حوار الأسبوع 6: مشكلات المقاصد

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
عبدالله حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 163
اشترك في: الخميس ديسمبر 11, 2003 10:56 am

حوار الأسبوع 6: مشكلات المقاصد

مشاركة بواسطة عبدالله حميدالدين »

مشكلات المقاصد

برزت المقاصد الشرعية في القرن العشرين استجابة لوجود الغرب في حياة المسلمين. وكانت إما لتأسيس مشروعية الأخذ الانتقائي من الحضارة الغربية، وإما ـ وهو الأبرز ـ لاستحداث أحكام شرعية تتناول الواقع المستجد. وقد بالغ الفقهاء كثيراً في دور المقاصد وأهميتها، واعتبرت لدى البعض قفزة نوعية وتطوراً جوهرياً ونقلة مكملة في الفقه الإسلامي. وهذه العبارات وغيرها ما هي إلا عبارات شعرية مثلها مثل كثير من الأوصاف التي نطلقها على الموضات الثقافية والسياسية والفكرية لدينا.
فيما يلي سأذكر بعض الإشكالات التي تعاني منها المقاصد وأذكرها في أجواء ندوة تطوُّر العلوم الفقهية في عمان والتي تناولت هذه السنة المقاصد الفقهية محوراً أساسياً.
وفق رأي أغلب إن لم يكن جميع المقاصديين، فإن المقاصد تستخرج من استقراء الشريعة. ولهذه العملية الاستقرائية خلفية فكرية مركزية إضافة إلى خطوات أساسية لا يمكن أن تخلو منهما.

الخلفية الفكرية هي أن كل شاردة وواردة في حياة البشر مما قد أتى عليهم، أو هو آت، قد ورد فيها حكم شرعي إما تفصيلاً وإما إجمالاً. أما الورود التفصيلي فهو النصوص الظاهرة، وأما الورود الاجمالي فهو من خلال المقاصد العامة للشريعة.

أما خطوات المقاصد فهي ما يلي:
1. الخطوة الأولى هي جمع النصوص نفسها: وفي هذه الخطوة نواجه خيارين: الأول منهما: اعتبار أن جميع النصوص الشرعية قرآناً وسنةً داخلة، والثاني هو اعتبار أن النصوص التكليفية فقط داخلة. على الأول فإن البحث الحقيقي سيكون عن مقاصد الإسلام أو مقاصد القرآن الكريم. على الثاني فإن البحث سيكون عن مقاصد الشريعة تحديداً. فإذا أردنا مقاصد القرآن (أو الإسلام) فلا بد من وضع جميع الآيات القرآنية (وماذا عن الأحاديث النبوية؟) على بساط البحث، سواء منها الآيات التي فيها أوامر ونواهي، أو تلك التي تبين الغرض من الخلق، أو تلك التي تبين الأوضاع النموذجية للإنسان، والأوضاع المرفوضة له. وطبعاً فإنه يمكن هنا إثارة مجموعة من القضايا حول الفرق بين مقاصد القرآن ومقاصد الشريعة؟ وما هي المعايير التي ستحدد الأمور الشرائعية؟ أيضاً سيظهر اختلاف حول اعتبار السنة النبوية مصدراً من مصادر استنباط المقاصد؟ وأثر الخلاف الأكبر سيكون على من يريد مقاصد القرآن (أو الإسلام) لأنه في هذه الحالة فإن السنة النبوية كلها ستكون مصدراً مما يضيف عبئين إلى أعباء البحث: عبء التصحيح والتضعيف، وعبء الكم. لن أخوض في هذه الاختلافات ولكن أردت الإشارة إليها.
2. الخطوة الثانية هي استخراج الدلالات المباشرة للنصوص بتفسيرها وشرح المقصود منها. وفي هذا الأمر لا غنى لنا عن قواعد التفسير المعروفة وخصوصاً القواعد النحوية والصرفية والبلاغية ذات العلاقة. كما إننا لن نسطتيع أن نستغني عن أصول الفقه، وخصوصاً عندما نريد أن نفهم النصوص العملية التكليفية.
3. الخطوة الثالثة هي استخراج العلل أو الحِكَم خلف تلك النصوص. وبعد الانتهاء من هذه الخطوة فإننا سنجد أنفسنا أمام مجموعة كبيرة ولكن متكررة من العلل والحكم فسنقوم بطبيعة الحال بحذف المكرر والإبقاء فقط على العلل والحكم الفريدة.
4. الخطوة الرابعة هي جمع العلل والحكم المتشابه في مجموعات معدودة. ذلك أنه بعد الخطوة السابقة فإننا سنجد أنفسنا أمام عدد كبير من التعليلات، ولكي يتحقق الغرض من المقاصد باعتبارها فلسفة إسلامية عامة أو تشريعية خاصة فلا بد من حصر تلك التعليلات فيما لا يزيد عن العشرة، والعشرة كثير. وكما كان تفسير النصوص بحاجة إلى قواعد، فإن هذه العملية أيضاً تحتاج إلى قواعد. ذلك أن أي جمع وتفريق يعتمد ذاتياً على معايير تضع هذا مع ذاك، وتميز ذاك من ذلك.

بعد هذه الخطوات يمكن الخروج بمجموعة من الحكم والعلل العليا التي نسميها مقاصد، سواء مقاصد للقرآن أو للشريعة. ولكن الأمر لا ينتهي هنا، فالآن لا بد من العمل على تنزيل المقاصد على الواقع بحيث يمكن أن تستخدم في استنباط أحكام تشريعية. ولا توجد بعد آليات لهذا الأمر، وفي تصوري فإنه لن توجد في الوقت القريب، وإذا وجدت فلن يكون إلا بعد أن تنتفي الحاجة إليها. وغاية ما يمكن أن نأمله هو أن نعتبر أن المقاصد تلك ستكون معياراً من معايير الترجيح المستعملة في أصول الفقه. فقد وضع الأصوليون قواعد للترجيح بين الدلالات، وقد يتم ضم المقاصد إلى تلك القواعد، أو حتى اعتبارها المرجح الأبرز.
هذا بشكل موجز وصف للخلفية الفكرية من وراء المقاصد، وأيضاً للخطوات العملية التي توصلنا بها. وسأعرض الآن لبعض المشكلات التي تعتري فكرة المقاصد من أصلها، أو آليات البحث فيها.

المشكلة الأولى تواجهنا هي فكرة أن النصوص القرآنية تناولت كل شيء. فالنصوص مهما كثرت فهي محدودة، ودلالاتها مهما اتسعت إلا أنها لا يمكن أن تستوعب كل شيء وأن تشمل جميع تفاصيل الحياة. وهذا لا يقلل من شأن الكتاب الكريم، ولا من أهمية دوره في حياتنا. كما إنه لا يتعارض هذا مع قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:38]، ولا مع قوله تعالى:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل:89] ذلك أن عبارة "كل شيء" لا تعني العموم المطلق، وإنما العموم المخصوص بمقتضيات السياق الذي وردت فيه العبارة. فقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}[الأحقاف:25] لم يقصد تدمر كل شيء من الأشياء، بل كل ما بتدميره تكون العقوبة التامة على القوم قد تحققت. وقوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل:23] لا يعني أكثر من أنها أوتيت كل ما من شأنه أن يعزز ملكها. ومحدودية دلالة النصوص تؤدي في نهاية الأمر إلى تكلف كبير في استخراج دلالات خارجة عن مقصود النصوص، أو إلى القول بمحدودية دور الدين في حياة الإنسان ضمن نطاق ما صرحت به النصوص. إن الوحي يشمل حياتنا ولكن ليس شمولية نص، وإنما شمولية رؤية. شمولية تنطلق من تأثير الإسلام على لون رؤيتنا للحياة. ولا يسع الآن شرح أكثر لشمولية الرؤية.
بعد هذه المشكلة المركزية تواجهنا مجموعة أخرى من المشاكل أذكر أبرزها ذكراً عابراً فحسب:
أولاً: افترض أكثر من باحث في المقاصد أن فيها السبيل إلى الخروج بأحكام قطعية وبالتالي إلى التآلف والوحدة بعد الشتات والفرقة. ويكفي أن ننظر إلى الخطوات الأربعة السابق ذكرها ليظهر مدى إمكانية التوافق والخروج بالقطع. إن طبيعة استخراج المقاصد تستلزم الظن والخلاف. ولا مناص من ذلك. فالحطوة الأولى ستتضمن الاختلاف حول مصدر المقاصد. والخطوة الثاني سيكون فيها كل ما في تفسير النصوص من اختلافات. والخطوة الثالثة التحليلية سيكون فيها وجهات نظر متعددة كل بحسب خلفيته الفكرية ومتطلباته العملية. وأما الخطوة الرابعة فأيضاً ستعتمد على وجهات نظر متعددة. إن تشبيه استقراء النصوص لاستخراج المقاصد بالاستقراء العلمي تشبيه مع فوارق وليس فارقاً واحداً فحسب. ذلك أن الطبيعة التي نستقرأها موجودة وجوداً موضوعياً مستقلاً عنا وعن إدراكنا لها، باختلاف استقراء المقاصد التي ستعتمد إلى درجة كبيرة على ذاتيتنا.
ثانياً: افترض بعض الباحثين أن من مزايا الشريعة وجود ما يسمى بالفراغ التشريعي، وأيضاً صيق دائرة التكليف، في حين أن البحث المقاصدي يقفل هذا الباب تماماً.
ثالثاً: مشكلة أخرى تتعلق بالقيمة التشريعية للمقاصد: فعلى ضؤ كون الوصول إليها ظني غاية الظن، ثم على ضوء حتمية ظنية تنزيلها على الوقائع، فهل يمكن اعتبارها أحكاماً شرعية؟ هل يمكن الافتاء بها؟ هل يمكن أن أقول هذا حرام بناء على أمر بني على أصول بهذه الهشاشة؟ أنا أقبل أن القانون يلزمني بأمور مبنية على هكذا شك وظن، ولكن لا أقبل أن يقول لي شخص إن هذا العمل لكونه مخالفاً لهذا المقصد مخالف لإرادة الله تعالى، أو إنك آثم.
رابعاً: المقاصد تخلو من البعد القيمي تماماً. ربما ابن عاشور وحده أشار إلى قيمة الحرية باعتبارها مقصداً ولكن الأغلب حين يتكلم عنها يتكلم عن الحفظ للدين والنفس والنسل والعرض والمال. أين العدل، أو التراحم، أو الكرامة؟ تلك قيم أعلى وأغلى من النفس والنسل والعرض والمال. إن الترتيب المقاصدي يلمح لنا بأنه في حالما وقع تعارض بين تلك القيم وبين المقاصد الخمسة لكان الترجيح للمقاصد. المفروض أن تكون القيم العليا هي الأساس، وما بعدها يكون وسيلة إليها.
خامساً: ينتقد كثير من أنصار المقاصد الفقهاء على إهمالهم لهذا الأصل العظيم، وعلى القصور في أصول الفقه، ولكن يغفلون عن أن قياس العلة كان كافياً لاستنباط الأحكام، كما لم يواجهوا في زمنهم تغيرات نوعية وكمية في آن واحد. فقهاء القرن العشرين واجهوا تغيرات نوعية وأيضاً بكميات كبيرة بحيث اضطروا إلى البحث عن وسلية للقياس بالجملة إذا صح التعبير. ثم بعد ذلك صب أولئك الفقهاء لجام سخطهم على الأولين لأنهم لم يوفروا لهم الأداة. ثم كيف يصح أن تنتقد أو تلغى أو تقصى أصول الفقه وهي أداة الوصول إلى المقاصد نفسها؟ أتصور أن الصواب كان في عدم تكلف تطوير وسيلة قياسية غير منتجة، وإنما في مراجعة الأصول التشريعية التي لدينا والاستفادة من التراث الإسلامي العقلي في هذا.
سادساً: يكاد كل من يتكلم في المقاصد، وأهميتها ينطلق من فرضية مفادها أن تطوير التشريع سيفتح الباب أو سيعين على التنمية الاجتماعية والسياسية. وهذه فرضية من باب وضع العربة أمام الحصان، فالتشريع يتطور استجابة للتطور الاجتماعي وليس العكس. ونحن في واقع الحال نحاول أن نكيف تشريعنا ليلائم الواقع الغالب علينا، ولكننا في أنفنسا لا زلنا متخلفين، وبالتالي فلن نستفيد من أي نقلة تشريعية، سوى اللهم في تسهيل بعض أشكال الاستهلاك لدينا.

بعد ذكر تلك الإشكالات أحسب أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الرؤية الاجتماعية/السياسية التي تُبرز مثل هذه المقاصد فحسب؟ فمعروف أن كل تصنيف يستثني أموراً ويضم أخرى؛ يبرز أموراً ويخفي أموراً. فمجموع الجزئيات التي تقع تحت فالكليات الخمسة المقاصدية جمعت تحتها مجموعة من الجزئيات وأخرجت مجموعة أخرى؛ فالعدل مثلاً ليس منها. ثم من جهة أخرى فإن تلك الجزئيات تم التعبير عنها من خلال تلك الكليات الخمسة تحديداً، أي لقد كانت تلك الخمسة هي العناوين التي عبرت عن تلك الجزئيات، وكان يمكن التعبير عنها بكليات أو بعناوين مختلفة. فالسؤال يكون ما هي المعايير المضمرة التي قامت بهذا كله؟
ختاماً إن المقاصد ليست إلا مفهوماً عائماً قابلاً للتوسيع والتضييق بحسب خلفية أو حاجة مستعملها، وكل ما كتب فيها إنما كان تطويراً لأساليب توظيفها وليس تطويراً لآليات استخراجها ثم تنزيلها على الوقائع؛ لقد كانت باختصار أداة يقف دورها وعملها بعد التسويغ المطلوب منها. والحل للتطور التشريعي إن كان لا بد منه ليس في التكلفات التي نعملها في تطوير القياس، وإنما في تطوير مناهج الاستنباط العقلي. وأحسب أن هذا التطوير يجب أن نبدأه بتحديد مقاصد الحياة، ثم نعود بعد ذلك إلى القرآن لنستنطقه ونستلهمه محاولة في معرفة رؤيته لتلك المقاصد. كما أظن أن المنهج العقلي سيدرك أن مقاصد الحياة متجددة ومتغيرة، وذلك بحسب تغير فهمنا لأنفسنا وتطور إدراكنا لعمق حاجاتنا، وأيضاً بحسب درجة وعينا بوجودنا وأبعاده الفردية والاجتماعية والوجودية. وإذا كنا نعتبر أن البنية الاجتماعية ذات صلة بتحديد جانب من جوانب وعينا وحاجاتنا، فإن هذا سيضيف إلى العوامل المؤثرة على مفهوم مقاصد الحياة. إن الإنسان لا يتغير في جوهره، وإن حياتنا في نهاية سعي متواصل لتأسيس مقومات ومكملات السعادة، وإننا جميعاً نريد أن نعيش سعادتنا الروحية والمعرفية والجسدية، وأن الأمن، والعدل والتراحم هي أهم وسائل إلى ذلك، مع ذلك كله فعلينا ترك تثبيت ما وراء ذلك من خطوط عريضة.

آفاق
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 37
اشترك في: الاثنين مايو 08, 2006 10:45 pm

مشاركة بواسطة آفاق »

موضوع مهم جداً جداً جداً.. ونحن في حاجة لفهمة ومناقشته.

لي عودة بعد أن اقرأه ثانية وأستوعبه جيداً. فيبدو أنه موضوع مركز وسيكون النقاش فيه ثري وخصوصا أنه يمس العصر بشكل مباشر..

بارك الله فيك أخي.
(( أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب أقفالها )) صدق الله العظيم.

آفاق
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 37
اشترك في: الاثنين مايو 08, 2006 10:45 pm

مشاركة بواسطة آفاق »

المسألة معقدة جداً..

لكن لابد من وجود نقطة للانطلاق ثابتة لتحديد مقاصد للشرع يمكن الاعتماد عليها وجعلها معيار لاستنباط الأحكام و التي يمكن تجديدها لتتناسب مع تطورات العصر دون العودة والشك في نقطة الانطلاق. . فكيف يمكن تحديد ذلك الأساس إذا كان فهم النصوص في حد ذاته يحتاج للرجوع إلى معايير ثابتة؟ فما هو الثابت وهل اصول الفقه معيار ثابت لفهم الأحكام واستنباط الجديد منها؟

ثانيا: أوافقكم تماما في الإشكالات التي طرحتموها لموضوع المقاصد وكنت دائما أرى بأن المقاصد الخمس التي حددها الفقهاء ليست بتلك المقاصد التي يفترض أن تكون غاية للتشريعات لكني لم احاول أن ابحث لانشغالي إلا أن عدم استحسانها هو ما بدر مني في الوهلة الأولى وكذلك عندما قرأت ماكتبتموه إلا أنني بعد قليل من التمعن وجدت أن الأمر ليس كذلك، فأعتقد أن القيم العليا التي ذكرتموها لا يفترض أن تكون هي الغاية او المقصد بقدر ما هي مبادء يمكن من تطبيقها الوصول إلى مقاصد أخرى. فالغاية مثلا من العدل هو حفظ النفس والمال والعرض فبتطبيق العدل تحفظ الحقوق وليس العكس فليس الغاية هو مبدأ العدل بقدر ما هو لماذا نريد العدل. وعلى ذلك يمكن قياس القيم الأخرى. فوجودها بحد ذاتها ليس مطلب بقدر ما هو احتياج يمكن للإنسان من خلاله الحفاظ على ما وهبه الله من قدرات وملكات. قد يتغير مفهوم مبدأ العدل باختلاف الثقافات إلا ان الرجوع للقصد من إقامة العدل هو الفاصل الذي يحدد فيما إذا كان مفهوم العدل منطقي او غير ذلك. فما رأيكم؟ هذا طبعا بغض النظر عن الإشكالات الأخرى التي طرحتموها والتي أجدها منطقية جدا وسنعود لها بعد مناقشة النقطة التي طرحتها. وشكرا
(( أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب أقفالها )) صدق الله العظيم.

عبدالله حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 163
اشترك في: الخميس ديسمبر 11, 2003 10:56 am

مشاركة بواسطة عبدالله حميدالدين »

أشكرك أخي الكريم على على ملاحظاتك... ولي عودة بعد التأمل فيما قلته.

عبدالله حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 163
اشترك في: الخميس ديسمبر 11, 2003 10:56 am

مشاركة بواسطة عبدالله حميدالدين »

أخي الكريم آفاق

بعد الاعتذار عن التأخير

قلت ((لابد من وجود نقطة للانطلاق ثابتة لتحديد مقاصد للشرع))
ما قلته أن المقاصد لا يمكن الاعتماد عليها للتشريع أو الاجتهاد. ولا بد من تطوير آلية أخرى للتعامل مع المستجدات.

بخصوص ملاحظتك وتمييزك بين مقاصد ومبادئ:
إذا افترضنا أننا أمام غايات ووسائل، فكأنني فهمت من كلامك أن حفظ النفس هو الغاية، وتطبيق العدل هو الوسيلة.
بهذا المعنى فأتفق معك.
ولكن الغايات مهما علت فإنها لا تتحقق إلا من خلال الوسائل،،، وبالتالي لا يكفي الحديث عن المقاصد، بل لا بد من ذكر الوسائل الأساسية التي تتحقق بها المقاصد. فلو قال قائل، إن الحاجات الإنسانية يتفاوت الناس في تقديرها، ولكن هناك امور أساسية لو تحققت، فإنها تخلق المناخ المناسب لتحقيق مقاصد البشرية باختلاف توجهاتها وتنوعاتها.

وفي كل الأحوال فإن المطلوب تحديد الحاجات الإنسانية الأساسية كما تتجلى من خلال التجربة الإنسانية.
وأظن أن منظري المقاصد بدأو من الحاجات التي حددتها الشريعة (وفق تحليلهم طبعاً)، أو التي حمتها الشريعة من خلال الحدود: النفس: القصاص، الدين: حد الردة، المال: القطع، العقل: حد الشرب، العرض: حد الزنا ... ربما هذا الذي كان في أذهانهم.
أياً كان الأمر، فلو استقرينا الحاجات الإنسانية الأساسية كما يراها الإنسان، فإلى أي حد ستتوافق مع رؤية المقاصد؟ ثم إلى أي حد سنجد أنها ذات وزن واحد؟ فبعض الحاجات ذات أولوية أعلى بكثير من بعض الحاجات؟ وإلى حد تلعب الظروف دوراً في تحديد وزن حاجة من الحاجات. فقيمة الحاجة البشرية لا تقاس بالمطلق، وإنما تقاس من خلال ظهورها في الواقع. ومثل هذا البحث سيدخلنا في تحليلات اجتماعية ونفسية للحاجات البشرية، والتي يجب أن تؤسس لبحث في مقاصد الشريعة. فالبدء يجب أن يكون من الحياة، وليس من النصوص الشرعية. لأن النصوص الشرعية أتت لتخدم الحياة.

آفاق
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 37
اشترك في: الاثنين مايو 08, 2006 10:45 pm

مشاركة بواسطة آفاق »

شكراً أخي لعودتكم ولا بأس في التأخير فكل له ظروفه.

أعتقد بأن النقطة الثابتة للانطلاق التي يمكنا من خلالها تحديد المقاصد يمكن أن تكون المبدأ الذي يحقق الهدف من الخلق.

إذا كان دور الإنسان هو تمثيل دور الخلافة على الأرض فيفترض ان نبحث عن المقاصد التي توصلنا إلى هذه المرتبة. ما الذي يجعلنا نخدم الحياة ونعمر الأرض بإقامة العدل وتوفير الأمن والإزداهار مستخدمين ما منحنا الباري عز وجل من نعم و مسخرات وطاقات فكرية للنهوض إلى أعلى المستويات الممكنة لحياة كريمة ضمن قدراتنا.

أعتقد بأن ذلك مبدأ ثابت لا يختلف على أهميته العقلاء مهما اختلفت معتقداتهم. قد لا نتفق معهم في مصطلح "الخلافة على الأرض" إلا أن الدور المثالي الذي يجب ان يقوم به الإنسان في الحياة هو مطلب كل عاقل يسعى للكمال. والفطرة البشرية السليمة والنظريات المخلصة تحترم هذا المبدأ ولا تختلف فيه.

فأنا أرى بأن السعي للكمال وتعمير الأرض باستخدام طاقاتنا الكامنة وفي نفس الوقت الشعور بالرضاء والسعادة يمكن اعتبارها هي الغاية، والوسيلة إلى ذلك تختلف.

فأنا أناقض ما قلته في المرة السابقة عندما ذكرت بأن الغاية هي حفظ النفس وحفظ المقاصد الأخرى كون تلك المقاصد هو ما يوصلنا إلى تأدية دورنا في الحياة بشكل سليم. فهي ليست غاية في خد ذاتها ولا تميز الإنسان عن بقية المخلوقات فهناك نظام فطري طبيعي أوجده المولى عز وجل لدى كل المخلوقات الحية والتي تجعلها قادرة على حماية نفسها وممتلكاتها وانتماءها لعشيرتها وغيرها من المطالب الفطرية وتختلف طريقتها لحماية تلك الغايات بحسب قدراتها. فلن يختلف الإنسان عن بقية المخلوقات بهذا الشكل ان هو جعل مقاصد الشريعة هي تلك التي يحفظ بها احتياجات فطرية. (يمكني هنا أن أضيف هذه النقطة كإشكال أخر لمسألة مقاصد الشريعة). فيبدو ان المقاصد بهذا الشكل غايات فطرية يجب الحفاظ عليها لاستمرار الحياة وحتى تمكنا من تمثيل الدور المناط بنا وليست هي الغاية من الخلق او من التشريعات. ومن جهة أخرى قد تكون مقاصد للشرع من حيث أنها تخدم في تقويم وخلق البيئة المناسبة للإنسان والتي تهيئة لأداء دورة بشكل أنسب.

فإن كانت مقاصد الشريعة استنبطت من الحدود الشرعية فذلك منطقي من حيث المبدأ كون الخالق حكيم وما أصدره من أحكام وحدود بالضرورة تقتضي المصلحة العامة وهي محاولة من المنظرين لا بأس بها لرسم بعض المعالم إلا أنها لا يفترض بأن تكون أمور مسلمة كونها مجهود بشري غير معصوم للإستنباط. وإن وجدنا بأنها تتعارض مع المطالب العليا لتحقيق الغاية من الخلق فيجب حينها ان يعاد النظر فيها أو في بعضها.


قلتم " ولكن الغايات مهما علت فإنها لا تتحقق إلا من خلال الوسائل،،، وبالتالي لا يكفي الحديث عن المقاصد، بل لا بد من ذكر الوسائل الأساسية التي تتحقق بها المقاصد"

هذا إن سلمنا بأن المقاصد المذكورة هي فعلا الغاية. إلا أن ما ذكرته أعلاه يناقض ذلك. وفي كل الأحوال بعد تحديد الغاية والإتفاق عليها يجب أن نبحث في الوسائل الأساسية للوصول إليها أو تحقيقها.


قلتم "وفي كل الأحوال فإن المطلوب تحديد الحاجات الإنسانية الأساسية كما تتجلى من خلال التجربة الإنسانية."

فعلا التجربة الإنسانية هي المعيار لكل بني البشر إلا أن من ماجاء في الكتاب الحكيم هي خلاصة التجارب من الأمم السابقة وتوصيات الخالق لمن يريد أن يختصر الطريق أما من يريد ألاعتماد على تجاربه الخاصة فسيمر بالكثير من التجارب وسيخسر كثيرا حتى يصل إلى نفس النتيجة ليكتشف ان ما أوصى به المولى كان هو الأسلم.

قلتم "فلو استقرينا الحاجات الإنسانية الأساسية كما يراها الإنسان، فإلى أي حد ستتوافق مع رؤية المقاصد؟"
إن كان الإستباط للمقاصد دقيق، فلا أظنه يتعارض مع الحاجات الإنسانية الأساسية. ولا أراه دقيقا من وجهة نظري.

قلتم "ثم إلى أي حد سنجد أنها ذات وزن واحد؟ فبعض الحاجات ذات أولوية أعلى بكثير من بعض الحاجات؟"

الإحتياجات الأساسية للإنسان بالطبع لا بد بأنها تتفاوت من حيث الأولويه وتفاوتها يعتمد على أهميتها فطريا اولا وثقافيا ثانيا. وهناك احتياجات أساسية يتفق جميع الجنس البشري على أهميتها وأولويتها. فمثلا احتياج الإنسان للطعام يسبق الاحتياج للسكن والأمان فعندما يصل الإنسان إلى مستوى معين نسبي لإشباع الاحتياج الأول يمكنه التفكير في الاحتياج الذي يليه. وهناك بعض الإحتياجات تختلف اهميتها من شخص إلى آخر ومن ثقافة إلا أخرى وتحددها التجارب والدراسات كما ذكرتم.

قلتم"فالبدء يجب أن يكون من الحياة، وليس من النصوص الشرعية. لأن النصوص الشرعية أتت لتخدم الحياة".
أوافقك إلا أن الوسيلة التي نخدم بها الحياة هي أيضا ليست معيار ثابت كون الأنسان بشر وتجاربه محدودة وثقافاته وقدراته متباينة. قد تخدم تجارب الإنسان ونظرياته ضمن نطاق ضيق وتغيب لديه جوانب وتأثيرات مستقبليه لم يكن ليدركها في المقام الأول. ولذلك أعتقد بأن الاعتماد على الكمال المطلق فيما أوصى به الله هو الطريق الأسلم. إلا أنه يجب أن تكون لدينا الضمانات من صحة فهمنا لتلك التعاليم وطريقة استنباطنا.

يمكنا ان ننطلق من احتياجات الحياة كما ذكرتم إلا أننا يجب أن نقيس تلك التجارب ونراجعها ونرى مدى توافقها أو معارضتها لما كان محكم من كتاب الله. وأن رأينا ما في كتاب الله يبدو متعارضا تماما للمصلحة العامة لدى كل عاقل فيجب وقتها إعادة النظر في فهم المسألة فربما يكون التعارض هو قصور في الفهم لأحكام الله.

المسألة ليست سهلة وتحتاج بقدر كبير لمجهود فكري أكثر مما هو نقلي ثم تدعيمه بما هو منقول سواء من الكتاب أو السنة. فالعقل حجة وقد قال تعالى "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها". فما نحتاجه هو التدبر لكتاب الله وليس فقط القراءة والفهم السطحي.
(( أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب أقفالها )) صدق الله العظيم.

محمد عسلان
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 99
اشترك في: الأربعاء يناير 04, 2006 12:01 pm

مشاركة بواسطة محمد عسلان »

السلام عليكم .

اشكر الأخ عبدالله على هذا الموضوع الهام واشكر الأخت آفاق على تفاعلها معه , فاسمحوا لي اخوي بالمشاركة معكما .

و لا أدري هل سيكون لما سأضعه أهمية في الموضوع كما ارى أم لا ؟

فأرى أنه من أجل الخروج بنتيجة لابد من النظر والبحث والنقاش والنقد في مقدمات واصول الموضوع الذي يتم التحاور فيه .

فعندما قرأت الموضوع و ما دار بينكما تبادرت إلى ذهني أسئلة اراها هامة فبمعرفة الإجابة والوصول إليها تتوضح الرؤية (( ما ؟ ماذا ؟ لما ؟ )) وهذه الإسئلة هي :

1- ما الغاية من الخلق ؟ وهل هي الإستخلاف أم أنه وسيلة للوصول إليها يعني أن هناك غاية فوقه ؟
2- لماذا ارسل الله الرسل ؟ وما هو دورهم ؟
3- هل الإسلام إلهي الأحكام أم بشري ؟ وما الغاية منه ؟
4- ماالفرق بين الإسلام أو القرآن (( كما أشار في الموضوع )) وبين الشريعة ؟ وما تعريفهما ؟
5- هل السنة هي المتعارف عليها في أصول الفقه أم لا ؟ هل هي وحي من الله للنبي عليه و آله الصلاة والسلام كالقرآن أم لا أي هي من وضع النبي عليه الصلاة والسلام ؟
6- من المعلوم أن أصول الفقه علم وضعي بشري فهل هو حجة و معيار في تحديد الأحكام والمقاصد واستنباطها ؟ وما المصدر الذي استقى منه علماء المسلمين قواعد اصول الفقه وبنوا
عليها أحكامهم ؟
7- ما نقصد بكلمة مقاصد ؟ وهل هناك فرق بين مقاصد الشريعة أو التشريع وبين مقاصد القرآن ؟

ما زال هناك أسئلة لعلي اذكرها خلال نقاشنا في هذا الموضوع .

فعلينا أن نجيب أولا لنعرف ثم ننظر إلى المشكلة وحلها .

و اعذروني إن كانت هذه الأسئلة سطحية فأخوكم بطيئ الفهم سطحي المعرفة وسأستفيد منكما .
تحياتي
.

عباس حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 54
اشترك في: الثلاثاء يونيو 06, 2006 11:47 pm
مكان: الاردن

مقاصد الامور

مشاركة بواسطة عباس حميدالدين »

مقاصد الامور
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .......وبعد
في البداية اشكر الأخ الأستاذ عبدالله حميدالدين على هذا الطرح الباهر وعلى الاختيار المناسب ونود من الاخوه الكرام مثل هذه الأطروحات التي تنمي العقل وتفتح أفاق التفكير العميق والبحث في الأصول ألعامه لهذا الدين وعدم شغل الناس والنفس ببعض المسائل ألخلافيه التي تحتمل الاجتهاد إن القاعدة الاصوليه (الأمور بمقاصدها ) قاعدة شرعيه من أصول الفقه الإسلامي ولكنها تحتاج إلى مزيد من التفكير والتنوير حولها وما حسن مقاله الأخ عبدالله وسوف اعلق على بعض النقاط تعليق بسيط وإلا فلموضوع يحتاج إلى الكثير والكنه إبداء الراى وتأييد وإعجاب بالمقال وبما فيه

(إن الوحي يشمل حياتنا ولكن ليس شمولية نص، وإنما شمولية رؤية. شمولية تنطلق من تأثير الإسلام على مشكلة أخرى تتعلق بالقيمة التشريعية للمقاصد)
ما أجمل هذا الكلام
وقوله
(فعلى ضوء كون الوصول إليها ظني غاية الظن، ثم على ضوء حتمية ظنية تنزيلها على الوقائع، فهل يمكن اعتبارها أحكاماً شرعية؟ هل يمكن الإفتاء بها؟ هل يمكن أن أقول هذا حرام بناء على أمر بني على أصول بهذه الهشاشة؟ أنا أقبل أن القانون يلزمني بأمور مبنية على هكذا شك وظن، ولكن لا أقبل أن يقول لي شخص إن هذا العمل لكونه مخالفاً لهذا المقصد مخالف لإرادة الله تعالى، أو إنك آثم(
هذا هو مبدأ الشمولية في التفكير وعدم اخذ النصوص الشرعية بطريقه جامدة خاليه من التفكير في غايتها ومقاصدها
هذا هو مبدأ التعامل مع الأخر مبدأ عدم مصادرة الآراء عدم ممارسة سياسة الإقصاء

( إن الترتيب ألمقاصدي يلمح لنا بأنه في حالما وقع تعارض بين تلك القيم وبين المقاصد الخمسة لكان الترجيح للمقاصد. المفروض أن تكون القيم العليا هي الأساس، وما بعدها يكون وسيلة إليها)

هذه دعوه من الأخ عبدالله إلى التفكير وعدم الجمود

وقال جزاه الله خيرا
(يكاد كل من يتكلم في المقاصد، وأهميتها ينطلق من فرضية مفادها أن تطوير التشريع سيفتح الباب أو سيعين على التنمية الاجتماعية والسياسية. وهذه فرضية من باب وضع العربة أمام الحصان، فالتشريع يتطور استجابة للتطور الاجتماعي ...ونحن في واقع الحال نحاول أن نكيف تشريعنا ليلائم الواقع الغالب علينا، ولكننا في أنفسنا لا زلنا متخلفين، وبالتالي فلن نستفيد من أي نقلة تشريعية، سوى اللهم في تسهيل بعض أشكال الاستهلاك لدينا وأحسب أن هذا التطوير يجب أن نبدأه بتحديد مقاصد الحياة، ثم نعود بعد ذلك إلى القرآن لنستنطقه ونستلهمه محاولة في معرفة رؤيته لتلك المقاصد)
جزأك الله كل خير فقد وضعت يدك على الجرح وان كانت تألم البعض ولكنها ستريحهم ممن أمراض التفكير الجامد
والسلام عليكم ورحمة الله

آفاق
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 37
اشترك في: الاثنين مايو 08, 2006 10:45 pm

مشاركة بواسطة آفاق »

أسئلة مهمة جدا أخي عسلان ومن الضرورة التأمل فيها قبل مناقشة موضوع المقاصد إلا إنه يبدو أنها ستجعلنا نتشعب كثيرا حيث أن كلا منها يستلزم موضوعا في حد ذاته . فلا أدري كيف سنستطيع احتواء الموضوع ولكن سأترك الرد للأستاذ عبد الله كون الموضوع موضوعة ويفترض ان يوجهه هو بالطريقة التي يراها تخدم طرحه.

ربما أشارك بأسئلتي ومداخلاتي المتواضعة فكلما اطلبه هو الفائدة والتعلم. فثقافتي محدودة هنا وتعتمد غالبا على مجهود فكري.
(( أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب أقفالها )) صدق الله العظيم.

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“