إشكالية نظرية عدالة الصحابة

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
أدب الحوار
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 112
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 19, 2006 12:34 pm

إشكالية نظرية عدالة الصحابة

مشاركة بواسطة أدب الحوار »

بسم الله الرحمن الرحيم

إشكالية نظرية عدالة الصحابة


كثيرٌ من الخلاف والتشنُّج يبرز فيما يرتبط بموضوع صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك بين مُؤيِّدي نظرية عدالة الصحابة، وبين نُفاتِها..

إلاَّ أنَّه من المؤسف أن الكثيرين لا يعرفون نقطة الخلاف بصورة دقيقة، وربما لا يعلمون هوية المختلفين، كما لا يعلمون أهدافهم..

وفي هذه الأسطر نريد أن نتعرَّف على بعض الأمور التي نجمل ذكرها في القائمة التالية:

1 . ما هي نظرية القائلين بنظرية عدالة الصحابة؟
2 . ما هي نظرية القائلين بنفي عدالة الصحابة؟
3 . ما هو الهدف الذي ينشده كل من الطرفين؟
4 . ما هي الأخطاء التي يمكننا ملاحظتها على كلا الطرفين؟
5 . ما هي النظرية الصحيحة؟ وما هو دليل صحتها، ودليلُ بُطلان الأخرى؟


1. ما هي نظرية القائلين بنظرية عدالة الصحابة؟

يعتقد هذا الفريق من المسلمين أنَّ صحابة النبي صلى الله عليه وآله، كانوا الجيل النموذجي، الذي فاق جميع الأجيال التي أعقبته، وبصورة نوعية، بحيث أصبحوا فوق مرتبة النقد والانتقاص، وأصبح من غير الصحيح، بل من غير السائغ شرعاً توجيهُ أصابع النقد إلى أحدهم، بل حكمهم جميعاً هو العدالة والتديُّن بأحسن مراتبهما.


2 . ما هي نظرية القائلين بنفي عدالة الصحابة؟

هذا الفريق من المسلمين لا ينفون العدالة عن جميع الصحابة، بل يعتقدون أنَّ الصحابة لا يختلفون عن الأجيال التي جاءت بعدهم من المسلمين، فقد كان فيهم الصالح، وكان فيهم الطالح، وفيهم من كان في أعلى مراتب العدالة، وكان فيهم من هو في أدنى مراتب الفسق، وبناء عليه يدعون إلى تمحيص حالهم واحداً واحداً، بالطريقة نفسها التي يتم بها تمحيص حال الرواة في علم الجرح والتعديل.


3 . ما هو الهدف الذي ينشده كلٌّ من الطرفين؟

أمَّا الفريق الأوَّل فيعتقدون – حسب ما يظهر من أقوالهم - أنَّ الصحابة هم الجيل الذي نقل إلينا القرآن والسنَّة، والطعن في أحدهم يعني التشكيك في صدقية الكتاب والسنَّة، كما أنَّ التشكيك فيهم يعني الطعن في جدوائية مساعي النبي في تربيتهم والاعتناء بِهم، إضافة إلى اعتقادهم أنَّ نظريتهم هي التي تقتضيها نصوص الكتاب والسنة، والطعن فيها طعنٌ في متون الكتاب والسنَّة..

وأمَّا الفريق الثاني فيعتقدون أنَّ تعميم العدالة بِهذا النحو معناه الإغماض عن شريحة من المنحرفين دينياً وأخلاقياً في الجيل المعاصر للنبي صلى الله عليه وآله، بما يعني السماح بنفوذ تأثيرهم السلبي في وعي وثقافة الأمَّة الإسلامية، وبالتالي ضياع جهود النبي الأكرم في هداية الأمة والحفاظ عليها من الانحرافات الكبرى. كما أنَّهم يعتقدون أنَّ هذه النظرية إنَّما الهدف منها ضرب نصوص إمامة أهل البيت، تلك الإمامة التي إنَّما تأسست لتأمين هداية الأمَّة..

فالملاحظ أنَّ كلا الفريقين ينطلق – حسب الظاهر – من أُسُس دينية، ويهدف إلى الحفاظ على مصالح دينية ذات أهمية بالغة..


4 . ما هي الأخطاء التي يمكننا ملاحظتها على كلا الطرفين؟

أهمُّ خلل يقع فيه كلا الطرفين، هو عدم تقديرهما لِمُنطلقات بعضهما البعض، فهما يتبادلان التُّهم في هذا المجال، ويعتقد كلٌّ منهما أنَّ الآخر يهدف إلى تقويض دعائم الدين.. وهذا التصور غير صحيح، ولا يقوم على دليل صحيح، بل الشواهد على خلافه..

كما أنَّ نُفاة نظرية العدالة العامة، ربما يتصورون أنَّ الْمُثبتين لها لا يقبلون بنسبة المعاصي إلى الصحابة، أي بما يساوق القول بعصمتهم، وهذا خطأ بيِّن؛ إذ القوم يعتقدون بالعدالة، والعدالة لا تنافي الوقوع في المعصية بما يعقبه الاستغفار والتوبة..

والقائلين بنظرية عدالة الصحابة يُخطئون أيضاً حين يتصورون أنَّ النُّفاة بصدد الطعن في الصحابة جميعهم، وهو غير صحيح، كما أنَّ المثبتين يتصورون أنَّ مذهب النُّفاة يستلزم ضياع الكتاب والسنة، وهو غير صحيح أيضاً، إذ النفاة يعتقدون بوجود المعصوم الذي ببركته يتم حفظ الكتاب والسنة، كما أنَّ حجم الانحراف الذي يقول به النُّفاة ونوعَه، لا يقتضي الضياع الْمُدَّعَى..


5 . ما هي النظرية الصحيحة؟ وما هو دليل صحتها، ودليلُ بُطلان الأخرى؟

النظرية الصحيحة هي نظرية النُّفاة، أي القائلين بأنَّ الصحابة لم يكونوا جميعاً عدولاً، والدليل على صحة نظريتهم، وبُطلان نظرية الفريق الآخر يتلخَّص فيما يلي:

1- إنَّ تاريخ الأنبياء والأُمم السابقة يفترض وجود سنَّة إلهية تقتضي وجود نماذج سلبية وأخرى إيجابية في كل مجتمع على مَرِّ التاريخ، وليس هناك دليل واضح على استثناء جيل الصحابة، بل الدليل على خلاف الاستثناء.

2- إنَّ روايات المسلمين جميعهم واضحة في أنَّ الصحابة أنفسهم لم يكونوا يعتقدون بعدالتهم أنفسهم؛ ولذا نجدُ أنَّهم اقتتلوا فيما بينهم، وكفَّر بعضهم بعضاً، وسبَّ بعضهم بعضاً، ولعنَ بعضهم بعضاً.

3- إنَّ روايات المسلمين صريحةٌ في أنَّ مجموعة من الصحابة كانوا في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يتوفَّرون على الرصيد الإيماني الكافي، حيث كان بعضُهم يعترض على رسول الله، أو يتطاول عليه، أو غير ذلك من الشواهد..

4- إنَّ روايات المسلمين صريحةٌ في أنَّ مجموعة من الصحابة كانوا يرتكبون المعاصي ويصرُّون عليها، كالذي ذُكر في كتب تراجم الصحابة من أنَّ غير واحد منهم كان يشرب الخمر بعد تحريمها..

5- إنَّ الروايات صريحة في أنَّ مجموعة منهم كان لهم موقف سلبيٌّ تجاه أهل بيت النبي، كالذي روي في تهديد بعضهم لفاطمة الزهراء بحرق بيتها، وقد رُوي أنه نفَّذ تهديده، وكالذي رُوي من أنَّ بعضهم كان يسب أو يلعن الإمام عليًّا..

6- إنَّ ثبوت إمامة أهل البيت بمستوى قطعيٍّ، يحول دون القول بعدالة تلك المجموعة من الصحابة الذين كان لهم موقف سلبي من إمامة أهل البيت.

7- لقد جاء في الأحاديث الصحيحة – وقد رواها أصحاب نظرية عدالة الصحابة أنفسهم – أنَّ النبي صلى الله عليه وآله أخبر بوقوع التبديل في الدين والتغيير من قبل جماعة كثيرة من جيل الصحابة، بدرجة توجب غضب الله واستحقاق دخول النار، وقد رووا أيضاً أن بعض الصحابة قد اعترف بأنَّه من جملة من بدَّل، كما أن النبي خاطب أحد وجوه الصحابة بقوله: لا أدري ما تحدثون بعدي..

8- ممَّا يتَّفق عليه جميع المسلمين أنَّ هناك شريحة من المنافقين كانوا يعيشون في الوسط المعاصر للنبي صلى الله عليه وآله، ومن المتَّفق عليه أيضاً: أنَّ أسماء أولئك المنافقين جميعهم ليست بأيدينا الآن، ولا حتى أكثرهم، وبهذا تكون كلُّ عيِّنة نلتقطها في جيل المعاصرين للنبي محتملة الانتماء إلى شريحة المنافقين ما لم يثبت العكس، وبناء عليه يكون الحكم على جميع المسلمين الذين التقوا بالنبي بالصلاح والعدالة يفتقر إلى المنطق السديد؛ إذ عدم معلومية أسماء المنافقين وأعيانهم في جيل الصحابة، لازمُه عدم معلومية أسماء الصالحين وأعيانهم في الجيل نفسه، وهو واضح..

9- إنَّ الأدلة التي تبتني عليها نظرية عدالة الصحابة بعامَّتهم، هي عبارة عن مجموعة من الأدلة اللفظية، والتي ينبني الاستدلال بها على مسألة استظهار كونها دالة على العموم، وهذا الاستدلال هو استدلال ظنِّي، والاستدلال الذي من هذا القبيل لا يصمد أمام مجموعة الأدلة المستعرضة أعلاه بصورة إجمالية، فاللازم – من وجهة نظر علمية أصولية – أن يُقال إنَّ الأدلة التي يسوقها أصحاب نظرية العدالة هي من العام الذي أريد بها خاص، أي أنها ليست على إطلاقها وعمومها الذي يتمسَّك به أصحاب نظرية العدالة العامة..

وفي هذا السياق أدلة أخرى لم نذكرها في هذه العجالة.


هذا باختصار..

واللهَ نسأل أن يرزقنا الثبات على طريق الهداية، والتوفيق إلى طاعته وعبادته..

والحمد لله رب العالمين.

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“