نظرة في تفسير "القوي الأمين" الواردة في سورة القصص
-
د.اسماعيل الوزير
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 22
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2007 11:48 am
- مكان: صنعاء
نظرة في تفسير "القوي الأمين" الواردة في سورة القصص
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالى في ذكر شيء من قصة موسى عليه السلام (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربي إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعو ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين . قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) صدق الله العظيم.
أورد المفسرون في تفسير هذه الآيات آراء عديدة، ومن هذه الآراء ما لا نراه صحيحاً لعدم موافقته الاتجاه العام للآيات الواردة في موسى عليه السلام وما أنيط به من مسؤولية كبيرة لتحرير قومه من بني إسرائيل من الاستعباد الذي أوقعهم فيه فرعون مصر وقومه.
قال هؤلاء : إن إحدى المرأتين اللتين تذودان الماء لما قالت لأبيها : (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين).وصفت موسى عليه السلام بالقوة والأمانة , لِما رأت من قوته حال السقي ، وعفته لما دعته إلى أبيها ، فقد رفع حجراً عن بئر مغطاة لا يرفعه إلا سبعة رجال أو عشرة أو عشرون رجلاً أو أكثر من ذلك ليسقي ماشيتهما من هذه البئر، ولَما استجاب دعوة أبيها مشت أمامه فرفع الهواء ثوبها عن كعبها ، أو أن الهواء ألصق ثوبها ببدنها فوصف الثوب بعض بدنها فطلب منها أن تمشي خلفه ، وتصف له الطريق ، ولهذا فإنه قوي أمين.
وما نراه فهو غير ذلك فمن الواضح أنها طلبت من أبيها أن يستأجره بعد أن سمعت قصص موسى التي قصها على أبيها قال الله تعالى : (فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين).
والقصص جمع قصة فهناك عدة قصص ذكرها موسى عليه السلام لأبيها , إحدى هذه القصص آخرها وهي أن موسى خرج خائفاً من المدينة بعد أن ضرب رجلاً من أهل مصر, لَمّا وجده يقتتل مع رجل من بني إسرائيل فقتله، وخروج موسى عليه السلام من المدينة خائفاً يترقب إنما كان لما قد عرف عنه من الدعوة إلى مبادئ وأخلاق لم تكن منتشرة في أهل مصر.
ومن المهم معرفته أن علاقة موسى بربه قبل النبوة كانت واضحة قوية , فهو يناجي الله تعالى: (قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر له فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ، قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين).
فهذا يدل على أن موسى عليه السلام كان يدعو إلى مبادئ وأخلاق غير ما تعارف عليه أفراد مجتمعه ، ولذلك كان ممنوعاً من دخول المدينة ؛ لأن الحال بينه وبين أهل المدينة قد بلغ من الوضوح والتمايز ما جعل الملأ الذين لا يرضيهم ما يدعو إليه موسى أن يقرروا عدم السماح له بدخول المدينة ، ومع ذلك فقد دخلها مرة على حين غفلة من أهلها.
ومما يؤكد انتشار هذه المبادئ أنه لما أراد أن يبطش بالمصري الثاني خاطبه المصري بالخطاب الذي يطرحه موسى بين الناس ، فنشر العدالة والإصلاح بين الناس ، وعدم الفساد في الأرض هي ما يدعو إليه موسى ، فكيف يكون فعله مناقضاً لذلك ، قال له : لقد قتلت نفساً ، واليوم تريد أن تقتلني وأنت تدّعي أنك من المصلحين ، ولا تريد الفساد في الأرض ، فهذا الفعل من أفعال الجبارين الذين تدعو الناس إلى مخالفتهم .(قال ياموسى اتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ان تريد إلا ان تكون جبارا في الارض وماتريد ان تكون من المصلحين ).
هذا الكلام الذي يظهره له عدوه يبين أن موسى كان قد بدأ الدعوة إلى شيء غير ما اعتاد الناس عليه ، وهو الإصلاح في الأرض ، وإزالة الظلم والتظالم ، وإن المسألة كانت قد بلغت حداً اشتهر بين الناس ، وأنهم كانوا يتناقلون دعواه فيما بينهم ، وأن فرعون وأعوانه كانوا قد اتخذوا قراراً يمنعه من دخول المدينة ، ولذلك فإنه لما استطاع دخولها على حين غفلة من أهلها ، وبعد أن نصر الذي استنصره أصبح خائفاً يترقب ردة الفعل ، ولقد كان له أنصار في المدينة منهم من كان مجتمعاً مع الملأ الذين يأتمرون بموسى ليقتلوه أو مقرباً إليهم لذلك فقد جاء إلى موسى سريعاً (وهو يسعى) ليحذره من إئتمار الملأ على قتله ، وليعلمه أن القرار جاد وخطير قال له : (فاخرج إني لك من الناصحين).
فهذه القصة تبين أن موسى عليه السلام لديه من قوة البنية والعزيمة والإرادة ما يجعله قادراً على تدبير أمور الشيخ وابنتيه ، كما وأن من يدعو إلى هذه المبادئ ويتحمل في سبيلها المشاق ، لا بد وأن يكون صاحب أخلاق عالية ، والأمانة أحدها.
لذلك فلا أظن بحال من الأحوال أن قولها : (إن خير من استأجرت القوي الأمين) مبني أنه سقى لهما الماء من بئر كانت مغطاة بحجر كبير لايحركه إلا عدة رجال , إذ لامانع يمنع من أن يسقي لهما من نفس المورد الذي يسقي منه الرعاة ، ولا شك في أن سقيه لهما ومزاحمته الرعاة بعد سفر وتعب ينبئ عن قوة وشدة , ولا حاجة للقول بأنه رفع حجراً....الخ ، ولا أظن أيضاً أنها بنت وصفه بالأمانة على ما ينسب إليه من القول لها أن تمشي خلفه حتى لا يراها وهي تمشي أمامه. خصوصا وأن كلامها هذا جاء بعد سماعها القصص الذي قصه على أبيها وسماعها من أبيها قوله لموسى عليه السلام ( لاتخف نجوت من القوم الظالمين) . فليس في القران ما يربط طلب استئجاره برفع حجر او ما شابهه إلا ما كان من مخيلة المفسر, أما سياق الآيات فهو متعلق بالإصلاح في الأرض والعدالة .
وهذا هو الأولى والأجدر بأن ينسب إلى شخصية النبي الذي يقاتل ويجاهد لإرساء قواعد العدالة والحق والصدق في المجتمع , لا ما يقولونه الذين يحصرون فهم القوة والأمانة في رفع حجر ومشيه أمام المرأة...
والحمدلله رب العالمين.
-
البدر الشهيد
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 58
- اشترك في: السبت يوليو 10, 2004 10:11 pm
- مكان: بوخارست
-
د.اسماعيل الوزير
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 22
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2007 11:48 am
- مكان: صنعاء
شكرا لك الاخ الكريم البدر الشهيد على مرورك
من الملاحظ ان كثيرا من الاراء لدينا كزيدية مستقاة من قبل الغير
وهذا مما يؤسف له .
ومالم يكن كذلك فانا نرى الكثير يجتر ماسبق لدينا من الاراء كما هي
لايستطيع الانفكاك عنها.
وبطبيعة الحال فإن هذا لايرفد الفكر بما يؤدي الى نهوضه
ولقد كانت هناك حركة تجديدية غير أنها ضربت ضربا شديدا
ومع ذلك فان هناك أمل ان ينبثق مِن مَن بقي مِن اصحابها مَن يواصل مسيرتها الفكرية
حتى تؤتي ثمارها إن شاء الله تعالى
أحسن الله إليكم أستاذي الكريم وكتب أجركم
( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ )
[img]http://mail.google.com/mail/?attid=0.1& ... 9296cc0528[img/]
[img]http://mail.google.com/mail/?attid=0.1& ... 9296cc0528[img/]