ليس إنكارا للسنة ...!

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
حسن عزي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 102
اشترك في: الأربعاء يونيو 08, 2005 1:45 pm
مكان: العالم الإسلامي

مشاركة بواسطة حسن عزي »

الأخ الفاضل السيد محمد الغيل أكرمكم الله وكثر من أمثالكم وبارك في علمكم

ياسيدي الحبيب

أما عن موضوع سنيتي أو انتمائي فالله يعلم أني لا أقيم لهذه الاسماء وزنا ولو عرفت هذا الفقير عن قرب لربما عرفت أني رغم كوني ولدت ونشأت في بيئة سنية وتعلمت على مشايخ من أهل السنة الشافعية الأشاعرة ولكني وسمت بين كثير منهم بمخالفتي لهم في كثير من المسائل في الفقه والعقيدة والأصول بناء على ما تعلمته على أيدي المخلصين منهم كأمثال السيد الشريف الحبيب حامد بن الحافظ علوي بن طاهر الحداد وهو أمن مشايخي علي علما ومنهجا وكأمثال السادة الأشراف الغماريين الأدارسة الحسنيين من وجوب الأخذ بالحق من أي جهة أتى ولا أخفيك سرا يا أخي أنه كما تنسبني أنت إلى التسنن فإن كثيرا من أهل السنة يحلو لهم نسبتي إلى التزيد وإلى التشيع لمجاهرتي وتصريحي بكثير من آراء الزيدية وأحيانا الإمامية لا لسبب سوى أنني انشرح صدري إلى أن الحق فيها. والحق اني لا أجد أي خجل من نسبتي إلى الزيدية بالذات (بل أشرف وأعتز بذلك) فالحقيقة إن مجمل ما أدين به (وخصوصا في الأصول) هو أقرب إلى الزيدية من أي مدرسة أخرى. وأقول (مدرسة) لأني أنظر إلى المذاهب كمدارس ومناهج وإجماليات ومسالك في الفهم والفكر لا كمجموعة من الأحكام التي جمعت لتكون مذهبا ما. كم كنت أكره أن أصرح بانتماء إلى مدرسة معينة ولكني وجدت في كلامك ما يدعو إل أن أبين لك ما يسهل عليك معرفة هذا الفقير حتى لا تنسب إليه ما هو بعيد عنه .

الحقيقة أحب أن أنسب إلى الإسلام وأحب ذلك لإخواني جميعا وأكره أن أتسمى بسني أو زيدي أو شيعي أو شافعي أو حنفي أو مالكي أو حنبلي أو أشعري أو معتزلي أو أي من هذه التسميات التي كان نصيب الفرقة فيها أكثر من نصيب الاجتماع والله تعالى لم يأمرنا إلا بأن ننتسب إلى الإسلام وإلى الحنيفية السمحة . فإن شئت فأنا ((مسلم حنيفي)) كما قال الله تعالى.

ألا تتفق معي ياحبيبنا أن كل واحد منا في أغلب الغالب إنما ينشؤ متمذهبا بالمذهب الذي ينشؤه عليه أبوه أو بيئته التي نشأ فيها وقضى شرخ شبابه بين أهلها ؟ فلو أن سنيا ربته أسرة إمامية لما نشأ إلا إماميا ولو أن إماميا ربته أسرة سنية لما نشأ إلا سنيا وكذا الحال بين أي طائفة وغيرها وهذه الأسر التي انتقلت للعيش في أماكن أخرى من بقاع المسلمين وتمذهبت بما كان شائعا في تلك البقاع خير دليل على ما أقول. فليركن من شاء إلى مايشرح الله صدره إلى أنه الحق بالدليل والبرهان لا بالنشأة وتقليد الآباء والأجداد.

اليوم كل فرد من أفراد أمة الإسلام يقف إما في واسطة مذهب معين أو قريبا من وسطه أو قريبا من طرفه أو على أطرافه أو يبعد قليلا عن مذهبه فيدخل في أطراف مذهب آخر وهذا شأن الجميع . ولكن بودي أن ننظر جميعا إلى دائرة أوسع تشمل كل هذه المذاهب فننتسب جميعا إلى الإسلام وننظر إلى بعضنا واقفا في الوسط وبعضنا على الأطراف . وماهو طرف بالنسبة لأحد قديكون وسطا بالنسبة لآخر والعكس في ذلك صحيح. الآن أكثر من اي وقت مضى كما بدأت الأمة مجتمعة وأخذت في التباعد شيئا فشيئا لأسباب كثيرة أهمها (في رأيي) ما فصلته آنفاحتى تشكلت هذه المدارس المتنوعة ثم تباعدت حتى تنافرت وأخذت بعض هذه المدارس تنصب من الأخرى عدوا لها حتى وصل الأمر إلى التفسيق والتضليل والإخراج من الملة رغم أن الجميع يؤمن بنفس الإله ونفس النبي ويؤدي نفس الفرائض والأركان وكل ذلك كان بسب أمور على رأسها الخوف على كرسي السلطة وحب النفس ثم حب الدنيا والنفاق وعدم إخلاص العمل لله تعالى وعدم محاسبة النفس أولا والمنهج ثانيا. و (كما تباعدت) أراها تتقارب شيئا فشيئا (ولو ببطء) بتداول وتحري وتحقيق وتنقيح ما اختلفت فيه (الأمة) من خلال كل وسيلة للحوار العقائدي والفكري وللتعارف المدرسي والمذهبي بإخلاص وتجرد حتى أصبحنا نرى في كل مدرسة من يمثل المدرسة الأخرى في شيء من فكرها ومبادئها وما هذا إلا لأن الأصل واحد وأنا الفرقة التي حصلت وتجذرت وأريد لها أن تستمر وتتأصل من قبل جنود الشيطان والجهل والدنيا إنما هي فرقة عارضة رغم طول أمدها وحين يفتح المسلم عقله لحرية التفكر وقلبه للحق من أي مكان أتى فإنك ترى هذه الفرقة تنقلب وفاقا ووئاما في أغلب الأحيان.

قد أكون مخطئا في الواقع ولكني مصيب ان شاء الله فيما أعتقده وأدين الله به (في نظري) فإن شئت فانسبني زيديا لأن أكثر ما يعتقده هذا الفقير هو ما قال به أتباع الإمام زيد بن علي عليه السلام. ولكن يا أخي لن يمنعني ذلك من نصفة الآخرين حين يتوجب ذلك . والحق أني أرى أن كثيرا من الخلاف (بالذات بين أهل السنة والسادة الزيدية) هو خلاف لفظي (وليس كله كذلك) وكثير مما يعرفه غير أهل السنة عنهم مغلوط مشوه .وكثير جدا مما يعرفه أهل السنة عن الزيدية مشوه مغلوط وكذلك الحال بالنسبة إلى الإمامية . فمن هذا الباب أحببت أن أوضح بما كتبته سابقا ما كان يجول في خاطري عنهم. وما تكلمت عنه هو أصل مذهب أهل السنة وليس ما تجده اليوم في كتبهم ومدرستهم وقد ذكرت أن أصل مدرسة أهل السنة تختلف عنها اليوم وبينت سبب اختلافها وانحراف ما دون اليوم في كتبهم. ولم أتعرض إلى أفراد المسائل التي تفضلت بذكرها .ولا أريد أن يفهم من كلامي أنني أنفي الخلاف في الأصول بين السادة الزيدية وأهل السنة بل هناك خلاف محتدم في بعض الأصول وهوبين ظاهر ورغم أني أرى الحق مع سادتي الزيدية في أكثر هذه الخلافات إلا أنني أعتبر الفرقتين اقدر الفرق على التعايش وعلى قيادة الأمة وإصلاحها لأن غير هاتين الفرقتين فيها (بحسب رأي هذا العاجز) من المشكلات التي تحتاج في كثير من الأحيان إلى (عمليات جراحية) للتعامل معها وتحتاج إلى وقت طويل للتماثل للشفاء وإيصال الإصلاح إلى ما يكفي من قواعد هذه الفرق من عموم المنتسبين إليها وإلى العلماء القائمين على توجيههم فكريا.

سيدي ... أوافقك في أكثر ما كتبت في تعليقك ولا أختلف معك وأقول بأكثر وأهم ما تقول به إن كان هذا يريحك. وهو الحق ان شاء الله عن دليل وبرهان. ولكن يظل ما كتبتُه عن أصل مدرسة أهل السنة بما فيه الاستثناءات التي ذكرتها (بضم المثناة الفوقية) يمثل ما أعتقده عن أهل السنة. هذا على اعتقادي أن منهج ومدرسة السادة الزيدية أقرب (كثيرا) الى الحق والصواب ان شاء الله. بل وأهم ما تمتاز به هو صفاء المنبع و التركيز على الأخذ عن فئة مؤتمنة على الشرع ولها من الأسباب الفكرية والعقائدية وحتى (القبلية) ما يدعوها ويدفعها و (يضمن بحسب ما ركب الله في البشر من صفات الكمال و النقص) إلى الحفاظ على صفاء هذا المنبع وعلى الحرص على الأخذ عنه والتباعد عن كل ما يختلف معه وخصوصا حين تلوح في الأفق شبهات حب الكرسي والدنيا والتوريث وحب الانتصار للعرق والجنس ونزعات الرياء والتعالم واستغلال الدين من قبل الذين لم يكن لهم حظ في الدنيا ولا قدرة على الناس إلا من خلال لباس الدين وادعاء النيابة عن الشارع في توجيه الناس. وإلا فما الحكمة وما المعنى في أن يشرع الله لهذه الأمة أن يصلوا على النبي و آله في صلاتهم المفروضة على الأقل تسع مرات في اليوم والليلة ؟

أحب أن أنبه إلى أن ذكر علماء باسمائهم كمن يمثل تيار أهل السنة قد لا يكون أمرا مطلق القبول . فكثير من أهل السنة بل حتى الحنابلة منهم بل حتى الوهابية لا يرضون أن يمثلهم (آل الشيخ) مثلا كمنهج ومدرسة فكرية وكثير من أهل السنة لا يرضون أن يمثلهم القرضاوي أو غيره . وأهل السنة في مذهبهم لا يقرون الظلم ولا يسمحون بممالأة الظالم بل يعتقدون أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولا يبيحون الكذب من أجل الحاكم ولا يسمحون لأحد أن يفتي بغير الحق من أجل الحاكم ولكن قد يطلبون من الناس عدم الخروج على الحاكم بعد أن يقولوا أنه ظالم وأنه مخالف للشرع وطلبهم عدم الخروج عليه لا للممالأة أو الموافقة لما يفعله بل تجنبا لإراقة الدماء المعصومة بسبب الفتنة . هذا وإن كان هذا الرأي غير مقبول في نظر البعض ولكنه رأي لا يستند إلى الممالأة أو الإقرار على الظلم أو أي من المفاهيم التي يمقتها الإسلام عل أنه قد يكون خاطئا.

وهناك في الحقيقة كثير من أهل السنة وأئمتهم ممن عانى الأمرين من ظلم الحكام وجورهم والتاريخ طافح بذلك.

أما ما تفضلت بذكره من خلافات فلنأخذ مثلا أولاها وهي قولكم: ((تقديم النقل على العقل فالعقل بحسب زعمهم لا يحسن حسنا ولا يقبح قبيحا ))
هنا يا أخي يتجلى ما ذكرته لكم من أن بعض الخلافات لفظية في الحقيقة فلو أنك طالعت كتب علم الكلام التي يقرؤها أهل السنة ويعلمونها لوجدت أن العقل مقدم على كل شيء وهو الطريق إلى معرفة الله تعالى والإيمان به عندهم وسوف تجد أنهم يستدلون على وجوب الإيمان بالله تعالى عن طريق العقل (لا عن طريق النقل) بقوله تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله) والعلم في تعريف المناطقة هو النظر عن دليل وهو إجالة الفكر في المعقولات والمعلومات طلبا للنتائج. بل أصل مذهب أهل السنة هو عدم صحة الإيمان بالنقل بل لابد من العقل وما قولهم بأنه يصح إيمان المقلد إلا مراعاة (على استحياء) لعوام المسلمين ورحمة بهم من أن ينسبوا إلى الكفر والخلود في النار.

وكذلك ياأخي عندما نقول عبارة (تقديم النقل على العقل) فهل هذا يعني أن الزيدية مثلا يهملون النقل ؟ ولا يقولون به ؟ قطعا لا . ولكنهم لا يقولون بالنقل إذا خالف صريح العقل ولم يكن هناك مخرج من المصادمة . وقوة المصادمة بين العقل والنقل الذي يخالفه هي التي تملي متى يحكم المجتهد بأن هناك تصادما وتحدد متى يجب الانتقال من الأخذ بحكم النقل إلى الأخذ بحكم العقل. والأمر نفسه عند أهل السنة والمؤدى في النهاية واحد فأهل السنة لا يقولون بترك حكم العقل إذا خالف النقل بصراحة بل هذا وغيره من الأسباب هو الذي أدى إلى نشوء علم العلل عندهم . فالحديث المعلل عندهم قد يكون صحيح السندأبيض ناصعا ولكنهم أحيانا يحكمون بلزوم تركه والمصير إلى سواه نتيجة علة في المتن لمخالفته العقل أو التاريخ أو مصادمته حديثا آخر ومن هنا قالوا في تعريف الصحيح (كما في البيقونية) :
أولها الصحيح وهو ما اتصل **** إسناده ولم يشذ أو يعل
يرويه عدل ضابط عن مثله **** معتمد في ضبطه ونقله
فالصحيح هو المتصل الإسناد المروي بنقل العدل الضابط من أول السند إلى آخره بشرط ألا يكون فيه شذوذ ولا علة فالحديث الصحيح السند بنقل العدل الضابط قد يكون شاذا يخالف الراوي العدل به من هو أوثق منه فيسقط الاستدلال به (رغم كونه صحيح الإسناد) فبعد إسقاطه بالشذوذ لا يسمى صحيحا . أو معللا فينظر في مخرج أو تأويل قريب يشفيه من علته ويداوي جرحه وإلا فإنهم يسقطونه أيضا بالعلة وقد حرصوا على أن تكون هذه العلة الخفية قادحة فكم من علة لا تصلح للقدح . وما كل هذه الإسقاطات إلا مراعاة للعقل وسلطانه وحتى الإسقاط بالشذوذ هو منهج عقلي أيضا إذا أعملت النظر فيه . نعم لم يتساهل أهل السنة في رد الصحاح بمجرد الظنة بل عملوا على إيجاد تأويلات وتخريجات لها ما أمكن حتى لا يتم إسقاط الحديث بسهولة وإلا سهل التلاعب بالنقل لكل من قرأ من العلم كلمتين أو ثلاثة . هذا أصل مذهبهم ومشى علي الكثير منهم . ولك أن تقول أن كثيرا منهم أيضا وبالذات من الشاميين من كان يستميت في إيجاد المخارج لكل علة قادحة حتى أدى الأمر إلى أن يقول مثل الإمام الحافظ السيوطي في كلامه على البخاري ومسلم (والعزو إليهما مشعر بالصحة) ولعمري في هذا بعض المبالغة ففيهما غير الصحيح قطعا بحكم أهل السنة أنفسهم . وهذا ما أردت قوله حين ألمحت إلى أن أصل مذهبهم مبني على قواعد متينة من ناحية عدم إهمال حكم العقل ولكن حينماتلعب بها ألسنة العلماء الممالئين للحكام فهذا لا يعني أن كل علماء أهل السنة موافقون على هذا التلاعب ولا يعني أن هذه أصول قواعد أهل السنة .

أخي الكريم أعذرني على الإطالة في بسط هذه المسألة ولكن أردت أن أقول أن عند أهل السنة مراكز ومكامن في أصل مدرستهم يمكن البناء عليها لإيجاد مساحة عريضة من التوافق يمكن من خلالها إطلاق أسس جديدة للتفاهم والتقارب بينهم وبين السادة الزيدية مثلا وبينهم وبين الإمامية وبينهم وبين الإباضية (على مضض). ولكن إن آمنا أن التقارب أمر يلزم الكل المسير إليه فسوف نستطيع أن ننظر إلى كثير من هذه النقاط المتوافقة والمتسعة وننطلق منها بفكر منفتح ومستنير لنزيد من هذا التقارب وليس التقارب هدفا في حد ذاته ولكن التقارب يسمح بلا ريب بوقت للتفكر والطمأنينة إلى نوايا الطرف الآخر ويفسح المجال لمساحة في المجلس لمزيد من العقول الرصينة والنفوس المخلصة الهادئة لكي تعرض ماعندها . وإذا أردنا أن نوجد كثيرا من نقاط الخلاف فبإمكاني أن أسرد لك الآن الآلاف منها . القضية كلها تعتمد على ماذا نريد أن نفعل وأين نريد أن نصل . وأصر على أنه عند التحقيق فهناك كثير من الخلافات تخرج لفظية أو نتيجة خطأ في التصور يمكن إيضاحه ولا أقول أنها كلها كذلك بل هناك خلافات واضحة المعالم بينة التنافر فليتمسك بها كل طرف ريثما ينتهي الكل من الاتفاق على ما كان لفظيا في حقيقته على الأقل .

أتفق معكم يا حبيبنا في أكثر ما ذكرتموه من نقاط أخرى وأرى الحق أيضا فيما ترونه وفيما ذكرتموه وخصوصا في مسائل تعديل كافة الصحابة وموالاة والأخذ عن النواصب فهذه من مصائب أهل السنة حقا وفيها أشياء تقشعر لها أبدان المؤمنين. ولكن بعض أهل السنة أنفسهم بدأ بالعدول عنها (وهم قلة) ولكن ليس أدل على أصل مذهب أهل السنة من ذلك وهم مثل الحبيب السيد أبوبكر بن شهاب الدين العلوي والحبيب السيد محمد بن عقيل وأكثر السادة الغماريين السيد الإمام الحافظ المتفنن أحمد بن الصديق الغماري وأخويه السيد عبدالله والسيد عبدالعزيز والسيد الحبيب حامد بن علوي بن طاهر الحداد ووالده السيد الحافظ الحبيب علوي بن طاهر الحداد والشيخ العلامة النجيب الأستاذ المحقق الفاضل حسن بن فرحان المالكي وكثير مثلهم . فهؤلاء يحتجون في مخالفاتهم بأصل مذهب أهل السنة وكلهم يبنون على ذلك الأصل ويبينون أن أصل المذهب هو ما يقولون به وهذا ماقصدته يا سيدي حين ذكرت (أصل) مذهب أهل السنة.

وما ذكرتموه من أن أهل السنة يشيهون المخلوق بالخالق فلا أتفق معكم فيه إلا إن كنتم تشيرون إلى المشبهة قديما كابن الإمام أحمد بن حنبل ومن لف لفيفه أو الوهابية اليوم فنعم . أما الأشاعرة مثلا فلا أرى عندهم تشبيها للخالق بالمخلوق بل هم بعيدون عن ذلك . وإن كنت تلمح إلى مسألة القول بخلق القرآن من عدمه فالذي أراه أن الخلاف فيها لفظي كما أسلفت.

وأما يا سيدي كتب الملل والنحل فصدقني أن أكثر أهل السنة يعلم أنها ينقصها من التحقيق أكثر مما فيها منه ولا زالوا يشيرون إلى ذلك في كل وقت وعصر وأصل مذهب أهل السنة لا يستقي منها شيئا بل حتى فقههم اليوم وأصول عقيدتهم ليس لها بهذه الكتب أي علاقة . هي أقرب إلى كتب القصص منها إلى كتب العلم و التحقيق.

قولكم أنهم يقولون بالجبر فهذا غير صحيح . أهل السنة لا يقولون بالجبر بل يسمون من يقول به (الجبرية) وهم غير أهل السنة. وكونكم تعلمون أن من قال بذلك معاوية فليس معناه أن كل أهل السنة كانوا يقرونه على ذلك . إن أكثر أهل السنة يعلمون أن كل من مشى وراء معاوية في ترهاته وشذوذاته ومنكراته ومبتدعاته في الدين وبيعه آخرته بدنياه وحله أهم عرى الإسلام وجرأته على من بوأه الله تعالى قمة الفضل بعد رسول الله لم يكن من أهل السنة (عقيدة) ولو مشى معهم في غيهم فقد كان يعلم في قرارة نفسه أنه على غير الحق وأنه إنما يشري دنياه ودنياغيره ويدفع من آخرته ويعلم أنه لم يكن من الطائفة الذين كانوا على الحق والصواب وكل أو أكثر من مشى وراءه كان محل انتقاد الكثيرين من أهل السنة. هل تظن يا أخي أن تلك الفئة عندما قرأت حديث رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام في البخاري ((ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)) أكنت تظن أنهم لا يعلمون الحق في قرارة أنفسهم ؟؟ بل يعلمون وأكثر من مشى وراءهم إنما فتنته الدنيا وجرفه تيار الفتنة وكثير منهم صرح بذلك وأكمل طريقه على الباطل وكثير منهم صرح بذلك وندم ورجع وقتها وبعضهم بعد حين وبعضهم قبل أن يموت.

فنخرج أن شاء الله تعالى متفقين أكثر من جولة الحوار الأولى كما هو واضح يا أخي.

أسأل الله أن ييسر لهذه الأمة أمر رشد يجمعها عليه وأسأله أن يلهمها سلوك سبيل الحق والتمسك بسفينة النجاة ومنهج آل بيت المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام.

حسن عزي

ناصر الهمداني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 418
اشترك في: الخميس يناير 12, 2006 10:21 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة ناصر الهمداني »

د. مصطفي محمود كاتب ومفكر مصري




الردود الغاضبة والعاتبة





الردود الغاضبة والعاتبة على موضوع الشفاعة بالمئات.. وأنا لم أفهم سبباً واحداً لهذا الغضب فالله بكرمه وحلمه فتح لنا باب التوبة لنتوب عن ذنوبنا ونتطهر من أوزارنا وجعل هذه التوبة ممدودة إلى النفس الأخير فلا يغلق بابها إلا ساعة الحشرجة. ومن عجب أن الله جعل هذه التوبة تجب كل الذنوب حتى كبيرها بل حتى الشنيع منها واقرأوا معي سورة البروج وحديث رب العالمين عن الجبارين الذين أحرقوا المؤمنين وهم قعود على النار الموقدة.. يقول ربنا في قرآنه: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات الأرض والله على كل شييء شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق. والمعنى واضح أن هؤلاء الجبابرة لن يعاقب منهم علي تلك الشناعات التي ارتكبوها إلا الذين لم يتوبوا.. وأن الله بحلمه وكرمه جعل توبة هؤلاء المجرمين مقبولة.. حتى هذا الصنف من عتاة المجرمين يقبل ربنا توبته.. ولم يشترط ربنا لقبول هذه التوبة وساطة.. وإنما سوف يقبلها قابل التوب غافر الذنوب بجوده وكرمه.. وقال في محكم كتابه.. قل لله الشفاعة جميعاً ماذا يراد من رب الجود والكرم أكثر من هذا. وهل يريد الغاضبون والعاتبون أن يفعلوا ما يشاؤون من الذنوب والخطايا ويسترسلوا في ذنوبهم وآثامهم وشرورهم إلى آخر العمر ثم يموتوا دون توبة ويلفظوا أنفاسهم دون ندم ثم يريدون ساعة البعث أن يستقدموا رسولهم ليشفع لهم.. فإذا قلنا لهم ضيعتم فرصتكم الوحيدة في التوبة في حياتكم.. ضجوا واحتجوا ورمونا بالجهل وجاؤوا بعشرات الأحاديث لعشرات من ا لرواه يقولون هذا وذاك من عجيب القول. ولا سلطان عندنا في مثل هذه الأمور الغيبية إلا لكلمة القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي تولى ربنا حفظه بنفسه وقال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. هل أخطأنا؟!! أم المخطئون هم.. وقد كانت أمامهم الفرصة في حياتهم ليتوبوا فلم يتوبوا وفتح الله لهم باب التوبة إلى ساعة الحشرجة فلم يعبأوا ومضوا في غيهم يعمهون. إني لا أرى مكاناً لاختلاف ولا موضوعاً لاشتباك.. وإنما كل منا يعمل بإيمانه وكل فريق يعمل على شاكلته فالموضوع لا يصلح فيه الجدل فهو موضوع غيبي يتناول الآخرة.. والآخرة لله وحده يفعل فيها ما يريد فهي شأنه.. وعلينا أن نسمع ونؤمن.. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.. هو وحده صاحب الكلمة في ذلك اليوم.. لم يتخذ له وكلاء ولا مساعدين. وربنا تبارك وتعالى هو مالك يوم الدين كما نقرأ في فاتحة الكتاب في كل صلاة. أما هواة الجدل فعلى رسلهم.. فهم سيتكلمون إلى آخر الدهر دون جدوى وكان الإنسان أكثر شييء جدلاً.. ولسنا أقل منهم إجلالاً وإكباراً لمقام سيدنا رسول الله فهو في أعيننا ولكن الله وضع الحدود لكل شييء في قرآنه.. ونعود فنسأل ولماذا لم يتب هذا المذنب وكانت فرصة التوبة ممتدة أمامه طوال عمره وأي عدالة الآن في أن يستقدم رسوله ليجد له مخرجاً من إثمه وكان المخرج أمامه طوال الوقت.. وهل مثل هذا التدخل يليق بمقام رسولنا العظيم وهو أول من يعلم بمقام الهيبة الإلهية.. وبعظمة الجناب الإلهي.. هيهات.. إنما هي شعرة يتمسك بأهدابها المذنبون والمجرمون وأحلام يتعلق بها كل من قعدت به همته عن الطاعة. ونحن لا نريد عذاباً لأحد.. ونحن مثل غيرنا أهل ذنوب ونلتمس المخرج من أهوال هذا اليوم.. ولكن القرآن لا يفتح لنا باباً إلا ويسده.. فهو يقول: ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له 23- سبأ وهو كلام عن الملائكة.. ولكن ماذا يقول القرآن بعد ذلك.. حتى إذا فزع عن قلوبهم لهول الموقف قالوا أي قال الملائكة ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير.. إذن لا معدى في هذا اليوم يوم الفزع الأكبر عن الحق.. ولا إذن إلا بالحق وفي مكان آخر يقول عن الملائكة: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى 28- الأنبياء وبذلك عاد فأغلق الباب وجعله مقصوراً على أهل الرضا أي المرضي عنهم.. وهو تحصيل حاصل.. فالمرضي عنهم ناجون بحكم ما فعلوا في حياتهم من خير.. والحسنات كما يقول القرآن يذهبن السيئات.. وما زلنا ندور في حلقة مفرغة تبدأ من الحق وتنتهي إلى الحق.. ولا معدي في هذا اليوم عن الحق.. والشفاعة المأذون أصحابها هي شفاعة مشروطة.. والله سوف يحكم بها أو بدونها بنجاة أصحابها لأن حسناتهم غلبت على سيئاتهم.. وحظ الملائكة فيها هي تشريفهم.. وحظ كل من يقوم بهذه الشفاعة هي تشريفه فهو الذي سيقوم بالتهنئة ويضع النيشان على صدر صاحب النصيب.. ولكن هذا النصيب هو لا شك واصل لصاحبه لأنه حقه.. وهذا يوم الحق الذي لا يتم فيه شييء إلا بالحق. وأنا أعجب من الرافضين والمستنكرين فأنا مثلهم من أهل الذنوب ومحتاج لقشة أتعلق بها في هذا اليوم الذي تشيب من هوله الولدان ولكني لا أستطيع أن أخدع نفسي، لا أستطيع أن أحرف معاني الآيات القرآنية لأخرج منها بما يرتاح له قلبي ويشفي فزعي فإن الحق أحق بأن يقال وأولى بأن يتبع وإن كان لا يصادف الهوى. وعلينا أن نواجه هذه الحقيقة المؤلمة.. يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا تنفعها خلة ولا شفاعة.. الله يربط هذا القانون باسمه الإلهي في سورة السجدة فيقول: الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون. ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع.. والنفي هنا قطعي لأي نوع من ولي أو شفيع. هذا القطع الذي يرتجف له القلب فزعاً وهولاً.. والذي لا نملك له إلا السجود مبتهلين أن يفتح لنا الله بكرمه وفضله باباً للتوبة.. ماذا نملك أمامه؟!! سوى الاستغفار وطلب العفو والصفح والعزم على التطهير من كل إثم وعلى عدم العود إلى المخالفة أبداً.وهل خرج قادة الإسلام الأوائل وأبطاله إلا من هذه المشكاة.. مشكاة القرآن وما كان على أيامهم كتب سيرة ولا رواة سيرة ولكنهم كانوا يشهدون السيرة بأعينهم من معينها الحي من النبي نفسه الذي كان يخرج معهم في غزواتهم.. وكان كل واحد فيهم نموذجاً ومثالاً.. وكان كل واحد فيهم أمة في رجل. والآن وقد تراخى بنا الزمن وأصبحنا نقرأ عن وعن وعن إلى آخر العنعنات التي لا يعلم بها إلا الله.. واختلف أهل هذه العنعنات.. والقرآن بين أيدينا لا اختلاف فيه وآياته المحكمة كالسيف تقطعنا عن أي شك. وما أحب أن يقول رسولنا لربه يوم القيامة.. يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.. وما أحب أن نهجر المشكاة ونبع القوة التي خرج منها أوائل هذه الأمة فنقطع عن أنفسنا الإلهام والمدد.. والتاريخ يهتف بنا طول الوقت.. إن عدتم عدنا. إن عدتم إلى إيمانكم عدنا إلى نصرتكم. فهلا جمعنا العزم علي أن نعود. وهلا جمعنا العزم علي أن نرجع إلى دستورنا وقرآننا ونتعاهد معاً على أن نتمسك به إلى آخر يوم في حياتنا. وأضعف الإيمان أن نتدبر آيات القرآن الكريم ولا نغلق باب الاجتهاد في فهمها أبداً فكل كتاب يؤخذ منه ويرد إلا هذا الكتاب فهو خزينة العلم كله وما أضر بالإسلام والمسلمين إلا إغلاقهم لباب الاجتهاد في دينهم وتحويلهم لمرويات السيرة إلى مسلمات ومقدسات ومحظورات لا تمس ولا تناقش كأنها مومياوات محنطة. وما حفزني على الكتابة في موضوع الشفاعة إلا حديث رسولنا العظيم الذي قال فيه.. من يترك العمل ويتكل على الشفاعة يورد نفسه المهالك ويحرم من رحمةالله.. كان خوفي من هذه الاتكالية هو حافزي الأول والأخير. وما كتبت ما كتبت إلا اجتهاداً ولا أدعي العصمة والله وحده أعلم بالصواب فإن أصبت فبهديه وإن أخطأت فمن نفسي.. هو وحده سبحانه أهل التقوى وأهل المغفرة. ومن أفضل الردود التي جاءتني هو هذا الرد القيم من الدكتور عبدالعظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر وهو يهدينا إلى مخرج مأمون من هذه القضية الخلافية الشائكة في موضوع الشفاعة.. ويؤمن الدكتور المطعني أن الشفاعة حقيقة قرآنية ثابتة لا شك فيها ولكنها مشروطة وليست مطلقة بدون ضوابط.. فهي لا تجوز لكافر ولا لمشرك.. فلا يصح لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يشفع في أبي جهل ولا موسى أن يشفع في السامري والآيات التي قالت عن بعض أهل النار. وما هم بخارجين من النار البقرة- 65-67.. تتحدث عن كفرة لا تنفعهم شفاعة.. فهي لا تنفي الشفاعة وإنما تؤكد على شروطها. وأول شروط الشفاعة.. الإذن الإلهي. ما من شفيع إلا من بعد إذنه (3- يونس). من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه البقرة- 355. يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا طه- 109. ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن سبأ- 23. والإذن يكون للشافع وللمشفوع فيه ولموضوع الشفاعة. وبهذا لا يعود هناك تناقض بين شفاعة الشفعاء وبين المشيئة الإلهية ويتأكد أكثر معنى الآية ولله الشفاعة جميعاً فلن توجد إرادة في العفو سابقة على إرادته. وأيضاً تنتفي عن هذه الشفاعة صفة الوساطات والتزكيات التي نعرفها في الدنيا في أنها لن تتخطى الحق ولن تتجاوز العدل لأنها لن تصدر إلا بإذن من الحكيم العليم بالسر وأخفى.. لا ملائكة ولا رسل ولا شهداء ولا صديقين.. وإنما إرادة الله وحده.. فهو إذا أذن بها كنت وإن لم يأذن بها لم تكن.. فهو وحده مالك أمور الشفاعة كلها.. وهو ليس في حاجة إلى مساعدين فهو خالق كل شيء من عدم وحده.. وإنما أراد بالشفاعة أن تكون تشريفاً للشافع ورحمة للمشفوع فيه.. وأولى الناس بهذا الشرف هو النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام لا جدال. أما الأحاديث النبوية ومرويات السيرة فلا ينكر الدكتور المطعني أن فيها الحديث الضعيف وفيها الدخيل والعليل والمكذوب وكل هذا مصنف ومعروض ومدروس ويخضع للنقد في كتب الحديث والسنة ولا يدعونا في مجمله إلا الاكتفاء بالقرآن باعتباره الأكثر مصداقية والمحفوظ من الله فالله يقول في قرآنه: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم النحل- 44. وتبيين الرسول هو أقواله وأفعاله وأخلاقه وسلوكه.. ورفض السنة يفتح الباب لفتن لا آخر لها.. ويهدم أصل الدين كله.. فهل عرفنا الصلاة وإقامتها والزكاة ومصارفها والحج وشعائره إلا من السنة.. ولو اكتفينا بالقرآن لما عرفنا شيئاً من هذا. والدكتور المطعني له حق في مخاوفه.. وهو كعادته يقدم فهماً مقبولاً وحلاً للإشكالات التي تعترض قارىء القرآن حينما يرى الآيات القرآنية تنفي الشفاعة في مكان وتثبتها في مكان آخر.. فالشفاعة لا تأتي في القرآن مطلقة بل تأتي مقيدة بالإذن ولها ضوابط وشروط.. فإذا لم تتوفر الشروط ولا الضوابط فلا إذن.. والله وحده مصدر الإذن.. وهنا سر الإشكال. والقرآن ككل مضافاً إليه السنة ككل ضروريات معاً لفهم الدين.. ولفهم هذه القضية بالذات.. وأضيف للإشكالية جانباً آخر.. هو أن موضوع الشفاعة غيبي. ومكانها وزمانها يوم القيامة.. ولا أحد يستطيع أن يدعي الإحاطة بما سيجري في هذا اليوم.. ولا نملك بعد استعراض القرآن والسنة إلا الاجتهاد في الفهم.. واحتمال الخطأ وارد.. والاختلاف على المقام المحمود يحسمه القرآن فقد قال القرآن أننا أمة وسطاً وأننا شهداء على الناس وأن الرسول شهيداً علينا وأنه هو الرسول الخاتم وأن الكتاب الذي جاء به مهيمناً على كل الكتب . ومن الطبيعي أن يكون صاحب كل هذا هو المأذون في الشفاعة وأن هذا هو مقامه الرفيع والمحمود.وهذا لا يتناقض مع الآية المحكمة.. ولله الشفاعة جميعاً.. لأن الله فوق الكل وصاحب الإذن.. وبدونه ما كانت لتكون هناك شفاعة على الإطلاق.. والخوض في الموضوع يورد المهالك. وقد اتسعت صدور القراء للكثير في موضوع علمنا فيه قليل.. وتبادل الاتهامات والتراشق بالجدل سوف يسلمنا إلى جهالات نحن في غنى عنها. ولهذا نكتفي بما قلناه ونختم الموضوع مؤثرين الإيمان على الجدل والتفويض على تبادل التهم.. فبحور العلم بلا شاطىء وأعماقها بلا أغوار والله وحده هو الهادي ونسأله

http://www.egyptsons.com/misr/showthread.php?t=631
صورة
من أجبر على تنفيذ الأوامر كان عبداً لمن أمره...
من رضي بغير الواقع كان عرضةً لحدوث الوقائع...
من سجــــد لله فليعلم أن ما ســواه التــــــراب.......

ناصر الهمداني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 418
اشترك في: الخميس يناير 12, 2006 10:21 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة ناصر الهمداني »

د. مصطفي محمود كاتب ومفكر مصري




وما هم بخارجين من النار


القرآن ينفي إمكانية خروج من يدخل النار في الكثير والعديد من آياته. يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم المائدة- 37 . ويقول أهل النار في سورة المؤمنون: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسأوا فيها ولا تكلمون (المؤمنون 107-108 . ويقول في سورة البقرة كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار البقرة- 167 . ويقول الله لمحمد عليه الصلاة والسلام في سورة الزمر: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار والكلام لرسول الله مباشرة في استفهام استنكاري الزمر- 19 والله ينكر على رسوله أن يقول مثل هذا الكلام. وهذه الثوابت القرآنية تتناقض تماماً مع مرويات الأحاديث النبوية في كتب السيرة عن إخراجه لمن يشاء من أمته من النار مما يؤكد أن هذه الأحاديث موضوعة ولا أساس لها من الصحة ولا يمكن أن تكون قد صدرت عن النبي. بل إن درجات النار وأقسامها قد تحددت سلفاً في القرآن ومواقع المجرمين قد عُلمت. وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم الحجر- 43-44 فكل مجرم قد تحددت مكانته من قبل في النار، واختصت به واختص بها.. وهذا يؤكد أن كل ما ذكر عن إخراج الرسول عليه الصلاة والسلام بشفاعته للبعض من النار وإدخالهم الجنة يناقض صريح القرآن ولا يمكن أن يكون له أساس من الصحة. وشفاعة الملائكة للبعض في القرآن لا تأتي أبداً سابقة للحكم الإلهي بالعفو بل تأتي بعده لا يشفعون إلا لمن ارتضى فالحكم الإلهي بالعفو يأتي أولاً وتكون شفاعة الملائكة أشبه بالبشارة.. حينما تعلم الملائكة أن الله قد ارتضى تبرئة فلان فإنها تبشره فالمقام الإلهي مقام جليل مرهوب.. وفي الحضرة الإلهية لا يملك أحد أن يسبق الله بكلمة أو رأي لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون 27- الأنبياء . وفي سورة النبأ الآية 38 يقول القرآن عن الملائكة: .... لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا . وكم من ملك في السماوات والأرض لا تغنى شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى. ومعنى ذلك أن شفاعة الملائكة لا تأتي إلا بعد الإذن وبعد العلم بأن الله قد عفا عن فلان.. فهي بشارة وليست شفاعة وهي أقرب إلى التهنئة بالنجاة. والقانون العام في ذلك اليوم.. يوم الدين.. يوم تدان الأنفس بما عملت.. أنه لا شفاعة تجدي ولا شفاعة تُقبل.. لأنه لا أحد يملك هذه الشفاعة.. فلله الشفاعة جميعاً.. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.. لا أحد غيره.. ولا كلمة إلى جوار كلمته. يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله. لا تملك أي نفس لأي نفس.. مهما علا مقام هذه النفس التي تشفع ومهما بلغت درجتها.. لا تملك من أمر الله شيئاً. ويلخص القرآن قانون هذا اليوم الرهيب في كلمات قليلة: قل لله الشفاعة جميعاً. فجمعية الأمر والنهي في يده وحده.. هو وحده الملجأ والملاذ وجمعية الشفاعة بأسرها في يده فهو وحده صاحب العلم المحيط وهو وحده أرحم الراحمين ولا يستطيع مخلوق أن يدعي أنه أكثر رحمة بعباد الله من الله أو أعلم بهم منه.. فهو وحده عالم الغيب والشهادة.. وهو وحده الذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيط أي منهم بعلمه إلا بما شاء.. وهو وحده الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا. والجزاء في هذا اليوم على قدر العمل والعفو والصفح حق لله تعالى وحده فلله الشفاعة جميعاً لا يشاركه في هذا الحق مخلوق. وإذا كان الهدف من شفاعة الشفعاء هو إضافة معلومة عن عذر المذنب وظروفه فالله تعالى أعلم بظروفه من أي مخلوق.. يقول القرآن: إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم .. (فمن منكم عنده مثل هذا العلم الإحاطي) لينافس رب العالمين في هذا المقام.. لا أحد قطعاً.. والله وحده هو الجدير به.. ولهذا تخلص الشفاعة له وحده في جمعية تنفي تدخل أحد.. ولا يملك الكل إلا أن ينتظر ما تنطق به المشيئة. وتبقى بعض حالات مفوض أمر أصحابها في الآخرة إلى الله عز وجل وحده مثل ما جاء في هذه الآيات. وأخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم. وآخرون مُرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم. ومنهم المستضعفون في الأرض يقال لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفورا . فهو وحده الذي يتكرم بهذه التوبة.. وهذا معنى الآية فلله الشفاعة جميعا . ويبقى السؤال عن المقام المحمود ما هو؟ ومن يكون الموعود به في القرآن.. ومن كان المخاطب بهذه الآيات من سورة الإسراء. وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا.. أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا.. ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا . والمخاطب هو محمد عليه الصلاة والسلام وحده لا سواه بلا شك. والمقام هو مقام البشارة العظمى والله أعلم وليس مقام الشفاعة العظمى كما يذكر المفسرون وذلك لأن جمعية الشفاعة كلها لله وحده كما ذكر القرآن وكرر في محكم آياته وأنه لا أحد أعلم بخلقه منه ولا أرحم بهم منه.. فهو أرحم الراحمين وليس لله منافس في هذا ولا يجوز أن يكون له منافس في هذا المقام.. والأقرب أن يكون هذا المقام المحمدي هو مقام البشير الأعظم .. ويؤكد ذلك القرآن مكرراً في آياته أنه هو الذي أرسل رسوله للعالمين نذيراً وبشيراً.. وبحكم القرب من الله سيكون أول من يعلم بالعفو عن السعداء من أمته وسيكون أول من يبشرهم بالجنة والرضوان.. أقول ذلك اجتهاداً والله أعلم فالموضوع غيب.. ويوم الدين بأهواله.. وبما سيجري فيه هو غيب الغيب ولا يملك قارىء القرآن إلا أن يحاول الفهم دون المساس بالثوابت القرآنية.. وخصوصية المقام المحمدي من الثوابت التي لا شك فيها.. كما أن خصوصية الشفاعة لله وحده وأن جمعية الشفاعة ينفرد بها الله وحده هي ثابت مطلق آخر من ثوابت القرآن لا مرية فيه. وعلينا أن نفهم الشفاعة في هذه الحدود. والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي تولى رب العالمين حفظه بنفسه من أي تحريف وقال في كتابه المحكم.. إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.. ولم يقل لنا رب العالمين أنه حفظ كتاب البخاري أو غيره من كتب السيرة.. وما يقوله البخاري مناقضاً للقرآن لا يلزمنا في شيء.. ويُسأل عنه البخاري يوم الحساب ولا نسأل نحن فيه. ولم يكن البخاري رضي الله عنه وأرضاه هو الوحيد الذي خاض في موضوع السيرة النبوية ولكن كتاب السيرة كثيرون وقد تناقضوا واختلفوا بين بعضهم البعض.. وامتلأت كتب السيرة بالموضوع والمدسوس من الأحاديث والعجيب والمنكر من الإسرائيليات. وقرأنا في أكثر من كتاب من كتب السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي. وهو كذب وافتراء لا يعقل فقد مات سيدنا رسول الله والغنائم وخيرات البلاد المفتوحة تجبى من كل مكان وللرسول ولفقراء المسلمين نصيب فيها وله الخمس بحكم القرآن. والقرآن يقول لرسوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى. الله يقول بأنه أغنى رسوله.. فما حكاية هذه الدرع المرهونة عند يهودي إلا أن تكون إسرائيليات مدسوسة.. وغيرها الكثير.. فلا أقل من أن نحتكم إلى العمدة في أمور ديننا حتى لا تنفرط وحدتنا وحتى لا نتفرق بدداً. والعمدة المعتمد في جميع أمور الملة هو القرآن المجيد نتمسك به ونحتكم إليه في كل صغيرة وكبيرة.. وما تناقض في كتب السيرة مع القرآن لا نأخذ به فالذين كتبوا السيرة بشر مثلنا يخطئون ويصيبون.. أما القرآن فهو الكتاب المحفوظ من رب العالمين وهو الكتاب الوحيد الموثق بين كل ما تبقى من كتب مقدسة بين أيدينا وهو المهيمن عليها جميعها بلا استثناء. ألم يقل ربنا تبارك وتعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام في سورة آل عمران الآية 128 ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . فكيف نقلب الأمر ونجعل من النبي صاحب الأمر يوم القيامة والمنفرد بالشفاعة من دون الله.. وهو الذي قال له معاتباً.. ليس لك من الأمر شيء.. وحينما جاء البلاغ للنبي في سورة الشعراء: وأنذر عشيرتك الأقربين الشعراء- 214 . ألم يبادر النبي فينادي على أهل بيته يا خديجة إني لن أغني عنك من الله شيئا يا عائشة إني لن أغني عنك من الله يا فلان يا فلان.. ولم يدع أحداً من أهل بيته إلا أبلغه. وهذا كلام السيرة وكلام كتاب السيرة أنفسهم أن النبي قد أخلى مسؤوليته وتبرأ من الوساطة لأحد حتى لأعز الناس.. حتى لابنته الغالية ومهجة قلبه فاطمة.. فكيف انقلبوا على أنفسهم وكيف نكسوا على رؤوسهم وجعلوا بعد ذلك من النبي وسيطا يتشفع عند الله ليخرج من النار بعض من دخلها من أمته.. فيخرجهم ربنا من النار وقد امتحشوا من أثر جهنم أي تفحموا. وكيف يقبل هذا الكلام ويوضع في كفة واحدة مع كلام الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكيف نقلب موازين العدالة في ذلك اليوم الذي تشيب لهوله الولدان ونحولها إلى وساطات وشفاعات وتزكيات ونجعل من أنفسنا صفوة الأمم وخيرها على الإطلاق. ولقد قال ربنا.. كنتم خير أمة أخرجت للناس.. كنتم فعل ماض.. فجعلنا هذه الخيرية صفة مطلقة ثم جعلنا من أنفسنا المالكين ليوم الدين.. فجعلنا الله أذل الأمم وأضعفها وأضيعها وأفقرها وأقلها شأناً. ونرجو أن نبدل من أحوالنا ليبدل الله من أقدارنا وأن نتوب عن ذنوبنا ليتوب علينا.. إنه سبحانه نعم التواب. ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
صورة
من أجبر على تنفيذ الأوامر كان عبداً لمن أمره...
من رضي بغير الواقع كان عرضةً لحدوث الوقائع...
من سجــــد لله فليعلم أن ما ســواه التــــــراب.......

ناصر الهمداني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 418
اشترك في: الخميس يناير 12, 2006 10:21 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة ناصر الهمداني »

د. مصطفي محمود كاتب ومفكر مصري




وما هم بخارجين من النار


القرآن ينفي إمكانية خروج من يدخل النار في الكثير والعديد من آياته. يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم المائدة- 37 . ويقول أهل النار في سورة المؤمنون: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسأوا فيها ولا تكلمون (المؤمنون 107-108 . ويقول في سورة البقرة كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار البقرة- 167 . ويقول الله لمحمد عليه الصلاة والسلام في سورة الزمر: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار والكلام لرسول الله مباشرة في استفهام استنكاري الزمر- 19 والله ينكر على رسوله أن يقول مثل هذا الكلام. وهذه الثوابت القرآنية تتناقض تماماً مع مرويات الأحاديث النبوية في كتب السيرة عن إخراجه لمن يشاء من أمته من النار مما يؤكد أن هذه الأحاديث موضوعة ولا أساس لها من الصحة ولا يمكن أن تكون قد صدرت عن النبي. بل إن درجات النار وأقسامها قد تحددت سلفاً في القرآن ومواقع المجرمين قد عُلمت. وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم الحجر- 43-44 فكل مجرم قد تحددت مكانته من قبل في النار، واختصت به واختص بها.. وهذا يؤكد أن كل ما ذكر عن إخراج الرسول عليه الصلاة والسلام بشفاعته للبعض من النار وإدخالهم الجنة يناقض صريح القرآن ولا يمكن أن يكون له أساس من الصحة. وشفاعة الملائكة للبعض في القرآن لا تأتي أبداً سابقة للحكم الإلهي بالعفو بل تأتي بعده لا يشفعون إلا لمن ارتضى فالحكم الإلهي بالعفو يأتي أولاً وتكون شفاعة الملائكة أشبه بالبشارة.. حينما تعلم الملائكة أن الله قد ارتضى تبرئة فلان فإنها تبشره فالمقام الإلهي مقام جليل مرهوب.. وفي الحضرة الإلهية لا يملك أحد أن يسبق الله بكلمة أو رأي لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون 27- الأنبياء . وفي سورة النبأ الآية 38 يقول القرآن عن الملائكة: .... لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا . وكم من ملك في السماوات والأرض لا تغنى شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى. ومعنى ذلك أن شفاعة الملائكة لا تأتي إلا بعد الإذن وبعد العلم بأن الله قد عفا عن فلان.. فهي بشارة وليست شفاعة وهي أقرب إلى التهنئة بالنجاة. والقانون العام في ذلك اليوم.. يوم الدين.. يوم تدان الأنفس بما عملت.. أنه لا شفاعة تجدي ولا شفاعة تُقبل.. لأنه لا أحد يملك هذه الشفاعة.. فلله الشفاعة جميعاً.. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.. لا أحد غيره.. ولا كلمة إلى جوار كلمته. يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله. لا تملك أي نفس لأي نفس.. مهما علا مقام هذه النفس التي تشفع ومهما بلغت درجتها.. لا تملك من أمر الله شيئاً. ويلخص القرآن قانون هذا اليوم الرهيب في كلمات قليلة: قل لله الشفاعة جميعاً. فجمعية الأمر والنهي في يده وحده.. هو وحده الملجأ والملاذ وجمعية الشفاعة بأسرها في يده فهو وحده صاحب العلم المحيط وهو وحده أرحم الراحمين ولا يستطيع مخلوق أن يدعي أنه أكثر رحمة بعباد الله من الله أو أعلم بهم منه.. فهو وحده عالم الغيب والشهادة.. وهو وحده الذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيط أي منهم بعلمه إلا بما شاء.. وهو وحده الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا. والجزاء في هذا اليوم على قدر العمل والعفو والصفح حق لله تعالى وحده فلله الشفاعة جميعاً لا يشاركه في هذا الحق مخلوق. وإذا كان الهدف من شفاعة الشفعاء هو إضافة معلومة عن عذر المذنب وظروفه فالله تعالى أعلم بظروفه من أي مخلوق.. يقول القرآن: إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم .. (فمن منكم عنده مثل هذا العلم الإحاطي) لينافس رب العالمين في هذا المقام.. لا أحد قطعاً.. والله وحده هو الجدير به.. ولهذا تخلص الشفاعة له وحده في جمعية تنفي تدخل أحد.. ولا يملك الكل إلا أن ينتظر ما تنطق به المشيئة. وتبقى بعض حالات مفوض أمر أصحابها في الآخرة إلى الله عز وجل وحده مثل ما جاء في هذه الآيات. وأخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم. وآخرون مُرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم. ومنهم المستضعفون في الأرض يقال لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفورا . فهو وحده الذي يتكرم بهذه التوبة.. وهذا معنى الآية فلله الشفاعة جميعا . ويبقى السؤال عن المقام المحمود ما هو؟ ومن يكون الموعود به في القرآن.. ومن كان المخاطب بهذه الآيات من سورة الإسراء. وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا.. أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا.. ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا . والمخاطب هو محمد عليه الصلاة والسلام وحده لا سواه بلا شك. والمقام هو مقام البشارة العظمى والله أعلم وليس مقام الشفاعة العظمى كما يذكر المفسرون وذلك لأن جمعية الشفاعة كلها لله وحده كما ذكر القرآن وكرر في محكم آياته وأنه لا أحد أعلم بخلقه منه ولا أرحم بهم منه.. فهو أرحم الراحمين وليس لله منافس في هذا ولا يجوز أن يكون له منافس في هذا المقام.. والأقرب أن يكون هذا المقام المحمدي هو مقام البشير الأعظم .. ويؤكد ذلك القرآن مكرراً في آياته أنه هو الذي أرسل رسوله للعالمين نذيراً وبشيراً.. وبحكم القرب من الله سيكون أول من يعلم بالعفو عن السعداء من أمته وسيكون أول من يبشرهم بالجنة والرضوان.. أقول ذلك اجتهاداً والله أعلم فالموضوع غيب.. ويوم الدين بأهواله.. وبما سيجري فيه هو غيب الغيب ولا يملك قارىء القرآن إلا أن يحاول الفهم دون المساس بالثوابت القرآنية.. وخصوصية المقام المحمدي من الثوابت التي لا شك فيها.. كما أن خصوصية الشفاعة لله وحده وأن جمعية الشفاعة ينفرد بها الله وحده هي ثابت مطلق آخر من ثوابت القرآن لا مرية فيه. وعلينا أن نفهم الشفاعة في هذه الحدود. والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي تولى رب العالمين حفظه بنفسه من أي تحريف وقال في كتابه المحكم.. إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.. ولم يقل لنا رب العالمين أنه حفظ كتاب البخاري أو غيره من كتب السيرة.. وما يقوله البخاري مناقضاً للقرآن لا يلزمنا في شيء.. ويُسأل عنه البخاري يوم الحساب ولا نسأل نحن فيه. ولم يكن البخاري رضي الله عنه وأرضاه هو الوحيد الذي خاض في موضوع السيرة النبوية ولكن كتاب السيرة كثيرون وقد تناقضوا واختلفوا بين بعضهم البعض.. وامتلأت كتب السيرة بالموضوع والمدسوس من الأحاديث والعجيب والمنكر من الإسرائيليات. وقرأنا في أكثر من كتاب من كتب السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي. وهو كذب وافتراء لا يعقل فقد مات سيدنا رسول الله والغنائم وخيرات البلاد المفتوحة تجبى من كل مكان وللرسول ولفقراء المسلمين نصيب فيها وله الخمس بحكم القرآن. والقرآن يقول لرسوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى. الله يقول بأنه أغنى رسوله.. فما حكاية هذه الدرع المرهونة عند يهودي إلا أن تكون إسرائيليات مدسوسة.. وغيرها الكثير.. فلا أقل من أن نحتكم إلى العمدة في أمور ديننا حتى لا تنفرط وحدتنا وحتى لا نتفرق بدداً. والعمدة المعتمد في جميع أمور الملة هو القرآن المجيد نتمسك به ونحتكم إليه في كل صغيرة وكبيرة.. وما تناقض في كتب السيرة مع القرآن لا نأخذ به فالذين كتبوا السيرة بشر مثلنا يخطئون ويصيبون.. أما القرآن فهو الكتاب المحفوظ من رب العالمين وهو الكتاب الوحيد الموثق بين كل ما تبقى من كتب مقدسة بين أيدينا وهو المهيمن عليها جميعها بلا استثناء. ألم يقل ربنا تبارك وتعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام في سورة آل عمران الآية 128 ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . فكيف نقلب الأمر ونجعل من النبي صاحب الأمر يوم القيامة والمنفرد بالشفاعة من دون الله.. وهو الذي قال له معاتباً.. ليس لك من الأمر شيء.. وحينما جاء البلاغ للنبي في سورة الشعراء: وأنذر عشيرتك الأقربين الشعراء- 214 . ألم يبادر النبي فينادي على أهل بيته يا خديجة إني لن أغني عنك من الله شيئا يا عائشة إني لن أغني عنك من الله يا فلان يا فلان.. ولم يدع أحداً من أهل بيته إلا أبلغه. وهذا كلام السيرة وكلام كتاب السيرة أنفسهم أن النبي قد أخلى مسؤوليته وتبرأ من الوساطة لأحد حتى لأعز الناس.. حتى لابنته الغالية ومهجة قلبه فاطمة.. فكيف انقلبوا على أنفسهم وكيف نكسوا على رؤوسهم وجعلوا بعد ذلك من النبي وسيطا يتشفع عند الله ليخرج من النار بعض من دخلها من أمته.. فيخرجهم ربنا من النار وقد امتحشوا من أثر جهنم أي تفحموا. وكيف يقبل هذا الكلام ويوضع في كفة واحدة مع كلام الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكيف نقلب موازين العدالة في ذلك اليوم الذي تشيب لهوله الولدان ونحولها إلى وساطات وشفاعات وتزكيات ونجعل من أنفسنا صفوة الأمم وخيرها على الإطلاق. ولقد قال ربنا.. كنتم خير أمة أخرجت للناس.. كنتم فعل ماض.. فجعلنا هذه الخيرية صفة مطلقة ثم جعلنا من أنفسنا المالكين ليوم الدين.. فجعلنا الله أذل الأمم وأضعفها وأضيعها وأفقرها وأقلها شأناً. ونرجو أن نبدل من أحوالنا ليبدل الله من أقدارنا وأن نتوب عن ذنوبنا ليتوب علينا.. إنه سبحانه نعم التواب. ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
http://www.egyptsons.com/misr/showthrea ... 631&page=2
صورة
من أجبر على تنفيذ الأوامر كان عبداً لمن أمره...
من رضي بغير الواقع كان عرضةً لحدوث الوقائع...
من سجــــد لله فليعلم أن ما ســواه التــــــراب.......

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“