الشيخ العمراني يتحدث عن الزيدية

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

لقد جهل كثير من المسلمين عقيدة إخوانهم (الزُّيود) الذين يقطنون الشمال الشرقى من بلاد اليمن جهلا عظيما، كان من نتائجه السيئة أن رموهم بالابتداع فى الدين، و الشذوذ فى الرأي، و المخالفة فى المأخذ للأحكام الشرعية، حيث تركوا دراسة كتب الحديث الشريف المشهورة، و رغبوا عن الاحتجاج و العمل بما فيها مستبدليلن بها غيرها من الكتب المجهولة التى لا يعرفها علماء الحديث و لا يعترفون بها، هكذا رموا من بعض إخوانهم جهلا، كما رموا من بعض آخر بالجمود و التعصب المذهبي، و البغض للسلف الصالح من أصحاب النبى (صلى الله عليه و سلم).

و الحق أن الزيدية لم يشذوا فى آرائهم عن آراء إخوانهم المسلمين، كما أنهم لم يشذوا فى طريق الأخذ و الاحتجاج، بل هم أقرب المذاهب

الفقهية اللاتى تفرعت من مذهب الإمام الأعظم زيد بن على (عليه السلام)، فإنها مهما اختلفت عن أصلها فى بعض من المسائل الفقهية اليسيرة، أو خالف بعضها بعضاً فى شيء من ذلك، نراها تتفق كثيراً مع أصلها فى عدة مسائل كثيرة كبرى و توافق غيرها من المذهب الإسلامية الأخري، كما وافقها أصلها، لأنها فرق متفرعة عنه، و متولدة منه، ولا تخرج عنه إلا نادراً، لاسيما المذهب الهادوي، الذى أسسه إمام اليمن الإمام الهادى يحيى بن الحسين رضوان الله عليه، و تمذهب به زيدية اليمن، و ظل المذهب الرسمى للحكومة اليمنية أكثر من ألف عام، و هو أيضاً كأصلة فى الموافقة غالبا لماعليه المذهب الإسلامية الأخرى و على الخصوص مذهب الحنفية الذى يتمذهب به كثير من المسلمين، و تمذهب به كثير من دول الاسلام و حكوماته قديماً و حديثاً، وظل المذهب الرسمى للحكومة المصرية حتى الآن، و كتب الهادوية شاهدة على ما قلته من الموافقة، حتى كان بعض ائمة الهادوية يرى الأخذ من أقوال أبى حنيفة ـ إذا لم يجد للهادى نصاً فى آية مسألة فقهية ـ مذهباأ للإمام الهادى و هذا أكبر دليل على أن المذهب الحنفى و المذهب الهادوى أخوان.

بل يمكن أن أصرح للقاريء بأن المذهب الحنفى أقرب إلى المذهب الزيدى أو الهادوى منه إلى المذهب الحنبلي، نعم ربما تفردوا بأقوال قد لا يوافقهم عليها أحد من أئمة المسلمين، و لكن فى مسائل جزئية محصورة، تعد بالأصابع، لا تخرجهم إلى البدعة، و لا توجب نبزهم بالشذوذ و البتداع.

و كم من عالم شذَّ فى بعض أقواله العلمية، و آراءئه الفقهية، و اغتفروا له ذلك الشذوذ، و لم يخرجوه من دائرة السنة إلى البدعة، ولم ينبزوه بالشذوذ و الابتداع.

و هم أيضا أبرياء مما اتهمهم البعض به، من عدم دراستهم لكتب الحديث الشريف، و عدم العمل و الاحتجاج بما فيها، كيف لاوهذه كتبهم أكبر برهان على رد هذه التهمة التى ليس لها مستند سوى توهم أن تفردهم برواية كتب حديثية رويت لهم من طريق أهل البيت مما يدل على جهلهم بكتب الحديث المشهورة المتداولة لدى جماهير المسلمين، و الواقع أنهم جمعوا بين الدراسة لكتب أهل البيت النبوي

كالمجموع الفقهى و التجريد و الأماليات، و بين الدراسة لكتب المحدثين كالأمهات الست و ما

(400)

يتبعها من المسانيد و المجاميع و المعاجيم، و أعظم البراهين على قراءتهم لها و عملهم بأدلتها، و نقلهم عنها، و احتجاجاتهم بها فى مؤلفاتهم الفقهية، لا سيما مؤلفات متأخريهم كالإمام القاسم بن محد فى (الاعتصام) و السيد أحمد بن يوسف زباره فى (أنوار التمام) و السيد حسن الحلال فى (ضوء النهار) و القاضى حسين السباعى فى (أنوار التمام) و السيد حسن الجلال فى (ضوء النهار) و القاضى حسين السباعى فى (الروض انظير) و هكذا غير هم كمن اعتنى بالتخريح لكتبهم من كتب المحدثين كالضَّمدى فى تخريجه أحاديث الشفاء، و ابن بهران فى تخريجه أحاديث البحر الزخار.

و يؤيد برهاننا هذا ما نراه فى تراجم علمائهم عموما و المتأخرين منهم خصوصا، من أخْذهم عن مشايخ مذهبهم كتب أهل البيت أولا، و كتب أهل الحديث ثانيا، بل ربما أخذوا فى كتب الحديث عن غير مشايخ مذهبهم من شافعية و أحناف، و حسب القاريء أن يتصفح ماقد طبع بالقاهرة من تراجم علمائهم (كالبدر الطالع) و (المحلحق التابع) و (نيل الوطر) و (نشر العرف) و غيرها.

و هكذا مما يؤيد ما ذكرته مايراه القاريء فى مؤلفات متأخريهم التيث جمعوها فى الأسانيد و الأجايز و الاثبات، و يكفيه ما قد طبع منها فى الهند و مصر كإتحاف الأكابر و (العقد النضيد) و كلها مؤيدة لما ذكرته من غزارة معين علومهم الدينية، وسعة دائرة معارفهم الفقهية حيث جمعوا بين علوم أهل البيت النبوى و علوم أهل الأثر و الحديث أخذاً و تدريساً و عملا و احتجاجا، و هذا إن دل على شيء فهو براءتهم مما اتهموا به من قصورهم فى معرفة كتب المحدثين، و رغبتهم عن العمل بما فيها، كما يدل فى نفس الوقت على نهمهم العلمى و تحررهم الفكرى تحرراً مقرونا بالتسامح و الانصاف، و لو عرف الذين يتهمونهم بهذه التهمة حقيقة أمرهم لجعلوا تفردهم برواية هذه الكتب حسنة من حسناتهم لا سيئة من سيئاتهم، على أنه قد يوجد منهم من لا يأخر و لا يدرس كتب الحديث الشريف، ولا يرى العمل بما فيها، و لكنه قليل نادر يتضاءل أمام الكثير الغالب تضاؤلاً يمنع من الحكم على جميعهم بذلك.

و هم لا يتعصبون على غير هم ممن يخالفهم فى الفقه الاسلامى من إخوانهم المسلمين ممن يتعبد بأى مذهب إسلامى إذا كان خلافة فى المسائل الفقهية اللاتى لا يخل الخلاف فيها بجوهر الدين أى إخلال، و كتبهم الأصولية و الفروعية دالة أكبر دلالة على براءتهم من التعصب المذهبي، و على إحسانهم الظن بكل من يخالفهم خلافا فقهياً مادام لا يمس الدين، و لا يخل بأصل من أصول الاسلام الكبري.

و هاك بعضاً من قواعدهم الأصولية و الفروعية المنصوص عليها فى أكبر مؤلفاتهم و أشهرها، مثل قولهم:

«الاجتهاد جائز لمن حقق علوم الجتهاد الخمسة المذكورة فى علم الأصول».

«لكل مجتهد نصيب».

«إذا اختلف مذهب إمام الصلاة و مذهب المؤتم به فالامام حاكم».

«لا إنكار فى حكم مختلف فيه ».

«لا يكون التكفير و التفسيق إلا بدليل قاطع».

«حكم الحاكم بين الخصمين يقطع النزاع مهما كان مذهب الحاكم، وكيفما كان مذهب الخصمين».

«الجاهل الصرف الذى لا يعرف عن المذاهب شيئا مذهبه مذهب من وافق».

«كل مسألة خلافية خرج وقتها فلا يجب على المكلف قضاؤها و لو أداها مخالفة لمذهبه مهما كان اخلاف قد وقع فيها لمصادفة فعله قول قائل من علماء المسلمين».

و غير ذلك من القواعد الكلية الكبرى الدالة على ما ذكرته آنفا من أنهم على قدر كبير من التسامح المذهبي.

على أنه قد يوجد فى بعضهم شيء من التعصب المذهبي، و لكنه فى الغالب يكون فى العامة الذين لا يعرفون عن أصل مذهبهم شيئا، و ربما و جد فى بعض الخاصة، ولكنه وجود نادر قد يكون لأسباب خارجية لاعلاقة لها بأصل المذهب، كما يوجد مثل ذلك فى جميع المذاهب الاسلامية من بعض الأفراد الذين قل أن يخلو عنهم مذهب من المذاهب كما نطقت بذلك كتب التاريخ.

و هم أيضاً لا يجمدون على ما نصه إمام مذهبهم، بل طريقتهم أنهم إذا رأوا فى آية مسألة أن غير إمامهم أرجح دليلا منه أخذوا بقوله غير مستنكفين ولا آنفين فى الميل عن إمامهم إلى إمام آخر من أئمة المسلمين مادام هذا الامام قد تمسك بدليل أرجح من دليل إمامهم، بل إن البعض منهم بستنبط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، و يتخذ هذه الأ حكام المستنبطة مذهبآ له غير عالم بمن قد سبقه إلى هذا المذهب ، و بمن قد وافقه على هذا الرأ‌ى ، و ذلك كله نتيجة‌ لفتحهم باب الا جتهاد المطلق الذى كان قد أوصده الجمهور على أنسفهم بلادليل، و لذلك نرى كثيراً منهم يذهبون إلى آراء قد توافق إما مذهبهم، و قد لا توافق، و قد يكون فيها مرجحاً لمذهب عالم سني، و قد يكون رآه ابتداء، و ذلك كالإمام يحيى بن حمزة مؤلف (الانتصار) و غيره، و الامام عبدالله بن حمزة مؤلف (الشافي) و غيره، و الامام المهدى أحمد بن يحيى مؤلف (البحر الزخار) و غيره، بل جاء بعدهم من فتحوا باب الاجتهاد المطلق على مصراعيه غير هيابين و لا خائفين ولا وجلين، و دخلوا منه غير هيابين و لا مبالين بمخالفة أى عالم مهما كان علمه ماداموا قد تمسكوا بالكتاب و السنة، فتركوا المذاهب الفقهية و الأصولية و الكلامية أجمع، و رجعوا إلى أصول الدين الاسلامى و أدلته الشرعية الصحيحة، و أعلنوا اجتهادهم المطلق أصولا و فروعا و كلاما و تفسيراً و حديثاً و فقهاً فى عصور عزّ الاجتهاد فى واحد منها، أولئك أمثال السيد محمد بن إبراهيم الوزير مؤلف (العواصم و القواصم) و (إيثار الحق على الخلق) و (والروض الباسم) و (ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان) و (البرهان القاطع) و (تنقيح الأنظار) و غيرها من المؤلفات القيمة، و الشيخ

(403)

صالح المقبلى مؤلف (العلم الشامخ فى إيثار الحق على الآباء و المشايخ) و (الأرواح النوافح) و (المنار على البحر الزخار) و (الاتحاف لطلبة الكشاف) و غير ذلك. و السيد حسن الجلال مؤلف (نظام الفصول) و (ضوء النها) و (العصمة عن الصلا)، و غيرها. و السيد محمد بين اسماعيل الأمير الصنعاني، مؤلف (سبل السلام) و (منحه الغفار) و (العدة) و (التحبير) و (الروضة) و غيرها، و القاضى محمد الشوكانى صاحب المؤلفات القيمة، التى لو لم يكن منها إلا ما قد طبع لكفته فخراً، فكيف و الكثير منها لم يطبع، فمن مؤلفاته المطبوعة (نيل الأوطار) و (الدرارى المضَّية) و (تحفة الذاكرين) و (القول المفيد) و (فتح القدير) و (إرشاد الفحول) و غيرها، فلله دره من مذهب أنجب أمثال هؤلاء العلماء فى عصور ساد فيها التقليد و الجمود و عز فيها التحرر الفكري، و سد باب الاجتهاد.

و مهما يكن من الأمر فإن زيدية اليمن ليسوا كما يتوهم الكثير ممن يجهل حالهم و فقههم، بل هم إن قلدوا فإنما يقلدون ائمة مذهبهم الذى لا يخرجهم عن مذاهب إخوانهم أهل السنة، لا سيما الأحناف، و إن اجتهدوا و تحرروا، فاجتهاد الوزير و المقبلى و الأمير و الجلال و الشوكاني، هؤلاء العلماء الذين لا يعرف أحد قدرهم إلا بعد أن يحيط علماً بجيع مؤلفاتهم القيمة، و هم كغير هم من أهل المذاهب الإسلامية الأخرى فى التولى للخلفاء الراشدين، و التعظيم لهم بصفتهم و زراء النبى (صلى الله عليه و سلم) و أعظم مناصريه، و من انتقصهم منهم، فهوا إما من العوام الجهال، أو من الخاصة المتعصبين.

و الدليل الصحيح على هذا هو ما نراه فى كتبهم الكثيرة اللاتى ألفها أكبر علمائهم، من النقل عن جماهير أئممتهم و على رأسهم إمام مذهبهم الأكبر الإمام زيد بن على رضوان الله عليه، من وجوب التولى و الحب و التعظيم، لجميع الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم، و حسب القاريء أن يتصفح منها ما قد طبع بمصر من المؤلفات القيمة اللاتى تبين لهم صدق ماقلته من براتهم من كل ما اتهموا به من رفض و ابتداع، أذكر منها على سبيل المثال: (الرسالة الوازعة للمعتدين) المطبوعة

(404)

بالقاهرة، و مجموعة ضمن الرسائل اليمنية اللاتى طبعت منذ عشرين عاما تقريباً، و هى للإمام يحى بن حمزة اليمنى الزيدي.

و حاصل هذا المقال، هو أن من تجرد من أثواب التعصب المذهبى و نظر فى مؤلفات زيدية اليمن عموما، و فيما قد طبع منها خصوصاً، لا يخرج منها إلا مؤمنا أعظم إيمان بأن إخوانه (الشيعة الزيدية) ليسوا كما أشيع عنهم جهلا من الشذوذ و البتداع فى الرأى و العقيدة و الرواية و المأخذ، كما أنهم أيضا بريئون من الجمود و التعصب المذهبى الذى طالما رموا به، بل إنهم كغير هم من إخوانهم المسلمين رواية و أخذا للشريعة الإسلامية من دواوينها المشهورة التى دونها أئمة الحديث و حفاظه المشهورون، كما أنهم أيضا كغيرهم من المسلمين انصافا و تسامحا و حرية و حبا للسلف الصالح من أصحاب النبى صلى الله عليه و آله و سلم، و توليا لخلفائه الراشدين، و فى الوقت نفسه يؤمن أكمل إيمان بأنهم من أبعد المسلمين عن البدعة، و أقربهم إلى السنة، و أن المذهب الزيدي، و المذهب الحنفى أخوان، و مهما تخالفا فلن يخرج المذهب الزيدى عن أى مذهب من المذهب الإسلامية الأخري، و هكذا ما تفرع عنه من فرقٍ و مذاهب، حكمها حكمه خصوصاً المذهب الهادوى منها، و قد يشذ هذا الأخير و ينفرد بأقوال لا يوافقه عليها غيره مطلقا، و لكنه انفراد يسير فى مسائل جزئية محصورة.

و هكذا صار واضحاأن ما أشيع عنهم، هم منه برآء، و مهما وجد بعض من ذلك، فلن يتجاوز عدداً مخصوصاً من متطر فى فقهائهم يتضاءل أمام الجم الغفير من علماءهم الذين ترى أقوالهم العلمية مسجلة على صفحات الكتب بروح عظيمة من التسامح و الانصاف و التحرر الفكري؟



لحضرة الأستاذ الفاضل ممحمد بن اسماعيل العمراني

مدرس الحديث بدار العلوم بصنعاء اليمن
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

صالح المقبلي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 25
اشترك في: الجمعة مارس 21, 2008 1:30 pm
مكان: المغرب

مشاركة بواسطة صالح المقبلي »

بارك الله في العلامة محمد بن اسماعيل العمراني
واسمع مني بلا محاباة فلا تحتجن علي بأقوال الرجال فلا تقولن لي قال بشر أو قال ابراهيم بن أدهم

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“