أعرف عدوك!....نبذة عن الفكر اليهودي والصهيوني

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

أعرف عدوك!....نبذة عن الفكر اليهودي والصهيوني

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

ملخص عن الفكر اليهودي والصهيوني

هذه عبارة عن نبذة مركزة تم استخلاصها من عدة مراجع – سوف يتم ذكرها في نهاية الملخص- تناولت الفكر اليهودي والصهيوني، وبالرغم أنه لا يمكن الفصل بين الفكر اليهودي والفكر الصهيوني فصلاً مطلقاً إلا أنه سوف يتم تقسيم هذا الملخص إلى قسمين رئيسين حيث يتناول القسم الأول الفكر اليهودي- بما يتضمنه من جذور للنزعة الاستيطانية في الفكر الصهيوني- بينما يتناول القسم الثاني الفكر الصهيوني.

القسم الأول: الفكر اليهودي:

وسوف يتم تناول الفكر اليهودي من خلال:
1- المفاهيم
2- المعتقدات الدينية + معتقدات اليهود في ميزان الإسلام
3- الفرق الدينية اليهودية
4- الفكر الثقافي والاجتماعي
5- التاريخ اليهودي


1- المفاهيم:
هناك عدد من المفاهيم لا بد من الإلمام بها لفهم الفكر اليهودي وأهم هذه المفاهيم هي:
أ‌- مفهوم عبري:
يطلق على اليهود تسمية العبرانيون وقد تعددت التفسيرات في توضيح مفهوم عبري، ولفظة عبري مضافاً إليها ياء النسبة مأخوذة من فعل "عبر" أي مضى أو تجاوز أمر من مكان إلى آخر، ومصدرها عبر (بكسر العين وتسكين الياء).
يعزو بعض اللاهوتيين أصل هذه التسمية إلى التوراة نسبة إلى عابر بن سام بن نوح بينما يرى البعض أن العبريين هم الذي ن جاءوا مع نبي الله إبراهيم-عليه السلام- من بلاد الكلدانيين إلى أرض كنعان إذ سموا بذلك لأنهم عبروا نهر الفرات متجهين إلى تلك البلاد أو لأنهم عبروا نهر الأردن في تجوالهم في بلاد كنعان إلا أن هذا القول يرد عليه بأن العبور لم يكن خاصاً باليهود وإنما كانت صفة عامة للعرب الساميين.
والعبرية كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرحل في صحراء الشام وكان من أبناء هذه القبائل من يعمل كالجنود المرتزقة وبهذا المعنى وهناك مؤشرات عديدة على أن العبرانيين القدامى مع استقرارهم في كنعان كانوا يعملون كمرتزقة، ويمكن القول أن اليهود عرفوا خلال تاريخهم القديم والوسيط وحتى الحديث بعدم استقرارهم وتشردهم من مكان إلى آخر فعبروا أماكن متعددة وأن لغتهم الأولى هي اللغة العبرية، أي أن الكلمة أطلقت للدلالة على اللغة التي تحدثت بها تلك الجماعات، كما تطلق على الأدب الذي تم إنتاجه باللغة العبرية .
ولا بد من الإشارة إن كلمة عبري لم يرد لها أي ذكر في القرآن الكريم.
ب_ مفهوم اسرائيلي:
يفتخر اليهود بتسمية إسرائيلي حيث تفصح التوراة عن سبب ذلك الاعتزاز، فورد في سفر التكوين رواية توراتية مفادها أن يعقوب تصارع مع الله فغلبه ومنحه تلك التسمية إقراراً منه بالهزيمة( حاشا لله) كما يروي لنا التاريخ اليهودي القديم أن التسمية قد أطلقت على المملكة المتفرعة من مملكة النبي سيلمان-عليه السلام- والتي أقيمت في شمال فلسطين عام 932 ق.م، وكانت عاصمتها السامرة.
وحقيقة أن كلمة اسرائيلي هي اسم عبري مكون من مقطعين (إسرا) بمعنى عبد و(إيل) بمعنى
الله ، ومن ثم فإن اسم إسرائيل يعني عبد الله، وقد أطلق هذا الإسم على نبي الله يعقوب-عليه السلام- فنسبوا إليه وسموا إسرائيل في آيات قرآنية عدة جاءت جميعها في مواضع الرضا وعليه فاليهود – بما فيهم يهود اليوم- لا يمتون بأي صلة إلى نبي الله اسرائيل أو بنيه لا دينياً ولا عرقياً ، على الرغم من إصرارهم وتشبثهم بتلك التسمية ، فقد استخدموها استخداما عنصرياً لأنها وفقاً لاعتقادهم تميزهم عن نسل سيدنا إسماعيل – عليه السلام- وبالتالي استخدموها بهدف الإعلاء من شأن نسل يعقوب عليه السلام والحط من شأن نسل إسماعيل عليه السلام فحصروا الخلاص ببني اسرائيل، وسميت أرض فلسطين بأرض إسرائيل ، وكان الإله لبني إسرائيل وقد اختاره الكيان الصهيوني اسماً له في فلسطين لدلالته السياسية والجغرافية والعنصرية.
ج- مفهوم يهودي:
تعددت الرؤى أيضاً في توضيح معنى يهودي حيث ما زال يعتقد الكثير من الباحثين العرب والمسلمين أن الكلمة مأخذوة من قوله تعالى ( إنا هدنا إليك) والتي تشير في الأصل إلى الميل والرجوع والتوبة ، بيد أن الكلمة مأخوذة من التهود، أي أن هناك خلط بين كلمتي هدنا وتهودنا حيث ينصرف معنى الكلمة الأخيرة إلى الانحراف والابتعاد.
ويرجع بعض الباحثين أصل التسمية إلى "يهوذا" أحد أسباط بني إسرائيل الأثنى عشر، وقد أطلق هذا الاسم على إحدى المملكتين اللتين انقسمتا بعد عهد نبي الله سليمان – عليه السلام- ثم صارت علما على كل اليهود، ويضيف المفكر القمني بأن التسمية تعود إلى يهوه رب هؤلاء المعبود فيما بعد العهد الموسوي،بينما يذكر الدكتور أحمد شلبي أن مصطلح يهودي قد ظهر عام 538 ق.م، عندما احتل "كورش" ملك فارس بابل، فأطلق على شعب يهوذا اسم اليهود، وأطلقوا على عقيدتهم اسم اليهودية ومن هذا التاريخ أصبحت كلمة اليهودي ومنذ هذا التاريخ أصبحت كلمة اليهودي تعني من اعتنق الديانة اليهودية، ولم يكن من بني إسرائيل وهذا هو الفرق بين اليهودي والإسرائيلي.
ويذكر الدكتور سعد الدين صالح أن القرآن الكريم قد فرق بين استخدامه لكلمة يهودي وكلمة إسرائيلي فقد أطلق كلمة "بني إسرائيل " في مواضع الرضا، وأطلق عليهم مصطلح "اليهود" في مواضع السخط عليهم والتنديد بكفرهم، وبناءً عليه فإن لفظ الإسرائيليين خاص بالمعتدلين الذي مازالوا على نهج أبيهم يعقوب- عليه السلام، بينما لفظ "اليهود" هو اسم خاص بالمنحرفين من بني إسرائيل، ويطلق على الديانة اليهودية(المحرفة)ولو لم يكن من بني إسرائيل.

ويمكن القول بأن كل من التسميات الثلاث تدل على مرحلة معينة في التاريخ اليهودي، وفي وقتنا الحاضر نجد أن كلمة عبري تستخدم للدلالة على اللغة والأدب الصهيوني، وإسرائيل تستخدم للدلالة السياسية للكيان الصهيوني في فلسطين، بينما يهودي أصبحت تشير إلى من يدين باليهودية.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

2- المعتقدات الدينية:
أولاً: الكتب الدينية اليهودية
لمعرفة المعتقدات الدينية اليهودية لا بد من التعريف بمصادر تلك المعتقدات الرئيسية والتي تشكل نظرته للحياة، وتتسم الديانة اليهودية بتعدد كتبها التي تحظى بقدسية لدى الفرد اليهودي، فاليهود يؤمنوا بأن التوراة التي بين أيديهم تمثل كلمة الرب المقدسة والوحي المنزل على نبي الله موسى-عليه السلام- ومما يثير الغرابة أن شروحات الربانيين وتأويلات الحاخامات تحظى بنفس القداسة، بل أكثر منها في أغلب الأحيان، مثل كتاب التلمود الذي أصبح كتاب اليهود الأول في القرن السادس ميلادي، أما في القرن الثالث عشر طغت قداسة كتاب الزوهر، ويمكن القول أن الديانة اليهودية تستقي أصولها وشرائعها من مصدرين رئيسين هما التوراة والتلمود، ويأتي الزوهر في المرتبة الثالثة.
- التوراة:
التوراة كلمة عبرية معناها الشريعة أو الناموس كما تعني الطريقة الصحيحة، وتسمى بـ " الشريعة المكتوبة" ، ويطلق اليهود على أنفسهم شعب التوراة، وتشير الكلمة بالدرجة الأولى إلى أسفار موسى الخمسة، ثم أصبحت تشمل بقية أسفار العهد القديم وهي قرابة تسعا وثلاثين سفراً ويمكن استعراض أسفار التوراة كالآتي:
1- الأسفار الخمسة:
ويعتقد اليهود أنها الأسفار التي نزلت على موسى وهي:
- سفر التكوين: يتحدث عن خلق العالم والإنسان.
- سفر الخروج: يتناول مرحلة معاناة بين إسرائيل بعد يوسف-عليه السلام- ثم ظهور نبي الله موسى وخروجه ببني إسرائيل من مصر.
- سفر اللاويين: يختص برجال الكهنوت من بني لاوي.
- سفر العدد: يشرح اليهودية شرحاً ثانياً(مكرراً) لتثبيت الشرائع والتعاليم.
2- أسفار الأنبياء:
هي جملة من المرويات تتضمن سرداً لما وقع من الأحداث لليهود منذ دخولهم فلسطين بزعامة يوشع بن نون إلى أن خرجوا منها في السبي البابلي، وهي ذات طابع تاريخي، ويمكن تقسيمها هي الأخرى إلى قسمين:

أ‌- سفر الأنبياء الأول:
يتألف من أربعة أسفار :
- سفر يوشع :الذي يتكون من أربعة وعشرين إصحاحاً وتروي اقتحام بني إسرائيل أرض فلسطين بزعامة يوشع بنون نون.
- سفر القضاة: والقضاة هم مجموعة من القادة اللذين أرسلهم الله لإنقاذ بني إسرائيل من الإنزلاق في الفجور والكفر على مدى أكثر من قرنين على حد زعمهم.
- سفر صموئيل(الأول والثاني): ويرويان خبر انتقال صموئيل من صفة القاضي إلى صفة النبي، ونضاله من أجل توحيد كلمة العبريين بأسباطهم كافة تحت تاج واحد، ثم اختيار شاؤول (طالوت) ليكون ملكاً الذي انتهى أمره بالانتحار إثر موقعة حربية.
- سفر الملوك (الأول والثاني): يحتوي الأول على اثنين وعشرين إصحاحاً، وقد اهتما بتاريخ بني إسرائيل بعد شاوول وهي مدة كل من داوود وسليمان عليهما السلام، ومن ثم انقسام المملكة العبرانية إلى مملكتين متناحرتين سقطت الأولى على يد نبوخذ نصر ملك بابل عام 597 ق.م والأخرى على يد يد سرجون ملك آشور عام721ق.م.
ب‌- أسفار الأنبياء المتأخرين:
هي مجموعة من الأسفار تتضمن تراث القادة الروحيين الذين حاولوا بطرائق شتى الأخذ بيد اليهود نحو بر الأمان في ظروف سياسية وعسكرية واجتماعية حالكة، أحاط بهم الأعداء فيها من كل جانب.
3- الكتب:
هي مجموعة أسفار يغلب عليها الطابع الأدبي والأسلوب القصصي والشعري والنثري، وعددها أربعة عشر سفراً وهي: مزامير داوود، أمثال سليمان، نشيد الأناشيد، سفر أيوب، روث مراثي ارميا، الجامعة، استير، دانيال، عزرا، نحميا، وأخبار الأيام الأول والثاني.

- التلمود:
يسمى بالشريعة الشفوية وهو كتاب يعني بتعليم ديانة اليهود وآدابهم، ويمكن تعريفه بأنه مجموعة فتاوى وأحكام صيغت لشرح وتأويل أسفار العهد القديم، وتناقلها حاخامات اليهود شفهياً على مدى قرون طويلة، ثم جمعت ودونت في القرن الثاني الميلادي، وقد ظهر التلمود كتاباً مطبوعاً لأول مرة في البندقية عام 1520 يتكون من أثني عشر مجلداً وتعرض اليهود حينها لإحراج ومضايقات بسبب تلك الفقرات التي تضمنها الكتاب والتي كشفت عن نواياهم تجاه العالم الإنساني كله، غير أنه في المجمع اليهودي المنعقد في بولونيا عام 1631 قرر بالإجماع أن العبارات التي تهين الأغيار (غير اليهود) يجب حذفها والاستعاضة عنها إما بدوائر هندسية وإما بتركها بيضاء وأن هذه العبارات لا يصح نشرها إلا شفوياً في مدارسهم اليهودية!، وهذه الحصيلة الفقهية للديانة اليهودية تتكون من جزأين هما المشناة والجيمارا.
أ‌- المشناة:
مشناة كلمة عبرية معناها يثني أو يكرر ومن ثم فإنها تعني الشريعة المكررة ، وبعبارة أوسع يمكن القول أن المشناة هي خلاصة للتعاليم الشفهية ومجموعة من قوانين اليهود السياسية والمدنية والدينية التي أقرها علماء اليهود الكبار، وتحتوي على جملة من فتاوى علماء اليهود التي تعالج نواحي الحياة.
ب‌- الجيمارا:
هي كلمة آرامية تعني التتمة أو التكملة، وهي عبارة عن إيضاحات وتفسيرات الحاخامات ذات الصلة بتفسير المشناة، أي أنها عدد من الدراسات والبحوث للأمثال والحكم والأخبار والمعلومات العامة والصناعات الطبية والفلكية وتكاد تكون دائرة معارف تشمل كل أمور الحياة اليهودية.
الفرق الأساسي بين المشناة والجيمارا يتمثل بأن الأول يشتمل على أحكام دينية فقط بيمنا الآخر يشتمل على بحوث دينية وفقهية، وجدير بالذكر أنه يوجد شرحان للمشناة أحداهما بابلي والآخر فلسطيني " فإذا أبهم على اليهود شيء من التلمود الفلسطيني فإنهم يرجعون إلى البابلي حيث يتميز بإسهاب في شروحاته".
- الزوهر:
الزوهر أو (الزوهار) يعني الإشراق والضياء ويعتبر الزوهار من أهم كتب التراث القبالي – والقبالة هي علم التأويلات الباطنية والصوفية عند اليهود – وقد طغت أهميته على التلمود في القرن الثاني عشر ميلادي، ويعالج كتاب الزوهر طبيعة الخالق وأسرار الأسماء الإلهية وروح الإنسان وطبيعتها، ويقوم بتأويل أسفار العهد القديم من منظور باطل خارج عن العقل، ويؤمن بأن الإله قد تزوج من بني إسرائيل!
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

ثانياً:المعتقدات الأٍساسية في الديانة اليهودية:
أ – العهد:
ويدور الفكر الديني اليهودي على أساس أن العهد الأٍساسي هو ذلك الميثاق الذي قطعه الرب مع جماعة بني إسرائيل والذي بدأ مع أبي الأنبياء إبراهيم-عليهم السلام- وتأكد مع كل من اسحق ويعقوب-عليهما السلام-ومن ثم تجدد مع بني إسرائيل كافة في عهد موسى عليه السلام عهداً أبدياً حيث نصت التوراة على" وأقيم عهدي بيني وبينك (إبراهيم) وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً فأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً فأكون إلههم".
ويفهم اليهود العهد على أن الله عهد على نفسه بأن يكون إله اليهود دون سواهم ويفضلهم على غيرهم من المخلوقات ويقدسهم وأن يمنحهم أرض الميعاد كما سيرسل لهم مسيحاً مخلصاً ينتشلهم من البلايا والنكبات متى ما حلت بهم ويقيم دولتهم، ويمكن صياغة العهد في شكل معادلة على النحو التالي: (العهد= إله اليهود+شعب اليهود+أرض اليهود+مسيحهم المخلِّص).
وينعت اليهود أنفسهم بأبناء العهد حيث فسر الحاخام (مائيركهانا) الغرض من ذلك العهد بأنه تطبيق التوراة حيث ألزمهم الله بذلك، ويعتقد اليهود أزلي وأبدي حتى وإن ظلوا الطريق وهو عهد خاص حيث تميزت أطرافه بالخصوصية فالإله خاص، والشعب خاص، ولا يدخل في هذا العهد من لا ينتمي إلى هذا الشعب الخاص وقد نجم عن ذلك العهد خصوصية الإله والشعب والأرض والمسيح المخلص.
ب -الإله:
وردت للإله في الديانة اليهودية أسماء متعددة مثل الوهيم (الإله)، وشداي(الحارس) إلا أن أكثرها شيوعاً هو أسم يهوه (انا هو الكائن) كما أن هناك صور متعددة للإله فأحيانا يكون إلها واحداً لا جسد له ولا شبيه ولا تدركه الأبصار كما في النص الآتي " أني أنا الرب وليس غيري إله وليس لي شبيه" وتارة أخرى يوصف بصفات بشرية فهو يأكل ويشرب ويتعب ويستريح وهي الصورة الغالبة في كتبهم.
و(يهوه) كما تصفه المصادر اليهودية ليس معصوماً وكثيراً ما يقع في الخطأ، ثم يندم على ما فعل، وفي نص التوراة " فندم الرب على الشر الذي قاله أنه يفعله بشعبه"، ويهود إله مدمر قاس متعصب لشعبه وتصوره المراجع اليهودية كرئيس عصابة يحلل قتل وسرقة غير اليهود.
و الميزة الرئيسية التي تميز بها هذا الإله هو ما يمكن تسميته بـ"خصوصية الإله" بمعنى أنه إله خاص ببني إسرائيل دون سواهم، ولا شأن له بشعوب الأرض ، ويزعم بعض اليهود بأنهم جزء من الحضرة الإلهية بمعنى أن الحضرة الإلهية قد خلت فانتقلت من الله إلى الشعب ويصل الحلول منتهاه في "التراث القبالي" إذ يروون أن الإله يغازل الشعب اليهودي(بنت صهيون) ويدخل معها في علاقة عاطفية قوية ذات إيحاءات جنسية.!
ويذكر الدكتور أحمد شلبي في دراسته عن الإله في اليهودية أن إله اليهود ليس خالقاً لهم وإنما مخلوق لهم، وهو لا يأمرهم بل يسير على هواهم وكثيراً ما يأتمر بأمرهم، ففيه صفاتهم الحربية إن هم حاربوا، وصفات التدمير لأنهم مدمرون، ومن ثم فلا عجب أن الإله قد سخر ذاته لخدمتهم ومستقبلهم.
وبالعودة إلى العهد الذي قطعه الإله على نفسه، فهو ملزم له وحده، وليس ملزماً للشعب اليهودي، بل قد ذهب ديفيد بن جورجيون(1886-1973) إلى أبعد من ذلك فرأى أن "جماعة إسرائيل هم الذين اختاروا الرب إلهاً لأنفسهم، وبدونهم فلن يكون إلهاً.
وعليه يمكن القول أن الإله في المعتقد اليهودي الغالب إله خاص بهم دون سواهم، ارتبط بعهد أزلي بأن يكون معهم دون غيرهم وتطورت تلك العلاقة بحيث أصبح الشعب اليهودي جزءاً من الحضرة الإلهية، وتعهد لهم أن يكون معهم، وإن ضلوا سوف يدافع عنهم ويحارب الأقوام الباقية.
جـ - أرض الميعاد:
سميت أرض الميعاد لأن الله حزب زعمهم قد وعد بها لبني إسرائيل حيث جاء الوعد أولاً مع إبراهيم-عليه السلام- "فإن هذه الأرض التي تراها، سأعطيها لك ولذريتك إلى الأبد، وورد أيضاً وعد آخر ليعقوب عليه السلام " والأرض التي وهبتها لإبراهيم وإسحاق أعطيها لك ولذريتك من بعدك أيضاً"وورد في صفحات التلمود" الله القدوس تبارك أسمه أعطى بني إسرائيل ثلاث هبات ثمينة وهي التوراة، وأرض إسرائيل، والحياة الآتية".
إلا أن حدود تلك الأرض ومعالمها في التوراة جاءت متباينة، فبينما كانت هناك ثمة نصوص تشير إلى أن هذه الأرض تعد أرض كنعان (فلسطين) حيث جاء في سفر التكوين"وأهبك أنت وذريتك من بعدك جميع أرض كنعان، التي كنت فيها غريباً ملكاً أبدياً" إلا أنه أشير إلى معالم هذه الأرض بشكل أكبر فأصبحت حدودها من الفرات إلى النيل فقد ورد " سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير نهر الفرات"، وتحددت معالم هذه الأرض بشكل أكبر في النص الآتي " كل موضع تطأه أخامص أقدامكم يصبح لكم، فتكون حدودكم من الصحراء إلى الجنوب إلى لبنان ومن نهر الفرات إلى البحر المتوسط غرباً".وقد شبه الحاخامات اليهود حدود هذه الأرض بجلد الإبل الذي ينكمش في حالة العطش والجوع ويتمدد إذا شع وارتوى، أي أن الأرض تنكمش إذا هجرها اليهود وتتمدد وتتسع إذا جاءها اليهود.
ويقر الفقه الشرعي اليهودي أن أرض البلاد الأجنبية نجسة وأن زراعتها حرام، فقد ورد في المشنا "لا تزرع الأرض الأجنبية لأنك إن فعلت تخون ذكرى وطنك ولا تخضع لأي ملك لأنه ليس عندك من رب سوى يهو إله الأرض المقدسة".
ويقتضي الموروث الديني اليهودي تطبيق شرائع التوراة في الأرض المقدسة فقد ارتبطت شعائر الديانة اليهودية بالأرض مما دفع الحاخام " يهوذا هليفي" إلى القول " أن الإقامة في أرض إسرائيل واجب ديني مكلف به كل إنسان يهودي".
وتعززت قداسة الأرض لدى اليهود لاحتوائها على مدينة القدس، إذ تحظى القدس خاصة بأهمية تصل إلى حد الهوس الديني في الوجدان اليهودي وتسمى أيضاً بـ"صهيون" لكونها تضم"جبل صهيون" وهو من وجهة نظرهم(أي الجبل) مسكن للإله، كما وتتضمن القدس أيضاً على حائط المبكى(أي حائط البراق) وهو جزء من السور الخارجي الذي بناه"هيرود" أحد زعماء الرومان ليحيط بالهيكل والمباني الملحقة به، ويسمى بحائط المبكى لأن الصلوات حوله تأخذ شكل العويل والنواح ويعتقد اليهود أن الحضرة الإلهية لا تترك الحائط.
د - شعب الله المختار:
يعتقد اليهود بأنهم الشعب المقدس ويطلقون على أنفسهم تسميات متعددة مثل" أمة الروح" و"الشعب الأزلي" وتعد هذه الفكرة من ضمن المعتقدات الأساسية في الديانة اليهودية، وتعني أن الله قد اختار بني إسرائيل وفضلهم على كل شعوب الأرض وأن هذا الاختيار غير مشروط ولا سبب له ولا يسقط عن الشعب اليهودي ولو أتي بمعصية.
وهذه الفكرة هي أحد الأفكار التي مثل الجانب اللامعقول في الفكر الديني اليهودي، إذ أكد الحاخام " تسفي يهوذا كوك" أن القداسة لا تنبع مما يفعله الإنسان أو ما لا يفعله بل إنها خاصية عضوية خلقها الله ووضعها في الشعب اليهودي، ويرى الحاخام المتطرف شلومو أفنيير "أن الأوامر الإلهية إلى الشعب اليهودي تتجاوز نطاق الأفكار البشرية عن الحقوق القومية، وهو يفسر بأنه حين يلزم الله الأمم الأخرى- رغم انه ليس إلهها- بالخضوع للقوانين المجردة للعدالة والاستقامة فإن مثل هذه القوانين لا تنطبق على اليهود، فالله يتحدث إلى شعبه من أبناء إسرائيل.
ونتيجة للجانب اللامعقول في الفكرة دعا بعض اليهود إلى عقلنتها من خلال تقديم المبررات بالشكل الآتي:
- أن اليهود قد اختاروا الله وعليه فإن الله قد اختارهم.
- أن اليهود هم الذين حملوا راية التوحيد، ودعوا إلى عبادة الله ونبذ عبادة الأوثان في وقت كان الشرك هو السمة المهيمنة على العالم.
- أن الله قدم التوراة إلى كل أمة ولك لسان، فلم يقبلها أحد منهم، حتى جاء إلى إسرائيل فتلقتها منه.
وقد تسببت أسطورة الشعب المختار التي عاشها اليهود و التي لا يزال الكثير من اليهود يؤمن بها عن يقين في فصلهم عن سائر البشرية، فقد رسخت في ذواتهم العنصرية والتعصب وكراهية الآخرين، وزرعت في أنفسهم التمييز والتفوق وجعلتهم ينظرون إلى الغير نظرة دونية.
هـ_ المسيح (المخلص) المنتظر:
من ضمن الالتزامات والعهود التي ارتبط بها الإله يهوه، أن عقد مع شعبه المختار ميثاقاً لا ينفصم، وهو أن يخلصهم من عبودية الأمم الأخرى واضطهادها لهم، لذلك سيتدخل الرب من جهته مباشرة ويرسل لهذا الشعب في آخر الأيام مخلصاً من نسل داود ينتشلهم من البلايا والنكبات، وهذا المخلص أطلقوا عليه اسم" المسيح المنتظر"، وهو يجمع بين اللاهوتية والناسوتية(الإله والإنسان) وتكمن مهمته في إعادة مجد بني إسرائيل ويجعل أحكام التوراة نافذة.
وسوف يشيد مملكة الله المباركة على الأرض وسيتربع هذا المسيح على عرش الهيكل وينعم اليهود في هذه المملكة بعيداً عن الخوف والحروب ويستمر الفردوس الأرضي هذا إلى الأبد وقد ورد في التلمود "أنه رجل من سلالة داود ولد قبل خلق العالم وهو الآن في السماء ينتظر ساعة مجيئة ولا يزال على قيد الحياة منذ ذلك الحين في مكان خفي".
وحسب الاعتقاد الديني اليهودي فأنه قبل أن تأتي مرحلة مجيء المسيح المخلص لابد أن يشن أبناء إسماعيل(العرب) ثلاثة حروب تشويشية في الأيام المتأخرة في البحر والبر والثالثة ضد روما، وتستمر الحرب مع باقي الأمم حتى يهلك ثلث العالم، ويبقى اليهود مدة سبع سنوات متوالية يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر، وبعدها سوف تخدم كل الأمم المسيح وتخضع له ويكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد من الأمم الأخرى، وسترى الناس كلهم حينئذ يدخلون في دين الله أفواجا، ويقبلون كلهم ما عدا المسيحيين فأنهم يهلكون لأنهم من نسل شيطان.
وقد روى هرتزل قبل وفاته إيمانه بذلك المسيح حيث قال" ظهر لي المسيح الملك، على صورة رجل مسن في عظمته وجلاله فطوقني بذراعيه وحملني بعيداً على أجنحة الريح، والتقينا على إحدى الغيوم القزحية بصورة موسى، فالتفت المسيح إلى موسى مخطاباً إياه وقال: من أجل هذا الصبي كنت أصلي، ثم قال له : أذهب وأعلن لليهود بأنني سوف آتي عما قريب لإجترح المعجزات الكبيرة وأسدي الأعمال العظيمة لشعبي في العالم بأسره".
وينتظر اليهود بفارغ الصبر ذلك الحين الذي سيظهر فيه المسيح الذي وعدوا به.

و- اليهودي وغير اليهودي (الأغيار)
نجد أن المصادر الدينية اليهودية قد تضمنت تسميات عديدة في وصف الأقوام الأخرى غير اليهودية مثل ( الغرباء، الهراطقة ، الأمم، النكري ، الوثني) ولكن ليس ثمة امتيازات يمتاز بها الغريب عن الوثني ، بمعنى أن العالم من وجهة النظر اليهودية الدينية مقسم إلى يهودي وغير يهودي حيث يرى الرباني كرونز أن الأجنبي وغير اليهودي هما شخص واحد، أما الحاخام مليستر فيرى أن كلمة (جوي) معناها شخصي لا ينتمي إلى بني إسرائيل، وجوي كلمة عبرية صيغة الجمع لها هي (جويم) وتعني شعب القوم حيث كانت الكلمة تطلق ابتداءً على اليهود وغيرهم ثم أصبحت تطلع على اليهود دون سواهم.
وتجمع مراجع الهالاخا(الشريعة اليهودية) أن مصطلح جوييم تعني الأغيار عموماً ، ويمكن توضيح الشريعة اليهودية من خلال معرفة منزلة اليهودي وغير اليهودي فيها.
أولاً: منزلة اليهودي:
هناك تشريعات تضمنتها المصادر الدينية اليهودية تحرم القتل والزنى والسرقة والغش والخداع وشهادة الزور والظلم والاستعباد وغير ذلك من القيم السليمة التي قد تهدد مجتمعهم حيث ورد في سفر اللاويين " لا تنتقم ولا تحقد على أحد من أبناء شعبك لكن أحب قريبك كنفسك"كما ورد أيضاً " لا تسرق، لا تكذب، لا تغدر، لا تظلم قريبك و لا تسلبه ولا ترجئ دفع أجره إلى الغد".وقد فسرت كلمة أبناء شعبك وأقاربك بأن اليهودي لسوا منها.
ثانياً: منزلة (الأغيار) غير اليهودي:
ورد في التوراة" أما الأجنبي فأقرضوه بربا" وورد أيضاً "لا تقطع معهم عهداً"، وعليه فإن ابن ميمون منظر الأصولية اليهودية أفتى بأحقية اليهود باغتصاب النساء غير اليهوديات ويمكن رسم الإطار العام لعلاقة اليهودي مع غيره على الشكل الآتي:
أن اليهود بشر لهم إنسانيتهم وأن الأرض وخياراتها ملك لهم، كما أن الله لم يخلق غير اليهودي بالصورة البشرية إلا إكراماً لليهود أنفسهم وهم في درجة الحيوانات بل هم أقل منها، وما أوجدهم الله في هذه الحياة إلا لخدمة اليهود، كما وهبهم الله حق التصرف فيهم ، وقد نهت اليهودية عن إنقاذ حياة الأغيار وأصبحت مادة الإبادة الجماعية تدرس إجبارياً لتلاميذ المدارس في الكيان الصهيوني منذ عام 1979م ، وفي عام 1981م قام الكنيست بتحويل الإبادة الجماعية إلى عقيدة يمنع إصدار أي قانون يحرمها.
وخلاصة ذلك نجد أن هذه التشريعات اليهودية تعزز العدوانية ضد غيرهم وتبقي حالة الصراع مستمرة.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

ز- معتقدات اليهود (العهد)في ميزان الإسلام:
هل هناك عهد بين الخالق والمخلوق؟ وهل كانوا اليهود مفضلين على غيرهم؟ وهل هناك أرض مقدسة حقاً وعد اليهود بها وبتملكها من خلال العهد مع أبي الأنبياء إبراهيم الخليل-عليه السلام- أم لا؟ وما هي حقيقة ذلك الوعد في ضوء ما جاء في الشريعة الإسلامية؟ ومن أين أتى اليهود بفكرة المسيح المخلص؟
مما لا شك فيه أن اليهودية دين من الأديان السماوية الثلاث، وتعد العقدية الدينية الأصلية عقيدة إلهية مقدسة، كما يعد اليهود أصحاب كتاب مقدس منزل من عند الله وهو التوراة- غير المحرفة- فيها هدى ونور، كما أنزل لهم الإنجيل على يد آخر رسول أرسل إليهم وهو المسيح عيسى عليه السلام ولا خلاف أيضاً في أن الله سبحانه وتعالى أكرمهم، وحباهم وخصهم بمزيد من النعم والتكريم وفضلهم على كثير من العالمين من أهل زمانهم، ولكن بعد أن تهاونوا في العمل بمبادئ دينهم وحرفوا في الكتاب المنزل عليهم وتأمروا على أنبيائهم غضب الله عليهم ولعنهم.
أما عن قدسية الأرض يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"، وفي الآية إثبات حقيقة قدسية الأرض ويحدد المفسرون تلك الأرض على أنها في الأغلب تشمل بلاد الشام، ومن ضمنها فلسطين اليوم، وفي حالة التسليم بوجود عهد لسيدنا إبراهيم ولذريته من بعده – علماً بأن ذريته تشمل سيدنا إسماعيل عليه السلام-فإنه عهد مشروط بنشر العدل والتوحيد والهدى ويقول الله سبحانه وتعالى"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" وهذا يعني أن العهد لم يكن مطلقاً ولكنه كان مشروط بطاعة الله، ومن هذه الناحية يكون اليهود قد خسروا العهد لأنهم لم يلتزموا بتلك الطاعة، والحق في وراثة الأرض كلها عامة يرجع إلى الثبات على الدين والدخول في ركب المؤمنين فكان بنو إسرائيل آنذاك أحق بها من المشركين العرب، ولكن لما غضب الله عليهم وطردهم من رحمته، انتقل العهد والاختيار لأولئك الذين ثبتوا على دعوة التوحيد إلى أن وصل إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله سلم الذي يعد من نسل إسماعيل أبن إبراهيم عليهما السلام على أن يبقى فيهم ما بقي العمل بكتاب الله وسنة نبيه الكريم.
وفي التصور الإسلامي لمسألة تحقق الوعد فهناك من يرى أن هذا الأمر قد تحقق فعلاً في عهد موسى عليه السلام عندما خلصهم من ظلم فرعون واصطحبهم إلى سيناء ثم إلى فلسطين برعاية يوشع بن نون حيث كونوا لهم دولة ثيوقراطية قائمة على أسس دينية، فلما فسدوا تخلى عنهم وتركهم لبطش جيرانهم، ويذهب فريق آخر للقول أن عهد الله تحقق في عصر آخر غير عصر موسى عليه السلام، ويقصد به مملكة نبي الله داود ومن بعده سليمان عليهما السلام، حيث وصلت دعوة التوحيد في عهديهما إلى أجزاء كثيرة خارج فلسطين مثل الجزيرة واليمن، بينما ثمة فريق ثالث ذهب في قوله بأن وعد الله قد تحقق في عهد عيسى ابن مريم عليه السلام والذي يعد من نسل داود إذ اعتبروه أنه المسيح المخلص الذي خلص بني إسرائيل مما سادهم آنذاك من احتلال وفساد فكانت دعوته إحياء لدعوة موسى إلا أن اليهود لم يؤمنوا بدعوته ولا يعدونه من أنبيائهم.
وجدير بالذكر أن العودة في العقيدة اليهودية لن تكون إلا بواسطة ما أسموه المسيح المنتظر الذي هو من نسل داود فهو القادر وحده على لم شتات اليهود في العالم والعودة بهم إلى أرضهم المزعومة ، وهنا يرجح بعض علماء الإسلام أن فكرة المسيح المنتظر تعود إلى فقدان التوراة الأصلية التي أخبر فيها الله موسى بمقدم عسي ابن مريم كما حذر فيها من ضلالة المسيح الدجال، وعليه يمكن القول أن فكرة المسيح المخلص نبوءة حقيقية احتلت موقعها أيضاً في المصادر الإسلامية فيما عرف باسم المسيح الدجال الذي وردت له علامات مطابقة تماما لتلك التي دونتها أسفار العهد القديم لا سيما وأنه لا يوجد في الفكر الديني اليهودي ما يشير إلى المسيح الدجال في الوقت الذي كان من ضمن العقائد الموجودة في الفكر الديني المسيحي إذا يذهب الاعتقاد إلى أن المسيح الدجال شخصية كافرة وطاغية وستصاحبه بعض المعجزات لغواية البشر وسيتبعه اليهود وأعوانهم إلى أن يعود المسيح عيسى ابن مريم ويقتله وهذا مطابق لعلامات المسيح الدجال في الفكر الديني الإسلامي فاختلط الأمر على مدوني التوراة ولغياب التوراة الأصلية ابتدعوا لهم تلك الأسطورة.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

3- الفرق الدينية اليهودية:
يوجد عدد كبير من الفرق الدينية اليهودية وسوف نقوم هنا بتناول أهم هذه الفرق:
أ‌- السامريون:
وهم فرقة قليلة جداً من اليهود، لا تعترف من العهد القديم إلا بالأسفار الخمسة الأولى، أسفار موسى عليه السلام، وينسبون إلى السامرة، وكانوا يسكنون شكيم(نابلس حالياً)، وعندهم نسخة قديمة من الأسفار الخمسة ترجع إلى ما قبل عهد المسيح، ولازالت بقية قليلة لهذه الفرقة في نابلس في وقتنا الحاضر.
أما بقية الفرق اليهودية فقد أصدرت قراراً بعدم الاعتراف بهذه الفرقة كفرقة يهودية ، ويناصب السامريون العداء للصهيونية ويعتبرونها كفراً، ويعتقدون بأنهم البقية الباقية من الدين الصحيح وتتلخص عقيدتهم بما يأتي:
- الإيمان بإله واحد، وبأن هذا الإله روحاني بحت.
- الإيمان بأن موسى رسول الله وأنه خاتم رسله( أي لا يعترفون بأي نبي بعده عدا يوشع بن نون لأنه كان صاحب موسى ومذكور في التوراة).
- الإيمان بتوراة موسى(فقط) وتقديسها ويعتبرونها كلام الله.
- الإيمان بأن جبل جرزيم المجاور لنابلس هو المكان المقدس الحقيقي وهو القبلة الحقيقية الوحيدة لبني إسرائيل.
ويناصب اليهود العداء للسامريين ولا يعتبرونهم في نسب إسرائيل ويرون بأنهم لا يؤمنون بإله إسرائيل، أما السامريون فيعتبرون أنفسهم من نسل هارون أخ موسى عليهما السلام، أي أنهم ينتسبون إلى سبط لاوي وهم يعظمون كهنتهم تعظيماً كبيراً.
والسامريون يؤمنون بيوم القيامة ويسمونه يوم البعث أو يوم الموقف العظيم، ويؤمنون بمجئ المسيح المخلص، وهو عندهم غير عيسى ابن مريم عليه السلام، وتسمى هذه الطائفة نفسها ببني إسرائيل أو نبي يوسف رغم أنهم ينتسبون إلى سبط لاوي.
ب_ الفريسيون:
أسمهم في العبرية"فروشيم" وتعني المفروزين أي الذين امتازوا وعزلوا عن الآخرين وصاروا الصفوة المختارة من اليهود لعلمهم وورعهم واتصالهم بأسرار الشريعة، لذلك لقبوا بالأتقياء(حسيديم) والرفاق أو الزملاء (حبرييم) والتي جاءت منها لفظة (الأحبار) أي علماء اليهود، ويرى الفريسيون أن الشريعة اليهودية منبع لا ينضب للسعادة في الدنيا والآخرة، وهم الذين وقفوا بوجه السيد المسيح بصلابة وعناد لأنه وقف ضدهم وضد سلطاتهم الدينية.
وفي العصر الحاضر..هم الذين ساعدوا على بذر الصهيونية واحتقار الأمم والأجناس والأديان الأخرى، ورفض أية حكومة أجنبية غير يهودية تهيمن عليهم، وكانوا دائماً وراء أعمال التخريب والمؤامرات في الشرق الأوسط، وهم المسؤلون عن (الدياسبورا) أو التشرد الذي استمر مع اليهود إلى ما بعد وعد بلفور في بداية القرن الماضي، وهي المسؤولية التي يوجهون أتباعهم دائماً فيها إلى الهجرة إلى فلسطين المحتلة.
ويذكر المؤرخ اليهودي يوسفوس أن هذه الفرقة قد تكونت في عهد يوناثان الذي كان صديقاً حميماً لدواد عليه السلام وتعتبر هذه الفرقة أهم الفرق اليهودية وأكثرها عدداً، وأهم مميزاتها:
- تعترف بجميع أسفار العهد القديم والتلمود، وأن الربانيين وهم فقهاء هذه الفرقة هم الذين جمعوا وألفوا أسفار التلمود.
- تؤمن بالبعث والحساب واليوم الآخر.
- تؤمن بالمسيح المنتظر وتزعم أنه سيأتي لينقذ الناس ويدخلهم في ديانة موسى عليه السلام.
- أما بالنسبة للألوهية فهم يقولون بأن الله واحد وهو رب العالمين أجمع.
وقد استمر الفريسيون إلى يومنا هذا تحت أسماء كثيرة، وهم الذين يميزون الجماعات والأحزاب الدينية الصهيونية في إسرائيل وباقي أنحاء العالم.
ج_ الصدوقيون:
كان الصدوقيون يدعون أنهم ينتسبون إلى "صدوق" الكاهن الأعظم لداود عليه السلام الذي تولى أخذ البيعة لأبنه سليمان-عليه السلام- وتنصيبه على العرش، وصار في عهد سليمان الكاهن الأعظم للهيكل وقد ورث أحفاده الكهانة عنه.
والصدوقيون تعني العادلين الأبرار ومن عقائدهم:
- أنهم لا يؤمنون بقيامة الأموات من القبور.
- لا يؤمنون بالحياة الأبدية للبشر بأفرادهم وأشخاصهم كما كانوا في الدنيا.
- يرفضون الثواب والعقاب في الآخرة ويرفضون الإيمان بالآخرة.
- ينكرون القضاء والقدر وما كتب للإنسان أو عليه في اللوح المحفوظ.
- يقولون تبعاً لذلك بأن الإنسان خالق أفعال نفسه حر التصرف وبذلك فهو مسؤول.
- يؤمنون بقدسية العهد القديم ولا يؤمنون بالتلمود ونحوه.
- عدم وضوح فكرة المسيح المنتظر في أفكارهم، لذلك فقد اشتركوا مع الفريسيين في حرب المسيح عسى ابن مريم عليهما السلام ومقاومته ومعاداته.
- في تصورهم للألوهية كانوا يقولون بأن لإسرائيل ربهم الخاص-يهوه- فهو الذي اختارهم وهم شعبه وكانوا يميلون إل سياسة العنف مع الشعوب الأخرى.
د- القراؤون:
تنسب فرقة القرائين إلى عنان بن داود، الذي أسسها في بابل في القرن الثامن الميلادي، ومن أهم معتقداتها:
- عدم الاعتراف بالتلمود كمصدر من مصادر التشريع اليهودي.
- كانوا يخالفون الربانيين في جانب التشريع فقط وليس في الجانب العقائدي.
- التمسك بظواهر النصوص، وتحريمهم للتأويل.
- يتميزون بالتعنت والتصلب في طقوس العبادة
- يميلون إلى الجبر في مسائل القضاء والقدر.
- يؤمنون بنبوة محمد (ص) ولكن باعتباره أرسل للعرب فقط وليس للعالم كله.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

4- الفكر الاجتماعي والثقافي(صور من التشريع):
أ- الوصايا العشر :
إن الوصايا العشر أو بعضها هو ما تبقى لنا من توراة موسى، وما عدا هذه الوصايا من التشريعات فهو من صنع الكهنة والرهبان، ومن مطالعة أسفار موسى الخمسة يتضح لنا أن الوصايا العشر وردت في صيغتين أحداهما أكثر اتصالاً بالدين والعقيدة والأخرى أكثر اتصالاً بالعادات والتقاليد، ونص الصيغة الأولى مايلي:
أصنع ما أنا موصيك اليوم:
- لا تسجد لإله آخر لأن الرب اسمه غيور
- لا تصنع لنفسك آلهة مسبوكة
- تحفظ عيد الفطير سبعة أيام تأكل فطيراً كما أمرتك في وقت شهر أبيب، لأنك في شهر أبيب خرجت من مصر.
- لي كل فاتح رحم( أي البكر يقدم قرباناً) وكل بكر من بنيك تفديه، وكذلك تفدي بكر الحمار.
- أول أبكار الأرض تحضره إلى بيت الرب إلهك.
- ستة أيام تعمل أما اليوم السابع فتستريح فيه.
- اصنع لنفسك عيد الحصاد، عند حصاد الحنطة وعند الجمع في آخر السنة.
- لا تذبح على خمير دم ذبيحتي.
- لا تبت إلى الغد ذبيحة عيد الفصح
- لا تطبخ جدياً بلبن أمه.

أما نص الصيغة الثانية كالآتي:
- أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن ،لأني أنا الرب إلهك إله غيور.
- أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع إحساناً إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي.
- لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً، لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً.
- أذكر يوم السبت لتقدسه، ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك، ولا تصنع عملاً ما، أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي دخل أبوابك، لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، واستراح في اليوم السابع، لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه.
- أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي تعطيك الرب إلهك.
- لا تقتل
- لا تزن
- لا تسرق
- لا تشهد على قريبك شهادة زور.
- لا تشته بيت قريبك،لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده ولا أمته ولا ثورة ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك.
ب- الاعتراف والتطهير:
في الفكر اليهودي تكثر الخطايا ، ففي كل شهوة من الشهوات تكمن الخطيئة، فالخطيئة تدنس المخطئ والحيض والولادة كالخطيئة يدنسان المرأة ويتطلبان تطهيراً ذا مراسم وتقاليد وتضحية وصلاة على يد الكهنة، والهبات والقرابين هي الوسيلة للتكفير عن الخطايا على أن تقدم للكهنة بعد الاعتراف الكامل بالخطأ، وعلى هذا كان المجتمع اليهودي مجتع خطايا ومجتمع تكفير وغفران في نفس الوقت حتى أن التاجر كان ولا يزال يطفف الكيل ويغش في الميزان، ثم يحاول التكفير عن ذنبه بالتضحية والصلاة.
ج- الرق:
أباحت التوراة الاسترقاق بطريق الشراء أو سبياً في الحرب، وترى أن يستعبد العبري إذا افتقر فيبيع نفسه للغني، أو يقدم المدين نفسه للدائن حتى يوفي له الثمن ، وإذا سرق العبري ماشية أو ذبحها ولم يكن في يده ما يعوض به صاحبه يباع السارق بسرقته وقد نصت التوراة على ذلك في سفر الخروج ، وأباحت للعبري أن يبيع بنته فتكون أمة للعبري الذي يشتريها.
د- الختان:
ارتبط الختان عند اليهود بالقربان، فقد كان الإنسان نفسه يقدم قرباناً من قبل، ثم اكتفت الآلهة بجزء من الإنسان، وذلك الجزء هو ما يقتطع في عملية الختان، وبمرور الزمن أصبح الختان لدى اليهود فريضة يحتمها الولاء للجنس، فعلى اليهودي أن يقوم بعملية الختان ليبرهن على أنه يهودي.
هـ- الميراث:
أول من يرث الميت ولده الذكر، وإذا تعدد الذكور من الأولاد فاللبكر حظ اثنين من إخوته، ولا فرق بين المولود بنكاح صحيح أو غير صحيح من الأولاد في المواريث، أما البنات فمن لم تبلغ منهن الثانية عشرة فلها النفقة والتربية حتى تبلغ هذه السن تماماً، وليس لها شئ بعد ذلك.
وإذا لم يكن للميت ولد ذكر فميراثه لابن ابنه،وإذا لم يكن له ابن ابن انتقل الميراث إلى البنت فأولادها وهكذا، ويرى القراءون أن يكون للبنت نصيب مع الولد سهمان للولد وسهم للبنت.
وعند اختلاف الدين يرث اليهودي أقاربه غير اليهود، ولا يرث الأقارب غير اليهود اليهودي.
و- النكاح:
السن المفروضة لصحة التزوج هي الثالثة عشرة للرجل والثانية عشرة للمرأة، ولكن يجوز نكاح من بدت عليه علامات البلوغ قبل هذه السن، ومن يبلغ العشرين ولم يتزوج فقد استحق اللعنة، وتعدد الزوجات جائز شرعاً بدون حد، وحدد الربانيون الزوجات بأربع وأطلقه القراءون.
وغير اليهود يعتبرون وثنيين في نظر اليهود، ومن أجل هذا لا يجيزون زواج اليهودي أو اليهودية من غير اليهود.
والزواج في اليهودية صفقة شراء تعد المرأة به مملوكة تشترى من أبيها فيكون زوجها سيدها المطلق، ومن تقاليد الفكر اليهودي أن الرجل إذا تزوج لا يلتحق بالجيش ولا يرتبط بأعمال تبعده عن زوجته لمدة عام، فشهر العسل في الفكر اليهودي عام كامل.
والمرأة المتزوجة كالقاصر والصبي والمجنون، لا يجوز لها البيع ولا الشراء وينص الفكر اليهودي على أن جميع مال المرأة ملك لزوجها، وبالنسبة لكثرة ما شوهد من وقوع الشقاق والفرقة بين الأزواج فقد قر السادة الأرباب على وجوب الأخذ بمشروع(وقف الزوجية) ومعناها أن توقف أموال الزوجة ويصبح الزوج قيماً عليها يستغلها دون أن يبيعها أو يرهنها فإذا حصلت الفرقة عادت الثروة للزوجة.
وعلى الزوجة مهما بلغت ثروتها أن تقوم بالأعمال اللازمة لبيتها، صغيرة كانت أو كبيرة، وأنه حتى لو أحضرت الزوجة معها مائة خادم فإنها لا تعفى من الغزل.
ولا ترث المرأة زوجها، وكل ما لها بعد موته هو مؤجل الصداق أما باقي ثروتها فقد آل كما ذكرنا إلى زوجها ومنه إلى ورثته.
ز- الصلاة:
كانت صلاتهم في بادئ الأمر عبارة عن نداء باسم الرب ، ثم تطورت إلى نوع من المناجاة سواء مباشرة أو عن طريق كاهن، وكانت الصلاة وطيدة في العصور القديمة بالقرابين،ولم تكن هناك صلاة محددة عند تقديم القرابين اللهم إلا في عيد الغفران، وكان تقديم القربان نفسه نوعاً من الصلاة، وأصبحت الصلاة فيما بعد بين الرب والعبد لا تحتاج إلى وسيط ويمكن أن تؤدى في أي مكان ولكن يفضل أن تكون في القدس وتكون القبلة المعبد.
ولم تكن هناك أوقات محددة للصلاة ولكن حددت فيما بعد للتنظيم، وقد حددت صلاة الصبح وبعد الظهر والمغرب، وقد ذكرت بعض النصوص أن الصلاة سبع مرات في اليوم ، ولا يوجد في العهد القديم وصف دقيق للصلاة ولكن بعض النصوص تصف الصلاة بالوقوف والركوع والسجود.
واعتبر الحكماء الذين كتبوا التلمود أن الصلاة أعلى مرتبة عند الرب من الأعمال الطيبة وتقديم القرابين، ويعتقد التلموديون أن الرب يصلي، وصلاته لتطغى رحمته على حكمه، ونجد في بعض مواضع التلمود تفضيل قراءة التوراة على الصلاة.
وتفضل اليهودية صلاة الجماعة على صلاة الفرد، ولاعتبار الصلاة جماعية لابد أن تكون الجماعة عشرة رجال أعمارهم تزيد عن ثلاث عشر سنة.
ح- الصوم:
شريعة الصوم غامضة في العهد القديم ولكن هناك دلائل على أن الصوم بدأ كامتناع عن الطعام والشراب العادي استعدادا لوليمة مقدسة أو استعداداً لرؤية رؤى كنوع من تطهير النفس.
وكان التقشف يمارس أثناء الصوم كالنوم على الأرض وعدم تغيير الملابس والامتناع عن التعطر والغسل، ونستطيع أن نقول أن اليهودية كانت تنظر إلى الصوم كنوع من الإذلال النفسي.
والصوم إما فرادى أو جماعي هو وسيلة للتوسل إلى الرب لمنع كارثة أو كنوع من طلب العفو والمغفرة أو شكراً للرب.
ولم تكن هناك أيام محددة للصوم إلا يوم الغفران، وحتى هذا اليوم يرى البعض أنه لم يكن مفروضاً كل سنة، ولم يكن الصيام فريضة كتبت في العهد القديم، بل أصبحت في الكتب التي جاءت بعد العهد القديم على الرجال والنساء، ويمكن أن يكون الصوم غير تام بمعنى أن يمتنع الصائم عن أكل اللحوم وشرب النبيذ والتطيب بالروائح والتمتع بالزينة.
ويمكن تقسيم أيام صيامهم إلى ثلاثة أقسام:
- أيام لذكرى حوادث في العهد القديم.
- أيام قررها الفقهاء اليهود.
- أيام صيام فردية.

ك_ المواسم والأعياد:
تكثر الأعياد عند اليهود كثرة بالغة، ومنها ما يتصل بالأحداث التاريخية، ومنها ما يتصل بمواسم الزراعة والحصاد، ومنها ما يتصل بالهلال والتوبة والتكفير عن الذنوب، وسنذكر هنا بعضاً من أهم هذه الأعياد:
- عيد الفصح:
هذا العيد هو يوم لذكرى خروج بني اسرائيل من مصر ومن العبودية التي كانوا يخضعون لها ، ويقول علماء اليهود أن هذه الذكرى يجب أن لا تنسى فقد جاء الرب بنفسه دون أن يكتفي بملائكته وقاد شعبه وأخرجهم من إطار العبودية، وكان خروجهم سريعاً فلم يعد خبزهم كالعادة، وإنما أعدوه فطيراً دون أن يختمر وعلى هذا ففي خلال عيد الفصح يكون طعام اليهود خبزاً غير مخمر، ويقص رب البيت على أفراد العائلة قصة خروج اليهود من مصر، وتكون هذه المائدة في الليلة الأولى والثانية من عيد الفصح ويجب على كل شخص في هاتين الليلتين شرب أربعة كؤوس نبيذ.
- السبت:
يوم السبت من الأيام المقدسة عند اليهود، التي يجب مراعاة حرمتها مراعاة تامة، فلا يجوز ليهودي الاشتغال فيه، ومن خالف حرمة هذا اليوم و دنسه بالاشتغال فيه يكون قد ارتكب جرماً عظيماً.
ولم يكن عند اليهود خطيئة أعظم من عدم حفظ يوم السبت إلا عبادة الأوثان، والسبت يعني يوم الراحة، وهو يوم الرب الذي فيه استراح، وأمر عباده بالاستراحة فيه وباركها.
- عيد الغفران:
وهو يوم يصوم فيه اليهود عن الطعام والشراب وانشغال بالعبادة واستغفار وقبل أن يبدأ اليوم تعلم الديانة اليهودية أنه لا بد من مصالحة وطلب السماح من لقى أذى من الشخص، ويقضي اليهود طوال اليوم في المعبد يتلون الصلوات ويعترفون بخطاياهم ويرددون هذه الخطايا قاطعين على أنفسهم وعوداً على ألا يعودوا لارتكابها، وأهم ما في صلوات هذا العيد ما يسمونه "العفودة" ويتولى هذه الصلاة الكاهن الأكبر ويركع المصلون عندما يذكر القارئ اسم الرب احتراماً لهذا الاسم ويشعر اليهودي أنه قريب من الرب أكثر من أي وقت في السنة.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

5-التاريخ اليهودي:
استعرض د.خالد الفهد في أطروحته للدكتوراه و المعنونة بـ( النزعة الاستيطانية في الفكر الصهيوني) التاريخ اليهودي بشكل مركز يسمح بالتحقق من الحقوق التاريخية التي تدعيها الصهيونية وتطالب بها في أرض فلسطين وما جاورها مؤكداً على أن أسفار العهد القديم هي المصدر الأساسي للمعلومات التي تفيد عن استقرار اليهود في أرض كنعان، وقبل دخوله في سرد مسلسل التاريخ التوراتي – الذي يعد أهم مكمل للفكرة الدينية، وفي جوهره يعبر عن الارتباط اليهودي بالأرض -أكد على أنه في مجمله يعتبر تاريخاً غير موضوعي بل هو عبارة عن نصوص منحازة من نتاج نخبة قليلة من الناس ،وهو كما عبر عنه المؤرخ طومسون "لم يكن تاريخاً تخول إلى خيال ، بل خيالاً تحول إلى تاريخ".ولم يقتصر في أطروحته على سرد التاريخ كما جاء في التوراة بل قام بمناقشته والتنبيه لما جاء فيه من تناقضات ومغالطات واستناداً على أطروحة الفهد سوف يتم التطرق للتاريخ اليهودي (التوراتي) كالآتي:
أولاً: عهد الأنبياء:
الفرع الأول: نبي الله إبراهيم الخليل- عليه السلام-
يمثل نبي الله إبراهيم-عليه السلام- مرحلة تاريخية مهمة في التاريخ اليهودي، ويعد رمزاً أكثر أهمية ودلالة وعمقاً، إذ يرجع اليهود أصلهم إلى هذه الشخصية العظيمة، إلا أنه لم يرد في التوراة أي ذكر عن كونه نبي مرسل من العناية الإلهية لنقل البشرية من الظلمات إلى النور، بل حرص مدونو التوراة أن يكون المدخل التاريخي لبني إسرائيل حتى ينسبوا "عقيدة الأرض الموعودة" بين الإله "يهوه" وسيدنا إبراهيم عليه السلام.
وتذكر التوراة بأن إبراهيم عليه السلام قد تلقى أمراً من الرب بالهجرة لترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه إلى الأرض التي سيريها له فاستجاب لأمر ربه، وصحبه في تلك الرحلة زوجته سارة وابن أخيه لوط ورعاتهما، وبعد أن نشب خلاف بين رعاة إبراهيم ولوط عليهما السلام حول الأرض التي سيمكثون فيها اعتزل لوط عمه، فنقل إبراهيم خيامه إلى بلوطة مورة(الخليل حالياً) فتجلى له الرب وقال له " ارفع عينيك، وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا لأن جميع الأرض التي ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد".ويفيد السفر أن الأرض المذكورة هي أرض كنعان وأنها كانت مملوكة للكنعانيين وأن إبراهيم عليه السلام قد اشترى قطعة أرض من مالك كنعاني لينصب فيها خيامه وأنه دفع ثمنها من فضة.
وقد تكرر العهد مرة ثانية كالتالي:" في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام (أي إبراهيم) ميثاقاً قائلاً"لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"، ويتضح من سياق النص ازدياد رقعة الأرض من أرض كنعان لتصبح من نهر مصر إلى الفرات.
وتأكد العهد مرة ثالثة على إبراهيم عليه السلام وكان عمره تسع وستون عاماً كالتالي" وأعطي ل ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً، وأكون إلههم"، ويعترف كتبة التوراة في هذا النص بأن أرض كنعان هي بالنسبة لإبراهيم أرض غربة سكنها الكنعانيون الأصليون، ويفيد النص بتقلص حدود الأرض لتعود سيرتها الأولى، وقد جاء هذا الوعد بعد أن رزق سيدنا إبراهيم بولده إسماعيل عليهما السلام والسؤال هنا لماذا لا تكون هذه الأرض بحسب العهد المكتوب لديهم لنسل إسماعيل أيضاً؟
ويختتم السفر قصة إبراهيم بعد مكوثه زمناً طويلاً في أرض كنعان موته ودفنه بجوار زوجته سارة في الأرض التي اشتراها، ولم يتحقق الوعد مع هذه الشخصية العظيمة فهل سيتحقق مع ذريته؟؟

الفرع الثاني: أبناء العهد:
تفيد التوراة أنه كان لإبراهيم عليه السلام ولد آخر من زوجه الأولى سارة وهو النبي إسحاق عليه السلام ويحمل معه ميزات العهد الذي تجدد معه فجاء في سفر التكوين" وظهر له الرب وقال لا تنزل إلى مصر، اسكن في الأرض التي أقول لك، تغرب في هذه الأرض فأكون معك، وأباركك وأفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك وأكثر نسلك كغيوم السماء وأعطي لنسلك جميع هذه البلاد".
وتذكر التوراة بأن إسحاق رزق بتوأمين هما عسو ويعقوب، وتجدد العهد مع يعقوب ابن العهد المسمى بإسرائيل حيث ورد" الأرض التي وهبتها لإبراهيم وإسحاق أعطيها لك ولذريتك من بعد أيضاً" وفي هذا النص حصر للعهد في إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، لكي لا يشمل العهد أبناء إبراهيم عليه السلام الآخرين.
وقد بقي يعقوب عليه السلام متنقلاً في كنعان من مكان إلى آخر وقد رزق بأثني عشر ولداً أطلق عليهم" أسباط بني إسرائيل" وهم الذين كانوا نواة المجتمع الإسرائيلي آنذاك.
ويروي غالبية المؤرخين أن تاريخ بني إسرائيل بدأ من نشأتهم في حجر أبيهم يعقوب عليه السلام ، وكان من بين أبناء يعقوب يوسف عليه السلام وقصته مفصلة في سفر التكوين، وقد كان السبب في هجرة أبيه يعقوب وأخوته إلى مصر، إذ رفع الله مكانته فكان وزيراً في نظام حكم الهكسوس فأرسل في طلب أبيه وعفا عن أخوته الذين تآمروا على قتله، واختار لهم أرض جاسان فاستوطنوا فيها فملكوا فيها وأثمروا وكثروا، وعاشوا في بحبوحة،ولكن تبدل حالهم بسقوط نظام الهكسوس ، وكان تقوقعهم حول أنفسهم وعدم اندماجهم مع الشعب المصري عامل آخر عزز سوء حالتهم فاستعبدهم المصريون وظلوا في شقاء لمدة قرن ونصف إلى أن أرسل الله موسى نبياً فكانت نجاتهم على يديه.
الفرع الثالث: موسى عليه السلام:
هو سيد الأنبياء ومخلص بني إسرائيل من عذاب المصريين، وهو مؤسس الديانة اليهودية، فهو الذي سن وكتب التوراة وفقاً للمعتقد اليهودي، وينظر إلى موسى على أنه بطل قومي حقق الخلاص السياسي لبني إسرائيل وحررهم من عبودية المصريين.
تفيد التوراة أن الله أمر موسى عليه السلام بإخراج بني إسرائيل من مصر لاحتلال"أرض الميعاد" فخرج موسى ومن معه بمعجزة إلهية، وكان ذلك حوالي عام1400 ق.م متجهين نحو أرض كنعان وتجدد العهد حيث جاء في التوراة" فتعلمون أني أنا الرب إلهكم الذي أخرجكم من تحت أثقال المصريين وأوصلكم إلى الأرض التي رفعت يدي أن أعطيها لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وأعطيكم إياها ميراثاً"، ويذكر السفر أنه عندما وصل موسى وقومه إلى برية سيناء اختار أثنى عشر نقيباً لاستطلاع أحوال الأرض، ورجع الوفد بعد أربعين يوماً وكانت نتيجة الاستطلاع أن اجمعوا على أن الأرض التي وعدهم الله تفيض لبناً وعسلاً غير أن الشعب الموجود فيها بالغ القوة ومدنه حصينة واختلفوا في الرأي إذ رأت قلة أن من السهل امتلاك البلاد والتغلب على أهلها ورأت الأكثرية أن من الصعب عمل ذلك فعمل الشعب برأي الأغلبية وقرر ألا يخوض حرباً مع أهل تلك البلاد، وقد عاقبهم الله أن حرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الصحراء، وخلال تلك الفترة نزلت على موسى "شريعة الاحتراب" حيث يمكن اعتبارها بمثابة أجندة من (يهوه) إله إسرائيل لامتلاك الأرض وإدارتها وتضمنت تلك الشريعة الآتي:" حين تقدمون لمحاربة مدينة فادعوها للصلح أولاً، فأن أجابتكم إلى الصلح،واستسلمت لكم، فكل الشعب الساكن فيها،يصبح عبيداً لكم وإن أبت الصلح وحاربتكم فحاصروها، فإذا أسقطهم الرب إلهكم في أيديهم فاقتلوا جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة من أسلاب فاغتنموها لأنفسكم، وتمتعوا بغنائم أعدائكم التي يهبها الرب إلهكم ميراثاً فلا تستبقوا منها نسمة حية، بل دمروها عن بكرة أبيها كمدن الحيثيين و الأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوبيين واليبوسيين كما أمر الرب"
ويمكن أيجاز الهدف الرئيسي الذي وضعت من أجله هذه الشريعة أنه تحريم التعايش الإنساني الكريم بين بني إسرائيل ومن سواهم.
وتفيد التوراة أنه قبل وفاة موسى عليه السلام فإنه قد وضع خطة إسكان استيطانية لبني إسرائيل ولقد كتب سوكولوف أحد زعماء الصهيونية ما يلي" إن أهم أهداف موسى هو تأمين مستقبل الأمة اليهودية، والاستيلاء على أرض الميعاد إلى الأبد ولا سبيل إلى المكابرة في هذا".
ومع ذلك فالتوراة تعد موسى خائناً غضب الرب عليه وأمر بموته جزاء خيانته فأصبح موسى مجرد رمز بينما أمسى يشوع الزعيم الديني لبني إسرائيل.
الفرع الرابع:يوشع بن نون (يشوع):
هو تلميذ موسى وخادمه ويعده الصهاينة مصوراً أساسياً لتعاليم الصهيونية، وتأتي بداية سفر يشوع بذكر وعد الرب للآباء الأوائل ، وتذكر التوراة صيغة العهد بين يهوه ويشوع إذا جاء ما نصه" إن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً: موسى عبدي قد مات فالآن قم أعبر نهر الأردن انت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم- أي بني إسرائيل- كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته، كما كلمت موسى من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جيمع أرض الحيثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم".
وهذا العهد الأخير تضمن آلية جديدة لتحديد أرض الميعاد لم تكن موجودة في العهود السابقة، ففيه أمر بالتوسع وموطئ القدم يتطلب إزاحة موطئ قدم أخرى" وقد أصبح ذلك مطلباً صهيونياً ودافعاً لهم للاستيلاء على أية أرض تمكنهم أن يصلوا إليها ، وهذا يعني أن الحدود عند إسرائيل إنما تقرها القوة وليس الحق.
وبالعودة إلى ما ورد في التوراة فإن عملية العبور لم تتم إلا بعد مرور عامين من صدور الأمر،إذ تدخلت العناية الإلهية بإحداث زلزال خفف منسوب المياه وردمت النهر بحيث استطاع الإسرائيليون عبور ذلك النهر، وبينما كانوا في منتصف النهر قال لهم يشوع: هل تعرفون لماذا تجتازون النهر؟؟ثم يجيب بقوله: من أحل أن ترثوا سكان البلاد الذين قبلكم، إذا فعلتم هذا فهو خير، وإن لم تفعلوه سوف تأتي المياه وتجرفكم جميعاً ويرى الحاخام حانان بورات أن هذا الأمر الذي نزل من عند الإله على يشوع كان لإصلاح العالم إذ أن الأمم قد بلغت غاية شرورها ولا سبيل لإصلاحها فقدر لبني إسرائيل أن يكونوا هم أداة العقاب!
ويستهل يشوع فاتحة عمله باقتحام أولى المدن الكنعانية وهي مدينة أريحا التي تقع على الضفة الغربية لنهر الأردن،وكانت نتيجة ذلك الاقتحام أن أبادوا أهلها ودمروها تدميراً كاملاً وأزالوها من الوجود، وكان ذلك أيضاً مصير المدن الكنعانية الأخرى ، ويفيد السفر بأن بني إسرائيل استوطنوا جزء كبير من بلاد كنعان بعد أن انتصروا على واحد وثلاثين ملكاً وقد استغرقت عمليات التسلل والاحتلال تلك قرابة سبع سنوات حيث عقد يشوع اتحادات مع كثر من المدن الملكية بدلا من احتلالها، بعدها قام يوشع بإجراء القرعة بين الأسباط ووضع خطة استيطانية للإسكان.
ويذكر السفر أن هناك أرضاً كثيرة لم يستول عليها يشوع وقومه وهذا يعطي دلالة قاطعة على أن بني إسرائيل كانت عشائر محدودة العدد والعدة، عاشت في جزء من بلاد الكنعانيين كمستوطنات ليس إلا، ويضيف بعض من المؤرخين أن من العوامل التي ساعدت على تقدم عمليات الغزو في بلاد كنعان هي ملائمة الظروف السياسية الداخلية والخارجية آنذاك، فقد كانت البلاد منقسمة على نفسها تتصارع فيما بينها دويلات لا يحصى عددها يحكمها إقطاعيون يستفيدون وهمهم الوحيد الحفاظ على سيطرتهم، كما كان للعامل الخارجي أيضاً دوراً في هذا الجانب فالقوى العظمى المحيطة بكنعان آنذاك، لم يكن لها دوراً إيجابياً في تلك الفترة نظراً للضعف السياسي و العسكري الذي حاق بمصر في فترة حكم اخناتون وخليفته نون عنخ آمون.
ومهما كانت الأسباب فإنه يمكن القول أنه لم يتسنى لبني إسرائيل تملك أرض كنعان كاملة، وأن المناطق المحتلة(كما يفيد السفر) بقيت فيها عمليات المقاومة للاستيطان الإسرائيلي من قبل سكان الأرض الأصليين، فما كان منهم إلا أن عاشوا معهم واختلطوا بهم ووصل بهم الأمر إلى أن أرتد كثير منهم عن دينهم، واستطاعت تلك الأقوام التي رضخت للاحتلال أن تسترد أوطانها من أولئك الغزاة في فترات لاحقة.
ويرى بعض المؤرخين أن تاريخ إسرائيل في كنعان يبدأ من دخولهم إلهيا بقيادة يوشع بن نون، ونجد أن العديد من الكتابات لا سيما الغربية منها حاولت تأصيل الحق التاريخي فوجدت عدد من النظريات لبداية الوجود الإسرائيلي في أرض كنعان منها ما ذكره مندنهول اللاهوتي البروتستانتي في دراسته التي حملت عنوان"الغزو العبراني لفلسطين" ونشرت عام 1962م حيث قال " أن المجتمع الكنعاني كان مجتمعاً مفككاً عجز عن حفظ السلام في تلك المنطقة وذلك لكونه وثنياً، ولكون الأرض ملكاً إلهياً فإن الله قد أهداها للإسرائيليين الموحدين، وبالتالي فإن غزوهم لهذه الأرض يعد واجباً حفاظاً على ذلك العهد، وعليه فقد رفض الإسرائيليون واقع تلك المجتمعات ثقافياً وسياسياً واجتماعياً ودينياً.
وقد عبر بن جوريون عن إعجابه بأعمال يشوع تلك فيرى أن يشوع بطل التوراة، لم يكن مجرد قائد عسكري فحسب، بل كان المرشد فقد توصل إلى توحيد القبائل الإسرائيلية وقد قتل الفلسطينيين وأبادهم ، وتمجيداً لهذا العمل وبالنظر إلى ما يدور في جنبات الكيان الصهيوني فقد كتب المحلل السياسي الصهيوني مناحم باراش في صحيفة "يديعوت احرونوت" يجب علينا أن نكون مثل يشوع من أجل استعادة أرض إسرائيل والاستقرار فيها كما أمرنا الكتاب المقدس.
الفرع الخامس: القضاة (1250-1020):
جاءت كلمة قضاة من قاضي وهو الذي يحكم بين الناس، إلا أن لها مدلولها في التاريخ اليهودي القديم إذ تشير إلى ما يمكن تسميته بـ(شيوخ القبائل) وهؤلاء الأشخاص هم من الكهنة المحاربين جمعوا بين السلطة الدينية والدنيوية، وسيطروا على أمور القبائل الإسرائيلية بعد وفاة يشوع لمدة قرنين من الزمن، وفي هذه المرحلة بأكملها لا نجد قاضياً سوياً استطاع أن يبسط سلطانه على جميع بني إسرائيل، فكل واحد من هؤلاء كان يتسلم قيادة زمرة واحدة عندما تهدد تهديداً مباشراً، ويتفق أغلبية الباحثين بأن هذه المرحلة لم تكن عهد استقرار مطلقاً لبني إسرائيل، وقد كادت الحروب بينهم والحروب التي جرت بينهم وبين جيرانهم من الكنعانيين والفلسطينين وغيرهم أن تقضي عليهم، فأصبح الإسرائيليون مهددين بالفناء.
وفي أواخر حكم القضاة انتصر الفلسطينيون على أشلاء بني إسرائيل انتصاراً ساحقاً كما استولوا على تابوت العهد وخضعوا لحكمهم أربعين سنة مما أدى إلى إذلال بني إسرائيل وتآكل مستوطناتهم.
ونخلص بالقول إلى أن عهد القضاة كان فترة مضطربة غير مستقرة عاش فيها بنو إسرائيل منقسمين مختلفين متقاتلين مع بعضهم تارة ومع سكان كنعان تارة أخرى ولم يكن لبني إسرائيل فيها حكومة مركزية أو عاصمة سياسية كما أنهم في هذه الحقبة لم يتمكنوا من احتلال أرض كنعان ولا حتى المحافظة على مستوطناتهم.

ثانياً:عهد الملوك:
الفرع الأول: شأوول(1020-1004ق.م):
يعد شاؤول أول ملك يحكم بني لمدة خمسة عشر عام، وفترة حكمه جاءت بعد مرحلة غير مستقرة، مليئة بالاضطرابات، ومملكة شاؤول عبارة عن اتحاد قبائل بني إسرائيل تحت أمرة أحدهم لتكوين مملكة.
ويرى نوث أنه عندما أصبح شاؤول ملكاً لم تكن المنطقة التي سيطر علها لها حدود واضحة ولم تعترف به إلا مجموعة من القبائل التي لا يعرف عنها إلا القليل، ويصور فترة حكمه بأنها فاشلة ويتفق مع وجهة النظر التوراتية التي ترى مرحلته مجرد مرحلة عابرة، ويمكن القول بأنه حتى وأن استطاع بنو إسرائيل إقامة نظام حكم ملكي لهم إلا أنه لم يكن هناك تغيير يذكر على أحوالهم، كما كانت عليه في عهد القضاة، فنظام حكمهم غير مستقر، ومستوطناتهم غير آمنة وحدودها مفتوحة وغير معروفة، وأحوالهم مضطربة واقتصادهم محدود، وكانت القوة الرئيسية التي تهدد كيانهم هي قوة الفلسطينيين.
الفرع الثاني: داود-عليه السلام-(1004-965 ق.م):
داود اسم عبري معناه "محبوب" ترجع التوراة نسبه إلى اسحق ابن إبراهيم-عليهما السلام- وتعده التوراة أيضاً بأنه ملكاً وليس نبياً، وأنه كان راعياً وقاطع طريق، كما عمل حامل دروع عند الملك شاؤول، وكان يعزف له الناي ليسري عنه، وقد عقد الإله معه عهداً أولياً بأن يكون المسيح المخلص من نسله، وخلال فترة حكم شاؤول كان داود لاجئاً عند الفلسطينيين، وعندما علم داود بمقتل شاؤول عاد إلى أرض عشيرته ونصب نفسه ملكاً عليهم، ويفيد السفر بأن دواد استطاع وبنفس أسلوب يشوع أن يخضع أكثر المدن الفلسطينية.
ويتفق غالبية المؤرخين على أن بداية التاريخ الحقيقي لبني إسرائيل يبدأ من مملكة داود حيث تكون فيها نظام ملكي وراثي، وكانت له إدارة مستقلة تضم شعباً له هويته الدينية وأن هذه الدولة كانت أشبه بمدينة لم تبلغ حد الإمبراطورية، ومات داود وخلفه أبنه سليمان عليه السلام.
الفرع الثالث: سليمان- عليه السلام-(965-928ق.م):
سليمان اسم عبري معناه"رجل السلام" وعند اليهود يعد ملكاً وليس نبياً، وهو ثالث ملك يحكم بين اسرائيل، وتصوره التوراة على أنه ابن زنى-حاشا لله- وقد ورث الحكم عن أبيه بعد أن قتله أخيه، وخان عرش أبيه وعزل الكاهن الأكبر وفقاً لرواية التوراة؟
اقتطف سليمان ثمرة ما حققه أباه من إنجازات فعم السلام مملكته إذ قلت الحروب ونشطت الصناعة وتحقق إنجاز أهم مشروع له وهو " هيكل سليمان"، ومع ذلك فإنه لم يضف أرض جديدة إلى المملكة .
الفرع الرابع: عهد الانقسام:
بوفاة سليمان عليه السلام بدأت عوامل الضعف تدب في أوصال المملكة الموحدة، ذلك أن أبناء سليمان قد تنازعوا على الملك، وانتهى النزاع بتقسم الدولة إلى مملكتين مملكة الشمال ومملكة الجنوب
- مملكة الجنوب: وتسمى مملكة "يهوذا" وعاصمتها"اورشليم" التي هي مدينة القدس، واستقرت في الجزء الجنوبي من فلسطين، وحكمها "رحبعام بن سليمان" وتعاقب على حكمها من بعده ثمانية ملوك، جميعهم من نسل داود ما عدا عثليا.
- مملكة الشمال: وتسمى مملكة إسرائيل وعاصمتها " شكيم" التي هي مدينة نابلس ثم السامرة، أقامها "يربعام بن نباط" وكانت مساحتها ضعف مساحة مملكة الجنوب، إلا أنها كانت أقل عمراً وقد تعاقب على حكمها ثمانية عشر ملكاً.
ويذكر علم النفس اليهودي فرويد أن الأمة اليهودية انبثقت عن اتحاد مركبين اثنين، ومن هناك كان إنفصالهما بعد مدة وجيزة من الوحدة السياسية إلى شطرين هما مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل، وقد ساقت لنا أسفار العهد القديم عددا من الحروب والتمردات على المستويين الداخلي فيما بين المملكتين، الخارجي الذي وجه ضدهما ويمكن تقسيم تلك الحروب التي خاضتها المملكتين طوال حياتهما إلى ثلاثة أنواع هي:
- حرب المملكتين ضد بعضهما البعض.
- الحروب بين المملكتين مع القوى العظمى السائدة آنذاك
- الحروب بين المملكتين مع أهل البلاد الأصليين.
وتسرد لنا التوراة أن حدود المملكتين أيضاً ظلت غير مستقرة وفي تآكل من خلال تلك الحروب.
ثالثاً: عهد الشتات:
استمر حال بين إسرائيل منقسمين حتى هاجم الاشوريون مملكتي إسرائيل ويهوذا واحتلوهما، وفرضوا الجزية عليهما وعندما حاولت مملكة إسرائيل التمرد هاجمها الأشوريون مرة أخرى عام701ق.م، واحتلوها ونهبوا كنوزها وأخذوا معظم سكانها أسرى إلى العراق، وادخلوا محلهم قبائل عربية جديدة من بابل وسوريا وجزيرة العرب وفي نفس الوقت زحف المصريون بزعامة الفرعون نخاو، ولكن الهيمنة المصرية لم تستمر طويلاً فقد هزم ملك بابل الفرعون ، وقام نبوخذ نصر الكلداني بالزحف على مملكة يهوذا والاستيلاء على القدس عاصمة يهوذا وأخذ ملكها وعائلته وقواده ومعظم جيشه أسرى إلى بابل في العراق بعد أن نصب في القدس ملكاً جديداً.
وعندما حاول بقايا اليهود التمرد على سلطان بابل في فلسطين عاد نبوخذنصر فغزاها من جديد ولكنه هذه المرة دمر القدس والهيكل وأخذ منهم ملكهم وخمسين ألفاً من رجالهم أسرى إلى بابل.
وكانت أولى الدعوات التي نجحت في إعادة اليهود إلى صهيون على يد كورش ملك فارس، حيث سمح لهم بالعودة إلى فلسطين بعد انتصاره على بابل، وهكذا عاد اليهود إلى فلسطين، فوقعوا أولاً تحت سيطرة الفرس وظلوا كذلك زهاء قرنين كاملين، ثم وقعوا تحت سيطرة المقدونيين حلفاء أسكندر الأكبر الذي غزاها حوالي عام 332 ق.م.واتبعها بالدولة الإغريقية وعندما حاول اليهود التمرد على الحاكم اليوناني تم أسرهم وتشريدهم في شتى أنحاء الأرض حتى عام170 ق.م .
وفي أوائل القرن الأول الميلادي غزا الرومان فلسطين واحتلوها وجعلوا منها ولاية رومانية، وظلت تتبع روما أولاً ثم بيزنطة بعدها، حتى منتصف القرن السابع الميلادي، حين حررها العرب المسلمون، وظلت تتبع الدولة الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن الحاكم الروماني قد أعطى لليهود حكماً ذاتياً سمح لهم بإقامة معبدهم ونصب عليهم ملكاً هو هيرودس وكان ذلك عام 40ق.م، إلا أنهم كانوا يطمحون بما هو أكثر من ذلك فسعوا للاستقلال،وأعلنوا التمرد الأول(66_70م)، فأرسل الحاكم الروماني طيطس جيشاً دمر مدينتهم وخرب هيكلهم، وقتل منهم ألف نسمة.
وقد حاول اليهود القيام بثورة أخرى وكان من نتيجته أن أمر الإمبراطور الروماني هدريان بقتل أي يهودي يوجد في فلسطين، وهدم أي بناء عليه أية علامة تثبت انتمائه لليهود وبدأ بمدينة أورشليم ،وهدم المعبد اليهودي وأقام مقامه عدة تماثيل الآلهة الرومان.
ويمثل هذا العهد عهد الشتات الأخير لليهود في أنحاء الأرض فتشردوا في قارات الدنيا الثلاث بما يزيد عن خمسة عشر قرناً وانقطعت صلتهم بفلسطين ولم يظهر فيها الإسرائيليون بأي مظهر سياسي أو قومي في بقعة يملكونها من الأرض حتى القرن العشرين.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

القسم الثاني: الفكر الصهيوني:

بعد أن تم إعطاء نبذة موجزة عن اليهودية ومدلولها وتشريعاتها وتاريخها جاز التساؤل عن ماهية العلاقة بين اليهودية والصهيونية؟
للإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأن هناك اتجاه ينفي وجود أية علاقة بين اليهودية والصهيونية، إذ يرى أنصار هذا الاتجاه بأن الصهيونية هي غير اليهودية، وأنه يمكن التمييز بينهما بسهولة ويعدون اليهودية على أنها عقيدة دينية شاملة، ويرون أن الصهيونية على العكس من ذلك لكونها حركة عنصرية متطرفة، كجزء من التيارات القومية العامة، والتي نشأت في أوروبا في القرون الثلاثة الأخيرة.
ويذهب فريق آخر إلى وجود علاقة رئيسية تربط ما بين الصهيونية واليهودية، فالصهيونية في حقيقتها ليست سوى عودة إلى حظيرة اليهودية، فالعلاقة بينهما مسلم بها ويمكن إيضاحها بإيجاز من خلال الدراسة التي أجراها المجلس الصهيوني العام في هذا الصدد وقد ورد فيها ما ينبغي أن يقوم به اليهودي لكي يصبح صهيونياً:
- يجب على الصهيوني أن يهاجر إلى إسرائيل (أي فلسطين).
- يجب على الصهيوني تعلم اللغة العبرية والديانة اليهودية ومراعاة تقاليدها في منزله.
- عليه أن يعمل لصالح الصهيونية في المجتمع الذي يعيش فيه
- كما أن عليه مساعدة كل يهودي بجميع الطرق الممكنة لإيصاله إلى إسرائيل.
وقد جاء في الدراسة "بأن كل يهودي يعيش خارج (إسرائيل) يعتبر في المنفى وذكر هرتزل في الخطاب الافتتاحي للمؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 بقوله"الصهيونية هي العودة إلى حظيرة اليهودية قبل أن تصبح الرجوع إلى أرض اليهود".
إن اغتصاب أرض فلسطين من أهلها لتوطين مهاجرين يهود فيها هو صراع يطغى فيه الجانب الديني على أي جوانب أخرى له، لأن سببه هو زرع أتباع دين واحد معين في أرض يغلب عليها أتباع دين آخر بالقوة المسلحة، فالصهيونية والدين اليهودي قد نبعا من أساس مشترك هو أن اليهود يشكلون شعب.

وسيتم تناول الفكر الصهيوني كذلك من خلال أطروحة الدكتور خالد الفهد وذلك عبر التقسيم التالي:
1- مفاهيم
2- جذور النزعة الاستيطانية في الفكر السياسي الصهيوني المعاصر(الرواد)
3- طبيعة ودوافع وأنواع الاستيطان الصهيوني
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

1- المفاهيم:
أ- الصهيونية:
يندر أن نجد تعريفاً واضحاً ومحدداً للصهيونية ، وكلمة صهيونية مشتقة من كلمة (صهيون) وهو اسم لجبل موجود في مدينة القدس بفلسطين، وبالنظر إلى المعنى القاموسي ، والموسوعي للكلمة يمكن القول بأنه قد رود في المعجم الوسيط بأن الصهيونية هي" حركة تدعو إلى إقامة المجتمع اليهودي المستقل في فلسطين،وأنها نسبة إلى جبل صهيون"، وبتتبع جميع التعاريف الخاصة بالصهيونية يمكن استخلاص جملة من العناصر التي تعبر عن مفهوم الصهيونية وهي:
- أن الصهيونية هي فكر ودعوة وحركة نكوصية سياسية، ترتكز على العقيدة الدينية اليهودية، وتستمد سلوكها السياسي من الواقع السياسي والاجتماعي، ومن الأفكار المعاصرة.
- تبدأ الصهيونية برفض تاريخ اليهود في المنفى، وترى أن الاستيطان في صهيون هو الحل، كما تؤكد على العودة إلى فلسطين وما جاورها، ومحور تلك العودة هي القومية السياسية.
- الحركة الصهيونية منذ البدايات الأولى احتقنت بطابع استعماري كولونيالي، إلا أنها تظل كحركة استعمارية لها مكانها المتميز داخل إطار الاستعمار العالمي، والكيان الصهيوني يعد مشروع استعماري استيطاني ساهم في خلقه قوى الاستعمار كما أن " الكيان الصهوني" هو كيان استعماري، وليس مجرد قاعدة عسكرية تابعة للغرب وأمريكا، ويمكن دمج هذه العناصر لإيجاد تعريف عام للصهيونية بالشكل التالي" فكرة عنصرية ، تدعو لإيجاد حركة سياسية استيطانية تسعى لاقامة دولة لجميع اليهود في فلسطين كنقطة أولى في مشروعها الاستيطاني الكبير ليتسنى لها حكم العالم فكرياً وعملياً".
وإذا أردنا وضع الصهيونية كمذهب سياسي فهي تلك العقيدة السياسية التي تقوم على أساس دعوة جميع اليهود للعودة إلى الأرض المقدسة لتكوين الدولة الإسرائيلية، استجابة للأمر الإلهي الذي فرض على تلك الجماعة أداء وظيفة حضارية في قيادة الإنسانية المعذبة إلى الكمال الروحي وجاعلة من الوكالة اليهودية أداتها المباشرة لتحقيق عملية الاستيعاب الأولى للفرد اليهودي في الأرض المقدسة.

ب- الاستعمار:
الاستعمار في معناه العام هو سيطرة شعب أو نفوذه على شعب آخر ويمكن تعريفه بشمولية على أنه"السياسة التي بموجبها تقوم دولة أو جماعة منظمة بفرض حكمها أو آرائها أو أيدلوجيتها على آخرين أجانب عنها في أرض أجنبية دون النظر لإرادتهم وذلك تحقيقاً لمصالحها.
ج_ الاستيطان:
يطلق مصطلح الاستيطان على ظاهرة محاولة القضاء على وطن ودخول عنصر أجنبي بهدف الاستيلاء على قسم من الأرض.
د_ الاستعمار الاستيطاني:
يعد فرعاً من فروع الظاهرة الاستعمارية ويستمد أصوله من مرحلة التوسع الاستعماري التقليدي ، وجدير بالذكر أنه يختلف عن الاستعمار التقليدي في أن المستعمر المستوطن هو مقيم على الدوام ويبقى على اتصال مستمر بالسكان الاصليين ، وتظل سياسة التفرقة التي يستخدمها مع هؤلاء تتسم بمزيد من العنف والشدة والمنهجية بالمقارنة مع المعاملة التي يخضع لها أهل البلاد الأصليين على يد سلطات الإمبريالية، بالإضافة إلى أن الاستعمار الاستيطاني يتبنى سياسة التفرقة على أساس العرق أو اللون أو الدين، زيادة على ذلك فإن المستعمر التقليدي يظل على جنسية بلاده بينما المستوطن فليس له جنسية أخرى وبالتالي عليهم أن يستميتوا من أجل البقاء وهذا ما يحدث مع الصهيونية ، وتذكر الموسوعة السياسية أن الاستعمار الاستيطاني هو ظاهرة استعمارية تتخلص في وجود غرباء أساساً مزروعين في وسط محيط من سكان البلاد الأصليين يشعرون بالنقاء والتفوق العرقيين، ويمارسون إزاء السكان الأصليين شتى ضروب التمييز العنصري وينكرون وجودهم القومي.
ويمكن إجمال عملية تكون الاستعمار الاستيطاني أساساً في أربع مراحل متداخلة هي:
- مرحلة الهجرة الاستيطانية.
- مرحلة السيطرة المنظمة.
- مرحلة الغزو العلني
- مرحلة الانفصال الفعلي.

هـ- بروتوكولات حكماء صهيون:
يعتبر أحد أهم مصادر الصهيونية بالإضافة إلى التوراة والتلمود، ولا يقل قدسية عنهما، وبروتوكول هنا لا يعني اتفاقية ، وإنما يعني (المحضر) الذي تم تدوينه خلال جلسة أو اجتماع بين أطراف معينة، وقد ظهرت هذه البروتوكولات ما بين السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن العشرين في روسيا كوثيقة ، وهذه الوثيقة تضمنت أربع وعشرون بروتوكولا، وهي عبارة عن مخططا ترمي إلى السيطرة على مكامن القوة والنفوذ في مختلف أنحاء العالم من خلال خطوات منظمة ومدروسة بغية الوصل إلى هدف نهائي يتجلى في الهيمنة على العالم كله سياسياً واقتصادياً ومعنوياً ، وذلك من خلال حكومة يهودية يتوج عليها ملك من نسل داود.


وبعد أن تم توضيح معظم المفاهيم يمكن القول بأن " الاستعمار الاستيطاني الصهيوني" يبدأ بنزوح هجرات يهودية إلى فلسطين يتزامن مع طرد لأهلها الأصليين واستعبادهم أو أبادتهم لإقامة دولتهم المزعومة لتجمع يهود العالم في فلسطين كنقطة أولى في مشروعهم الاستعماري الاستيطاني، ليتسنى لهم من بعد ذلك تكوين إمبراطوريتهم لحكم العالم، وحتى تحقيق ذلك الحلم فإنها ستظل تحت مظلة الدول الاستعمارية العظمى، إذ قامت بريطانيا بهذه المهمة في بادئ الأمر ثم اتكأت الصهيونية ووليدتها (إسرائيل) على الولايات المتحدة الأمريكية، ولولا الدعم الانكلوسكسوني لما نجح الصهاينة في إقامة مشروعهم.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

2- جذور النزعة الاستيطانية في الفكر السياسي الصهيوني المعاصر(الرواد):

إن الأفكار والنظريات الاستيطانية لدى رواد الفكر السياسي الصهيوني لم تكن تجري في فلسطين وإنما في أوروبا، وفي ظروف التوسع الإمبريالي والأوروبي بدأت تنمو بذور الفكرة الاستيطانية الصهيونية خاصة في ستينات القرن التاسع عشر، إذ لم يكن يمتلك هؤلاء ن مقومات الدولة المزعومة سوى النظريات، فلم تكن لديهم أرض لشعبهم المشتت، ولم يكن ليتسنى لهم إقامة الدولة بدون توفر الأرض، وبدون الهجرة اليهودية وبدون الاستيطان اليهودي، فقد شكلت الأرض المحور الرئيسي لدى لفكر الرواد، وعليه فقد حاربوا فكرة الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها بين، ورأوا أن حل المسألة اليهودية لن يكون إلا بهجرة اليهود واستيطانهم في فلسطين.
وفي هذا الجزء سوف نستحضر أبرز ملامح المناخ الفكري الذي شهده القرن التاسع عشر والذي هيأ الظروف لدور الحركة الصهيونية من خلال التعريف ببعض أهم رواد الفكر الصهيوني الذين كان لهم الدور الأول في بلورة المشروع الصهيوني الاستيطاني فكرياً وروحياً.
أولاً: الرواد الأوائل:
أ- الحاخام يهوذا القالي(القلعي)(1798-1878)
- حياته وعصره:
ولد في سراييفوا وكان الزعيم الروحي للمجتمع اليهودي المحلي هناك، ولقد أمضى سنينه الأولى في القدس، حيث خضع لتأثير القبالة الروحي السائد آنذاك في المدينة المقدسة، وفي عام 1825 دعي ليكون حاخاماً لعاصمة الصرب، وكانت الحركة القومية للبلقان ضد الحكم العثماني في مطلعها.
ومن أهم منشوراته كراسة بعنوان" اسمعي يا إسرائيل"، وكذلك كتيب بعنوان"الخلاص الثالث" المنشور عام1843م، تضمنت أقدم دعوات الاستيطان اليهودي لفلسطين، فكان أول الصهاينة الذين طالبوا بذلك.
- النزعة الاستيطانية في فكره:
بدأت فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين تأخذ مداها مع الخاخام يهوذا في مرحلة كان فيها الحديث عن تقاسم تركة الرجل المريض أخذ بالتصاعد، فقد سعى من خلال منشوراته إلى اختلاق أيدلوجيات تعتمد على الفكر الديني لتعطي إيحاء بأن اليهود كانوا أمة واحدة، وليصبح هدفاً قومياً، يجذب فقراء اليهود بالتلويح بالفوائد المالية الجمة التي بالإمكان تحقيقها عن طريق الاستعمار الذي كان مطروحاً بقوة آنذاك.
ففي كراسة "اسمعي يا إسرائيل" انطلق من تربة تلمودية دينية صرفة دعا فيها إلى ضرورة القيام بمجهودات ذاتية للخلاص، وقد دعا إلى إقامة مستعمرات يهودية في فلسطين بالجهد الذاتي، كمقدمة لا مناص منها لخلاص اليهود الموعودون به إذ وضع برنامج عمل يهودي لإقامة تلك المستعمرات تضمنت الخطوات التالية:
- تكوين اتحاد أو جمعية لليهود لتكوين ما أسماه بالكيان اليهودي العالمي
- شراء الأرض في فلسطين عن طريق صندوق قومي، بالإضافة إلى إنشاء صندوق ضرائب يهودي لتمويل عمليات الشراء.
- الهجرة الجماعية.
- إحياء اللغة العربية.
وهذه الأفكار تمخضت عنها فيما بعد"المنظمة الصهيونية العالمية ومؤسستها المالية"
وقد تضمن كتابه الآخر(الخلاص الثالث) تكراراً للأفكار السابقة إلا أنه ربطها بالمنطق التوراتي التلمودي.
ب- الحاخام زفي هيرش كالشير(1795-1874)
- حياته وعصره:
ولد في بولندا، وقد ظهر تعصبه الفكري في مناوأته المبكرة لحركة الإصلاح اليهودية السائدة آنذاك والداعية إلى نبذ كثير من العقائد والطقوس الموروثة لا سيما عقيدة المسيح المنتظر وما يتصل بها من علاقة اليهود الخاصة بالأرض المقدسة، ويكمن خالص فكره في كتابه " البحث عن صهيون" الصادر عام1861م.
-النزعة الاستيطانية في فكره:
ينطلق من نفس منطلق القالي في طرحه، إذ أكد في كتابه "البحث عن صهيون" أن خلاص اليهود لن يتحقق على يد المسيح المنتظر، وإنما عن طريق العمل الذاتي لليهود، وشرح فكرته ووسائل تحقيقها مستفيداً ذلك من نصوص التوراة ويمكن توضيح أهم أفكاره بالشكل التالي:
- أن خلاص اليهود لن يكون بمعجزة من السماء تظهر فجأة وتحقق لليهود العودة للأرض المقدسة، ولكنه يكون بالعمل الصابر وعون المحسنين والحكومات.
- أن الهجرة لن تتم جماعياً وكدفعة واحدة بل تدريجياً.
- أن الاستيطان اليهودي في الأرض المقدسة هو الأساس للخلاص.
- يجب تقديم العون من اليهود في الخارج لليهود المعوزين المقيمين في فلسطين.
- دعا إلى الاستيطان الزراعي في فلسطين وإقامة مستوطنات زراعية مؤكداً أن إيمان اليهودي لا يكتمل إلا إذا عاش في أرض إسرائيل.
ج- موسى هيس :
- حياته وعصره:
ولد في بون الألمانية، وزامل كارل ماركس في الجامعة وتعاون معه من أجل الاشتراكية العلمية ثم انفصل عنه وعدل عن أفكاره الاشتراكية وتحول إلى دراسة اليهودية ، ويعتبر رائد الصهيونية العمالية، وقد اشترك في الثورة الألمانية فحكم عليه بالإعدام ثم فر إلى فرنسا وعاد إلى ألمانيا بعد إعلان العفو، وقد تأثر بنجاح الوحدة القومية في إيطاليا ، فدعا إلى الوحدة القومية لليهود وأكد على فكرة نقاء العرق اليهودي متبنياً المنهج العرقي في التحليل التاريخي.
وكتبه هي :
- كتاب "تاريخ الإنسان القدسي" والذي تضمن فكره القديم ، فمجد النصرانية إذ رأى فيها توحيد البشرية جميعاً وقلل من شأن اليهودية التي تسعى لتوحيد شعبها فقط.
- كتاب " روما والقدس" أعد من خلاله أول داعية للفكرة القومية اليهودية كعقيدة جديثة.
- كتاب " مشروع استعمار الأراضي المقدسة".
- النزعة الاستيطانية في فكره:
تميزت كتابات هيس عامة بالعنصرية ففي كتابه"روما والقدس" اعتبر المسألة اليهودية إحدى حركات النضال القومي المستلهمة من الثورة الفرنسية،إذ وضع المسألة اليهودية في باب النضال الوطني، كما طالب فرنسا بتشجيع اليهود على إنشاء مستعمرات تمتد من قناة السويس إلى مدينة القدس ومن نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن أهم ما ورد في كتابه هذا:
- اعترافه بخطئه الذي استمر عشرون عاماً، حينما أزدرأ اليهودية وابتعد عن طريقها وبعد عن بني إسرائيل، وذلك في إشارة منه إلى كتابه الأول"تاريخ الإنسان القدسي" الذي مجد النصرانية فيه وهاجم اليهودية.
- الحملة عل اليهود الألمان الذين يعارضون فكرة القومية اليهودية، ووصف العرق اليهودي من وجهة نظره على أنه عرق رئيسي في الجنس البشري، وامتدت حملته تلك لتشمل حتى دعاة الإصلاح والاستنارة اليهودية.
- الدين اليهودي، هو دين قومي، بل هو قومية قبل كل شيء.
- يدعو للعنصرية من خلال طرحه لأفكاره فيرى أنه يجب على اليهودي أن يتمسك بعنصريته حتى وإن ضحى بحريته.
وقد تضمن كتابه الثالث "مشروع استعمار الأراضي المقدسة" فكرة استعمار مركزة للأراضي الفلسطينية، يسبقها إعداد نفسي وعسكري للمستوطنين العائدين إلى أراضي آبائهم، ثم يلي مرحلة الاستيطان إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وقد راح هيس يترجم مشروعه إلى واقع ملموس، إذ تؤكد رسالة مؤرخة في عام1865 إلى الحاخام الأكبر لمدينة أمستردام الوعود التي حصل عليها هس من رجال المال المرتبطين بالاستعمار الجزائري عن تعاون هؤلاء والنظر بعين العطف لإنشاء مستعمرات يهودية في فلسطين وفي المناطق المجاورة لها.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

ثانياً: رواد الصهيونية ما قبل هرتزل:
وسوف نكتفي بذكر أثنين منهم هم :
أ- بيرتز سمولينسكين (1842-1885)
- حياته وعصره:
ولد في روسيا، وقد تأثر بحدثين في صغره، حدث انتزاع شقيقه الأكبر من أسرته للخدمة العسكرية في الجيش الروسي، وبوفاة والده وهو في العاشرة من عمره، وقد التحق بأكاديمية التلمود في مدينة شكلوف وهو في الحادية عشره من عمره وتعلم مبادئ التنوير السائدة فحاول في بداية حياته التحرر من جميع مظاهر اليهودية والاندماج في الأمة التي حمل طبيعتها فحكم على نفسه بالسجن لا سيما من الأوساط الدينية المبغضة التي اقتضت تقديمه للمحاكمة ولم يجد بدا من الفرار والتشرد ولكنه بعد مضي سنوات من التشرد تغيرت تلك الفكرة التي حملها وارتدت رأساً على عقب فهاجم دعاة الإصلاح والاندماج وآمن بأن الخلاص الوحيد هو الهجرة إلى فلسطين وإنشاء وطن وقومي هناك.
ومن أعظم أعماله هو سيرته الذاتية التي حملت عنوان" الهائم في دروب الحياة" حيث كانت من أعظم الآثار الأدبية العبرية، بالإضافة إلى ثلاث مقالات رئيسية نشرف في صحيفة الفجر وجسدت خالص فكره الصهيوني.
- النزعة الاستيطانية في فكره:
ومن أعظم أعماله هو سيرته الذاتية التي حملت عنوان"الهائم في دروب الحياة" حيث كانت من أعظم الآثار الأدبية العبرية سيرورة بين اليهود في السبعينات، بالإضافة إلى ثلاث مقالات رئيسية نشرت في صحيفة الفجر، وفيما يلي خلاصة لما تضمنته تلك المقالات من أفكار:
- هذا أوان الزرع: سلسة من المقالات تضمنت مبادئ عديدة من أهمها أن اليهود أمة روحية وأن التنكر للدين من البعض لا يعني التنكر للروح القومية، وأن اليهود شعب مختلف عن بقية الشعوب، ويجب العودة إلى فكرة الاستيطان في أرض إسرائيل، وقد وافق على ما طرحه من سبقه من المفكرين بأن أي عمل لن يجني ثماره إلا بالدعم المالي.
- حركة التنوير في برلين: وهي مقالة استنكر فيها ظن اليهود أن نبذهم للغتهم وذاتهم واعتناق المبادئ الغربية سوف يحل كل مشكلتهم، وهو ما روجت له حركة التنوير التي اعتبرها حركة فاسدة وشريرة، وقد ألح على ضرورة أحياء اللغة العبرية كأساس لنهضة الشعب اليهودي، كما تعاون مع "ناثان بيرنباوم" لتأسيس جمعية للطلاب اليهود في جامعة فيينا يقوم برنامجها على نقطتين رئيسيتين هما:
• بلورة الشعور القومي لليهودي وتقويته.
• استيطان فلسطين واستعمارها.
ب_ ليو بينسكر (1821-1891):
- حياته وعصره :
ولد بينسكر في "توماشوف" ببولندا الروسيه، ثم ا لتحق بمدرسة عالي بأدوسيا حيث درس القانون لعدة سنوات ومن بعدها دخل جامعة موسكو حيث نال درجة علمية في الطب وبمعنى آخر نشأ نشأة أوروبية خالصة لا مجال فيها لليهودية.
ويرى البعض أن حياته التي نيفت على السبعين عاما انقسمت إلى قسمين الأول امتد ستين عاماً، لا تظهر فيه سوى الاستنارة والعلمانية والعزوف التام عن الصهيونية ، والآخر يبدأ في مطلع الستينات وتحديداً من عام 1881، حيث برز دوره الصهيوني بروزاً كبيراً مشهوداً حتى وفاته.
وقد أقلقته المذابح اليهودية في روسيا بعدها بدأ يفكر في المشكلة اليهودية تفكيراً جديداً، وانتهى إلى ضرورة إحياء القومية اليهودية، وتجميع اليهود في دولة،وأخذ يتجول في بلاد أوربا الوسطى والغربية ناشراً رأيه الجديد.
وعندما عاد إلى روسيا شرع في علاج المسألة اليهودية في كتيبه الذي كان بعنوان " التحرر الذاتي" بعد ذلك استطاع معاصروه من الصهيونيين ضمه إلى صفوفهم وتم اختياره رئيساً لحركة احباء صهيون عام1884م.
- النزعة الاستيطانية في فكره:
يعد كتابه "التحرر الذاتي" الكتاب الثاني بعد كتاب الدولة اليهودية لهرتزل والذي سيرد ذكره لاحقاً، ولم يكن يشترط فلسطين إلا فيما بعد، ويمكن تلخيص أهم أفكاره كالتالي:
- ينبغي العمل الجاد لحل المسألة اليهودية، فدعا إلى ضرورة حل دولي لمشكلة اليهود، مقترحاً ضرورة الحصول على إذن من الدولة العثمانية.
- أن الأزمة اليهودية أساسها فقدان الشعور اليهودي بالحاجة إلى الاستقلال ويجب أيقاظ هذا الشعور،وإقناع اليهود أن الواجب يقتضي أن يصبحوا أمة.
- يجب أن لا يكون هدف اليهود استعادة "ارض إسرائيل" بل أي أرض نملكها فأقدس ما نرثه هو "التوراة"و"الفكر اليهودي" وليس أرضاً بعينها.
وقد جاءت دعوة بينسكر متمشية من إيمان القرن التاسع عشر بالقوة المخلصة للعمل اليدوي المنتج والصالة بالأرض، فكانت أولى المستوطنات الزراعية في فلسطين برعاية جماعية"أحباء صهيون" التي ترأسها بيسنكر.
وحري بالقول أن هذا الكتيب لم يلق صداً كبيراً بين اليهود، إذ لم يتعاطف معه سوى دائرة صغيرة ويبدو أن السبب في ذلك هو عدم اهتمام بينسكر لتحديد أرض الوطن اليهودي واختيارها.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

ثالثاً: تيودرهرتزل (1860-1904):
حياته وعصره:
ولد في بودابست-عاصمة المجر حالياً- ودرس في فيينا النمسا بين عام (1878-1884) وتخرج من جامعة فيينا بدراسة للقانون، لم يكن مرتبطاً بالتقاليد الثقافية الدينية اليهودية، اشتغل بالكتابة والسياسة، وكان صحفياً ومسرحياً وأصبح عام1891 مراسلاً للجريدة الحرة الجديدة المجلة النمساوية في باريس، وظل في وظيفته هذه حتى عام1895.
وقد أخذ يتخلى تدريجياً ومنذ عام 1894 عن آرائه السابقة بوجوب اندماج اليهود مع الشعوب التي يقيمون بينها،وأخذ يدعو في الوقت نفسه إلى إنشاء دولة اليهود، وعين محرراً أدبياً للجريدة الحرة الجديدة عام 1896م كما أخذ يتصل بغيره من اليهود لتنظيم الدعوة إلى محاربة الاندماج وإنشاء الدولة اليهودية، وهي الدعوة التي نشرها في كتيب له بعنوان "الدولة اليهودية" في عام 1896م وقد نجح في 1897م بعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بال الذي انبثق عنه كل ميثاق الحركة الصهيونية والمنظمة الصهيونية العالمية، ثم عقد خمس مؤتمرات أخرى في السنوات السبع التي تلت ذلك التاريخ وتمكن من خلال هذه المؤتمرات من تأسيس الصندوق الاستعماري اليهودي، وعدداً من المؤسسات التي سهلت عملة استعمار فلسطين على الصهيونيين وقد مات هرتزل عام 1904 ودفن في فيينا.
وضع هرتزل عدد من الكتابات التي عبرت عن أفكاره لكن أهمها هو يومياته، وكذلك كتابه الشهير "الدولة اليهودية".
- النزعة الاستيطانية في فكره:
أولاً:يوميات هرتزل:
يعرض هرتزل في ذلك القسم من يومياته على إقامة الأرض أو الرقعة التي يسميها"الأرض الموعودة" بهالة من الغموض والثورية، فحين ينتقل إلى تعداد الخطوات الأولية تجده يذكر بنداً يتعلق باختيار الأرض وتعيين حدودها ومواقع المدن الرئيسية.
ويبسط مشروعه عن الأرض الموعودة على الشكل التالي" حالما تتألف جمعية اليهود سوف تدعو لمؤتمر يضم عدداً من الجغرافيين اليهود لكي تقرر بمساعدة أولئك العلماء المخلصين لنا بصفتهم يهوداً إلى أين نهاجر..لأنني سوف أخبركم الآن بكل شيء عن الأرض الموعودة إلا موقعها، فتلك مسألة علمية بحتة، إذ يجب أن نأخذ بعين الاعتبار شتى أنواع العوامل الطبيعية والجيولوجية والمناخية.
ويعترف أنه لم يفكر بفلسطين قبل ذلك مؤكداً أن فلسطين تستقطب الوقائع لصالحها بصفة كونها المهد القديم لشعبهم، وأن مجرد اسمها يؤلف برنامجاً بالإضافة إلى كونها تجتذب جماهير الطبقات الدنيا إليها بقوة، ويخلص إلى القول بأنه ليس ضد فلسطين ولا الأرجنتين بصورة مبدئية بل جل ما يطلبه هو توفر مناخ متنوع يعنى بحاجات اليهود.
وحين اجتمع في منتصف أغسطس 1895 بكل من داعية الاستعمار الفلسطيني البرليني ما يركوهين والحاخام مورير غودمان وتوصل الثلاثة إلى اتفاق يقضي بنشر المشروع الذي كان هرتزل يتولى توجيهه في رسالة إلى اسرة روتشلد، وفي اليوم التالي كان لقاء هرتزل مع الكولونيل غولد سميد الذي أعرب عن تفضيله لتسمية الإسرائيليين بدلا عن اليهود لأن إسرائيل تشمل الأسباط كلهم، كما أسدى نصيحة لهرتزل بأن فلسطين وحدها ستحقق اهتمامنا وطمأنه بالمساعدة المتوقعة من أوساط المسيحيين المتدينين في انجلترا الذين ينتظرون مجي المسيح بعد عودة اليهود إلى الوطن، فسجل هرتزل ذلك التوارد في الخواطر وفكر بفلسطين الكبرى.
ثانياً: الدولة اليهودية:
في هذا الكتاب عارض مشروع هرتزل جماعة (أحباء صهيون) خاصة وأن كتابه حمل اسمه سياسياً (دولة اليهود)لا اسماً دينياً ( الدولة اليهودية)، فقد رفض هؤلاء الانسياق وراء هذه المغامرة السياسية، كما اعترض حاخامات أوروبا وأمريكا على هذا المشروع.
ويرى هرتزل في هذا الكتاب أن دولة اليهود ضرورة عالمية، وأكد حق اليهود في فلسطين وبالتالي رفض اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية، وقد أضاف بأن اليهود كانوا دوماً محل للاضطهاد والتمييز العنصري وان الحل الوحيد للقضاء على المسألة اليهودية ووضع حد لهذا لمعاناة اليهود هو إنشاء وطن قومي خاص بهم بتأييد من القوى الكبرى، داعياً فيه إلى إنشاء مستعمرة لليهود في فلسطين أو الأرجنتين بمعونة وإشراف بريطانيا، على أن تتطور بعد ذلك إلى دولة يهودية قومية مستقلة ذات سيادة.
وقد أكد هرتزل في كتابه هذا على حيازة الأرض، وتنبأ باستيلاء تدريجي على البلاد من خلال شراء الأرض وطرد العمالة الفلسطينية من الأراضي التي يملكها اليهود، ومقاطعة السلع غير اليهودية، وتتضمن المرحلة النهائية طرد السكان الفلسطينيين.
وقد رأى هرتزل أن أقدر من يقوم بأعباء هذه المهمة هي مجموعة مؤسسات، ووضع في كتابه تصوراً بالغ الدقة لها، كما تعرض بأدق التفاصيل لعملية بناء الدولة الحلم، وما يمكن أن يقابلها من مشاكل ووضع تصوراً لحلولها، ليضع أمام الحركة الصهيونية طريقاً عملياً تمكنها من تنفيذ المخططات.
- نشاطه الاستيطاني:
في عام 1897 دعا هرتزل ورفاقه إلى عقد مؤتمر بال حضره مائتي عضو من أكبر الهيئات الرئيسية في الخارج، وفي نهاية انعقاد المؤتمر، كانت المنظمة الصهيونية قد تشكلت، وتم إعداد برنامج يطالب بإقامة وطن لليهود، ومنذ بداية هذا المؤتمر اليهودي الأول، رفض الممثلون للهيئات الصهيونية عدم المبالاة في تحديد القطعة من الأرض، التي يجب أن تقام عليها دولة الصهيونية من قبل هرتزل وبينسكر، وبعد أن عرف الاثنان خضم العناصر المرتبطة بحلمها القديم (الوعد الرباني) فمن الطبيعي أن يقع الاختيار على (أرض إسرائيل)!
أسست المنظمة الصهيونية العالمية عام1897م، من قبل هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في بال، وكلفت بخلق دولة للشعب اليهودي في أرض فلسطين، مضمونة من القانون الدولي، فالمنظمة الصهيونية العالمية والحركة الصهيونية التي انبثقت عنها، لعبتا دوراً أساسياً في تحريك مشاعر أشتات اليهود المبعثرة في كافة أنحاء العالم كما أيدت كتابة كافة الأحداث السياسية التي أدت إلى خلق الكيان
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

3- طبيعة ودوافع وأنواع الاستيطان الصهيوني:
أولاً: طبيعة الاستيطان الصهيوني وسماته
:

أ- طبيعة الاستيطان الصهيوني:
إن الكيان الصهيوني في الجوهر عبارة عن مشروع استعماري استيطاني أوروبي أقامته الصهيونية والإمبريالية العالميتين، فكانت الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين وظلت إلى ما بعد قيام الكيان أوروبية خالصة، ولم يهاجر يهود الشرق إلى فلسطين إلا على إثر المشكلات التي خلفتها الحركة الصهيونية في البلاد العربية لقيام ذلك الكيان.
ويلتقي المخطط الإمبريالي الاستعماري في خطوطه الرئيسية مع المخطط الصهيوني بحيث أنهما يتحركان جوهرياً في نفس الاتجاه وبغض النظر عن الخلافات الجزئية، كما أن موقف الإمبريالية العالمية من الكيان الصهيوني ودعمه ليس مجرد مصادفة ولا هو نابع من العطف على اليهود بعد طوال اضطهاد، فالسياسة الدولية لا تحكمها العواطف ولا تسيرها المصادفات، وإنما هي في التحليل الأخير تعبر عن مصالح متوافقة تكمن في الحيلولة دون تحقيق وحدة الأمة العربية في دولة متحررة ديمقراطية، فكانت زراعة الكيان الصهيوني بالعالم العربي الإسلامي ركيزة أساسية لتقسيم الأمة واستنزاف الكثير من مواردها وإعاقة تحقيق مشروعها الحضاري.
ومما لا شك فيه أن الحركة الصهيونية ومنذ البدايات الأولى لمشروع الاستعمار الاستيطاني لفلسطين احتقنت بطابق استعماري كولونيالي إزاء سكان البلاد الأصليين.
إلا أن هناك فوارق بين الاستعمار الكولونيالي الأوروبي وبين الاستعمار الاستيطاني ومنها:
- أن المناطق الإقليمية المعدة للاستيطان الأوروبي اختيرت بموجب اعتبارات اقتصادية أو استراتيجية، مقابل هذا فإن المنطقة الإقليمية المعدة للاستيطان الصهيوني اختيرت بموجب اعتبارات معتقدية ودينية.
- السكان المحليون الذين تواجه معهم المستوطنون الأوربيون كانوا في معظم الحالات من الرحل أو الصيادين أو تشكيلات لم تكن تمتلك القوة للحد من تقدم المستوطنين مقابل هذا فإن قسماً ضئيلاً فقط من السكان الأصليين في فلسطين كانوا من الرحل (قبائل البدو) بينما كان معظمهم من المزارعين الذين كان تشبثهم بالأرض أكثر قوة ورسوخاً.
- في معظم المستعمرات الأوروبية كنت الأرض موجودة بوفرة لكل طالب وبسعر رمز، أما في فلسطين فإن وضع ملكية الأرض كان مختلفاً تماماً، وقد تحقق امتلاك الأرض بوساطة واحدة من الطرق الثلاث التالية:
• بالقوة عبر احتلالها في حرب
• بالامتلاك عبر القسر، أي مصادرة الأملاك بقوة الحكومة.
• بالامتلاك عبر رغبة أصحاب الأرض
تلك كانت بعض الفروق أما أوجه التشابه بين الاستعمار الاستيطاني الغربي والصهيوني فمنها:
- نقطة البداية عند المستوطنين البيض المهاجرين من العالم الغربي هو عادة رفض تاريخ بلادهم الأصلية، باعتباره تاريخ اضطهاد وكفر وفساد يحاول المهاجرون أن يضعوا حلاً نهائياً لمشاكلهم وأن يبدأو من الصفر، بينما بدأ الاستيطان الصهيوني برفض تاريخ اليهود في المنفى ثم تطرح الصهيونية الحل النهائي بأنه الاستيطان وتعتبره نقطة الصفر.
- ينكر المستوطنون البيض تاريخ السكان الأصليين في الأرض التي سيهاجرون إليها ويستوطنون فيها فهي عادة-حسب ادعائهم- أرض عذراء بلا تاريخ وغير مأهولة بالبشر، على عكس الأرض التي يأتيها المستوطنون فهي مكتظة بالسكان، وكذا يزعم الصهاينة أن فلسطين هي إسرائيل وأن تاريخها توقف تماماً بعد رحيل اليهود منها ولن يستأنف هذا التاريخ إلا بعودتهم إليها.
- تم تبرير الرؤى الاستيطانية الاحلالية عن طريق القصص الإنجيلية، كذلك الاستيطان الصهيوني تم تبريره عن طريق القصص التوراتية.
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

ب- سمات الاستيطان الصهيوني:

لم يتطور الاستيطان الصهيوني في فلسطين طبقاً لبرنامج معد سلفاً، لقد تطور عبر طريق التجربة والخطأ التي قادته من مرحلة إلى أخرى حتى تبلور في النهاية إلى نموذج استيطاني، ولهذا لا بد من التمييز بين عدد من المراحل منها:
- المرحلة الأولى: ( 1882-1903) والتي وصل فيها إلى فلسطين حوالي أربعون ألف مستوطن يهودي، وفيها حاول المستوطنون تأسيس مستوطنة (طاهر) لمزارعين يملكون أراض طبيعية في فلسطين بواسطة محاكاة الأسلوب الزراعي الذي كان مألوفاً في فلسطين.
- المرحلة الثانية: كان الاستيطان مستنداً إلى ملكية فردية للمزارع، وإلى تشغيل قوة عمل عربية موسمية غير مدربة مطعمة بعدد قليل من العمال اليهود، وأدى تشغيل العرب من أصحاب الأيدي العاملة الرخيصة إلى تقييد قدرة النمو الديموغرافي اليهودي في فلسطين بصورة كبيرة، إذ أنه من دون أماكن عمل بأجر معقول لم يكن بالإمكان جذب هجرة يهودية.
ويمكن القول أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ينقسم إلى ثلاثة عناصر رئيسية هي : العنف والعنصرية والتوسعية.
وقد تعاونت أجنحة الصهيونية كافة في مرحلة ما قبل عام 1948م على إنجاز العنصر المتضمن في التخلص من السكان الأصليين وتغييبهم، وقد علق الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان عل الظاهرة بقوله بأن خروج العرب بشكل جماعي كان نشيطاً لمهمة إسرائيل ونجاحها، وانتصاراً إقليمياً وحلاً ديموجرافيا نهائياً، وتبرز العنصرية الاستيطانية منذ 1948م وحتى اليوم، فأوضح أشكالها من خلال أشكال المصادرة التي تقوم بها سلطات الكيان، وتوسعها في الأراضي العربية المحتلة، وتلك التشريعات العنصرية التي تطبقها سلطات الكيان الصهيوني إزاء السكان العرب الأصليين.
والفكر الصهيوني فكر توسعي ترعرع في أحضان الإمبريالية، التي ساعدت اليهود على استيطان فلسطين، ففي يوميات هرتزل يقول" أن حدود الدولة سوف يكون بمقدار زيادة السكان اليهود، وكلما زاد عدد المهاجرين اتسعت رقعة الأرض" كما تحدث موشي دايان صراحة عن إنشاء إمبراطورية إسرائيلية في 12 فبراير عام1952م، وهذا ما ميز الاستعمار الاستيطاني الصهيوني عن الاستعمار الحديث بأنه صاحب طبعة توسعية ولذا نجد الكيان الصهيوني هو الوحيد في العالم الذي لم ترسم حدوده بل لم يضع لنفسه دستوراً، ويحلم بتوسيع رقعته كلما أمكن ذلك.
وهو استيطان إرهابي يدعو إلى القتل و الإبادة والتملك، ولا يؤمن بالقوانين والأخلاق
صورة

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

ثانياً: مراحل الاستيطان الصهيوني وأنواعه
أ- مراحل الاستيطان الصهيوني:
يمكن تقسم مراحل الاستيطان الصهيوني إلى ثلاث مراحل متلازمة هي:
- مرحلة الهجرة والاستيعاب.
- مرحلة استلاب الأرض.
- مرحلة الاستئصال والإحلال.

• مرحلة الهجرة والاستيعاب :
- الهجرة:
شهدت هذه المرحلة انتقال اليهود على مجموعات ابتداءً من العام 1881م، وكانت هذه الهجرات أكثر تنظيماً بانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ببال عام 1897م، كما شكلت هذه الهجرات بداية لبناء القاعدة الديموجرافية الصهيونية في فلسطين والتي رعتها المنظمة الصهيونية العالمية، وقد اعتبرت الهجرة اليهودية الخاصة باستيطان فلسطين الخطوة الأولى والأهم لتحقيق الهدف الصهيوني.
- الاستيعاب:
المعبارة كلمة عبرية يقصد بها المعسكر الانتقالي للمهاجرين إلى فلسطين، إذ تقام في فلسطين نقاط تجميع مركزية فيها وحدات سكن مؤقتة مصنوعة من الخشب والألمونيوم عادة ويتم إدارتها بإشراف المنظمة الصهيونية العالمية، قبل انتقال الأفراد اليهود إلى الاستقرار في فلسطين وكثيراً ما تكون هذه المعسكرات الانتقالية مرحلة لتدقيق هويات المهاجرين ومستواهم واختصاصاتهم حتى يسهل توزيعهم بشكل دائم، وبوصول المهاجرين اليهود إلى فلسطين تبدأ الخطوة الثانية وهي عملية استيعابهم وذلك بتوظيفهم حسب انتمائهم وفئاتهم العمرية وفقاً للمخطط الصهيوني.
وعلى الرغم من التخطيط المدروس والدعم السخي لمشروعات الهجرة، وعلى الرغم أيضاً من نسبة حجم السكان الأصليين الفلسطينيين والعوامل الأولى مثل نمط الإنتاج، ومستوى النمو الاقتصادي ووسائل السيطرة والحرب إلا أنه لم توجد كثافة استيطانية صهيونية وذلك يعزى إلى قلة عدد اليهود في العالم عامة والتي تصل إلى قرابة خمسة عشر مليون.
• مرحلة استلاب الأرض:
إذا كانت مرحلة الهجرة الاستيطانية الصهيونية تستهدف إجمالاً بناء القاعدة الديموجرافية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني، فإن مرحلة استلاب الأرض تستهدف أساساً بناء القاعدة الإقليمية أو المادية لذلك الاستيطان، ولا شك أن أول ما يتطلبه إنشاء مستوطنة هو الاستيلاء على الأرض إذ تشكل أساساً مادياً لشرعية وقوة الحكومة التي يقيمها المستوطنون في أية دولة استيطانية، كانت الأملاك اليهودية من أراضي فلسطين قبل الثمانينات في القرن الماضي تؤلف كمية متناهية الصغر وفي واقع الأمر مازالت صغيرة إلى قبل صدور قرار التقسيم عام1947م بإحدى عشر شهراً إذ بلغ مجموع الممتلكات الحرة المؤجرة حوالي 7% من أصل المساحة الإجمالية لسطح اليابسة في فلسطين.
وقد تم في العام 1901م وتبعاً لقرار سابق اتخذه المؤتمر الصهيوني الأول تنظيم الصندوق القومي اليهودي، ونص تكليف الصندوق القومي اليهودي على شراء الأراضي وتطويرها واستيطانها باعتبارها تؤلف ملكاً ثابتاً للشعب اليهودي كله، ثم تألفت في العام1911 شركة تطوير الأراضي المحدودة بفلسطين كي تقوم بدور الشاري لصالح اليهود كما دخل السماسرة الأفراد بالعشرات، وارتفع عددهم في الثلاثينات إلى المئات، وقد وصل الصندوق في نهاية الأمر إلى حد امتلاك 90% من مجموع الأراضي التي جرى تملكها حديثاً بواسطة الشراة اليهود.
وعند نهاية عام 1946م قدرت السلطات البريطانية كل ما يملكه اليهود من أراضي فلسطين بمساحة تبلغ 1,624,000دونم ، أي ما نسبته 7% من مساحة اليابسة الفلسطينية وما يعادل 12% من الأراضي الصالحة للزراعة.
تحقق الاستيطان الوثيق بالأرض والذي نص عليه صك الانتداب لعصبة الأمم في العام 1922م، وعند أواسط الخمسينيات في قرابة 80% من فلسطين كلها، ومنذ عام 1967م أخذت المستوطنات اليهودية الجديدة تظهر فوق التلال وفي مرتفعات الجولان وغزة، وتكون في هذه المرحلة إرادة المستوطنين قد تبلورت وتكتلت وراء هدف الانفصال بالإقليم وتكوين كيان خاص بهم.
• مرحلة الاستئصال والإحلال:
بمجرد الاستيلاء الصهيوني على أراضي عربية فلسطينية تبدأ عملية "الفتح الاستعماري" من الداخل وهي تمثل نمطاً مغايراً لأنماط الاستعمار التقليدي حيث كان الفتح يتم من الخارج إلى الداخل، إلا أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ليس استيطان انفصال فقط، بل يعد استيطان استئصالي إحلالي في آن واحد، إذ يحاول أن يستأصل الشعب العربي الفلسطيني ويحل محله العنصر اليهودي(الصهيوني).
وهكذا تتوالى عملية اكتساب المزيد من الأراضي مع عملية التفريغ السكاني بواسطة الإبادة أو الإرهاب والعنف كأساس مادي للانفصال بالإقليم، ثم يليها عملية الغزو والتي استطاع اليهود الصهاينة الظفر بهما، وتم إعلان قيام كيانهم بعون الأمم المتحدة عام1947م.
إن الاستيلاء على الأرض يمثل نقطة انطلاق لعملية ديناميكية متصلة تتمثل في تضخم سكان المستعمرة وهجرة المزيد من المستوطنين، وطرد السكان الأصليين واستبعادهم وعزلهم، وقد تجلت هذه المرحلة في سلسلة من المعارك والحروب عام(1948، 1949، 1967) التي تمكن منها المستوطنون الصهاينة في فرض إرادتهم وسيطرتهم على فلسطين كاملة ومنطقة الجولان السورية وسيناء المصرية ، وطرد سكانها إن لم يكن إبادتهم في معظم الأحيان وإحلال العنصر اليهودي محلهم، فباب الهجرة اليهودية مفتوح والمغريات موجودة والزحف الاستيطاني مستمر، وهذا ما ميز الاستيطان الصهيوني عن غيره من أنواع الاستعمار الاستيطاني.
ولم يكن هدف الصهيونية هو مجرد الاستيلاء على فلسطين، ولكن الاستيلاء على فلسطين خالية من سكانها العرب! وفي السنوات المتقدمة لم تشعر السلطات الصهيونية بحاجة كبيرة جداً لممارسة الطرد الجماعي للسكان العرب، كما فعلت عام 1948م، إذ رأت فيهم مصدراً للعمالة الرخيصة للاقتصاد الصهيوني المزدهر آنذاك، وسوق للمنتجات الصهيونية، وبدل الطرد الجماعي للعرب اكتفت الصهيونية بالسيطرة على المناطق المحتلة مع تحديد النمو السكاني في المجتمع العربي وتتخذ حكومة الكيان في نفس الوقت إجراءات تشجع المهاجرين على الإحلال.
وبهذا فأن الحكومة الصهيونية تقوم بخلق حقائق يصعب تغيرها على الأرض على شكل مراكز سكانية، يكون من شأن وجودها القضاء على أي أثر مفعول للحديث عن مشروعيتها وقد استخدمته الحكومة الصهيونية بنجاح، وتسعى بواسطته للاستيلاء على مناطق الحكم الذاتي كاملة مجردة من سكانها العرب الفلسطينيين وكذلك شأن الأراضي العربية المحتلة الأخرى، وهذه العملية السلمية الصهيونية هي عملية الضم التدريجي بحكم الأمر الواقع للضفة وقطاع غزة بدون السكان العرب حيث يمثل الشعب الفلسطيني خطراً على مفهوم الدولة اليهودية النقية.
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“