الله أعلم حيث يجعل رسالتة

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
هلال الشرق
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 6
اشترك في: السبت يوليو 31, 2010 5:05 pm

الله أعلم حيث يجعل رسالتة

مشاركة بواسطة هلال الشرق »

بسم الله الرحمن الرحيم

"الله أعلم حيث يجعل رسالته"

يروى أنه لما دخل "هارون الرشيد" إلى مكة، شرفها الله تعالى، وابتدأ بالطواف ومنع الخاص والعام من ذلك لينفرد بالطواف. فسبقه أعرابي، فشق ذلك على الرشيد فالتفت إلى حاجبه منكراً عليه، فقال الحاجب للأعرابي: تخل عن الطواف حتى يطوف أمير المؤمنين.
فقال الأعرابي: إن الله قد ساوى بين الإمام والرعية في هذا المقام، فقال عز وجل: "سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم".
فلما سمع الرشيد من الأعرابي ذلك راعه أمره فأمر حاجبة بالكف عنه، ثم جاء الرشيد إلى الحجر الأسود ليستلمه فسبقه الأعرابي فاستلمه، ثم أتى الرشيد إلى المقام للمصلي فسقه الأعرابي فصلى فيه، فلما فرغ الرشيد من صلاته قال: لحاجبه: ائتني بهذا الأعرابي، فأتاه الحاجب فقال: أجب أمير المؤمنين.
فقال: ما لي إليه من حاجة إن كان له حاجة فهو أحق بالقيام إلي والسعي.
فقام الرشيد حتى وقف بإزاء الأعرابي وسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال له الرشيد: يا أخا العرب أجلس هنا بأمرك.
فقال الأعرابي: ليس البيت بيتي ولا الحرم حرمي وكلنا فيه سواء.
فإن شئت تجلس، وإن شئت تنصرف.
فعظم ذلك على الرشيد وسمع ما لم يكن في ذهنه، وما ظن أنه يواجهه أحد بمثل هذا الكلام. فجلس الرشيد وقال: يا أعرابي، أريد أن أسألك عن فرضك، فإن أنت
قمت به فأنت بغيره أقوم، وإن أنت عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز.
فقال الأعرابي: سؤالك هذا سؤال تعلم أم سؤال تعنت؟
فتعجب الرشيد من سرعة جوابه وقال: بل سؤال تعلم.
فقال له الأعرابي: قم فاجلس مقام السائل من المسؤول.
قال: فقام الرشيد وجثا على ركبتيه بين يدي الأعرابي، فقال: قد جلست فاسأل عما بدا لك.
فقال له: أخبرني عما افترض الله عليك؟
فقال له: تسألني عن أي فرض عن فرض واحد، أم عن خمسة، أن عن سبعة عشر، أم عن أربعة وثلاثين، أم عن خمسة وثمانين، أم عن واحدة في طول العمر، أم عن واحدة في أربعين، أم عن خمسة من مائتين.
فضحك الرشيد حتى استلقى على قفاه استهزاء به، ثم قال: له: سألتك عن فرضك فأتيتني بحساب الدهر؟
قال: يا هارون لولا أن الدين بالحساب لما أخذ الله الخلائق بالحساب يوم القيامة، فقال
تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من
خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين".
فظهر الغضب في وجه الرشيد واحمرت عيناه حين قال: يا هارون، ولم يقل له: يا أمير المؤمنين، وبلغ مبلغاً شديداً غير أن الله تعالى عصمه منه وحال بينه وبينه لما علم أنه هو الذي أنطق الأعرابي بذلك، فقال له الرشيد: يا أعرابي، إن فسرت ما قلت نجوت وإلا أمرت بضرب عنقك بين الصفا والمروة.
فقال له الحاجب: يا أمير المؤمنين اعف عنه وهبه لله تعالى ولهذا المقام الشريف؟
قال: فضحك الأعرابي من قولهما حتى استلقى على قفاه، فقال: مم تضحك؟
قال: عجباً منكما إذ لا أدري أيكما أجهل الذي يستوهب أجلاً قد حضر أم من يستعجل أجلاً لم يحضر؟
فهال الرشيد ما سمعه منه وهانت نفسه عليه، ثم قال: الأعرابي: أما سؤالك عما افترض الله علي، فقد افترض علي فرائض كثيرة، فقولي لك عن فرض واحد: فهو دين
الإسلام، وأما قولي لك عن خمسة: فهي الصلوات؛ وأما قولي لك عن سبعة عشرة: فهي سبعة عشرة ركعة؛ وأما قولي لك عن أربعة وثلاثين: فهي السجدات؛ وما قولي لك عن خمسة وثمانين: فهي التكبيرات؛ وأما قولي لك عن واحدة في طول العمر: فهي حجة الإسلام واحدة في طول العمر كله، وأما قولي لك واحدة في أربعين: فهي زكاة الشياه، شاة من أربعين، وأما قولي لك خمس من مائتين: فهي زكاة الورق.
قال: فامتلأ الرشيد فرحاً وسروراً من تفسير هذه المسائل، ومن حسن كلام الأعرابي وعظم الأعرابي في عينه وتبدل بغضه محبة، ثم قال: الأعرابي: سألتني فأجبتك وأنا أريد أن أسألك فأجبني.
قال: قل.
فقال الأعرابي: ما تقول في رجل نظر إلى امرأة في وقت صلاة الفجر فكانت عليه محرمة،
فلما كان وقت الظهر حلت له، فلما كان في وقت العصر حرمت عليه، فلما كان وقت المغرب حلت له، فلما كان وقت العشاء حرمت عليه، فلما كان وقت الصبح حلت له،
فلما كان وقت الظهر حرمت عليه، فلا كان وقت العصر حلت له، فلما كان وقت المغرب حرمت عليه، فلما كان وقت العشاء حلت له.
فقال: والله يا أخا العرب لقد أوقعتني في بحر لا يخلصني منه غيرك.
فقال له: أنت خليفة ليس فوقك شيء ولا ينبغي أن تعجز عن مسألة فكيف عجزت عن مسألتي وأنا رجل بدوي لا قدرة لي؟
فقال الرشيد: قد عظم قدرك العلم ورفع ذكرك فأشتهي إكراماً لي، ولهذا المقام تفسير ذلك.
فقال: حباً وكرامة ولكن على شرط أن تجبر الكسير وترحم الفقير ولا تزدري الحقير.
فقال: حباً وكرامة، ثم قال: إن قولي لك عن رجل نظر إلى امرأة وقت صلاة الفجر فكانت عليه حراماً فهو رجل نظر إلى أمة غيره وقت الفجر فهي حرام عليه، فلما كان وقت الظهر اشتراها فحلت له، فلما كان وقت العصر أعتقها، فحرمت عليه، فلما كان وقت المغرب تزوجها فحلت له، فلما كان وقت العشاء طلقها فحرمت عليه، فلما كان وقت الفجر رجعها فحلت له، فلما كان وقت الظهر ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر أعتق عنها، فحلت له، فلما كان وقت المغرب ارتد عن الإسلام فحرمت عليه. فلما كان وقت العشاء تاب ورجع إلى الإسلام فحلت له.
قال: فاغتبط الرشيد وفرح به واشتد إعجابه، ثم أمر له بعشرة آلاف درهم، فلما حضرت قال: لا حاجة لي بها ردها إلى أصحابها. فقال له: أريد أن أجري لك جراية تكفيك مدة حياتك؟
قال: الذي أجرى عليك يجري علي.
قال: فإن كان عليك دين قضيناه عنك؟
قال: لا، ولم يقبل منه شيئاً، ثم أنشد يقول:
هب الدنيا توافينا سنينا فتكدر ساعة وتلذ حينا
فما أبغي لشيء ليس يبقى وأتركه غداً للوارثينا
كأني بالتراب علي يحثى وبالإخوان حولي نادبينا
ويوم تزفر النيران فيه وتقسم جهرةً للسامعينا
وعزة خالقي وجلال ربي لأنتقمن منهم أجمعينا
وقد شاب الصغير بغير ذنبٍ فكيف يكون حال المجرمينا
فلما فرغ من إنشاده تأوه الرشيد وسأله عن أهله وبلاده، فأخبره أنه موسى الرضي بن
جعفر الصادق بن محمد الباقر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين،
وكان يتزيا بزي أعرابي زهداً في الدنيا وتباعداً عنها، فقام إليه الرشيد وقبل ما بين عينيه،
ثم قرأ "الله أعلم حيث يجعل رسالته" .

اللهم صلي على محمد وآل محمد

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“