دليلُ العقل على وجوب النّص

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
ناصر محمد أحمد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 146
اشترك في: الثلاثاء نوفمبر 13, 2007 4:40 pm

دليلُ العقل على وجوب النّص

مشاركة بواسطة ناصر محمد أحمد »

السلام عليكم ورحمة الله
رأيت أن أعيد نشر بعض ماجاء في مجموعة رسائل حول الزيدية للشريف أبو الحسَن الرسي
وهي فرصة لكي يطلع عليها اخواننا من الجعفريه الذين ربما لم يسبق أن قرأوها من قبل في الموقع وهي بلا شك تهم الجميع حتي الزيديه

حوار شيّق حول دلائل الإمَامَة من الكِتَاب الكَريم

إن قيل : ودليلُ العقل على وجوب النّص على الأئمّة ، إجماعُ العُقلاء على أنّ بَقاء الشّعوب بغير قِيادَة يتمخّض عنه الفَوضى والفسَاد على جَميع الأصعِدة! ، فَوجَب عَقلا نَصبُ قَائد تأمَن به البلادُ مِن الفَساد! ، ولو خُيِّر العَاقل بين قائد لا يُصلح شيئا ، وقائد يُصلح في بعض الأمر دون بعضه الآخر وقائد يُصلح في كل أمر لاختارَ مَن يُصلح كل أمر! ، فلِعلم الله عز وجل بمَا أجمعَ عليه العُقلاء ، ولعلمِه بِعَجزِهِم عن مَعرِفَة مَن يَصلح فِي كل أمر! ، ولعلمِه أنّ فِي وجود هذا القَائد الذي يصلح في كل أمر ، حثّ على الطاعة وزجَر عن المعصية.. اقتضى لُطفُه بِعبَادِه إزالة عَناء البَحث عن مُصلِحٍ فِي كلّ أمر عبر الأجيال! ، بِبيانِه لهُم وَنصبِه قَائدا لهم .. وهُو عَينُ مَا تقولُه الإمامية ، إذ إنّ الإمَامَةَ لُطفٌ عِندَهم وكل لطف واجبٌ عَقلا مِن قِبَل الله عز وجل ، فيجب عَقلا نصب وتعيين الأئمة من قِبَل الله عز وجل.



قلنا : اعتراضكم هذا علينا ، يجرّ وراءه سَيلاً من التناقضات التي وقعَت فيها الجعفرية ، إذ هي تحتجُ علينا بما هُو حجّةٌ عليها ، وليسَ بحجّةٍ علينا ، وذلك أنّكم أوجبتُم الإمامة النصيّة ، لمّا استلزمَ عقلاً أنّ الأمّة بحاجةٍ إلى قائدٍ يقودُها إلى الطريق المستقيم ، وقلتُم إنّ الإمام لُطفٌ مِن الله تعالى يحتاجهُ العباد ، وأثبتُم أنّ بقاء الشعوب بدون قيادَة سيتمخّض عنه الفسادُ على جميع الأصعِدَة ، ومن هذا كلّه ، هَل عَلِمتُم أنّ نظريّتَكُم في الإمامة سابقاً (في عهد الأئمة قبل المهدي ، أي قبل الغيبة) ، ولاحقاً (في زمن غيبة ابن الحسن العسكري) ، هل عَلمتُم أنّ نظريّتكم في الإمامة سابقاً ولاحقاً حقّقَت هذا اللطف إلهي الواجب عقلاً مِن قِبلَ الله تعالى ، واللطف بلا شكّ نتاجُه الهدايَة ، والهِدايَة طريقُها الدّعوة ، وطريقُ الدّعوة ركائزُهُ قائمةٌ على الجهر بها ، فَهل علمتُم معشر الجعفرية (مُنصِفين) أنّ الإمام الصّادق (على مذهبكم) قد أبلغَ الجَهد في إيصال لُطف الله الذي استُودِعَ فيه إلى مَن يطلُبُه مِن العِباد ؟! ، خصوصاً والجعفرية يروون عن الصادق (ع) ، ما راوه ثقتهم الكليني : ((عن ثابت بن سعيد قال: قال أبو عبد الله : يَا ثَابت !! مَالَكُم وللناس، [تأمّل] كُفوا عن الناس ولا تَدعوا أحَدا إلى أمْرِكم، فَو الله لو أنّ أهل السّماوات وأهل الأرضين اجتمَعُوا على أن يَهدوا عبداً يُريدُ الله ضَلالته مَا استطاعُوا على أن يَهدوه ، ولو أنّ أهل السّماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يُضلوا عبداً يُريد الله هِدايته مَا استطاعُوا أن يُضلوه ، كفّوا عن النّاس ولا يقولُ أحَدٌ : عمّي ، وأخِي ، وابنُ عمّي ، وجَاري ، فَإنَّ الله إذا أرادَ بِعبدٍ خَيرا طَيّبَ رُوحَهُ فَلا يَسمَعُ مَعروفاً إلا عَرَفَه ، ولا مُنكراً إلا أنكَرَه ، ثمّ يَقذِف الله فِي قلبه كَلمَةً يَجمَعُ بِها أمرَه)) [أصول الكافي:1/165] ، فأين اللطف الذي أصلُهُ الهدايَة للناس ، وأنتم تَصِفون (الصادق أعزّه الله) بِترك مِنهاج الدّعوة حتّى مع الأقربين من النّاس ، والله سُبحانه وتعالى يقول لرسوله (ص) : ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) ، ثمّ هل إنكار وصدّ كفّار قريش كان عائقاً عن قيام الدّعوة المحمديّة ؟! أليسَ الله يَعلمُ أنّ أبا لهبٍ لن يُؤمن ، فلماذا دَعاه الرّسول (ص) معَ مَن دعا من عشيرته للإنذار والإبلاغ ؟! ، هل أنذرَ الإمام اللطف جعفر الصادق (ع) عشيرتهُ الأقربين (أبناء الحسن والحسين) ليتمّ مَا أجمعَت عليه العُقلاء (كما ذكرتُم) من حاجَة النّاس لقوّادٍ يهدونَهم ويُعلّمونهم منهج الحق من منهج الباطل ، هَل أخبرَ الصّادق ابنه (الذي من صُلبِه) ، نعني محمد بن جعفر بأنّ الإمام بعده هُو أخوه موسى الكاظم ، فإن كانَ ، نعم ! قد أخبرهُ أبوه بذلك ، وإنّما محمّد على رفعة منزلته وجلالة قدره ادّعى الإمامة الزيدية جحوداً بمنزلة أخيه موسى ، واستنكاراً وكُفراً بالإمامة الجعفرية الربّانيّة ، فعند ذلك سنقول سلّمنا لكم بهذا القول الفظيع ، ولكن أخبرونا لماذا لم يُخبر الصّادق ربيبه وابن عمّه الحسين (ذا الدمعة) ابن زيد بن علي ، والحسين هذا فهو الذي تربّى في حجر الصادق منذ كان له من العمر أربع سنوات بعد مقتل أبيه زيد بن علي (ع) ، نعم ! لماذا لم يُخبر الصّادق الحسين بن زيد بإمامة نفسه الإمامة الربّانية ، لماذا لم يُتمّ الهداية الإلهية التي أوجبَها الله عليه كإمام زمان ، وقائدٍ للعالَم ، إن قلتُم : بلى قد أخبرهُ بذلك . قُلنا : فما بالُ الحسين بن زيد كان جناح جيش الإمام النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن ، وأحد المُبايعين له ، ومحمد بن عبد الله هذا هو الغاصبُ الإمامة من ابن عمّه جعفر الصادق ، وهو المقدوح فيه على لسان السيد الخوئي ، وعلى لسان الباقر بل إنّه سمّاه الأحول المشئوم ، والله المُستعان ، ومنهُ ، فإنّ إخبار الصّادق لربيبه الحسين بن زيد غير وارد البتّة ، إلاّ أن يُقال إنّ حال الحسين بن زيد في الجحود ، والكفر بالإمامة كحالِ محمد بن جعفر الصادق ، كحال النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن ، كحال النفس الرضيّة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن صاحب وقعة باخمرى ، كحال الحسين الفخي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن المثنى ، فإن قلتُم بهذا ، وأنا أُعيذُكم (ممّا هُو للأسف ثابتٌ عندكم وعليكُم) ، فما دَورُ أئمتكم السّابقين لعصر الغيبة في الهدايَة وقيادَة الزمام للأمّة ، ما هو دورُ اللطف الإلهي الواجبُ عقلاً ؟! ، حقّا لم يكن علي والحسن والحسين بهذه السّلبية في القيام بأمور الدّعوة ، بل إنّهم كانوا يجتهدون في إيصال الحقّ إلى طالبيه ، رغم تعرّضهم للظروف العصيبَة ، فهل اكتفى الحسين السبط (ع) بمنهج الصادق في الدّعوة لمَا جازفَ بنفسه وأهله في معركةٍ غير مُتكافئة من أجل إعلاء كلمة الله تعالى ، (ولستُ بهذا الكلام أعيبُ الصّادق إلاّ من وجهة نظر الجعفرية ، لا من وجهة نظر الزيدية ، لأنّ الزيدية تنظُر إليه على أنّه المُجتهدُ في الدّعوة والمُناصرَة بالبيعة والدّعاء لإخوته وبني عمومته من سادات بني الحسن والحسين) ، نعم ! فهذا إخوة البحث والتنقيب والتفتيش شيءٌ مما قد يُنتقدُ على قوّاد العَالَم وأئمّتهم ، المعاصرين لما قبل عصر الغيبة ، أي المعاصرين للناس والمعايشين لهم ، فكيفَ بإمام الزّمان الغائب الذي لم يُعايشهُ النّاس ، ولم يُعايشهُم ، ولم يقُم بلُطف الله الواجب عقلاً والذي لأجله نصّ ونصَّب!! الأئمة ، فهل هذا الكلام منكم أخي الجعفري إلاّ حِبرٌ على ورق ، لا أصلَ له على أرض الواقع ، نعم ! الحقيقة أنّ نُقرّ لكم أنّ كلامَكَم في الإمامة نموذجي ، من أنّ المفروض ألاّ يُغادرَ الرسول (ص) إلاّ وقد نصّبَ أئمةً بأسماءهم وأعيانهِم إلى يوم القيامَة ، واحداً بعد واحِد ، لكي لا تختلف الأمّة ، أو قولوا لكي لا يتسّع اختلافها ، فهذا كلامٌ رائقٌ ليسَ أي مُكلّف من أمّة محمّد يكرهُ تحقّقه على أرض الواقع ، ولكنّه لا دليلَ لا من كتابٍ ، ولا من سنّة صحيحةٍ ، ولا عن طريق العقل السليم المُقيَّد بأحكام الكتاب والسنّة ، فالجعفريّة قالَت بأصل النظريّة السّابقة من اقتضاء اللطف في تعيين الأئمة بالأسماء لكي يكونوا الرّكن المُصلِح والقائد للبشريّة ، ثمّ لم نَجِد من أئمّتهم إبراز آثار هذا اللطف ، بَل وزادوا الغلو عندما حددوا عدد الأئمة ، والزمان غير محدّد بزمَن معلومٍ للنّاس ، كما غَلَوا وأفرطوا عندما قَالوا بوجوب لُطف ينتفعُ به العباد وهُو غير موجودٍ ظاهرٍ للعباد ، على مرّ مئات السنين ، وزيادةً على هذا كلّه فإنّهم تكلّفوا تفسير القرآن ليُوافقَ ما ذهبوا إليه ، واعتمَدوا نصوصاً عددية اسميّة عن رسول الله (ص) لم يروها غيرُهم على سبيل القوّة ، نعم ! كلامُ الجعفرية هذا في الإمامة كلامٌ نموذجيٌّ مفروضٌ منعَ الابتلاء الإلهي منه ، ألا ترى أخي في الله أنّ المفروض والشيء النموذجي في أصله ، أن يكونَ الله قد قضى على إبليس حينَ عصاه ، ولكنّ سنّة الله في الابتلاء الإلهي جعلتهُ يُمهلهُ إلى يوم الدّين ، مع سابق علمه بأنّه سينشرُ الفساد في البر والبحر ، والسهل والجبل !! ، لكي يَبلُوا النّاس مَن يُطيعُه ممّن يُطيعُ إبليس ، فالمفروض شيء أخي في الله والواقعُ شيءٌ آخر ، والابتلاء سرٌّ من الأسرار التي تَمنعُ حصول المفروض ، ألم تر الله تعالى يقول : ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) ، وقال تعالى : ((وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) ، وقول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا {33/9} إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {33/10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا {33/11} وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)) ، نعم ! فالابتلاء لأمّة محمد (ص) ، في بني فاطمة ، هُو ابتلاءان اثنان ، الأوّل : ابتلاءٌ من الله تعالى لجميع أمّة محمد (ص) ، ليرَى هل سيجتهدون في طلب وجه الحقّ عند بني فاطمة ، هل يجتهدون في البحث عن ما رَسمَه الله والرسول لهم بخطوطٍ عريضة منهجيّة (في حديث الثقلين والسفينة وأمثالهما) ، وهي التمسّك بجماعة ولد الحسن والحسين ، هل يَجتهدون في البحث عن عُلمائهِم حقّا حقّا الذين مازالوا مُحافظين على مذهب السّلف الفاطمي صاحب الإجماع المعصوم عن مفارقَة القرآن والحقّ ، هل يجتهدون في الوقوف على دَعوات آل محمّد (السّابقين بالخيرات) في الشرق والغرب وينضوون تحتَها ، ويكونون لها أعواناً وأنصاراً ، هل يجتهدون في الوقوف على عُلماء آل رسول الله (ص) (من المقتصدين) ليتعلّموا من علمهم ، وينتهلوا من مَنهَلِهِم ، أرادَ الله تعالى أن يَبتلي هذه الأمّة بهذا العموم من الأسرة الفاطميّة ، أرادَ الله أن يبتلي الأمّة هل يتدبّرون القرآن ، وحديث الرّسول ، وهل سيَمنَعُهُم كِبرُهُم من التسليم لمحمد وأهل بيته سادات بني الحسن والحسين ، أم أنّ الإنصاف سيغلبُ ، والاتّباع للمتبوعين سيتحقّق ، فيكون هذا هُو الفوز العظيم ، نعم ! هذا الابتلاء إخوتَنا الجعفرية هُو الابتلاء الذي منعَ من النّظرة المفروضة (نعني تسلسل النّص على الأئمّة بدون انقطاع إلى يوم الدّين ، وبدون أعداد) ، نعم ! وأمّا الابتلاء الثّاني ، فهو خاصٌّ ببني فاطمة : فهو ابتلاءٌ ابتلى الله به جماعَة بني الحسن والحسين ، حين اصطفاهُم وفضلّهم على غيرهم من العرب والعجم ، وجعلَ الإمامة والحقّ لا يَخرُج منهُم ، ابتلاءٌ يُريدُ الله من خلاله أن يُمحّص المُجتهدين في جانب إرضاء الله تعالى ، وإيصال الحجّة إلى العباد ، بالدّعوة إلى سبيل الله تعالى بمُختلف المراتب ، السيف ، والعِلم ، والموعظَة ، ابتلاءٌ من الله تعالى ليعلمَ من خلاله من سيجتهدُ في حمل الأمانة ومن سيُفرِّط ، ومنه لو تأمّلنا جهودَ أهل البيت (ص) في إقامّة الحجّة ، ونشر الدّعوة لوجَدنا فعلاً أنّهم كانوا يُحسّون بِعِظَمِ هذا الابتلاء المُلقَى على عواتقِهم ، فنجدُ عُلماء بني الحسن والحسين لا يَهنأ لهُم بالٌ ، ولا يستريحُ لهُم قرار ، ودَعوة الله والرسّول (ص) غير قائمة ، الظّلم مُنتشر ، والعقائد في فسادٍ مُستمرّ ، خرجَ الإمام علي بن أبي طالب (ع) على معاوية بن أبي سفيان عندما وجدَ منه ظُلماً وسيرةً مُهدّدة للدين الإلهي المحمدّي ، خرجَ (ع) وهو يقول : ((وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَعَيْنَهُ وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلَّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (ص))) [نهج البلاغة خ43] ، والإمام الحسن بن علي (ع) هُو القائل مُختطباً في الناس (بخطبة مشهورة عند الجعفرية) بين يدي والده (ع) : ((أيّها الناس أجيبوا دَعوة أميركُم فانفروا إلى إخوانكم والله لئن يَلِي هَذا الأمر أولو النُّهَي فإنه مثل في العَاجل والآجل ، وخَيرٌ لكم في العَاقبَة ، [تأمّل] فَأجيبوا دَعَوتنَا على ما ابتُلِينا به وابتُلِيتُم)) ، وكذلك قال الحسن بن الحسن (ع) عندما وُجّهَت إليه دَعوات ابن الأشعث للبيعة والخروج وإقامَة الحجّة ، قال (ع) : ((مَالِي رَغْبَةٌ عَن القِيام بِأمْرِ الله، ولا زُهدٌ في إحيَاء دِين الله ، ولَكن لا وَفَاءَ لَكُم، تُبَايُعونَنِي ثُمّ تَخْذُلُونَنِي)) [المصابيح لأبي العبّاس الحسني] ، فأصرّ عليه القوم ، وتَعهّدوا عِندَهُ بالسّمع والطّاعة ، وحُسنَ الائتمَام ، فلَم يَجِد الحسن (ع) بُدّاً من القيام بفرض الإمامة والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، كما لم يَجِد عمّه الحسين السبط (ع) سابقاً بُدّا من الخروج وكُتب أهل الكوفَة تتوافدُ عليه من كلّ حَدبٍ وصَوب ، نعم ! وكذلك الحال مع الإمام زيد بن علي (ع) ، فإنّه كان يحترق وهو يُحسّ بالأمانة المُلقاة عليه كفردٍ من عائلةٍ فاطميّة جعلَ الله على مسؤوليتها الاجتهادُ في الدّعوة إلى كتاب الله تعالى ، وإلى سنّة رسوله (ص) ، يحترقُ (ع) والظّلم مُنتشرٌ ، والعدلُ غائبٌ ، والدّين قد تُؤوّل على غير وجهه الصحيح ، فقال (ع) : ((يا معشر الفقهاء، ويا أهل الحجى أنا حجة من الله عليكم هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود الله ونعمل بكتاب الله)) ، وإنّما استشعرَ الإمام زيد بن علي (ع) حُجيّته على النّاس عندما أحسّ وأحسّ من حولَه من إخوته (وعلى رأسهم الباقر) أنّه قد وصلَ إلى مرتبةٍ من الصّلاح تُؤهّله للقيام بفرض الإمامة ، وتؤهّله لوجوب الإقبال من النّاس على دَعوته الجامعَة غير المُفرّقة ، والإمام الباقر (ع) ، فقد استعلمَ هذا المعنى في أخيه زيد (ع) ، فجاءهُ جماعةٌ يسألونه عن البيعَة بالإمامة هل يُعطونَها لزيد ، فقال الباقر (ع) : ((بايعُوه فإنّه اليومَ أفضَلُنا)) [رواه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين في كتاب معرفة الله عزّ وجل] ، نعم ! وكذلكَ كانَ الآباء الحسنيون والحسينيون يُربّون أبناءهم على منهج الدّعوة ، وإقامَة الحجّة ، والقيام بواجب الابتلاء الذي ألقاهُ الله على عاتقِ بني فاطمة ، فهذا الإمام زيد بن علي (ع) وهو يُنازعُ آخر رمقات حياته يُوصي ابنه يحيى بن زيد فيقولُ له : ((مَا فِي نفسك؟ قال [يحيى (ص)] : أن أجُاهِدَ القوم والله ، إلاّ أن لا أجد أحداً يعينني ، قال [زيد] : نعم يا بني جَاهِدهم ، فوالله إنّك لعلى الحق وهم على الباطل ، وإنّ قتلاكَ فِي الجنة وقتلاهم في النار)) [المصابيح لأبي العبّاس الحسني] ، وكذلك الحال مع بني الحسن (ع) ، فإنّهم أصرّوا على تجرّع الأذى والويلات ، وأن يُساقوا جماعاتٍ جماعات إلى سجن أبي الدوانيق العبّاسي مُضحّين بأنفُسهِم فِي سبيل إنجاح ثورة ودَعوة الإمام النفس الزكية محمد بن عبد الله (ع) ، وكذلك في التضحية والإيثار بالنفس والمال والولد من إدريس بن عبد الله (ع) ، إلى محمد بن جعفر الصادق (ع) ، إلى محمد بن إبراهيم طباطبا صاحب الكوفة ، إلى الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي (ع) ، الذي قال : ((والله لولا كرامَة الله ، ما نَظرتُ إلى هذا الأمر "يعني القيام بالدعوة والإمامة" )) [سيرة الهادي إلى الحق (ع) :53] ، وقال (ع) مُتكلّما عن حجمَ الابتلاء الواقع عليه كفردٍ فاطمي (والذي قد كان وقعَ على سلفه معشر الفواطم) ، قال (ع) : ((والله الذي لا إلهَ إلاّ هُو ، وحقّ محمد مَا طَلبتُ هذا الأمر ، مَا خَرجتُ اختياراً ، [تأمّل] ولا خَرجتُ إلاّ اضطراراً لقيام الحجّة عليَّ ، ولَوَددتُ أنّهُ كانَ لي سَعةٌ في الجلوس ، وكيف لي بأن يَسَعَني الجلوس عن هذا الأمر الذي أنَا فيه مَزمومٌ بِزمام ، .. ، فما وَجدتُ إلاّ الخروج أو الكفر بما أنزلَ الله على محمد (ص) )) [سيرة الهادي إلى الحق (ع) :52] ، نعم ! فسادات بني الحسن والحسين (ع) ، كانوا يرونَ أنّ الحجّة لازمَةٌ لهم وعليهم بالقيام بأمور الدّعوة (متى تغافل النّاس عنها) وأنّها واجبَةٌ عليهم ، وكان الهادي إلى الحق (ع) يقول وهو ذاهب إلى اليمن لإقامة حجّة الله بالدّعوة : ((والله لئن لَم يَستَوِ لي في اليَمن أمرٌ لا رَجَعتُ إلى أهلي ، أو أضرِبَ الشرق والغرب حتّى أُقيم لله حجّته)) [سيرة الهادي إلى الحق (ع) :50] ، وللإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (ع) كلامٌُ رائقٌ حول نص الجعفرية على الأئمة بالأسماء والأعداد ، وأنّه لو صحّ هذا لكان بنو فاطمة أفرحَ النّاس به ، لأنّه سُيبعدُ عنهم الابتلاء ويُريحهُم أيّما راحَة ، ولكن لا سبيلَ إلى ذلك ، فلا دليلَ ينهضُ عند تقارُع الحجج ، ونَصب الكتاب والسنّة حكمَين ، وتاريخ سادات بن الحسن والحسين السّابقين مُرجّحات ، نعم ! ومنهُ أخي في الله ، قد أطلنَا هُنا ، لنستحضِرَ جميعاً ونؤمنَ أنّ النّظرة النموذجيّة الكاملَة المفروضة بوجودها في هذا الكون يكون التّكليف على المُكلّفين أقلّ وأسهَل ، إذ إنّ من نموذجيّات الحياة ، عدم وجود إبليس لَيعبُدَ النّاس الله على التّمام بلا وسوسة ولا انحراف ، ومن النموذجيّات أن يكون جميع النّاس مخلوقين مُجبرينَ على الطّاعة ليُطيعوا الله ويَعملوا فلا يكونُ هُناكَ كافرٌ على وجه الأرض ، ومن النموذجيّات في الحياة ألاّ يُنعِمَ الله على كافرٍ بنعمةٍ قليلةٍ أو كثيرَة ، وأن يكونَ حالُ المؤمنين هو الرّفاهيّة في العيش والترفّل في النعيم ، لأنّ مَن أطاعَ الله أحقّ بنعم الله ، والإنعامُ على الكُفّار يفتنَ المؤمنين ، ولكن معشر العُقلاء ، هل تحقّق هذا كلّه ؟! أليسَ الابتلاء الإلهي منعَ من حصول النّظرة النموذجيّة المفروضَة (على أنّ نظرة الجعفرية في الإمامة النصيّة الإمام بعد الإمام ليسَت نموجيّة كاملَة ، لوجود الغيبَة ، والغيبَة تُخالف النموذجيّة في طريق الدّعوة والهداية من المعصومين إلى يوم الدّين) ، نعم ! اللهم صلّ على محمد وآل محمّد ، لسنَا بحاجة إلى ترديد الكلام ، وشرحَ مكان النّص الجُملي على بني فاطمة ، ووقوع الابتلاء على النّاس من الله بطاعتهم ، ووقوع الابتلاء من الله على بني فاطمة بالاجتهاد لتحقيق شرط الصلاح والقيام بالدّعوة .

نعم ! ، إن قيل : مادام هذا قولُكم في الابتلاء ، وأنّه واردٌ من الله في حقّ العباد ، ثمّ أنتُم تقولون إنّ مهمّة الأئمّة هي الدّعوة والهدايَة ، فلماذا اعترضتُم علينا عندما قُلنا : بأنّ غياب إمامنا الثاني عشر المهدي المنصوص عليه ، هُو من باب ابتلاء الله للعباد ، حتّى يعلمَ الله الصّابرين المؤمنين من غيرهِم ، والابتلاء يقف حجر عثرةٍ في طريق المفروض والنموذجي (والمفروض هو قيام الأئمة بالدّعوة والهداية ، وقد تعذّر هذا المفروض مع ابتلاء الله للعباد بغياب المهدي ) ، نُريد جواباً شافياً ؟!! .

قُلنا : ليسَ كلامُكم القريبُ هذا إلاّ نابعٌ من عدم فهمٍ لمعنى الابتلاء الذي لا يَتعارَضُ معناه مع قيامٍ الحجّة على المُكلّفين ، فجميعُ ابتلاءات الله لبني الإنسان لا تُسقِطُ الحجّة الإلهيّة عليهِم ، ولتفهيمٍ أيسر وأسهل وأسلَس ، سنقُسّم الابتلاء من الله للعباد ، إلى ابتلاءين اثنين :

الابتلاء الأوّل : هُو أن يَبتلي الله العباد بفرضِ طاعته وعِبادَته ، فيأمُر أباهُم آدَم بهذا ، ويأمرُهُ أن يُعلّم أبناءه ، ثمّ بعد موت آدم لم يُرسِل الله رَسولاً ، ولا نبيّاً ، ولا كتاباً ، ولا مَلَكاً ، ولا وَحياً ، ولا حدّد الهُدى والدّعوة في جماعةٍ من النّاس بحيث إنّ الحقّ لن يَخرُج من عندهِم إلى يوم الدّين ، نعم ! لم يَبعث الله ولم يُرسل أو يُحدّد شيئاً من هذا كلّه ، من موت آدم إلى قيام السّاعة (وبين موت آدم والساعة آلاف السنين أو ملايين السنين) ، وإبليسُ يمرحُ ويسرحُ مُجتهداً مُتفنّناً في إغواء عباد الله ، فهذا الابتلاء أخي في الله ليس بواردٍ ، والله تعالى مُنزّهُ عنه ، ففيه تكليف للنّاس بأكثر من طاقتهم ، والكتاب جزمَ بعدم تكليف الله للعباد إلاّ بما يُطيقون .

الابتلاء الثّاني : هُو أن يَبتلي الله العباد بفرض طاعته وعبادته ، فيأمُرُ أباهم آدم بهذا ، ويأمره أن يُعلّم أبناءه ، ثمّ بعد موت آدم (ع) ، لم يَزل الله تعالى مُقيماً حجّته على العباد ، بإرسال الرّسل تَلو الرّسل ، وحصر الحقّ والفضل في جماعات ، كما حصل وأن فضّل بني إسرائيل وجعل الإمامة فيهم ومنهم للصالحين ، وكما حصلَ وأن فضّل بني فاطمة وجعل الإمامة منهم وفيهم للصالحين ، نعم ! ولم يَزل الله يَنزل الكتب السماوية تباعاً ، والوحي غير مُنقطع عن أنبيائه ورسله ، إلى خاتم الأنبياء والُمرسلين ، فلمّا أراد الله انقطاع النبّوة بعد الرسول (ص) ، جعلَ لأمّته كتاباً محفوظاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (القرآن العظيم) ، فهذا منه حجّة على أمّة محمّد وتيسيرٌ في التكليف والابتلاء ، ثمّ زادَ الله تعالى لمّا عَلِمَ أنّ أمّة محمد ستفترقُ حول تأويل وتفسير وتدبّر القرآن ، فجعلَ جماعةً فاطميّة لن يَنقطع عُلماؤهُم (أئمةً أو مُقتصدين) إلى يوم الدّين ، جعلَ الحقّ معَهُم غير خارجٍ من دائرتهِم ، وهُنا خففّ الله الابتلاء الذي سيحصُلُ بسبب الاختلاف حول الكتاب ، وبعد هذا كلّه من الله تعالى ، أوكلَ الابتلاء بعد التيسير والتخفيف وعدم استحالَة النجاح فيه ، أوكلَهُ إلى العباد ، وقال : هذا كتابُ ربّكم محفوظ مصونٌ عن التحريف ، وهذه سنّة نبيّكم وحديثه الصحيح والسّقيم موجود في دفاتركم ، وهذه عترة نبيّكم جماعةٌ موجودةٌ على الأرض ، تعيشُ بينكم ، السبيل إلى الوصول إليها غير مُستحيل ، وقد ضمنتُ أنّ الحقّ لن يَخرُج من دائرة عُلمائها المواصلين لنهج وإجماعات آبائهم الفاطميين أباً فأباً، إلى علي بن أبي طالب (ع) ، نعم ! هُنا تأمّل هذا الابتلاء من الله تعالى ، تجدهُ غير مُستحيل التطبيق ، بدليلِ وقوفِ جماعَة من النّاس على جميع الخيوط التي تؤدّي إلى النّجاة ، وبالتالي فقد اجتازوا ابتلاء الله بكل نجاح وتفوّق ، خرجوا إلى الدّنيا غير مُكلّفين ، وبعد أن كُلّفوا نظروا إلى كتاب الله تعالى فوجدهُ يُشير إلى اصطفاء أقوامٍ وجماعات (كما مرّ في آياتٍ سابقة) ، ثم نظروا إلى حديث رسول الله (ص) ، فوجدوا الأمة أجمعَت على أحاديث صحيحة تحثّ النّاس على الاقتداء بجماعات غير مُحدّدين أو محدودين معدودين يُسمّون أهل البيت ، فتوجّه الباحث عن النّجاة إلى هذه الجماعة الفاطميّة الحسنية الحسينيّة يُريدُ الحقّ والهُدى ، فإذا هُو يجدُ منهُم ثلاث طوائف كما أخبر الكتاب العزيز ، ظالمين لأنفسهِم عاصين لله تعالى ، وهؤلاء لا حاجَة للمكلّف بهم وهُم على ذلك الحال ، ثم وجد الطائفة الثانية عالمَة عابدَة مُقتصدَة تدرّس وتُعلّم النّاس ، ووجدَ طائفة ثالثة : تدّعي الإمامة وتقوم بالعلم والعمل والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، وكانوا على منهج الزيدية من المُسلمين ، ثمّ سافر هذا المكلّف إلى بلادٍ أخرى فوجد فاطميين آخرين يَدعون الله ويتعبّدونه على مذهب الجعفريّة ، ثمّ سافر المُكلَّف فوجد أناساً فاطميين يتعبّدون الله بمذهب أهل السنة والجماعة ، فأصبحَ المُكلّف حائراً ، الكتاب والسنّة تدلّ على جماعات فاطميّة ، وأنّ الحقّ لن يَخرُج عنهم إلى ورود الحوض ، وأنا قد بحثتُ واجتهدتُ (بُغية إرضاء الله واجتياز الابتلاء بالوصول إلى المنهج المستقيم المضمون عدم مفارقته للحق) ، نعم ! قد بَحثتُ واجتهدت عن جماعات بني فاطمة هؤلاء فوجدتُهم أصحاب مذاهب مختلفة ، فمِنهُم الظّالمون لأنفسهِم حقّاً (ويدخلُ في صفة الظّلم للنفس العُلماء الفاطميون الذين اقتبسوا من غير علوم آبائهم فتمذهبوا بمذاهب شتّى غير مذاهب آبائهم) ، ومنهُم المُقتصدون حقّا (المُلتزمون بكتاب الله تعالى ومنهج آبائهم أباً فأباً إلى علي (ع)) ، ومنهُم السّابقون بالخيرات الدّعاة حقّاً (الُملتزمون بكتاب الله تعالى ومنهج آبائهم أباً فأباً إلى علي (ع)) ، هُنا لا سبيلَ ولا طريقَ أمام المُكلّف إلاّ استعراض حال بني فاطمة هؤلاء من أوّل السلسلة (من عند علي بن أبي طالب) ، لا من وسطها (منتصف الزّمان) ، ولا من آخرها (زمان حياة المفكَّر الباحث عن الحق) ، فينظُر في كلام أمير المؤمنين ، وأفعاله ، ويَعرضُ مصاديقها على هذه الفرق الفاطمية المختلفة ، ثمّ ينظرُ إلى الحسن والحسين أفعالهم ، وأقوالهم ، ويعرضُ مصاديقها على هذه الفرق الفاطمية المختلفة ، ثمّ ينظرُ إلى علي بن الحسين ، وإلى الحسن بن الحسن ، وإلى زيد بن الحسن ، وإلى الباقر ، وزيد بن علي ، وعبد الله المحض ، وجعفر الصادق ، ومحمد النفس الزكية ، والحسين الفخي ، وموسى الكاظم ، والحسين بن زيد بن علي ، وعيسى بن زيد بن علي ، وإدريس بن عبد الله المحض ، ومحمد بن إبراهيم طباطبا ، وأحمد بن عيسى بن زيد بن علي ، والقاسم بن إبراهيم الرسي ، وعبد الله بن موسى بن عبد الله المحض ، ,, إلخ ، نعم ! ثمّ ينظُر الباحث المجتهد عن الحقّ إلى مذاهب هؤلاء الرّجال الُمتقدّمين الذين يسبقُ إلى الظنّ أنّهم أصحابُ مذهبٍ واحد ، وكيانٍ واحِد ، بدليل إجابة بني الحسن لداعي بني الحسين في الخروج والثورة وإقامة الحجّة ، وإجابة بني الحسين لداعي بني الحسن في الخروج والثورة وإقامة الحجّة ، وبدليلِ عدم ورودِ ما يُعارضُ هذا الذي يسبقُ إلى الذّهن من كونهِم على مذهب واحد ، فيعمل الباحث على استعراض أقوالِهم ، وأفعالهم ، وعرضها على عقائد الفاطميين المختلفين في مذاهبهم ، ثمّ ينتقلُ الباحث إلى المرحلَة الأخرى ، وهي تتبّع السلسة الفاطمية من وسطها (منتصف الزّمان ، من بعد القرن الثالث الهجري احتياطاً) ، فينظُر علامَ اجتمعَت سُلالة أولئك السّابقين ممّن ذكرنا وممّن لم نذكرُ من سادات بن الحسن والحسين ؟! علامَ اجتمعَت من المذاهب والمشارب ؟! علامَ اجتمعَ سوادُهم ، لأنّ سوادَهَم لا شكّ سيكونُ مُتأثّراً بأسلافهِم وآبائهِم ، على اختلاف البُلدان والإقامات ، فعندها سيجدُ الباحث يقيناً وقطعاً وجزماً ، أنّ سادات أهل البيت في الحجاز ومكة المكرمة كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ سادات بني الحسن والحسين في اليمن كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ سادات بني الحسن والحسين في المغرب كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ سادات بني الحسن والحسين في جيلان وديلمان وطبرستان (بلاد إيران حالياً) كانوا على مذهب الزيدية ، وأن سادات بني الحسن والحسين في الكوفة كانوا على مذهب الزيدية ، وأن سادات بني الحسن والحسين في المخلاف السليماني كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ سادات بن الحسن والحسين في اليمامة من مناطق نجد كانوا على مذهب الزيدية ، إلى قرون مُتاخّرة ثمّ زاد الجهلُ بالنّاس ، وطرأ ما طرأ بهِم فتمذهبوا بمذاهب غير مذاهب آبائهم ، فأصبحَ السنّي منهم يُعوّل على مذهب وأقوال وترجيحات أحمد بن حنبل أو الشافعي أو أبي حنيفة أو مالك ، ويحتجّ بقول ابن تيمية ، وابن القيّم ، وابن عبد الوهّاب ، والأشعري ، دون قول آبائه سادات أهل البيت ، فهؤلاء في الحقيقة قد بتروا التسلسل الحاصل ، فلم يعد أصل عُلومهم عن آبائهم أباً ، فأباً ، إلى علي بن أبي طالب (ع) ، وعند النّظر إلى الفرقة الزيدية ، نجدُ أنّ تسلسلُ العلماء الفاطميين الحسنين والحسينين ما زالوا مُحافظين عليه ، وما زالوا يُشيدون بالعصبة الفاطمية الزيدية التي بالكوفة والحجاز وطبرستان ويعتبرونَهُم لهم سلفاً ، ثمّ إنّ المقتصدين أو السّابقين بالخيرات منهم لم يَنقطع وجودهم عن وجه الأرض زمنٍ ما (من بعد رسول الله (ص) ، وهُم الوحيدون من بين الفاطميين الذين يُشيدون ويحثّون النّاس على التمسّك بالإجماع الفاطمي ، ويعتمدونَ عليهم في فقههم وعقيدتهم ، ويُقدّمون أقوالَهم على أقوالِ غيرهِم ، فسلسلة الزيدية المَرضيّة لم تُبتَر ولم تنقطع فعلاقتهم بسلفهم قائمةٌ مستقيمة ، ولمزيد بيان انظر بحثنا ((السادة الأشراف وعلاقتهم بالمذهب الشيعي الزيدي)) ، نعم ! وبعد هذا كلّه فإنّ الباحث قطعاً (إن كان من أهل المَلَكة والإنصاف) ، سيستطيعُ اجتيازَ امتحان الله تعالى له ، فيصلّ إلى برّ الأمان ، ويفوز فوزاً عظيماً ، قال الله تعالى : ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {29/2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) [العنكبوت] ، نعم ! وأمّا مذهب الجعفرية فإنّه خلاءٌ من تبعيّة سادات بني الحسن و الحسين لأئمتهم ، فلا عبد الله المحض كان مُقرّا بإمامة نصيّة جعفريّة ، ولا عيسى بن زيد بن علي كان مُقرّا بإمامة نصيّة جعفريّة ، ولا الحسن بن الحسن بن الحسن كان مقرّاً بإمامة نصيّة جعفرية ، ولا الحسين بن زيد بن علي كان مقرّ بإمامة نصية جعفرية ، ولا محمد وإبراهيم وإدريس ويحيى وسليمان أبناء عبد الله المحض كانوا يُقرّون ويُسلّمون بالإمامة النصيّة الجعفرية ، ولا محمد بن جعفر الصادق ، ولا زيد بن علي بن الحسين ، ولا إبراهيم بن موسى الكاظم كانوا يُقرّون بإمامة نصيّة جعفريّة ، ولا محمد بن إبراهيم طباطبا ، ولا القاسم (الرسي) بن إبراهيم طباطبا ، ولا أحمد بن عيسى بن زيد بن علي ، ولا عبد الله الرضا بن موسى بن عبد الله المحض كانوا يُقرّون بالإمامة النصيّة الجعفريّة ، فهؤلاء كانوا أبرأ النّاس وأعدا النّاس للنظريّة الجعفريّة النصيّة بشهادَة الجعفرية (على بعضهِم) في كتبهم ، فانظُر تراجمهم في معجم رجال أهل الحديث للسيد الخوئي تجدُ العجب العُجاب ، فهل كان جميع هؤلاء السّادة جاحدين كافرين بفرض الإمامة ، ما كانت ثوراتهم إلاّ للاستيلاء والمُلك ؟!! هذا دليلُ العقل الذي يجعلُ الباحث الُمكلّف يستثني مذاهب الفاطميين المُتمذهبين بمذهب الجعفرية ، إضافة إلى عدم شهادة الكتاب والسنة على وجود أدلّة على وجود أناس منصوصٍ عليهم محدودين معدودين في أمّة محمد (ص) إلى يوم الدّين ، نعم ! اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، خرجَ بنا شجون الكلام عن أصل مسألة الابتلاء (وإن لم يكُن كثيراً) ، إلاّ أنّنا نُعيد ربطَ أول الكلام بآخره ، وآخره بأوّله ، فنقول إنّ هذا النّوع من الابتلاء (أي أصل الابتلاء) الذي ضربنا به المثال مع المكلّف الباحث لا يُعترض عليه البتّة ، لأنّ المُكلّفين قادرون على اجتيازِ هذا الابتلاء ، والوقوف على هؤلاء الفاطميين الموجودين بين النّاس ، المُعايشين لهم ، والُمخالطين لُهم . نعم ! وهُناك فائدة فرعيّة تُوجّه لمِنَ استبعدَ أن تكون إرادَة الله هي الابتلاء للعباد بالبحث عن أهل الحق من بني فاطمة على اختلاف مذاهبهم ، وهُنا يُسأل هذا المُعترِض ، عن واجبِه تجاه حديث رسول الله (ص) الذي (لم يتكفّل الله بحفظه وصيانته عن التحريف ، كنوع من الابتلاء أيضاً) ؟! إن قال : واجبٌ علينا التمحيص والتدقيق والتفتيش عن الصحيح الموافق للكتاب فنثبته ، والضعيف المخالف للكتاب فنتركه . وعندها سنقول : وكذلكَ عليك واجبُ البحث أقوال بني فاطمة التي لا تُخالف الكتاب ولا السنة ، ولا تُخالف إجماعات سلفهم السّابقين من بني فاطمة ، ولو تتبّعتَ ما فعلَهُ المكلّف الباحث في مثالِنا القريب لوجدتَ الحقّ ظاهراً ، بإذن الله تعالى .

فإن قيل : فما رأيكم بعد كلامكم هذا في الابتلاء من الله تعالى على العباد في قول الجعفرية ، هل هُو من الابتلاء الأوّل المُستحيل الوصول إلى الحقّ من خلاله ، أم أنّه من الابتلاء الثّاني الذي لا يُحال معه الوصول إلى الحقّ ، كما أثبتُم ذلك على قول الزيدية ؟!



قُلنا : لكمُ الحُكم يا سادَة ، كتابٌ محفوظٌ ، وسنةٌ مُختلفٌ حولَها ، وأئمةٌ قبل عصر الغيبة مُفترضٌ أن يكونوا هُداة الأمّة ، ولُطف الله في أرضه (على مذهب الجعفرية وحدّ قولهم) ، حَصروا العِلم في خواصّ خواصّ أصحَابهِِم دون بقية النّاس !! [انظر الرواية الأولى أسفل هذا المقطع] ، ومَن جاءهُم واستفتاهُم أعملُوا معهُ منهج التقيّة فأفتوهُ بغير الصّواب في المسألَة !! [انظر الرواية الثانية] ، وكذلك لم يُعلّموا خواص خواصّهم بأنّ الأئمة المنصوص عليهم هم اثنا عشر اسماً وعدداً ، حتى أن أعضاد الإمام والمُقرّبين إليه لم يَكونوا يَعلمونَ مَن هُو الإمام بعد الإمام !! [انظر الرواية الثالثة] ، ثمّ بعد هذا كلّه يفترض الله على العباد ابتلاءً أن يعرفوا هؤلاء الأئمة ، وأن ينتهجوا بنهجِهم ، فإن كان الطريقُ إلى هؤلاء الأئمّة مقطوعاً بحصر العِلم وعدم نشره ؟! فكيف السبيل يا ربّ العالَمين ، لاجتياز هذا الامتحان والابتلاء هُل هو ابتلاءٌ يُحالُ الوصول إلى سبيل النجّاة من خلاله (وأنتَ منُزّه عن هكذا ابتلاء يا ربّ العالمين ، إذ أنتَ لم تُكلّفنا ما لا نُطيق) ، الجواب حول نوع هذا الابتلاء على منهج الجعفرية سيتّضح بعد استعراض حال إمامهم الأخير (عصر الغيبة) ، إذ تكليف الله لنَا ما زال مُستمراً ، وهو الاهتداء بُهدى الإمام ، باحثٌ مُكلّف أشعري المذهب ، أمَامَهُ كتاب الله ، وأهل الإسلام مختلفون في تأويله ، وأمامه سنة رسول الله وأهل الإسلام مختلفون في التصحيح والتضعيف والتأويل ، إلاّ أنّ الإجماع من السنة والكتاب هو أنّ هُناك سبيل نجاة وهم علماء أهل البيت ، فاتّجه هذا الباحث الأشعري إلى أهل البيت عندَ الجعفرية لكي يستضيءَ بهُداهُم ، ويتفهّم الحقّ على ألسنتهم ، فأخبروه أنّ ممثّل أهل البيت ليسَ إلاّ إماماً واحداً في هذا الزّمان ، وهو محمد بن الحسن العسكري ، أجابَ الأشعريّ الباحث وأين طريقَه لكي يقومَ لي بفرض الله عليه وهي هدايتي ، كما قُمتُ أنا بفرض الله عليّ وهو إبلاء الجُهد في البحث عن أهل البيت ، فعندها سيقول له الجعفرية إنّه غائبٌ لا نستطيع نحنُ ولا أنتَ الوصول إليه !! فيردّ الجعفرية : فهل كلّفني الله وابتلاني بطاعَة مَن لا أستطيع الوصول إليه ، وليسَ أعلمُ له طريقاً ولا مكاناً ولا مسكناً ولا مَوضِعاً على وجه البسيطة ؟! كيف هذا والأمّة أجمعَت أن تكليف الله لنا هُو بقدر طاقَتنا !! ، فإن ردّ عليه فقهاء الجعفريّة (أصحاب ولاية الفقيه ، وأصحاب الحوزات العلمية) ، فقالوا : ولكن هُناك حلّ لتأخُذَ بهُدى الإمام ومنهجه ، وهُو أن تأخُذ ما جاء به عُلماء وفقهاء ومُحدّثو الجعفرية ، فإنّ الإمام المهدي الغائب حثّ النّاس على الأخذ عنهم في زمن غيبتِه ؟! فعندها يُجيب الأشعري قائلاً : إنّي لم أُؤمَر إلاّ بالأخذ عن عُلماء أهل البيت ، وأنتُم أخبرتُموني أنّه على مذهب الجعفرية ، ليسَ إلاّ عالمٌ مُطلَقٌ واحد وهو المهدي الغائب ، فلستُ أركنُ إلاّ إلى مَن أوصاني الله بالأخذ عنه ، والاهتداء على يديه ، ثمّ إنّي قد راجعتُ كتُبَكُم وروايات مُحدّثيكم فوجدتُكم تختلفون ، وتُرجّحون ، وتجتهدون ، وتُضعّفون ، وتُصحّحون حسبَ آرائكم المتفاوتة بانين على الظنّ ، وهو خلاف رأيكم في اشتراط العصمَة المُطلقَة للحصول والوصول إلى الهِدايَة المُطلقَة ، فهدايَتي المُطلقَة على يد الإمام الُمطلَق ، الذي لم تدلّوني على مكانه ، وحسب قولكم من أنّه غائب من عام المائتين والستين إلى يوم النّاس هذا ، فإنّي أتسائل عن لُطف الله هذا الُمتعسّر الوقوف على ثمرته وفائدته ، فهو من الله ابتلاءٌ لنا لسنا نقف على أطرافه ، فمن عاش قَبلنا وكان مُجتهداً في طلب الحقّ ثم لم يقف عليه فالعُذر معه ، والحقّ له ، لأنّه لا سبيل إلى الوقوف على اللطف الإلهي وهو غائبٌ غير موجودِ ، فهو والعَدمُ سواء ، فإذا قصَدنا الجعفرية لم نجد إلاّ فقهاء وعُلماء كسائر عُلماء المذاهب الأخرى ، لم نَجد إلاّ فقهاء جعفريين منهُم القائلون بالتحريف للقرآن ، ومنهُم مَن لا يَقول ، بغضّ النظر عن القلّة أو الكثرة في القائلين أو النافين ، ومنهُم مَن يكُفر جماعة من الصحابة ثبتَ خطؤهُم ، ومنهُم مَن لا يُكفّر ، ومنهُم مَن يقول بالعصمة في حقّ الرّسل والأئمة حتّى من السّهو ، ومنهم مَن يَلعنُ مَن قال بالعصمة من السّهو في حقّهم ، ومنُهم من يقول بتنزيه الله تعالى عن الجسميّة ومنهُم مَن يقولُ بالتجسيم المُطلق كمشائخ القميين ، ومنهُم من يحكم على بعض رجال الأحاديث بالضعف ومنهُم مَن يقوي نفس الرّجال الذي حكم عليهِم السّابقون بالضّعف ويترتّب على هذا تضعيف رواياتٍ صحيحة ، أو تصحيح روايات ضعيفة عن الأئمّة المعصومين ، نعم ! ومن هذا كلّه وعليه فإنّ الوصول إلى مَا أوجبَت الجعفريّة النّص عقلاً لأجله (وهو احتياج الشّعوب إلى قائدٍ وهادٍ ليقودهُم في مُختلف الأصعِدة) قد سقطَت الثمرة منه ، وليسَ له وجودٌ عند العُقلاء ، وليسَ الحجّة على العباد إلاّ مَن أقامَ الحجّة عليهِم وسعى وبذلَ نفسه ونفيسه في سبيل إتمامها ، ألا تَرونَ أنّ الله تعالى لم يكُن ليحتجّ على النصارى بعيسى بن مريم لو أنّه رفعه إليه بعد ولادة مريم له مُباشرة (أي قبلَ أن يراه النّصارى) ، ولم يكُن ليعتبرَهُ لُطفاً ، ولم يكُن ليُلزم النّصارى بالبحث عنه وهو غائبٌ لا موضعَ له معروف ، ولا جماعةٌ له مُخالطون ، فإن أنتَ أخي الباحث وقفت على مغزى كلامنا هنا ، فقف على أنّ الجعفرية بنَت عقيدتها على شيء نموذجيّ مُبالغ فيه ، يمنع قانون الله في الأرض (وهو الابتلاء) من تحقّقه ، إضافةً إلى ذلك فإنّ الابتلاء على شرط الجعفرية (القائل بالغيبة في حقّ الدليل المُطلَق إلى النّجاة ، واللطف الإلهي) هُو ابتلاءٌ مُستحيلٌ من خلاله الخروجُ بنتيجةٍ أو هدايةٍ من هذا الإمام (الغائب) ، والله مُنزّهٌ عن كل ابتلاء (فيما يخصّ نجاة العباد ومعرفة الصراط المستقيم) ثمّ هُو لم يجعَل للعباد مخرجاً من خلاله يجتازونَ هذا الابتلاء ، ليحصلوا على الدّرجات العُلى ، ويَفوزوا الفوز المُظفّر ، والله فهو الرّحمن الرحيم ، والعليم الحكيم ، ولا حِكمَة في أن يقولَ الأب لابنه اذهب إلى المدرّس الذي في المدرسة المجاورة وتعلّم على يديه ، فإن تعلّمتَ ، أعطيتُك الجائزة ، فيذهبَ الابن إلى المدرسَة فلا يجدُ مُدرّساً ليتعلّم على يديه ، والأب قد اشترطَ التعليم والفهم لكي يُعطِيَ ابنه الجائزة ، وعليه فلا سبيل لأن يأخُذَ الابن الجائزة لأنّه لم يتعلّم ، وعدم تعليمه ناتجٌ من عدم وجود المُدرّس ، وهذا هُو عينُ واقعنا مع المهدي الجعفري ، اللطف الذي جعلتهُ الإمامية ذريعَة إلى القول بوجوب النّص على الأئمة بالاسم والعدد ، والله المُستعان ، وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

الراوية الأولى :



* روى ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده : ((عن فضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبدالله (ع) : نَدعو الناس إلى هَذا الأمر؟ فقال: لا يَا فضيل!! ، إنّ الله إذا أرادَ بِعبدٍ خيرا أمَر مَلكا فأخذ بعنقه ، فأدخله في هذا الأمر طَائعا أو كَارِهَا)) [ أصول الكافي :!/167] .



الرواية الثانية :



* روى ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده : ((عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (ع) قال: سَألته عن مَسألةٍ فَأجابني ، ثمّ جَاءه رَجُلٌ فَسأله عنها ، فَأجابه بِخلاف مَا أجابني!! ، ثمّ جَاء رَجل آخَر فأجَابَه بِخِلاف مَا أجَابني وأجَاب صَاحِبي!! ، فلمَا خَرَج الرّجًلان . قلت : يَا ابن رسول الله ، رَجُلان مِن أهل العِراق مِن شيعتكم [تأمّل أنّهما من الشيعة!!] ، قدِمَا يَسألان ، فَأجبت كل واحد منهما بغير مَا أجبت به صَاحِبه؟ فقال : يَا زُرارة ! إنّ هذا خَير لنَا ، وأبقَى لنَا ، ولكن لو اجتمَعتم على أمر واحِدٍ لصَدّقكم النّاس عَلينا ، ولكَان أقلّ لِبقائنا وبَقائكُم)) [أصول الكافي :1/65] .



الرواية الثالثة :



* [تأمّل هذه الرواية جيّدا ففيها فوائد جمّة ، وبعد أن تُنهي قراءتها ، فاعلم أنّ البخاري ورواة الحديث الذين رَووا خبر الاثني عشر أميراً بالعدد (دون الاسم) ، أفضلُ حالاً من جعفر الصادق (على شرط الجعفرية وعين مذهبهم) ، لأنّه لم يُعلِم أصحابهُ بالأمراء أو الخلفاء الاثني عشر لا عدداً ، ولا اسما ، حتى استشكلَ الأمرُ على كبار كبار كبار أتباع الصّادق ، ولم يَعرفوا مَن هُو الإمام بعد الصادق ، وهذا دليلٌ على أنّهم غير عارفين لخبر الاثني عشر عددا واسماً ، إذ لو كانوا به عالِمين ، ما احتاجوا إلى حيرةٍ وبُكاءٍ في الأزقّة ، فانظر هذه الرواية ] ، روى ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده ، ((عن هشام بن سالم [وهو أحد أصحاب الصادق المقربين عند الجعفرية] ، قال: كنّا بالمدينة بعد وفَاة أبي عبد الله (ع) أنا وصاحب الطاق [وهو أيضاً من المقربين جدا عند الصادق بإجماع الجعفرية] ، والنّاس مُجتمعون على عبد الله بن جعفر أنه صَاحب الأمر بعدَ أبيه ، فَدخلنا عليه أنا وصَاحِب الطاق والنّاس عندَه ، وذلك أنّهم رَوَوا عن أبي عبد الله (ع) أنه قَال: إنّ الأمر فِي الكبير مَا لم تكن به عاهة ، فَدخلنا عليه نَسأله عمّا كنا نسأل عنه أباه ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال: في مائتين خمسة، فقلنا: ففي مَائة ؟ فقال : دِرهمان ونصف . فقلنا: والله ما تقول المُرجئة هذا ، قال : فرفع يده إلى السماء ، فقال: والله ما أدري ما تقول المُرجئة ، قال: [تأمّل] فخرَجنا مِن عندِه ضُلالاً لا ندري إلى أين نتوجّه أنا وأبو جعفر الأحول ، فقعَدنا فِي بعض أزقة المَدينة بَاكين حيَارى لا نَدرِي إلى أين نتوجه ولا مَنْ نقصِد؟ ونقول: إلى المُرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟، فنحنُ كذلك إذ رأيتُ رجلا شيخا لا أعرفه، يومِي إليَّ بيده فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور ، وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر (ع) عليه، فيضربون عنقه، فَخفت أن يكون منهم فقلت للأحول: تنحَّ فإني خائف على نفسي وعليك ، وإنما يريدني لا يُريدُك ، فتنحَّ عنّي لا تهلك وتُعين على نفسِك ، فتنحَّى غير بَعيد ، وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا اقدر على التخلص منه فما زلت أتبعه وقد عزمت على المَوت حتى وردَ بي على باب أبي الحسَن (ع) ، ثم خَلاني ومَضى ، فإذا خادم بالباب فقال لي : ادخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى (ع) فقال لي ابتداءً منه : لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إليَّ إليَّ فقلت جعلت فداك مَضى أبوك؟ قال: نعم ، قلت: مضى موتا؟ قال: نعم، قلت: [تأمّل] فمَن لنا مِن بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت جعلت فداك إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه، قال: يريد عبد الله أن لا يُعبَد الله، قال: قلت: جعلت فداك فمَن لنا مِن بَعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال: قلت: جعلت فداك فأنت هو؟ قال : [تأمّل] ، لا، ما أقول ذلك، قال: فقلت في نفسي لم اصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟ قال: لا فداخلني شئ لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاما له وهيبة أكثر مما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك؟ فقال: [تأمّل] سَل تُخبَر ، ولا تُذِع، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف، قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضُلال [أي لا يعرفون أنّك الإمام ، ومنه لا ندري ما هو دور جعفر الصادق في الهداية والقيادة للأمّة إن كان كبار أصحابه كهشام بن سالم ، ومومن الطاق الأحول ، وصغار شيعته لا يعرفون الإمام بعد الإمام حتى ضلّوا ، نعم ! أرادَ هشام بن سالم أن يقوم بدور في الهداية أكبر من دور الإمام المنصوص عليه المعصوم جعفر الصادق ، وذلك أنّه طلب من موسى الكاظم ، أن يقومُ بإخبار النّاس بأمر إمامته ، فقال هشام للكاظم : ] فألقي إليهم وأدعُوهم إليك؟ وقد أخذتَ عَليّ الكتمان؟ قال: مَن آنستَ مِنه رَشدا فألق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاعوا فهو الذبح - وأشار بيده إلى حلقه - قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدى فحدثته بالقصة قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير [وهما من كبار أصحاب الصادق (ع) ثم مع هذا لم يكونا يعلمان الحديث الاثني عشري بالعدد والاسم] فَدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعا عليه بالإمامة ، ثم لقينا الناس أفواجا فكل من دخل عليه قطع إلا طائفة عمار وأصحابه وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس، فلمّا رأى ذلك قال: مَا حال الناس؟ فَأخبِرَ أن هشاما صدّ عنك الناس، قال هشام: فأقعدَ لِي بالمدينة غير واحِدٍ ليضربُونِي)) [أصول الكافي :1/352] .

http://www.al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=7150

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“