفه عنك، ولا يضر بدينك، وتستعين عليه في ذلك بالله، ولا تعازه ولا تعانده فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه، وعرضته للهلكة فيك، وكنت خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك، وشريكاً له في ما أتى إليك، ولا قوة إلا بالله..).
وألقى الإمام (عليه السلام) ـ في هذه الكلمات ـ نظرة على الشؤون السياسية قبل أن يتحدث عن الحقوق فنظر إلى حقوق الأئمة والحاكمين على الرعايا، ويرى الإمام أن الرعايا جعلوا فتنة للملوك والأمراء والولاة، وذلك بسبب السلطة التي هي من أهم عوامل الفتنة والإغراء، أما الحقوق الملقاة على الرعايا لملوكهم وأمرائهم فهي أولاً: الإخلاص للسلطة الشرعية، وبذل المزيد من النصيحة لها حتى تتمكن من القيام بأداء واجباتها تجاه الرعية، من العمران، وأشاعة الأمن والرخاء، وتطوير البلاد في جميع مجالاتها، ومن الطبيعي أنه إذا شاع فيها القلق والاضطراب، وعمت فيها الفتن فإنها لا تتمكن من أداء مسؤولياتها وواجباتها.
ثانياً: عدم مخاصمة السلطة لأن المخاصمة تسبب الهلاك والدمار الشاملين.
ثالثاً: التلطف مع السلطة واحترامها بما لا يتنافى مع الدين.
رابعاً: عدم معاندة السلطة، وعدم الخروج على إرادتها لأن ذلك مما يسبب الأضرار البالغة للحكومة وللشعب.
هذه بعض الحقوق التي ينبغي على المواطنين مراعاتها تجاه السلطة الشرعية وهي مما توجب اتحاد الشعب مع حكومته.
15 ـ حق المعلم
(وأما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والاقبال عليه، والمعونة له على نفسك، في ما لا غنى عنه، بأن تفرغ له عقلك، وتحضره فهمك، وتذكي له قلبك، وتجلي له بصرك، بترك اللذات ونقص الشهوات، وأن تعلم أنك في ما ألفي إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم، ولا تخنه في تأدية رسالته، والقيام بها عنه إذا تقلدتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله...).
إن المعلم هو صانع الفكر، والحضارة، وله الأيادي البيضاء على الإنسانية عامة، وعلى المتعلم خاصة، وقد أشاد الإمام (عليه السلام) بمكانته، وأثبت له الحقوق التالية على المتعلم، وجعله مسؤولاً عن رعايتها، والقيام بها، وهي:
1 ـ تعظيمه، وتبجيله بكل ألوان التعظيم والتبجيل، وذلك لما له من عظيم الفضل على المتعلم.
2 ـ توقير مجلسه، واستعمال الحشمة فيه.
3 ـ حسن الاستماع لمحاضراته، والإقبال عليها.
4 ـ تفريغ العقل، وتحضير الفهم لوعي دروسه، وفهمها، ومن الطبيعي أن التلميذ إذا لم يقبل على أستاذه، فإنه لا ينتفع بحضوره في مجلس الدراسة.
5 ـ ترك اللذات والشهوات فإنهما شرطان أساسيان إلى تحصيل العلوم ـ خصوصاً العلوم الدينية ـ فإن من يقبل على اللذات لا يحصل غالباً على أي شيء من العلوم.
6 ـ ومن الحقوق الأساية للمعلم أن ينشر المتعلم المعارف والعلوم التي تلقاها من أستاذه لأنه بذلك قد كتب الاستمرار لرسالة أستاذه.
16 ـ حق المالك
(وأما حق سائسك بالملك فنحوٌ من سائسك بالسلطان إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك، تلزمك طاعته في ما دق وجل منك إلا أن تخرجك من وجوب حق الله، ويحول بينك وبين حقه، وحقوق الخلق، فإذا قضيته رجعت إلى حقه، فتشاغلت به، ولا قوة إلا بالله...).
والشيء المؤكد أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لو تولوا قيادة الأمة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرة لقضوا على الرق، ولم يبق له أي أثر في دنيا الوجود وقد تقدم في البحوث السابقة عتق الإمام زين العابدين (عليه السلام) بصورة مستمرة، ليس الغرض منها إلا القضاء على الرق، وإنقاذ الإنسان من العبودية، كما أن معاملة الأئمة (عليهم السلام) للارقاء كأبنائهم باللطف والرحمة والرأفة، لا تجعل الرق يحمل سمة العبودية، والذل.
وعلى أي حال فقد تعرض الإمام (عليه السلام) إلى حق المالك على رقه، فأوجب طاعته إلا أن يدعو مولاه إلى معصية فلا طاعة له.

حقوق الرعية
17 ـ حقوق الرعية
(فأما حقوق رعيتك بالسلطان فإن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم، فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم، وذلهم، فما أولى من كفاكه ضعفه وذله، حتى صيره رعية، وصير حكمك عليه نافذاً، لا يمتنع منك بعزة ولا قوة، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلا بالله، بالرحمة والحياطة ، والأناة، وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضله هذه العزة والقوة التي قهرت بها، أن تكون لله شاكراً، ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه، ولا قوة إلا بالله...).
لقد نظر الإمام العظيم (عليه السلام) إلى الحكومات القائمة في عصره فرآها على القهر والغلبة، ولم تستند لانتخاب شعوبها فرضخت للظلم، والذل ولم تمتنع بعزة ولا قوة من السلطان، وقد أوصى الإمام أولئك الحكام برعاية الشعوب والرحمة بها، والحياطة لشؤونها، والإناة في التصرف في أحوالها، كما أوصاهم أن يذكروا ما أعطاهم الله من فضله فيشكروه بالإحسان إلى الرعية والرفق بها.
18 ـ حق المتعلمين
(وأما حق رعيتك بالعلم فإن تعلم أن الله قد جعلك لهم في ما آتاك من العلم، وولاك من خزانة الحكمة فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك، وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبده الصابر والمحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه، كنت راشداً، وكنت لذلك آملاً معتقداً، وإلا كنت له خائناً، ولخلقه ظالماً، ولسلبه عزة متعرضاً...).
لقد حث الإمام العظيم (عليه السلام) العلماء على نشر العلم وبذله للمتعلمين، وجعل ذلك حقاً عليهم، وهم مسؤولون عن رعايته، فإن الله تعالى فيما رزقهم من العلم والحكمة، قد جعلهم خزنة عليها، فإن بذلوه إلى المتعلمين فقد قاموا بواجبهم وأدوا رسالتهم، وإلا كانوا خونة وظالمين، وتعرضوا لنقمة الله وسخطه.
19 ـ حق المملوكة
(وأما حق رعيتك بملك النكاح فإن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً، وأنساً وواقية، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله، ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها الزم في ما أحببت وكرهت، ما لم تكن معصية، فإن لها حق الرحمة، والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابد من قضائها، وذلك عظيم، ولا قوة إلا بالله...).
وأوصى الإمام (عليه السلام) من يملك وطء امرأة بملك اليمين أن يقابلها بالرأفة والإحسان، ويقوم برعايتها، وليعلم أن ما استحله منها إنما هو نعمة من الله عليه، فاللازم عليه رعاية تلك النعمة، ورعايتها رعاية كاملة.
20 ـ حق المملوك:
(وأما حق رعيتك بملك اليمين فأن تعلم أنه خلق ربك، ولحمك ودمك وأنك تملكه لا أنت صنعته دون الله، ولا خلقت له سمعاً ولا بصراً ولا أجريت له رزقاً، ولكن الله كفاك ذلك بمن سخره لك، وأئتمنك عليه، واستودعك إياه لتحفظه فيه، وتسير فيه بسيرته فتطعمه مما تأكل، وتلبسه مما تلبس، ولا تكلفه ما لا يطيق، فإن كرهته خرجت إلى الله منه، واستبدلت به، ولم تعذب خلق الله، ولا قوة إلا بالله...).
لقد نظر الإمام العظيم إلى المملوك نظرة مستمدة من جوهر الإسلام وواقعه، فالمملوك كالحر قد صنعه الله، وخلق له السمع والبصر، وأجرى له الرزق، كما صنع ذلك للحر، وليس للمالك أن يتجبر أو يتكبر عليه، وليس له أن يرهقه، أو يحمله فوق طاقته، وإنما عليه أن يعامله بالحسنى، فيطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، وينظر إليه كما ينظر إلى أفراد عائلته، وبهذا فقد حفظ الإسلام للرق مكانته، ونفى عنه كل منقصة أو حزازة.

حقوق الرحم
ووجه الإمام (عليه السلام) نظره صوب الأرحام، فأدلى بحقوقهم.
21 ـ حق الأم
(فحق أمك أن تعلم أنها حملتك، حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، وأنها وقتك بسمعها وبصرها، ويدها ورجلها وشعرها وبشرها، وجميع جوارحها، مستبشرة بذلك، فرحة موبلة محتملة لما فيه مكروهها، والمها، وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة، وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمأ وتضحى وتنعمك ببؤسها، وتلذذك بالنوم بأرقها، وكان بطنها لك وعاءً، وحجرها لك حواءً وثديها لك سقاءً، ونفسها لك وقاءً، تباشر حر الدنيا وبردها لك، ودونك، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه...).
ما أعظم حقوق الأم، وما أكثر ألطافها وآياديها على ولدها، فهي صانعة حياته ولولا عواطفها وحنانها لما عاش، ولما استمرت له الحياة، فقد تعاهدته بروحها منذ تكوينه، وتحملت أعباء الحمل وأخطار الولادة، وبعد ولادته تذوب في سبيله، وتبذل جميع طاقاتها للحفاظ عليه، والسهر من أجله، وتبقى تخدمه بإخلاص، وترعاه بعطف وحنان، إلى أن يكبر ويأخذ طريقه في الحياة، فإذا فارقها أو نأى عنها فكأن الحياة قد فارقتها ونظم محمد بن الوليد الفقيه عواطفها وعواطف الأب في هذه الأبيات.
لو كان يدري الابن أية غصة***يتجرع الأبوان عند فراقه
أم تهيج بوجده حيرانة***وأب يسح الدمع من آماقه
يتجرعان لبينه غصص الردى***ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثى الأم سُل من أحشائها***وبكى لشيخ هام في آفاقه
ولبدل الخلق الأبي بعطفه***وجزاهما بالعذب من أخلاقه
ما أعجز الإنسان عن أداء حقوق أمه، ولو قدم لها جميع الخدمات والمبرات لما أدى أبسط شيء من حقوقها.
22 ـ حق الأب
(وأما حق أبيك فتعلم أنه أصلك، وأنك فرعه، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، وأحمد الله وأشكره على قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله...). أما حق الأب على ولده فعظيم جداً، فهو أصله ولولاه لم يكن، ويجب عليه رعاية حقوقه، والقيام بشؤونه، وما يحتاج إليه لاسيما عند كبره وعجزه فإنه يتأكد عليه تقديم جميع المساعدات والخدمات ليؤدي بذلك بعض حقوقه.
23 ـ حق الولد
(وأما حق ولدك فتعلم أنه منك، ومضاف إليك، في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربه، والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك، ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه في ما بينه وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه ولا قوة إلا بالله...).
إن الولد إنما هو امتداد لحياة أبيه، واستمرار لوجوده، فهو بعضه بل هو كله يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لولده الإمام الزكي الحسن (عليه السلام): ووجدتك بعضي، بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي..).
وتلقي التربية الإسلامية العبء الكبير على الأب في تربية ابنه، وعليه أن يغرس في أعماقه النزعات الكريمة والصفات الشريفة، ويعوده على العادات الحسنة ويجنبه الرذائل، ويقيم له الأدلة على الخالق العظيم الذي بيده ملكوت كل شيء، فإن قام بذلك فقد أدى واجبه نحو ابنه ونحو المجتمع بأسره لأن الإنسان الصالح لبنة في بناء المجتمع، وإن لم يقم بذلك فهو مسؤول أمام الله تعالى، ومعاقب على ذلك.
24 ـ حق الأخ
(وأما حق أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجئ إليه، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها، فلا تتخذه سلاحاً على معصيته، ولا عدة للظلم بحق الله ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه، والحول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه، والإقبال عليه في الله، فإن انقاد لربه، وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن الله آثر عندك، وأكرم عليك منه...).
أما الأخ فهو يد لأخيه وعز ومنعة وقوة له، وهو سنده في الملمات والشدائد، وقد ذكر الإمام (عليه السلام) له من الحقوق ما يلي:
1 ـ أن لا يتخذه سلاحاً على معاصي الله.
2 ـ أن لا يستعين به على ظلم الناس، والاعتداء عليهم بغير حق.
3 ـ أن لا يدع نصرته على نفسه، وذلك بأن يرشده إلى سبل الخير، ويهديه إلى طرق الرشاد.
4 ـ أن يعينه على عدوه إبليس، فيحذره منه، ويخوفه من عقاب الله لئلا يغويه ويصده عن الطريق القويم.
5 ـ أن يمنحه النصيحة في أمور آخرته ودنياه، فإن انقاد للحق فذاك، وإلا فليعرض عنه، ولا يتصل به مع اعلان للعصيان، وحربه لله.

حقوق المحسن
25 ـ حق المنعم بالولاء
(وأما حق المنعم عليك بالولاء فتعلم أنه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذل الرق، ووحشته إلى عز الحرية، وأنسها، وأطلقك من أسر الملكة، وفك عنك حلق العبودية، وأوجدك رائحة العز، وأخرجك من سجن القهر، ودفع عنك العسر، وبسط لك لسان الإنصاف، وأباحك الدنيا، فملكك نفسك، وحل أسرك، وفرغك لعبادة ربك، واحتمل بذلك التقصير في ماله، فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولي رحمك في حياتك وموتك، وأحق الخلق بنصرك ومعونتك، ومكافأتك في ذات الله فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك…) إن للمولى المنعم على عبده بالعتق حقاً كبيراً، فقد فك عنه الاغلال، وانقذه من ذل العبودية، وأطعمه عز الحرية، فله عليه الآيادي البيضاء، والواجب عليه أن يقابله بالشكر الجزيل فينصره ويعينه، ويكفائه في ذات الله وفاءً لجميله ومعروفه.
26 ـ حق المولى
(وأما حق مولاك، الجارية عليه نعمتك، فإن تعلم أن الله جعلك حامية عليه، وواقية وناصراً، ومعقلاً، وجعله لك وسيلة وسبباً بينك وبينه، فبالحري أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثواب منه في الآجل ويحكم لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقته من مالك عليه، وقمت به من حقه بعد إنفاق مالك، فإن لم تخفه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه، ولا قوة إلا بالله...).
ودعا الإمام (عليه السلام) المولى إلى مراعاة حقوق أرقائه، فإن الله قد جعله عليهم وكيلاً وحامية عليهم فاللازم عليه مراعاة حقوقهم، ومعاملتهم معاملة كريمة، والإحسان إليهم بكل ما يتمكن، فإن فعل ذلك وقام به، فإن الله يجازيه على ذلك، ويجعل إحسانه إليهم وقاية له من النار.
27 ـ حق صاحب المعروف
(وأما حق ذي المعروف عليك، فإن تشكره وتذكره معروفه، وتنشر له المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سراً وعلانية، ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته وإلا كنت مرصداً له، موطناً نفسك عليها ...).
تبنى الإسلام بصورة إيجابية الدعوة إلى الإحسان، وشكر المحسن وتشجيعه على هذه الصفة الرفيعة الهادفة إلى إيجاد التضامن بين المسلمين وخلق مجتمع أفضل تتوفر فيه جميع عناصر القوة.
لقد حث الإمام (عليه السلام) على شكر المحسن، وإذاعة فضله وإحسانه تكريماً للفضيلة بين الناس، كما حث على الإخلاص له في الدعاء، ومكافأته بالأفعال.

حقوق صلاة الجماعة
28 ـ حق المؤذن
(وأما حق المؤذن فإن تعلم أنه مذكرك بربك، وداعيك إلى حظك، وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك، فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك، وإن كنت في بيتك متهماً لذلك، لم تكن لله في أمره متهماً، وعلمت أنه نعمة من الله عليك، لاشك فيها فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال، ولا قوة إلاَّ بالله...).
أما المؤذن للإعلام بدخول الصلاة فله الفضل على المسلمين لأنه يعلمهم بدخول وقت الصلاة التي هي من أهم الفرائض الدينية في الإسلام، وهو يستحق بذلك الشكر والتقدير، لأنه يهيئهم لأداء هذه الفريضة الكبرى والخروج من عهدتها.
29 ـ حق إمام الجماعة
(وأما حق إمامك في صلاتك فإن تعلم أنه قد تقلد السفارة في ما بينك وبين الله، والوفادة إلى ربك، وتكلم عنك، ولم تتكلم عنه، ودعا لك، ولم تدع له، وطلب فيك، ولم تطلب فيه، وكفاك هم المقام بين يدي الله، والمسألة له فيك، ولم تكفه ذلك، فإن كان في شيء من ذلك تقصير كان به دونك، وإن كان آثماً لم تكن شريكه فيه، ولم يكن لك عليه فضل، فوقى نفسك بنفسه، ووقى صلاتك بصلاته فتشكر له على ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله...).
أما إمام الجماعة فله الفضل الكبير على المؤتمين به، وذلك لما يترتب من الثواب الجزيل على الجماعة، فقد تضافرت الأخبار باستحبابها المؤكد وأنه كلما ازداد عدد المصلين جماعة ازداد ثوابهم، وتضاعف أجرهم، ومن المعلوم أن ما يظفر به المأموم من الثواب الجزيل إنما هو بسبب إمام الجماعة الذي تقلد السفارة في ما بين المأموم وبين الله تعالى، ومضافاً لذلك فإن الإمام ينوب عن المأموم في قراءة الفاتحة والسورة، وبذلك فقد تحمل عنه أعباء القراءة في حين أن المأموم لم ينب عنه في شيء، ولهذه الجهة وغيرها فقد كان للإمام الفضل الكبير على المأمومين.

حق الجليس
30 ـ حق الجليس
(وأما حق الجليس فإن تلين له كنفك وتطيب له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت، وتقصد في اللفظ إلى افهامه إذا نطقت، وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار، وإن كان الجالس إليك كان بالخيار، ولا تقوم إلا بإذنه، ولا قوة إلا بالله…) ما أروع النظام الاجتماعي الذي خططه الإسلام فقد رعى فيه جميع الشؤون الاجتماعية والفردية، وقارب فيه ما بين العواطف والمشاعر، وقضى فيه على جميع ألوان الحزازات التي تباعد بين المسلمين، وتفرق جماعتهم، وكان من بين ما سنه الإسلام في هذا المجال حقوق الجليس، وقد رعى فيها الآداب رعاية كاملة وهي حسب ما أعلنها الإمام (عليه السلام) كما يلي:
1 ـ أن يلين الجليس جانبه لجليسه، ولا يستعمل معه الغلظة والشدة التي تنفر منها الطباع.
2 ـ أن يطيب له جانبه، وذلك بتوقيره وتكريمه.
3 ـ إنصافه إذا خاض معه الحديث، ولا يظهر التكبر والاستعلاء عليه.
4 ـ عدم المبالغة في أمره.
5 ـ إذا وجه له الكلام فليقصد به إفهامه.
6 ـ إذا جاء بعده فهو بالخيار في القيام، ولكن إذا جاء قبله فليستأذن منه إذا أراد القيام.
ومن الطبيعي أن هذه الآداب لو طبقها المسلمون على واقع حياتهم لسادت المحبة والوئام في ما بينهم.

حق الجار
31 ـ حق الجار
(وأما حق الجار فحفظه غائباً، وكرامته شاهداً، ونصرته ومعونته في الحالين جميعاً، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف، كنت لما علمت حصناً حصيناً، وستراً ستيراً، لو بحثت الألسنة عنه لم تتصل إليه لانطوائه عليه. ولا تستمع عليه من حيث لا يعلم لا تسلمه عنه شديدة، ولا تحسده عند نعمة، تقيل عثرته، وتغفر زلته، ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك، ولا تخرج أن تكون سلماً له، ترد عنه الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النصيحة، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله...).
واهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالجار، وأوصى برعايته، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (وأوصانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجار حتى ظننا أنه سيورثه) وقد تضافرت الأخبار عن أئمة الهدى (عليهم السلام) بالوصاية، والعناية في أموره، وذلك لايجاد التضامن الاجتماعي بين المسلمين، وبناء مجتمع إسلامي تسوده المحبة والألفة، ولا ثغرة فيه للخلاف والشقاق بين أبنائه، وقد أعلن الإمام زين العابدين (عليه السلام) له من الحقوق ما يلي:
1 ـ أن يحفظ الجار جاره في حال غيابه، وذلك بالحفاظ على أمواله، وعرضه، ومنع إيصال أي مكروه له.
2 ـ تكريمه في حال حضوره.
3 ـ نصرته ومعونته في حال حضوره وغيابه.
4 ـ عدم التتبع لأية عورة أو منقصة له.
5 ـ ستر أي سوءةٍ تبدو منه، وعدم نشرها وإذاعتها بين الناس.
6 ـ عدم تسليمه إذا نزلت به شدة أو ألمت به كارثة بل يقف إلى جانبه، ويساعده في ما نزل به.
7 ـ عدم حسده إذا انعم الله عليه نعمة.
8 ـ إقالة عثراته، ومغفرة زلاته.
9 ـ الحلم عنه إذا بدرت منه بادرة سوء، وعدم مقابلته بالمثل.
10 ـ صد من يشتمه أو يذكره بسوء.
11 ـ عدم التصديق لمن ينقل عنه كلمة السوء ليلقي بينهما العداوة والبغضاء.
12 ـ معاشرته معاشرة كريمة.
وهذه الحقوق التي أعلنها الإمام (عليه السلام) توجب وحدة المسلمين، وعدم تصدع شملهم، وإشاعة المودة والألفة بينهم.

حق الصاحب
32 ـ حق الصاحب
(وأما حق الصاحب فإن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً، وإلا فلا أقل من الإنصاف، وأن تكرمه كما يكرمك، وتحفظه كما يحفظك، ولا يسبقك في ما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقك كافأته، ولا تقصر به عما يستحق من المودة، تلزم نفسك نصيحته، وحياطته، ومعاضدته على طاعة ربه، ومعونته على نفسه في ما لا يهم به من معصية ربه.
ثم تكون عليه رحمة،ولا تكون عليه عذاباً، ولا قوة إلا بالله...).
وعرض الإمام (عليه السلام) إلى حقوق الصاحب على صاحبه، وهي:
1 ـ أن تقوم المصاحبة على الفضل والمعروف.
2 ـ أن يحفظ كل منهما صاحبه.
3 ـ أن تقوم المصاحبة على المودة والحب والإخاء.
4 ـ أن يسدي كل صاحب لصاحبه النصيحة.
5 ـ أن يعضد كل منهما صاحبه على طاعة الله تعالى، والتجنب عن معاصيه.
6 ـ أن تكون الصحبة رحمة ونعمة لا عذاباً ونقمة.

حقوق اقتصادية
33 ـ حق الشريك
(أما حق الشريك فإن غاب كفيته، وإن حضر ساويته، ولا تعزم على حكمك دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ما له، وتنفي عنه خيانته في ما عزَّ وهان، فإنه بلغنا (إن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوة إلا بالله).
وتبتني الشركة المالية في الإسلام على تنمية المال، ونشر روح الأمانة بين الشريكين وليس لكل واحد منهما الاستبداد في التصرف في المال من دون إذن صاحبه، وإنما عليه أن يستشيره في جميع شؤون المال المشترك من البيع والنقل وغير ذلك، كما أن على كل منهما القيام بحفظ المال، وعدم خيانته أو اهماله، وإن فرط أحدهما فيه فيترتب عليه الحكم التكليفي وهو العقاب، بالإضافة إلى الحكم الوضعي وهو الضمان.
34 ـ حق المال:
(وأما حق المال فأن لا تأخذه إلا من حله، ولا تنفقه إلا في حله، ولا تحرفه عن مواضعه، ولا تصرفه عن حقائقه، ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه، وسبباً إلى الله، ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك، وبالحري أن لا يحسن خلافته في تركتك، ولا يعمل فيه بطاعة ربك، فتكون معيناً له على ذلك، وبما أحدث في مالك، أحسن نظراً لنفسه، فيعمل بطاعة ربه، فيذهب بالغنيمة، وتبوء بالإثم والحسرة والندامة مع التبعة، ولا قوة إلا بالله...) أما حق المال في الإسلام فإن لا يأخذه المسلم إلا من الطرق المشروعة كالكسب الحلال، أما أخذه من الطرق المحرمة كالربا، والغش، والتكسب في الأعيان المحرمة كبيع الخمر وصنعه أو أكل أموال الناس بالباطل كالرشوة، وأمثالها، فإن ما يأخذه باق على ملك صاحبه، مضافاً إلى الإثم والعقاب عند الله، وبذلك فقد بنى الإسلام اقتصاده الخلاق على أحدث الوسائل التي لا توجب تكدس الأموال عند فئة من الناس، وحرمان بقية الشعب منها، ثم أن الإمام (عليه السلام) دعا إلى إنفاق المال في الوسائل المحللة التي يثاب عليها، وينال بها رضا الله كإنشاء المستشفيات ودور الولادة، ومعاهد التعليم، وتأسيس المكتبات العامة، وما شاكل ذلك من المشاريع التي ينتفع بها الناس، أما إذا لم ينفقه وأدخره لورثته فإن انفقوه في معصية الله فإثمه عليه لاعانته إياهم على الإثم والحرام، وإن أنفقوه في طاعة الله فقد ذهبوا بالغنيمة، وباء بالحسرة وبالخسران.
35 ـ حق الغريم
(وأما حق الغريم المطالب لك فإن كنت موسراً أوفيته وكفيته، ولم ترده، وتمطله، فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (مطل الغني ظلم) وإن كنت معسراً أرضيته بحسن القول، وطلبت منه طلباً جميلاً، ورددته عن نفسك رداً لطيفاً، ولم تجمع عليه ذهاب ماله، وسوء معاملته، فإن ذلك لؤم، ولا قوة إلا بالله...).
وعرض الإمام (عليه السلام) إلى حق الدائن على المدين، وأنه يجب على المدين أن يوفي دينه إن كان موسراً، وليس له المماطلة لأنها نوع من أنواع الظلم وهو محرم في الإسلام، وإن كان معسراً فعليه أن يقدم للدائن أطيب القول وأحسنه، ويعتذر منه ويخبره بعجزه، وعدم قدرته على الوفاء، أما مقابلته بالكلمات النابية والألفاظ الرخيصة فإنه سد لباب المعروف ولون من ألوان اللؤم الذي هو من أحقر الصفات وأمقتها عند الله.
36 ـ حق الخليط:
(وأما حق الخليط فأن لا تغره، ولا تغشه، ولا تكذبه، ولا تغفله، ولا تخدعه، ولا تعمل في انتقاصه، عمل العدو الذي لا يبقى على صاحبه، وأن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك، وعلمت أن غبن المسترسل رباً ولا قوة إلا بالله...).
أما الخليط وهو الشريك في المال المختلط فقد ذكر له الإمام (عليه السلام) حقوقاً وهي:
1 ـ أن لا يغر صاحبه فيما إذا باع المال عليه.
2 ـ أن لا يغش المال إذا باعه عليه.
3 ـ أن لا يكذبه في ما يدعيه.
4 ـ أن لا يغفله في أي شأن من شؤون المبيع بل لابد أن يكون على علم به.
5 ـ أن لا يخدعه في المعاملة التي بينه وبينه.
6 ـ إذا فوض إلى صاحبه أموره فعليه أن يبذل قصارى جهوده في النصيحة وإن غبنه فإن ذلك نوع من أنواع الربا الذي يمقته الله.

حقوق الخصومة
37 ـ حق المدعي
(وأما حق الخصم المدعي عليك، فإن كان ما يدعي عليك حقاً لم تنفسخ في حجته، ولم تعمل في إبطال دعوته، وكنت خصم نفسك له، والحاكم عليها والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود، فإن ذلك حق الله عليك، وإن كان ما يدعيه باطلاً رفقت به، وورعته، وناشدته بدينه، وكسرت حدته عنك بذكر الله، وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يرد عليك عادية عدوك، بل تبوء باثمه، وبه يشحذ عليك سيف عداوته لأن لفظة السوء تبعث الشر، والخير مقمعة للشر، ولا قوة إلا بالله...).
وتحدث الإمام (عليه السلام) في هذه الفقرات عن حق المدعي على المدعى عليه وأن الواجب يحتم على المدعى عليه إن كانت الدعوى حقاً أن يعطي الحق للمدعي ولا يظلمه لأن الله له بالمرصاد، وهو الحاكم بين عباده بالحق، وإن كانت الدعوى باطلة واقعاً فعليه أن يرفق به تأدباً، ويعظه ويذكره الدار الآخرة، ولا يقابله بالغلظة والشدة لعله يرتدع عن غيه، وينتهي عن باطله.
38 ـ حق المدعى عليه
(وأما حق الخصم المدعى عليه، فإن كان ما تدعيه حقاً اجملت في مقاولته بمخرج الدعوى، فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه، وقصدت قصد حجتك بالرفق، وأمهل المهلة، وأبين البيان، وألطف اللطف، ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال فتذهب عنك حجتك، ولا يكون لك في ذلك دَرَكٌ، ولا قوة إلا بالله...).
لقد نظر الإمام (عليه السلام) إلى المدعي، فإنه إذا كان على حق في دعواه، فأوصاه أن يتجنب الكلمات النابية مع خصمه، ويقابله بالكلمات الطيبة، ويتجنب القيل والقال لأنهما لا يجديان شيئاً، ولا يرجعان حقاً بل ربما تذهب حجته، ويضيع حقه.

حقوق الاستشارة
39 ـ حق المستشير
(وأما حق المستشير، فإن حضرك له وجه رأي، جهدت له في النصيحة، وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به، وذلك ليكن منك في رحمة ولين، فإن اللين يؤنس الوحشة، وإن الغلظ يوحش موضع الأنس، وإن لم يحضرك له رأي، وعرفت له من تثق برأيه، وترضى به لنفسك دللته عليه، وأرشدته إليه لم تأله خيراً، ولم تدخره نصحاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله...).
أما حق المستشير على المشير، فإن عليه أن يخلص له في النصيحة، ويجهد نفسه في إسداء الرأي المصيب، وأن يؤدي نصيحته له بلين لا شدة فيه، فإن الشدة تنفر منها الطباع وتستوحش منها القلوب، وإن لم يحضر رأي ينتفع به المستشير، فإن عرف من يثق برأيه فيدله عليه، ويرشده له، وبذلك يكون قد أسدى إليه خيراً ومعروفاً.
40 ـ حق المشير
(وأما حق المشير عليك فلا تتهمه في ما يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك، فإنما هي الآراء، وتصرف الناس فيها واختلافهم. فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه، فأما تهمته فلا تجوز لك، إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة، ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه، وحسن وجه مشورته، فإذا وافقك حمدت الله، وقبلت ذلك من أخيك بالشكر، والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك، ولا قوة إلا بالله...).
أما حق المشير على المستشير فإن عليه أن لا يتهمه في رأيه، ولا يزهد في نصيحته، وإذا اتهمه في رأيه فإنه غير ملزم بالأخذ به، وهو على كل حال ملزم بشكره ومكافأته على إسداء النصيحة له.

حقوق النصيحة
41 ـ حق المستنصح
(وأما حق المستنصح فإن حقه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له إنه يحمل، ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه، وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه، ويجتنبه، وليكن مذهبك الرحمة، ولا قوة إلا بالله...).
أما حق المستنصح على الناصح فإن عليه أن يرشده إلى الصواب، ويهديه إلى الحق والرشاد، وأن تكون نصيحته مشفوعة بالكلام الطيب، وليس له أن يخاطبه بكلام فوق مستواه الفكري، فإن نصيحته تذهب أدراج الرياح.
42 ـ حق الناصح
(وأما حق الناصح فأن تلين له جناحك، ثم تشرئب له قلبك ، وتفتح له سمعك، حتى تفهم عنه نصيحته، ثم تنظر فيها، فإن كان وفق فيها للصواب حمدت الله على ذلك، وقبلت منه، وعرفت له نصيحته، وإن لم يكن وفق لها فيها رحمته، ولم تتهمه، وعلمت أنه لم يألك نصحاً إلا أنه أخطأ إلا أن يكون عندك مستحقاً للتهمة، فلا تعبأ بشيء من أمره على كل حال، ولا قوة إلا بالله...).
أما حق الناصح على المستنصح فهو أن يلين له جناحه تكريماً وتعظيماً له، ويتوجه إليه بقلبه وسمعه ليعي نصيحته، ويتدبر ما فيها، فإن كانت وفقاً للصواب حمد الله على ذلك، وإن خالفت الواقع فليس له أن يتهمه في شيء لأنه لم يألُ جهداً في نصيحته إلا أنه أخطأ في ذلك، وليس عليه حرج أو بأس.
حقوق اجتماعية
43 ـ حق الكبير
(وأما حق الكبير فإن حقه توقير سنه، واجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه، وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق، ولا تؤمه في طريق ولا تستجهله، وإن جهل عليك تحمَّلت وأكرمته بحق إسلامه مع سنه، فإنما حق السن بقدر الإسلام، ولا قوة إلا بالله..).
من الآداب الاجتماعية التي سنها الإسلام من أجل بناء مجتمع أصيل احترام الشيخ الكبير إذا كان من أهل الفضل والسابقة في الإسلام أما مظاهر تكريمه حسب ما ذكره الإمام (عليه السلام) فهي:
1 ـ ترك مقابلته والرد عليه في المسائل التي تمنى بالجدل والخصام.
2 ـ إذا سارا معاً فلا يسبقه إلى الطريق.
3 ـ أن لا يتقدم عليه في الطريق.
4 ـ إذا خفيت على الشيخ مسألة فلا يظهر جهله فيها.
5 ـ إذا اعتدى الشيخ علي فيتحمل اعتداءه، ويكرمه من أجل كبره وإسلامه.
44 ـ حق الصغير
(أما حق الصغير فرحمته، وتثقيفه، وتعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له، والستر على جرائر حداثته، فإنه سبب للتوبة، والمداراة، وترك مماحكته، فإن ذلك أدنى لرشده...).
وأعلن الإمام (عليه السلام) حقوقاً للصغير على الكبير، وهي من ركائز التربية الإسلامية وهي:
1 ـ الرحمة بالصغير، والعطف عليه، وعدم مقابلته بالشدة والقسوة لأنهما يوجبان انحرافه، وخلق العقد النفسية فيه.
2 ـ تثقيفه، وتعليمه، وفتح آفاق المعرفة أمامه لينهل منها.
3 ـ الرفق به لأنه مما يوجب استجلابه.
4 ـ إعانته في ما يحتاج إليه.
5 ـ الستر على جرائر حداثته، وعدم نشرها لأن ذلك يوجب اقلاعه عنها.
6 ـ مداراته، وترك مخاصمته، فإن ذلك أدنى لرشده.
وهذه الأمور التي أعلنها الإمام (عليه السلام) مما توجب صلاح النشء وتهذيبهم.

حقوق الفقراء
45 ـ حق السائل
(وأما حق السائل فاعطاؤه إذا تهيأت صدقة، وقدرت على سد حاجته، والدعاء له في ما نزل به، والمعاونة له على طلبته، وإن شككت في صدقه، وسبقت إليه التهمة، ولم تعزم على ذلك لم تأمن من أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدك عن حظك ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك، وتركته بستره، ورددته رداً جميلاً، وإن غلبت نفسك في أمره، وأعطيته على ما عرض في نفسك منه، فإن ذلك من عزم الأمور...).
وحث الإمام (عليه السلام) على البر بالسائل، وإسعافه، وسد حاجته تحقيقاً للتكافل الاجتماعي في الإسلام، وأبعاداً لشبح الفقر والمجاعة عن المسلمين، هذا فيما إذا علم صدق السائل، وإن شك المسؤول في أمر الفقير واتهمه، بالكذب في إظهار الفقر، فإنه ليس من المستبعد أن تكون هذه التهمة من كيد الشيطان ومكره ليحرم المسؤول من الثواب الجزيل الذي أعده الله تعالى للمتصدقين، وإن خالف المسؤول هذا الوهم فأعطى الفقير فإن ذلك من عزم الأمور.
46 ـ حق المسؤول
(وأما حق المسؤول: فحقه إن أُعطي قبل منه ما أعطى بالشكر له، والمعرفة لفضله، وطلب وجه العذر في منعه، واحسن به الظن وأعلم أنه إن منع فما له منع، وإن ليس التثريب في ماله، وإن كان ظالماً فإن الإنسان لظلوم كفار..) وعرض الإمام (عليه السلام) إلى حق المسؤول على السائل، وإن من أوليات حقوقه أن يقابله السائل بالشكر والدعاء له فيما إذا أكرمه واعطاه، وأن يحسن به الظن فيما إذا منعه، كما أن من يمنع السائل مع القدرة والتمكن على عطائه فإنه قد حجب ماله عن نفسه، وحرمها منه لأن الله قد أعد للمتصدقين أجزل الثواب.

حق السار
47 ـ حق السار:
(وأما حق من سرك الله به وعلى يديه، فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولاً ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء، وكافأته على فضل الابتداء، وارصدت له المكافأة، وإن لم يكن تعمدها حمدت الله وشكرته، وعلمت أنه منه، توحدك بها، وأحببت هذا إذا كان سبباً من أسباب نعم الله عليك، وترجو له بعد ذلك خيراً، فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت، وإن كان لم يعتمد، ولا قوة إلا بالله...).
إن من يبادر إلى دخال السرور على أخيه فهو من خيار الناس، وقد طرق أخاه بالمعروف، وأسدى إليه يداً بيضاء، وإن الواجب يقضي عليه بأن يقوم بشكره، ويذكر إحسانه والطافه عليه، ويكافئه على معروفه تشجيعاً لهذه المكرمة، وشكراً للمعروف.

حق القضاء
48 ـ حق ما أساء القضاء:
(وأما حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل، فإن كان تعمدها، كان العفو أولى بك، لما فيه من القمع وحسن الأدب، مع كثير أمثاله من الخلق فإن الله يقول: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ـ إلى قوله ـ من عزم الأمور) وقال عز وجل: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) هذا في العمد، فإن لم يكن عمداً لم تظلمه بتعمد الانتصار منه، فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ، ورفقت به، ورددته بالطف ما تقدر عليه، ولا قوة إلا بالله..).
وتعرض الإمام (عليه السلام) إلى القضاة، وأنهم إذا جاروا على أحد بقول أو فعل، وكان ذلك عن عمد، فالأولى العفو والصفح عنهم عملاً بالآداب الإسلامية الرفيعة التي حثت على العفو عن المسيء، وعدم مؤاخذته، أما إذا صدرت الإساءة منهم عن خطأ فلا ينبغي مؤاخذتهم لأنهم لم يتعمدوا الظلم والجور.

حق المسلمين
49 ـ حق أهل الملة
(وأما حق أهل ملتك عامة فاضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرفق بمسيئهم وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم إلى نفسه، وإليك، فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك، إذ كف عنك أذاه، وكفاك مؤونته، وحبس عنك نفسه، فعمهم جميعاً بدعوتك، وانصرهم جميعاً بنصرتك، وأنزلهم جميعاً منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه..).
إن للمسلمين حقوقاً عامة، على كل مسلم أن يقوم برعايتها، وهي حسب ما أعلنها الإمام (عليه السلام) كما يلي:
1 ـ على كل مسلم أن يضمر في دخيلة نفسه السلامة والمودة والإخاء لجميع المسلمين.
2 ـ أن ينشر لهم جناح الرحمة، فلا يستعلي، ولا يستكبر على أي واحدٍ منهم.
3 ـ أن يرفق بمسيئهم، ولا يقسو عليه لأن في ذلك إصلاحاً له.
4 ـ أن يعمل على تآلفهم ووحدتهم واجتماع كلمتهم.
5 ـ أن يشكر محسنهم على إحسانه، ويشجعه على هذه الظاهرة الكريمة التي تعود فائدتها على الجميع.
6 ـ أن يقوم بنصرتهم إذا دهمهم عدو.
7 ـ أن ينزل الكبير منهم بمنزلة والده، وصغيرهم بمنزلة ولده، وأوسطهم بمنزلة أخيه... ومن المؤكد أن هذه الحقوق لو طبقها المسلمون على واقع حياتهم لكانوا يداً واحدة، وما أختلفت لهم كلمة، ولا تشتت لهم شمل، وما طمعت فيهم أمم العالم.

حق أهل الذمة
50 ـ حق أهل الذمة
(وأما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم، وأجبروا عليه، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك في ما جرى بينك وبينهم من معاملة، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله، والوفاء بعهده، وعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حائل فإنه بلغنا أنه قال: (من ظلم معاهداً كنت خصمه) فاتق الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله...).
ورعى الإسلام أهل الذمة، وهم اليهود والنصارى من الذين دخلوا في ذمة الإسلام فإنه يعاملهم كما يعامل المسلمين في التمتع بالحرية والرخاء والأمن والاستقرار، وقد أعلن الإمام (عليه السلام) أن لهم من الحقوق ما يلي:
1 ـ أن يتقبل فيهم ما قننه الله وشرعه لهم من أحكام.
2 ـ الوفاء بحقوقهم التي جعلها الله لهم.
3 ـ الحكم فيهم بما أنزل الله.
4 ـ حرمة ظلمهم، وعدم جواز الاعتداء عليهم بغير حق.
(... فهذه خمسون حقاً محيطاً بك، لا تخرج منها في حال من الأحوال يجب عليك رعايتها والعمل في تأديتها، والاستعانة بالله جلّ ثناؤه على ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين...).
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن رسالة الحقوق التي هي من أثرى الكتب الإسلامية فهي ـ على إيجازها ـ قد وضعت المناهج الحية لإسعاد المسلمين، وإصلاحهم.




المصادر والمراجع
ـ حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام) (دراسة وتحليل).
العلامة السيد باقر شريف القرشي.
ـ أئمتنا.
الأستاذ علي محمد علي دخيل.
ـ المنهج الإصلاحي عند الإمام زين العابدين (عليه السلام).
حسن عبد الله أبو صالح.
مجلة الثقافة الإسلامية (العدد 56).

قيمة كل إمرئ ما يحسنه

alimohammad
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 357
اشترك في: الأربعاء مارس 26, 2008 2:47 pm

شكر و تمجيد

مشاركة بواسطة alimohammad »

بسم الله الرحمن الرحيم
ماشاء الله لاقوة الا بالله
الأخ مصطفى / المحترم
السلام عليكم و على جميع الاخوة المؤمنين
لقد احسنت و اجدت أخي ، بارك الله فيك و شكر الله لك سعيك.

http://71.18.61.110/forum/viewtopic.php ... ght=#44306

تحياتي
ماشاء الله لاقوة الا بالله، عليه توكلت و اليه انيب.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“