مشروعية صيام يوم عاشوراء .. بين الإفراط والتفريط

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشروعية صيام يوم عاشوراء .. بين الإفراط والتفريط

مشاركة بواسطة المتوكل »

صيام يوم عاشوراء .. بين الإفراط والتفريط



بسم الله الرحمن الرحيم

وجدنا في الآونه الأخيرة تناول البعض لموضوع صيام يوم عاشوراء ، حيث تناولته جماعةٌ بشكل مضاد لما تناولته جماعةٌ أخرى .
وانحرفت عملية البحث في هذه المسألة عند الجماعتين إلى حالة أشبه بمحاولة حب الإنتصار على الآخر ، ودحض حجته ! بدلاً من تناول المسألة من ناحية علمية محايدة .

وفي محاولة منّا لبحث المسألة بلا إفراطٍ ولا تفريط
نضع بين يدي القارئ الكريم ، هذا البحث المختصر
راجين من الله عزوجل ، أن يوفق الجميع إلى الخير والصواب
أنه كريمٌ مجيبٌ وهّاب .


-----
مقدمة من الواقع المعاش :-

منذ سنوات الصبا الأولى من عمري - من سن العاشرة تقريباً - وأنا أسمع خطباء المساجد والوعاظ في التلفاز ، يحثون المسلمين دائماً على صيام يوم عاشوراء .
ذاكرين قصة سبب الحث على صيام يوم عاشوراء ، بتلك التي لا زالوا يرددونها حتى اليوم ، من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجد اليهود في المدينة يصومونه ، فسألهم عن سبب صيامهم ، فقالوا أنه يومٌ نجى الله تعالى به سيدنا موسى صلوات الله عليه من فرعون وجنوده ... الخ القصة !

وخلال قيامي البحث عن سبب المشروعية ومدى صحة تلك القصة ، وجدت أن سبب مشروعية صيام يوم عاشوراء مُختلفٌ فيه على عدة آراء !
فبينما هناك آراء منطقية ، وعلل أكثر قبولاً ، إلا أن تلك القصة التي تردد دائماً تمثل الرأي السخيف من بين الآراء المختلفة .

فيا ترى ؟
هل التركيز على تلك القصة السخيفة ، وتجاهل باقي الآراء .. مقصودٌ من البعض !؟
الجواب عليكم إستنتاجه من طيات ما سوف نعرضه في هذا البحث .



***
تحليل ونقض القصة المتداولة لسبب مشروعية صيام عاشوراء :

1_ المتن الوارد في كتاب "صحيح البخاري" :
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ مَا هَذَا ، قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى ، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ )) . إنتهى

2_ متن متعلق بالمتن الأول في كتاب "صحيح البخاري" :
(( عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَصُومُوهُ أَنْتُمْ )) . إنتهى

3_ متن ثالث في كتاب "صحيح البخاري" :
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ ، فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ ، فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ )) . إنتهى

4_ متن رابع في كتاب "صحيح البخاري" :
(( عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ، دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَإِذَا أُنَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ ، فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ )) . انتهى

5_ متن خامس في كتاب "صحيح البخاري" :
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ، لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالُوا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ )) . إنتهى

6_ متن وارد في كتاب "صحيح مسلم" :-
(( حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي إِسْمَعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُا ، حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ، قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) . انتهى

---
أكتفي بالروايات السابقة ،، ولنرى تعارضها وسخفها :

1_ الرويات تقول أنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرع صيام يوم عاشوراء في السنة الأولى للهجرة أو الثانية للهجرة على أبعد إحتمال ، كون الروايات تربط مشروعية الصيام بما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قدومه للمدينة ، من صيام اليهود له ، وفي هذه الروايات ليس هناك ذكر لصيام يوم التاسع مخالفةً لليهود !

2_ الرواية الأخيرة التي نقلناها من كتاب"صحيح مسلم" ، تقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرع صيام يوم عاشوراء في السنة الحادية عشرة للهجرة ، أي سنة وفاته صلوات الله عليه وآله ، لذلك توفي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يطبق ما أوصى به من صيام التاسع من شهر محرم مخالفةً لليهود حسب زعم المرددين للقصة السخيفة !

3_ أحد المتون المتعلق بالقصة تقول أن اليهود كانوا يتخذون من يوم عاشوراء يوم عيد !

نجد مما سبق أن القصة يعارض بعضها بعضاً ، كما لا يجتمع صيام اليهود ليوم عاشوراء واتخاذهم له عيداً !!


***
الأسباب والآراء الأخرى في مشروعية صيام يوم عاشوراء :

والآن لنرى الآراء الأخرى في سبب مشروعية صيام يوم عاشوراء ، والتي يخفيها أو يتجاهل طرحها المرددون للقصة السخيفة السابقة ، أثناء حثهم المسلمين على الصيام .

الرأي الأول : أن يوم عاشوراء كان يوماً تصومه قريش في الجاهلية :
والرويات التي ذكرت هذا الرأي نجدها كما يلي :-
1_ من كتاب "صحيح البخاري" : ((عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ )) . انتهى

2_ من كتاب "صحيح البخاري" : ((عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ )) . انتهى

3_ من كتاب "صحيح البخاري" : ((عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ )) . انتهى

نلاحظ في هذه الروايات ما يلي :
أ / أن يوم عاشوراء كان تصومه قريش في الجاهلية ، وصيام قريش له متعلق بالكعبة وسترها بالكسوة . وهذا الرأي منطقي ، فمن ناحية إرتباطه بالكعبة المشرفة وتعظيمها ، وقبول هذا الرأي مبني على أن ممارسات قريش المرتبطة بالكعبة وتعظيمها هو من دين الحنيفية كما هو الحال في مسألة طواف قريش حول الكعبة .

ب / هذا الرأي يسقط تخصيص سبب مشروعية الصيام بالقصة السخيفة المرتبطة باليهود .

ج / نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك الحرية للمسلمين بصيام هذا اليوم أو عدم صيامه ، بعد أن فرض الله صيام شهر رمضان .
وبالتالي فلا داعي لكثرة الحث على صيام هذا اليوم كما يفعل خطباء ووعاظ هذا العصر الذين صاروا كما يقال في المثل ( ملكيين أكثر من الملك ) !


الرأي الثاني : أن صيام يوم عاشوراء كان فريضة من الله تعالى ، ونُسخ بصيام شهر رمضان :

هذا الرأي موجودة في غالب كتب الفقه عن أئمة أهل البيت (ع) كالبحر الزخار والإنتصار وشرح الأزهار وشفاء الأوام وشرح التجريد .
وقد قالت أم المؤمنين السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (إن صوم يوم عاشوراء نُسخ بصوم شهر رمضان ) .
وقد قال أئمتنا (ع) أن صيام شهر رمضان نَسخ وجوب صيام عاشوراء ، وبقي جواز صيام عاشوراء لا وجوبه .


*****
إرتباط عاشوراء بالكعبة .. وعلاقة ذلك بإستشهاد الإمام الحسين (ع) :

والآن لنتأمل سوياً ..
قال تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) .
أليس شهر محرم من الأشهر الحُرم ؟
أليست الأشهر الحُرم مرتبطة بالكعبة بيت الله الحرام ؟
أليس بيت الله الحرام قد أوجب الله علينا تعظيم حرمته ؟

وعليه فإن صيام يوم عاشوراء مرتبط بتعظيم حرمات الله عزوجل
ودم المسلم من حرمات الله تعالى
فما بالكم بالدماء الزكية لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .


****
صحابة لم يصوموا عاشوراء :

1_ عبدالله بن مسعود رصوان الله عليه ، يفطر يوم عاشوراء :
((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ دَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَتَغَدَّى فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ فَقَالَ أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ )) . انتهى ، نقلاً من كتاب "صحيح مسلم" .

2_ الإمام الحسين (ع) ومن معه من أهل بيته ، كانوا مفطرين يوم كربلاء الموافق ليوم عاشوراء . فكتب التاريخ تحكي أن جيش عبيده الله بن زياد منعهم من ماء الفرات أثناء المعركة .
وهذا شاهدٌ على أنهم لم يكونوا صائمين حينها .



****
الخلاصة :
من أراد صيام يوم عاشوراء ، فليصمه بنية تعظيم حرمات الله تعالى ، وبذلك لن يتعلق الصيام بالحزن أو الفرح والخلاف القائم حول ذلك .

ومن لم يشأ صيام هذا اليوم ، فلا حرج عليه ، ولا داعي لكثرة الجدال .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
صورة
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“