الشبه الوردية حول الزيدية ......... !!!

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة التاسعة عشر :

وضّحوا لنا معشر الزيدية عقيدتكم في العصمة ، وما هي أبرز الفروقات بينها وبين العصمة الجعفرية ؟

الرد :

بسم الله الرحمن الرحيم

العِصمَة عِند الزّيديّة والجَعفَريّة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، النّبي الأمين المعصوم من كبائر الظّنون والذنوب ، وعلى آله الطيبين الطّاهرين ، المعصومُ أصحابُ كساءهِم ، والمعصومَةُ جَمَاعُة ذريّتهِم ، ورضوَانه على الصحابَة الرّاشدين المتّقين، والتّابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدّين .

وبعد :

موضوع العِصمَة ، موضوعٌ شغلَ طائفةً من الباحِثين ، بل حتّى والمُقلّدين من العامّة ، وهُوَ الموضوع الوَعرُ في مسالِكِه ، المُنمّقُ في حُجَجِ أصحابِه ، وهذا بحثٌ يُسهم بإذن الله تعالى في بيان العصمَة من منظورٍ قد يكون غائباً عن بعضنا ، وقد خصصّنا الكلام فيه على فرقتين من الشيعة ، وهما الزيدية والجعفرية ، وإنّما خصَصْنا الجعفرية بكلامنا هُنا لأنّها هي الطائفَة التي حقّقَت في هذا تحقيقاً كثيراً ، وغلَت فيه غلوّاً ظاهراً، وفي المُقابل عَرضْنا رأياً آخرَ لجماعَة أهل البيت (ع) من سادات بني الحسن والحسين الزيدية ، لأنّ الجعفرية استعرضوا رأي أفراد أهل البيت الإثني عشر وفقط ، ولسنا نتكلّم في هذا كلّه عند هؤلاء وهؤلاء إلاّ بُغيَة الوصول إلى القول الحق في موضوع العِصمَة بإذن الله تعالى ، فكان للبحث ثلاثة فصول ، الفصل الأول : في بيان عقيدة الزيدية في العصمة. والفصل الثاني : في بيان عقيدة الجعفرية في العصمة . والفصل الثالث : في استعراض شُبَه يُثيرها الجعفرية على نظرية العصمة الزيدية .

[ الفَصل الأوّل : بيان عقيدة الزيدية في العصمَة ]

وكلامنا في العصمة عند الزيدية ينقسم إلى أربعة أوجهٍ ، منها :

الوجه الأول : أن تعلمَ أنّ الزيدية في مسألة العِصمَة على عَقِيدَتين وكلّها مَتينة (بالدليل): أوّلها : عِصمَة الأفراد . وثانيها : عِصمَة الجماعَة . فأمّا عِصمَة الأفراد ، فإنّها لا تكونَ إلاّ فيمَن ثبتَ النّص عليه ، وتواترَت القرائنُ من الكتاب والسنّة حَوله ، وقد ثبتَ النّص على عليٍّ (ع) وعلى الحسنين (ع) ، بَل و أثبتَ الكتاب والسنّة عصمَتَهُ وعِصمَتَهُمَا سَلام الله عليهم أجمعين ، وذلك في آية التطهير ، وهذا الكلام فيما يخصّ الأئمّة الثلاثة ، و إلاّ فالكلام عامٌّ في أصحاب الكساء الخمسَة ، ولكنّ المقام هُنا مَقامُ الكلام على عصمّة الأئمّة منهم . قال الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين (ع) ، فيما سَمِعَه عنه إسماعيل بن إسحاق ، أنّه سُئِلَ : (( عَن رَجُلٍ تَجوزُ شَهَادَتُه وحدَه ؟ فَقال [ أحمد بن عيسى (ع) ] : لا ، إلاَّ عَلياً والحسَن والحسين، فِقيل : وكَيفَ ذلك؟ قال: لأنّهم مَعصُومُون ))[1] ، وفي ذلك روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي رحمة الله عليه في كتابه مناقب أمير المؤمنين ، بسنده ، عن الإمام زيد بن علي (ع) أنّه قال : ((المعصُومون منّا خمسة : النبي (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ))[2] ، ورواهُ عنه (ع) أيضاً ابن عساكر في تاريخ دمشق[3] ، وروى الحافظ محمد بن سليمان (ع) عن الباقر (ع) أنه قال: ((المعصُومون منّا خمسة : رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ))[4] . وقال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ، مُتكلّما عن العِصمَة الفرديّة في كتابه (الرسالة النافعة بالأدلة الواقعة) : ((وَلَمْ تَقَع العِصْمَةُ فِيمَن عَلِمْنَا مِن وَلدِ إسمَاعيل إلاّ لِمُحمّدٍ وَعَليٍّ وَفَاطِمَة وابنَيهَا سَلام الله عليهِم أجْمَعِين))[5] .

الوجه الثاني : أن تعلمَ أنّ عِصمَة المنصوص عليهِم من الأئمّة الذين هُم أصحاب الكساء عليٌ وولدَاه ، بل حتى الأنبياء صلوات الله عليهِم ، فإنّهم عند الزيدية ليْسوا مَعصومِين إلاَّ عَنْ مُواقعَة الكبائر المُخلَّة ، فأمّا ما دونهَا من مُقارفاتٍ للذنوب الصغيرَة فليسوا بمعصومينَ عنها ، بل لا يَخلو مخلوقٌ عنها ، كالأخطاء الغير مُتعلّقة بالتبليغ بالنسبة للأنبياء صلوات الله عليهم ، وهي من أنواع الظّلم الذي قال عنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : ((وأمّا الظُلْمُ الذي يُغْفَر فَظُلمُ العَبْدِ نَفْسَهُ عِندَ بَعْضِ الهنّات))[6] ، والهنّات هي العوارض الحياتية المؤدية إلى ارتكاب الصغائر ، ويقول المولى العلامّة السيد الحسين بن يحيى الحوثي حفظه الله مُبيّناً الفرق بين عقيدة الزيدية في العصمة وعقيدة الجعفرية : ((والعِصمَةُ عِندَنَا عَنِ الكَبَائِر، وهِيَ عِندَهُم عَن الكَبَائِرِ والصّغَائِر، وحُجّتُنَا: أنَّ الأنْبِياء - صَلوات الله عليهم - مَعصُومُونَ وَقَد وَصَفَهُم الله بِمُقَارَفَةِ الذّنوب، قَال تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ، وقَالَ فِي موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}، وقال في يونس: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }، وفي داود: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} ، وفي سليمان: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } ، وفي آدم: {وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}. والعِصْمَةُ عِندنَا : ألْطَافٌ وتَنويرٌ يَخْتَارُ صَاحِبُهَا مَعَهَا تَرْكُ المحرّمَاتِ ، وِفعل الوَاجِبَات، ولَيْسَت بِالإجبَار وإلاّ لَمَا كَانَ لِصَاحِبِهَا مَزيّة وَفَضل، ولَمَا اسْتَحقّ الجَزاء))[7] اهـ كلامه (ع) . وقال السيد العلامّة الضحياني في كتابه (نظرات في ملامح المذهب الزيدي) : ((وَمِنهَا: أنَّ أنبياء الله صَلوات الله عَليهِم مُنَزّهُونَ عَن ارتِكَابِ الكَبَائر ، وَمَا فِيه خِسّةٌ وِضِعَةٌ مِنَ الصّغَائر، وَمَا يُروَى فِي بَعضِ كُتُب التفسِير لَيسَ بِصحِيح، أمّا مَا ذَكرَ الله سبحَانَه فِي القُرآن مِن عِصيانِ بَعضِهِم فَقَد كَانَ مِنهُم عَلى جِهَةِ الخطَأ والتّأويل، وَليسَ عَلى جِهَةِ التّجَرّي والعِصيَان))[8] اهـ .


نعم ! فهذا ما كان من الأنبياء صلوات الله عليهم ، وهُم عندَ الزيدية أعظمُ درجةً من أصحاب الكساء الخمسة ، - عدا نبيّنا محمد (ص)- ، وسنأتي هُنا على إثبات عدم عِصمَة المنصوص عليهم عليٌّ وولدَاه (ع) ، نعني العِصمَة من الصغائر من الذنوب ، التي لا تضرّ ولا تُوهمُ خلافاً لطريقِ الحقّ ومَنهجه ، كأخطاء الأنبياء (ع) السابقة الذكر ، فنقول مُتّكلين على الله : أنّ منها في حقّ أمير المؤمنين علي (ع) ، ما نجدُهُ جليّاً من خلال دُعاءه الذي قال فيه : ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ لِي بِالْمَغْفِرَةِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي، وَلَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَاني، ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ، وَسَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ ، وَشَهَوَاتِ الْجَنَانِ، وَهَفَوَاتِ اللِّسَانِ))[9] ، فإنّ هذا كلّه جائزٌ على أمير المؤمنين الوقوع فيه ، وليسَ هذا يُنافي العِصمَة ، فإنّما العصمة من كبائر الذنوب ، والله قد عَصمَهُ منها عندما أوجبَ طاعتَه ، وما وقعَ على أمير المؤمنين حُكمَ به على ابنيهِ الذي هُوَ خيرٌ منهما ، ومن ذلك ما رواه محمد بن منصور المرادي ، بسنده ، عن أبي جعفر الباقر (ع) ، أنّه قال : (( جَاءَ رَجُلٌ إلى الحسين بن علي فِي حَاجَة، فَسَألَهُ أنْ يَقُومَ بِهَا؟. فَقَال: إنّي مُعتكف، فَجَاء إلى الحسَن فَأخْبَرَه، فَقَال: إنّي أتيتُ أبَا عبدالله لِيَقُومَ مِعِي فِي حَاجَة، فَقَال: إنّي مُعتَكِف، فَقَامَ مَعَهُ الحسَنُ فِي حَاجَتِه ، فَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلى الحسين، فَقَال: يَا أخِي، مَا مَنَعَكَ أنْ تَقومَ مَعَهُ فِي حَاجَته؟ فَقَال: إنّي مُعتَكِف. قَال الحسن: لأَنْ أقومَ مَعَ أخِي المُسلِم فِي حَاجَتِه أحَبّ إليَّ مِنِ اعتِكَافِ شَهر ))[10] ، وهُنا فتأمّل رحِمَك الله كيف عاتبَ الحسن الحُسين ، على خطأ صغير للحسين فيه عُذرُه ، ولم يكنُ المانعُ لهُ من القيام مع الطّالِبِ للحاجة إلاّ التأويل بالاعتكاف ، فصحّحَ له الحسن المجتبى صلوات الله عليه وعلى أخيه ، وهذا فصغيرٌ من الخطأ ، ليسَت العصمَة تضمنُ عدم وقوعه على الأئمّة المنصوص عليهم علي وولداه ، وغير هذا فأمثلة كثيرة ، ولكنّا نختصرُ المقال بهذا البيان ، وسيأتي عليه مزيد بيان عند الكلام على عقيدة الجعفرية في عصمة أئمتهم الإثني عشر ، بإذن الله تعالى .

الوجه الثالث : يخصّ عقيدة الزيدية في عِصمَة جَمَاعة أهل البيت (ع) ، وفيه نتكلّم عن مَنْ هُمْ أهل البيت بعد الحسنين ، وفيه اعلمَ رحمك الله ، أنّه لم يثبت لغير علي والحسنين نصّ اسميّ لإثبات الإمامة ، من طريق الزيدية ، ولا يصحّ عندنا ما انفردَت به الجعفريّة دونَ الأمّة!! من النصّ على التسعة من ولد الحسين، وإن كانوا في الحقيقة مُجمعين معنا على إمامة الثلاثة ، ونحنُ غير مُسلّمين لهُم بإمامة التسعة الإمامة الرّبانيّة النصيّة . ثمّ أجمَعنا وإياهُم على حجيّة قول الرسول (ص) : (( إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )) ، وقوله (ص) : (( مَثلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرقَ وهوى )) ، ومنها حديث النجوم ، وأمثاله وأمثالها من الأحاديث الدّالة على حجيّة أهل البيت (ع) ، وعلى استحالَة مُفارقتهم للحق . ثمّ اختلفنا وإيّاهُم في مَن هُم أهل البيت .

نعم ! وبعد الإجماع على حجية هذه الأحاديث اختلفنا مع الجعفريّة في مَنْ هُم أهل البيت المُقصودين بالأحاديث ، فهُم ذهبوا إلى أنّهم الإثني عشر ، علي والحسنين والتسعة من ولد الحسين ، ونحنُ ذهبنا إلى أنّهُم الأئمّة والمُقتصدون من ذريّة الحسن والحسين إلى يوم القيامة ، وممّا نعيبُهُ ويعيبهُ العقل على الجعفريّة ، هُو تخصيصهُم لفظة أهل البيت وحصرها في اثني عشر شخصاً ، بالرغم من اشتمال لفظة أهل البيت على بني الحسن والحسين ، فهُم بهذا جعلوا الإثني عشر كلّ أهل البيت ، وعليه فإنّه لا يصحّ أن يكونَ هُناك اليوم سادةٌ ولا أشراف يُطلق عليهم أهل البيت ، لأنّ أهل البيت لا بقاء لهم إلاّ في الإمام الثاني عشر الغائب ؟! ، وعندي ( ولا أشكّ أنّ العُقلاء سيُخالفوني ) أنّ في هذا إفراطٌ في القول ، فالحقّ أن تخصيص الجعفرية وابتزازهُم قدسيّة أحاديث الثقلين والنجوم والسفينة ، وجعلها في إثني عشر شخصاً مُجازفةٌ سببُها النّص الجليّ الإثني عشري عند الجعفرية والخفيّ ( بل المعدوم ) عن الزيدية ، بل وعند الأمّة الإسلاميّة قاطبَة !! . فإن قيل : مهلاً عِبتونا ، بمَا أنتمُ به مؤمنون ، إذ كيفَ خصصّم الأئمّة والمقتصدون من ذريّة الحسن والحسين بهذه الأحاديث دونَ الظّالمين من هذه الذريّة ؟ فإنّه على قولكم يجب أن يكون الظّالمون من ذرية الحسنين داخلون في قداسة هذه الأحاديث وما تدلّ عليه ؟ ، ولكنّكم استثنيتموهم هكذا بلا مخصّص !. قُلنا : نحنُ فضّلنا أهل البيت (ع) بعموم ، ذريّة الحسن والحسين ، لتفضيل الله واصطفائه لهم ، وهُم في أصلاب آبائهم، فمَن وُلِدَ منهُم ، وبلغَ التكليف ، فإنّه لن يكونَ إلاّ واحداً من ثلاث طوائف، فإمّا أن يكونَ ظالماً لنفسه ، يرتكبُ ما يرتكبهُ النّاس من المعاصي ، وإمّا أن يكونَ مُقتصداً عابداً زاهداً ، وإمّا أن يكون سابقاً بالخيرات ، وهذا الرّجل الحسني أو الحسيني هُو أفضلُ سابقيه من الذريّة ، إذ هُو الإمام الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر ، وهُوَ العابد والزاهد . فإن قُلتم : بقيَ الزامنا لكم قائماً ، لماذا استثنيتم الظّالمون من الذرية ؟ ، قُلنا : لم نستثنِ إلاّ من استثناهُ الله تعالى منهم ، والله سبحانه وتعالى استثنى طائفة الظالمين ، وذلك في قوله : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) ، ولسان حال الآية يقول : أنّ الإمامة يا إبراهيم ستكون في ذريّتك ، وذريّتك سيكون منهم الصّلحاء (السّابقون بالخيرات) والإمامة فيهم ، وسيكونُ فيهم ظالمون وهؤلاء الإمامة عنهم بمعزَل. ( ولا خلاف بيننا وبين الجعفرية أنّ المقصود بذريّة إبراهيم في الآية هُم ذريّة محمد ، وذريّة محمد هم ذريّة علي ، وذريّة علي هُم ذريّة الحسن والحسين ، لا أنّهم ذريّة الحسين دون الحسن ، ولا أنّهم التسعة من ولد الحسين دون بقية ذريّة الحسين ، بل إنّ ذرية إبراهيم هُم ذريّة الحسن والحسين بدون تفريق ، وهذا كلام العقل والنقل ) ، ويعضّد ما سبق من كلامنا حول اصطفاء الله لعموم ذريّة إبراهيم (ذرية الحسن والحسين) ، وانقسامهم إلى ثلاث طوائف ، قول الله تعالى : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )) ، نعم ! فنحنُ استثنينا الإقتداء بالظالمين وعدم اشتمالهم على خصوص قدسيّة ثقل الله الأصغر ، ووجوب التبعيّة لهم ، ومعَ هذا فإنّا لا ننفي عنهم اشتمال لفظة أهل البيت عليهم ، ولكنّا نُميّزهُم بطائفتهم التي اختاروا الانضواء تحتها ، فنقول هذا ظالمٌ لنفسه ، والله لم يحثّنا على الإقتداء بالظّالم ، ولفقيه أهل البيت ومُقتصدهِم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) ، في معنى كلامنا الأخير كلامٌ رائق ، احتواهُ جامع علوم آل محمد للشريف الحسني فليُراجع .

وخلاصة كلامنا في هذا الوجه : أن تخصيص الجعفريّة أئمتهم الإثني عشر بلفظة "أهل البيت" الواردة في الأحاديث النبويّة ، دون بقيّة الذريّة الحسنية الحسينيّة باطل ، وأنّ تعميم هذه اللفظة على صُلحاء ( المقتصدين والأئمة ) من ذرية الحسن والحسين دون الظّالمين هُوَ الأليَق بالدّليل ، وهُوَ الأقوى في الحجّة . وإن عارضَنا الجعفريّة في هذا ، قُلنا أخبرونا رحمكم الله مَنْ هُم عباد الله الذين اصطفاهُم الله ، فكان منهُم الظّالمون والمقتصدون والسّابقون بالخيرات ، على أنّه قد ثبتَ من طريق الجعفريّة بروايات كثيرة أنّ هذه الآية خاصة بذرية الحسن والحسين ، وننبّه هُنا من الوقوع في شَرَك تخصيص التسعة من ولد الحسين بصفة السّبق بالخيرات وجعل صفة الظلم للنفس والاقتصاد من نصيب بني الحسن والحسين من غير التسعة ، فلنا في هذا مداخلٌ ومداخل . ثمّ نطلبُ منهم تدبّر قول الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) ، ففيه استنتاجٌ لطيف ، ينحو نحو ما انتحينَاهُ قريباً ، ونجعلُ استنباطه للقارئ .

الوجه الرابع : يخصّ عقيدة الزيدية في عِصمَة جَمَاعة أهل البيت (ع) ، وفيه نتكلم عن معنى عصمَة الجماعة ، وذلكَ بعد أن أشرنا قريباً إلى عدم ورود نصوصٍ ربّانيّة اسميّة خاصّة في إمامة أفراد هذه الذريّة بعد الحسين (ع) ، و أشرنا إلى مَنْ هُم أهل البيت وأنّهم صُلحاء بني الحسن والحسين ، واختصاصهم بأحاديث الثقلين والنجوم وأمثالها ، وهُنا نتكلّم عن أبعاد وأهميّة أحاديث الثقلين والسفينة والنجوم ، و تدعيم عقيدتنا في وصف إجماع جماعة صُلحاء أهل البيت بالعصمة ، فأمّا أهميّة ودلالة الأحاديث فهي غير غابية ولا خافية ، ولكنّا نقول مُختصرين : إنّ الله سبحانه وتعالى بعلمه الأزلي ، علمَ أنّ أمّة محمد بن عبدالله (ص) ، بعد انقطاع النبوّة والوحي بموت رسولها الخاتم ، سينالُها ما نالَ الأمم السّابقة ، من التفرّق والتشرذم ، فأراد سبحانه وتعالى بعظيم رحمتهِ أن يجعلَ لهذه الأمّة علاماتٍ إلى الحق ، فنصبَ فيهم أهلَ بيتِ نبيّهم ، ذريّة فاطمة ، ذريّة الحسن والحسين ، وقرنَهُم على لسان رسوله الكريم بكتابه الكريم ، وجعلهُم كسفينة نوح ، فكانَ الحقّ في هذه الذريّة الحسنية الحسينية ، ومع أئمتها وعُلماءها ، وفي أصولها وتقريراتها . فإن قيل : وكيفَ ذلكَ ونحنُ وأنتم واقفون على اختلافٍ بين علماء بني فاطمة أئمة الزيدية ، في الأصول والفروع ؟ قلنا : في هذا الطرح تضخيم لهوّة الاختلاف بين أئمتنا ، أئمة أهل البيت (ع) ، إذ ليسوا عند التحقيق بمُختلفين في أصول دينهِم العقديّة ، بعكس فروع الشريعة مما للاجتهاد فيه مسرح ومرتع ، فإنّ أئمّة الزيدية لا يرونَ بذلكَ بأساً مادامت اجتهاداتهم مُقيّدةً بالسنّة المحمّدية ، على أنّه جديرٌ بالذّكر هنا ، أن نُذكّر القارئ أنّ هناك أصولاً فروعيّة فقهيّة ثابتَة لا يخرجُ عنها مُجتهدي أئمة الآل في الغالب الكثير ، كالجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية ، والتأذين بحيّ على خير العمل في الأذان ، وتثنية الإقامة ، وعدم المسح على الخفّين ، وعدم القول بالمتعَة ، ولا بجواز نكاح دُبر المرأة ، وشرط الولي والشهود في عقود الأنكحة ، ..إلخ ، وفي المُقابل نذكُر نماذج اجتهاديّة قد يختلف فيها الاجتهاد من إمامٍ لآخَر ، كالقنوت في الفجر أقبلَ الركوع أم بعدَه ، و رفع اليد عند تكبيرة الإحرام ، وكذلك رفع اليد وخفضها في كلّ ركعة ، وأمثالها من الأمور التي لا تخلّ بالعقيدة المحمّدية ذاكَ الإخلال، خصوصاً أنّ لكلّ إمام مُستندٌ من الكتاب أو السنّة في اجتهاده هذا ، على أنّ الجميع اتفّقوا في التوحيد والعدل والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإمامة ، وعلى أركان الإسلام الأصيلَة كالصلاة والزكاة والصوم والحج . فإن قيل : فإن اجتهد إمام من أئمة الزيدية في الأصول وخالفَ سَابِقيه ، فهل قَولهُ فيما خَالفَ فِيه حجّة ؟ ، وهل لغيرِهِ أن يُقلّدَهُ في خلافهِ هذا ؟ . قلنا : هُنا يأتي تفسير إلحاقنا معنى العصمة فيمَن هُم دونَ الحسنين ، وجَعْلنَِا لها في جماعة أئمة أهل البيت الزيدية ، فمنَ ثبتَ عنهُ مُخالفَةُ ما أجمعَ عليه أربابُ سفينةُ نوح من أئمّة الآل ، فإنّه لا يُؤخَذُ بقوله فيه ، وعلى الأئمّة الآتينَ بعد هذا الإمام أن يُبيّنوا مُخالفَة ذلكَ الإمام في تلكَ المسألَة ، وذلكَ بعد الإحاطَة بمقصدِ الإمام المُخالف باجتهاده ، فلربّما كانَ هذا غير ثابتٍ عنه ، أو فُهِمَ على غيرِ قصده ، وأمّا الغير ، فإنّه يُبيّن بطلانَ الخلاف متى ثبَت ، ويجعلُ من إجماع أهل البيت (ع) حاكماً ، وسنوردُ هُنا أدلّةً على أصالة الإجماع تَقَرُّ بِهَا عين الإنصاف ، وهي لمذهب الزيدية شاهدَة ، ولمذهب الجعفريّة مُبطلَة ، فَمِنهَا ما سُئلَ عنهُ إمامنا وقُدوتنا وعَلَمُنا ونِبرَاسنُا وبَاقِرِ علومِ نبيّنا محمد بن علي صلوات الله عليه ، عندما قيلَ له : إنّكُمْ تَخْتَلِفُون؟! فقال (ع) : ((إنّا نَخْتَلِفُ وَنَجْتَمِع، ولَنْ يَجْمَعَنَا الله عَلى ضَلالَة))[11] ، وقال الإمام فقيه آل رسول الله الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) (ت247هـ) في الإجماع الحسني الحسيني : ((كُلّ مَا أجْمَعَ عَليهِ أبْرَارُ العِترَة ، أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَه ، فَقَدْ لَزِمَ أهلُ الإسْلامِ العَمَلُ بِه ))[12] ، وقال الحسن بن يحيى (ع) أيضاً ، بما لو كُتبَ بما الذّهب لكَانَ أليَق : (( وإذَا رُوِيَ عَنِ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم خَبَر ، فَرَواهُ عُلمَاءُ آل رَسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلم عَلى غَيرِ مَا رَوَتهُ الأمّةُ عَن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، كَانَت الحجّة فِيمَا رَواهُ آل رَسول الله، وأثْبَتوهُ عَن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم، وكَذِلِكَ الرّوَايَةُ عَن أمِيرِ المؤمنين، إذَا رَوَت الأمّة عَنهُ خِلافَ مَا رَوَى خِيارُ آل رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كَانَت الحجّة وصِحّةُ النّقل مَا رَوَاه عُلمَاءُ آل رَسول الله عَن أميرِ المؤمنين، فَإذَا اخْتَلَفَتِ الأمّة بَعدَ أميرِ المؤمنين فِي الأحكَام، فِي الحلال والحرَام والسّنَن، كَانَ مَا صَحّ عَن علمَاء آل رسول الله أوجَب أنْ يُؤخَذَ بِه، وتَركُ مَا سِواه، وبِذَلِكَ أُمِرُوا أنْ يَتَمَسّكُوا بِهِم عِندَ الاختِلاف والتّفرق، فَإنْ جَاءَ عَنْ أبَرارِ العِترَةِ مَا تَخْتَلِفُ الرّوَايَة فِيه فِي النّقل والأخبَار ، أخَذْنَا مِنْ ذَلِكَ بِأوْثَقِ مَا جَاءنَا عَنهُم وأحْوطه للدّين ، وأبَعده مِنَ الشّبهَة ، .. إلخ ))[13] ، فإن قيل : كيف تُحاجّونا بما تروونَهُ في كُتبكُم ، فلسنا نروي هذا في مسانيدنا الحديثية ؟ . قُلنا : قد حاججتمونا سابقاً وحاضراً باثني عشر اسماً من أهل بيت النبوّة روتهَا كتُبكم ، لم نروها في مسانيدنا ، بل ولم تروِها الأمّة في مسانيدها ، ومع ذلك ، فإنّه لا احتجاجَ لكم علينا هُنا ، فإنّكم رَويتُم عن أئمّتكم المعصومين ما يشهدُ لرواياتنا السّابقَة، بخصوص حجيّة الإجماع الفاطمي الحسني الحسيني، ، دونَ حجيّة الأفراد الفاطميين الحسنيين الحسينيين ، وما يشهدُ لمعقوليّة الخلاف بينَ أفرادهِم (ع) ، فقد روى صاحب بصائر الدرجات محمد بن الحسن الصفار بسنده إلى الإمام جعفر الصادق (ع) أنّه قال : ((إنّ رَسولَ الله صلّى الله عليه وآله قَال : مَا وَجَدْتُم فِي كِتَابِ الله فَالعَمَلُ بِهِ لازِم ، لا عُذْرَ لَكُم فِي تَرْكِه ، ومَا لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ الله وكَانَت فِيه سُنّةٌ مِنّي ، فَلا عُذْرَ لَكُمْ فِي تَرْكِ سُنّتي، ومَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنّةٌ مِنّي ، فَمَا قَالَ أصحَابي (تأمّل) فَخُذُوه ، فإنّمَا مَثل أصحَابي فِيكُم كَمثلِ النّجوم ، فبأيّهَا أخذ اهتدى ، وبأيّ أقَاوِيلِ أصحَابي أخَذْتُم اهتَدَيْتُم ، واخْتِلافُ أصحَابي (تأمّل) لَكُم رَحمَة ، قِيلَ : يَا رَسول الله صلى الله عليه وآله ومَنْ أصحَابُك ؟ . قَال : أهلُ بَيتي ))[14]. وهذا بيّنٌ والحمد لله .

ومنه عرفنا وعرفت أخي في الله أنّ الحجّة والعصمَة فإنّها ليسَت إلاّ في جماعة أهل البيت (ع) ، وأنّ الاختلاف في أفرادهِم وارِد ، وليسَ الجعفرية يُنكرون اختلاف فُتيا أئمّتهم في المسألَة الواحدَة لسبب التقيّة ، وهذا خللٌ في نظريّة العِصمَة الفرديّة ، ومَن تتبّع سيرَ أهل الكساء صلوات الله عليهِم ، عليٌّ وولدَاه ، لم يجدهُم أصحاب فتاوى مُختلفَة ، ولا أصحاب أقوالٍ مُتضادّة ، مع أنّ مظاهر الخطر حولهُم موجودة مُتوافرَة ، والله المُستعان . وبهذا القدر من تلك الأوجه أكتفي على رجاء أن تكون عقيدة الزيدية في العصمَة قد اتّضحَت بإذن الله تعالى ، ولعلّها تزيد وضوحاً وجلاءً عندما نستعرض الفصل الثاني الذي يتكلّم عن عقيدة الجعفرية في العصمة .

[ الفَصل الثاني : بيان عقيدة الجعفرية في العصمَة ]

وفيه نُقدّمُ بمُقدّمةٍ تقول : أنّ على القارئ أن يعلَم ، وعلى الباحث الحاذق أن يتنبّه، أنّ عقيدة العصمة الجعفرية على أفراد الأئمّة إنّما هيِ حِبرٌ على ورَق الشٌّرّاح ، وصوتٌ في هواء الخُطباء والواعظين ، ومسانيدهُم الحديثيّة ستُدينُهم ، فنقول : إنّ الجعفريّة قد أحدثَت في العِصمَة أقوالاً لم يكُن أوائلُهم مُتبنّين لها ، نعني قولَهُم أنّ الأئمّة معصومين من الخطأ في أمور دينهم ودُنياهم ، صغيرها وكبيرها ، العمدُ منها والسّهو ، وهذا قولُنا ، والبُرهان علينا ، فنقول مُتكّلين على مَن لا يَسهو!! ، مُتكلّمين من عدّة أوجه :

الوجه الأوّل : نُبيّن فيه اختلافَ سلف الجعفرية أئمّة ومشائخاً فيما يخصّ تعريف العصمة الجعفرية ، فَمِن علماء الجعفرية المُتأخرين يقول العلامّة المجلسي ، إنّ : ((الإمَاميّة أجمَعُوا عَلى ، عِصمَة الأنبياء والأئمّة مِنَ الذّنوب الصّغيرة والكبيرَة ، عَمداً وخَطأً ونِسيَانَاً قَبلَ النبوّة والإمَامَة وبعدَهَا ، بَل مِن وقتِ ولادَتِهِم إلى أنْ يَلقَوا الله سبحانه))[15] ، ففي الوقت الذي نجدُ العلاّمة المجلسي يَجعل من إثبات عدم سهو الأنبياء والأئمة ، والذي منهم الرّسول (ص) ، إجماعاً للإمامية ، الذين هُم أتباعُ أهل البيت –كما يزعمون- ، نجد الإمام علي بن موسى الرضا (ع) الذي هُو إمامهُم!! ، يلعنُ مَن لا يؤمنُ بأنّ الرسول (ص) قد يَسهو ، في رواية الشيخ الصدوق في العيون : (( عَن أبي الصّلت الهروي، قَال: قُلتُ للرّضا (ع) : يَا ابنَ رَسولِ الله إنّ فِي سَوادِ الكوفَة قَومَاً يَزعمُون أنّ النبي (ص) لَمْ يَقَع عَليه السّهو فِي صَلاتِه! ، فَقَال : كَذَبُوا لَعَنَهُم الله ، إنّ الذي لا يَسهُو هُوَ الله الذي لا إلهَ إلاّ هُو))[16] ، أقول : والكوفَة منبعُ الإمامية ، ولا مجالَ للتقيّة هُنا ، فليسَ الأمرُ يتعلّق بالسياسَة ولا هُو يتعلّق بمحظور حتّى يُتّقَى لأجلِه ، نعم ! فَوجدنا الإمام الرضا في هذا الموضِع يَلعنُ مَن لا يُثبتُ السّهو مُطلقاً للرّسول (ص) ، وهُنا نجدُ الشيخ المفيد (413هـ) ، يُنكر سهو الرسول (ص) ، فيقول : ((الحديث الذي روته الناصبة ، والمقَلّدة من الشيعة أن النبي صلى الله عليه وآله سها في صلاته .... من أخبار الآحاد التي لا تثمر علما ، ولا توجب عملا ، ومن عمل على شيء منها فعلى الظن يعتمد في عمله بها دون اليقين ، وقد نهى الله تعالى عن العمل على الظن في الدين ، وحذر من القول فيه بغير علم ويقين . ))[17]، فكيفَ يُخالفُ المجلسي والمُفيدُ وجماعة الجعفرية إمامَهم الرّضا المعصوم عند لعنهِ لمن لم يُثبت السّهو على الرّسول (ص) ؟! . ثمّ نجدُ الشيخ الصدوق على عِظم قدره عند الجعفريّة يُبيّن عقدية العِصمَة على مذهب الجعفريّة ، ولا يُدخل السّهوَ فيهَا فَيقول : ((إنّ جَمِيعَ الأنبياء والرّسل والأئمّة ، أفضلُ مِنَ الملائِكَة!! ، وإنهُم مُطَهّرونَ مِن كلّ دَنَسٍ ، وَرِجس ، لا يَهمّون بِذنبٍ صَغيرٍ ولا كَبير ولا يَرتَكبُونَه))[18] ، ويُصرّح الصّدوق أيضاً (ت381هـ) (وهُو المُتقدّم على المفيد) بأنّ الرّسول (ص) قد يَسهو ، فقال في كتابه من لا يحضرُه الفقيه : ((إنّ الغُلاة! والمفوّضَة لَعَنَهُم! الله ، يُنكرونَ سَهوَ النبي صلى الله عليه وآله ويقولون: لَو جَازَ أنْ يَسهُو عَليه السلام فِي الصّلاة لجَازَ أن يَسهُوَ فِي التّبليغ لأنّ الصّلاة عَليه فَريضَة كمَا أنّ التبليغَ عَليه فَريضَة .... وكَانَ شيخنَا محمّد بن الحسَن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول: أول دَرَجَة فِي الغلوّ نَفي السّهو عَن النبي صلى الله عليه وآله ))[19]. فمَن المُعبّر عن دين أهل البيت معشر الجعفرية أعلي الرضا والصدوق وابن الوليد أم الشيخ المفيد والمجلسي ومُتأخريكم؟!. هذا ومَن راجعَ وتأمّل المجلد الثاني ، باب أحكام السهو ، لكتاب تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ) ، سيجد ما يؤيّد كلام الإمام الرضا (ع) من ثبوت السّهو في الصلاة عن الرسول (ص) .

الوجه الثاني : نُبيّن فيها وجهَ الخلل ، وعدم انطباق التعريف الجعفري للعصمَة ، بما دوّنتهُ أيدي نحاريرهم من المُحدّثين ، ولو كانَت قليلةً ، أو حتّى تقبلُ التأويل ، لأوّلناها لهم ، بل لو كانَت تقبلُ التقيّة لسلّمنا لهُم ، وسنأتي على نماذج منها ، ما :

1- ما رواهُ العلاّمة الخبير عبد علي العروسي الحويزي في تفسيره نور الثقلين : ((عن المفضل بن عمر عن أبى عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله ، وقال له : يا محمّد قال : لبّيك يا جبرئيل ، قال : إنّ فلان سَحرك! ، وجَعَل السّحر فِي بِئر بني فلان، فابعث إليه ، يعنى البئر ، أوثَقَ النّاس عِندَك وأعظَمُهم في عينك ، وهو عديل نفسك حتى يأتيك بالسّحر ، قال : فبعث النبي صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب ، وقال : انطلق إلى بئر أزوان ، فإنّ فيها سِحرا سَحَرَني بِه لبيد بن أعصم اليهودي ، فأتني به ، قَال عليه السلام : فَانطَلَقتُ في حَاجَة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فَهَبطتُ فَإذا مَاءُ البئر قَد صَار كأنها الحنّاء مِنَ السّحر ، فَطَلَبتُه مُستَعجلاً حَتّى انتهيتُ إلى أسفلِ القليب فَلم أظفَر به ، قَال الذين معي: مَا فِيهِ شَيء فَاصْعَد ، فَقلتُ : لا والله مَا كَذَبتُ ومَا كُذِّبت ، ومَا نفسي به مِثل أنفُسِكم ، يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثمّ طَلبتُ طَلباً بلطف فاستخرجت حُقّاً ، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فقال : افتَحْهُ ، فَفَتَحتُه وإذا فِي الحقّ قِطعةُ كرب النّخل في جوفه وُتِرَ عليها أحد وعشرون عقدة ، وكان جبرئيل عليه السلام أنزل يومئذ المعوذتين على النبي صلى الله عليه وآله فقال النبى صلى الله عليه وآله : يا علي اقرأها علي الوتر ، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام كلما قرء آية انحلت عقدة حتى فرغ منها ، وكشف الله عز وجل عن نبيّه ما سُحِرَ وعَافَاه )) [20] .

تعليق : تأمّل أخي الجعفري ، بعين الإنصاف أليسَ هذا مُنافياً للعصمَة التي تؤمنونَ بها في حقّ مَن هُو أفضلُ من أئمتكم الإثني عشر ، ولنا أن نقول : إن كنتم معشر الإمامية تُحاجّوننا بمعقوليّة اشتراط العِصمَة في الإمام ، وأنّ الإمام لا يُخطئ أبداً ، بل ولا يَسهو أبداً ، وأنّه لو كان يُخطئ ويَسهو لما ضَمِنّا كونَهُ على الحقّ ، ولكُنّا مُقلّدين لهُ على الظّن!! ، بأنّ ذلكَ منكُم حِبرٌ على ورقِ الشّرّاح والأصوليين ، وهُو أمرٌ استَرَحتُم إليه ، ليسَ يُشيرُ إليه واقع أئمّتكم ، ولا تراثهُم الحديثيّ المُنتشر في أمّهات مسانيدِكِم الحديثيّة ، وما بُنيَ على الوَهم ، فليسَ يصحّ أبداً ، ألا ترى أنّ الإمام الصادق (ع) بإثباته لوقوع السّحر على الرسول (ص) ، يجعلُنا نقول : أنّ في هذا تشكيكٌ في صِدقِ رسالَة الرّسول (ص) ، وأنّا لا نأمَنُ أن يكونَ مسحوراً فيما أتانا به من عقائد إسلاميّة ؟ ، وهذا عينُ ما سَتَحتجّونَ به علينا معشر الزيدية ، عند تجويزنا على الإمام الزيدي الحسنيّ أو الحسينيّ ، السّحر لعدم العصمَة !! ، أليسَ كذلك ؟ . فإن قُلتم : هذا ليسَ لكم، فرسول الله (ص) صحيح الإتيان بالرسالَة الرّبانيّة ، ولَو سُحِر ، لأنّ الله هُوَ المُتعهّد بحفظِ رسالته صحيحةً سليمَة ، فإنّه سيكشفُ عن الرّسول (ص) هذا السّحر ، ثمّ إنّ هذا السّحر الذي وقع على رسول الله (ص) لم يؤثّر على أمور الدّين ، بقدر ما كان يؤثّر على أحوال الرّسول الشخصيّة ، كأن يظنّ أنه فعلَ وهُو لم يفعَل . قُلنا : فأنتم بدفاعكم هذا عن صدق تبليغ الرّسول (ص) ، حتّى ولو كان مُعرّضاً للسحر ، مؤمنونَ بعدم معصوميّته في غير أمور الدّين وكبائر الذّنوب ، وبما دافعتُم وأجبتُم به عن سحر الرّسول (ص) ، وأنّ الله لا بُدّ أن يُبيّنَ ذلك ، فإنّا نقول أنّ الإمام الفاطميّ الحسني أو الحسيني لو سُحِرَ ، فأخطأ في تطبيق الدّين ، فإنّا عارفونَ لخطأه ، وعارضوهُ على كتاب الله تعالى ، ثمّ على إجماع أهل البيت (ع) الذين هم أوعية صحيح أحاديث الرسول (ص) ، فمَا وافقَ من فِعل الإمام المسحور ، وافقنا عليه ، وما خالفَ خالفناهُ فيه . نعم ! ولسنا نُوردُ هذا الرّبط هُنا إلاّ ليتبيّنَ للقارئ أنّ الجعفريّة يُمنّونَ أنفُسَهُم بُحججِ عقليّة أصوليّة حول بُطلان أن يكون الإمام غير معصومٍ ، لأنّ هذا قد يُعرّض إلى الإتباع بمجرّد الظنّ !، وليسَ لهذا مجالٌ عند الزيدية وإن كانوا لا يشترطون العصمَة في أئمّتهم ، فإنّ هُناك ثوابتاً يُعرَض عليها فِعلُ الإمام ، الكتاب وصحيح السنّة وإجماعُ سادات بني الحسن والحسين الذين هُم ثِقلُ الله الأصغر في الأرض ، فليسَت وظيفَة الإمام عندنا إلاّ اقتفاء وتطبيق ما أصّلَه القرآن والسنّة والإجماع ، فليسَ ينطبقُ عليه ما اعتلّ الجعفريّة لأجله ، من أنّه قد يأتي بما يُخالِف ، فيُتّبَعُ ، فَيَحصُلَ اللّبس والالتباس على النّاس ، ألا ترونَ معشر الجعفريّة أنّ سلفَكم من الجعفرية المُعاصرون للباقر يكفيهُم الإيمان بما أصّلَهُ لهم الباقر (ع) ، وبما وَصلَهُم من حديث السجّاد والحسين والحسن وعلي والرّسول (ص) ، إذاً فدينهُم الإلهي مُكتمل ، سواءً جاء الصادق والكاظم وبقية السلسة من بعد هؤلاء أم لَم يأتوا ، لأنّ الصادق ومَن بعدَهُ من الأئمة ليسوا إلاّ مُبلّغينَ لما قد بَلّغَهُ الباقر ومَن قبلَهُ من الأئمّة (ع) ، فليسَ الصادق ولا مَن بعدَه سيأتونَ لمُعاصريهِم بأصولٍ في الدّين جديدَة ليسَ يعرفُها المعاصرونَ لآبائهِم ، وما وظيفَة الصّادق والكاظم ومَن بعدَهُم من الأئمّة إلاّ تطبيقُ وتوطيدُ تلك الأصول التي طبّقها ووطّدَها آباءهم السّابقين ، وليسَ هذا إلاّ قولُنا معشر الزيدية في وظيفَة الإمام الحسني الحسيني ، فإنّ دين الله قد أُصِّلَ مِن قِبَل سادات أهل البيت (ع) بني الحسن والحسين ، وعلى رأس الموطّدين له رسول الله (ص) ، وأجمعوا على أصوله قولاً واحداً ، وانتشرَ وزُبِرَ وعُرِفَ هذا الإجماع بينَهُم ، توحيداً وعدلاً ووعداً ووعيداً وإمامةً ، فمتَى خالفَ الإمام القائم من هؤلاء السّادة إجماع العترة ، فقد خالفَ حتماً كتاب الله ، لارتباط الاثنان ببعضهما البعض إلى أن يَرِدَا الحوض على الرّسول (ص) ، وستُعرَفُ مُخالَفَتُه لإجماعِ سلَفَه ، فلن يَحصُلَ اللّبس أبداً على مُقتضى مذهبِ الزيدية ، فمتى وَقَعَ الخطأ عُرِف ، وبهذا يسقطُ التعليلُ الذي لأجلِهِ أوجبَ الإماميّة عِصمَة الإمام . فإن قالوا : فإنّ هُناك أموراً حادِثَة ليس يثبتُ فيها إجماعٌ عند الزيدية ، بل أمورٌ يبتّ فيها الإمام بقرارته في الحال ، كالاجتهاد في الفروع ، أو إعلان الجهاد والثورة على طائفة من الطوائف ، فإنّ هذا يحتاجُ لعصمَةٍ تكونُ في الإمام ، وإلاّ كيفَ تضمنونَ ويضمن الإمام صحّة اجتهاداته وَوقعاته وحروبه ؟! قلنا : قَد أصبتُم في مَقتَل ، وليسَت هذه الإصابَة فيه على الزيدية تنطبِق!! ، بل عليكم معشر الجعفرية ، وعليه فإنّا مُجيبونَ بما يفتّ عُضُدَ الباطل بإذن الله تعالى ، فنقول : خبّرونا عَن حالَكم معشر الجعفريّة في زمن الغيبَة ، أعلى الحق أنتُم أم على الباطل ؟ ، إن قُلتم : على الحق . قُلنا : وكيفَ عرفتُم ؟ ، فإن قالوا : لاتّباعنا آثار أهل بيت النبوّة ، وما صحّ عنهُم من إجماع وتقرير واجتهاد في أصول الدّين وفروعه. قُلنا : فإن لم يصحّ عنهُم إجماعٌ في شيءٍ مِن هذا كلّه ، كأن تقعَ عليكم أمورٌ حادثَة تحتاج للاجتهاد والنّظر ، ويحتاجها النّاس في أمورهِم اليوميّة تأتي على شكل فتاوىً في الدّين ، وكالخروج والثّورَة ، وعن قريب خرج الإمام الخميني في ثورة زكّاها جُلّ الجعفرية إن لم يكونوا كلّهم ، فكيفَ تعلمونَ بصحّة ما أنتم عليه من هذه الاجتهادات والخروج والجهاد ؟ . إن قلتم : نسألُ عنها إمامنا المعصوم المهدي ابن الحسن العسكري ؟. قلنا : لا سبيلَ إليه ، وليسَ هُوَ بكم يأبَه!! . فإن قالوا : نلجأ إلى فُقهائنا ، وعُلماءنا ، ونتبّع اجتهاداتهم ، وتوجيهَاتهِم ، فما أفتَوا به عَمِلنا به ، فإن قالوا: يجب الخروج على الطائفة الفلانيّة خرجنَا ، وإن قالوا : البِدِوا ، لَبدْنا ، فنحنُ مُقلّدينَ لمرجعياتنا الدينيّة . قُلنا : أصابَ السّهُم المَقتل ، فأخبرونا أيضاً عن مرجعيّاتكم الدينيّة التي تُقلّدونها أواحدةٌ هي في فتواها ، أم هيَ عدّة مراجع يُقلّد النّاس أيّهم ركنُوا إلى علمِهِ وفهمه ، ثمّ أخبرونا ، هل هؤلاء المراجع معصومين ؟ . فإن قُلتم : بل هُم مرجعيّاتٌ مُتعدّدة ، وقد تتّفق اجتهاداتهم ، وقد تختلف ، وليسوا هُم بمعصومين! . قُلنا: الآنَ اخترقَ السّهم المقتَل ، وافتضحَ ما زبرَهُ شُرّاحُكم ومُتكلّميكم ، وبانَ الوهُم الذي اعتمدوا عليه لإيجاب العِصمَة على الإمام ، فقولُكم : باللجوء إلى فقهائكم الغير معصومين ، فيما طرأ عليكم من أمورٍ دينيّة مُستجدّة ، يُثبتُ أنّكم لستُم إلاّ على الظنّ ، لا على اليقين ، وأنّ مَن هلكَ منكُم فإنّه هالكٌ لا على دين أهل البيت الجعفري ، فإنّ هُناك احتمالٌُ بأن يُخطأ المرجعية الجعفري في فتاواه واجتهاداته ، بما لا يُوافقهُ عليه الإمام المعصوم المهدي الغائب ، بل ولا يرتضيه ، ودعكَ من هذا أخي الجعفري ، ولكنّ هلّم بنا إلى الشّهداء من الجعفرية في ساحات الحروب ، وأقربُهم أصحاب الخميني الراحل ، هل اتّبعوا الخميني على اليقين ، هل أيقنوا بعصمَة رأي الخميني في الخروج والثورَة ، أم أنّهم جنّدوا أنفُسَهُم على الشكّ والريبَة ، وخرجوا على غير بيّنةٍ من إمامهم المعصوم الغائب ، فلربّما كان هذا الغائب المعصوم غيرُ راضٍ عن خروج الخميني في ثورته تلك ، فعندها ماذا سيكون موقفُ الخميني عند الله وعندَ الرّسول وأئمته من أهل البيت ، وعلى رأسهِم المعصوم المهدي الذي هُو إمامُ عصرِه ؟! ، وما حالُ أولئكَ الشّهداء الذين ماتوا وهُم على غير يقين ، ماذا سيقولون لإمامهم الحجة المهدي عندما يُساقون إلى المحشر وهو إمامهُم ؟! ، وما حال فقهاء الشيعة ومرجعياتهم المُؤازرون للخميني بعد موته بالإشادة والافتخار به ، أهل على يقينٍ يُندّدون أم على ظنّاً منهم بذاك ، ثمّ أخبرونا معشر الجعفرية عن مراجعكم الدينية المُختلفَة في فتاواها ، أجميعُ فتاواهم المُتناقضَة صحيحَة ؟! ، فمثلاً نجدُ بعضَهُم يُفتي بجواز نكاح المرأة من دُبُرِهَا ، والبَعض الآخَر لا يُفتي بذلك ، فيُقلّدُهم الأتباع!! ، فما حالُ المُفتي بالباطل ، وما حالُ المُقلّد ؟ فبلله عليكم معشر المُنصفين بعد كلّ ما مضَى ، ألِلعِصمَة في حياة الجعفريّة تطبيقٌ من حوالي أربعة عشر قرناً ؟! ، إلاّ في الدّفاتر والأوراق والأوهام ، ثمّ اعلَم أخي المُنصِف أنّ الجعفريّة لن يُطبّقوا العصمَة التي يؤمنونَ بها في زمان الغيبة إلاّ إذا عطّلوا الإفتاء، وتركوا اتخاذ القرارات التي هيَ للإمام ، من قبضٍ للزكوات ، ومن جهادٍ في سبيل الله ، ومن إقامَةٍ للجُمعات ، ومن استنباطِ أحكامٍ من الكتاب والسنة ، ..إلخ ، إن قالوا : إنّما على المرجعيّة أن تُفتي بما وصلَت إليه أنظارُهُم بعد التأمّل في الكتاب والسنّة الصحيحة وآثار أهل البيت الإثني عشر ، فإن وافقَ فله أجرٌ في هذا ، وإن خالفَ ، فإنّما يُخالفُ في فروع الدّين ، وأمّا أصوله فقد ثبتَ عن طريق أهل البيت ثبوتاً كاملاً لا يُحتاجُ إلى الاجتهاد فيه بعدَه . قلنا : فأنتُم بهذا تُبتون أنّه لا حاجَة للفقيه المرجع بأن يكون معصوماً ، وإنّما عليه الإقتداء بالكتاب وصحيح السنّة وآثار أهل البيت (ع) ، حتّى وإن خالفَ في اجتهاداته الفروعيّة فليسَ هذا بالضارّ في الدين المحمّدي ، وعندَها نوجّه الخطاب لكم مشعر الجعفرية ، فنقول : أنّكم ما عَديتُم قولَنا في الإمام الفاطمي الحسني الحسيني ، فإنّما عليه عندما ينتصبُ لهذا الأمر أن يُطبّق ما قد أصّله الكتاب وصحيح السنّة وإجماع سادات أهل البيت بني الحسين والحسين ، في العقيدة المحمديّة ، وأن يجتهدَ للأمّة بما وافق الكتاب والسنة فيما لم يُؤثَر فيه إجماع ، وليسَ هُوَ مُحتاجٌ إلى العِصمَة ليكونَ إماماً ، لأنّ الأمّة بحاجةٍ إلى إقامة الجُمَع والجماعات ، وإقامة الحدود ، والقضاء بين النّاس ، وتجييش الجيوش والردّ على أعداء الله والرّسول ، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، وهذا كُلّه يستقيم على شرطِ الزيدية في الإمام لعدم اشتراطهم للعصمَة فيه ، وليسَ هُوَ يستقيم على شرط الجعفرية ، لاشتراطهِم العصمَة في الإمام ، فكلّ هذه الأمور السّابقة لا يَقومُ بها على شرط الجعفرية إلاّ المأمون المعصوم عن الخطأ فيها ، ولهذا السّبب أوجبوا العِصمَة لكي يأمنَ الأتباع جازمينَ لا ظانّين بما يُقلّدون فيه أئمّتهُم ، وبما أنّه لا أئمّة –على مذهب الجعفرية- في هذا الزمان ، إذاً لا خيارَ لمُتكلّمي الجعفرية ، فإمّا أن يُبطلوا تعليلهُم عدم صحّة الإمامَة في مَن ليسَ معصوماً لاحتماليّة وقوع الخطأ منه ، وإمّا أن يُسقطوا فروض الله تعالى ، ويُعطّلوا أحكامَه ، ولا يُفتوا بجواز تقليد واتّباع مراجعَ غير معصومين ، الأخطاء عليهِم واردةٌ مُحتملَة ، وهذا والله قولٌ عظيم . وبهذا أختم أطروحتي التي أعتذرُ فيها من أهل الشأن لترديدي للكلام فيها ، بما أخافُ أن يكون ممُلاًّ ، ولكن ليسَ هذا إلاّ لطويّة انطوت عليها أنفُسنا ، نسأل الله أن يُتمّها . نعم! وبعد هذا كلّه تبيّن لنا أنّ نظرية العصمة الجعفرية ، لا تطبيق لها على أرض الواقع في زمان الغيبَة ، وهُنا نُواصل بيان أنّ هذه النظريّة لم يكُن لها أيضاً أيّ أساسٍ من الصحّة بما قبلَ عصر الغيبة ، أي في أزمنة الأئمة (ع) :

2- ما رواهُ العلاّمة الخبير عبد علي العروسي الحويزي في تفسيره نور الثقلين : أنّ يهود خيبر شتموا رسول الله (ص) ، فبلغ ذلك الرّسول (ص) (( فقال رسول الله صلى الله عليه واله : يا علي لعلهم شتموني ، إنهم لو رأوني لأذلهم الله ، ثمّ دَنا رسول الله صلى الله عليه وآله مِن حِصنِهِم ، فَقال : يا إخوَة القِرَدَة والخنازير ، وعَبَدة الطّاغوت ، أتشتموني أنا ، إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم ، فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن فقال : والله يا أبا القاسم ما كنت جهولا فاستحيا رسول الله حتى سقط الرداء من ظهره حياء مما قاله)) [21] .

تعليق : هُنا تأمّل إقدام الرّسول (ص) على أمرٍ استحيا ، وليسَ (ص) يستحي إلاّ من أمرٍ ظهرَ لهُ خطأهُ فيه ، وعليكَ النّظر أخي الجعفري في جواز هذه الصغيرة على الرسول (ص) .

3- ومنها ما اتّفقت عليه الشيعة بعموم ، في كيفيّة تبليغ رسول الله (ص) لأهل مكة ، عندما بعث بآيات براءة إليهم ، فبعثَ بها أوّلاً مع أبي بكر ابن أبي قحافة ، ثمّ تراجع الرّسول (ص) بأمر الله سبحانه وتعالى ، وبَعَثَ عليّاً خلفَه ، ليؤدّيها عنه (ص) .

تعليق : وهُنا نسألُ الجعفرية (ص) عن هذا الفِعل من رسول الله (ص) ، أيُعدّ خطأً أم صواباً ، وليسَ هذا الفعل إلاّ من الصغائر التي لا تضرّ الرسول (ص) .

4- ومنها وممّا اتفق على صحّته الشيعة بعموم ، يقول الإمام علي (ع) في النهج: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ لِي بِالْمَغْفِرَةِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي، وَلَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَاني، ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ، وَسَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ ، وَشَهَوَاتِ الْجَنَانِ، وَهَفَوَاتِ اللِّسَانِ))[22].

5- ما رواهُ المجلسي في البحار ، (( عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (ع) ، قال : إنَّ أبي ضربَ غلاماً له ، قرعة واحدة بسوط ، وكان بعثَهُ في حاجة فأبطأ عليه، فبكَى الغلام ، وقال : الله! ، يا علي بن الحسين ، تَبعثُني في حاجَتِكَ ، ثمّ تَضربني ، فبكَى أبي وقال : يا بني ، اذهب إلى قبر رسول الله (ص) فصلّ عندَهُ ركعتين ثمّ قُل : اللهمّ اغفِر لعليّ بن الحسين خطيئتَهُ يومَ الدّين ، ثمّ قال للغلام : اذهَب فأنت حرّ لوجه الله ، قال أبو بصير : فقلتُ له –للباقر- جُعلتُ فداك ، كانَ العتقُ كفّارةً الضّرب؟! فسكت ([23]) .

تعليق : وهُنا تأمّل إثبات زين العابدين (ع) الخطيئة على نفسِه ، وطلب الله أن يغفرها له يوم الدّين ، تجد في هذا أّنه يُقدم على الله وله أخطاء مُتفاوتة في الصّغر والكبَر، ثمّ تأمّل نَدَمهُ (ع) على ضربه للغلام ، تجدهُ يدلّ على أنّه أخطأ ، ولَو معَ نفسِه في هذا الضرب للغلام .

6- وعن حمران قال : قلت لأبي عبدالله : أنبياء أنتم ؟ قال : لا ، قلت : حدثني من لا أتهم أنك قلت : إنكم أنبياء ؟ قال : من هو أبالخطاب ؟ قلت : نعم ، قال : كنت إذا أهجر ([24]) .

7- وعنه أيضا قال : فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ، ما نقدر على ضر ولا نفع ، وإن رحمنا فبرحمته ، وإن عذبنا فبذنوبنا ، والله مالنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة ، وإنا لميتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون ([25]) .

8- وعنه [ الصادق] : إنا لنذنب ونسيء ثم نتوب إلى الله متابا ([26]) .

نعم ! وبهذا القدر من النقولات نكتفي ، على كثرةٍ من النماذج المؤيّدة لما نقول ، فهذا كما ترى أخي في الله نقضٌ وتنزيهٌ لهؤلاء الأئمّة الأطهار من ادّعاء العصمَة من الأدناس والأرجاس الصغير منها والكبير ، بل هُم صلوات الله عليهم مُنزّهون من ادعاء الإمامة النصيّة ، ويكفيهُم دونَ ذلك المُدّعى عليهِم ، أن يكونوا فروعاً من دوحَة نبويّة حسنيّة حُسينيّة ، طابَت شمائلُهُم بأفعالهِم ، وشَهِدَ لهُم القاضي والدّاني ، وليسَ حالهُم عندَنا إلاّ كحالَ الإمام الحسن بن الحسن السبط ، والإمام زيد بن علي بن الحسين السبط ، والإمام شيخ آل الرسول في زمانه عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن ، في الاعتبار والقدوة .

مَنْ تَلْقَ مِنهُم تَقُلْ لاقيتُ سَيّدهم ****** مِثْلَ النُّجوم الّتي يسري بها الساري

وبهذا نختمُ كلامنا في هذه المقدّمة ، بعد أن عَرفنا أنّ العِصمَة الجعفريّة ، نظريّةٌ لم تُصَغَ جيّداً ، وجميع الإماميّة مُتهّمَون في أديانهِم بوجودِهَا ، كما بيّنَا ذلك في موضعه ، والله المستعان .

[ الفَصل الثالث : شُبَه يُثيرها الجعفرية حول الزيدية ]

في هذا الفصل نتكلّم بإذن الله تعالى ، عن شُبه يُثيرها الجعفرية ضدّ الزيدية فيما يخصّ موضوع العِصمَة ، ولسنَا نعيبُهُم لهذا ، لأنّا لا نأمَلُ ولا نتوقّعُ أن يعيبونا في أبحاثنا المُخاطِبَة المذهب الجعفري ، ولهُم علينا الإجابَة بالدّليل ، وأين ما مالَ الدّليل نميلُ وإياهُم معَه ، فممّا أوردهُ الجعفرية على الزيدية :

قالت الجعفرية :

قَد قال بالعصمة في حقّ الإمام ، وأثبَتَها حافظ الزيدية أبو الحسن أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) (ت353هـ) ، صاحب المصابيح ، وفي هذا دلالة على أصالَة العصمة التي أثبتَها الجعفرية .

قالت الزيدية :

أمّا ما يخصّ حافظ الزيدية ومُحدّثها أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) (ت353هـ) ، من إيجابه للعصمَة في الإمام ، فإنّ هذا يُأوَّل ، خصوصاً مع تيقننا من زيديّته ، ونفيّه النص على الأئمّة بعد علي والحسنين صلوات الله عليهم ، فكلّ زيديّ يقول بالعصمَة ، فإنّه يُستحالُ أن يكونَ مَقصدُهُ ما ذَهبت إليه الجعفرية من معناها ، الذي هُو : العِصمَة من الصّغائر والكبائر والسّهو والنّسيان ، إن قيلَ : لماذا ؟! ، قلنا : لأنّه زيديّ العقيدة في الإمامة ، والزيديّ ينفي النصّ عن الأئمّة بعد الحسنين ، ويؤمنُ بأنّ طريقَ الإمامة الدّعوة مع اجتماع الشروط الواجبة في الدّاعي الحسني أو الحسيني ، فكيف يقول بإيجاب العصمَة -بالمعنى الجعفري- على شخصٍ ليسَ بمنصوصٍ عَليه ، وهَل هذا إلاّ من تكليف ما لا يُطاق ، بل منَ المُستحال مَعرفتهُ في الإمام ، وهذا كلّه ، مع معرفتنا لمنزلة أبي العباس الحسني ، وعلوّ شأنه ومرتبته في الزيدية ، يجعلُنا ننفي أن تكونَ العصمَة الجعفريّة مُبتغاه من تصريحِه هذا ، فالعِصمَة كلمةٌ تختلفُ باختلاف المشارب ، فمحمد بن محمد المفيد من الجعفرية يجعلُها شاملة للكبائر والصغائر والسّهو والنسيان ، بينما يجعلُها الشيخ الصدوق وابن الوليد من الجعفرية أنفسَهُم في الكبائر والصغائر من دون السّهو والنسيان ، والزيدية تجعلُها في حقّ أصحاب الكساء والأنبياء ، عِصمةً من الكبائر والإصرار على الصغائر ، وأنّ العصمة في مَن دونَ أصحاب الكساء من الأئمّة إنّما هي في إجماعاتهم ، وكذلك يجب أن نقول مع قول أبي العباس الحسني (ع) ، فإنّ زيديّته تمنَعُهُ من القول فيها بقولَي الجعفرية ، فكانَ علينا التأويل بقدر المعقول ، وهُوَ أنّه صلوات الله عليه، ما عنَى إلاّ أنّ الإمام القائم من بني الحسن أو الحسين ، يجب أن تكون معه عِصمةُ توفيقٍ من الله ، فيكون بها في أكثر أعماله إن لم يكن كُلّها صائباً ، وهذه العِصمَة الإلهية التوفيقية لَن نعلَمَها في هذا الإمام إلاّ بسلامَة ظاهِره ، وبظهور علامات الصّلاح عليه وعلى تصرفاته في رعيّته المؤتمّين به ، بأن يَظهرَ العَدل ، وتأمَن البلادُ والعِباد ، ويُنتصر للضعيف ، ويُؤخَذُ الحقُّ من الشريف ، وتُقامُ الحدود ، وعليه نضربُ مثالاً سيرةُ الهادي والناصر الأطروش صلوات الله عليهما ، فإنّ الخطيئَة الكبيرَة ، والجور الفادح ما نُسِبَ إلى أحدِهِما، فهؤلاء حقيقٌ أن يُقالَ أنّهما معصومينَ توفيقاً من الله تعالى ، بسلامَة اتّخاذ القرار ، ويدخُلُ في قول أبي العباس أيضاً أنّ من يتصدّى لهذا الأمر من بني فاطمة لو كانَ مُبطلاً في الباطن ، لَحُجِبَ عن النّصر والتوفيق من الله ، فليسَ ينالُ رضوان الله وتوفيقه إلاّ مَن كانت همّتهُ العلياء ، والارتقاء بكلمة الرحمن ، إلى أعالي الشِّمَمِ والقِمَم ، فكانَ زيد بن علي (ع) ، يُنادي أصحابَه إلى الجنّة ، مُنادَاة الواثق ، معَ أنّه يعلمُ صلوات الله عليه أنّه ليسَ بمعصوم ، ولكنّ أيادِ الله الخفيّة التوفيقية مُحيطةٌ بزيدٍ (ع) من حيثُ لا يعلَم ، فصُلِبَ وتحقّقَت ثِقةُ زيدٍ في دَعوته ، بأن ظهرَت كرامات الله عليه بعد استشهاده وتحريقه، وكانَ كذلك الإمام النفس الزكيّة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ، فإنّه ما باتَ في أمّة جدّه إلاّ داعياً مُخطّطاً ، مُدبّراً ، مُفتياً ، مُجَاهداً ، كلّ هذا وثوقاً منه في دَعوته التي اقتبسَها من أسلافه سادات بني الحسن والحسين ، وكانَ (ع) يعملُ هذا كلّه وهُوَ يعلمُ أنّه ليسَ بمعصومٍ تلك العِصمَة الجعفريّة ، ولكنّ أيادِ الله الخفيّة التوفيقيّة كان تُحيطُ به وترعاه ، فاستُشهِدَ وهُوَ النّفس الزكيّة التي أخبرَ عنها الرّسول (ص) ، بأنّ دمهَا يسيلُ إلى أحجار الزّيت ، فلَو اتّبعنا قول الجعفريّة في اشتراط العصمَة من جميع الصغائر والكبائر والنسيان ، ورفَضنا دعوَة هذا الحسني القرم ولم نُجبه ، مُتعذّرين بهكذا أعذار ، مِنْ أنّه قد يُخطأ ويُصيب فكيفَ نخرجُ على الظنّ!! معه ، لفَاتَنَا حَظّ عَظيم ، وأجرٌ مِنَ الله كَبير ، وهُوَ الحال مع بقيّة الأئمّة صلوات الله عليهم ، فحديث الثّقلين والسفينة والنجوم في حقّهم تَضمنُ بقاء الصّلاح والإصلاح فيهِم دائماً أبدَ الدّهر ، وكنُا قد سَمِعنَا عالمَ آل محمّد وعلاّمتَهُم السيّد الحسني عبدالرحمن بن حسين شايم حفظه الله ، يقول به أو بما معناه: إنّ لعلماء آل محمّدٍ عصمةُ توفيق فيما يعملون به ، وصدقَ رضوان الله عليه .

قالت الجعفرية :

ذكر السيد مجدالدين المؤيدي في مجمع الفوائد عن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة (ع) ، أنّه قال : ((يَجوزُ أن يُخطِئ الإمامُ بلا خِلاف فِي ذَلك)) ، فكيف يصحّ منّا الإيمان بأئمّةٍ يُصيبونَ ويُخطئون ، فنكونُ بهذا مُتّبعينَ على الشكّ والظنّ ؟! .

قالت الزيدية :

قد سبقَ مُناقشَة احتماليّة خطأ الإمام [راجع الفصل الأول] ، وأنّ هذا عُذرٌ يُضخّمُ حسبَ الميلِ والهَوَى، وإلاّ فإنّ الواقع العِلمي البَحثي يجعلُه صغيراً ، خصوصاً إذا أُرفِقَ بالمُقارنَة بين حال الاختلافات عند الزيدية أتباع غير المعصومين ، والجعفرية أتباع المعصومين! ، على أنّ من سيتتبّع في هذا المجال ، لن يجدَ إلاّ اختلافاتٍ فروعيّة فقهيّة في الغالب الكثير بين أئمة الزيدية ، وقد أشرنا أنّ هذا مما لا بأس به عند الزيدية ما دام مُحاطاً ومُستَنِدَا بأدلة الكتاب والسنة والهَدي الفاطِمي ، وبمعنى آخر : أنّ هذا الاختلاف لا يَمسّ العقيدة المحمّدية ، ومَن ثبتَ عنه من غير الأئمّة كالعلماء والفقهاء والقضاة والشيعة ممّن يشمَلهُم اسم الزيدية ، مُخالفَة العقائد الزيدية ، فإنّه في الغالب الكثير ، يقولُ بقولهِ واجتهادِه ، وليسَ معهُ مُستندٌ إلى أهل البيت في اجتهادهِ المُخالِف هذا ، وأمّا الأئمة فإنّهم لا يختلفونَ في عقائدهم المحمّدية " أصول الدّين" ، ومن أخطأ (على الافتراض) ، فإنّ الإجماع يُصحّح خطأه ، ولكن أخبرني أيّها السّائلُ الجعفري كيفَ تعرفُ دينَ أئمّتك الأحد عشر ، إن كانَت تأتي الرّوايات عنهُم مُختلفَة ، بل ومُتضادّة ؟! ، ويشَهَدُ بتضادّها منكُم شيخ الطائفة الطوسي في مقدمة كتابه التهذيب أنّ سبب تأليفه لهذا الكتاب ، هُو : (( مَا وَقَعَ فِيهَا –أحَاديث الجعفرية- مِنَ الاختِلاف، والتَباين والمُنَافَاة والتّضَاد، حتّى لا يَكادُ يَتّفِقُ خَبرٌ إلا وبإزَائهِ مَا يُضَادّه ، ولا يَسْلَمُ حَدِيثٌ إلاّ وفِي مُقابلِه مَا يُنافِيه !! )) [27] ، نعم ! كيفَ تعرفُ دين أئمّتك عندما تجدُ روايةً رواها النعماني : (( عَن الأصبغ بن نباتة، قَال: سَمِعتُ عَلياً (ع) يقول: " كَأنّي بِالعجم ، فَسَاطِيطُهم في مَسجِدِ الكُوفَة ، يُعَلّمُونَ النّاسَ القُرآن كَمَا أُنزِل!! ، قُلتُ: يَا أميرَ المؤمنين أوَ لَيسَ هُوَ كَمَا أُنزِل؟ فَقَالَ: لا! ، مُحيَ! مِنهُ سَبعُونَ مِن قُريشٍ بِأسْمَائهِم وأسْمَاءِ آبائهِم!، ومَا تُرِكَ أبولهب إلا إزرَاءً عَلى رسول الله (ص) ، لأنّهُ عمّه " ))[28] ، وهيَ روايةٌ صريحةٌ في تحريف القرآن ، وعندما تجدُ روايةً أخرى وأقوالَ مشائخ ينفون التحريف ، فهُنا اختلاف وتضادّ في عقيدة أصيلة يُصبح بها الإنسان كافراً والعياذ بالله ؟! ، إن قُلتَ : بأقوال المشائخ وترجيحاتهم ؟! ، قُلتُ : هُم غير معصومين ، والروايات عن المعصومين مُختلفَة ومُتضادّة ، فترجيحهُم واختيارُهُم وتصحيحهُم وتضعيفُهُم ليسَ بمُعتمَد في ردّ وقبول هذه الآثار المُتعارضَة عن أئمتكم المعصومين ، لأنّ هؤلاء الفقهاء بشرٌ يُصيبون ويُخطئون ، فلربّما ضّعفوا صحيحاً ، وصحّحوا ضعيفاً ، بما له نواتج وخيمة كمسألة التحريف مثلاً ، فإن قلتَ : كلامكُ فيه مُجازفَة ، وتضييق شديد ؟! . قلتُ : وكلامُكم في أنّ جميع الأمّة مؤمنةٌ على الشكّ والرّيب عند اتّباعهم غير المعصومين ، أليسَ فيه تضييقٌ شديد؟ ، فقد وقعتُم فيما عِبتُم به على الأمّة! ، وأصبحَ يلزمُكم في زمن اللامعصومين أن تكونوا مثلَهُم بحاجةٍ إلى معصومين ، يُقرّروا لكم أصول الكتاب والسنّة ، ويُعلّمُوكُم صحيح الأحاديث وضعيفها الموجودة في كُتُبكم ، وهي كثيرةٌ جداً ، حتّى صرّح المُحدّث البحراني بأنّ نصف كتاب الكافي لثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني محكومٌ عليه بالضّعف[29]!! ، فكيفَ حكم الغير معصومين على نصف كتاب أمضى فيه صاحبه حوالي عشرين سنة[30] وهُو يجمعُ أحاديثه!! بالضّعف؟! . إن قُلتم : بالاجتهاد ، وإرجاع الأصول للكتاب والسنّة ، ففيها كلّ شيء . قلنا : هذا لا يُسقطُ احتجاجنا عليكُم ، من أنّ الاجتهاد مهمّة المعصومين من أئمتكم دونَ الفقهاء والعلماء ، ولكن سنُسلّم لكم جدلاً ، حتّى لا يطول النّقاش بما نعتقد أنّه تكرار ، فنقول : الاجتهاد الجعفري هذا ، هل يحتملُ الاختلاف ؟! ، إن قلتم : لا ، كذّبتم الواقع . وإن قُلتم: نعم ، قلنُا فلما تعيبونَ علينا رُحمِتَ بوازيكم ، فأنتمُ من خلافٍ في خلافٍ ، ومن تناقضٍ إلى تناقض ، فهلاّ أجبتم ، وأجاب السّائل على نفسه بما يُمليه عليه بحثهُ المُتبصِّر المُتبحِّر ، والله الرّقيب .

[ فائدة ، وخاتمة لهذا المبحَث حول العِصمَة ]

بعد الذي كان وذُكِرَ حول العِصمَة ، فإنّي كُنتُ أكتُب ما يُمليه عليَّ عقلي قبل نقلي ، فأحببتُ الاستزادَة من الخير ، وإيصالَ الفكرَة لمَن يطلُبُها قدر المُستطاع ، فبحثتُ في مكتبتي فإذا بحثٌ رائقٌ عظيم لأخي ورفيقي في البحث ياسر بن عبدالوهاب الوزير الحسني أسعده الله ، بعنوان ((الإمامة الدينية والسياسية عند أهل البيت (ع) ))، وجدتُهُ فيه نطقَ على لسان الحقّ ، ولم يُخالف استنتاجنا العقلي استنتاجَه ، وهُوَ ذا ننقلُه كاملاً للفائدَة ، وما كان بين [ ] فهو مُضافٌ منّا على البحث :

[ إن قيل : ] لا بد إن يكون الإمام معصوماً و إلا وقع الاختلال في أمور الدين والدولة ، وأمر بالمحظور ونهى عن الواجب ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (( لا ينال عهدي الظالمين )) ، وقوله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ، وكذلك القياس على النبي . رُدّ على هذا.

[ قُلنا : ] العصمة في الإمام هي أحد ما يعترض به بعض المخالفين مدعين ضرورتها ، ونحن نجيب عليهم إجابة كافية شافية إن شاء الله فنقول وبالله التوفيق : هذه العصمة المدعاة ليست إلا لأحد شيئين ؛ الأول الحفاظ على الدين ، والثاني القيام بأمر الدولة ، ونحن نبطلهما ثم نبرز الشبهات الحائمة حول مدّعَى المخالف بناء على أصوله ، والتي لا يجد سبيلاً إلى ردها .

أما كون الغرض من عِصمَة الإمام الحفاظ على الدين فقد أغنى عنها نقل الشريعة بشكل عام والنقل المتواتر فيما يتعلق بالعقيدة ، فجميع المذاهب التي لا توجب العصمة لا تشك في القرآن ونحوه وما ذاك إلا لتواتره عن الرسول بحيث يحيل العقل كذبه.

وكون أكثر المسائل الفقهية مروية بطرق آحادية لا تفيد إلا الظن ليس قادحاً ؛ لأن الشارع أوجب علينا العمل بالظن – مع مراعاة شروطه المعتبرة – فأوجب العمل بشهادة شاهدين عدلين في القصاص ونحوه مع كون شهادتهما لا تفيد إلا ظناً ، ثم إن بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالآحاد لتبليغ الشريعة كما علم من فعله دليل على ما قلناه ، إلى غير ذلك من الأدلة الموضّحة في كتب الأصول ، على أن ذلك لا يعني أن الأحكام قد تتبدل لأن الله وعد بحفظها ، كيف وأهل البيت - وهم الحجة علينا مع القرآن - بين أظهرنا لا يخرج الحق عن أقوالهم على ما قدمناه ، فلا نجوّز خفاء أو ضياع الأدلة الموصلة إلى مراد الله .

وأما كون الغرض منها القيام بأمر الدولة فهذا أوسع من مفهوم العصمة في حق الأنبياء أنفسهم صلوات الله عليهم ، لأن النبي كان جائزاً عليه الخطأ في بعض الأمور الدنيوية ولا يعد ذلك قدحاً في دينه ، يؤكد ما ذكرناه ما حدث في غزوة بدر عندما نزل قبل الآبار فسأله بعضهم إن كان أمراً من الله أم رأياً رآه ، فقال إنه رأي رآه فأشار عليه بالنزول بعد الماء حتى لا يجد الكفار ماء يشربونه ، وكذلك استشارته المعلومة لأصحابه كما في الخندق عندما استشارهم فأشار عليه سلمان الخير رضوان الله عليه بما رآه في بلده من حفر الخندق ففعل ، وكذلك خروجه صلوات الله عليه وآله إلى الطائف ظناً منه أنه سيلقى استجابة من أهلها ، ويدل عليه كذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار ) ، على أن ذلك لا يعني جهل النبي أو الإمام بالأمور التي تحتاجها الدولة ، بل المقصود أنه يجوز عليه الخطأ فقط لا أن حاله مطردة في الخطأ ، فالإمام لو كان ذلك لم تصح إمامته إذ من شروطها القدرة على تدبير الأمور وذلك واضح فيه .

ثم نقول للمخالفين قد صحّحنَا قَولنَا وهَاكم هذه الأدلة على بطلان قولكم فَردّوها إن استطعتم :

قلتم : إن عصمة الإمام واجبة للحِفَاظِ على الدين ، فنحن اليوم بلا إمام معصوم ، فالإمام بزعمكم غائب منذ ألف ومائة وستين عاماً ؛ فهل تقولون إن الدين الصحيح باقٍ مَعَنا أم لا ؟ إن قلتم : إنه غير باقٍ . فهل نحن مُكلّفون بِهِ أم لا ؟ إن قلتم: إنا لسنا مكلفين به – وحاشاكم من قولها – ، فهذا انسلاخ عن الدين ومخالفة لما علم ضرورةً منه ، وإن قلتم: إنا مكلفين به . فهل هذا إلا تكليف ما لا يطاق وهو ظلم يتعالى الله عن فعله . وإن قلتم: إنه باقٍ لكن لا نستطيع معرفته إلا بواسطة الإمام . قلنا: وهل نحن الآن مكلفون به أم لا ؟ إن قلتم: لا . كان انسلاخاً من الدين وحاشاكم ، وإن قلتم: نعم. فهل نحن مكلفون بالدين الذي جاء به أبو القاسم صلوات الله عليه وآله ، أم بما توصلنا إليه فقط ؟ إن قلتم: إنا مكلفون بعين ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإمّا أن نَعرفَه من دون المعصوم وهو الذي نقول ، وإمّا أن لا نَعرِفَه إلا به وأنتم لا تقولون بوجوده فَكانَ تَكليفاً لما لا يُطاق ، وإن قلتم: لَسنا مُكلّفين بعين ما جاء به الرسول ، بَل بِمَا تَوصّلنا إليه فقط كيفَ مَا كَان – مع كونكم أدخلتم القدح في الشريعة وفتحتم باباً للملاحدة واليهود لنقضها – . قلنا: إنّا توصلنا إلى عدم اشتراط عصمة الإمام، ثم ما معنى دفاعكم عن مذهبكم وإيجابكم على الناس اتباعه ؟!! هل لأن الحق معكم ؟ فكيف عرفتموه مع غياب المعصوم ؟!! .

وقلتم: إن عصمة الإمام واجبة حتى لا يخطئ في قيامه بأمر الدولة ، فأي دولة هذه التي يُحافِظ عليها!، ولا يوجد إمامٌ لكم حَكَم دولة على مرّ التاريخ غير الإمام علي عليه السلام الذي ما حكم إلا خمس سنوات فقط ، فَلَم تُفِدْ عِصمَة أولئك الأئمّة بِزَعمِكُم شَيئاً ، وهَا هُو الإمام الحسن عليه السلام الإمَام المعصوم ، ألَمْ يُرسِل عبيد الله بن العباس المخذولَ – كافأه الله - في مُقدّمة جَيشه ، فَهل يُعدّ ذَلكَ قدحاً في عِصمَتِه ؟! ، وهَاهُو الإمام الحسين عليه السلام ؛ ألَمْ يُخطِئ فِي إجَابَته أهل الكوفة المخذولين؟، أوَلَمْ يَكُن أجدر بِهِ مُتَابَعَةُ ابن عمّه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما فِي الخروج إلى اليَمَن !! ، ثمّ هلاَّ أوْجَبتُم عِصمَة كلّ مَن يَعمَلُ فِي الدّولَة مِنَ القُضَاة والولاة ، والوُزَرَاء وغَيرِهِم لأنهم قَد يُخطئون!!.

نعم ! وأما بقية ما زعمتموه دليلاً فنقول فيه :

أما الآية وهي قوله تعالى : (( لا ينال عهدي الظالمين )) ، فَلا تُفيدُ العِصمَة مِن قَريبٍ ولا بَعيد ، فَهل كلّ مَنْ لَيسَ مَعصُوماً ظَالِم ؟! ، وهَلْ مَنْ أخطَأ فِي حُكمٍ مِنَ الأحكامِ يُسمّى ظَالِمَاً ؟ أليس هذا تكليفاً لما لا يطاق ؟! فإن قيل: إنّ غير المعصوم قَد يَكونُ مُبطناً للشرّ . قلنا: نحن قد اشتَرَطنَا العَدَالة والوَرَع ، وهي أمَارة على البَاطِن ، واستَدَلّينَا على هذا بِنفس الآيَة ، فَإنْ كَان بَاطِنُه غَيرُ ظَاهِرِه ، فَلسنَا مُكلّفِينَ بِه ، إلاَّ إنْ أظْهَرَه ، فَإنْ أظهرَهُ بَطُلَت إمَامَته ، كمَا أنّ إمام الصّلاة قَد يَكون كَافِراً ، والزّوج كذلك، فَهل هذا الإمكَان يُعمَل بِه فِي الشّريعَة أمْ أنّ الشَارِعَ حرّم العَمَل بِهَذَا الإمْكَان المجرّد ! .

وأما قوله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ، فالمقصود به الطاعة فيما يتعلق بالدولة إذ لا يتم المقصود بالإمامة إلاّ مَعَ الطاعة، لا أنّ قَولَ الإمام حجّة قَاطِعَة يَحرُم مُخَالَفَتُهَا [ فيما هُوَ ليس بمعصومٍ منه ]، يَدلّ عَلى هذا بقيّة الآيّة وهُو قَوله عز وجل : (( فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول )) ، وأمّا قِياس الإمامَة بالنبوّة فَهو قياس مَع وجود الفَارق ، فَنحن إنّمَا أوْجَبنا عِصمَة الأنبياء عليهم السلام عن الخطأ فيمَا طَرِيقه التّبليغ حتّى نَعلَم صحّة جَميع مَا يُبلّغون ، ولا نُجوّزُ خَطَأهُم ونَحوه ، وقَدْ أغنَى عَنه النّقل المتواتر عَن النبيّ المعصوم )) .

انتهى البحث ، وبه نختم ، مُشيرين إلى أنّ عقيدة الجعفرية في العِصمَة مُنهارةٌ عند التحقيق ، ولن يَعرِفَ حقيقة كلامنا إلاّ من كان قريباً فِكرُهُ من الجعفرية بسعَة الإطّلاع ، ولو تأمّلنا ما طرأ على مُتأخري الجعفرية من إدخالٍ أصلٍ جديد ليس يعرفهُ مُتقدّموهم ، ولا حتّى أئمّتَهُم ، نعني أصل ما يُسمّى بـ ((ولاية الفقيه)) ، فإنّا سنقفُ منهُم على نفيٍ لأصل عقيدة العِصمَة التي احتجّوا علينا بها ، ومن أنّها لا تُفيدّ إلاّ الاتباع على الظنّ ، ونكتفي بهذه الإشارة ، التي لن يُدرك أبعادَ مغزاها إلاّ الحاذق الفطين ، وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين .


الأحد 8/5/1427هـ


================================

[1] الجامع الكافي ، للشريف العلوي : ج6
[2] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، للحافظ محمد بن سليمان الكوفي (ع) : ج2/ص153/ح628
[3] تاريخ دمشق : 19/464
[4] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : ج2/ص162/ح639
[5] الرسالة النافعة بالأدلة الواقعة .
[6] نهج البلاغة ، خ176 .
[7] الجواب الكشاف للالتباس عن مسائل الإفريقي إلياس ويليه الجواب الراقي عن مسائل العراقي .
[8] نظرات في ملامح المذهب الزيدي ، للعلامة الضحياني .
[9] نهج البلاغة ، خ78 .
[10] أمالي أحمد بن عيسى : نسخة الكترونية .
[11] أمالي أحمد بن عيسى : نسخة الكترونية . ، وأورده الشريف العلوي في جامع علوم آل محمد م6 .
[12] جامع علوم آل محمد م6 ، باب القول في الإجماع .
[13] جامع علوم آل محمد م6 ، باب القول في الإجماع .
[14] بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ص) : م1 ب6 ق نادر ح 2
[15] بحار الأنوار ، 17/108 ، 25/350
[16] عيون أخبار الرضا م2ب46ح5
[17] عدم سهو النبي ، للشيخ المفيد ، ص20
[18]بحار الأنوار ، 10/393
[19] من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق ، باب أحكام السهو في الصلاة ، 1/359.
[20] تفسير نور الثقلين 5/718 ، وله طريقٌ أخرى عن الصادق (ع) ، انظر 5/719 .
[21] تفسير نور الثقلين ، 4/216
[22] نهج البلاغة ، خ78 .
[23] - بحار الأنوار ، 46/32
[24] - البصاير ، 134 البحار ، 25/56 ، 52/320
[25] - الكشي ، 147 البحار ، 25/289
[26] - البحار ، 25/207
[27] تهذيب الأحكام 1/ص2 .
[28] الغيبة للنعماني ب21/ح5 .
[29] نقلَ الشيخ السبحاني ، عن المحدّث البحراني عن مشائخه ، ما نصّه : (( أمّا الكَافِي فَجَمِيعُ أحَادِيثِه حُصِرَت فِي ستّة عشر ألفَ حَديث ومَائة وتِسعَة وتسعين حَديثَا (16199حديث) ، الصّحِيحُ مِنَهَا (تأمّل) باصطِلاحِ مَن تأخّر ، خَمسةُ آلاف واثنان وسبعون حديثاً (5072حديث) والحَسن مائة وأربعة وأربعون حديثا (144حديث) ، والموثّق مائة حديث وألف حديث وثمانية عشر حديثا (1118حديث)، والقَوي منها اثنان وثلاثمائة (302حديث)، والضّعيف! (تأمّل) منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثا!! (9485حديث) )) . ص307
[30] كليات في علم الرجال : 312
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الجمعة يوليو 07, 2006 7:21 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة العشرون :

روى الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي ، أنّ رسول الله (ص) قال : (( مَن سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل جنّة عدنٍ التي غرسها ربي بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، وأوصياءه فهم الأئمّة من بعدي ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي ، إلى الله أشكو من ظالمهم من أمتي ، والله لتقتلنّهم أمتي ، لا أنالهم الله عز وجل شفاعتي )) ، ما رأيكم في هذا الحديث ؟ ومَن هُم أوصياء علي بن أبي طالب (ع) في السياق ؟ وهل رُزِق هؤلاء الأوصياء علم الرّسول (ص) وفهمه ؟ وهل قتلتهُم الأمّة ، بمعنى هل ماتوا جميعاً مقتولين ؟ ولفظة اليد في حق الله سبحانه وتعالى ، في الحديث ، ما تأويلها ؟ .

الرد :

أجاب عن هذا الأثر المروي عن رسول الله (ص) ، السيد العلامة المجتهد عبدالرحمن شايم المؤيدي أسعده الله ، وقيّدنا جوابه بآثار دالّة سننبه عنها ، فقال (ع) ما نصّه :

(( هذا الحديث روي في الشافي وخرّجه محمد بن سليمان في المناقب وغيرهما ، وهُو يُفيد فضيلةً لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ولأولاده الأئمّة الهُداة ، وليسَ فيه دلالة على ما تذهبُ إليه الإمامية ، بل المُراد أنَّ أهل البيت : مَن سارَ بسيرَة أمير المؤمنين وسيرة ولديه الطاهرَين ، هُم خُلفاء الله وخُلفاء رسوله في الأض ، كما روى الهادي يحيى بن الحسين صلوات الله عليه حديث (( مَن أمرَ بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله )) ، ولا تُفيدُ الوصاية الجعفرية ، بل تفيد إقامة أحكام الشرع الشريف ، وإحياء السنة الشريفة ، وحياطة الأحكام ، وحفظ دين الإسلام من أن يُضام .

وأمّا أوصياء علي بن أبي طالب (ع) ، فهُم أولادهُ مثل الحسن والحسين ، ولا شكّ أنّهما أوصياءهُ حقيقة ، ومَن خلفهما من ذريتهما وله في العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة ، فلا شك أنّه داخلٌ في الوصاية ، كيف وقد قال (ص) : (( العلماء ورثة الأنبياء )) ، ولا شكّ أنّ الوصيّ هُوَ مَن يقوم في تركة المُوصي بما يجب من الإصلاح ، والتنمية ، والحفظ ، وكذلك أئمة الهدى من آل محمد هم الأوصياء والخلفاء بما قاموا به من حفظ شريعة جدهم باللسان وبالسنان ، فهؤلاء أوصياء مجازاً ، والوجه ظاهر ، كما في الحديث : (( العلماء ورثة الأنبياء )) ، لأنّهم وَرثوا الهدي النبوي وبلّغوه إلى غيرهم وكذلك هلمّ جرَّا إلى آخر الزّمان . ))

قلت : وخلاصة كلام السيد أيده الله ، أنّ الأوصياء في الأثر النبوي الشريف ، لفظةٌ تُطلق على الأئمة من الذريّة المستحقين لدرجة الإمامة العظمى ، لا أنّ لفظة الأوصياء تدلّ على أوصياء بأعيانهِم وأسماءهم ، كما هو مشرب الإمامية ، ولنا في هذا من طريق الإمامية ما يُقنعُ إنصافهم ، وأنّ المقصود بالأوصياء هم الذرية ، فقد روى صاحب بصائر الدرجات محمد بن الحسن الصفار (ت290 هـ ) بسنده إلى رسول الله (ص) أنّه قال : (( مَنْ أرادَ أنْ يَحيا حَياتى ، ويَموت مماتي ، ويَدخل الجنّة التي وعدني ربى ، وهو قضيب من قضبانه غرسه بيده وهى جنة الخلد، فليتول علياً وذريته من بعده فإنّهم لَن يخرجوهُ من بَاب هدىً ، ولن يُدخلوه في باب ضَلال )) ، وهذا الأثر الجعفري على مذهب الزيدية يستقيم ، و على ما أوردته سابقاً دليل قوي . وهُنا نعود لكلام العلامة عبدالرحمن شايم ، فقال أسعده الله :

(( وأمّا ما يخصّ فهم الأوصياء وعلمهُم لعلم رسول الله (ص) ، فنقول صحيحٌ أنّ العُلماء ورثَة الأنبياء ، قد وَرثوا فهَم علم القرآن ، وعلم السنّة ، وهي الشريعة الظاهرة ، وهي المرادة بقوله (ص) : (( أعطاهُم الله علمي وفهمي )) ، فأمّا علوم الغيب التي أطلعَ الله عليها نبيه (ص) ، فهي أمرٌ لا يتعلّق بها تكليفٌ في الدنيا ، فليسَت مُرادة في الحديث ، وقد أعُطي أمير المؤمنين صلوات الله عليه من العلوم التي أسرّها إليه النبي (ص) كثيراً ، ولسنا مُكلّفين إلاّ بالعلم الظاهر ، الذي تتعلّق به الأعمال والاعتقادات ، ولم يُبعث (ص) إلاَّ لتبيلغ الشرع الذي يتعلّق به التكليف ، وسائر العلوم الغيبية هي إما لتقرير معجزاته ، وإخباره بالمغيبات ، أو ما يتعلّق ببعض الأشخاص ، كتعليمه (ص) لحذيفة بن اليمان أسرار وعلم المنافقين. )) .

قلت : وخلاصة كلام العلامّة عبدالرحمن شايم حفظه الله وأبقاه ، أنّه لا يُشترط في أوصياء الرسول (ص) ، سادات بني الحسن والحسين ، ذريّة المرتضى والبتول ، أن يكونوا مُحيطين بجميع علوم رسول الله (ص) المُستقبليّة الغيبيّة ، والمكنونَة الغابيَة عن مداركنا ، لأنّ هذه العلوم ليسَ يحتاجها المُكلّفون ، وإنّما المقصود بفَهِم الرّسول (ص) وعِلمِه ، هُو العِلمُ بما تحتاجُ إليه الأمّة ، من علوم الكتاب ، تفسيراً وتأويلاً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وفرائضاً وأحكاماً ومعاملاتٍ ، .. إلخ ، فمَن صقّع في هذه العلوم من بني الحسن والحسين ولم يمتَز عن مشارب آبائه باتّباع غير إجماعاتهم وتقريراتهم ، فهوَ الإمام الذي يُمثّل رسول الله (ص) . نعم ! وليسَ ما ذهَبَت إليه الإماميّة في تأويلها للعلم والفهم المحمّدي ، وأنّ ذلك يُلزِمُ أن يكونَ الإمام مُحيطاً بعلوم الرّسول الغيبية والمستقبليّة والمكنونَة ، وليسَ هذا مِن ذاك ، ولنا على كلامنا شاهدٌ تَقرُّ به عينُ الإنصاف ، فقد روى مُحدّث الجعفريّة وثِقَتهُم محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) في الجامع الكافي العلوم الضروريّة التي يحتاجها المُكلّفون ، فروى بسنده إلى أبي الحسن موسى عليه السلام قال : دَخَلَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله المسجِد ، فَإذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أطَافُوا بِرَجُل ، فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟)) . فَقِيلَ: عَلاّمَة! فَقَال: ((ومَا العَلاّمَة؟)) . فَقَالُوا لَه: أعْلَمُ النّاسِ بِأنْسَابِ العَرَبِ وَوَقَائِعِهَا، وأيّامِ الجَاهِلِيّة، والأشْعَارِ العَرَبيّة، قَال: فَقَالَ النّبي صلّى الله عليه وآله: ((ذَاكَ عِلْمٌ لا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهْ (تأمّلولا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَه )) ، ثمّ قَال النبي صلى الله عليه وآله: ((إنّمَا العِلمُ ثَلاثَة: آيَةٌ مُحكَمَةٌ، أو فَرِيضَةٌ عَادِلَة، أو سُنّةٌ قَائمَة، ومَا خَلاهُنّ فَهُوَ فَضْلٌ)) . أقول : ولا شكّ أنّ أمور الأمّة تستقيم بيدِ الإمام العادل وإن غابَت عنه العلوم الغيبيّة المستقبليّة ، وليسَ يضرّه ولا يضرّ الأمّة شيء بغيابها عنهُم ، ولا يضرّه ولا يضرّ الأمّة أن يكونوا جاهلينَ بتقاسيم الكون الدقيقة ، أو جهلهِم بمنطق الحيوانات وكلامهم ، أو عدمِ إلمامهِم بجميع لغات بني الإنسان على وجه الأرض ، فكلّ هذه الأمور أمورٌ زائدةٌ على العلوم الضروريّة التي تحتاجها الأمّة ، ويحتاجها الإمام لتعليم الأمّة ، والله المستعان ، ولو تأمّلنا أنبياء الله لوجدنا أنّ بعضهُم يخلو من هذه العلوم التي هي أفضالٌ من الله يُعطيها مَن يشاء ويمنعها عمّن يشاء ، فإن أعطاها الله النبيّ الفلاني فليسَ هذا يعني أنّ ذلك النبي الذي لم تكن عندَه ناقصٌ في نبوّته ، أو أنّه ليسَ بنبيّ . هذا مع اتّفاق أهل ملّة الإسلام أنّ الجميع من الأنبياء صلوات الله عليهم ما فَقَدُوا العلوم الضروريّة التي تهمّ المُكلّفين من أُمَمِهِم ، بعكس فقد بعضهِم لتلك العلوم الزائدة على الضرورة ، فافهَم ذلك ، ونُعضّد ما سبقَ من طريق الجعفريّة بما يشهدُ لكلامنا بالصحّة مَا رواه الكليني في الجامع الكافي : عن عبدالله بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما عليهما السلام [ هكذا كُتبَت ] فِي قَولِ الله عزَ وجَل: (وَمَا يَعْلَمُ تَأويله إلا الله والرّاسِخونَ فِي العِلم) ، ((فَرَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله أفْضَلُ الرّاسِخِينَ فِي العِلم، قَدْ عَلّمَهُ الله عزّ وَجلّ جِمِيع مَا أنزِلَ عَليه مِنَ التنزِيل والتّأوِيل، ومَا كَانَ الله لِيُنَزّلَ عَليهِ شَيئَاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأويلَه، وأوصِيَاؤه مِن بَعدِهِ يَعَلمُونَهُ كُلّه، والذينَ لا يَعْلَمُونَ تَأويلَه ، إذَا قَال العَالِمُ فِيهِم بِعلمٍ، فَأجَابَهُم الله بقوله : (يَقُولُونَ آمنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رِبّنا) ، والقُرآنُ خَاصّ ، وعَامٌّ ، ومُحْكَمٌ ، ومُتَشَابَه، ونَاسِخٌ، ومَنْسُوخٌ، فَالرّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَعْلَمُونَه )) ، اهـ . أقول : وليسَ هذا إلاّ ما نقول به في صفَة الإمام الزيدي . وهُنا نعود لكلام العلامة عبدالرحمن شايم ، فقال أسعده الله :

(( وأماّ ما يخصّ قتلَ الأوصياء على أيدي الأمة ، فنقول أن ذلك لا يلزم قتل عموم أهل البيت بل يصدق على قتل من قُتل من أئمتهم وأفَاضِلِهِم وقَد قُتل تحت رماح أعداء الله من أئمّتهِم الكَثير الطّيب كأمثال الحسين وزيد ومحمد بن عبدالله وإبراهيم بن عبدالله وغيرهم كثير ، وكثير ممّا به يصدق الحديث النبوي ، ولله القائل :

وليسَ حيٌّ من الأحياء نعلمُه ****** من ذي يمانٍ ومن بكرٍ ومن مضر
إلاَّ وهم شركاء في دمائهم ****** كما تشارك أنسار على جزر

أو كما قال المنصور بالله (ع) :

لقد مال الأنام معاً علينا ******** كأن خُروجَنا مِن خَلفِ ردم )) .

قلت : وزيادةً في البيان نُضيف : أنّه وإن كانَ لفظُ الحديث يُفيد القتل لهؤلاء الأوصياء الذي هُم أفاضل الذرية الحسنية والحسينية ، فإنّه عمومٌ يَدخلُ فيه خصوص ، فإنّ من سادات أهل البيت (ع) مَن قَتلتَهُ الأمّة كمَا ذَكََر سيدي العلامة عبد الرحمن شايم أسعده الله ، لا أنّ جميَع أبرار الذريّة الحسنيّة والحسينية بموجبِ هذا الحديث يجب أن يكونوا في ميتاتهم مَقتولين على مذهب الزيدية ، فهذا وجهٌ لا يُحتمَل ، وبمعنى آخر : أنّ هذا الحديث يُفيدُ انّه سيكون مِنْ أهل البيت (ع) مُن يُقتلونَ تحت أسنّة هذه الأمّة ، لا أنّهم كلّهم يُقتلَون . ودليلٌ عليه أنّا نسأل الجعفريةّ على فرض تسليم صحّة تأويلهم للحديث ، ما موقع المهدي محمد بن الحسن العسكري هُنا ؟ هل سيُقتَل ؟! . ثمّ نسألهُم عن قول الرسول (ص) : (( .. إنّا أهلَ بَيتٍ اختَارَ الله لنَا الآخِرَة عَلى الدّنيا ، وإنّ أهلَ بَيتِي سَيَلقونَ بَعْدِي تَطرِيداً و تَشرِيداً .. الحديث )) ، نسألُ عن أئمة الجعفرية هل تحقّقت فيهم صفَة التطريدِ والتشريد ؟ ، هل عاش الباقر مثلاً مُشرّداً عن أهله ووطنه وأصحابه وأحبّائه؟ أم هَل طُورِدَ الصادق (ع) في الفيافي والقِفار ، فلجأ إلى بلاد الحبشة واليمن والجيلم والديلم ، خوفاً من أئمة الجور والظّلم ؟ أم هَل خافَ الجواد وهربَ في البلدان ، وعيون الجواسيس تُلاحقهُ ، وكلّما وَصَلَتهُ هربَ منها ؟! . فإن قالوا : صحيحُ أنّ أئمتنا الأحد عشر لم يُلاقوا هذا التطريد والتشريد من الأمّة ، ولكن هذا الحديث عامٌ في أهل البيت الإثني عشر ، وخاصّ في الإمام المهدي ابن الحسن العسكري ، فهو الخائف ، المُشرَّد ، المُطارد! . قُلنا : فما وجهُ اعتراضكم علينا إذاً ، وذلك عندما قُلنا أنّ ذاك حديثٌ يُفيد أنّه سيكون جماعة من أهل البيت تُقتَل ، وأنّه عموم يَدخُلُ تحتَهُ خصوص . [ فائدة ] : ثمّ إنّا لا نُسلّم لكم أنّ حديث التشريد والتطريد ينطبق على أئمتّكم ، فكلام الرّسول (ص) يدلّ على أنّ هناك جماعَة من أهل بيته ستُشرّدُ وتُطارَد ، ولا يَدلّ على أنّه سيكون منهُم فرداً واحداً مُطارَداً ومُشرّداً ؟! ، وهذا تحقّق على شرط الزيدية ولم يتحقّق على شرط الجعفريّة ، وفائدَةٌ أخرى أنّا لا نُسلّم أنّ المهدي الجعفري هُوَ مُشرّدٌ وخائفٌ في غيبتهِ هذه، فالمعلوم لنا وللأمّة جمعاً أنّه لَم يحصُل له مُوجبات الخوف حتى يَتشرّد ، ولم يَحصُل له أيضاً موجبات التطريد حتّى يُطارَد ، وهُو أنّا لا نعلمُ أحداً طاردَهُ ولا تَهدّدَهُ ولا توعّدَهُ ، بل لا نَعلمُ أنّه ضايقَ إمامَ جورٍ حتّى يُلاحِقَه ، ولا ضايقَ طائفَةُ من المسلمين أو حتّى من الكفّار حتى تَنقُمَ عليه !! ، ألا تَرى أنّ محمد بن عبدالله النفس الزكية استحقّ صفَة التّشريد والتطريد ، لمّا أخافَ السّلطان العباسي ، فعملَ الأخير على مُلاحقته ومُطاردته حتّى يُمسكَ به ، وكذلك الحال مع الإمام صاحب الدّيلم يحيى بن عبدالله المحض (ع) فإنّه عاشَ مُطرّداً مُشرّداً حتّى التجأ إلى التّرك والعجم !! ، كلّ هذا خوفاً من هارون العبّاسي، فهؤلاء وأمثالهم من سادات أهل البيت (ع) هُم مَن يستحقّون صفَة التطريد والتشريد ، إضافةً إلى صفَة القَتل في الحديث الأوّل ، فإنّ الأمّة إضافةً إلى تشريد وتطريدهِم قتَلتهُم ، فهذا زيد بن علي المقتول بأرض الكوفة ، بل قُل المصلوب ، بل قُل المحروق جثمانه الطّاهر المنسوف في اليّم ، وكذا النفس الزكية الطاهرة النقيّة التي سالَ دمها إلى أحجار الزيت ، أعني محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ، وناهيكَ عن قتيلٍ بأرض فخّ ، قتيلُ أرضٍ صلّى على ثراها إمامنا الصادق صلوات الله عليه ، وأخبرَ عن الحسين الفخي وعن مصرعه عليها ، فهؤلاء بحقّ هُم من تنطبقُ عليهم مصاديق الحديثين السّابقين ، فأمّا مهدي الجعفريّة فإنّه خائفٌ بلا مُخوِّف! ، ولا مُطَارَدٌ بلا مُطارِدْ. والله المُستعان . وهُنا نعود لكلام العلامة عبدالرحمن شايم ، فقال أسعده الله :

(( وأما ما يخصّ ذِكر اليد في الحديث فهي عندنا بمعنى القوة و القدرة ، قال الشاعر :

إذا ما رايةٌ رُفعَت لمجدٍ ******* تلقّاها عُرابةُ باليمين

وكما قال الغنوي :

فإذا رأيتَ المرء يشعبُ أمره **** شعب العصا ويلج في العصيان
فاعمِد لما يعلُو فما لك بالذي *** لا تستطيع من الأمور يدان )) .

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الجمعة يوليو 07, 2006 7:22 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

عاقل مجنون
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 451
اشترك في: الأحد إبريل 23, 2006 9:11 am
مكان: مستشفى الجنان

مشاركة بواسطة عاقل مجنون »

فأمّا السّبب الرّئيس فإنّه لا صحّة عندنا للنصّ على أشخاصٍ مُعيّنين بعد الحسين صلوات الله عليه
هنا تكمن نقطه مهمه أريد الخوض فيها وذالك
في موضوع منفصل جانباً حتى لا يبتعد الطرح
قالوا : المجنون يتكلم ..
قلنا : والعاقل يسمع ..
********* ********* *********
مجنون يتكلم ولا عاقل أخرس .!؟

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة الحادية والعشرون :

أورد السيد مجد الدين المؤيدي في كتابه التحف شرح الزلف ، ما نصه : (واعلم أن الله عز وجل جعل خلف النبوة من أبناء نبيه في اثني عشر سبطاً، قال الإمام علي بن موسى الرضا عليهم السلام: إن الله عز وجل أخرج من بني إسرائيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم اثني عشر سبطاً، ثم عد الاثني عشر من ولد إسرائيل صلوات الله عليه، وكذلك أخرج من ولد الحسن والحسين عليهما السلام اثني عشر سبطاً، ثم عد ذلك الاثني عشر من ولد الحسن والحسين عليهما السلام، فقال: أما الحسن بن علي عليهما السلام: فانتشر منه ستة أبطن وهم: بنو الحسن بن زيد بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو داود بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين، وبنو جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام ؛ فعقب الحسن بن علي عليهم السلام من هذه الستة الأبطن، لا ينقطع عقبهم أبداً. ثم عد ولد الحسين بن علي عليهم السلام، فقال: بنو محمد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو عبدالله بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، بنو عمر بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو زيد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو الحسين بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام، وبنو علي بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام ؛ فهؤلاء ستة أبطن من ولد الحسين عليهم السلام لا ينقطع عقبهم إلى انقطاع التكليف، وهم بمنزلة أسباط بني إسرائيل، وهم حجة الله على خلقه، وأمان أهل الأرض من استئصال عذابه.) ، ولكن لو تأملنا في الرواية لوجدنا عبارة(من أبناء نبيه) فأين ذهب الحسنان (ع) إذاً ؟؟ وكيفَ خَرَجَا مِن الحديث؟ بَل كَيفَ خَرجَ مِنهُ السّجادُ (ع) والبَاقِر(ع) وغَيرهُم وبِأيّ دَلِيل؟؟؟؟ إنَّ هَذا الحَديث لَه قَرائنٌ تُوضّحِه وتُفسّره, فَرسُولُ الله (ص) يَقول : إنه يأتي مِن بِعدِه اثنا عَشر خليفة ، مِنهُم الإمام عَلي (ع) ، والحَسَنَان (ع) ، فَلو أضفنَاهُم إلى العَددِ السّابق لصار العدد خمسة عشر ؟! ، فما رأي الزيدية في هذا الخبر ؟

الرد :

   الكلامُ على هذا الخبر يقتضي ستة أوجه ، منها :
 
[ الوجه الأول : مَرتَبَتُه ]
 
أنَّ هذا الخبر في ميزان الزيدية ، لا يُستدلُّ به على إثباتِ عَقيدةٍ عظيمة كالإمامة ، كيف لا وهُو من روايات الآحاد ، التي اجتمعَ سوادُ الأمة على عدّم قبولها في إثبات العقائد ، هذا وإن قَلبْتَ أيّها السائل مؤلّفات الزيدية بطناً وظهراً ، لن تَجِدَ خبراً كهذا في التصريح على الإثني عشر سبطاً من أبناء الحسنين (ع) ، إلاَّ أن يكونَ مِن طُرقُ السنّة بغير لَفظ ، وسيأتي الكلامُ عليها ، فَلو كانَ له تلكَ الأهميّة ما أهملتهُ عيون العترة الزاكية المَرضيّة ، ولَما أهملَ ذِكرهُ مَن جاء قبلَ المنصور بالله (ع) ، وعلى رؤوسهم مُحدّثي طبرستان ، أصحاب الأماليّات الرائقات ، ولمَا أهملهُ وأهملَ ذكرهُ مُسند أهل الكوفة بالاتفاق أبو عبدالله محمد بن علي البطحاني (ع) في جامعه الكافي ، فمرتبتهُ مَرتبةُ الآحاد التي لا يُؤَخذُ بها في العقائد . قال السيد عبدالرحمن شايم حفظه الله عند مسألتنا له عن مرتبة هذا الحديث عند الزيدية ، فأجاب بما نصّه : ((وأمّا رتبة الحديث ، فإنّه ليسَ بمعتمَد الزيدية في إثبات الإمامة لهم ، وإنّما الأدلّة في الأحاديث الكثيرة المتواترة كحديث الثقلين وغيره )) .
 
[ الوجه الثاني : تَأويلُه ]
 
أنَّ وُرودَ مثل هذا الحديث في كُتب الزيّدية ، لا يَعني إلزامَ الزيديّة بما ألزمتوها به ، لا يعني إلزامَ الزيدية بما تفضّلتمُ بفَهِمِه منه ، إذ جاء في الأثر (( واعلَم أنَّ الله عَزّ وجل جَعَلَ خَلََفَ النبوّة مِن أبناء نَبيّه في اثني عَشَرَ سبطاً )) ، ثمَّ جاء في الأثر على لسان علي بن موسى الرضا (ع) ، فيما معناه ، واعلَم أنّ خلفَ النبوّة في ستّة أبطُنٍ من أبناء الحسن ، وفي ستّة أبطُنٍ من أبناء الحسين ، فكانَت الستّة الأبطن من عَقِب الحَسن (ع)  :

1- بنو الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
2- بنو عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
3- بنو إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
4- بنو الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
5- بنو داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
6- بنو جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
 
و كانَت الستّةُ الأبطُن من عَقِب الحَسين (ع) :      
 
1- بنو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
2- بنو عبدالله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
3- بنو عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
4- بنو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
5- بنو الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
6- بنو علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
 
فإذا تقرّر لك أنّه حقاً لا عَقَب للحسن والحسين (ع) إلاَّ مِن هذه الأبطن ، فتأمَّل لَفظَة : ((أنَّ الله عَزّ وجل جَعَلَ خَلََفَ النبوّة مِن أبناء نَبيّه في اثني عَشَرَ سبطاً )) ، واعلَم أنَّ المراد أنَّ خلفَ النبّوة في المستقبل الزمني البعيد ، سيكونُ في اثني عَشرَ بَطناً من أبناء الحسن والحسين ، لأنّهُم أبناء الرسول (ص) ، بمعنى سيكونُ في بني فاطمة بنت محمد رضوان الله عليها وعلى أبيها وبنيها ، وهُوَ مذهبُ الزيدية . أيضاً لو تأمّلتَ لفظة : (( مِن أبنَاء نَبيّه )) ، وقَرَنتها بلَفظَة : (( خَلَف النبوّة )) ، لتحقَّق لكَ أنَّ الرسول كانَ يعني في المُستقبلَ البعيد ، وأيضاً لَو قرنتَ ما سبَق معَ روايات جابِر بن سمرة من طُرق أهل السنة حول الإثني عشر خليفة ، وأنَّ الرّسول (ص) أخبرَ بها في سياقِ إخباراته عن الفتن والحوادث التي ستحصُلُ مِن بَعدِه ، فسيكون هذا مُرّجحاً كبيراً لِما ذهبنا إليه ، من أنَّ الرسول (ص) كانَ يُخبِرُ بأمرٍ بَعيد ، وهُو خلافة النبّوة في عقِبِ هؤلاء الإثني من أبناء الحسنين ، وهُم لَم يُولَدوا في عصر الرسول (ص) ، فكان الرّسول يُخبرُ بأمرٍ سيحصُلُ في المدى البعيد ، وفي هذا ردٌّ على السائل عندما فَسَّرَ خلفَ النبوّة في ( أبناء نبيه ) ، بأنَّ هذا يقتضي إخراج علي و الحسن والحسين (ع) ، ونحنُ نقول : بما أنَّ الكلام دلَّ على وقوعِ مضمونه في المستقبل البعيد ، فإنَّ هذا يُخرُجُ الثلاثة (ع) منِ السياق ، لِقُرب العهد منهُم بالرسول (ص) ، وخروجهم من السياق لا يعني خُروجُهم من خلف النبوّة ،كما سيأتي بيانه قريباً ، ويُعزّزُ كلامنا أنَّ الثلاثة وإن لَم يُشِرِ السياق إليهم ، أنَّه قَد أتَتَ فيهم نصوصٌ خاصّةٌ تُظهرُ إمامَتهُم ، و تفسير  السيّاق بما فَسّر بهِ السائل تفسيرٌ باطل ، أعني أنّه  يقتضي إخراج الحسنين وعلي من خَلَف النبّوة ، وسببُ تأولها للخبر بهذه الطّريقة ، هُو حَملُ الخبر وتطبيقهُ على العهدِ القريب ، أي من بعد موت الرّسول (ص) مُباشرَة ، وهذا أمرٌ لا يحتملهُ الأثر ولا يتماشى مَعه . أيضاً أضافَ السائل أن تفسيرَ علي الرضا (ع) بالإثني عشر ، هُم أعقابُ الحسن والحسين السابق ذكرهُم ، يُخرِجُ آباء هذه الأعقاب مِن خَلف النبوّة ، مثل زين العابدين ، والباقر ، وزيد بن علي ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، فنقول : أنَّ الأثر لَم يُحدِّد أسماءً وأشخاصاً لخِلَف النبوّة ، بل جاء مُبهَماً بلفظة: (( خلف النبوة .. اثني عشر سبطاً )) ، ونحنُ عندما نقول أنَّ خلف النبوّة في عَقِبِ زين العابدين ، لا يعني هذا أنَّا نُخرجُ زين العابدين ، أو أبوهُ الحسين (ع) من خلافة النبّوة ، وكذلكَ عندما أقولُ خلفُ النبوّة في عقِبِ الحسن والحسين ، فهذا لا يَعني أن أُخرِج الحسنين من خلافة النبوّة ، وعندما أقولُ خلفُ النبوّة في عقِبِ زيد بن علي ، فهذا لا يَعني أن أُخرِج زيدَ بن علي ، وأبوه زين العابدين ، من خلافة النبوّة ، إذ أنَّ الخبَر يقتضي الإخبارُ الغيبي المُتحقّقُ أنّهُ سيكون لأبناء الرّسول (ص) اثني عشرَ سبطاً ينتشرُ من خلالهِم ذريتّه ، وهُم مَن ذَكرنا سابقاً ، وأنّهُم لا يَنقطعُ عَقِبُهُم أبداً ، ويؤيّده قوله (ص) ، به أو بما معناه : (( كل حسبٍ ونسبٌ ينقطع إلاَّ حسبي ونسبي)) ، فتكون خلافة النبّوة في أعقاب هؤلاء ، أبناء فاطمة الزهراء (ع) ، ولا يُخرِجُ هذا آباؤهم من أحقيّة الإمامة قطعاً .
 
مثاله : لو اجتمعَ رئيسٌ بولدَيه المنصور والمرتضى ، ومَعهُم أبناءهُما ( أحفاد الرئيس ) المهدي بن المنصور ، والقاسم بن المرتضى  ، (وكانَ لكلٍّ من القاسم والمهدي ثلاثةُ أولاد ) ، فقالَ الرئيس خلف الرئاسة في ستة من أبنائي ( مع العلِم أنّ الرئيس لم تنتشر ذريتّه إلاّ مِن أبناء القاسم الثلاثة ، والمهدي الثلاثة ) ،  فجاءَ أحد الفضلاء ، وقال : عَنى الرّئيس أنّها في عقب أبناء المهدي الثلاثة ، وعقب أبناء القاسم الثلاثة .
 
فهل في هذا ما يُوحي أنَّ آباء هؤلاء الستّة ( المهدي والقاسم ، والمرتضى والمنصور ) ، خارجونَ عن الرّئاسَة ، ليسَ لهُم نصيبٌ فيها ، قَطعاً ... لا . وهذا حالُ تلك الرواية المروية عن طريق المنصور بالله (ع) ، فالرئيس الرّسول ، والمرتضى والمنصور ، الحسن والحسين ، والمهدي والقاسم ، زين العابدين والحسن المثنى ، والمُفسّر الفاضل ، هُو علي بن موسى الرضا (ع) .
 
وهذا ما يحتملهُ الخَبر المرويّ عن طريق الزّيدية ، إن حَملناهُ على مَحمَلِ القوَّة في الدّلالة ، لا يتَجاوزُ هذا إلى غيرِه .

[  فَائدَة ]
 
الأسباطُ هُنا بل وفي كتاب الله تعالى ، جاءت تدلَّ على قبائلَ لا على أفرادٍ بأعيانهِم ، وأسباطُ بني إسرئيل ( يعقوب صلوات الله عليه ) ، هُم أبناؤهُ الإثني عشر ، وأبناؤهُم فيما بَعد ، وكلُّ فردٍ من الإثني عشر معَ أبنائه وأحفاده يُمثّلون قبيلةً من قبائل بني إسرائيل ، ويُنادَون بالسّبط الفلاني ، وفي تفسير القوم ( تفسير الحسن العسكري ) ، أنّ أصحابَ نبي الله موسى لمّا وصَلوا البَحر ، وانفلَق لهُم طوداً واحداً ، قالوا له : (( يَا نَبيّ الله نَحنُ اثنتَا عَشرة قَبيلة بَنو اثني عَشَر أبَاً )) ، ومنه : فإنّ مُقارنَة تأويل الجعفرية للإثني عشر إماماً ، بأنّ المقصود بهِم أعيانُ أئمّتهِم ، بأسباطِ بني إسرائيل ، الغير مُعيّنين بأسماء ، بل مُعينين بجماعاتٍ جماعات ، فإنّها مُقارنةٌ باطلة . بل إنّ الأثر السّابق في هذه الحالة ( عندما يكون السّبط بمعنى القبيلة ) أكثرُ دلالةً على ماذهَبَت إليه الزيدية ، من حصر الإمامة في صالحي أبناء هذه البطون الإثني عشر .

[ الوجه الثالث : مُقارنَة أسباط بني إسرائيل بأسباط بني محمد (بني فاطمة ) في الحديث ] :

وفيه تأمّل أي الفريقين من الزيدية أو الجعفرية تنطبقُ عليه المُقارنة أدناه :

ذريّة إسرائيل (ع) ******* *********** ذرية محمّد (ص)

1- فضّل الله عموم ذريّته ****** فضّل الله عموم ذريّته ( بني الحسن
وجعلَ الرّسلَ منهُم -------- والحسين ) وجعل الإمامة فيهم .

2- كانَ من عموم هذه ******* كانَ من عموم هذه الذريّة
الذريّة المُفضّلة في الأصل ----- المُفضّلة في الأصل ظالمين
ظالمين وفاسقين ، ظلموا ----- وفاسقين ، ظلموا أنفُسَهُم
أنفُسَهُم عندما لم يُقدّروا ----- عندما لم يُقدّروا حقّ تفضيل
حقّ تفضيل الله لهم . ------- الله لهم .

3- أنّ النبوّة والرّّسالة ******** أنّ الإمامة والزّعامَة كانت في
كانت في صالحي هذه الذريّة--- صالحي هذه الذريّة .

4- أنّ ذريّة يعقوب (ع) *********** وذريةّ محمّد (ص) انتشرت
انتشرت من 12 سبطاً . -------- من 12 سبطاً .
بنو بنيامين بن يعقوب ، -----------بنو الحسن بن زيد بن الحسن السبط ،
و بنو رؤبيل بن يعقوب ، -----------و بنو عبدالله بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو شمعون بن يعقوب، -------- و بنو إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو يهوذا بن يعقوب ، --------- و بنو جعفر بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو لاوي بن يعقوب ، ---------- و بنو الحسن بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو ايسافر بن يعقوب ، ---- ----و بنو داود بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو زوبولوت بن يعقوب ، ------- وبنو محمد بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو دان بن يعقوب، ------------ وبنو زيد بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو نفتالي بن يعقوب، ---------وبنو عبدالله بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو جاد بن يعقوب ، ------------وبنو علي بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو أشير بن يعقوب ، --------- وبنو عمر بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو يوسف بن يعقوب . ------- وبنو الحسين بن علي بن الحسين السبط .

5- أنّ الله لم يختصّ بالنبوّة ************ أنّ الله لم يختصّ بالإمامة
والرّسالة بطناً دون بطن ، ------ بطناً دون بطن من ذرية فاطمة
من ذراري بني إسرائيل ، ------- الزهراء ، فالصّالحون منهم ،
كما خصّت الجعفرية ---------- والدّاعون إلى الله ، المُستحقّون
بطن الحسين على الحسن، ------- للإمامة ، الحسن بن الحسن ،
فأرسل الله موسى وهارون ------- و زيد بن علي بن الحسين،
وإلياس من ذرية لاوي بن ------ فيحيى بن زيد بن علي ،
يعقوب ، وأرسل يونس من ------- فمحمد بن عبدالله بن الحسن
ذرية بنيامين بن يعقوب ، -------- ابن الحسن ،فأخوه إبراهيم ،
وأرسل داود وسليمان ---------- فالحسين بن علي بن الحسن
وزكريا ويحيى من ذرية ---------- ابن الحسن بن الحسن السبط
يهوذا بن يعقوب .. إلخ . --------- وغيرهم .

6- أنّ أنبياء الله من بني *********** أنّ أئمة أهل البيت ( صُلحاء ذريّة
إسرائيل ، ابتلاهُم الله -------- الزهراء ) ، ابتلاهُم الله بأمّة جدّهم ،
بالفَضل و إبلاغ الحجّة ، ------ حمّلَهُم أمانَة الاحتراق من أجل إحياء
وابتلى أصحابهُم بوجوب --------السنن وإماتتة البِدَع وابتلى
الإذعان لهم ------------ النّاس بوجوب الإذعان لهم ،
--------------------- والائتمام بهم .

[ الوجه الرابع : مُناقشة إنصاف السائل بإلزامنا بالرقم 15 من الحديث ] :

بما أنَّ السائل عابَ على الزيدية ، متن الحديث المنصوري السابق ، واستنتجَ أنَّ العدد 12 سيصبحُ 15 بناءً عليه ، فإنّا سائلوه عن حال هذه الروايات عنده :

1- روى الكليني في الجامع الكافي ، بسنده ، إلى أبي جعفر الباقر (ع) ، أنّه قال : ((إني واثني عشر مِن وَلَدِي ، وأنْتَ يَا عَلِي ، زِرُّ الأرض ، -يعني أوتادها وجبالها- ، بِنَا أوْتَدَ الله الأرضَ أنْ تَسِيخَ بَأهلِهَا، فَإذِا ذَهَبَ الاثنَا عَشَر مِن وَلدِي سَاخَت الأرضُ بَأهلِهَا ولَم يُنظَرُوا )) [ أصول الكافي ، باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ، الحديث السابع عشر ] .

تعليق : تأمّل أخي السائل ، كَم أصبحَ عَددُ الأئمة ( 12 + 1 = 13 ) ، ( اثني عشر من ولدي + أنت يا علي = 13 ) . والحُكمُ لكِ ، وللعقول المُنصِفَة  .

2- روى الكليني ، بسنده ، إلى أبي جعفر الباقر (ع) أنّه قال: قال رسول الله (ص) : (( مِن وَلَدِي اثْنا عَشَرَ نَقِيباً ، نُجَبَاء، مُحدّثون ، مُفهمّون ، آخِرُهُم القَائِمُ بالحقّ يملأهَا عَدلاَ كَما مُلئَت جُوراً )) . [ أصول الكافي ، باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ، الحديث الثامن عشر ] .

تعليق : تأمّل أخي السائل ، لفظة : ( من ولدي اثْنا عشر ) ، فأينَ الإمام علي بن أبي طالب (ع) ؟ أم أنَّ عليٌّ (ع) عندَكُم مِن أبناء الرّسول ؟ .

3- روى الكليني ، بسنده ، إلى جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : (( دَخلتُ على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعدَدتُ اثني عَشر )) .

تعليق : تأمّل أخي السائل ، أنّ الأوصياء اثني عشر وصيّاً من ولد فاطمَة ، فأينَ ذهبَ علي بن أبي طالب (ع) ؟ أم أنّه من أبناء فاطمة (ع) أيضاً !! .


نعم ! وبهذ القدر من هذه الأحاديث أكتفي مع وجود المزيد ، ولكنّا نعود لمِاَ كنّا وعدنَا به في الوجه الثاني من مُناقشَة أكثر ما يترتّب على حديث الإثني عشر خليفة في روايات أهل السنة والجماعة ، ثمّ مُناقشَة روايات الإثني عشر خليفة في روايات الجعفرية ، مُناقشَة غير مُخلّة ، ليس يستغني عنها الباحث النبيه .

وممّا يجدر بنا التنبيه عليه هنا أنّ الوجه الخامس والسادس مُقتبسٌ من مبحثنا (المهدوية عند الزيدية والجعفرية) ، وهو على الرابط :

http://www.al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=3351

[ الوجه الخامس : مُناقشة روايات أهل السنة في الإثني عشر خليفة] :

1- [ عن طريق جابر بن سمرة ]


أ- روى مسلمٌ في الصحيح ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله (ص) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول : (( لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، وسمعته يقول عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى أو آل كسرى ، وسمعته يقول إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم ، وسمعته يقول إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته ، وسمعته يقول أنا الفرط على الحوض ))[52] .

تعليق : تأمّل الجزئية المُتعلّقة بالإثني عشر ، تجد الرسول (ص) وكأنه يذمّ هؤلاء الإثني عشر ، حيثُ أنَّ هذا الدين لا يزالُ قائماً إلى يوم القيامَة ، أو يكونُ هُناك اثني عشر خليفة ، ففيه إيهامٌ بسقوط أمرِ الإسلام إذا كانَ هؤلاء الإثني عشر ، أيضاً هذه العبارات فيها من الإبهام الشيء الواضح الجلي ، فكيفَ يُقطَعُ أنّه أراد بها إثني عشر الجعفرية ، هذا على افتراض صحّة اللفظ الذي ذهبَت إليه الإمامية في هذا الأثر من صفة المَدح .

مُلاحظة : هذا الخبر ليسَ دلالةً كافيةً على حُجيّة أو حتى فضل هؤلاء الإثني عشر خليفة ، وليسَ فيه دلالة على الإتّباع والإقتداء .

ب- روى البخاري في الصحيح ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي (ص) يقول : (( يكون اثنا عشر أميراً ، فقالَ : كَلِمَةً لَم أسمعها ، فَقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش ))[53] .

تعليق : وهذا الخبر عن جابر لا يُفيدُ الحُجيّة على هؤلاء الأمراء الإثني عشر ، وانظر كيفَ يتعارضُ مع الرواية السابقة ، إذ أنّ جابر سَمِعَ كلامَ الرّسول كاملاً عندما قال فيه : ((لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش )) ، وفي هذه الرواية أصبَحَت كلمة خليفة ، أمير ! ، ولَم يَسمَع أنّهُم مِن قُريش ، وإنّما أخبرهُ والدهُ بذلك .

ملاحظة : هذه الرواية أيضاً ، لا نستطيع من خلالها أن نبني اعتقاداً مُعيّناً في هؤلاء الأمراء الإثني عشر ، إذ أنّها مبهَمَة للغاية .

ت- وروى الترمذي في السنن ، عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (ص) : (( يكون من بعدي اثنا عشر أميرا ، قال : ثم تكلَّم بشيء لم أفهمه ، فسألت الذي يليني فقال : قال : كلهم من قريش ))[54] .

تعليق : انظُر قول جابر ، فسألتُ الذي يليني ، والتي قبلها ، يقولُ : فسألتُ أبي ! ، أيضاً حتّى في هذه لم يسمَع ما جاء في الرواية الأولى من أنّ الدين يبقى قائماً أو يكون اثني عشر خليفة ، أيضاً لا يفوتكُ أن تستنتج أنّ الرسول كانَ يقول بهذا الخبر في محضرٍ من الصحابة ، والدليل سؤالُ جابر مرّةً لأبيه ، ومرّةً للذي يليه ، ومعَ ذلك لَم يروِ أحدٌ من الصحابة هذا الخبر بهذه الطريقة إلاَّ جابر بن سمرة ، على عكسِ ما حصلَ يوم الغدير مع أمير المؤمنين ، فإنَّ الصّحابَة حدّثوا بما سمعوه من رسول الله في ولاية علي بن أبي طالب (ع) ، وهُنا اختفى التحديث من الصحابة الحاضرين لرسول الله مع جابر .

ملاحظة : هذا الحديث كالذي قبله ، لا يدلّ على حجيّة معينة لهؤلاء الأمراء الإثني عشر، ولا يُفيد حتّى الإتباع .

ث- وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة قال : جِئتُ أنا و أبي إلى النبي (ص) و هو يقول : (( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ، ثم قال كلمة لم أفهمها فقلتُ لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ))[55] .

تعليق : وفي هذه الرواية ، جابرٌ يسألُ أبيه ، وليسَ الذي يليه ، أيضاً هذه الرواية تُفيدُ أنَّ رسول الله (ص) حال دخولِ جابر وأبيه ، كانَ يُحدّث جمعاً من الصحابة ، ومعَ ذلك لَم يُحدّث بهذا الخبر بهذا الوجه إلاّ جابر دونَ الصّحابة ، بل حتّى دونَ أبيه ؟! ، أيضاً هذه الرّواية تُفيدُ الذمّ لا المدح ، فظاهرهُا أنَّ هذا الأمر لا يزالُ صالحاً حتى يكون اثنا عشر خليفة ، أي أنَّ أمر الإسلام لا يزال عزيزاً إلى أن يكون اثنا عشر خليفة ، فلو قُلتُ : لا تزالُ إيرانُ قائمةً قويّة منيعة حتّى يقوم الرئيس الفلاني ! أليسَ في هذا دليلٌ أنّ عزّة وقوّة إيران تذهبُ عندما يقوم هذا الرئيس ؟ . وكذلك الحال مع الأمراء الإثني عشر الذين صوّرَتهُم لنا الرّواية .

ملاحَظة : هذا الخبر أيضاً ، لا يُفيد الحُجيّة على المُكلفين ، ولا يجوز عليه أن يبني المُكلَّف أيّ اعتقاد .

ج- وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول في حُجّة الوداع : (( لا يزال هذا الدين ظاهراً على من ناواه ، لا يضره مخالف و لا مفارق، حتى يمضي من أمتي اثنا عشر أميراً كلهم ، ثمّ خَفِيَ من قول رسول الله (ص) ، قال : و كانَ أبي أقرَب إلى راحلة رسول الله (ص) مني فقلت : يا أبتاه ما الذي خفي من قول رسول الله (ص) ؟ قال : يقول كلهم من قريش ))[56] .

تعليق : انظر هذه الرواية ، سمعها جابر في حجّة الوداع ، وليسَ عشيّة رجم ماعز ! ، وانظر كأنّه يُشير إلى وجود جمعٍ من الصّحابة عندما قال أنَّ أبيه كان الأقرب إلى راحلة النّبي (ص) ، ومعَ ذلكَ لم يُحدّث بهذا إلاّ جابر ، وعلى افتراضِ أنَ جابر سمعَ هذا الخبرَ مرّتين مرّةٌ عشيّة رجم ماعز ، ومرّةٌ في حجة الوداع ، فهل يُعقلُ أنّها ما سمعَ لفظة : كلّهم من قريش ، إلاّ عن طريق أبيه ، أو الذي يليه ؟! ، أيضاً هذا الحديث يُفيدُ المدحَ والذّم معاً ، فاعرف معنى (حتّى) وغص في أعماق اللغة العربية ، ثمّ اعرف أنّ الرسول (ص) أفصحُ مَن نطق بالضّاد ، ليس بحاجةٍ إلى أن يجعلنا نتوهُ كلّ هذا التّوهان ، في تفسير معاني كلامه بهذه العبارات .

ملاحظة : وهذه الرواية أيضاً ، لا يصحّ أن نبني عليها اعتقادٌ ، ولا يصحّ أن نجعل من هؤلاء الأمراء حججٌ على العِبادِ بموجِبها .

ح- وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة أنهُ سِمِعَ رسول الله (ص) يقول : (( يكون بعدي اثنا عشر أميراً ، ثم لا أدري ما قال بعد ذلك ، فسألتُ القوم كلهم فقالوا : قال كلهم من قريش ))[57] .

تعليق : وفي هذا الحديث يسألُ جابر القومَ كُلّهم !! ، وفي رواية سابقة سألَ أبيه ! ، وفي رواية أخرى سألَ الذي يليه ! ، وسؤالُ جابر للقوم دلالة على كثرة الحاضرين لمجلس رسول الله (ص) حينها ، ومعَ ذلك لم يُحدّث بهذا الخبر بهذه الطّريقة إلاّ جابر .

ملاحظة : وهذه الرواية أيضاً ، لا ينبغي بناءُ أدنى أصلٍ من أصول الدين على أمراءها الإثني عشر ، لما فيها من الإبهام في حالِهم .

خ – وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول : (( لا يزال هذا الأمر ماضياً حتى يقوم اثنا عشر أميراً ، ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسألت عنها أبي ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ))[58] .

تعليق : أيضاً انظر الذمّ في الأمراء الإثني عَشر ، حيثُ أنّ أمرَ الإسلام يبقى ماضياً حتّى يقوموا ، فإن قاموا تلجلجَ الإسلام وانصدَع ، وحتماً ما هذه صِفَة أئمة الجعفرية عندَهُم .

ملاحظة : وهذه الرواية ، لا يجوزُ بناءُ اعتقادٍ مُعيّن على أمراءها الإثني عشر .

د- وروى أبو داود في السنن ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : (( لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، فسمعت كلاما من النبي (ص) لم أفهمه ، قلت لأبي ما يقول ؟ قال : كلهم من قريش ))[59] .

تعليق : انظر لفظة ( كُلّهُم تجتمع عليه الأمة ) ، انظر حالَ أئمة الجعفرية هل اجتمعَ عليهم كُلّ الأمة ، أو بل حتّى ربعها ، لا نقولُ ولاءً وحُبّا ، ولكن اعتقاداً بإمامةً ربّانيّةً وحجّيةً مُطلَقة ، بل انظر حالَ المهدي الغائب الثاني عشر هل اجتمعَت عليه الأمّة ، بل هل اجتمعَت عليه الشيعة ؟ بل هل اجتمعَ عليه مَنِ انسلخَ من الإمامية أنفسُهم من الواقفة والمحمدية ؟ ، فعند ذلك نُنبّه أنَّ الإثني عشر المقصودين هُنا غير مَن قَصدتهُ الإمامية ، فرسول الله (ص) لا ولن ينطقَ عن الهوى .

مُلاحَظة : أيضاً هذا الحديث ليسَ دليلاً على اعتقاد أي عقيدةٍ ذاتُ شأنٍ بالغ الأهمية في الدّين .

ذ- وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (ص) : (( لا يزال هذا الأمر مؤاتي أو مقاربا ، حتى يقوم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش ))[60] .

تعليق : وفي هذا الحديث من علّة الغموض في اللفظ ما لا يخفى ، لأنّهُ على المَحملين مأخوذ ، مَحملُ المدحِ والّذّم ، ورسولا الله (ص) مُنزّه عن مِثلِ هذا الغموض في بيان عقائدِ النّاس ، وخصوصاً إذا كان هؤلاء الإثني عشر ، هُم مَن يؤمنُ به الإمامية في أئمتهم .

ملاحظة : وهذا الحديث أيضاً ، ليسَ دليلاً على اعتقادٍ مُعيّنٍ يُوجبُ على المُكلَّف الاعتقاد بما فيه .


2- [ ما جاء عن طريق عبدالله بن مسعود ]

ر- وروى أحمد في المسند ، عن مسروق قال : كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود ، وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله (ص) كم تملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله بن مسعود : ما سألني أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، و لقد سألنا رسول الله (ص) فقال : (( اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل ))[61] .

تعليق : تأمّل لفظة ( كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ ) ، ثمَّ طَبّق عليه أقوالَ جابر بن سمرة السابقة ، بافتراض صفات المدح للحديث طبعاً ، ستجدُ أنَّ الإسلام يَعُزُّ بهِم ، ويظلّ مَنيعاً ، لا يضرّه من ناواهُم و لا مَن خَالفَهُم ، حتى يمضونَ فيكون الهرجُ والمرج[62] ، فنقول : ما دامَ أنَّ الإسلام يبقى عزيزاً ومنيعاً وقائماً في عهد هؤلاء الإثني عشر ، وعلى رأسهم إمام الزمان المهدي الغائب المُنتظر ، ما بالُ عُقلاء الأمّة في أعصارهِم يرونَ شرائعَ الإسلام تكادُ تندرس ، ما مِن لاحقٍ إلاَّ ويرى أنَّ زمانهُ أسوءُ الأزمنة ، تعطيلٌ للحدود ، وفشاءٌ للفساد ، وإنكارٌ لأهل البيت (ع) ، وهذا مُمتدٌ إلى زماننا هذا ، فإنّا نجدهُ أسوأ الأزمنة على الإطلاق ، ونجدُ الإسلام يعيشُ مراحلَ التقوقعُ على المشائخِ ورجالِ الدّين ، ونجدُ التسرّبات تلو التسرّبات العلمانية والاستشراقية تغزو عُقولَ القُرّاء قبل الجُهّال ، ونجدُ الفتوى في الدّين تكادُ أن تكون أسهلُ من شُربِ الماء ، من غيرِ علمٍ ولا كتابٍ ومُنير ، فنحنُ نرجو الله أن يكونَ موعدُ قيام المهدي (ع) قَد قَرُب ، محمد بن عبدالله وليسَ محمّد بن الحَسن ، لأنّ أصحابَ مُحمّد بن الحسن على ضوء الرواية التي عن ابن مسعود ورواية جابر بن سمرة ليسوا بحاجته لأنَّ الإسلام في أوقاتهم كما شَهِدَت الروايات السابقة لا يزالُ قائماً شامخاً عزيزاً ظاهراً ، وبما أنَّ المهدي الغائب حيّ موجود لم يمضِ بعَد فالإسلامُ لاشكَّ في عزةٍ وإباء !! ، فأيّ بُعدٍ يُتصوّرُ مَعَه نسبة هذه الأحاديث السنيّة إلى أشخاصِ أئمّة الجعفريّة ، ففي هذا القول تحميلٌ لروايات جابرٍ وابن مسعودٍ فوقَ طاقتها ! ، إذ كيفَ يخرجُ في آخر الزّمان ليملأ الأرض عدلاً كما مُلأت جوراً ، وينتصِرَ لمحمدٍ وآل محمدٍ ، والإسلام لا يزالُ قائماً ظاهراً منيعاً ؟! إمّا ظاهرٌ منيعٌ بدون جور في فترة وجود المهدي الغائب ، فيردّ هذا الاعتقاد كثيرٌ من الأحاديث التي روتها الأمة في خروجه في آخر رمقاتِ الإسلام ، وإمّا خافٍ مُستضعَف –أي الإسلام- فيه الجور والظّلم في فترة وجود المهدي الغائب ، فيردُّ هذا الاعتقاد روايات جابر وابن أبي جحيفة عن بكرةِ أبيها!.


3- [ عن طريق أبي جحيفة ]


ز- وروى الحاكم في المستدرك ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه قال : كنت مع عَمّي عند النبي (ص) ، فقال : (( لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة ، ثم قال كلمة و خفض بها صوته فقلت لعَمّي ، وكانَ أمَامِي : ما قالَ يَاعَم ؟ قال يا بني كلهم من قريش ))[63] .

تعليق : انظر هذه الرواية طِبقَ الأصل ، عن روايات جابر بن سمرة السابقة ، اللهم أُبدِلَ اسم جابر بأبي جحيفة ، و لفظة أبي بعمّي ، أمسِك ! قال جابر في الروايات السابقة : جئتُ أنا وأبي ، وقالَ أبو جحيفة : كَنت أنا وعمي ! . قال جابر : قالَ كلمةً خَفِيَت عليّ . وقال أبو جُحيفة : قالَ كَلِمةً خَفَض بها صوته ! . قال جابر : فقلتُ لأبي! : ما قال! ؟ قال : كلهم من قريش !! . وقال أبو جحيفة : فقلت لعَمّي! ، وكانَ أمَامِي : ما قالَ! يَاعَم ؟ قال يا بني كلهم من قريش !! ، قلتُ : وعلى القارئ الحُكم .


[ خلاصة الكلام في حديث الإثني عشر المروي عن طريق أهل السنة ]

هذا ونختمُ الكلام بالخلاصة ، فنقول : أنَّ حديث الإثني عشر خليفة بالعدد لا بالاسم ، الواردِ عن طريق أهل السنة : يحتمل احتمالَين اثنين لا ثالثَ لهما :

الاحتمال الأول : أنه صحيحٌ عن رسول الله (ص) ، ونُقِلَ وفُهِمَ على غير مراد رسول الله (ص) ، فقرعَ هذا الخبر أسماع الإمامية قبلَ عصر الغيبة ، أيامَ كانّ النّص على عدد الأئمة غير مستقر فتارةً عدد الأئمة ستة ، وتارةً سبعة، وتارةً ثمانية، وتارةً أحد عشر ، فصادفَ قلباً خالياً منهُم فتمكّنَ ، فاستفادوا من هذه الروايات السُنّية العددية ، فألصقوا أسماء أئمتهم بها ، فزعموا أنَّ الأئمة اثني عشر ، ووقفوا على الثاني عشر ابن الحسن العسكري ، وِمن هُنا بدأت التصانيف واستقرَّ النصّ ، فغذّاه الكليني ومشائخ قم حتّى ترعرعَ وكوّنَوا له قاعِدةً مِن لاشيء ، ثمّ جاء الشيخ المفيد والطوسي فأحكما تربيتهُ وتحصينه ، ثمّ الطبرسي قامَ بواجبهِ تجاهه ، واليوم نجدُ التصانيف الهائلة الصغيرة والكبيرة ، وإدخال الفلسفات في العبارات ، والتلاعب بالألفاظ والعواطف لجعل المُستحيلِ معقولاً ، والغمر تلو الغِمرُ مُنجرٌّ مُنقادٌ والله المُستعان . ثمّ أنّ هذه الأخبار المروية عن أهل السنّة لو آمنّا بها فهي لا تدلّ على عقيدةٍ ذاتِ أهميّة بالغَة في الدين ، وقد تعمّدنا إيراد الملاحظات تحت التعاليق ، لربطِ الفكرة في مَن يُصحّحُ هذه الأحاديث ، ويعتمدُ عليها ويجعلها مُرجّحاً على عقيدة القوم ، فراجعها . أيضاً وَجدنا كلاماً بديعاً ناطقٌ بما أشرنا إليه، للسيد الهُمام عبدالله حميدالدين حفظه الله في كتابه ( تعليقات على الإمامة عند الإثني عشرية ) ، فقال بشأن رواية أهل السنّة والجماعة لخبر الإثني عشر ، وما يترتّبُ على مَن آمَنَ به ، فقال باختصارٍ في اللفظ :

(( أمّا حديثُ الخُلفاء اثنا عشر ، ونحوه ، فالاحتجاجُ بهِ على أمرٍ خطيرٍ كالإمامة بعيد ، وذلكَ لأمورٍ سأذكُرُها بإيجاز :

1- الحديثُ لا يُشيرُ إلى وُجوبِ طاعَتِهِم ، ولا إلى صِفَتِهِم ، ولا أنّهُم من ذريّة الحسين ، ولا إلى أنّهُم مُتعاقبون .
2- أيضاً نلمسُ مِن عبارات الحديث أنَّ المُراد ، تعيين فترةٍ زمنيّة يكونُ فيها الإسلام عزيزاً ، وأنَّ هذه الفترة حُدِّدَت لفترة اثني عشرَ خليفة، ولا يَظهرُ مِن ألفاظها أيُّ إشارَة إلى وجوبِ طاعَة هؤلاء الإثني عشر ))[64] .

الاحتمالُ الثّاني : أنهُ باطِلٌ مردود ، لضعفِ الاحتمالات الموصِلَة إلى اليقين من خلاله ، لصدور مثل هذا الخبر عن رسول الله (ص) ، فإن كانَ رسول الله (ص) ألقى هذا الخبَر على مسامع الصحابة ، إمّا عشيّة رجم ماعز ، أو في حجّة الوداع ، أو في عرفات ، ومعَ ذلك لَم يروهِ إلاَّ جابر وأبو جحيفة مع وَهْن رواية الأخير ، فإنَّ في هذا مغمزٌ فضيع، حتّى وإن كانَت الأسانيد مُتصلّة موثّقةً ، فالعقلُ يرفضها البتّة ، انظر أمير المؤمنين (ع) الأذن الواعية لكلام أخيه وابن عمه سيدّ المُرسلين (ص) ، لَم يتفوّه بخبرٍ من طُرقِ غير الإمامية بمثل هذا الخبر ، مع العلمِ أنَّ إنباءاته بما يحدثُ من الفتِن مُدوّنةٌ مزبورة فراجعها ، فلو صحَّ أنَّ الإثني عشر هؤلاء هُم أئمة الإمامية ، لما توانى في الإخبارِ به على الملأ ، كما أخبرَ رسول الله (ص) الناس بهذا في رواية جابر . أيضاً انظر إجابة ابن مسعود على السّائل عن عدد من يملكون أمر الأمة ؟ أنْ قال : ((و لقد سألنا رسول الله (ص) فقال : (( اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل )) . فيدلّك جواب ابن مسعود أنّه ما سمعَ ذلك كما سمِعهُ ابن سمرة ، وإنّما سألَ عنه الرسول ابتداءً منه ، وخصوصاً في تلك الرواية التي تُفيدُ بإخبار الرسول بهذا في حجّة الوداع ، لأن ابن مسعود كان أحد أفراد حُجّاج بيت الله في ذلك الزمان ، وأخصّ منها تلك الرواية عن جابر التي تُفيدُ أنَّ الرسول أخبرَ بهذا في عرفات ، لأنَّ ابن مسعود حتماً لن يكونَ ذلك اليوم إلاَّ بين يدي رسول الله (ص) . فأوجه القدحِ في هذه الروايات كثيرة تقلّ عند اعتقاد أنّ هذا الخبر لم يُفهَم كما أراد الرسول (ص) ، وتزدادُ عند اعتقاد أنَّ هؤلاء الإثني عشر هُم أئمة الإمامية ، وتذهبُ الزيدية إلى عَدمِ اعتمادِ هذا الخبرِ المُتهافِت في إثباتِ أصولِ الدّين ، الذي إن تنازلنا جدلاً ومراءً ألحقناهُ بالآحادِ التي لا يُعمَلُ بها في إثبات العقائد ، كيف لا والإمامة تعني حفظُ بيضة الإسلام والمُسلمين ، وتطبيق حدود الله على التمام ، والعملُ بعملِ سيّد الأنام عليه وعلى آله أفضلُ الصلاة وأتم التسليم .


[ الوجه السادس : مُناقشة روايات الجعفرية في الإثني عشر خليفة] :


هذا وللإنصاف ، والإفهام ، ولتبرئة الرّاية من اتهامنا للروايات الجعفريّة الواردة عن مشائخِ قم وغيرها ، بالاختلاق والحشو ، وأيضاً لأنّهُ يترتّب على إبطال نظريّة النّص على الأئمة الإثني عشر بأسمائهم وأعدادهم ، انهيارُ عقيدة الغيبة التي هي محورُ بحثنا ، وإبطالُ شُبهَة مَن تمسّك بالاستدلال بحياة المهدي بخبر الإثني عشر السابق الذّكر في أول المسألة . فنقول روى الإمامية :

[ الجعفرية والنص والإمام الباقر (ع) ]

1- عن أبي الجارود ، قال : قلت لأبي جعفر : جعلت فداك إذا مضى عالمكم أهل البيت ، فبأي شيء يعرفون من يجيء من بعده ؟ قال : (( بالهدي و الإطراق و إقرار آل محمد له بالفضل و لا يسأل عن شيء مما بين صدفيها إلا أجاب عنه )) ([65]) .

تعليق : انظُر أبي الجارود رحمه الله ، لا يعرفُ النّص الذي رواه علي القمي عن ستةٍ وعشرين صحابياً من أكابر الصحابة ، وانظُر ردَّ الباقر عليه بالتلميحِ دونَ التّصريح ، وفي هذا الفعلِ من المعصوم من القُبحِ ما لا يخفى على العاقل ، فَلو أنّهُ قالَ بالنّص من رسول الله (ص) ، لأغناهُ ذلك . لأنَّك لَو سألتَ اليومَ جعفرياً كيف عَرفت إمامة الصادق بعد الباقر ، لسردَ لك أحاديث النّص عن رسول الله (ص) ، ولَما قالَ أنّ آل محمد تُقرّ له بالفضل ، وأنّه يُسألُ فيما بينَ صدفيها ( فيما يخصّ المُكلّف من أمور دُنياه ودينه ) فيُجيبُ عنه ، لأنَّ الزيدية هيَ مَن تقولُ هذا لا الإماميّة ، ولعلَّ هذه الرواية صحيحة عن الباقر فتكونُ دليلاُ على زيديّته ! ، ثم تَذَكّر جهل أبي الجارود بالنّص على رتبته في التشيّع ، وفي هذا دلالةٌ على أنهُ لا يوجدُ نصٌّ صريحٌ بعدد وأسماء الأئمة في تلك الآونة ، والله المُستعان.

2- عن أبي خليفة ، قال دخلت أنا وأبو عبيدة الحذاء على أبي جعفر ، فقلت : كيفَ لنَا بِصاحِبِ هذا الأمر حَتّى نَعرِف ؟ قال : (( قول الله : { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } ، إذا رأيتَ هذا الرجل مِنَّا فَاتّبِعه ، فإنّهُ هُوَ صَاحِبُك ([66]) .

تعليق : انظُر الجهل بالنّص من أصحاب الباقر (ع) ، يُؤكّدهُ أسئلتهم المتكررة له ، عَن صاحِب الأمر ، وانظر إجابة الباقر بالتلميح والصّفة ، دونَ النّص المُسبق عن رسول الله (ص) ، وانظُر أيّها الزيدي وازدد إيماناً بعقيدة أهل البيت (ع) في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر وأنّ هذه الآية صفةُ أئمتك الزيدية ، دونَ أئمة الجعفرية ، ولَو يسّر الله لنا ، جَمعنا أقوالَ الأئمة الإثني عشر الموافقة لمذهبِ الزيدية من كُتُبِ الجعفرية أنفسهم ، لأنّا لا ندّعي أنّهم قد حرّفوا جميع النصوص ، بل بَقيَ بصيصُ أملٍ في تصفية هذه الأقوال ، واستخراج الصحيح من السقيم ، وإن كانَ هذا الخبر رُوي عن فرات الكوفي وهو زيدي المذهب ، على عدم شهرةٍ عند الزيدية ، فالخبر الذي يسبقهُ رواه أساطين الإمامية ! ، نَعم ، وهذا الخبر يُوحي بغياب النّص بالاسم والعدد ! والله المستعان .

3- قالَ الكُميت بن زيد شاعر أهل البيت (ع) : دخلت على سيدي أبي جعفر، فقلت : يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم أبياتا أتأذن لي في إنشادها ؟ فقال : إنها أيام البيض ، قلت : فهو فيكم خاصة ، قال : هات ، فأنشأت أقول :

أضحكني الدهر وأبكانـي والدهر ذو صرف وألوان

إلى أن قال :

متى يقوم الحق فيـكم متى يقـوم مهـديكم الثانـي ؟

قال : سريعا إن شاء الله سريعا ، ثم قال : يا أبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين ، لأن الأئمة بعد رسول الله (ص) اثنا عشر ، الثاني عشر هو القائم ، قلت فمن هؤلاء الاثنا عشر ؟ قال : أولهم علي بن أبي طالب ، وبعده الحسن والحسين ، وبعد الحسين علي بن الحسين وأنا ، ثم بعدي هذا ، ووضع يده على كتف جعفر ، قلت : فمن بعد هذا ؟ قال : ابنه موسى ، و ذكر بقية الأئمة ([67]) .

تعليق : انظُر جهلَ الكُميت بن زيد رحمه الله وأسكنه جنان الخلد ، بالنّص على الإثني عَشر ، ولسائلٍ أن يقول كيفَ عرفَ الكُميت إمامة محمد الباقر ؟ ولمُجيبٍ أن يُجيب فيقول : بالنّص المتسلسل بالأئمة وأسماءهم إلى المهدي ، ولذلكَ تجدهُ يقول في شعرهِ ( متى يقومُ مهديكم الثاني ، ويقصد أنّ المهدي الأول رسول الله (ص) ) ، فهُو مُستدلٌّ بإمامة الباقر (ع) بالنّص . وللسائل أن يعودَ فيسأل ؟ فإن كانَ عرفَ إمامة الباقر والمهدي بالنّص ، فلماذا عاوَد السؤال فقال : ( مَن هُم الإثنا عشر ؟ ) ، تأمّل أيها القارئ بدأت روائحُ الوضعِ تفوح ! ، ومَنِ السائل ؟ إنّهُ الكُميت بن زيد شاعر أهل البيت صاحبُ المنزلة الكبيرة عند الباقر (ع) ، ومع حَجم وكِبَر هذه المنزلة فهُو جاهلٌ بالنّص على الأئمة بعد الباقر ، و مُتشيعٌ أيضاً في الباقر هكذا خبطَ عشواء ، لا بنصٍّ ولا بغيرِه ! ، والله المستعان .

4- عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن الصادق قال : (( إن أبي استودعني ما هناك ، فلمَّا حَضَرتهُ الوفاة ، قال : (( ادع لي شهوداً ، فَدعوتُ أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبدالله بن عمر ، فقال : (( اكتب : هذا ما أوصى به يعقوب بنيه : {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} ، و أوصى محمد بن علي ، إلى جعفر بن محمد ، وأمرَهُ أن يكفنه في بُرده الذي كان يصلي فيه يوم الجمعة ، وأن يُعمّمَه بعمامته ، وأن يرفع قبره ، ويرفعه أربع أصابع ، وأن يحل عنه أطماره عند دفنه ، ثم قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله ، فقلت له : يا أبت! ما كان في هذا أن يُشهَد عليه ! ، فقال : يا بني! كرهت أن تُغلَب ، وأن يُقَال :لم يوصِ إليه ، وأردْت أن تكون لك الحجة )) ([68]) .

تعليق : كيفَ أنّ الباقر (ع) خافَ أن يُغلبَ الصادق على أمرهِ ، فيُنكرُ النّاس إمامته ، فأوصى إليه ! ، فمِن مَتى والوصية فيما بينَ الأئمة أظهرُ مِنَ النّص الظاهر المشهور ، بل لماذا يحتاج الصادق إلى وصيّة مع وجود النّص ؟ أليسَ النصّ يُغني ؟ ، فإذا عرفتَ فساد هذا الحديث ، فاعرِف أنَّ مَن وضعَ هذا الحديث وَضعهُ قبل تبلور النّص على الإثني عشر كاملاً ، وضعهُ في فترةٍ لم يَكن يُعرفُ بين الشيعة ما يُعرف بالنّص من رسول الله (ص) ، بل بالوصيّة فيما بينَ الأئمة يَعرفونَ أئمتهم ، والله المُستعان .

[ الجعفرية والنص والإمام الصادق (ع) ]

5- عن داود بن كثير قال : قلتُ لأبي عبدالله : جُعلتُ فداك وقدّمَني للموتِ قَبلَك ، إنْ كانَ كَون فإلى من ؟ قال : (( إلى ابني موسى )) ، فَكانَ ذَلِكَ الكون فَوالله مَا شَكَكْتُ في موسى طرفة عين قط ، ثمّ مَكَثَ نَحوا مِن ثلاثين سَنَة ، ثمّ أتيتُ أبا الحسن مُوسى فقلت له : جُعلتُ فِداك إن كانَ كَون فإلى مَن ؟ قال : (( فإلى علي ابني )) ([69]) .

تعليق : انظُر جهلَ داود بن كثير بالنّص ، صاحب الصادق والكاظم ، ولو تعذّرَ أحدٌ بالتقيّة ، فإنّهُ لا وجهَ ولا مكانَ لها البتّة ، ويدلّك الخبر أنّ ابن كثير من المُقرّبين لدى الصادق والكاظم ، أن قاما بإخباره بِمَن بعدهُما من الأئمة ، والغريبُ أن يكونَ شخصٌ بهذا القُرب من أئمة الهُدى والحُجج على الورى ، لا يعرفُ أمثالَ هذا النّص الإثني عشري المُسلسل بالاسم والعدد الظاهر المشهور الذي لا نستبعدُ أن يكونَ الجعفرية ألحقوه بالمتواتر فظَلموا المُتواترَ وأهانوا أمثالَ حديث الغدير ، نعم ! وفي هذا الفعل من ابن كثير والأئمة دلالة على عدم وجودِ نصٍّ في تلكم الأيام ، وأنّه لَم يتبلور ويتشكَّل بَعد في عددٍ مُعيّن ، وإنّما الوصيّة هي الأمّ والمرجع!! ، إن كانَت ثمَّة وصيّة في الأصل !! لأنَّ الجميعَ عندنا مكذوب أعلامِ الهُدى ، لا الأخبار الدّالة على الإمام بعد الإمام بالوصيّة ، ولا الدّالة عليهم بالنّص .

6- عن المفضل بن عمر قال : دَخلتُ على سيدي جعفر بن محمد ، فقلت : يا سَيدي لو عَهِدتَ إلينا فِي الخَلَف مِن بَعدِك ؟ فقال لي : (( يا مفضل ؛ الإمامُ مِن بَعدِي ابني موسى )) ([70]) .

تعليق : انظر لفظة " لَو عَهِدتَ " ، وما شابهها من الألفاظ السابقة ، تدلّكَ أنَّ النصَّ ليسَ له خانةٌ البتة عند أهل ذاك الزمان ، وإلاَّ كيفَ يسوغُ للمفضل بن عمر أن لا يَعرفَ إمامهُ بعد الصادق إلاَّ بالوصيّة ، أليسَ النّص ناطقٌ بهذا ؟ بدون حاجةٍ لكلام الصادق ؟ بل وبدونِ الحاجَة إلى العهدِ من الصادق للكاظم ، لأنَّ الأمرَ ليسَ للصادقِ يَعهدُ إلى مَن يشاء ! بل هُو أمرٌ قد زُبِرَ في عالَم الأزل ، على مُقتضى مذهب الجعفرية ، فيا للهّ ويا للنص الذي لم يشتهرِ بينَ أصحاب الأئمة المُقرّبين ، ومع ذلكَ يّدعون أنّه رواه كبار صحابة الرسول (ص) وحدّثوا به ! ، والشيعة أنفسُهم لا يعلمونَ بهذا ، والله المُستعان .

7- وعن عبدالرحمن بن الحجاج ، قال : دخلتُ على جعفر بن محمد في منزله ، وهو في بيت كذا من داره في مسجد له ، وهو يَدعُو ، وعَلى يمينِه مُوسَى بن جعفر يُؤمِّن على دُعائه ، فقلتُ له : جَعَلَنِي الله فِدَاك ، قَد عَرَفتَ انقِطَاعِي إليكَ وخِدمَتِي لَك !!! ، فَمَن ولِيُّ الأمرِ بَعدَك ؟ قال : (( يا عبدالرحمن ، إنَّ مُوسى قَد لَبِسَ الدِّرعَ فَاسْتَوت عَليه ، فقلتُ له : (( لا أحتاجُ بَعدَها إلى شَيء )) ([71]) .

تعليق : لَن يبقى بعدَ هذا الأثر ، في معرفة عدم وجود النّص بالكليّة حتّى في بيت الصادق، حتّى على مَن قطعَ عُمُرَهُ في خدمَة سيّده !! ، نعم! لَن يبقى بعدَ هذا إلاّ أن نبتغيَ سُلّما إلى السماء كي نُقنِعَ المُخالف ، بفسادِ هذه العقيدة المُسَلسَلة على لسان رسول الله (ص) ، وأنّه ليس هُناك خانةٌ للنّص بل للوصيّة وفي هذا من التصادم ما لا يخفى على أهل التشمير والتمحيص والتدقيق ، ولَو لَم يكن لكَ إلا استحضار ما جرى بين الشيعة الإمامية بعد جعفر الصادق من الاختلافِ في شخصِ الإمام ، فمنهُم مَن وقفَ على الصادق وقال أنّه المهدي المنتظر ، ومنهُم مَن قال بإمامة إسماعيل وأشارَ إليه وعهِدَ!! إليه وهُم الإسماعيلية ، منهُم مَن قالَ أنَّ الصادق عَهِدَ إلى الكاظم وهُم الجعفرية ، ولَو تأمّلتَ احتجاجات الإمامية على الإسماعيلية في إمامة الكاظم ، لوجدتَهُم يحتجونَ عليهم في ذلكَ الزّمان بالوصيّة من دونِ النّص ! وليتَ شعري لَو كان هُناكَ نصٌّ مُسبَق على الإثني عشر ، أكانَ سيحصلُ هكذا اختلاف ، كيفَ إذا عَرفتَ أنَّ مَن حاجَّ الإسماعيلية بالوصيّة لموسى اختلفوا بعدَهُم في الكاظم (ع) أهُو المهدي الغائب المُنتظر ، أم أنَّه مات وانتقلَت الإمامة بعده إلى علي الرضا (ع) ، وهكذا سلسلة من التصدّعات الرهيبة التي توحي بل تُؤكّد أنّ النص قبل عصر الغيبة لَم يكن له وجود ، وأنّه ما تشكّل إلاّ على أيدي المُتأخرين . نعم! ثمّ انظُر إلى إجابة الصادق (ع) : أنَّ الدّرعَ قد استوى على الكاظم ! ، ولَم يقل لخادمِه والمُقرّب منه في دخلاته وخرجاته واجتماعاته، قال رسول الله (ص) الأئمة من بعدي اثنا عشر تسعة من ولد الحسين ، وتاسعهم قائمهم ! . وهذا آخر تعليق سأسوقه على النصوص الجعفرية التي نسوقها ، لأنَّ في الإكثار إملال ، ولأنّا قد استحينا مِن تكرار الكلام ، ولكنّ لعلّ وعسى ، أن يملأ هذا أعيُنَ مَن يرونَ القذى في العيون ، ولا يرونَ جذوعَ النخل فيها ، والله المستعان .

8- وعن صفوان الجمال قال : سألت أباعبدالله عن صاحب هذا الأمر ، قال: (( صاحبُ هذَا الأمْر ، لا يَلهُو ولا يَلعب!! )) ، وأقبلَ أبو الحسَن وهُو صغير ، ومعه بهمة عناق مكية، ويقول لها : اسجدي لربك ، فأخَذَه أبوعبدالله وضَمّه إليه ، وقال: (( بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب )) ([72]) .

مُلاحظة : كان بالودّ إكمال بقية جهالات أتباع الأئمة ، بأسماء وأعداد أئمتهم ، الكاظم فالرضا فالجواد ، إلى الغائب المهدي ، وفي هذا من الإطالة ما لايخفى ، ولذا نُحيلُ القارئ إلى مصادرِ الجعفرية الحديثيّة على رأسها بحار الأنوار ، فهو سِفرٌ جامع . وهُنا ننقلُ شيئاً من جهل الإمام الشهيد السعيد أمير المؤمنين وليثُ العرين زيد بن علي عليه وعلى آبائه السلام ، مما ترويه الجعفرية ، وتدلّ على جهله بالنّص وهُوَ مَن هُو روحي له الفداء .

[ روايات عن زيد بن علي (ع) ، في عدم معرفة النّص ]

9- يروي الإمامية أنّ الباقر (ع) عند الوفاة ، دَعَا بابنه الصادق ليعهَدَ إليه عَهْداً ، فقال له أخوه زيد بن علي (ع) : لَو امْتثلتَ فِي تِمثَالِ الحَسن والحُسين ، رَجوتُ أن لا تَكونَ أتَيتَ مُنكَراً !! ، فَقالَ لَه : (( يَا أبَا الحُسين إنَّ الأمَانَات لَيسَت بِالتّمثَال ولا العُهُود بالرّسوم ، وإنّمَا هِي أمُورٌ سَابِقَة عَن حُجَجِ الله عز وجل )) . ([73])

تعليق : انظر جهلَ حليف القرآن (ع) بالنّص على الإثني عشر ، وذلكَ عندما طلبَ من أخيه الباقر (ع) : أن يتَمَثّل بِتمثَال الحسَن والحسين ، يُريدُ أن يجعلَ الإمامة والعهدَ والوصيّة فيه لا في ابنه ، كما فعل الحسن مع الحسين وهُما أخوان ، على رأي الإمامية لا على رأي الزيدية طبعاً ، لأنّ الزيدية لا تؤمن بالوصية فيما بين الأئمة خصوصاً في وجود النّص ، لأنّ في وجوده استغناءٌ عن الوصية ، وفي هذا الطلبِ من زيد بن علي (ع) جهلٌ مُركّبٌ ظاهرٌ بمدى معرفته بالنص عن رسول الله (ص) وفيه دلالةٌ على أنّه لا نصّ موجود البتّة، نعم ! ثم انظُر عدَم إيمانَ حليف القرآن (ع) بحجيّة وعِصمَة أخيه الباقر عندما جوَّز عليه المُنكَر بقوله : ((رَجوتُ أن لا تَكونَ أتَيتَ مُنكَراً )) ، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى على كلّ جعفريّ .

10- يروي محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبان ، قال أخبرني الأحول ، أن زيد بن علي بن الحسين (ع) بَعَثَ إليهِ وهُوَ مُستخفٍ ، قال : فَأتيتُه ، فقالَ لِي : يَا أبَا جَعفر! مَا تقولُ إذا ( إن ) طَرَقَكَ طَارقٌ مِنَّا أتَخرُجُ مَعَه ؟ فَقلتُ لَه : إنْ كَانَ أبَاكَ أو أخَاكَ خَرجْتُ مَعَه ، فَقَالَ لي : فَأنَا أُريدُ أنْ أخرُجَ أجُاهدُ هَؤلاء القَوم ، فَأخرُج مَعِي ، قُلتُ : لا مَا أفْعَل ! جُعِلتُ فِدَاك. فَقالَ لِي : أتَرغَبُ بِنَفسِك عَني ؟ فَقلتُ لَه : إنّمَا هِيَ نَفسٌ واحِدَة ، فَإنْ كَانَ لله في الأرضِ حُجّةٌ فَالمُتَخَلِّفُ عَنكَ نَاجٍ والخارجُ مَعَكَ هَالِك ، وإنْ لَم يَكن لله حُجّةٌ في الأرض فَالمُتَخلِّفُ عَنكَ والخَارِجُ مَعَكَ سَواء ، فَقَالَ لي : يا أبَا جَعفر ! كُنتُ أجْلسُ مَعَ أبي عَلَى الخوان ، فُيلقِمُنِي البِضعَةَ السّمينَة ، ويُبَرِّدُ لِي اللُّقمَة الحارّة ، شَفقةً عَليَّ ، ولَمْ يُشفِقْ عَليَّ مِن حَرِّ النّار ؟! إذْ أخْبَرَكَ بالدِّينِ ولَم يُخبِرنِي بِه ؟! فَقُلتُ له : جُعلتُ فِدَاك ، مِن شَفَقَتِهِ عَليكَ مِن حَرَّ النَارِ لَم يُخبِركْ ، خَافَ عَليكَ أنْ لا تَقبَلَهُ فَتدخُلَ النَّار ، وأخْبَرنِي أنَا ، فإنْ قَبِلتُ نَجوتُ ، وإنْ لَمْ أقبَل لَم يُبالِ إن أدْخُلِ النَّار ! ، ثمّ قُلتُ له : جُعلتُ فِدَاك أنْتُم أفْضلُ أمِ الأنْبياء ؟ قَالَ : بل الأنبياء ، قُلتُ : يَقولُ يَعقوبُ ليوسف (ع) { يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً } ، ثمَّ لَم يُخبِرهُم حَتّى كَانُوا لا يَكيدونَه ولَكِن كَتَمَهُم ذَلك ، فَكَذَا أبُوكَ ! كَتَمَكَ لأنّه خَافَ عَليكَ ، فقال : أمَا والله لَئن قُلتَ ذَلكَ ، لقَد حَدّثنِي صَاحِبُكَ بِالمدينَة : أني أُقتَلُ وأصْلَبُ بِالكُنَاسَة ، وأنَّ عِندَه صَحيفةً فَيهَا قَتلي وصَلبي . فَحَجَجْتُ فَحَدّثتُ أبَا عبد الله (ع) بِمَقالَة زَيدٍ وما قُلتُ لَه ، فَقَالَ لي ك (( أخَذتَهُ مِن بَينِ يَديِهِ ، ومِن خَلفِهِ ، وعَن يَمِينهِ وعَن شِمَالِه ، ومِن فَوقِ رَأسِه ومِن تَحتِ قَدَميه ، ولَم تَترُك لَه مَسلكاً يَسلُكُه )) ) [74] ، وعقّبَ الخوئي في معجمه عند ترجمته لزيد بن علي ، أنّ سند هذا الحديث قوي ! .

تعليق : انظر هذا الحديث كيفَ حمَلَ في طياتّه من الحقائق ما لا يَخفى على اللبيب ، انظُر الإمام زيد يطلبُ من مؤمن الطاق (الأحول ) أن يَخرُجَ مَعه ؟ ومؤمن الطاق يرفض ذلك بقوله : ((لا مَا أفْعَل ! جُعِلتُ فِدَاك )) ؟ فهَل جَهِلَ مؤمن الطاق على جلالة قدره عند الأئمة المعصومين ، وعند الشيعة الجعفرية ، أنَّ الإمام زيد إنّما خرجَ داعياً لأئمته المعصومين باسم الرّضا من آل محمد ، وليسَ لنفسه ؟ وأنَّ أئمته المعصومين راضينَ عن خروج زيد (ع) ؟ أم أنَّ مؤمن الطّاق في زمانه لم يَكن يعرفُ ما عَرفهُ الكليني والصدوق من أنَّ (( زيد لو ظفر لوفّى ))، أيضاً يدلُّكَ رفضُ مؤمن الطّاق الخروج مع زيد ، أنَّ زيد بن علي (ع) فعلاً كان يَدعو لنفسه بالإمامة دون أخيه وابن أخيه ، وهُو قولُ الزيّدية ، والثابتُ عن زيد بن علي!! ، ويدلّ على ذلك تعقيبُ الأحول بأنْ ليسَ معك حُجّة والخارج معك والقاعد عنك سواء، وهُو تلميحٌ وتصريحٌ بعدم وجود الإذن معَ زيد من الصادق (ع) بالخروج ، وإن قيل : قد يكونُ الأحولُ حينها لا يعرفُ بإذن إمام الزمان له بالخروج والدعوة لهم باسم الرضا من آل محمد ؟ ، نقول : يدلّ تشجيعُ الصادق (ع) للأحول عندما أخبرَهُ بخبرِه مع زيد ، أنّ الصادق كان مسروراً بفعل مؤمن الطاق الأحول ، وبهذا يستقيمُ ما قُلناه آنفاً ، أيضاً انظُر اعتراف زيد بجهله بالحجّة عليه في زمانه ، وأنّ أباهُ لَم يُخبرهُ بذلكَ معَ حرصِه عليه ، وانظر حليفُ القرآن ، وخرّيج بيت زين العابدين والباقر ، يجهلُ من كتابِ الله ، ما يعلمهُ مؤمن الطاق !! ، بل انظُر تعليل مؤمن الطّاق ، لعدم تعليم زين العابدين ابنه زيد مَن هُم الحُجَج ، بأن خافَ عليه ألاّ يقبلَ هذا ؟! ، ولا أرى شناعةً في القول بعد قول شيطان الطّاق هذا ، حتّى أنّ السيد الخوئي في معجمه استنكرَ هذا المقال فقال عنها ، : ((بيان ذلك : أن الأحول كانَ مِن الفضلاء المُبرزين ، وكانَ عَارِفَا بِمَقَامِ الإمامة ومَزاياها ، فَكيفَ يُمكِنُ أنْ يَنسِبَ إلى السَّجاد (ع) أنّه لَم يُخبِر زَيداً بالإمامِ بَعدَه شَفَقةً مِنهُ عليه ، وهَل يَجوزُ إخفاُء الإمَامة مَن جِهَة الشَّفَقَة النّسبية ، عَلى أنَّ زَيداً والعياذُ بالله لو كان بحيثُ لَو أخْبرَه السّجاد (ع) بالإمامِ بَعدَهُ لَم يَقْبَله ، فَهُوَ كَانَ مِنَ المُعانِدِين! ، فَكَيفَ يُمكِنُ أنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مَورداً لِشَفَقَةِ الإمام (ع) )) ، أقول : سيدي الخوئي يبدو أنّ كلام الأحول صحيح! حيثُ أنّ الأئمة المعصومين لَم يُخبروا أبناءهم بإمامة إخوتهِم ؟ لَن أقولَ بالنص الظاهر المشهور المسَلسَل الذي لا يصحّ أن يجهله عَوامّ الشيعة فضلاً عن أبناء الأئمة!! ، ولكن أقول بالوصيّة كما تعوّدت عليه الإمامية حينها ، ووجه الصّحة في قولِ الأحول ، أنّ زيداً لَم يكن يعلمُ إمامة أخيه الباقر وابن أخيه الصادق ، وعبدالله الأفطح وعلي العريضي ومحمد بن جعفر لَم يكونوا يعرفون إمامَة أخيهم الكاظم ، وكذلك إبراهيم الجزار لم يكن يعرف إمامة أخيه علي الرّضا !! ، أمّا عن كيفية أن يكونَ زيدٌ من المُعاندين المُنكرين للإمامة الرّبانية النّصية في أهلها ، وفي نفس الوقت يكون مَورِداً لشفقة الإمام (ع) ، فكذلكَ رويتَ أيها السيّد في مُعجَمك أنّ جعفر الصادق (ع) كان يبكي شفقةً على الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله (ع) ، معَ أنّه مِنَ المُعاندين ، المُنكرين ، لإمامة الصادق الإمامة الرّبانيّة ، بل مِنَ المُدّعين للإمامة في ذلك الزّمان ، وذلكَ بإثباتكَ وجزمكَ عليه[75] ، والله المستعان . نعم ! نعودُ للحديث المرويّ عن الأحول ، فنقول: انّه يَدلّ على عدم وجودِ نصٍّ على الأئمة الإثني عشر ، بل أنَّ محور القضية تدور حول الوصيّة .

وبهذا القدر نكتفي في الكلام عن حديث الإثني عشر خليفة ، وتكونُ خلاصته ، معرفة أقصى ما يتحمّلهُ من طريق أهل السنة ، وعدم صحّة ثبوته عن الجعفرية من خلال إثباتِ عدمِ اشتهاره ، وتطبيقه ، في أوقات أئمتهم (ع) ، وأنّه ما تبلورَ كنصّ اثني عشريٍّ مُتسلسل إلى في عصر ما بعد الغيبَة ، وبهذا يبطلُ الاحتجاج به كدليلٍ على صحّة الغيبة للإمام المهدي (ع) .

نعم ! ، وبهذا القدر من الجواب نكتفي ، مُصلّين ومُسلّمين على سيّد الرسل أجمعين ، محمد بن عبدالله النبي الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .


صورة

===================

[52] صحيح مسلم ح1822 .

[53] صحيح البخاري ح6796 .

[54] سنن الترمذي ح 2223 .

[55] مسند أحمد بن حنبل ح 20416 .

[56] مسند أحمد بن حنبل ح 20293 .

[57] مسند أحمد بن حنبل ح 20349 .

[58] مسند أحمد بن حنبل ح 20417 .

[59] سنن أبو داود ح 4279 .

[60] مسند أحمد بن حنبل ح 20528 .

[61] مسند أحمد بن حنبل ح 3772 .

[62] روى أحمد بن حنبل في المسند ح 20347 ، عن جابر بن سمرة قال :سمعت رسول الله (ص) أو قال : قال رسول الله(ص) : (( يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، قال : ثم رجع إلى منزله فأتته قريش فقالوا :ثم يكون ماذا ؟ قال :ثم يكون الهرج )) .

[63] مستدرك الحاكم ح 6589 .

[64] تعليقات على الإمامة عند الإثني عشرية ، ص 67

[65] - الخصال ، 218 . غيبة النعماني ، ب13ح41

[66] - تفسير فرات ، ص274 ، ضمن تفسير سورة الحج .

[67] - كفاية الأثر ، 284 .

[68] - إعلام الورى بأعلام الهدى ، 1/518

[69] - عيون أخبار الرضا م1ب4ح6

[70] - كمال الدين ، 2/334 .

[71] - الكافي للكليني ، 1/ب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى ح3

[72] - الكافي للكليني ، 1/ب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى ح15

[73] - عيون أخبار الرضا م1ب6ح1 ، كمال الدين ، 2/305

[74] الكافي للكليني ، في باب الاضطرار إلى الحجة ، ح5 ، ونقله عنه الخوئي في معجمه ( ترجم زيد بن علي ) ، وقال سنده قوي .

[75] انظر معجم رجال الخوئي ، ترجمة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة الثانية والعشرون :

الزيدية تقول أنّ الإمامة في صالحي ذرية الحسن والحسين الدّاعين إلى الله ، فمَا هُو دليلهُم من الكتاب والسنّة ، و لماذا عارَضَت الزيدية تخصيص الجعفرية أهل ابيت في اثني عشر إماماً ، وادّعت عليهم مُخالفَة الكتاب بهذا التخصيص ؟ أيضاً بيّنوا لنَا عقيدة الاصطفاء الإلهي لأهل ليت رسول الله (ص) ، وأثبتوا قولَكم في تعميم الاصطفاء الإلهي لجميع ذرية الحسن والحسين ، واذكروا أيضاً مُعتمَدَكُم في إبطالِكم قول الجعفرية بتخصيص الاصطفاء الإلهي لاثني عشر شخصاً من أهل بيت رسول الله (ص) . أحيطوا رحمَكُم الله ، بجوانب المسألة بالتفصيل .

الرد :

((نطلب من القارئ الكريم ، أن يَربط جزئيات هذا الرد ببعضه البعض ، بمعنى : يحتاج لمزيد تمعّن ، فهو خلاصَة حوار زيدي جعفري)) .

كُلّنا يَعلَم ، أنَّ كتاب الله تعالى محفوظٌ من بين يديهِ ومِن خَلفِه ، وهُوَ محلُّ اتفاقِ المُختلفين بالإجمال ، ومحلّ افتراقِهم بالتأويل ، عَصمنا الله وإياكمُ من الإفراط والتفريط في تأويل ( تفسير ) الكتاب العزيز.

وهُنا من شبهة المستبصِر استحضرَنا ، قولُ الله تعالى : (( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير () ثم أورثنا الكتاب الذين اصْطَفَينَا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير )) ، واستحضَرنا تأويل وتفسير فقيه الآل الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) ( ت 247هـ ) ، والذي منه : أنّ الظالم لنفسه : هُو المُرتكبُ للخاطيا والذنوب من أهل البيت ( أبناء الحسن والحسين ) ، والمُقتصد : هُو الزاهدُ العابد المُشتغلُ بنفسه وبربّه ، والسابق بالخيرات : هُو الإمام الداعي إلى الله من ذرية الحسن أو الحسين (ع) ، وكذلكَ كان تأويل الإمام الهادي إلى الحق في القياس .

فتأمّلتُ الآيةَ ثانيةً وثالثة ، فحضرتني أسئلةٌ وأسئلَة أوّجها إلى عموم الجعفرية ، أختصِرها ، في سؤالهم : أليسَ الآيةُ بالمعنى تقول : ثمّ أوَرَثنا الكتاب ، الذينَ اصْطَفَينَا واختَرنَا وانتجَبَنا ، من عِبَادِنا ، فمِنَ هؤلاء الذينَ اصطَفينا وكرَّمنا ثلاثُ طوائف : طائفةٌ ظالمَةٌ لأنفُسهِم ، وطائفةٌ مُقتصدةٌ عابدةٌ زاهدة ، وطائفةٌ سابقةٌ بالخيرات ، داعيةٌ إلى السبيل والمنهج الأقوم .

[ معَ الزيدية في تأويلهم للآية ]

إن قيل : كيفَ نَسبتُم شمول الاصطفاء من الله تعالى للَظَلَمَة، ومَن هُم دونَ مرتبَة السّابقين من المُقتصدين ، أليسَ هذا من نسبَة العَبث إلى الله تعالى ، بأن يصطفي غيرَ الأكفّاء ؟

قٌلنا : إنَّ الاصطفاء والتكريمَ من الله تعالى ، أتى عامّاً ، في ذريّة عليّ وفاطمَة ، وهذا صريحُ الآية ، إذ أنَّ الله اصطفَى هؤلاء العباد ( بطوائفهِم الثلاث ) وفضّلهُم وانتجبَهُم ، إذ هُم مُفضّلونَ على غيرهِم وهُم في أصلابِ آبائهم ، فيكونُ فيهم بعد خروجهِم إلى الدّنيا ، مَن يَظلمُ نفسهُ ويُنزلُها غير مكانها ، ومنهُم مَن يعبُد الله ، يصومُ النّهار ، ويقوم الليل ، مُشتغلُ بنفسه ، ومنهُم مَن برعَ في العِلم وعملَ به ، فهوَ مُجتهدُ في إحياء السّنن وإماتة البدع ، بالدّعوة إلى الله سراً وعلانية ، وهؤلاء أفضلُهُم . وبمعنىً آخرَ نقول : إن الأصلَ في ذريّة فاطمة (ع) ، أبناء الحسن والحسين بعموم ، هُو الاصطفاء ، ثمَّ يَنقسمونَ إلى الأصناف السابقَة الذّكر .

فإن قيل : وضّحوا أكثر .

قُلنا : تأمّلوا سياق الآية ، تجدوا أنّ الاصطفاء شملَ الطوائف الثلاث .

فإن قيلَ : هذا يُلزمُكُم أن تؤمنوا باصطفاء الله للظالمين المُعتدين ! .

قُلنا : أقرّوا لنَا أوّلاً ، أنّ الاصطفاء يشملُ هؤلاء الطّوائف الثلاث . فإن أقررتُم ( ولابدّ أن تُقرّوا هَدمتُم أصلَكُم ) ، فعندَها نقول تكريراً : إنَّ الاصطفاء من الله كانَ لعبادٍ مَخصوصين ، هُم أهل البيت (ع) ، وهوَ صريح قوله تعالى : (( ثمَّ أَورَثنا الكتاب الذينَ اصطَفَينا مِن عِبَادِنا )) ، فهُناكَ عِبادٌ مُصطَفَون عُموماً ، الكتابُ مَعهُم ، وهُم ثقل الله وسفينة نوح ، وهُم عندنا أهل البيت (ع) ، أبناء الحسن والحسين ، ثمّ قال تعالى (( فمِنهُم )) أي من هؤلاء العِباد المُصطفَون المُفضّلين في الأصل ، (( ظالمٌ لنفسه )) ، إذ لَم يُقدّر نعمَة الله عليه ، وتشريفَهُ له ، فيكونُ قَد ظلمَ نَفسَه ، ولَم يُقدّر جَعْلَ الله له أهل بيتٍ مُنتجبين مُفضّلين على غيرهم من البيوت ، مَتبوعينَ لا تابعين ، فهُو لا يستحقّ صفَة الإمامَة العُظمى ، لعدم تمسّكه بكتاب الله تعالى وهدي جدّه الرّسول (ص) ، ، (( ومنهُم )) أي مِن هؤلاء المُصطَفين (( مُقتصد )) ، عرفَ حقّ الله أوّلاً ، وشرفَ انتمائه لهذه الأُسرة التي شرّفها الله في كتابه الكريم ، ولكنّه لَم يُبلِ جهده في النّصح للأمّة ، وهُوَبهذا لَم يرتقِ لمقامِ الإمامَة العُظمى في الدّين ، (( ومنهُم )) ، أي منَ هؤلاء المُصطَفين (( سابقُ بالخيرات )) ، وهُوَ السابقُ في العِلم والعَمل من ذرية الحسن أو الحسين ، عالمٌ عامل ، آمرٌ بالمعروغ ناهٍ عن المنكر ، قدر جهدِه واستطاعته ، مع استبسالهِ فيه ، ثمّ قال تعالى : (( ذلكَ هُوَ الفضل الكبير )) ، لأهل هذا المحمّدي العلويّ الفاطمي . وقَد أطَلنا بما هُوَ واضح ، ولَن نَزيد إلاّ مُكرّرين ، فرحمَ الله من أقلَّ ودلّ .

[ معَ الجعفرية في تأويلهم للآية ]


قُلنا : إن كانَ الإصطفاء في هذه الآية خاصّا بالإثني عشر ، أئمّة الجعفرية ، فإنّه لابدَّ لهُم أن يَنفوا عنهُم العِصمَة ، لأنّهم أثبتوا أنَّ فيهم الظالمين للنّفس ، ومَن هُم دونَ مَرتبَة السابقين ، أعني المُقتصدين . وهذا ما ليسَ عليه الجعفريّة قطعاً ، بل إنَّ الإيمان به من هذا الوَجه ، يَهدمُ أصلاً وأصولاً لدى الجعفريّة .

فإن قالوا : الآيَة فيها صِنفَين من العِباد ، عبادٌ مُصطَفَون ، وعِبادٌ غير مُصطفين ، وضميرُ الظالمين للنفس ، والمُقتصدين يعود على العِباد الغير المُصطفين ، وذلك في لفظَة (( من عبادنا فمنهُم )) ، فالظّالمون لأنفُسهم ، أعداء محمد وآل محمد ، والمُقتصدون هُم أتباع محمد وآل محمد ، والسابقين بالخيرات هُم أئمة أهل البيت الإثني عشر . (( ملاحظة ،قد جاء لمثل هذا القول أصل ، في تفسير العسكري )) .

قُلنا : ليسَ هذا لكُم ، ونُطالبُكم بتأمّل الآية وعرضها على أهل اللغة ، فالآية تقول : (( ثمّ أورَثنا الكتاب الذينَ اصْطَفَينا من عبادنا )) ، فالعبادُ المَقصودونَ هُنا هُم المُصطَفون ، والمُصطفون هُم العِباد ، فلا وجه لجعلهِما اثنين ، عبادُ مُصطفون وغير مصطفون ، إذ الاصطفاء شملَ جميعَ هؤلاء العِباد . وتفاوتوا فمنهُم مَن أثبتَ جدارته وأهليته بما ألبسهُ الله من التفضيل ، وغيرهم ظلمَ حظّه ونفسه . وهُوَ قولُنا ، وإقرارُكم به يهدمُ أصلكُم .

فإن قالوا : نعم ! هذه الآيَة نزلَت في أبناء فاطمة خاصّة ، ولكنّ الاصطفاء الخاص لا يشملُهُم جميعاً ، ولكن يخصّ أبناء الحسين التسعة . فالظالم لنفسه : هو الفاطمي الذي لا يؤمن بالإمام المعصوم ، والمُقتصد : هُو الفاطمي المؤمن بالإمام المعصوم ، والسابق بالخيرات : هُو الإمام المعصوم .

قٌلنا : هذه مُجازفةٌ كبيرة ، إذ كيفَ قَسمتُم الاصطفاء هُنا ، فجعلتوهُ عامّاً وخاصاً ، إذ لو قلتُم هُو عامٌ في بني فاطمة ، وخاصٌّ في السابقين بالخيرات منهم ، سواء كان حسنيٌّ أو حُسيني ، لقٌلنا أصبتم ، ولكنّكم جعلتموه عامّاً في بني فاطمة ، ثمّ جعلتموه خاصّا في بني الحسين التسعة !! ، وهذا مُصادمٌ للآيةَ ، إذ الجميعُ مُصطَفين بني الحسن والحسين .

ألا ترى لَو قال والدٌ لأبناءه ، هذا المالُ ، لكم يابني فاطمة دونَ غيركم من أبنائي ، فيختلفونَ بعدهُ فيقسمونَ لأبناء الحسين ثلاثة أرباع ، وربعٌ لأبناء الحسين ، أو يأخذون جيّد البساتين والمزارع ، ويُعطونَ بني الحسن أجدبها وأخسّها ، أكانَ شرعٌ يقول بهذا ، والوصيّة شملت هؤلاء كما شملَت هؤلاء !!!

فكيفَ لكُم معشر الجعفريّة إثبات الاصطفاء للعموم ، ثمّ تخصّون التسعة من العموم ، فتَلوونَ عُنقَ الآية ، وتحمّلوها ما لَم تتحمّلْه .

[ روايات جعفرية ، في تفسير الآية ، والتعليق عليها ]

1- جاء في الاعتقادات للشيخ الصدوق :

(( وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، قال : الظالم لنفسه هنا من لم يعرف حق الاِمام ، والمقتصد من عرف حقه ، والسابق بالخيرات بإذن الله هو الاِمام )) .

تعليق :

هذا التأويل على أصلنا يتحقّق ، إن كانَ المقصود بها الفاطميين ، والإمام من أبناء الحسن والحسين " على تفصيل " ، ولا يتحققّ على أصل الجعفريّة ، لأنّهُ يُسأل الجعفري : مَن هؤلاء الظّالمين للإمام ، والمُعترفين به ؟ أعموم النّاس ؟ أم بني فاطمة ، فإن قال بأحدهِما : قُلنا ، إذاً هُم من المُصطفين ، لشمول الآيَة لهُم ، كمَا اشتمَلت على السّابقين بالخيرات .

2- جاء في الاِحتجاج للطبرسي ج 2 ص 138 :

وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ؟ قال : أي شيء تقول ؟ قلت : إني أقول إنها خاصة لولد فاطمة . فقال عليه السلام : أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة وغيرهم فليس بداخل في الآية ، قلت : من يدخل فيها ؟ قال : الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلى ضلال ولا هدى ، والمقتصد منا أهل البيت هو العارف حق الاِمام ، والسابق بالخيرات هو الاِمام .

تعليق :

أقول هذه من جُملة الافتراءات التي نَسبهَا مُحدّثوا الجعفرية إلى أخيار بني الحسين سلام الله عليهم ، وبها وبأمثالها نفّروا النّاس عن الخروج مع أئمة أهل البيت من الزيدية ، أمثال زيد بن علي وابنه يحيى ، وبني المحض محمد ، فإبراهيم ، فيحيى فإدريس .. إلخ ، والله حَسبنا وإليه المآل ، ففيها من النّصب الخفيّ والجلي الشيء الكثير ، نعم ! هُنا نجدُ قُرباً إلى قولنا في جعل هذه الآية في ولد فاطمَة بعموم ، ولكنّنا نستغربُ التّخصيص بعد التّعميم ، بلا دليلٍ ولا بُرهانٍ مُنير ، ونَعني بالتخصيص هُنا ، هُو تخصيص السبق بالخيرات والإمامة بالتسعة .

فائدَة : هذه الرّواية تردّ على مَن قال أنّ سادات بني الحسن والحسين الثائرين في عهد أبي عبدالله (ع) أو غيره ، كانوا يَدعونَ إلى إمامتهم ، باسم الرّضا من آل محمّد ، إذ كان الصادق قطعاً يقصدُ هؤلاء النّفر من بني الحسن والحسين الخارجين بسيوفهم ، وليسَ في عصره إلاّ زيد بن علي ومحمد بن عبدالله النفس الزكية وأخوه إبراهيم النفس الرضيّة . تنبيهٌ : هذا عندنا مَكذوبٌ على جعفر الصادق (ع) ، وهُوَ مُنزّهٌ عنه .

3- جاء في بصائر الدرجات ص 44 :
حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن ميسر ، عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا . . الآية ، قال : السابق بالخيرات الاِمام فهي في ولد علي وفاطمة عليهم السلام

تعليق :

هذه الرّواية شاهدةٌ للزيدية ، وهوَ قول أئمتنا (ع) ، والباقر من أعيان الذريّة المطهرّة ، لَن يختلفوا عنه ولَن يختلفَ عنهُم .

4- جاء في البحار ج 23 ص 218
:

عن أبي إسحاق السبيعي قال : خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب . . الآية ؟ فقال : ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق ؟ يعني أهل الكوفة ، قال : قلت يقولون إنها لهم ، قال : فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة ؟ ! قلت : فما تقول أنت جعلت فداك ؟ فقال : هي لنا خاصة يا أبا إسحاق ، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت ، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل ، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاء في التائبين وهو مغفور له .

تعليق :

وهُوَ عينُ قولُ الزيدية ، ومَذهبَها ، ( على خلافٍ في جزئيتها الأخيرة ، إذ كلّ نفس بما كَسَبت رهينة ، لا فرقَ بين فاطميّ أو غيره ) .

ملاحظة : الروايات أعلاة مُقتبسَة ، من م 3 لكتاب العقائد الإسلامية والذي رعاه السيد السيستاني .

[ تعضيد لأصل البحث ]


* تفسير السيد محمد حسين الطباطبائي الجعفري لقول الله تعالى (( ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطَفينا من عبادنا فمنهُم ظالمٌ لنفسه ومنهُم مُقتصد ومنهُم سابقٌ بالخيرات )) ، مع العلم أنّ هذا السيّد قد نطق بعقيدة الزيدية في الآية تماماً ، فتأمّل تفسيره الأمثل :

ملاحظة : ما بين الـ [ ] ، هُو زيادةٌ منّي للتوضيح ، [ ما كان باللون الأحمر فهو منّي ] والبقيّة من كلام السيّد.

(( وقيل وهو المأثور [ تأمّل] عن الصادقين ( عليهم السلام ) ، في روايات كثيرة مُستفيضة [تأمّل] ، أنّ المُراد بهم ذرية النّبي (ص) من أولاد فاطمة [ وهُوَ قول الزيدية ، وأولاد فاطمة هُم بنو الحسن والحسين] ، وهُم[ تأمّل] الدّاخلون في آل إبراهيم في قوله : " إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم ..." .... [ إلى أن قال ، مُفسّراً الطوائف الثلاث ] .... وقوله : " فمنُهم ظالمٌ لنفسه ومنهُم مُقتصد ومنهُم سابق بالخيرات " ، يُحتمل أن يكون ضمير " منهُم " راجعاً إلى " الذين اصطَفينا " ، فيكون الطوائف الثلاث ، الظالم لنفسه والمُقتصد والسابق بالخيرات ، شُركاء في الوراثة [تأمّل ، فهذا هُو قولُ الزيدية] ، وإن كانَ الوارث الحقيقي [ من أولاد فاطمة ، بنو الحسن والحسين] العالم بالكتاب والحافظ له ، هُوَ السّابق بالخيرات .

[ إلى أن قال السيّد الطباطبائي ]

وما في الآية من المُقابلة بين الظالم لنفسه والمُقتصد ، والسّابق بالخيرات ، يُعطي أنّ المُراد بالظّالم لنفسه [من ذرية فاطمة ، أبناء الحسن والحسين] : مَن عليه شيء من السيئات وهُوَ مُسلمٌ من أهل القرآن لكونه مُصطفىً ووارثاً [ وهُوَ قول الزيدية ، وتأمّل شمول الاصطفاء للظالم لنفسه في كلام السيّد] ، والمُراد بالمُقتصد [من ذرية فاطمة ، أبناء الحسن والحسين] : المتوسّط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق . والمُراد بالسابق بالخيرات بإذن الله [من ذرية فاطمة ، أبناء الحسن والحسين ، وهُوَ قول الزيدية دون الجعفرية ، فالجعفرية على كلام السيّد السّابق أثبتت اشتمال الآية على ذرية فاطمة بعموم ، في صفتي الظلم للنفس والاقتصاد ، ثمّ خصّصت صفة السّبق لبطنٍ من بطون ذريّة فاطمة ، بل لجزءٍ من بطن الحسين ، مثّله التسعة ، وهذا لا يستقيم ، فإمّا أن يقولوا أنّ المُقصود بالمُصطفين هم ذريّة فاطمة بعموم ، وعليه فعليهم تعميم جميع الطوائف عليهم وتجويز الإمامة في الحسني والحسيني ، وإمّا أن يقولوا أنّ المقصود بالمُصطفين هُم ذرية الحسين التسعة ، ومنهُ ، فعليهم إلصاق جميع الطوائف ( الظالمة للنفس ، والمقتصدة ، والسابقة بالخيرات ) ، في هؤلاء التسعَة ، نعم ! نعود لتفسير السيّد للسابق بالخيرات مَن هُو ، فيقول هُوَ ] : مَن سبَقَ الظالم والمُقتصد إلى درجَات القُرَب ، فهُوَ إمامُ غيره بإذن الله ، بسببِ فعل الخيرات ... إلخ تفسيره )) اهـ من تفسير الميزان ، ج17 ، سورة فاطر .

أقول :

تأمّل آخر كلام السيّد ، وأخصّ بالتأمّل لفظته " بسببِ فعل الخيرات " ، واعلم أخي القارئ أنّ هذا الكلام ينطبق على مذهب الزيدية ، ينتقضُ على مذهب الجعفريّة ، لأنَّ ظاهر كلام السيّد أنّ السّابق بالخيرات ، لم يَكُن لينال درجة الإمامة ، إلاّ بسبب فعله للخيرات ، وهُوَ قولنا ، فمَن نبغَ وبرع من أبناء الحسن والحسين ، ووصل إلى رتبة السّبق بالخيرات ، وعلى رأس هذه الخيرات ، الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، والدّعوة إلى الله تعالى ، فإنّه بهذه الدّرجة استحقّ درجة الإمامة في الدّين والدنيا . هذا واعلّم أنّ سبب جعلنا كلام السيّد المُفسِّر ناقضاً لمذهب الجعفريّة ، هُوَ أنَّ الإمام عند الجعفرية ليسَ بحاجةٍ إلى فعل الخيرات لكي يكون إماماً ، بل إنّ من أئمتهم الأطفال القاصرين عن مرتبة السّبق للخيرات ، وكلام الطباطبائي واضحٌ في أن مقام الإمامة لا يكون لأبناء الزهراء بني الحسن والحسين ، إلاّ بسبب فعلهم للخيرات . فافهم ذلك .


*وهُنا أخي القارئ ، ارتئينَا ، تعضيدَ ما سبَق من كلام العقول ، بما نعتقدُ أنّه أشفى للقلوب والصدور ، وذلك بنقل تفسير سادات بني الحسن والحسين للآية ( من طُرق الزيدية والجعفرية ) ، ليكونَ هذا أقبَل ، وأقرّ للعين ، فنقول ، مُتّكلين على الله سبحانه وتعالى ، جاء عن طريق أهل البيت (ع) :

1- من تفسير فرات الكوفي : ( وهُو تفسيرٌ مشهور عند الجعفرية )

* قال إمام أهل البيت زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت122هـ) :

(( " الظالم لنفسه" : فِيه مَا فِي النّاس . والمُقتصد : المتعبد الجالس . " ومنهم سابق بالخيرات" : الشاهر سيفه )) ، اهـ من تفسير فرات الكوفي ، سورة فاطر .

تعليق : وإشهار السيف كناية عن الظّهور ، والإعلان عن الدّعوة .


2- من طريق الزيدية :

* قال فقيه أهل البيت وعالهم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (ع) (ت247هـ) :

(( ... وقال سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}، وهذه الآية لأهلِ بيت رسول الله (ص) خّاصة [ أبناء الحسن والحسين ]، فالظالم لنفسه: الذي يقترف من الذنوب ما يقترف الناس، والمقتصد: الرجل الصالح الذي يعبد الله في منزله، والسابق بالخيرات: الشاهر سيفه، الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ... )) اهـ ، من جامع آل محمد ، ج6، للشريف الحافظ محمد بن علي البطحاني الكوفي ( من ذريّة الحسن بن زيد بن الحسن ).

3- من طريق الجعفرية :

* قال إمام أهل البيت الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت118هـ) :

(( .. عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في هذهالآية : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا . . الآية ، قال : السابق بالخيرات الإمام فهي في ولد علي وفاطمة عليهم السلام.)) اهـ ، من بصائر الدرجات ، ص44 .


4- من طريق الزيدية :

* قال إمام أهل البيت الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط (ع) (ت298هـ) :

((وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾[فاطر: 32]، فأخبـر بما ذَكَرنَا مِن اصطفَائهم [ أهل البيت ] عَلى الخلق، ثم ميَّزهم فذكر منهم الظالم لنفسه باتباعه لهوى قلبه، وميله إلى لذته؛ وذكر منهم المقتصد في علمه، المؤدي إلى الله لفرضه، المقيم لشرائع دينه، المتبع لرضاء ربه، المؤثر لطاعته؛ ثم ذكر السابق منهم بالخيرات، المقيمين لدعائم البركات، وهم الأئمة الظاهرون، المجاهدون السابقون، القائمون بحق الله، المنابذون لأعداء الله، المنفذون لأحكام الله، الراضون لرضاه، الساخطون لسخطه ، ... إلخ )) ، اهـ من كتاب القياس للإمام الهادي إلى الحق (ع) .

5- من طريق الجعفرية :

* قال إمام أهل البيت الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت118هـ) :

(( عن أبي إسحاق السبيعي قال : خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية : ثمأورثنا الكتاب . . الآية ؟ فقال : ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق ؟ يعني أهل الكوفة ، قال : قلت يقولون إنها لهم ، قال : فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة ؟ ! قلت : فما تقول أنت جعلت فداك ؟ فقال : هي لنا خاصة يا أباإسحاق ، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت [ وأهل البيت هم ذرية فاطمة بني الحسن والحسين ] ، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل ، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاءفي التائبين وهو مغفور له )) اهـ ، من بحار الأنوار ج23 ص 218.

لو قيل : بما أنّكم معشر الزيدية أثبتّم آية الاصطفاء هذه في عموم ذريّة الزهراء (ع) ، وأنّ الأصل في هذه الذريّة الاصطفاء وهُم في أصلاب الآباء ، ثمّ يكون في هؤلاء الذريّة بعد الولادة والتكليف الظالم لنفسه والمُقتصد العابد الصائم ، والسابق بالخيرات العالم العامل المستحق للإمامة ، فهلاّ أخبرتمونا هل كان الله يعلمُ أنّ من هؤلاء الذريّة المُصطَفون في الأصل من سيظلمُ نفسَه وينحرف عن جادّة الطريق المستقيم ، أم أنه تعالى شأنه كان جاهلاً بذلك ؟ إن قلتم ، كان جاهلاً بذلك ! خرجتم من ربقة الإسلام والمسلمين !! ، وإن قُلتم كان عالماً بظلم الظالمين منهم ، فما فائدة الاصطفاء إذاً ؟ وهل تقبلونَ معشر الزيدية أن تنسبونَ إلى الله سبحانه وتعالى أن يجعلَ لبعض عباده فضيلةً مع علمه المُسبق الأزلي بأنّه لا سيصدرُ منه أفعالا تنافي هذه الفضيلة ، وهل هذا إلاَّ العَبَث وعدم الحكمة من الله سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق ذِكرُهُ واعتقاده ؟!! .

قُلنا : قد فهمنا اعتراضكم معشر الجعفرية ، فافهموا جوابنا محفوفين بألطاف الرحمن ، وسنوردُهُ في نقاط :

النقطة الأولى : أنَّ المُلحدَ ( النّافي الحكمة عن الله تعالى ) بناء على كلامكم السّابق ، سيقول : لماذا خلقَ الله الخلق ، وهُوَ يعلمُ أنّ فيهم من سيكفر ويُشرك ويُؤمن ويفسُق عن أمر ربه ، فماذا ستُجيبون عليه ؟ ، إن أجبتُم عليه : بأنّ هذه حكمةُ الله تعالى ، والبلوى من الله للعباد ليحصلوا على الرّياض و الجنان إن هم أطاعوه ، وليصلوا نيران الجحيم والسعير إن هُم عَصوه ، ونحنُ نُسألُ عن فِعلنا ، والله لا يُسألُ فهو العزيز الحكيم . عندها سنقول : وهُوَ جوابُنا مَعَكُم.

قال الله تعالى : (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )) .


النقطة الثانية : انظر قول الله تعالى : (( يا بَني إسرائيل اذكُروا نعمتِيَ التّي أنعَمتُ عليكُم وأنِّي فضّلتُكم على العالَمين )) . على قولكم أخي الجعفري ، فإنّ العتَب يُوجّه إلى الله سبحانه وتعالى ( عن كلّ عتَبٍ وعتاب ) ، وذلكَ عندما فضّل بني إسرائيل ( بعموم ) على أهل عالَمِهِم ، وفيهم الظالم والفاسق ، بل إنّ منهم قتلَةُ الأنبياء ، والله المستعان ، فهل تنسبُ إلى الله العبث عندما فضّل بني إسرائيل وهُم في أصلاب آبائهم ، مع علمه الأزلي بظُلم الظالم منهم ، وتجبر المتجبّر منهم ، فإن قُلتُم : حاشا الله من العبَث . قُلنا : فماذاً إذاً ؟ . فإن قُلتم : إنّ الله أرادَ أن يبتليَ هذه الذريّة ( بني إسرائيل بعموم ) ، وذلكَ عندما فضّلهُم على أهل عالَمِهِم ، ليمحّص مَن يُقدّر هذه النّعمَة التي أنعمَ الله عليهِم بها ، ومَن يَجحَدُ بها ، فمَن نبَغَ من بني إسرائيل ، واجتاز ابتلاء الله له ، وأنزل نفسَهُ الموضع الذي جعلَهُ الله له من الفضيلة على الأنام ، فهذا هُو الذي يستحق أجرَ السّبق إلى الطّاعة . ومَن أنزلَ نفسَه دون المنزلة التي جعلها الله له كان من الظالمين المُعتدين . ومنه فاعلَم أنّ الابتلاء من الله على بني إسرائيل وأهل زمانهم من غيرهِم ، بلاءان اثنان : الأوّل : على بني إسرائيل ، وهَل يَشكروا الله على تفضيل الله لهم على غيرهِم ، فيُطيعوه حقّ طاعته ، أم يَكفروا ويَظلموا ، وسبق أن أشرنا إلى هذا قريباً . والابتلاء الثّاني : على النّاس ، بأن هل يستجيبوا لداعي الله من بني إسرائيل ( إذ هُم المُفضّلون ، ومنهُم الأنبياء ) ، أم أنّهم سيعتوا عليهم ويتكبروا ، كما تكبّر فرعون على موسى صلوات الله عليه ، فموسى مُبتلىً من الله بإبلاغ حجّته ، وفرعونُ مُبتلىً من الله بلزوم إجابة دعوة موسى صلوات الله عليه ، موسى مثّل في كلامنا السابق ، الابتلاء الأوّل ، وفرعون ، مثّل ، الابتلاء الثاني .

قال الله تعالى (( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )) .


النقطة الثالثة : انظر قول الله تعالى : (( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) ، وهُنا أخي الجعفري ، وفي هذه الآية ، فإنّ الأمر لا يتجاوَزُ ما قَد ذكرناهُ سابقاً ، فإن أعلميّة الله الأزليّة بخروج الأنبياء والرّسل والأئمّة والصّالحين من ذريّة آدم ، مع خروج الفسَقَة والظلمَة والمشركين من ذريّة آدم ، لم تَمنعهُ من عدم خلق الخلق ( لوجود المشركين والكفّار إزاء الأنبياء والصالحين ) ، وكذلك مع بني إسرائيل فإنّ تفضيل الله لعموم بني إسرائيل ، لم يَمنعهُ أن كان من هذه الذريّة الظالمين والقاتلين للأنبياء . وهُنا ( وهو محلّ النّقاش معكم ) ، أنّ اصطفاء الله وتفضيله لعموم ذريّة الزهراء (ع) ، لا يمتنعُ بوجود الفاسقين والظالمين فيهم ، لوجود الأئمّة ( من العموم ) الصالحين العالمين العاملين ، الدّاعين إلى الله . فافهم ذلك .

فائدة : نحنُ عندما نقول أنّ عموم ذريّة فاطمة الزهراء ( بطوائفها الثلاث ) مُصطَفَون ، فنحنُ نُريدُ أنّه لَن ينعدِمَ قائمٌ بالحقّ منهم ، بمعنى ، لن ينعدِم صُلحاء أهل هذا البيت أبداً ، وإن انحرف منهم المُتحرفون الظالمون لأنفُسهِم ، فإنَه يُستحال أن يَنحرفوا جميعُهُم ، وبمعنى آخر : أنّهم سيكونون على الحق ما بقيَ التكليف ، و هُم المتبوعين وغيرهم الأتباع .

نعم ! على ضوء الآية السابقة ، فإنّ الله تعالى ، وافق إبراهيم الخليل صلوات الله عليه على جعل الإمامة في ذريّته ، ولكنّه استثنى الظالمينَ منهُم . فالاصطفاء أتى قبلَ الاستثناء . وذريّة إبراهيم ( هي ذريّة محمّد ، هي ذريّة الزهراء (ع) ، بني الحسن والحسين ، لا أنّ بني الحسين التسعة هُم فقط ذريّة براهيم ، المخصوصون بالإمامة ، كما تذهب إليه الجعفريّة ) .

مثال ( يُناسب الآية ) ، ولله المَثلُ الأعلى :

لو قال الوزير للملك ، اجعل الرئاسة والمُلك في ذريّة ابنك إبراهيم ، فأجابه الملك : نعم ! سنجعلها في ذريّة إبراهيم ( وهُنا اصطفاء واختيارٌ لعموم ذريّة إبراهيم ) ، ثمّ استدرَكَ الملك قائلاً ، ولكنّ الظّالمينَ من هذه الذريّة سنمنَعُهُم الرئاسَة لعدم استحقاقهِم لها . ( وهُنا جاء الاستثناء بعد الاصطفاء ) .

ومنه أخي الجعفري ، فإنّ الآية حقاً تُفيد اصطفاء الله لعموم ذريّة الزهراء (ع) ( بطوائفها الثلاث : الظالمة ، والمقتصدة ، والسابقة بالخيرات ) ، ثمّ استثناء الله طائفة الظالمين من استحقاق الإمامة .

وسؤالنا للجعفرية :

كيف خصّصتم آية اصطفاء الله لذريّة إبراهيم ( ذريّة فاطمة الزهراء ، الحسني والحسيني ) وجعلتموها في ذريّة الحسين فقط ، بل في تسعةٍ فقط من ذريّة الحسين !! .

النقطة الرابعة : وهيَ المهمّة إخوتي الجعفريّة ، وفيها سنعقدُ مُقارنَةً بين تفضيل الله لذريّة نبيّه يعقوب (ع) ( إسرائيل ) ، وبين تفضيل الله لذريّة نبيّه محمد (ص) ( ذريّة الزهراء (ع) ) .

ذريّة إسرائيل (ع) ******* *********** ذرية محمّد (ص)

1- فضّل الله عموم ذريّته ****** فضّل الله عموم ذريّته ( بني الحسن
وجعلَ الرّسلَ منهُم -------- والحسين ) وجعل الإمامة فيهم .

2- كانَ من عموم هذه ******* كانَ من عموم هذه الذريّة
الذريّة المُفضّلة في الأصل ----- المُفضّلة في الأصل ظالمين
ظالمين وفاسقين ، ظلموا ----- وفاسقين ، ظلموا أنفُسَهُم
أنفُسَهُم عندما لم يُقدّروا ----- عندما لم يُقدّروا حقّ تفضيل
حقّ تفضيل الله لهم . ------- الله لهم .

3- أنّ النبوّة والرّّسالة ******** أنّ الإمامة والزّعامَة كانت في
كانت في صالحي هذه الذريّة--- صالحي هذه الذريّة .

4- أنّ ذريّة يعقوب (ع) *********** وذريةّ محمّد (ص) انتشرت
انتشرت من 12 سبطاً . -------- من 12 سبطاً .
بنو بنيامين بن يعقوب ، -----------بنو الحسن بن زيد بن الحسن السبط ،
و بنو رؤبيل بن يعقوب ، -----------و بنو عبدالله بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو شمعون بن يعقوب، -------- و بنو إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو يهوذا بن يعقوب ، --------- و بنو جعفر بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو لاوي بن يعقوب ، ---------- و بنو الحسن بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو ايسافر بن يعقوب ، ---- ----و بنو داود بن الحسن بن الحسن السبط ،
و بنو زوبولوت بن يعقوب ، ------- وبنو محمد بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو دان بن يعقوب، ------------ وبنو زيد بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو نفتالي بن يعقوب، ---------وبنو عبدالله بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو جاد بن يعقوب ، ------------وبنو علي بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو أشير بن يعقوب ، --------- وبنو عمر بن علي بن الحسين السبط ،
و بنو يوسف بن يعقوب . ------- وبنو الحسين بن علي بن الحسين السبط .

5- أنّ الله لم يختصّ بالنبوّة ************ أنّ الله لم يختصّ بالإمامة
والرّسالة بطناً دون بطن ، ------ بطناً دون بطن من ذرية فاطمة
من ذراري بني إسرائيل ، ------- الزهراء ، فالصّالحون منهم ،
كما خصّت الجعفرية ---------- والدّاعون إلى الله ، المُستحقّون
بطن الحسين على الحسن، ------- للإمامة ، الحسن بن الحسن ،
فأرسل الله موسى وهارون ------- و زيد بن علي بن الحسين،
وإلياس من ذرية لاوي بن ------ فيحيى بن زيد بن علي ،
يعقوب ، وأرسل يونس من ------- فمحمد بن عبدالله بن الحسن
ذرية بنيامين بن يعقوب ، -------- ابن الحسن ،فأخوه إبراهيم ،
وأرسل داود وسليمان ---------- فالحسين بن علي بن الحسن
وزكريا ويحيى من ذرية ---------- ابن الحسن بن الحسن السبط
يهوذا بن يعقوب .. إلخ . --------- وغيرهم .

6- أنّ أنبياء الله من بني *********** أنّ أئمة أهل البيت ( صُلحاء ذريّة
إسرائيل ، ابتلاهُم الله -------- الزهراء ) ، ابتلاهُم الله بأمّة جدّهم ،
بالفَضل و إبلاغ الحجّة ، ------ حمّلَهُم أمانَة الاحتراق من أجل إحياء
وابتلى أصحابهُم بوجوب --------السنن وإماتتة البِدَع وابتلى
الإذعان لهم ------------ النّاس بوجوب الإذعان لهم ،
--------------------- والائتمام بهم .

نموذج يُجسّد ابتلاء أهل البيت بالنّاس ، وابتلاء النّاس بأهل البيت :

- قال أمير المؤمنين (ع) في النهج : (( أيها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبُكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه )) .


- و قال أمير المؤمنين (ع) في النهج ( عن عموم البلوى ) : (( وكلّما كَانت البَلوى والإختبار أعظم ، كَانَت المثوبة والجزاء أجزَل.))


وبه ينتهي الجواب على اعتراض الجعفري السّابق .


وإن قيل : كيف تنسبون معشر الزيدية ، الاصطفاء بمجرّد النّسب ، الأبناء في أصلاب الآباء ، أوليسَ المعيارُ العملُ والتّقوى .

قُلنا : أخي الجعفري ، أولَستَ تؤمنُ بتفضيلِ الله لرسوله (ص) في أصلاب الرّجال ( معَ أنّ الرّسول لم يَعمَل ولم يَعبُد وهو في صلب آبائه المتقدّمون ) ، وبعد ولادة الرّسول ، وتنبيء الله له ، خاطبَه الله بقوله : (( ولئن اتّبعتَ أهواءهُم بعدَ الذي جاءكَ من العِلم ، مالكَ من الله من وليٍّ ولا نصير)) ، ثمّ ألستَ أخي الجعفري تؤمنُ بتفضيل الله لعلي بن أبي طالب (ع) وهُوَ في صُلب أبي طالب ( معَ أنّ علي (ع) لَم يعمَل ولم يَعبُد في صُلب عبدالمطلّب ) . وعلى الصّادق في صُلب الباقر ، قِس ، والرّضا في صُلب الكاظم ، قِس ، ... إلخ .

نعم ! فالحقّ أنّ الله اصطفى عموم ذريّة الزهراء ، والأبناء في أصلاب الآباء ، فمتى خرجوا على الدّنيا ، وبَلغوا التكليف ، انقسموا ، حسبَ أعمالهم وتقواهم ، فمنهم مَن يظلم نفسه ، ويكون من الظالمين ، ومنهم من يكون من العابدين القانتين فهو مُقتصدٌ ، ومنهم سابقٌ بالخيرات إمامٌ عالمٌ عامل ، آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المُنكر .

وإن قيل : هَبو معشر الزيدية ، أنّا سلمنا لكم ( جدلاً ) ، أنّ المُراد بـ ( الذين اصطَفينا من عبادنا ) ، هُم جميع ذريّة الزهراء ، فهل يعني كلامكم هذا أنّ جميعَهُم قد ورثوا الكتاب ؟ فتكون الواثة إمّا ، امتلاك القرآن ( الموجود ما بين الدّفتين ) وهذا سيُشاركُهُم فيه العامّة ، وإمّا أن تكون وراثة علوم القرآن ، وعلى هذا سيلزمُكُم بأن كلّ من كان من أولاد الزهراء على علمٍ بعلوم القرآن وهذا خلاف الواقع .

قلنا : الكلام هُنا ينقسم ، لأنّا لن نَدعَكُم تُسلّمون لنا تسليماً ( جدليّاً ) ، بل تسليماً المُسلِّم المؤمن ، لأنّا إن فرضنا ( جدلاً ) أنّ الآية لا تدلّ على اصطفاء عموم ذريّة الزهراء ، فأخبرونا مَن هُم الظّالمون لأنفُسهم ، والمُقتصدون ، ممّن اصطفاهُم الله ؟! . وهُوَ وجهُ رسالتنا الأم ، لو تأمّلتموها .

والقسم الثّاني من الإجابة على اعتراضكم ، أنّ وراثة الكتاب ، تعني الإحاطة بعلومه ، من معرفة الناسخ والمنسوخ ، والمتشابه من المُحكم ، ... إلخ ، إلى جانب الفقه وأصوله ، وتجويد العقيدة المحمديّة العلويّة الفاطميّة الصحيحة ، وأمثالها من العلوم التي يحتاجها المُكلّفون من الأتباع .

والقسم الثّالث : أنّ صالحوا العترَة الحسنية والحسينية من المُقتصدين والسّابقين بالخيرات ، دونَ الظّالمين ، هُم عندنا معشرَ الزيدية لن يَنقطعوا ولن يَنعدموا إلى انقطاع التّكليف ، وعُلماءهم التّالون لعلوم الكتاب والسنّة الصحيحة ، سيستمرّوا ما دامَت السّماوات والأرض ، وذلك لحديث الثقلين والسفينة والنجوم ، فهم ثِقل الله الأصغر في الأرض . ومنهُ فإنّ تعميم الاصطفاء على عموم الذريّة ، لا يَعني أن يكونَ جميعُهم وارثين لعلوم الكتاب ، عُلماء عاملين ، إذ لو كانَ كذلك ، لكان بنو إسرئيل بتفضيل الله لهم جميعاً أنبياء ورُسُل ، ولكن يأبى الله إلاّ العَمل والتّقوى لتحقيق الشّرف والفضل .

وإن قيل : مهلاً معشر الزيدية ، في خاطرنا شيء ، عن كيفيّة اصطفاء الله للظالمين ، مع أنّ الاصطفاء في الغالب الكثير ، في كتاب الله ، يأتي للأخيار دون الظّالمين ؟!

قُلنا : تأمّلوا عتاب الله لبني إسرائيل : (( يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ))، وتأمّلوا قول الله تعالى : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )) ، وتأمّلوا قول الله تعالى : (( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) ، فبعد أن تتأمّلوا ، ستجدوا كتاب الله يُجيب ، على أنّا لم نُسرف في القول ، وإنّما قُلنا أنّ الأصل الاصطفاء ( والذريّة في أصلاب الآباء ) ، وأمّا بعد الولادة والتكليف فإنّ الاصطفاء ينحصرُ في المقتصدين والسابقين بالخيرات دون الظّالمين ، لاستثناء القرآن للظالمين . على أنّك لو تأمّلت الآية (( فمنهُم ظالمٌ لنفسه )) ، تجد الظّلم نُسِبَ إلى النّفس ، لأنّ الحسني أو الحسيني عندما يفسق ويظلم فإنّه ظلمَ نفسَهُ حظّها ، وظلمَ نفسَهُ منزلةً شرفها الله بها ، إذ لو كان صالحاً سابقاً بالخيرات ، لكان من أهل الإمامة .

وصدق إمام أهل البيت أحمد بن يحيى المرتضى الحسني (ع) :

إذا ما رأيتَ الفاطميَّ تمرّدا *********** أقامَ على كسبِ المعاصي وأخلدا
فذاك الذي لمّا اكتسى ثوبَ عزّه *********** تبدّل أثواب الدناءة وارتدى


إن قيل : أخبرونا معشر الزيدية ، هل اصطفاء الله لأئمتكم اصطفاء إلهي ؟ ، ثمّ أخبرونا هَل اصطفَاء الله لأنبيائه ورُسله كاصطفاء الله لأئمة أهل البيت من نسل فاطمة ( ذرية الحسن والحسين ) ؟

قُلنا : الإمامةُ عندنا اصطفاءٌ إلهي ، والله سُبحانه وتعالى قد اصطفى أهل البيت ( أصحاب الكساء ) ، وجعلَ الإمامة في أعقابهم إلى يوم القيامة ، فأهل البيت ( بني الحسن والحسين ) مُصطفون إلهياً ، وذلكَ لأنّ الله هُو الذي خصّهم دون بقية الأمّة بآيات الاصطفاء والتطهير ، وأحاديث الثقلين والسفينة والنجوم ، فهم أهلُ بيتٍ قدّمهُم الله واختارهُم . ولو رجعتَ سيّدي الفاضل إلى تفسير السيد الطباطبائي السّابق ، لاتّضح لك ، أنّه وإن عُمّمَ هذا التقديم والاختيار من الله لجميع ذرية فاطمة ، فإنّه في الحقيقة لن يستحقّ هذا التقديم والتفضيل والاصطفاء إلاّ السّابقون بالخيرات ( من بني الحسن والحسين ) .

ثمّ اعلم حفظك الله ، أنّ الله اصطفى أنبيائه ، مُفرداً كلَّ نبيٍّ بالاصطفاء والاختيار ، فأمّا اصطفاء الله لذريّة فاطمة (ص) فإنّه اصطفاء جُملي ، كما نطقَت به الآيات السّابقة ( التي وضّحناها ) ، ثمّ كان المعيار هُوَ العَمَل ، فمَن عمل وارتقى درجة السّابقين للخيرات من هذه الذريّة ، فهو الإمام .

توضيح هام جداً :

ولنا في هذا مُقارنة بذريّة نبي الله إسرائيل صلوات الله عليه ، فإنّ الله اصطفاهُم اصطفاءً جُملياً ، ثمّ أوحى إلى مَن علِمَ صلاحَهُ منهُم بالنبّوة ، وهُنا تأمّل أنّ الله بعدَ أن فضّل جميع ذريّة إسرائيل تفضيلاً جُمليّاً ، فإنّه اختار أنبياءه من عموم هذه الذريّة ممّن علم صلاحَهُم ، حيث لم يُميّز ذريّة بنيامين بن يعقوب عن ذريّة لاوي بن يعقوب كما ميّزت الجعفرية ذرية الحسين عن الحسن ، فكان أنبياء الله مُختارون من قِبَل الرّب جلّ شأنه ، من عموم هذه الذريّة ، لا من خصوصها ، وهُنا فإنّ الله اصطفى ذريّة فاطمة صلوات الله عليها ، اصطفاءً جُمليّاً ، ثمّ حدّدَ معايير في كتابه الكريم ، لمَن يستحقّ الإمامة من هذه الذرية المُصطفاة على العموم ، وعلى رأس هذه المعايير هيَ السّبق بالخيرات ، لأنّا لن نقول بالوحي من الله لهؤلاء الأئمة الفاطميين الحسنيين والحسينيين ، كما كان الله يختار أنبيائه من بني إسرائيل ، لأنّ الوحي عندنا مُنقطعٌ بعد وفاة رسول الله (ص) ، ولن نقول بقول الجعفريّة من النّص الخاص على تسعة أفراد من ذريّة الحسين ، لأنّه لو كانَ ذلك كذلك لمَا احتاج الله سُبحانه أن يُبيّن لنا صفات الذريّة ، لكي يتبيّن لنَا مَن هُو صاحب الإمامَة منهُم ، وذلكَ عندما ذكرَ أنّ مِن هذه الذريّة ظالمٌ لنفسه ، ومنهُم مُقتصد ، ومنهُم سابقٌ بالخيرات ، فافهم ذلك ، فهذا أصلٌ عظيم تزلّ فيه الأقدام ، فلو سلّمنا على شرط الجعفرية ، من النّص على خصوص الذريّة ، لكان الأولى أن تكون الآية الكريمة الشريفة باستثناء صفتي الظلم للنفس والاقتصاد ، فتكون : (( ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا وهم السّابقون بالخيرات !! )) ، وكذلك كان الأولى أن يكون استثناء الله لظالمين من ذرية إبراهيم الذين هم ذرية فاطمة بني الحسن والحسين ، غير موجوداً في الآية : (( وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهن قال إنّي جاعلُك للنّاس إماما ، قال ومن ذريّتي ، قال لا ينال عهدي الظالمين )) ، لأنّه على شرط الجعفرية لا يوجد ظالمين بين أئمتهم ، حتّى يستثنيهم الله ، وكلّ هذا من كتاب الله تعالى ، يُعارض أن يكونَ هُناك أشخاصٌ منصوصٌ عليهم من ذرية الحسن أو الحسين .

إن قيل : أثبتم معشر الزيدية ، أنّ آيات الاصطفاء في قوله تعالى : (( ثّم أورَثنا الكتاب من عبادنا ... الآية )) ، وقوله : (( وإذ ابتلى إبراهيم ربّه ... الآية )) ، لا تَنطبقُ على أُناسٍ مخصوصين منصوصٌ عليهم ، لورود لفظات الظّلم للنفس ، والاقتصاد في الحال ، وكذلك الاستثناء من الله للظالمين ، فهلاّ أخبرتمونا عن حال أمير المؤمنين علي والحسنين ، أأئمّةٌ منصوصٌ عليهم عندكُم ، ثمّ أخبرونَا هَل هُم داخلونَ في آيات الاصطفاء السّابقة ؟ إن قُلتم داخلونَ فيها ، فلمَ عِبتُم علينا قولَنا في أئمتنا التسعة ؟ ، وإن قُلتم غيرُ داخلون في آيات الاصطفاء ، كانَ هذا اعترافٌ منكم بعدم اصطفاء وإمامة هؤلاء الثلاثة ؟.

قُلنا : قد فهمنا اعتراضكم أخي الجعفري ، فافهم الجواب حفظك الله ورعاك ، وجوابنا عليكم نوردُه في نقاط :

النقطة الأولى: أنّ الإمام علي والحسن والحسين ، عندنا معشر الزيدية أئمّةٌ منصوصٌ عليهم .

النقطة الثانية : أنّ الإمام علي في زمانه كان كلّ أهل البيت ، ثمّ الحسن والحسين في زمانهما كانا كلّ أهل البيت ، ( إضافةً إلى رسول الله (ص) وفاطمة البتول الزهراء صلوات الله عليه وعليها ) ، ثمّ أعقبَ الحسن والحسين ، فكانت ذريّتهم إلى يوم الدّين هُم أهل البيت .

النقطة الثالثة : أنّك لو تأمّلت أخي الجعفري سياق آية الاصطفاء في قوله تعالى : (( ثمّ أورَثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهُم ظالمٌ لنفسه ومنهُم مُقتصد منهُم سابقٌ بالخيرات )) ، لوجَدتَ أنّه لا اختلال ولا تعارض ، لَو قُلنا أنّ علي بن أبي طالب والحسن والحسين أئمّةٌ مُصطَفَونَ منصوصٌ عليهم سابقون بالخيرات ، لأنّ علي والحسنين بعضٌ من كل ، بمعنى : أنّ علي والحسنين جزءٌ من أهل البيت ، لا أنّهم هُم كلّ أهل البيت المُرادون بالاصطفاء في الآية ، إذاً فوجود جزءٌ منصوصٌ عليهم سابقون بالخيرات ، ووجود جزءٌ آخَر من أهل البيت مُصطفَون (بعموم) غير منصوص على أشخاصهم ، تُميّزهُم أعمالُهُم ، وبها يرتقون إلى درجة السّبق بالخيرات ، لا يتعارضُ البتّة .

النقطة الرابعة : أنّ الجعفريّة لو قالَت بما أشرنا إليه سابقاً لكان أقوى لها في الحجّة ، ولكنّهم ذهبوا إلى أمرٍ مُتناقض ، فهُم جعلوا علي والحسنين والتسعة من ولد الحسين ، هُم كلّ أهل البيت الذين اصطفَاهُم الله ، بل وزادوا بالنّص عليهم نصّا اسميّاً شخصيّاً ، وعندَها أهمَلوا لفظات الظلم للنفس والاقتصاد في الحال لهؤلاء المُصطفين الإثني عشر ، الذين هُم كلّ أهل البيت المنصوص عليهم ، ثمّ زادوا في التساهل ، بأن أبعدوا ذريّة الحسن بدون مُخصّص ، والآية جاءت في عموم الذريّة . فإمّا أن يُلصقوا هذه اللفظات بهؤلاء الإثني عشر ، وإمّا أن يقولوا (على مذهبهم) أن النّص الاصطفائي جاء في عموم ذريّة الزهراء ، والإمامة في السّابقين بالخيرات ( من بني الحسن والحسين ) ، مع وجود النّص الخاص على الإثني عشر ، ولكنّ هذا النّص لا يَقصر صفة الإمامة فيهم دونَ غيرهم من ذريّة الزهراء ، وإنّما هؤلاء الإثني عشر بعضٌ من أهل البيت ، والبعض الآخر ، فإنّ الإمامة تكون للسابق للخيرات منهم ( من بني الحسن والحسين ) ، وأمّا الظّالمون لأنفسهم ( من بني الحسن والحسين ) ، فإنّهم لا يستحقّوا الإمامة ، ولو قالَت الجعفريّة بهذا لكان أقوى في الحجّة ، ولكنّه سيهدم أصولاً خطيرة من مذهبهِم ، فافهم ذلك .

النقطة الخامسة : وفيها نذكرُ مثالاً ، يوضّح ما قد يكون غامضاً ، وهُوَ على قول الزيدية مُنطبق ، على قول الجعفرية مُنتقض :

لو قال الوزير للملك ، اجعل الرئاسة والمُلك في ذريّة ابنك علي ، ( وعليّ هذا ، لديه أبناء منهم ، الحسن والحسين والعباس وعمر وغيرهم ) ، واجعلها -الرئاسة- أيضاً في الحسن بعد علي ثمّ الحسين بعد الحسن ، ثمّ اجعلهَا في ذريّتهما ، فأجابهُ الملك : نعم سنَجعلُها في علي (نصّ خاص) والحسن (نصّ خاص) والحسين (نصّ خاص) ، وذريّتهم (نصّ عام) ، ولكنّ مَن كانَ ظالماً منهُم ( من ذريّة الحسنين ، المنصوص عليهم نصّاً عامّا ) فإنّ المُلك ليسَ له ، وإنّما هو للسابقين بالخيرات من هذه الذريّة ( أبناء الحسن والحسين ) .

* وهُنا تأمّل أخي الجعفري في مثالنا السّابق ، تجد علي والحسن والحسين ( أصحاب النّص الخاص) ، بعض من أهل البيت ، والذريّة (أصحاب النّص العام) البعض الآخر ، وهُم جميعا أهل البيت ، وعلى مبدأ الزيدية فإنّه سيكونُ في ذريّة المَلك ، ذرية الحسن والحسين ، أصحاب النّص العام ، ظالمين ومُقتصدين وسابقين بالخيرات ، والملكُ قد استثى الظالمين للنفس ، وأقرّ السابقين بالخيرات . إذاً هذا المثال مُنطبقٌ تماماً على عقيدة الزيدية ، وذلك عندما آمنَت بالنّص الخاص على طائفة من أهل البيت ( علي والحسنين ) ، و آمنت بالنص على العام ( على عموم ذرية الحسن والحسين ، فيهم ومنهم ستكون الطوائف الثلاث الظالمة للنفس والمقتصدة والسابقة بالخيرات ) .


النقطة السادسة : وفيها نذكرُ مثالاً ، يوضّح ما قد يكون غامضاً ، وهُوَ على قول الجعفرية مُنطبق ، على قول الزيدية مُنتقض :

لو قال الوزير للملك ، اجعل الرئاسة والمُلك في ذريّة ابنك علي ، ( وعليّ هذا ، لديه أبناء منهم ، الحسن والحسين والعباس وعمر وغيرهم ) ، واجعلها -الرئاسة- أيضاً في الحسن بعد علي ثمّ الحسين بعد الحسن ، ثمّ اجعلهَا في تسعة أولاد من أبناء الحسين (علي ومحمد وجعفر .. إلخ ) ، ولا تُشرك بقيّة ذرية ( الحسن ، والحسين غير التسعة في الرئاسَة ) ، فأجابهُ الملك : نعم سنَجعلُها في علي (نصّ خاص) والحسن (نصّ خاص) والحسين (نصّ خاص) ، والتسعة من أبناء الحسين (نصّ خاص) ، ولن نُشرك أبناء الحسن ، وأبناء الحسين غير التسعة في الرئاسة ، ولكنّ اعلم أيها الوزير أنّ مَن كانَ ظالماً من هؤلاء (علي) و (الحسنين ) و (التسعة من ذرية الحسين ) فإنّ المُلك ليسَ له ، وإنّما هو للسابقين بالخيرات من هؤلاء الإثني عشر .

* وهُنا تأمّل أخي الجعفري في مثالنا السّابق ، تجد علي والحسن والحسين ، والتسعة من أبناء الحسين ( أصحاب النّص الخاص) ، هُم كلّ أهل البيت ( أصحاب الإمامَة ) ، والبقيّة من أبناء الحسن ، وأبناء الحسين " غير التسعة " ليسَ لهُم حظّ في الإمامة لعدم ورود نصٍّ خاصٍّ فيهم ، وهُنا أخي الجعفري نسألُك : مَن هُوَ الظالم لنفسه من هؤلاء الإثني عشر (المنصوص عليهم) ، الذي استثناهُ المَلك من الإمامَة إنْ هُوَ ظلَم ؟! ، ثمّ مَن هُم المُقتصدونَ منهُم ، ومَن هُم السّابقون بالخيرات ، إن قُلتم كلّهم سابقون بالخيرات !! ، فمَن الظّالمين الذين استثناهم الله ، ومَن هُم المقتصدين ؟! إذاً ، فالكلامُ مُنتقض من بدايته إلى نهايته ، ومن نهايته إلى بدايته ، فافهم ذلك رحمك الله .

ملاحظة : على أنّه يجب عليك أن تتذكّر أنّ الآية الشريفة ، لم تُخصّص نسل الحسين ، بل لم تزد التخصيص تخصيصاً في تسعة من نسل الحسين ، وإنّما ضربنا المثال السّابق بعد التساهل والتسليم الجدلي ، وذلك كي ( نبيّن الفرق بين إدخالنا أهلَ النّص الجُملي العام والنص الخاص ، وبين إدخال الجعفرية أهل النص الخاص فقط في آيات الاصفاء السابقة ) .

وبه نختم الكلام على هذه المسألة . راجين من الله أن تكون وصلت الفكرَة واضحةً جليّة .

يتبَع ........
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

يتبَع .......

لو قيل : قد أجبتُم واجتهدتم في التوضيح ، فأخبرونا معشر الزيدية ، لمَ كان علي بن أبي طالب إماماً ، وهُوَ غير داخل في ذريّة الزهراء ؟ وهل اصطفاهُ الله بمجرّد أن نصّ عليه بالامامة ؟ وهل ينطبق عليه معيار العَمَل والسّبق لكي يكون إماماً ، على ضوء قوله تعالى : (( الذين أورثنا الكتاب من عبادنا ... الآية )) ، وكذلك القول في الحسن والحسين ؟

قُلنا : هذه المسألة تنقسم ، فالقسم الأول منها ، هُو ما يخصّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وفيه نقول : أنَّ أمير المؤمنين علي (ع) ، قد خصّصته النّصوص من الله سبحانه وتعالى (في آية الولاية) ، وسنّة الرّسول (ص) في أحاديث (الغدير) و (المنزلة) وأمثالها ، فهُو وإن لَم يكُن من ذريّة الزهراء ، فهُو من أهل البيت الذين جلّلهم كساء الرسول (ص) ، وأهل البيتُ هُم المقصودون بالذريّة ، فعليٌّ (ع) من أهل البيت ، بل هُو أبو الذريّة الفاطميّة (الحقيقي) ، ونحنُ في تصديراتنا السّابقة عندما نقول (ذريّة الزهراء) ، فإنّه لمجرّد التمييز فقط ، إذ فاطمة هي ابنة رسول الله(ص) ، وذريّتها (بني الحسن والحسين) هُم ذريّة الرسول (ص) ، كما كان عيسى ابن مريم صلوات الله عليه من آل عمران ، بنصّ الآية الشريفة ، فافهم ذلك . وعليه فإّنه مُصطفىً من قِبَل الله تعالى ، وذلك حين نطقَ الكتاب العزيز بهذا ، وأعلن الرسول الكريم ، بهذا ، وكذلك كان الحسن والحسين ، أصحاب الكساء ، منصوصٌ عليهم بسنّة الرّسول ( وهُم داخلون في آيات الاصطفاء ، من أصحاب النصّ الخاص ) ، وكذلك كان أهل البيت (ذريّة الحسن والحسين) مُصطَفَون بآيات الاصطفاء ( وهُم أصحاب النّص العام ) ، وبسنّة الرّسول كأحاديث الثقلين والسفينة والنجوم ، وما أُمرنا به من التمسّك بالسّابقين بالخيرات منهم والمقتصدين .

وأمّا القسم الثاني من السؤال : وهُو ما يخص انطباق معيار العمَل والسّبق على علي (ع) ، والحسنين ، ليكونوا أئمّة ، فإنّا نقول فيه : أنَّ علي والحسنين صلوات الله عليهم ، أئمّةٌ منصوصٌ عليهم ، مُستحقّون لدرجة السّابقين بالخيرات ، بأعمالهِم لا بمجرّد النّص عليهم . وجزى الله أئّمتنا نحن الزيدية من بني فاطمة ( أبناء الحسن والحسين ) أفضل الجزاء ، فإنّي طالما طالعتُ في كُتبهم فيما يخصّ جانب أمير المؤمنين والحسنين ، عبارة : ( هُم الأئمّة بالنّص والاستحقاق ) ، وهُم صلوات الله عليهم (علي والحسنين) ، أئمّةٌ منصوصٌ عليهم ، كلّفَهُم الله بتكاليف شرعيّة ، ( على رأسها الأمر يالمعروف والنهي عن المنكر قدر المُستطاع ) ، فازدادوا بعملهِم وطاعتهم لربّهم ، تشريفاً إلى تشريف ، إذ عزّزوا نصّ الله عليهم بالإمامة ، بالوصول إلى درجة السّبق للخيرات ، ولهذا مثالٌ واقعيّ في سيرة مَن هُو أفضل من عليٍّ والحسنين ، بل مَن هُو أفضل من جميع الأنبياء والمُرسلين ، محمد بن عبدالله الصادق الأمين (ص) ، وذلكَ أنَّ الله اختارَهُ واصطفاهُ وأيّده بجبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، بل بملائكة السماء والأرض ، ثمّ كلّفهُ الله بتكاليف شرعيّة ، وحرّصهُ على الإتيان بها ، وحذّره ألا يُخالفَ أمرَه ، وذلك عندما قال في كتابه الكريم : (( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ )) ، فاجتهدَ الرّسول (ص) في إرضاء ربّه ، وإبلاغ حجّته ، حتى أُثر عنه في آخر أيامه ، أنّه حمدَ الله على تمام التبليغ لما أمرَه الله به ، هذا واعلَم أنّ الله سبحانه وتعالى مع اختياره واجتبائه لمحمد صلوات الله عليه وعلى آله ، لم يَكن هذا عُذرٌ لرسول الله (ص) للاكتفاء بهذا الاصطفاء عن فعل الخيرات ، التي بها ينالُ السّبق ، فالرّسول (ص) ، نبيّ الله اجتباءاً واستحقاقاً ، وكذلك كان أمير المؤمنين علي (ع) إماماً بالنّص والاستحقاق بعمله وعبادته لمرتبة السّبق للخيرات ، وكذلك الحسن والحسين إمامان بالنّص وبعملهما وعبادتهما المؤديّة إلى مرتبة السّبق بالخيرات ، وكذلك عموم ذريّة الزهراء ( أهل البيت ) من أبناء الحسن والحسين ، فإنّ عليهم نصٌّ واصطفاءٌ جُملي ، فمَن أوصلَهُ عمَلُهُ إلى مرتبة السّبق بالخيرات كان إمام الله في أرضِه .

فائدة : الإمام علي بن موسى الرّضا (ع) يتحدّث عن صفَة السّبق ، والخيريّة ، والتفَاضل :

1- الإمام علي بن موسى صلوات الله عليه ، يُريدُ إثبات إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، مُناظراً يحيى بن الضّحاك السمرقندي في مجلس المأمون العباسي ، فيتعرّض لمسألَة السّبق بالخيرات ، ويُفسّر معناها ، فيقول الشيّخ الصدوق فيما رواهُ عنه (ع):

(( ... فَقالَ المأمون يا أبَا الحَسن عَرِّفنَا الغَرَض فِي هَذهِ المسألَة. فَقَالَ [ أيّ الرّضا (ع) ] : لا بّد ليَحيي مِن أن يُخبِرَ عَن أئمّته أنّهُم كَذَبوا على أنفُسِهِم أو صَدَقوا ، فَإنْ زَعَم أنّهم كَذَبُوا فَلا أمَانَة لِكَذّاب ، و إنْ زَعَمَ أنّهُم صَدَقوا فَقد قَال أوّلُهم [ يعني أبا بكر] وليتكُم و لَستُ بِخَيرِكُم ، و قَال تَاليه [ عمَر ] كَانت بَيعَتُه فَلتة فَمَن عَادَ لِمِثلِهَا فَاقتلوه ، فَوالله مَا رَضِي [عمر ] لِمَن فَعَل مِثلَ فِعلِهِم إلاّ بِالقَتل ، فَمَن لَم يَكنُ بِخَير النّاس ، و الخَيريّة لا تَقَع إلاّ بِنعوتٍ مِنهَا العِلم ، ومِنهَا الجِهَاد ، ومِنهَا سَائرُ الفَضَائل ، ولَيسَت فِيهِ [ أي في عُمَر] ، و مَنْ كَانَت بَيعَتُه فَلتة يَجبُ القَتلُ عَلى مَن فَعَل مِثلَها ، كَيفَ يُقبَل عَهْدُه [ عهدُ أبي بكر] إلى غَيرِه ...)) اهـ من [ عيون أخبار الرضا م2ب57ح1] .

2- الإمام علي بن موسى صلوات الله عليه، يُحقّق كلام الزيدية ، وهُوَ أنّ سادات بني الحسن والحسين ، ومن ضمنهِم أئمّة الجعفريّة ، لم ينالُوا ما نالوُه منَ الشّرف والرّفعة ، إلاّ بعمَلِهِم وتقواهم ، وأنّهم لن ينالوا الشّرف على سائر النّاس بقربهِم من رسول الله (ص) إلاّ إذا عَمِلوا ، وشرّفوا أنفُسَهُم لتشريف الله لهم ولآبائهم ، فَيعمَلوا بمُستحقّ التشريف الذي أعطاه الله لأهل البيت بعموم ، فيُنزلوا أنفُسَهُم منزلَ المُقتصدين أو السّابقين بالخيرات بأعمالِهِم لا بنصوصِ الله عليهِم بأسماءهِم .

قال (ع) ، مُخاطباً لأخيه زيد بن موسى الكاظم : ((يَا زَيد ، اتقّ الله فَإنّه [ فإنّا] بَلغَنا مَا بَلَغنَا بِالتّقوى فَمَن لَم يَتّقِ الله ، ولَمْ يُراقِبه فَليسَ مِنّا و لَسنَا مِنه ... )) . [عيون أخبار الرضا م2ب58ح6 ]

تعليق : هُنا تأمّل الإمام الرضّا (ع) ، يُشير إلى أنّ منزلتَهُ التي وصلَ إليها في الشّرف والدرجة الرفيعة بينَ النّاس ، ليسَت إلاّ بعمَلِه وتَقواه ، وهُنا لم يَذكُر النّص ، الذي تؤمنُ به الجعفرية و أنّه عندَهُم مَا وصلَ هذه الدرجة الرفيعة إلاّ باختيارِ الله له شخصيّا واسميّا ، ثمّ بعملِهِ وتقواه ، فافهَم ذلك .

3- الإمام علي بن موسى صلوات الله عليه، يُحقّق كلام الزيدية أيضاً ، ويُشير إلى ما أشرنا إليه سابقاً ، أنّ سادات أهل البيت ، بني الحسن والحسين ، مُشرّفون مُفضّلون في أصلاب آبائهم ، فمتى أتَوا على الدّنيا ، فضّلتهُم أعمَالُهُم ، فمَن عملَ صالحاً ازدادِ شرفاً إلى شرف ، ومن عمل طالحاً ظلمَ نفسَهُ وأنزلَها مَنزلاً غير مَنزلِها ، إذاً فمعيار التفاضل بين أهل البيت هُوَ العَمل والتّقوى ، فإنَ عملَ فلانٌ الحسني ما يُوصلهُ لدرجَة السّبق بالخيرات ، كان أفضلَ من فلان الحسينيّ (سواء كان من التسعة أو من غيرهِم ) ، وإن عمِلَ فلانٌ الحسيني ( سواء كان من التسعة أو من غيرهم ) عملاً يُوصله إلى درجَة السّبق فهو أفضلُ من فلانِ الحسني ، وهُنا تأمّل الإمام الرضا روحي له الفداء ، يتكلّم عن شرافَة آبائه ، فيُثبتُ أنّ التقوى شرّفتهُم ، وأنّ طاعة الله رفَعتهُم على غيرهِم من أهل دهرهِم ، وهُنا نفيٌ قاطعٌ للنصّ ، وإثباتٌ لمعيار الزيدية في تفاضل أهل البيت بعضهُم على بعض ، وهو التّقوى ، وأنّهم متى عَمِلوا وأطاعو الله ووصلوا إلى درجات السّبق بالخيرات ، فهُم أفضلُ من غيرهِم ، وأنّ عابدَ أهل البيت أفضل من العباد من غير أهل البيت ، لانّ عُبّاد أهل البيت هُم المتبوعينَ وأولئكَ الأتباع ، ولكنّ عُبّاد غير أهل البيت أفضلُ من ظالمي أهل البيت ، لافتقاد أولئك الحسنيين أو الحسينيون لمعيار التّقوى الذي يُقوّي تفشيل الله لهم وجعلهم متبوعينَ لا أتباعاً ، ويؤيّده كلام الرّضا (ع) الآتي ، والذي رواه عنه الصدوق :

((حَدّثنَا أبو ذكوان ، قَال : سَمعتُ إبراهِيم بن العبّاس يَقول : سَمعتُ علي بن مُوسَى الرّضَا (ع) يَقول : حَلَفْتُ بِالعِتق ألاّ أحْلِفَ بِالعِتقِ إلا أعْتَقْتُ رَقَبَة ، وأعْتَقْتُ بَعدَهَا جَمِيعُ مَا أمْلِك ، إنْ كَان يَرَى [ الرّضا (ع) ] أنّهُ خَيرُ مِن هَذَا ، و أومىَ إلى عَبدٍ أسْودَ مِن غِلمَانِه بِقَرَابَتِي، مِن رَسُول الله (ص) ، إلاّ أنْ يَكونَ لِي عَمَلٌ صَالِح فَأكُونُ أفَضلُ بِهِ مِنهُ )) [عيون أخبار الرضا م2ب58ح11] .

تعليق : هُنا تأمّل أنّ علي بن موسى (ع) ، لم يكن أفضلَ مِن العَبد الأسود ، بقرابتهِ من رسول الله (ص) فقط ، إلاّ أن يكونَ أفضلَ من هذا العَبد عِلمَاً وعَمَلاً ، فهُوَ الأفضلُ ، لقرابته من رسول الله (ص) أوّلاً ، ولعمله وسبقهِ عليه في الفضل ثانياً . وهذا قول الزيدية في سادات بني الحسن الحسين .

* وروي الصدوق عن علي بن موسى (ع) ، ما يُوافقُ كلامنا القريب في بداية الجزئيّة الثالثة ، فقال الصّدوق : (( .. قَالَ رَجُلٌ للرّضا (ع) : والله مَا عَلى وَجه الأرضِ أشَرفُ مِنكَ أبَاً . فقال [ أي الرّضا] : التّقَوى شَرّفَهُم ، وطَاعَةُ الله أحْظَتهُم . فَقَال لَهُ آخَر : أنَتَ والله خَيرُ النّاس . فَقَال لَهَ (ع) : لا تَحْلِف يَا هَذَا !! ، خَيرٌ مِنّي مَنْ كَانَ أتْقَى لله تَعَالى ، وأطْوَعُ لَه ، و الله مَا نُسِخَتْ هَذِه الآيَة {وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ } )) [عيون أخبار الرضا م2ب58ح10 ] .

إن قيل : قلتم معشر الزيدية بأنّ الاصطفاء الإلهي جاءَ عامّا في ذرية علي وفاطمة ، بني الحسن والحسين ، الذين هم آل إبراهيم ، فأخبرونا هل أورثهم (أورث آل إبراهيم) الله النبوّة الإمامة وراثة عامة أولاً ، ثمّ ظهرَ منهم مَن هو فَاسق لم يَستحق؟ أم أنّ الله اصطفى منهم الأنبياء و الأئمّة ومَنعَهَا عَن الفَاسقين ؟

قلنا : الحقّ في المسالة أنّ القرآن يُفسّر بعضُه بعضاً ، وليسَ آيةٌ تنقض آيةً أخرى ، بل تُعزّزها وتقويها ، وقد قرأنا قول الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) فالاصطفاءُ من الله تعالى كان عامّاً ، لذرية إبراهيم، ثمّ استثناهُ الله تعالى بإخراج الظالمين ، وهؤلاء الظالمين فهم المقصودون ، بصفة الظلم للنفس في قول الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)) ، ومنهُ فإنّ الاصطفاء كان عاماً في ذرية إبراهيم (ع) ، اصطفاهم في أصلاب آبائهِم ، فلمّا خرجوا وتُكُلِّفوا انقسموا حسب أعمالهم إلى ثلاث فئات ، فئةٌ سابقةٌ بالخيرات وهم الأئمة ، وفئة مقتصدون عابدون زاهدون ، وفئةٌ ظالمة لنفسها تعمل بالمعاصي . وليس نقول أنّ الله اصطفى للنبوّة (بمعنى اختارَ) أُناساً مُحدّدين من ذريّة إبراهيم ومنعَها عن الباقين ، بُعذرِ أنّ الباقين ليسوا من أهل الإصطفاء ، بل نقولَ أنّ الله اختارَ واصطفى أناساً من أهل الاصطفاء ليقوموا بالنبوّة وذلكَ لمّا عَلِمَ صلاح ومَلَكَة وحُسن سيرة هؤلاء النّاس وفضلهم على سائر المُصطفين ، وهذا أصلٌ مهم ، يجب أن يُتنبّهَ له . فمثلاً ، نحن لا نقول أنّ الله اختار موسى دونَ غيره من بني إسرائيل ، لأنّ غيره ليسوا حقيقون بالاختيار أي ليسوا من أهل الاصطفاء الرّباني ، بل نقول أنّ الله اختار موسى من قومٍ مُصطفونَ في الأصل لأنّه من بني إسرائيل ، اختارَهُ من هؤلاء لمّا عَلِمَ صلاحَهُ لأمرِ النبّوة ، وسبرَ ظاهرَهُ وباطنه فوجدهُ بالنبوّة خليقاً . وهذا الكلام يخصّ الأنبياء الذي كان تعيينُهُم من الله سبحانه وتعالى بالوحي ، والرسول (ص) آخرُهُم ، وقد انقطعَ الوحي بعده (ص) بنص الإمام علي (ع) في نهج البلاغة ، فكانت ذريّة إبراهيم باقية في ذرية محمد ، وذرية محمد فهي ذرية علي وفاطمة ، سادات بني الحسن والحسين ، ومن هذه الذرية يكون الأئمة ، والأئمّة فهم السّابقون بالخيرات في الآية دون الظالمين لأنفُسهِم ، لأنّ الله تعالى قد استثنى الظالمين من الإمامة عندما قال جلّ شأنه : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) وهذا استثناءٌ ظاهرٌ للظالمين من الإمامة .

إن قيل : فما يمنعُ أن يكون آل إبراهيم على قولكم هم جميع ذريّة فاطمة ، بني الحسن وبني الحسين ، وأنّ الله قد اصطفاهُم اصطفاءً عامّاً ، ولكنّ الله قد اختارَ أناساً من المُصطفين هؤلاء ، هم الإثني عشر دون البقيّة ، كما اختار الله أنبياءَهُ من بين المُصطفين عموماً .

قُلنا : قَد رددتُم بهذا على عقيدتكم في أصل الاصطفاء الفاطمي ، ومتى ما آمنتم به فإنّ عليكم أن تؤمنوا بانتفاء النّص على الإثني عشر ، لأنّ خطاب الله تعالى في قوله جلّ شأنه : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) جاءَ عامّا في صلاحيّة جميع الذريّة للإمامة إلاّ الظالمين ، والذرية فمنها الحسني والحسيني ، وليست تُفيدُ تقييداً ولا تخصيصاً ، وكذلك القول في آية فاطِر ، وأمّا على أصل كلامكم أعلاه ، فإنّا لا نُسلّم لكم إلاّ بكتابٍ (قرآنٍ) جديد يُقيّد خروج بقيّة أهل الاصطفاء من الصلاح للإمامة ، عدا الاثني عشر ، كما قيّد الكتاب وقرّر خروج الظالمين منهم (من أهل الاصطفاء) من الاستحقاق للإمامة ، فافهم ذلك أيّها القارئ ، وأعد قراءة ما سبق مراراً وتكراراً ، وتدبّر آي الكتاب العظيم تجدهُ كما قُلنا ، بل ستجدهُ على أصل صاحب القول السابق أوضحُ من الشمس رابعَة النّهار . ولسنا نذكرُ هذا الاحتجاج إلاّ مُتنزّلين على فرض أنّ الجعفرية وأصل مذهبهم يقول بهذا ، وهذا فليسوا يؤمنونَ به ، وليسوا يؤمنون بأهل اصطفاء من بني فاطمة ، أبناء الحسن والحسين غير أئمّتهم . فافهم ذلك ، فإن غالطوا هذا ، أو فإن تحرّر مُتحرّرٌ منهم ، وتركَ التقليد وآمنَ بهذا القول وتجاهل احتجاجنا السّابق ، فإنّه بهذا يحتاج على مذهب الجعفرية لقول معصوم يُصحّح اعتقادَهُ هذا ، لأنّهُ يُستحال أن يكون له قولٌ ولأصحابه قولٌ آخر في الاصطفاء ، ثمّ يدّعونَ جميعاً أنّ أقوالَهُم هي أقوال أئمّتهم الإثني عشر ، وقد سبقَت هذه الظاهرة لدى سلف الجعفرية ، وسَل أهل التحريف منهُم وأهل الإثبات لما بين أيدي المسلمين اليوم ، ثمّ سَل أصحاب إثبات السّهو على المعصومين (ص) ، وعدم إثباته ، مع ادّعاء الجميع أنّهم للأئمّة الإثني عشر تابعون ، ولسنا نُشيرُ هنا إلاّ لأهل البحث والتحرّي ، لا إلى المُقلّدة الباحثين عن الأعذار .


وإن قيل : اتّضح قولكم ، فخبّرونا مالفرق بين الظالم لِنَفسه والفَاسق ؟ لأنّا وجدنا في قولكم السّابق أن الظالمين لأنفسهم يدخلون الجنة وهم مغفور لهم لأنهم من المصطفين مع أنهم هم الفاسقون .

قلنا : الظالم لنفسه هو صاحب المعاصي ، وهو فاسق ، ولسنا نقول أنّ الفاسقين ستُغفرُ ذنوبهُم (إلاّ بتوبة صادقة) بل هي رواية نحكيها جاءت من طريق الجعفرية ، رَواها صاحب بحار الأنوار عن الباقر (ع) ، وقد علّقنا عليها ، فلتُراجَع .

إن قيل : الآية تقول : (( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)) ، المصطفون هم أورثهم الله الكتاب ، والاصطفاء اختيار قليلٍ مِن كثير ، وليسَ اصطفاء الكثير لاختيار القليل .

قٌلنا : فكيف ترونَ اختيارَ الله لبني الإنسان دونَ غيرهِم ليخلٌفوا الأرض وهم الكثير ، ثم يصطفي ويختارُ منهُم القليل للنبوّة و الإمامَة الحقّة ، وكيفَ ترونَ تفضيلَ الله لجميع بني إسرائيل ثمّ هُوَ يختارُ منهُم القليل فيجعلُهم أنبياء ، ألا ترى الله سبحانه وتعالى يُخاطب عتاة بني إسرائيل مُذكّراً لهم نعمائه عليهم ، وتأمّل أنّه يذكُرُهُم ويُدخلُهُم ضمنَ من فضّلَهُم على العالمين وهم العُتاة !! ، وإنّما مثلُهُم كمثل الظالمين لأنفُسهم من ذرية الحسن والحسين المُفضّلين المُصطفين في الأصل ، فيقول جلّ شأنه : ((يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) ، ثمّ كيفَ ترونَ رحمكم الله قول الله في آية الحديد : (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)) ، أليسَ هذا اصطفاءُ كثير ، واختيارُ قليل .

إن قيل : قلتم معشر الزيدية أن آل محمد مُتّبَعون وغَيرُهم لهم أتباع ، إذاً مِن حق الناس مَعرِفَة مَن يَتبعون ، أنتم اتبعتم زيد بن على مَعَ انّه لايعرف انّه متبوع و مصطفَى لكي يتبَعَه النّاس .

قلنا : نعم من حقّ النّاس أن يعرفوا من يتبَعون ، وقد نبّهُهم الرسول (ص) بإذن ربه على ذلك ، عندما قال : (( إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا منن بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )) ، وقوله (ص) : (( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرقَ وهوى )) ، وهذا كلّه حثّ بالتمسّك بأهل بيت رسول الله (ص) ، الذين هم السّابقون بالخيرات من بني فاطمة والمقتصدين دون الظالمين ، ويدخلُ المقتصدون القدوات في هذا ، وليسَ لكم مع هذا أن تنعتوا زيد بن علي (ع) بأنّه لم يكن يعلمُ أنّه مُصطفىً ، بل كان (ع) يعلمُ أنّه من أهل بيتٍ اصطفاهُم الله ، وليسَ يقول هذا إلاّ مَن لم يطّلع على كتاب الصفّوة لزيد بن علي (ع) ، ولم يطّلع على نزرٍ بسيطٍ منه جاء فيه : (( ..فَإن زَعَم مَن خَالفَ آل محمّد [يعني سادات بني الحسن والحسين ] صلى اللّه عليه من أهلِ هَذه القِبلة أنهُم هم الذين أورثوا الكتاب، وأنهُم هم أهل الصَّفوة، وإنمَا ذَكَر اللّه عز وجلّ آل إبراهيم دون آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، فَهُم أولى بآل إبراهيم ، أمْ آل محمّد أولى بآل إبراهيم ؟)) ، وهذا بإثباتٌ أنّ سادات نبي الحسن والحسين هم أهل الصّفوة والإمامة دون غيرهم من النّاس ، بَل قد روَتَ الجعفرية أنّ زيداً (ع) خرجَ مُدّعياً للإمامة على مذهب الزيدية ، ولن يدعوا لها إلاّ وهُو يعتبرُ نفسَهُ من أهل الصّفوة الحسنية الحسينية ، فقد روى ثقة الجعفرية ومُحدّثهم محمد بن يعقوب الكليني في [ أصول الكافي باب الاضطرار إلى الحجة ، ح5 ] عن عن علي بن الحكم عن أبان ، قال أخبرني الأحول ، أن زيد بن علي بن الحسين (ع) بَعَثَ إليهِ وهُوَ مُستخفٍ ، قال : فَأتيتُه ، فقالَ لِي : يَا أبَا جَعفر! مَا تقولُ إذا ( إن ) طَرَقَكَ طَارقٌ مِنَّا أتَخرُجُ مَعَه ؟ فَقلتُ لَه : إنْ كَانَ أبَاكَ أو أخَاكَ خَرجْتُ مَعَه ، فَقَالَ لي : فَأنَا أُريدُ أنْ أخرُجَ أجُاهدُ هَؤلاء القَوم ، فَأخرُج مَعِي ، قُلتُ : لا مَا أفْعَل ! جُعِلتُ فِدَاك. فَقالَ لِي : أتَرغَبُ بِنَفسِك عَني ؟ فَقلتُ لَه : إنّمَا هِيَ نَفسٌ واحِدَة ، فَإنْ كَانَ لله في الأرضِ حُجّةٌ فَالمُتَخَلِّفُ عَنكَ نَاجٍ والخارجُ مَعَكَ هَالِك ، وإنْ لَم يَكن لله حُجّةٌ في الأرض فَالمُتَخلِّفُ عَنكَ والخَارِجُ مَعَكَ سَواء ، فَقَالَ لي : يا أبَا جَعفر ! كُنتُ أجْلسُ مَعَ أبي عَلَى الخوان ، فُيلقِمُنِي البِضعَةَ السّمينَة ، ويُبَرِّدُ لِي اللُّقمَة الحارّة ، شَفقةً عَليَّ ، ولَمْ يُشفِقْ عَليَّ مِن حَرِّ النّار ؟! إذْ أخْبَرَكَ بالدِّينِ ولَم يُخبِرنِي بِه ؟! فَقُلتُ له : جُعلتُ فِدَاك ، مِن شَفَقَتِهِ عَليكَ مِن حَرَّ النَارِ لَم يُخبِركْ ، خَافَ عَليكَ أنْ لا تَقبَلَهُ فَتدخُلَ النَّار ، وأخْبَرنِي أنَا ، فإنْ قَبِلتُ نَجوتُ ، وإنْ لَمْ أقبَل لَم يُبالِ إن أدْخُلِ النَّار ! ، ثمّ قُلتُ له : جُعلتُ فِدَاك أنْتُم أفْضلُ أمِ الأنْبياء ؟ قَالَ : بل الأنبياء ، قُلتُ : يَقولُ يَعقوبُ ليوسف (ع) { يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً } ، ثمَّ لَم يُخبِرهُم حَتّى كَانُوا لا يَكيدونَه ولَكِن كَتَمَهُم ذَلك ، فَكَذَا أبُوكَ ! كَتَمَكَ لأنّه خَافَ عَليكَ ، فقال : أمَا والله لَئن قُلتَ ذَلكَ ، لقَد حَدّثنِي صَاحِبُكَ بِالمدينَة : أني أُقتَلُ وأصْلَبُ بِالكُنَاسَة ، وأنَّ عِندَه صَحيفةً فَيهَا قَتلي وصَلبي . فَحَجَجْتُ فَحَدّثتُ أبَا عبد الله (ع) بِمَقالَة زَيدٍ وما قُلتُ لَه ، فَقَالَ لي ك (( أخَذتَهُ مِن بَينِ يَديِهِ ، ومِن خَلفِهِ ، وعَن يَمِينهِ وعَن شِمَالِه ، ومِن فَوقِ رَأسِه ومِن تَحتِ قَدَميه ، ولَم تَترُك لَه مَسلكاً يَسلُكُه )) ، وقال السيد الخوئي في معجمه وسند هذه الرواية قوي . وروت الجعفرية أيضاً أنّ الإمام زيد بن علي (ع) ، كان يقول على مذهب الزيدية ، ذاكراً أنّه لايستحقّ الإمامة إلاّ السّابق بالخيرات ، وهذا فنفيٌ لمعرفته بالنص الإثني عشري ، وإثباتٌ لاعتباره نفسه من أهل الصفوة ، لأنّه أثبتَ شرعيّة خروجه بل وأثبتَ شرعية وإمامة من استحق درجة السّبق بالخيرات من بني الحسن والحسين ، فيذكر المجلسي في البحار [46/197 ] من عدّة أوجه أنّ زيد بن علي (ع) ، كان يقول : ((ليسَ الإمام مِنّا مَن أرخَى عليه ستره ، إنمّا الإمام مَن شهَر سيفَه)) ، وإشهار السيف كنايةٌ عن إظهار الدّعوة ، وأمّا بخصوص قولكم أنّه لا يعرف أنّه متبوعٌ بمعنى أنّه لا يعلمُ أنّه منصوصٌ عليه ليعلم بذلك أنّه متبوع، فصحيحٌ من جهة ، ولكنّ الأصحّ منه أن تعلموا أنّ الإمام زيد بن علي (ع) ، الذي كان يُسمّى حليف القرآن لشدّة ملازمته له ، كان يرى في نفسه ، ويرى فيه أخوه الباقر والصادق أنّه من السّابقين بالخيرات الدّاعين إلى الإمامة العُظمى ، وقد كان الباقر (ع) يشهد له بالأفضلية على أبناء دهره من بني فاطمة وغيرهم ، وهذه فشهادةُ تجعلنا نُوقن أنّ زيد بن علي (ع) من أصحاب درجة السّبق بالخيرات ، وفي ذلك يقول الباقر (ع) عندما أتاه قوم يستخبروه أمر أخيه وأمر قيامه ، فردّ عليهم باقر علوم الانبياء صلوات الله عليه ، قائلاً : ((بايعوه ، فإنّه اليومَ أفضَلُنا)) روى هذا إمام بني الحسن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ، في كتابه معرفة الله ، فخرج على ذلك زيد بن علي (ع) إماماً ، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر ، واستجاب له خلق كثير ، صمدَ مَن صمدَ منهم ، وخذلَ مَن خذل ، واستُشهِدَ على ذلك رحمة الله ورضوانه عليه وعلى آبائه . أضِف إلى ذلك أن فضل أئمّة الزيدية فمشهورٌ مزبور وعلى رأسهم زيد بن علي ، والأخبار الواردة في نجاتهم ونجاة مَن قاتلَ معهُم ونصرَهُم مأثورة مزبورَة ، وروت الإمامية ما يخصّ زيد بن علي (ع) منهh وأهملَت من دونَه ، بل عابَت عليهِم وسفّهت ثوراتهم تسفيهاً لم تُسفّهه أئمة النواصب ، والله المستعان ، فاقرأ أخي القارئ سيرة شيبة آل الرسول وشيخ بني هاشم عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن ، ابن فاطمة ابنة الحسين السبط ، واقرأ سيرة ابنه محمد بن عبدالله النفس الزكية مع أبي عبدالله الصادق روحي له الفداء ، وانظر بعين الإنصاف ، فإنّك لن تتخيّل (وأنا الضامن) إلاّ سيرة يزيد أخزاه الله مع الحسين ، والله المستعان ، ويزيد على رأي الإمامية فهم النفس الزكية وأبيه ، والحسين فهو الصادق (ع) .

إن قيل : بما أن الامام على منصوص عليه وكذلك الحسن والحسين وتبعهم الناس لأجل أنهم منصوص عليهم إذاً من حق الحسين أن يعرف من يخلفه ومن حق الناس أن يعرفوا من يتبعون . إذاً لا لوم على أبى بكر وعمر وغيرهم إذا تخطوا الإمام على والحسن والحسين عليهم السلام لان الاصطفاء عام ولايوجد أى علامة على أن الإمام على منصوص عليه و لاحتى الحسن والحسين عليهم السلام . إذا كان الله تعالى اصطفى ذرية الحسن والحسين عامة وأورثهم علم الكتاب إذاً فمن حق الناس أن يتظلموا لأنه من حقهم على الله أن يعلمهم مسبقا عن المصطَفين لاتّباعهم .

قلنا : رحمكَ الله أيّها السائل ، فقد وضعتَ يدَكَ على موضعٍ عجزت الجعفرية عن تفهّم خطأه ، وعجزنا عن إيصال فكرته إليهم ، فأنتَ بكلامك هذا شرحتَ لنا حال واقع الجعفرية مع النّص الاصطفائي الإثني عشري ، أنّ النّاس من حقّهم أن يعرفوا الإمام المعصوم بعد الحسين السبط (ع) ، فهل تتوقّع أيّها السائل أنّ هذا على مذهبكم الاصطفائي الفاطمي الفردي يتحقّق ؟! هل تتوقّع أنّ النّاس كانوا عالمين عارفين بأنّ الإمام السجّاد (ع) كان إمامَهم المنصوصٌ عليه من الله ، الواجب عليهم اتّباعَه ؟! هل تتوقّع أنّ محمد بن جعفر الصادق (ع) كان يعلمُ أنّ أخاهُ الكاظم (ع) هُو الإمام المنصوص عليه من الله ، الواجب اتّباعه ؟! هل تتوقّع أنّ زيداً وإبراهيم ابني موسى الكاظم ، كان يعلما أنّ أخاهُما علي الرّضا (ع) إمامهما المنصوص عليه المُصطفى من قِبل الله تعالى ، وأنه يجب عليهما اتّباعه ؟! هل تتوقّع أن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وابنيه محمد بن عبدالله النفس الزكية ، وإبراهيم بن عبدالله النفس الرضية ، كانوا يعلمون مَن هم أئمّتهم المنصوص عليهم من الله (المُصطفَون من الله) وهم المعاصرون لجعفر الصادق ، وهُم الأقربون منه رحماً ؟! ، هل تعلمُ أنّ هؤلاء كلّهم وغيرهم الكثير كيحيى بن عبدالله المحض وأخوه إدريس والحسين الفخي ابن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، ومحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وعيسى بن زيد بن علي (ع) ، هل تعلمُ أنّ هؤلاء كلّهم وهم القريبون من أئمّتك المعصومين نسباً وصهارةً ، بل وهُم العلماء والزّهاد ، بل إنّهم جميعاً أعلامٌ وأئمّة للزيدية ، وما كان يدعوا داعيهم إلاّ وهو بالدّعوة جدير ، وما كان يُبايعهُ سادات بن الحسن والحسين إلاّ بعد أن يستوثقوا أنّه من السّابقين للخيرات المُستحقّين لهذه الدرجة ، فهَل جَهِلَ هؤلاء السّادة ، أبناء الأئمّة ، وبني عمومتهم ، أنّهم ليسوا من أهل الاصطفاء ، وأنّ الإمامة ليسَت فيهِم ، وأنّ الإمام ليسَ هو السّابق بالخيرات الدّاعي إلى الله منهم ، بل الأئمّة هم تسعة أشخاصٍ بعد الحسين ، اختارَهُم الله واصطفاهُم وأخبرَ بأسمائهم ، وهذه الروايات بقيت محفوظةً في صدر مؤمن الطاق وأبو بصير والأئمّة فقط ؟!! لم يعلم النّاس عنها شيئاً ، والله المُستعان ، وهُنا قل أيّها السائل بمدّ الصوت : أنّه من حقّ النّاس أن يتظلّموا على الله عندما لم يُخبرهُم بهؤلاء الأئمّة التسعة ، بل ومن حقّهم أن يتظلّموا على الأئمّة عندما لم يُخبروهم عن أنفُسهِم وأنّهم أئمّة الله في أرضه ، بل كانوا يتكتّمون ويُخفون أمر إمامتهم وحجّيتهم على العباد ، بل ومن حقّ أبناء الأئمّة كمحمد بن جعفر الصادق أن يتسخّط على أبيه عندما لم يُخبرهُ بإمامة أخيه موسى ، لأنّ محمد بن جعفر من أئمّة الزيدية وقد كان يُلقّب بأمير المؤمنين ، وكان يرى أنّ الاصطفاء في عموم أهل البيت (ع) ، وأنّ الدّاعي إلى الله السّابق بالخيرات من بني الحسن والحسين هو الإمام الواجب على النّاس طاعته ، وهو قول الزيدية دون الجعفرية ، وهو قول سادات بني الحسن والحسين ممّن ذكرنا وممّن لم نذكر ، وهُم أوثقٌ في نقل دين أهل البيت وتقريراتهم ، وهُم أعرفٌ النّاس ببني عمومتهم ، وقد نسبهُم بعض الجعفرية وهم الكثير وأقربهُم منّا العلامة الخوئي في معجمه بالغي والاستئثار على بني عمومتهم -يعني أئمة الجعفرية- ، والله المُستعان . ثمّ نسأل السائل ، فنقول : هل تعلمُ أنّ هناك علامةٌ من الله تُخبرُ أنّ المهدي الغائب هُو إمامنا ، مثلاً هل أخبرك الإمام المهدي أنّه حجّة الله ، هل قامَ فيكَ بما يجعلُهُ حجّة عليك يوم التغابن؟! فنحن غداً بين يدي الرحمن سنتظلّم على المهدي لأنّه لم يُقِم حجّة الله علينا وفينا ، والله المستعان ؟! . نعم ! ولستُ أذكُر لك هذا إلاّ لتعلمَ أنّك ستُغظي (إن كنت من أهل التقليد) على هذا الخلل في نظام الجعفرية الإمامي الاصطفائي الفردي الإثني عشري ، وستتيقّظ للإصطفاء العام الزيدي ، وهذا فأبعد ما يكون عن الإنصاف ، ولو تأمّلت ما قٌلنا في المسألة جيّداً لبان لك وجه الصحّة بإذن الله تعالى ، وقد سبقَ الكلام على الدّعوات والفرق بين أن يعرف البعض دعوة الإمام (وأنّ هذا لا يعذر البعض الآخر من عدم معرفته ، لا سيّما والجميع يقرأون كتاب الله ، وبين أيديهم سنّة رسول الله ) ، الفرق بينه وبين ألاّ يعرف الجميع إمامة الإمام الإلهي الرّباني المنصوص عليه ، بل حتّى الإمام الابن فإنّه لا يعلمُ إمامته إلاّ بإخبار وإيصاء أبيه له ، ومع ذلك فإنّ الوصية تكون سريّة تماماً ، لكي لا يقتُلَهُ النّاس !! ، ففرقٌ بين حجيّة الدّعوتين وظهورهما ، وما يُوصلُ إلى معرفة النّاس بها . فالأولى دعوات أئمة الزيدية ، والثانية دعوات أئمة الجعفرية ، وسيأتي لهذا قريباً مزيد بيان فانظره .

إن قيل : مهلا معشر الزيدية ،إن علم الكتاب ليس محصورا على المصطفين فقط فقد أظهرت الحقب السالفة كثير من العلماء من العامة لهم علم فى الكتاب ويتبعهم المسلمين فهل هؤلاء يتبعون الإنسان الخطأ ؟

قلنا : وهذا القول يُوجّه إليكم معشر الجعفرية أيضاً ، فما أجبتم به أجبنا به ، ونزيد الكلام وضوحا بقولنا : أنّ العلم متى خرج عمّا أقرّه إجماع سادات أهل البيت من بني الحسن والحسين ، وهو المعصوم عندنا أعني الإجماع ، فإنّه لا يُعتدّ به ، وأظنّ الجعفرية كذلك تقول في أنّ الفهم الصائب لعلوم الكتاب والسنة وما يتفرّع منها فإنّه ليس إلاّ ما خرجَ عن طريق أئمّتها ، وهذا وجه كافٍ لجوابنا على سؤالكم معشر الجعفرية ، من أنّ العلوم التي استنتجها المستنتجون فإنّها تُعرض على الكتاب والسنّة الصحيحة وإجماع أهل بيت رسول الله (الذين هم سادات بني الحسن والحسين ) ، فما وافق كان ، وما خالف لم يكن ، لأنّهم المُقارنون للكتاب بعلومهم ، والمُقارنُ بالكتاب المُلازمُ له ، أحقّ بالاتباع من غيره ، ولكنّا نسأل الجعفريّة عن علومهم اليوم من أين يأخذوها ؟ هل يأخذوها عن طريق أئمّتهم المعصومين ؟ هل يأخذوها عن طريق المهدي الغائب المعصوم ؟ الظروف الحادثة اليوم في عصرنا هذا وما قبله من أعصار الغيبة الكبرى ، كالفتاوى اليومية المتكررة ، مَن يُشرّع فيها ؟ مَنْ يتجرأ على الإفتاء فيها ؟ هل الإمام المعصوم ، أم الفقهاء ؟ إن قلتم : الإمام المعصوم ، فهذا أمر ستُنكرهُ أنفُسُكم عليكم قبل أن نُنكره ، لعدم وقوعه على حالكم ولا على حالنا ، وإن قلتم : فقهائكم . فهل فقهائكم معصومون عن الخطأ ، مضمون موافقة فتاواهم واجتهاداتهم في علوم الكتاب والسنة ، والحديث من تضعيف وتصحيح ، مضمون موافقة هذا كله منهم لرغبة الإمام المهدي الغائب ؟! ، إن قلتم : نعم . قلنا : فأنتم لن تُكابروا ، وستُقرّوا أنّ هؤلاء الفقهاء يختلفوا في المسألة الواحدة ، وفي الإيراد الواحد ، وفي الفتوى الواحدة ، فكيف يتفّق هذا رحمكم الله ؟! فالظاهرُ لنا وللمسلمين أنّكم أتباع اجتهادات وعلوم الفقهاء من غير الأئمة المُصطفون المُفردين دون بقية بني فاطمة بالإصطفاء. ونُضيف إلى هذا أنّه مشهورٌ عنكم التضعيف والتصحيح لروايات أهل البيت (أئمتكم الإثني عشر ) في مسانيدكم الحديثية ، فمن هو صاحب العصمة الذي لا يُخطئ من الفقهاء الذي يُصحح ويُضعّف لكم أحاديثكم ، ألا تخشوا أن يكون الفقيه الغير المعصوم قد صحّح حديثاً ذا بالٍ في العقيدة المحمدية ، لم يقل به أئمتكم ، فيكون بهذا قد افترى أو ساعد على الافتراء على أئمتكم !! ، أو قد يكون مُضّعفاً لحديث ذا بالٍ في العقيدة المحمدية ، وقد قاله أئمتكم في الحقيقة ، فيكون بهذا مُتعدّيا مُجحفاً ببلاغ أئمّتكم ؟! ، فرحم الله امرء عرف فوقف .

إن قيل : قال الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ )) ، بيّنوا لنا معشر الزيدية ، كلمة (عبادنا) في الآية ماذا تعني ؟ هل تعني جميع من أسلم؟ أم تعني كل ذرية محمد ؟ ثم أخبرونا عن حرف (من) في الآية أليس يعني التبعيض ؟ ثمّ أخبرونا عن المُصطفون هل هم بعض من ذرية آل محمد ؟ ثم إذا كان الله أورث الكتاب لذرية آل محمد عامة ، فأين موقع النّاس من كلمة عبادنا ؟

قلنا : في الحقيقية والحق ، أنّ كلمة (عبادنا) تعني جميع من أسلم ، وأنّ (من) تُفيد التبعيض ، وقد ذهب الشيخ جعفر السبحاني من الجعفرية إلى أنها تفيد التبيين وخالفَ بهذا أئمته المعصومين (بما سبق نقلهُ في جوانب هذا البحث ، وسيأتي طرف منه) ، فيكون بهذا معنى قول الله تعالى في الآية : ثمّ أورثنا فهم علوم الكتاب الذي اصطّفينا واخترنا من عبادنا ، وهنا فتبعيض وتقسيمُ للعباد ، ويزيد التبعيض قوّة قوله جلّ شأنه ، ((فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) أي من قسم العباد المُصطفون ، ((وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ)) أي من العباد المصطفون ، ((وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)) أي من العباد المصطفون ، وليس يُقال أنّ الخطاب هنا خطابٌ عادي يُوجّه إلى عموم النّاس ، لأّن الله يقول في آخر الآية : ((ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)) ، وهذا عندما يُقارن بصفة المدح في أوّل الآية التي تُفيد إيراث الكتاب ، فإنّا تُقوّي كلامنا في استثناء وخروج بقيّة النّاس من هذه الآية عدا المُصطفوَن منهم (منَ العباد) ، وقد سُئلَ الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه عن مَن هُم المُصطفون في الآية ، وذلك في حضرة علماء البلد وفي حضرة المأمون العباسي ، فروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا [ج1ب23ح1] ، ما منه : ((و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان فقال المأمون أخبروني عن معنى هذه الآية : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَاصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)) . فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها . فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ . فقال الرضا ( ع ) : لا أقول كما قالوا و لكني أقول أراد الله عزّ وجل بِذَلك العترة الطّاهرة)) ، وهُنا يُسأل الجعفرية عن أهل الاصطفاء هؤلاء ، الذين هم العترة الطاهرة ، فيُقال لهم : مَن هُم العترة الطاهرة ؟ إن قالوا الأئمة الإثني عشر وفقط . قلنا : فأخبرونا مَن هم السّابقون بالخيرات من الاثني عشر ؟ ومَن هُم المقتصدون من الإثني عشر ؟ ومَن هُم الظالمون لانفُسهم من الإثني عشر؟!! . فأمّا على شرط الزيدية وعلى قول الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ، والهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي (ع) ، وهم القريبوا العهد باين عمهم علي الرضا (ع) ، فأما على شرطهم وشرط أتباعهم فإن قول علي بن موسى الرضا في الرواية الإمامية يتحقق ، فإن السابقون بالخيرات هم الأئمة من بني الحسن والحسين ، والمقتصدون فهم العلماء العابدون من بني الحسن والحسين ، والظالمون لأنفسهم فهم أهل المعاصي من بني الحسن والحسين . ولو تتبع القارئ رواية علي بن موسى الرضا (كاملةً) سيجدُ أنّه يعني بها سادات بني الحسن والحسين جميعاً ، ولا يعني بهم الإثني عشر فقط ، وهذا يردّ على الجعفريّة . وأمّا السؤال عن موقع النّاس (بقيّة العباد الغير مُصطفون) من الآية ، فإنّه سؤالٌ غير مُحتمل ، وإيرادُه باطل ، لأنّ الآية متى خصّت قوماً ، فلا يجوز السؤال أين محلّ القوم الآخرون من الآية ، فمثلاً لو خاطب الله أصحاب موسى في آية ما ، فليس يُقال أين موقع أصحاب عيسى من هذه الآية ، فبعض الآيات يخصّ وبعضها يعم ، وهذه الآية فقد خصّت بني فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وعلى زوجها وعلى أبناءها أخيار بني الحسن والحسين .

إن قيل : إذا كان الإمام على والحسنين منصوص عليهما ، ولم يقبلهم المجتمع الإسلامى ، فكيف بمن جاء به السبق ؟ ثمّ إن التكليف يكون أصعب حسب قاعدة السّبق الزيدية ؟

قلنا : الاصطفاء سر الابتلاء ، وقد جعل الله دار الدنيا دار بلاء وامتحان على بني الإنسان ، وليس لنا أن نعترضَ على ماهو ظاهرٌ ، وله من كتاب الله شاهد ، ومن صحيح سنة رسول الله ظهر مُؤازر ، ومن كلام عترة رسول الله (سادات بني الحسن والحسين) إجماعٌ ظاهر، صرّح الله تعالى باصطفاء نبي فاطمة بعموم ، وحثّت السنّة بالاتفاق على مُقارنة ومُلازمة بني فاطمة الذين هم أهل البيت من بني الحسن والحسين ، مُلازمتهم للقرآن الكريم ، وأنّهم سفينة نوح من تمسّك بإجماعاتهم وتقريراتهم نجا وسعد ، ومن خالفهم تعس وترح ، وأظهر أهل البيت إجماعاً ليس يُناقضُ اوّله آخرهُ ، ولا آخرهُ أولّه ، أنّ على النّاس التمسّك بأهل البيت (يعنون بني الحسن والحسين) وأن يلزموا داعي الله منهم ، وألا يتعدّوا ما أجمعوا عليه وقرّروه . ويُعزّزُ هذا لنا ويُقويه ، ونعني بالتعزيز والتقوية فإنّما هو للفطر السوية الرافضة للتقليد ، أنّ سواد بني فاطمة من أبناء الحسن والحسين ، بل ومن أبناء الأئمة الإثني عشر كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ مَن نقلَ مذهب الزيدية فهم من بني فاطمة أنفُسهم ، كالإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن (169-246هـ) وهو المُعاصر للكاظم وللرضا ووللجواد ، وهو القائل : ((أدركتُ مشيخة ولد الحسن والحسين وما بينهم اختلاف)) ، وكفقيه آل محمد أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ت240هـ) ، وكفقيه الآل الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ت247هـ) ، وكزاهد الآل عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت247هـ) ، وهذا كلّه فباعثٌ لروح البحث لدى القارئ الواعي النبيه المتحرّر من قيود التقليد ، والاغترار بالكثرة ، خصوصاً لو تأمّلَ مذهب الجعفرية ففي الوقت الذي نجد فيه مذهب الزيدية قام على أكتاف ساداتٍ من أهل بيت الرسول قريبوا عهد باهل الفطر السوية السليمة من قدماءهم ، نجد أن مذهب الجعفرية قام على أكتاف الكليني والمفيد والطوسي ومشائخ قم وهؤلاء فليسوا من أهل بيت الرسول ، وليس يُعلم أهل علم وتشمير من بني فاطمة قبل الشريفين الرضى والمرتضى مع الجعفرية ، ومع هذا فهم لم يُوافقوا بني عمومتهم في مذاهبهم ، إذ كان جلّ بني عمومتهم في شرق الأرض وغربها زيدية ، فجدّهم القريب لأمّهم إمام الزيدية في طبرستان أعني الناصر الأطروش ، وبني عمومتهم في اليمن زيدية ، وفي الحجاز زيدية ، وهما تربّيا صغيران غرّان جاهلان على يد المفيد وغيره من العلماء ، والله المُستعان ، فأيّ السلسلة أوثق ، للقارئ الحُكم ، وعليه الجواب (ولو مع نفسه) . نعم ! نعود لما سبق وبدأناه فنقول : أنّ في الاصطفاء العام حكمة من الله تعالى ، نعني عدم تحديد أسماء مُصطفين ، بل الدلالة على عموم اهل الاصطفاء ،وذلك ليزيد النّاس رغبةً في البحث عن علماء بني فاطمة ، والتمييز بين علومهم ، وأسانيد مذاهبهم ، ألا ترى أنّ الشرع خصصّ يوم الجمعة بساعة الإجابة ، ولم يُحدد وقتها ، ومع هذا فإنّه لا يجوز لنا أن نقول أنّ هذا زيادةً في التكليف والمشقّة من الله علينا ، بل نُسلّم ونقول أنّ لله حكمةً في هذا ، منها حثّنا على زيادة التعبّد والمداومة على الذكر . دعكَ من هذا ، ولكن انظر إلى ليلة القدر وما يتحرّاه المسلمون منها في عشر ليال من رمضان ، ولم يُحدّدَ لها يوماً بعينه ، أترى في هذا تكليفاً من الله لنا مع التضييق؟ أم أنّه لا يجوز لنا أن نقول هذا ، ولكن نقول : أنّ لله حكمة في هذا ، وحكمته حثّ الناس على التعبّد في تلك الليال بإكثار ليزدادوا تكفيراً للذنوب ، وغفراناً ورحمة . ونحنُ ما عدونا هذا في قولنا أن لله حكمةً في تحديد طائفة (بني الحسن والحسين بعموم) بالاصطفاء من بين سائر الناس ، وحثّه جل شأنه على التمسّك بهم ، وهنا فلا يجوز لنا أن نقول أن هذا فيه من الله تكليفٌ بما لا يُطاق ، أو تضييق على النّاس ؟ بل نقول لله في هذا حكمة ، هي الحث على معرفة أهل البيت ، والتدبّر والتفكّر فيما يوصل إليهِم ، وما يربطهُم بحبلهم المربوط المُلازم للكتاب ، على أنّ الله في قولنا هذا قد خصّ بني الحسن بابتلاءٍ مع الاصطفاء ، وهو ما يُحقق معادلةً متوازنة تفتّ ما يتذمّرُ منه مُدّعوا التضييق والتشديد من الاصطفاء الإلهي العام الفاطمي ، وهو أنّ الله قد ابتلى بنوا فاطمة سادات بني الحسن والحسين بالسعي في إظهار دين الله والرسول (ص) ، ونشر علومهم ، والقيام بأحكام الله في أوقات الظهور ، ونشر العلم في حال الغمور ، فيمدّوا حبل وصلٍ للنّاس ، والنّاس يسعوا بمد حبل الطّلب ، وهذا فقمّة الإنصاف ، وفيه من الرحمة الإلهية الشيء الكثير ، إذ قد خُتِمَت النبّوة بمحمد بن عبدالله (ص) ، وعلم الله بعلمه الأزلي اختلاف النّاس من بعده ، فحدّد لهم طائفةً (جماعة بني فاطمة سادات بني الحسن والحسين) من بين جميع الناس ، ركزها لهم علماً ، وجعل الهدى في أئمتها وعلماءها وتقريراتها ، وهذا فرحمةٌ من الله كبيرة ، لأنّ المذاهب الإسلامية اليوم كثيرة ، تقلّ إذا تتبّعنا مَن مِنْ جماعة أهل البيت يتبعُ لها ، ثمّ مَن مِن هذه الفرق يُعوّل على أقوال أهل البيت أكثر وأكثر ، ثمّ مَن مِن هذه الفِرق أعرق اتصالاً ، وتجذّراً ، من سالف الزمان إلى يوم النّاس هذا بأهل بيت رسول الله (ص) ، ففي هذا نجاةٌ لمن طلب النجاة ، وفيه تيسيرٌ لمن ادّعى التشديد والصعوبة في التكليف ، ولكن يُسأل مُدّعي التشديد والصعوبة والتكليف إن كان من الجعفرية : أقول الزيدية أشدّ ، أم قولكم في اتباع أئمتكم المُفرَدين بالاصطفاء من بني فاطمة دون غيرهم ، وليسَ لكم ولا للناس سفينةٌ (أي إمام منصوصٌ عليع معصوم مُصطفىً) يركبونها توصلهم إلى شاطئ النجاة ؟ الزيدية تقول علماء وأئمة أهل البيت موجودون على مرّ الأعصار ، يُخالطون النّاس ويُخالطونهم ، فهل ينصبُ الله لنا على مذهب الجعفرية حجّة غابيةً غائبةً غير موجودة ، إن قلتم : إذهبوا إلى الفقهاء . قلنا : ليسوا سفينة نجاة ، فهم غير معصومين (وهذا إلزامٌ على شرطكم ، فليُتنبّه) ، وهم محل اختلاف ، ثم نحن لم نُحثّ إلاّ على الاقتداء بالإمام المُصطفى المنصوص عليه (نعني المهدي) ؟! فإن قلتم : لا تستطيعون ، وحتى نحن لا نستطيع . قلنا : فأي التضييق أشد ، أتضييقنا الذي ادّعوتموه أم تضييقكم ؟! ، فأما على شرطنا فإن لسفينة النجاة مرسى على أرض الواقع ، وأما أنتم فلا مرسى ولا شاطئ لها . ثمّ أضيفوا إلى ذلك إن كنتم تحتجون على النّاس بغيبة عيسى (ع) ومعه الخضر ، فإنّا نقول لكم : أنّ الله أرأف وأرحم من أن يجعل عيسى والخضر على النّاس حجّة وأعلاماً يٌقتدى بها (بمعنى يحتجّ الله بها على النّاس) في حال غيبتهما ، وأمّا أنتم معشر الجعفرية فزدتم على هذا ، بأن قلتم أنّ المهدي هو الحجة على الناس أجمعين ، حجة بلا قيام منه بحجّة !!، والله المستعان . وأمّا إن كان مُدّعي التضييق والتشديد في التكليف من السنّة فإنّا نقول : فأمّا على شرطكم من أنّ اتباع كتاب الله وسنة رسوله هي الدليل على الحق ، دون فلان وعلان ، فإنّ التكليف بهذا يزيد ويزيد ويزداد وسيزداد بمرور الأزمان وتكاثر الأفهام والاستنباطات لأحكام الكتاب والسنّة ، فإنّ مَن هُو اليوم مُتمذهب فإنّه يدّعي الفهم للكتاب والسنّة ، وأنّه هو الذي على الحق ، وأن علماءه (من أيّ جماعة كانوا) هم الأجدرُ بالاتباع، وما السنّة والجماعة إلاّ فرقةٌ من تلك الفرق التي يردّ عليها باقي الفرق فهما للكتاب والسنة ، وأنها على غير سنّة نبويّة . نعم ! ثمّ يُقال لمن ادّعى على الزيدية بقولها بالاصطفاء العام لبني فاطمة ، وأنّ الإمام منهم هو صاحب مرتبة السّبق بالخيرات ، من ادّعى عليها التضييق والتشيد في التكليف الإلهي على البشر ، نقول لهم : فماذا إذاً تنتظرون من الكفّار والمُشركين اليوم ، بعد انقطاع النبوّة ، وبقاء التكليف ، واختلاف المسلمين ؟ نعني ماذا تنتظرون من قولهم في صعوبة التكليف (بل على أصلكم فإن هذا قد يُعدّ من تكليف ما لا يُطاق ، والله المستعان)؟! ، أذكرُ هذا ليكون القارئ معه أدقّ في الحُكم ، وأثبتُ في التمعن والتدبّر ، والحمد لله رب العالمين.

يتبَع .......
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

يتبَع .......

إن قيل : يقول الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)) ، أخبرونا معشر الزيدية ، كيف تمت وراثة الكتاب على شرطكم من اشتمال الاصطفاء لعموم بني فاطمة . بمعنى : هل هي وراثة عامة في الثلاث الطوائف ، ثم لماذا نجد منهم من قد درس على أيدي مشائخ من آل الرسول أو من غيرهم ؟ وإضافةً إلى ذلك ، فإنا نجد اليوم من بني فاطمة مَن هو أمّي لا يستطيع القراءة ولا الكتابة فهل هذا وارثٌ للكتاب ؟ أضيفوا إلى ذلك ، أنّ بني فاطمة الوارثون للكتاب يجب أن يكونوا بحوراً زاخرةً بأسرار القرآن ودقائقه ؟ ويجب أن تكون علومهم لدنّية ربّانية لا يتعلّمونها من غيرهم ؟! ثمّ كيف تجوز صفة الظلم للنفس على مَن هو وارث للكتاب ؟!

قلنا كلامكم هذا متشعبٌ و مُرتبط ، وإجابتنا ستكون شاملة ، ولذا نطلب المزيد من التدقيق والتركيز وربط العبارات والاحتجاجات ، وأول كلامنا هنا هو قولنا : أنّه ليسَ يلزمُ من إطلاق لفظة الاصطفاء على عموم بني فاطمة ، أن يتحقّق في جميعهم وراثة الكتاب ، ولكن المقصود أنّ الاصطفاء هو في بني فاطمة (فهم مُصطفون أصلاً ، أي وهو في أصلاب آبائهم ) ، فمنهُم بعد الولادة والتكليف مَن يُقدّر نعمة الله عليه فيعمل بتشريف الله له ، فيوصله عمله لدرجة السبق بالخيرات ، أو لدرجة الاقتصاد ، ومنهُم من يظلم نفسه ، فيعمل بالمعاصي فيُؤخّرَ نفسهُ ويُنزلها منزلاً كان الله قد شرّفه به ، ولذلك سمّاه الله (ظالماً لنفسه) ، لأنّه ظلمَ نفسَهُ حظّها الذي قد آتاها الله . وأمّا على قولك أخي الجعفري من إلزامك لنا بقولنا بالاصطفاء العام ، هو أن يكون جميع بني فاطمة وارثين للكتاب ، فهُو ما نُلزمُكَ به من ناحية أن يكون جميعُ بني إسرائيل مُفضّلين مُصطفين أهل رسالةٍ ونبّوة ، لا فرقَ بين السّامريّ ولا بين موسى !! ، والله سبحانه فيقول في محكم كتابه ، مُخاطباً جبابرة اليهود : ((يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) ، بل لا نزال نسمع من بعض اليهود اليوم قول : أنّهم شعب الله المُختار ، فإن قلت : هذا لا يُلزمنا ، لأنّ الله فضلّ بني إسرائيل في أصلاب آبائهم السّابقين ، ونظراً لقاعدة التكليف والعمل التي يتساوى فيها العباد، أخضعُهم الله لها ، فمَن عِمَل منهم استحقّ التفضيل واستحقّ الصّدارة في الدّين والدّنيا ، ومن كفرَ فإنّ كُفره عليه عائد وقد أنزلَ نفسهُ حظّها ومنزلتها التي فضّلها الله بها ، ولذلك تجد الله يُذكّر بني إسرائيل علّهم يعودوا لجادّة الصواب ويُقدّروا نعمة الله عليهم ، يُذكّرهم بتفضيلهِ لهم دون بقية النّاس . وهذا فقولنا ،وهو فواضحٌ ولله الحمد ، فإن هو اتضّح لك ، عرفتَ قولنا أنّ الله اصطفى بني فاطمة بعموم وجعل فيهم إرث الكتاب ، وأنّ هذا لا يعني أن يكونوا جميعاً وارثين للكتاب ، ولكنّه يعني أنّ وراثة الكتاب ستبقى فيهم مع أئمتهم السّابقون بالخيرات وعلماءهم المُقتصدون ، يعني هذا أنّ الحقّ سيبقى فيهم ومنهم ومعهم إلى انقطاع التكليف والورود على الحوض . وأمّا لو كان على قولكم من أنّه يلزم أن يكونوا جميعاً وارثين للكتاب مُحيطين به لما كانَ لقول الله جلّ شأنه ، أي معنىً : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)) .

أمّا بالنسبة لقضيّة الدراسة على أيدي المشائخ سواءً كانوا من آل الرسول أو من غيرهِم من أهل المذاهب ، فإنّ هذالا تُنكرهُ الزيدية ، وليسَ يُستنكَرُ على الزيدية ، ونقدّم لهذا بمقدّمة نقول فيها : أّن وراثة الكتاب هي فهمه ، وفهمه فهو الإحاطة بما يحتاجه المُكلّفون في أمور دينهم ودنياهُم منه ، من ناسخٍ ومنسوخٍ ، وأحكام ، ومعاملات، ومحكم ومُتشابه وتأويل ... إلخ ، وليسَ هُو يعني الإحاطة بمكنون علم القرآن المُعجِز ، الذي يُخفي خلفه أسراراً دقيقةً جداً ، يسعُ الرّاسخون في العلم أن يكلوا أمرها الله ويؤمنوا بها . كما تدّعي الجعفرية في صفة أئمتها من العلم بأجزاء الكون الدقيقة ، والعلم بجميع اللهجات ، وعلم منطق الطير ... إلخ من الغلو الذي قد يفقده بعض الأنبياء (ع) ، ولا عجب في هذا ، لأن الجعفرية تؤمن بأفضلية الأئمة على أهل الوحي الإلهي من الأنبياء !! ، نعم ! فإن أنت علمت أنّ وراثة الكتاب إنّما تعني الإحاطَة بما يحتاجه المُكلّفون منه ، فاعلم أنّ للسّابقين بالخيرات والمُقتصدون من العلماء إجماعاتُ على أصولُ في الدّين معلومة ، وهذه الإجماعات فهي معصومةٌ عن الخطأ والزلل ، فالعصمة عند الزيدية لإجماع جماعة بني فاطمة على أصول الدين وفروعه ، لا عصمةٌ على أفرادهم خلا أصحاب النص (علي والحسنين ) ، وإنّما ُقلنا بعصمة فَهْم هؤلاء السّادة المُصطفون للكتاب لأنّ الله أخبرَ أنّهم مع الكتاب ، والكتاب معهم ، فاستُحيلَ عقلاً أن يُجمعَ هؤلاء السّادة على باطل ، فكانَ الأصل في اصطفاء جماعتهم ، وفي عصمة إجماعاتهم عن الباطل ، وأنّه لا ينفكّ خلفٌ بعد سلف من بني فاطمة ، إلاّ وهم على هذه الإجماعات مُحافظون ، وبها قائلون وناشرون ، بل قد زُبِرَت أصولها في كُتب المُتقدّمين ، وأخذ بها المُتأخّرون، ودرسوها ودرّسوها ، تعلّموا منها ، وعلّموها ، فهم بهذا آخذون بعلوم أهل الاصطفاء ، سواء بالقراءة لكتبهم التي دوّنوا فيها فهمَهُم لكتاب الله تعالى ، أو بالتدريس لها مُشافهةً . فإن قيل : فهل يصح للفاطمي أن يتتلمذ على غير الفاطمي ؟ قلنا : نعم ، ولكن بقيود ، شريطة ألاّ يُخالف هذا الفاطميّ التلميذ أصول آبائه سادات أهل البت (ع) ، لأنّه ليس بالضرورة أن يُتابع التلميذُ شيخه بمجرّد القراءة عنده ، فهذا الشريف المرتضى مثلاً درسَ على أيدي المعتزلة وبقيَ جعفرياً ، ونحن كذلك نقول فإنّ الفاطمي قد يدرس على يد غيره ، ولكنه يجب أن يبقى مُتمسّكاً بكتاب الله تعالى وصحيح سنّة الرسول (ص) وبإجماعات أهل البيت المُقرّرة ، وهُو متى خرجَ وحافَ عن الثلاث الأصول فقد ظلمَ نفسَهُ حظّها . ومما يجدر التنبيه عليه هنا أنّ السائل الجعفري ممّا يظهرُ من أسئلته أنّه فَهِمَ وراثة الكتاب على أنّها علمٌ ربّاني لدّنيٌ يُلقى في روعِ الفاطمي (الحسني أو الحسيني) وهذا فمن الغلو ، وهو مُخالفٌ للفطرة التي جُبِلَ البشر عليها ، نعني الجهل فالعلم ، آدم (ع) كان جاهلاً فأعلمَه الله ، موسى (ع) لو كان عالماً قبل النبوّة لما قتلَ المصري ، ومحمّد (ص) لو كان عالماً قبل النبوّة لما احتاجَ إلى جبريلَ أصلاُ لكي ينزلَ عليه على دفعات يُخبره بوحي الله ، ولو كان عالماً قبل النبوّة لما خاطبهُ الله تعالى بقوله : ((وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى)) ، ولما خاطبَهُ الله تعالى بقوله : ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) ، ولما خاطبَهُ بقوله : ((تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)) ، وهذا فهو رسول الله (ص) الذي هو أفضل الأنبياء والرسل ، بل وأفضل من أئمتكم الإثني عشر قطعاً . بل حتّى الإمام علي بن أبي طالب (ع) ثبتَ أنّه كان يتدارسَ مع الرّسول (ص) في بيته ،أكثرَ من غيره من الصحابة ، وهو لهذا كان الأذن الواعية ، لأنّه سمعَ فوعى ، لا لأنّه أُلقيَ في قلبه فوعَى ، والجعفرية فتقول أنّ أئمّتهم مُحدّثين ، وأنّهم يزدادوا في علومهم أن تنزلُ عليهم أخبار السماء وهذا فغلوٌ ظاهر احتواه كافي الكليني وبصائر الصفار وغيرها من ةمسانيد الجعفرية ، بل قد جاءت الروايات أن علوم الأئمة (التي هي ورثهُم للكتاب ) قد تنفذ لولا هذه التحديث والمددَ السماوي والله المستعان ، فانظر ماذا روى الصفار صاحب بصائر الدرجات [ بصائر الدرجات م3ب8ح1و3و4و5و6و7 ] ، ((عن المفضل قال : قال لي أبوعبدالله عليه السلام ذات يوم وكان لايكنينى قبل ذلك : يا أبا عبدالله . فقلت : لبيّك جُعلتُ فِداك . قَال : إنّ لنَا فِي كلّ ليلة جمعة سروراً . قلت : زَادَك الله . ومَا ذَاك . قَال : إنّه إذا كَان ليلة الجمعة وافَا رَسول الله صلى الله عليه وآله العرش ، وَوَافى الأئمّة مَعَه ، وَوَافينا مَعَهُم فَلا تُرَدّ أرواحُنا إلى أبداننا إلاّ بِعلمٍ مُستفَاد ، ولَولا ذَلك لنفدَ مَا عندنَا. )) قلت : واعلم رحمك الله أن المنام ورؤاه فهي من الوحي الإلهي ، والوحي فقد انقطَع ، وهذه الرواية فممجوجةٌ عقلاً إلاّ عند أهل التقليد ، والإمام علي بن أبي طالب (ع) فيقول في النهج ، مُتكلما عن الرسول (ص) : ((أرسله على حين فترة من الرسل، وتنازع من الألسن، فقفى به الرسل، وختم به الوحي،)) ، أضف إلى ذلك أنّ الجعفرية أضافت غلوا آخر في كيفية انتقال علوم الكتاب وإرثهم من الإمام السابق إلى الإمام اللاحق ، فجعلته آخر في دقيقة !! ، فيروي ثقة الجعفرية الكليني [أصول الكافي ج1 باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي كان قبله ح2وانظر ح1و3 ] ، ((عن عبيد بن زرارة وجماعة معه ، قالوا: سَمعنَا أبا عبدالله عليه السلام يقول: يَعرِفُ الذي بَعد الإمام علم مَنْ كَان قَبلَه فِي آخِر دَقيقة تَبقَى مِن روحه.)) وهذا فلا يحتاج لتعليق .

أمّا ما يخصّ ماهية علوم الكتاب التي ورثها بنو فاطمة ، وأنّ هذا يجب أن يعني أنّ علوم أئمتهم قد وصلت الغاية في أسرار الكتاب وشتّى مجالات الحياة ، من فلكٍ وطبٍ ، وكيمياء ... إلخ ، فإنّ هذا مما لا يُقال به ، وهذه فأمورٌ ليس يحتاجهُا المكلّف ، بمعنى أنّها زائدةٌ عن الضرورة في علمها ، وإنّما وراثة الكتاب فهي وراثة مايحتاجه المُكلّف منه ، ويجعلُه على المحجّة البيضاء ، وليسَ ما ذهَبَت إليه الإماميّة في تأويلها للعلم والفهم المحمّدي ، وأنّ ذلك يُلزِمُ أن يكونَ الإمام الفاطمي مُحيطاً بعلوم الرّسول الغيبية والمستقبليّة والمكنونَة ، وليسَ هذا مِن ذاك ، ولنا على كلامنا شاهدٌ تَقرُّ به عينُ الإنصاف ، فقد روى مُحدّث الجعفريّة وثِقَتهُم محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) في الجامع الكافي [أصول الكافي ج1باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ح1 ] العلوم الضروريّة التي يحتاجها المُكلّفون ، فروى بسنده إلى أبي الحسن موسى عليه السلام قال : دَخَلَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله المسجِد ، فَإذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أطَافُوا بِرَجُل ، فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟)) . فَقِيلَ: عَلاّمَة! فَقَال: ((ومَا العَلاّمَة؟)) . فَقَالُوا لَه: أعْلَمُ النّاسِ بِأنْسَابِ العَرَبِ وَوَقَائِعِهَا، وأيّامِ الجَاهِلِيّة، والأشْعَارِ العَرَبيّة، قَال: فَقَالَ النّبي صلّى الله عليه وآله: ((ذَاكَ عِلْمٌ لا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهْ (تأمّلولا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَه )) ، ثمّ قَال النبي صلى الله عليه وآله: ((إنّمَا العِلمُ ثَلاثَة: آيَةٌ مُحكَمَةٌ، أو فَرِيضَةٌ عَادِلَة، أو سُنّةٌ قَائمَة، ومَا خَلاهُنّ فَهُوَ فَضْلٌ)) . أقول : ولا شكّ أنّ أمور الأمّة تستقيم بيدِ الإمام الفاطمي العادل وإن غابَت عنه العلوم الغيبيّة المستقبليّة ، وليسَ يضرّه ولا يضرّ الأمّة شيء بغيابها عنهُم ، ولا يضرّه ولا يضرّ الأمّة أن يكونوا جاهلينَ بتقاسيم الكون الدقيقة ، أو جهلهِم بمنطق الحيوانات وكلامهم ، أو عدمِ إلمامهِم بجميع لغات بني الإنسان على وجه الأرض ، فكلّ هذه الأمور أمورٌ زائدةٌ على العلوم الضروريّة التي تحتاجها الأمّة ، ويحتاجها الإمام لتعليم الأمّة ، والله المستعان ، ولو تأمّلنا أنبياء الله لوجدنا أنّ بعضهُم يخلو من هذه العلوم التي هي أفضالٌ من الله يُعطيها مَن يشاء ويمنعها عمّن يشاء ، فإن أعطاها الله النبيّ الفلاني فليسَ هذا يعني أنّ ذلك النبي الذي لم تكن عندَه ناقصٌ في نبوّته ، أو أنّه ليسَ بنبيّ . هذا مع اتّفاق أهل ملّة الإسلام أنّ الجميع من الأنبياء صلوات الله عليهم ما فَقَدُوا العلوم الضروريّة التي تهمّ المُكلّفين من أُمَمِهِم ، بعكس فقد بعضهِم لتلك العلوم الزائدة على الضرورة ، فافهَم ذلك ، ونُعضّد ما سبقَ من طريق الجعفريّة بما يشهدُ لكلامنا بالصحّة مَا رواه الكليني في الجامع الكافي [أصول الكافي باب أن الراسخون في العلم هم الأئمة (ع) ح2 ] : عن عبدالله بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما عليهما السلام [ هكذا كُتبَت ] فِي قَولِ الله عزَ وجَل: (وَمَا يَعْلَمُ تَأويله إلا الله والرّاسِخونَ فِي العِلم) ، ((فَرَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله أفْضَلُ الرّاسِخِينَ فِي العِلم، قَدْ عَلّمَهُ الله عزّ وَجلّ جِمِيع مَا أنزِلَ عَليه مِنَ التنزِيل والتّأوِيل، ومَا كَانَ الله لِيُنَزّلَ عَليهِ شَيئَاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأويلَه، وأوصِيَاؤه مِن بَعدِهِ يَعَلمُونَهُ كُلّه، والذينَ لا يَعْلَمُونَ تَأويلَه ، إذَا قَال العَالِمُ فِيهِم بِعلمٍ، فَأجَابَهُم الله بقوله : (يَقُولُونَ آمنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رِبّنا) ، والقُرآنُ خَاصّ ، وعَامٌّ ، ومُحْكَمٌ ، ومُتَشَابَه، ونَاسِخٌ، ومَنْسُوخٌ، فَالرّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَعْلَمُونَه )) ، اهـ . أقول : وليسَ هذا إلاّ ما نقول به في صفَة الإمام الزيدي ، وليس غير هذا مطلوبٌ من فهم الكتاب الكريم الشريف .

وأمّا عن كيفية جواز إطلاق صفة الاصطفاء على الظالم لنفسه ، فهي كما جاز أن يُطلق الله صفى التفضيل على عتاة بني إسرائيل.

إن قيل : فما حالُ بقيّة العباد الغير مصطفون ، في قول الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)) ، هل تنطبقُ عليهم الصّفات الثلاث ، السّبق بالخيرات ، والاقتصاد ، والظلم للنفس ، وكيف سيُحاسبُهم الله .

قلنا : حالُ بقيّة النّاس قد وضحّته آياتٌ كثيرة من كتاب الله الكريم ، تتكلّم فيه عن أفضل الصفات التي يجب على المؤمن بعموم أن يكون عليها ، العبادة والعمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والزهد ، والتحذير من المعاصي ، ... إلخ ، فهذه آياتٌ موجّهةٌ للعموم من النّاس ، ألم تسمع الله تعالى يقول مُخاطباً عموم المُسلمين : ((قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً )) ، ويقول جلّ شأنه : ((وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) ، ويقول سبحانه : ((تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا )) ، وقوله عزّ وجل : ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا {الفرقان/63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا {الفرقان/64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا {الفرقان/65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا {الفرقان/66} وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان/67}وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {الفرقان/68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا )) ، ويقول سبحانه وتعالى : ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {العنكبوت/58} الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {العنكبوت/59})) ، وقوله تقدسّت أسماؤه : ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {فاطر/28} إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {فاطر/29} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ {فاطر/30})) ، وقوله جل شأنه : ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) ... إلخ من الآيات المُخاطبَة لجميع النّاس والحاثّة لهم على عمل الصالحات واجتناب المهلكات ، ومنه فإنّه ليس ما يمنعُ من أن تنطبق الثلاث الصّفات على غير الفاطميين ، بالمعنى الذي خاطَبتهُم به بقيّةُ الآيات ، والتي قد ذكرنا بعضاُ منها ، أي أنّه قد يوجد في عامّة النّاس ، عربيّهم وعجميهم ، أبيضهم وأسودهم ، السّابقون بالخيرات ، وصاحب السبق منهم ، فهو صاحب المكانة المنيفة في الدّين ، كالعلم والعمل ، والأمر بالمعروف والنهي بالمنكر على قدر المستطاع ، ولكنّه ليس من أهل الإمامة لأنّ الاصطفاء الإلهي لم يُدخلهُ في هذا ، وكذلك المُقتصدون من عموم النّاس فهم العابدون القانتون الزّاهدون ، وكذلك الظّالمون لأنفُسهم من عموم النّاس ، فهم أصحاب الفسق والعمل بالمعاصي. وكلّ هؤلاء سيُحاسبهم الله حسبَ أعمالهم وإخلاصهم وهِمَمِهِم ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ{الزلزلة/7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة/8} )) ، وهذا فبيّنٌ والحمد لله رب العالمين .

إن قيل : أخبرونا معشر الزيدية ، حسب قاعدتكم بالاصطفاء الإلهي العام في أهل البيت (ع) ، مَن حدَثَ أولاً ، هل ولاية علي (ع) ، أم اختيارُهُ إماماً ضمن الاصطفاء العام ؟ أن قلتم : بالاصطفاء ، فّإن النصّ بهذا يُعتبرُ لاغياً ، لأنّه من المفروض أن يأخذ إمامته بالسّبق لا بالنّص ، وسيكون أيضاً معه ( النّص مع الاصطفاء) نصّا غير جلي .

قلنا : سنتكلّم في هذا حسب الترتيب الزمني للوقعات والمواقف ، لا حسب علم الله الأزلي ، فالمعلوم أنّ الله اصطفى آل إبراهيم على العالَمين ، وبقيّة آل إبراهيم هم أهل بيت محمد بن عبدالله (ص) ، الذين هم ذريّة رسول الله (ص) ، الذين هم ذريّة علي وفاطمة ، وأخبرَ جلّ شأنه أنّ الإمامة في أهل البيت (ع) بعموم عدى الظالمين منهم ، بل وزاد في توصيف هذه الطائفة ، بأن قسّمهم إلى ثلاثة أقسام ، قسمٌ سابقٌ بالخيرات ، وقسمٌ مقتصد ، وقسم ظالمٌ لنفسه، وهذا الاصطفاء بالإمامة لذرية إبراهيم (ع) فقبلَ تولية الرسول (ص) لعلي (ع) ، وعلي (ع) فداخلٌ ضمن أهل البيت (ع) وإن لم يكن من ذرية الرسول (ص) ، لأنّ الرسول (ص) أدخلَهُ فيهم إدخالاً خاصاً ، وذلك عندما جلّلَهُ ونفسَهُ وابنيه وزوجته فاطمة (ع) ، وقال اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي، فعلي (ع) داخلٌ في آل إبراهيم المُصطفينَ عموما ، وهُوَ داخلٌ في الإمامة بالأحقيّة من هذا الوجه . نعم ! ثمّ أخبر الرسول (ص) وأظهرَ إمامة علي (ع) بعد اصطفاء الله لآل إبراهيم بوارثة الأرض وبقاء الإمامة فيهم ، أظهر (ص) إمامة علي (ع) يوم الغدير ، وفي خبر المنزلة ، بل أنزلَ الله ولايته في كتابه الكريم ، وبهذا صار لأمير المؤمنين (ع) ، مزيد اختصاص ، فإضافةً إلى استحقاقه الإمامة بالصفات (التي هي صفات السّبق) ، صار مُستحقّاً للإمامة بالنّص الإلهي الخاص ، لأنّ الحق أنّ الرسول (ص) لو لم يَقل بتولية الإمام علي (ع) يوم الغدير ، ولم يُشر إلى منزلته من منزلة هارون من موسى ، فإنّ على الأمّة ألاّ تعدوا اهل بيت رسولها ، ألا تَعدوا أفضل الصحابة علماً وعملاً وعبادةً وجهاداً وأسبقيّةً في الإسلام ، وهذا كلّه لو قُلنا أنّ الله والرسول لم يُخبرا بشأن علي (ع) شيئاً ، والمعلوم أنّهما قد أخبرا ، وبهذا يسقطُ ما تُمسّكَ به من أنّ الاصطفاء العام في حق علي (ع) ، يُلغي النصّ عليه . أضف إلى ذلك أنّ الزيدية لا تمَنعُ أن يكون هُناك أشخاصٌ منصوصٌ عليهم بعد التعميم ، شريطةَ ألاّ يكون هؤلاء المنصوص عليهم هم الكل ، بل هُم بعضٌ من كُل ، فالإمام علي (ع) والحسن والحسين أُناسٌ مُصطفون عموماً ، ومنصوصٌ عليهم ، وليسوا هُم كلّ اهل البيت ، بل هُم بعضٌ من كل ، وبقيّة ذريّتهم هم مُصطفون عموماً بلا نصوصٍ على أعيانهم ، وهُم الكّل المُكمّل للبعض المنصوص عليهم ، نعني علي والحسنين (ع) ، والجعفرية فتقول بخلافِ هذا ، من أنّ المنصوص عليهم الذين أئمتهم الإثني عشر ، هُم كلّ أهل البيت ، وهذا خلاف كتاب الله تعالى كما قد تمّ شرحهُ سابقاً .

إن قيل : بقيَ في أنفُسنا شيء عن طريق معرفة الإمام بالصفات ، لا بالنّص ، إذ نستبعدُ أن يكون للصفات ذاك الدور التي تُقول به الزيدية في معرفة الإمام ، فوضّحوا معقوليّة هذا رحمكم الله ؟

قلنا : *روى صاحب الخصال [ 218] ، والنعماني في الغيبة [ ب13 ح41 ] ، بأسانيدهما ، عن أبي الجارود ، قال : قلت لأبي جعفر : جُعلت فداك إذا مضى عالمكم أهل البيت ، فبأي شيء يعرفون من يجيء من بعده ؟ قال : (( بالهدي و الإطراق و إقرار آل محمد له بالفضل و لا يسأل عن شيء مما بين صدفيها إلا أجاب عنه )) .

تعليق : وهُنا نسألكم سيدي الكريم ، عن هذه القول للإمام الباقر (ع) ، أليسَ يتطابقُ مع ما قُلناه سابقاً ، من أنّ الإمام من آل محمد هُو صاحب السّبق بالخيرات في العلم والعمل .. إلخ ، ثمّ ألا تُلاحظ باقر علوم الانبياء (ع) يتجاهلُ النّص ، ويُبرزُ الصّفات ، الذي هو قول الزيدية ، لانّ هذا الأثر ينطبقُ تماماً على عقيدة الزيدية في الإمام الفاطمي ، ولا ينطبقُ على مذهب الجعفرية ، لأنّ الباقر على مذهب الجعفرية كان يجب عليه أن يقول بالنّص (بناءً على قولكم سيدي الذي تجاهلتُم فيه اهميّة الصفات وعدم دلالتها على الإمامة) . (وصدفيها) كناية عن الاحاطة بالعلوم التي تهم المُكلّفين) .

*وروى فرات الكوفي في تفسيره [ 274 من سورة الحج ] (وهو تفسيرٌ مشهور عند الجعفرية) ، بسنده ، عن أبي خليفة ، قال دخلت أنا وأبو عبيدة الحذاء على أبي جعفر ، فقلت : كيفَ لنَا بِصاحِبِ هذا الأمر حَتّى نَعرِف ؟ قال : (( قول الله : { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } ، إذا رأيتَ هذا الرجل مِنَّا فَاتّبِعه ، فإنّهُ هُوَ صَاحِبُك

تعليق : وهُنا نسألكم سيدي الكريم ، عن هذا الأثر عن الباقر صلوات الله عليه ، أليس ناطقٌ بما سبق وأن قُلناه ، في أنّ الإمام الفاطمي ليس يُعرف إلاّ بصفات السّبق ، ومن صفات السّبق ما ذكره الباقر في الآية ، وأليسَ في هذا نفيٌ للنص على شخص الإمام رحمك الله وأبقاك .


إن قيل : الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقول : ((واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لاينال عهدى الظالمين )) ، وفيها استثناؤه الظالمين من الإمامة ، ثمّ تُثبتُ الزيدية انّ النص بالإمامة شاملٌ لثلاث طوائف منها تلك الطائفة الظالمة لنفسها ، وذلك عندما أثبتت أنّ اصطفاء الله عامّاً في جميع بني فاطمة بطوائفهم الثلاث ، التي منها الظالمة لنفسها ، كما في قوله جلّ شانه : ((ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير )) ، فكيف هذا رحمكم الله .

قُلنا : قد فهمنا السؤال ، وفيه موضع خلل بسيط ، نقول فيه مُتكّلين على الله ، أنّ الآية الأولى توافقُ الآية الثانية ولا تُعارضها ، والآية الثانية توافقُ الآية الأولى ولا تُعارضها ، اشتركا جميعاً في تعميم الإمامة على جميع الذريّة الفاطمية كما سبق شرحهُ مُفصّلاً بالأمثلة التوضيحية فلتُراجَع، ولأجل الفائدة سنُعيد مُكررّين فنقول : أنّ قول الله تعالى ((واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لاينال عهدى الظالمين )) فيه بيانُ أنّ الإمامة تكون في ذريّة إبراهيم ، التي هي ذريّة محمد (ص) ، وأنّ الإمامة لا تكون إلاّ في الصّالحين منهم دون الظالمين ، فالظالمين مستثنون من الإمامة ، وهُنا في قوله تعالى : ((ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهممقتصد ومنهم سابق بالخيرات )) يُبيّن الله حال ذريّة محمد (ص) ، الذين هم ذريّة إبراهيم ، يبيّن جلّ شأنه أنّ في هذه الذريّة المُصطفاة في الأصل ، من سيظلمُ نفسه ومن الآية السّابقة فإنّه لا يكون إماماً لأنّه ظالم، ولكنّ لو أنّ هذا الفاطمي الظالم لنفسه كان صالحاً سابقاً بالخيرات لكان من أهل الإمامة لأنّه من أهل الاصطفاء الإلهي .

مثال توضيحي (تأمّله جيداً):

عندما أقول : المُلك في عموم ذريّة محمد ، وأنا أعلم ، أنّ ذرية محمد سيكون منهم الظالمون لأنفُسهِم الغير مُقدّرين حُسن صنيعي بأن أدخلتُهم ضمن من يصلحون للتملّك ، ومنهم مُقتصدون حسنةٌ سيرتُهم ، ومنهم سابقون بالخيرات مُعايشون للشعب ساهرون على راحته .

ثم أأتي في موقع آخَر وأقول : أنّ المُلك في عموم ذريّة محمد ، ولا يكون للظالمين منهم ، بل للصالحين.

فهل في كلامي في كلا الموقفين ما يتعارضُ ، إذ أنا أُثبتُ المُلك لجميع الذريّة المحمدية بعموم في كلا القولين ، ففي القول الأول ذكرتُ صفات ذريّة محمد وأنّه سيكون منهم صالحون وظالمون لأنفُسِهِم . ثمّ ذكرتُ في الموقف الثاني : أنّ الظالمون منهم لا يستحقوا المُلك ، وإن كانوا من الذريّة . وهُنا فإن الواجب على جميع الذريّة أن يكونوا كُفؤاً للشرف والفضل الذي أعطيته إياهم عندما خصصتُهُم بالمُلك ، وأن لا يظلمَ الظالم منهم ، بل يسعى لأن يكون من السّابقين الصالحين لكي يكون أهلاً للتملّك بجدارة .

نعم ! وهذا رحمك الله فعينُ أقصى ما قد يُذهب إليه في الآيتين ، ففي آية فاطر يُعمم الله الاصطفاء في الذرية الفاطمية ، ثم يذكر صفاتهم الثلاث . وفي الآية الأخرى يُعمم الله الإمامة في جميع ذرية إبراهيم ، مُستثنياُ من قد يكون منهُم ظالماً .

إن قيل : اذكروا لنا آياتاً أُخرى غير آية فاطر تدل على ما ذهبتُم إليه من الاصطفاء العام .

قلنا : من هذه الآيات الدّالة على الاصطفاء العام :

1- قول الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) . (البقرة)

على ضوء الآية السابقة ، فإنّ الله تعالى ، وافق إبراهيم الخليل صلوات الله عليه على جعل الإمامة في ذريّته ، ولكنّه استثنى الظالمينَ منهُم . فالاصطفاء أتى قبلَ الاستثناء . وذريّة إبراهيم ( هي ذريّة محمّد ، هي ذريّة الزهراء (ع) ، بني الحسن والحسين ، لا أنّ بني الحسين التسعة هُم فقط ذريّة براهيم ، المخصوصون بالإمامة ، كما تذهب إليه الجعفريّة ) .

مثال ( يُناسب الآية ) ، ولله المَثلُ الأعلى :

لو قال الوزير للملك ، اجعل الرئاسة والمُلك في ذريّة ابنك إبراهيم ، فأجابه الملك : نعم ! سنجعلها في ذريّة إبراهيم ( وهُنا اصطفاء واختيارٌ لعموم ذريّة إبراهيم ) ، ثمّ استدرَكَ الملك قائلاً ، ولكنّ الظّالمينَ من هذه الذريّة سنمنَعُهُم الرئاسَة لعدم استحقاقهِم لها . ( وهُنا جاء الاستثناء بعد الاصطفاء ) .

ومنه أخي الجعفري ، فإنّ الآية حقاً تُفيد اصطفاء الله لعموم ذريّة الزهراء (ع) ( بطوائفها الثلاث : الظالمة ، والمقتصدة ، والسابقة بالخيرات ) ، ثمّ استثناء الله طائفة الظالمين من استحقاق الإمامة .

2- قوله تعالى : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)) . (الحديد)

وهُنا نجد الاصطفاء العام ظاهرٌ جلي ، فالله جعلَ في ذريّة نوح وإبراهيم النبّوة والعلم بالكتاب (وهذا اصطفاءٌ عام لجميع الذريّة) ، ثم أخبرَ تعالى أنّ من هذه الذريّة المُصطفاة (التي تكون النبوّة وعلم الكتاب فيها) من يكون مُهتدٍ ، ومَن سيكون فاسقاً ، والفاسقون أكثرُ من المُهتدون .

مثال ( يُناسب الآية ) ، ولله المَثلُ الأعلى :

لو قال المَلِك لوزرائه وكُبراء أتباعه ، سأجعلُ المُلكَ في ذريّة نوح وإبراهيم (وهذا لو تُلاحظ ، اصطفاء عام لجميع الذرية ) ، مع أنّني أعلمُ أنّ الجديرُ بالمُلك (لصلاحه وعلمه وعمله) هم القليل من هذه (الذريّة) ، وأنّ الكثير من هذه الذريّة (لن يُقدرّوا جعلي لهم من أصحاب المُلك والسّلطان) وسيظلموا أنفُسَهُم الدرجة التي شرّفتُهُم بها وسيكونوا فاسقين .

ومنه أخي الجعفري ، فإنّ الآية حقاً تُفيد اصطفاء الله لعموم ذريّة الزهراء ، وهذه الآية تقوّي آية فاطر ، وآية فاطر تُقوّيها ، وآية البقرة تُعضدها جميعاً .

3- قوله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ )) . (فاطر) .

وقد سبقَ الكلامُ عليها ، وبيّنا وجه الاصطفاء العام منها ، بما لا مزيدَ عليه .

إن قيل : أليس يعني الله تعالى في قوله : ((ثمّ أورَثنا الكتاب الذين اصطَفينا)) ، أليس يعني الإيراث المُباشر من الله هُنا ، نعني الإيراث بدون واسطة بين الله وبين المُصطفين .

قلنا : أنّ ما ذهبتَ إليه من أنّ إيراث الكتاب في آية فاطر ، يعني الإيراث المُباشر من الله تعالى ، بمعنى أنّه يُلقي فهمَ الكتاب وعلمه إلى أهل البيت (ع) (سادات بني الحسن والحسين) ، فهو أمرٌ بعيدٌ ، ولم أتوقع أن تذهبَ المَذاهب والمداركُ إليه .

فلو سألتُك أخي (الجعفري) ، عن قول الله تعالى ، عندما حكى واقع حال اليهود من بني إسرائيل ، بقوله : ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) ، عندما أسألُك عن : كيفَ وَرِثَ الخَلَفُ من اليهود الكتاب ؟ والكتاب فليس إلاّ توراة موسى صلوات الله عليه ، أتقول : أنّ الله هُو الذي أورثَ بنوا إسرائيل فَهم الكتاب مُباشرةً ، بلا واسطة بشر ؟ أم تقول : أنّ بني إسرائيل ورثوا فهم وعلم الكتاب عن أسلافهم ، الخَلَفُ من السلف ، والسّلف من سلف السّلف ، وسلف السّلف فمن الأنبياء ، والأنبياء فمن الملائكة ، والملائكة فمن الله تعالى ، وأنّ الله هو الذي جعلَ فهم الكتاب وعلمه في بني إسرائيل هؤلاء ؟! فما أجبتَ به (مُنصِفاً) فهو جوابنا .

لأنّك إن قُلتَ : أنّ الله هو الذي أورث هولاءِ الخلَف الكتاب مُباشرةً ، بلا واسطة بشر ، ردّ عليك سياق الآية ، فالآية تقول : ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ )) ، ومنها أنّ الخلفَ وَرِثوا الكتاب عن أسلافهم الذي قبلَهُم ، لا عن الله تعالى مُباشرَة .

توضيح :

فالزيدية رحمك الله ، تقول أنّ إيراث الله الكتاب في ذرية علي وفاطمة ، سادات بني الحسن والحسين ، هو جعل فهم علم الكتاب ، الفهم الصحيح ، فيهم لا يخرجُ عنهُم ، أورثَهُم الله الكتاب ، بمعنى جعل منهج الكتاب وطريقته وتأويله منهم وفيهم ، الخلفُ من السّلف ، والسّلف من سلف السّلف ، وسلفُ السّلف من رسول الله (ص) ، ورسول الله (ص) فمن جبريل (ع) ، وجبريل فعن الله تعالى ، الحقّ فيما أجمع عليه هؤلاء السّادة ، لن يخرجَ عنه أبداً . وكذلك سابقاً كان فهم التوراة الذي هو كتاب الله تعالى لا يخرج عن أنبياء بني إسرائيل وعلماءهم ، فكانوا يرثون الكتاب ، الخلَفُ من السّلف ، والسّلف من الأنبياء ، والأنبياء من الملائكة ، والملائكة فمن الله تعالى ، جعلَ الله الهُدى لا يخرجُ عنهم ، فنسخَ الله بنبيّه محمد (ص) شريعة موسى ، واختُصّ أهل بيت محمد ، سادات بني الحسن والحسين ، بالقُدسيّة التي كانت لبني إسرائيل سابقاً .

نعم ! أضِف إلى ذلكَ أنّ قولَك بأنّ إيراث الله الكتاب لأهل البيت (ع) ، من ذرية الحسن والحسين ، إيراثاً بدون واسطة بشر ، بل عن الله تعالى مُباشرَة ، فإنّ هذا على مذهب الجعفرية ، يعني أنّ الأئمة الإثني عشر يُوحى إليهِم من الله تعالى ، وهذا يردّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة ، وذلك عندما أشار إلى انقطاع الوحي بعد موت رسول الله (ص) ، فكيف رحمكَ الله وَرِثَ أئمتكم كتاب الله تعالى ؟ هل أُلقي في أرواعهم إلقاءً ، فكانوا عُلماء وارثين بلا تعلّم ؟ فما نصنعُ بجهل الرّسول (ص) وعدم ولادته مُورَثاً الكتاب عن الله تعالى ، والله سبحانه وتعالى فيقول له (ص) : ((مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)) ، ويقول جلّ شأنه ، مُخاطباً الرسول (ص) : ((تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ )) ، وكيفَ رحمكَ الله تُبرّر تعلّم أمير المؤمنين (ع) من رسول الله (ص) ، إن كان علمهُ (علم أمير المؤمنين) مُورَثاً له من الله تعالى (بمعنى مُورثاً من الله بلا واسطَة مَلَكٍ ولا نبيّ!!) . نعم ! فإن أنت وقفتَ على فساد هذا القول (أنّ إيراث الكتاب وفهمه لا يكون إلاّ بإيراث الله المُباشر للشخص) ، وقفتَ على صحّة ما ذهبنا إليه ، من أنّ وراثة أمير المؤمنين لعلم الكتاب ، تعني أنّه وَرثََ الفهم الصحيح للكتاب عن رسول الله تعالى ، والرسول فعن ملائكة الله ، والملائكة فعن الله ، والله فضَمِنَ صحّة فهم أمير المؤمنين (ع) للكتاب ، وضَمِنَ بقاء الفهم الصحيح للكتاب تأويلاً وتنزيلاً في ذرية علي (ع) وفاطمة إلى يوم الدّين ، فهم بهذا وارثون للكتاب ، أورثَهُم الله فهمَهُ حينَ ضمِن أنّهم أهل اصطفاء لا يخرجُ عنهم الحق ، عترة رسول الله (ص) وثقل الله الأصغر المُقارِنُ للكتاب .

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشّبهة الثّالثة والعشرون :

جاء في مُسند الإمام زيد بن علي ، كتاب الصّيام ، باب الإفطار ، ما رواه عن آبائه ، عن علي (ع) ، أنّه قال : ((ثَلاثٌ مِنْ أخْلاقِ الأنبياء صَلاة الله وسَلامُه عَليهِم: تَعجِيلُ الإفطَار، وتَأخِير السّحور، وَوَضْعُ الأكُفّ عَلى الأكُفّ تَحتَ السُرّة)) . بيّنوا لنا ماذا يَقصد الإمام بوضعِ الأكفّ على الأكفّ ، هل الضمّ في الصّلاة يَعني ؟! أم غَيرُه ؟.

الرد :

قد تفّهمنا موطِنَ الشّبهَة ، فتفهّم الجواب رَحِمَكَ الله ، وهُو الذي نسردهُ لك من وَجهَين اثنَين :

الوَجه الأوّل: تَأويل الأثر وتَدبّره وتفَهّم معانيه ، وفيه ينقسِم الكلام إلى أربَع نِقاط :

النّقطَة الأولى : أنّ هذا الأثَر جاء يُبيّنُ أخلاقاً ، بمعنى السُّنن ، لأنّ كلّ ما ذُكِرَ في الأثر ، فيُحمَلَ على السُّنيّة ، كَتعجِيل الفطور ، وتأخير السّحور ، ووضع الكفّ على الكفّ تحتَ السرّة ، فإن قُلتَ : مهلاً أخي في الله ، على أيِّ أساسٍ جعلتُم هذه الأمور الثلاثة من السّنن ؟. قُلنا : لأنّها لا تَخلو من أحد ثلاثة أمور ، فإمّا أن تكون مُحرّمة ، وهذا وجهٌ ساقِط ، وإمّا أن تكونَ واجبَة ، يُؤثَمُ المرءُ بالإخلال بِها ، وإمّا أن تكونَ سُنّة ، يُؤجَرُ المرءُ على فِعلِهَا ولا يُؤثَمُ على تَرْكِها ، وعُلماء الإسلام فلا يقولون بوجوب تعجيل الفطور ، ولا تأخير السّحور ، بل يَقولون هِيَ سُنّة ، والأولى عمَلُها ، وهذا فَمَحلّ اتّفاق بلا أدنى شكّ ، فإنْ أنتَ وَقفتَ على هذا ، تيقّنَتْ نَفسُكَ أنّ الحديث يجري مجرى الحثّ على السّنُن ، التي هي الأخلاق .

النّقطَة الثّانيَة : السنّة باتّفاق المُسلمين ، هي الفِعل الذي يُؤجرُ مَعهُ صاحِبهُ ولا يأثَم بتركِه ، فلَو أنّ مؤمناً أخّر الفطور ، وعجّل في السّحور ، لم يُؤثَم قَطعاً ، ولم يختلّ صيامُه ، فإن أنتَ وَقَفتَ على هَذا ، فَقِف على أنَّ جُمهور أهل السنّة والجماعة لا يَجعلون الضّم في الصّلاة من أركانِ الصّلاة ولا مِن واجبَاتِها ، وكُلّ ما كانَ دُونَ الرّكن والواجب ، فهُو سنّة ، والسنّة في الصّلاة لو تُرِكَتْ لَم تَبطُل الصّلاة ، ولَم يأثَم صاحِبُها على تَركِها ، وصلاتُهُ صحيحَة بدونِها ، فإن أنتَ عَلِمتَ هذا ، فاعلَم أنّ الضمّ يكون بهذا أمراً طارئا ، والأصل الإرسَال ، ولذلِكَ وَجدنا فقيه أهل المدينة ، مالك بن أنَس يقول بالإرسال في صلاةِ الفَرض ، وبالضّم لِمَن شاء في النّوافل[1] ، والعَجبُ أنّنا نَجِدُ اليومَ مَن يُضيّق على النّاس في الحرم الشّريف وفي غيره مِن مساجد الله ، فيَتَهكّمونَ ويُبدِّعونَ مَن يَجدونَهُ مُرسلاً يديه في الصّلاة ، وليسَ هذا علمٌ منهُم ، بَل جَهلٌ مُركّبٌ والله المُستعان ، وكيف لا يكونَ كذلك ونحنُ ما نزال نَسمَعُ قول ابن عبدالبرّ في تمهيده : ((وروي عن الحسن [البَصري] وإبراهيم [النّخعي] أنّهُمَا كَانَا يُرْسِلانِ أيْدِيَهُمَا فِي الصّلاة ، (تأمّل) وَلَيسَ هَذَا بِخِلاف ، لأنَّ الخِلافَ كَرَاهِيَةُ ذَلِك ، وَقَدْ يُرْسِلُ (تأمّل) العَالِمُ يَدَيهِ لِيُرِيَ النّاسَ أنّ لَيس ذَلِكَ بِحَتمٍ وَاجِب)) [2] ، فإن قيل : وما الذي تُخالِفُ عليه الزيدية في هذا ؟! . قُلنا : الزيدية لم يَثبُت من طريقِها ، ولا مِن طريق أئمّتها ، ولا حُفّاظِها ، أنّ الضمّ سُنّةٌ للرسول (ص) ، أو أنّ الرّسول (ص) فعلَ هذا ، ولِذا فِهي ليسَت لا رُكناً ، ولا واجباً ، ولا سُنّةً ، بل هِيَ أمرٌ زائدٌ على هيئات الصّلاة ، ومنهُ فلا وَجه لكونِها من مظاهر الصلوات ، الفروض منها ، والنّوافل ، والله أعلم . فإن قيل : أليسَ الإمام علي (ع) يقول في الخَبَر السّابق أنّ وَضعَ الأكفّ على الأكفّ سُنّة ؟! ، قُلنا : بَلى ، ولكن في غير الصّلاة ، وسيأتي لهذا مزيد بيان قريباً ، ولمزيدِ فَهمٍ هُنا نقول للسائل : ما رأيُكَ في السّواك أليسَ سُنّةً مُؤكّدَة؟! ، فكيفَ لَو رأيتَ مُصليّا يُصلّي وهُو يَستاكُ ، والإمام يَقرأ ، هُل كُنتَ ستَزجُره؟! ، إن قُلتَ : نَعم . فلهُ أن يَرُدّ عليكَ : بأنّ السّواك سنّة من الله والرّسول مُؤكّدَة . ولكَ أن تَرُدّ عليه : أنّ هذا ليسَ إلاّ قبل الصّلاة ، أو بَعدَها ، لا حالَ الصّلاة . ونحنُ نقول : أنّ لفظَة الإمام علي (ع) وتعبيرَهُ بالسُنيّة لوضعِ الأكفّ على الأكفّ ، لم يُقيَّّد بالصّلاة ، فحملُهُ على المظاهر العِباديّة والحيّاتيّة الأخرى هُو الأظهَر والأقوى . ثمّ لو سلّمنا جَدلاً ، أنّ قول الإمام علي (ع) يَخصّ الصّلاة ، فإنّ هذا لا يُدخِلُ الضمّ إلاّ في السُّنَنَ التي لا يُؤثمَ عليها تَاركُها ، ولا تُبطِلُ صلاتِه ، هذا كلّه تسليماً جدليّاً . فإن قيل : فَهل تحكُم الزيدية بِبُطلانِ صلاة مَن لم يُرسِل يَديه ؟! . قٌلنا : لم نِقف –حسبَ ما اطّلعنا عليه من مصادر- من أقوال أئمّتنا (ع) مَن يُبطل أو يُكفرّ مَن يَفعلُ هذا ، وعندي أنّ هذا الأمرُ بِدعَة ، فليَتَثبّت المُسلم فيه ، ولْيَحتَط لدينِه . فإن قُلتَ : وكيفَ يحتاطُ لدينِه؟. قُلنا : يَحتاطُ لدينه ، بأن يُصلّي مُرسلاً يَديه ، لأنّ هذا الأصل ، وأن يترُك هذه السّنة (التي حكاهَا المُخالِف، ولم تَثبُت عن أهل البيت(ع)) ، وليُعوّض الأجرَ الفائت (إن كانَ مازال مُتشكّكاً في سُنيّتِها) بعمَل مسنواتٍ أخرى ، تُعوّضُهُ الأجر ، وألاّ ينتابَه الشّك أبداً في صحّة صلاتِه مُرسلاً يديه ، لأنّ الخِلاف في الضمّ، لا في الإرسال ، بالاتّفاق ، فالعمل بِما اتّفق عليه المُختلفون هُو الأصْل ، وفيه الاحتياط ، والسّلامة ، وزيادةً منّا في تَثبُّتِكَ ، نُوردُ لك صِفَة الصّلاة على لسان رَسول الله (ص) ، برواية أهل الصّحاح ، وفيها تأمّل كيفَ أنّه (ص) لَم يُعلّم الأعرَابي وضعَ اليمين على الشّمال ، فروى البخاري في صحيحه ، عن أبي هُرَيْرَةَ ، ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) دخل الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، فَسَلَّمَ على النبي (ص) ، فَرَدَّ . وقال : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لم تُصَلِّ . فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلّى ، ثُمَّ جاء فَسَلَّمَ على النبي (ص) . فقال : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لم تُصَلِّ ، ثَلَاثًا . فقال : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ ، فَعَلِّمْنِي. فقال : إذا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ من الْقُرْآنِ ، [تأمّل لم يُقُل : وضَعْ يَمينَكَ على شِمالِك تحتَ السُّرّة أو فَوقَها] ، ثُمَّ ارْكَعْ حتى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حتى تعتدل قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حتى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حتى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، وَافْعَلْ ذلك في صَلَاتِكَ كُلِّهَا))[3].

النّقطَة الثّالثَة : إن قيلَ : فمَا معنَى وضع الأكفّ على الأكفّ تحت السرّة في الأثر ، وكيفَ يكونُ من الأخلاق ؟. قُلنا : مَعناه التأدّب والتواضع ، ونحنُ فما زِلنا نرى بعض الخُطباء على المَنابر يضعون أكُفّهُم على أكُفِّهِم وهم يَخطُبون ، وهذا احترامُ منهم للكلام الذي يُلقوه ، وللمؤمنين الذين أمامَهُم ، ثمّ نحنُ ما زِلنا نرى بعض الأشخاص يقفون على الموتى حال الدّفن وهُم واضعون أكُفَّهُم على أكُفِّهم تأدبّا واحتراماً لهذا المَوقِف ، ثمّ نحنُ ما زلنا نرى بعض المُصلّين (ونخصّ الغير قائلين بالضّم) يَضعون أكُفَّهُم على أَكُفِّهِم حالَ التوجّه (قبلَ تكبيرة الإحرام) وهذا منهم تأدّباً مع الله وإجلالاً للموقف الذي هُم واقفون فيه ، ثمّ نحنُ ما زِلنا نسمعُ أساتِذَتَنا في المدارس يَحثّونا على هذا الفعِل ويُسمّون هذا (أدَب) ، فمتى ما قالوا أدَبْ ، وَضعنا أكُفَّنا على أكُفِّنا ، ثمّ نَحنُ ما زِلنا نُلاحِظ هذه الصّفات في أقوام الأنبياء السّابقين لنبيّنا محمّد (ص) ، كاليهود والنّصارى ، والأثر السّابق قد أخبرَ أنّ هذا كانَ من أخلاق أنبياءهم ، نعم ! فهذا كُلّه يجعلُنا نجزم أنّ الأثر عن أمير المؤمنين (ع) لم يَكن يرمي إلى الضمّ في الصلاة ، ولا يَقصده ، بل كان يَحكي أدباً وخُلُقاً كريماً فاضلاً يُفضّلُ أن يكونَ عليه المُسلم .

النّقطة الرّابعة : أن تتأمّل لفظة ((تَحت السرّة)) في الأثر ، سَتَجِدُ هذا التخصيص يُقوّي ماذهبنا إليه من كونِها سنّة ، وأنّها وجهُ من وجوه التأدبّ والاحترام ، وأنّها أبعد ما يكون عن مقصوديّة الضم في الصلاة ، لأنّ المواقف السّابقَة لا تَدعو للتأدب والاحترام المُطلق ، إلاّ بوضع الأكفّ تحت السّرة ، ولنُجرّبها جميعاً في مُختلف المواقف ، وليكُن أقرُب المواقِف التوجّه للصّلاة .

الوَجه الثّاني : تَبيين عقيدة سادات أهل البيت (ع) ، وغيرهم ، في مَسألة الضمّ في الصلاة :

وهذا الوجه سيُبيّن ما قد يَلتبِسُ على بعض الإخوة أعزّهم الله ، لأنّا ما نزال نَقرأ ، بل وما نزالُ نَسمع ، أنّ مَذهب الإمام زيد بن علي (ع) كانَ الضمّ في الصلاة ، وهذا وهَمٌ سَنُبيّنُه من أربع نِقاط :

النّقطة الأولى : أن تَعلمَ أنّ مَذهبَ حفيدَ الإمام زيد بن علي (ع) ، راوي الأثر السّابق ، هُو الإرسالُ في الصّلاة ، ونعني بالحفيد أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ت240هـ) ، فهذا الحافظ محمد بن منصور المرادي رحمه الله يقول (وهُوَ المُعاصِر له) : ((كانَ أحمد بن عيسى (ع) إذَا كَبّرَ فَي أوّل الصّلاة ، أرسَل يَديه عَلى فَخِذَيه وهُو قَائم ، لايَضَعُ وَاحِدة عَلى الأخرى))[4] ، وكذلكَ هُو المَشهور عن الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) (169-246هـ) ، وهُو المُعاصِر لأكابر ومشائخ سادات أهل البيت (ع) ، وكذلك أحمد بن عيسى بن زيد (ع) ، فلو كانَ هذان الإمامَين يَريان في الضمّ سنّة محمّديّة ، لأخَذوا بها ، أو لو كانوا يَرون أنّها ثابتةٌ عن آبائهم ، وبها يَفعلُون ، لَفَعلُوها ، وهذه فَقرينةٌ قويّة تُظهرُ أنّ مَذهب أهل بيت الرّسول (ص) ليس إلاّ الإرسال دونَ الضّم ، فكيفَ لو عَلِمتَ أنّه لادليل عندَ مَن ادّعى على زيد بن علي (ع) الضمّ ، إلاّ هذا الخَبر المروي عنه !! ، والله المُستعان .

النّقطة الثّانيَة : وهِيَ عَقليّة ، وهي أنّ المُسلمين في صلاتهِم ، على حالاتٍ ثلاث ، فَبَعْضُهُم يضُمّ ويُؤمّن (لفظة :آمين بعد الفاتحة) ، وهُم سوادُ أهل السنّة ، وبَعضُهُم يُرسلُ ويُؤمِّن ، وهُم المالكيّة من السنّة ، وبَعضُهُم يُرسلُ ولا يُؤمِّن ، وهُم الشّيعة بُمختلف تياراتهم ، والمسلمون في الغالب لا يَخرجون عن هذه الحالات الثلاث ، وهُنا اعلَم رَحِمَك الله ، أنّه لَم يَثبت عن أبي الحسين زيد بن علي (ع) ، التأمين في الصّلاة ، بل صَرَّحَ (ع) بما يَنفي هَذِه العَقيدة ، وذلكَ أنّ سائلاً سألَهُ (ع) عَن قول الرّجل : آمين بعدَ الفَاتِحَة؟ ، فقال : ((إنَّا أهل البيت لا نَقولُها ، وأنكرَ ذلِك))[5]. وهذا-عدم التأمين- هُو المأثور عن حفيدِهِ فقيه الآل أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) ، وعن نجم آل الرّسول القاسم الرسي (ع) ، وهُم فصورةٌ طِبقَ الأصل عن آبائهم ، هذا معَ ثبوتِ أنّ الأخيرَين كانا يُرسلان أيدِيَهُما في الصّلاة ، والمعلوم أنّهما مُعاصِرين ومُخالِطَين لآبائهم وبني عمومتهم من بني الحسن والحسين ، يُصلّون بصلاتهِم ، ويأكُلونَ من أكلهِم ، ويتزوّجونَ مِن نِسائهِم ، فهم أهلُ بيتٍ واحِد ، فلَسنا بعد هذا نتوقّع أن يُصلّيَ أحمد بن عيسى بغير صلاة أبيه عيسى بن زيد ، أو بغير صلاة ابن عمّه موسى الكاظِم ، أو بغير صلاة عمّه الحسين بن زيد بن علي (ع) ، فهذا كمَا ترى وجهٌ قوي في إرسال أهل البيت (ع) أيديَهُم في الصّلاة ، هذا من جِهَة ، ومِنْ جهةٍ أُخرى ، وبعد ثبوتِ عدم قول الإمام زيد (ع) بالتأمين في الصّلاة ، وبعد استحضارَ حالات الصّلاة الثلاث السّابقة، فإنّا لانَراهُ قطعاً إلاّ مُرسلاً يَدهُ في الصّلاة ، لأنّا لم نَجِد بين المُسلمِين (ويُنسبُ إلى العِلم) مَن كان يضمّ يَديه في الصّلاة ثمّ لا يَقول آمين!! ، فإن أنتَ وقفتَ على هذا ، وقفتَ على مُرادنا من الدّليل العَقلي .

النّقطَة الثّالثَة : أن تعلمَ أنّ الشيعَة بجميع فِرَقِها ، وتيّارَاتها ، قد أخذَت عن أهل البيت (ع) الإرسال دونَ الضّم ، وهذه أيضاً قرينةٌ قويّة ، لأنّها إجماعُ المُختَلفين حول أهل البيت (ع) ، والسنّة والمؤرّخون فلا يُنكرون اتّصال أو تردّد أقطاب الشيعة على أئمّة أهل البيت (ع) ، وإنّما يُنكرونَ أن يكونوا قد نقلوا صحيح عقائدهم ومشاربهم ، فعِندما نقولُ اتّفق الشيعة على اختلافهِم ، فهذا فيه وجه قوّة .

النّقطة الرّابعَة : نَذكُر فيها مَنْ كانَ يَرى الإرسَالَ في الصّلاة ، ممّن يُعتدّ بهِم عند أهل السنّة :

1- إبرَاهِيم بن يَزيد النَّخَعي ، (ت96هـ)[6].

2- الحَسن البَصري (ت110هـ) [7] .

3- مالك بن أنَس (ت179هـ) [8] .

4- سَعيد بن المُسيّب ، (ت94هـ)، رَوى ابن أبي شيبة ، بسنده ، عَن عبدالله بن يزيد ، قَال : مَا رَأيتُ ابن المُسَيّب قَابِضاً يَمِينَهُ فِي الصّلاة ، كَانَ يُرسِلُهَا[9].

5- محمّد بن سِيرين ، (ت 110هـ) ، رَوى ابن أبي شيبة ، بسنده ، عَن ابن عَون عن ابن سِيرِين أنّه سُئِلَ عَن الرّجُل يُمْسِكُ يَمِينَه بِشِمَالِه ، قَال : ((إنّمَا فَُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أجْلِ الدّم))[10].

6- سَعيد بن جُبير ، (ت 95هـ) ، رَوى ابن أبي شيبة ، بسنده ، عن عبد الله بن العيزار، قَال : كُنتُ أطَوفُ مَع سَعِيد بن جُبير ، فَرَأى رَجُلا يُصلّي وَاضِعَا إحدَى يَدَيهِ عَلى الأخْرَى، هَذِه عَلى هَذِه ، وهَذِه عَلى هَذِه ، فَذَهَبَ فَفَرَّقَ بَينَهُمَا ، ثمّ جَاء[11] .

7- عبدالله بن الزّبير ، (ت73هـ) [12] .

هذا وصلّى الله وسلّم على سيّدنا محمد ، وآله الطّيبين الطّاهرين ، ورضوانه على الصّحابة المُتّقين ، والتابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدّين .

صورة

================

[1] شرح النووي على صحيح مسلم : 4/115
[2] التمهيد لا بن عبد البر : 20/76
[3] صحيح البخاري : 1/263 ، صحيح مسلم : 1/298 ، المُستدرك على الصحيحين : 1/368 (بغير لفظ) ، صحيح ابن حبّان : 5/212 ، صحيح ابن خُزيمَة : 1/234 ، سنن البيهقي الصّغرى : 1/234 (بغير لَفظ) ، والكُبرى : 2/37 ، سنن النّسائي الكبرى : 1/220 ، سنن أبي داوود : 1/226 ، سنن التّرمذي : 2/103، سنن الدّار قطني : 1/95 ، وغيرهم .
[4] جامع علوم آل محمد .
[5] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) :362
[6] المُصنَّف لابن أبي شيبَة : : 1/344
[7] التمهيد لابن عبد البرّ : 20/76
[8] شرح النووي على صحيح مسلم : 4/115 ، وهو ثابتٌ بالاتّفاق عن مالك .
[9] المُصنَّف لابن أبي شيبَة : 1/344
[10] المُصنَّف لابن أبي شيبَة : : 1/344
[11] المُصنَّف لابن أبي شيبَة : : 1/344
[12] المُصنَّف لابن أبي شيبَة : : 1/344
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

ابن الهادي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 108
اشترك في: الاثنين مارس 07, 2005 2:39 pm

مشاركة بواسطة ابن الهادي »

بحق لا اله الا الله
وبحق النبي الأعظم والرسول الأطهر محمد رسول الله
وبحق الامام الغالب ليث الكتائب مولانا علي بن أبي طالب وصي رسول الله وصاحب سره وباب مدينة علمه
وبحق البضعة الطاهرة المظلومة فاطمة الزهراء
وبحق الحسن المجتبى
وبحق الحسين المذبوح بكربلاء
وبحق آل بيت محمد الطاهرين
أن يرزقك الله كل خير في الدنيا وأن يفتح لك أبواب علمه وفضله ورزقه
وأن يجعلك من من يردون الحوض على رسول الله ويشربون بكف امير المؤمنين
يا الله يا الله يا الله
قال الله تعالى
في مدح رسول الله ( وإنك لعلى خلق عظيم )
لآل بيت رسول الله ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
عن رسول الله ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )
قال رسول الله :
كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض

حيدرة الحسني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 144
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 03, 2003 4:49 pm

احسن الله اليكم

مشاركة بواسطة حيدرة الحسني »

احسن الله اليكم سيدي

اتمنى وضع مشاركاتكم القيمة في كتيب

الله يوفقكم
قال عبد اللّه بن بابك: خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل قال: يا بابكي ما ترى هذه الثريا؟ أترى أنّ أحداً ينالها؟ قلت: لا، قال: واللّه لوددت أنّ يدي ملصقة بها فأقع إلى الاَرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة وأن اللّه أصلح بين أُمّة محمّد (ص)

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة الرابعة والعشرون :

قال الإمام الهادي إلى الحق (ع) : ((وأما الوصية فكل من قال بإمامة أمير المؤمنين ووصيته، فهو يقول بالوصية، على أن الله عز وجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن أبي طالب والحسن والحسين، وإلى الأخيار من ذرية الحسن والحسين، أولهم علي بن الحسين وآخرهم المهدي، ثم الأئمة فيما بينهما)) ، ما تفسير كلام الإمام الهادي هذا ، بمعنى : ماذا أراد بالوصيّة ، فَهذا منه مُوهمٌ بعقيدة جعفرية ما !! .

الرد :

الإمام الهادي (ع) ، أرادَ بقوله بالوصيّة في حقّ الذريّة الفاطمية (ذريّة الحسن والحسين) ، أنّ الله أوصى إليهم بعموم بالإمامة ، بدايةً من أوّل ذَكَرٍ منهِم إلى آخِر ذَكَرٍ منهُم ، (مَن استوفى شروط الصلاح والإمامة) ، وأوّلهم علي بن الحسين ، أي أوّل بني فاطمة الداخلون في الوصايَة العامّة ، أي أوّل بني فاطمة الصّالحون للإمامة إن استوفى الشروط ، وآخرهُم المهدي محمد بن عبدالله ، القائم في آخر الزّمان ، فالإمام الهادي لا يُريد بكلامه السّابق تحديد أسماء أئمّة ، بقدر ما يُريدُ (ع) حصرَ الذريّة الفاطميّة ، بأنّها تشملُ أوّل رجلٌ من ذرية الحسن والحسين (وهو علي بن الحسين) إلى آخر رَجلٍ منهم ، وهو المهدي محمد بن عبدالله ، وهذا فدليلٌ على أنّ الهادي (ع) كان يرى أنّ علي بن الحسين أكبر من الحسن بن الحسن ، إذ لو كانَ الحسن بن الحسن هو الأكبرَ لذكرَهُ الهادي (ع) ، بدلاً من علي بن الحسين. فإن قيل : ماذا تقصدُ بقولِك ، أنّ المهدي هُو آخر رجل من بني فاطمة ، هل تُريد أنّ بني فاطمة لن يتناسلوا بعده ؟ . قلتُ : ليس هذا المُراد ، بل المُراد أنّ الوصيّة بالإمامة إلى هذه الذريّة الفاطميّة تنتهي بدعّوة المهدي ، فلا يكون بعدهُ أئمّةٌ من بني فاطمة ذريّة الحسن والحسين . وبمعنى آخرَ ، نُجمل كلامنا السّابق في أنّ الهادي حَصرَ الذريّة الفاطميّة التي تصلحُ فيها الإمامة متى اجتمعَت في قائمهم الشروط ، فذكرَ أولّهم علي بن الحسين وأنّه يستحقّ الإمامة متى ما قام ودعا ، ثمّ ذكرَ مَن يأتي بعدَه من بني الحسن والحسين جامعاً لشروط الإمامة ، وذلك واضحٌ من قوله : ((ثم الآئمة فيما بينهما)) ، ثمّ ختمَ استحقاق الدّعاة ، بداعي بني فاطمة المهدي محمد بن عبدالله صلوات الله عليه .

مثالُه :

لَو كانَ هُناكَ مَلِك ، وله من الأبناء ، الحسَن والحسين ، ووللحسن ابنٌ اسمه (الحسن) ، وللحسين ابنٌ اسمهُ (علي) ، وكان علي بن الحسين هُو أكبرُ أحفاد المَلِك ، وكانَ الملكُ يعلمُ قطعاً أنّه سيكون في آخر الزمان من ذريّته رجلٌ يحكمُ الدّنيا ، اسمه (المهدي) ، نعم ! فقال المَلِك : المُلْكَ سيكون في أخيار (أي الصّالحين) ذريّة الحسن والحسين ، ((أوّلهم علي بن الحسين وآخرُهُم المهدي)) ، أي : ((بدايةً بأكبر واحدٍ منهُم بعد الحسنين ، وهو علي بن الحسين ، وانتهاء بآخر واحدٍ منهُم ، وهُو المهدي)) .

وهذا رَحِمَك الله فليسَ إلاّ حَصرٌ للذريةّ الحسنية الحسينية ، وأنّ المَلِكَ جعلَ المُلكَ جائز لمن استحقّ من ذرية ابنيه الحسن والحسين ، بداية بعلي بن الحسين (لأنّه أكبَرُهُم) ، وانتهاءً بالمهدي .

سلّمنا (جدلاً) أنّ كلام الإمام الهادي يعني عقيدة النّص الجعفري على أئمتهم ، فإنّ هذا كلام خاصٌّ بالهادي (ع) ليسَ هُوَ بِروايَة يرويها عن رسول الله (ص) ، وإنّما كلامُ خاصٌّ بشخصٍ غير معصوم ، يُعرض كلامهُ على ميزان إجماع أهل البيت (ع) ، وإجماع أهل البيت يَرفضُ النّص الإثني عشري ، فما خالفَ الإجماع اطُّرِح من فورِه ، وما وافقَهُ كان ، على أنّا لَو رَجعنا إلى بقيّة كلام الهادي نفسه في شأن الإمامة لوجدَهُ يَرفضُ هذا الفَهم السّقيم الذي فَهِمهُ به صاحب الشّبهَة .

هذا وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة الخامسة والعشرون :

الإمام علي والحسن والحسين أئمّةٌ منصوصٌ عليهم من الله والرّسول ، والإمام المهدي محمد بن عبدالله إمامٌ مَنصوصٌ عليه من الله والرّسول ، والأئمّة فيما بَينهما أئمّة بالاستحقاق واستيفاء الشّروط ، (الشّورى الفاطميّة) ، ألا تَرونَ سادتي أنّ في هذا الميزان خلل ، وأنّ قول الجعفرية من اتصال النّص بعد الحسين (ع) إلى المهدي هُو الأقوى ؟!

الرد :

كلامُكم أخي في الله مَردودُ بكتاب الله تعالى ، وبسنّة رسوله (ص) ، وبإجماع أهل بيت رسول الله (ص) ، وبنهجِ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وسنُناقشُ ردّ الأخير (النّهج) لكلامكم لأنّا وإيّاكم مُتّفقونَ على صحّته عن أمير المؤمنين (ع) ، بينما قد نختلف في الكتاب والسنّة والإجماع ، ولَو بالفَهم ، فإذا اتّفقنا على هذا ، توجّهنا إلى نهج أمير المؤمنين (ع) وسألناهُ عن الإمامَة على مَن لا نصّ عَليهِم ، بمعنى : عن الإمامة فيمَن هُم بعد الحسين بن علي (ع) ، وبين مهدي آخر الزّمان محمد بن عبدالله (ع) :

قال الإمام علي (ع) :

((وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لِلَّهِ رِضىً[1]، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْبِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى)) . [ نهج البلاغة ك6] .

تعليق : فهذا كلام أمير المؤمنين (ع) ، يَشهدُ لقولِ الزيدية ، ولا يَشهدُ لقول الجعفرية ، فالإمام يُشيرُ إلى أنّ تنصيب الإمام (فيمن لم يثبت عليهم نص) هُو بالشّورى لا بالاختيار الإلهي الشّخصي ، وقد يُقال : فالشورى إذاً في جميع المُسلمين . ولكنّا سنقول : إنّ الإمام علي (ع) ، قد حصرَ الشورى في بطنٍ من بطون قريش ، فجعلها في بطن بني هاشم ، بل زاد (ع) في التخصيص وجعلَها في بطن بني فاطمَة دون بقيّة بني هاشم ، وذلك في قوله : ((إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ)) [ نهج البلاغة خ143] ، ومِثل قَول الإمام علي يقول حفيده زيد بن علي (ع) : ((الإمَامَةُ والشّورَى لا تَصلُح إلاّ فينَا)) [مجموع رسائل الإمام زيد بن علي (ع) ، ص381] . نعم ! فتنبّه لهذا رعاكَ الله تعالى .

ولأنّ البعض قد يتأوّل قول أمير المؤمنين القريب بمجرّد إقامة الحجّة على معاوية وأتباعه ، فإنّا نَزيدهُم من أقوال الإمام المعصوم علي بن أبي طالب (ع) مالا يَستقيمُ لرادٍّ عليه أيّ طريق ، فقال (ع) :


((أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ (تأمّل) حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ.)) [ نهج البلاغة خ173] .

تعليق : وهُنا فيتكلّم الإمام (ع) ، مُعلِّماً للناس أصولَ دينهِم ، وأنّ طريقَ الإمامة هي الشورى ، فيقول اعلموا أيهّا النّاس ، وتفهّموا ، وأيقِنوا ، أنّ أحقّ الناس بالإمامة ، هُوَ الأشجعُ والأقْوى والأعْلم فِي دين الله ، وطريقُ الاختيارِ هي الشّورى مِن قِبَل أهل الحلّ والعقد من صُلحاء الأمّة ممّن حضرَ دَعوة الدّاعي من بني فاطمة ، ثم يُبيّن الإمام ما على الخارجين على مَن اتفّق صُلحاء الأمّة عليه من بني فاطمة ، فيقول : فإن شغبَ أو خرجَ أو ألّبَ على الإمام خارجٌ أو مُؤلبٌ ، استُتيبَ ، وإلاّ فإنّهُ يُقاتَل . ثمّ يُبيّن الإمام أنّ اختيار الإمام لا يُشترطُ فيه حضور جميع النّاس ، بل يكفي فيه مَن حضرَ من صُلحاء المُسلمين . ثمّ لو تأمّلتَ أخي في الله قول الإمام (ع) : ((وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ )) ، بإزاء قوله : ((أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ )) ، نعم ! لو تأمّلتَهُ جيّداً لوجدتهُ يتكلّم عن مُستقبلِ النّاس ، ولا يتكلّمُ عن نفسهِ ، لَوجَدتهُ يُعلّمُ النّاس لمُستقبلِهِم ، يُعلّمهم كيف يَقِفونَ على إمام نبي فاطمة ، وذلكَ لأنّا وجدناهُ (ع) ، يخصّ بني فاطمة بالولاية دون غيرهِم ، فيقول : ((إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ)) ، وهذا فواضحٌ وَجهه بحمد الله ومنّه .


نعم ! فَأيّنا يتّبعُ عَلي (ع) ؟! ، نحنُ أثبتَنا إمَامتهُ ، وإمامَة ابنيه ، لَمَّا وَصَلنا نصٌّ صريح يقول بإمامتهِم ، ثمّ نحنُ طبّقنا مَبدأ الشّورى التي علّمَنا إياه إمامنا علي (ع) ، وحصرنَا الشورى في بطن فاطمة ، أبناء الحسن والحسين ، ثمّ نحنُ طبّقنا النّص في حقّ إمام آخر الزّمان (محمّد بن عبدالله) ، فهل اقتفَيتُم معشر الجعفريّة نهج علي (ع) . إن قُلتُم : نَعم . قُلنا : فأين الشّورى في نظريّتكم الإماميّة النّصيّة ؟! ، أم أنّ أمير المؤمنين (ع) ، أخطأ ، عياذاً بالله !! ، هذا ونحنُ قد اختصرنا في الاحتجاج ، واقتَصَرنا على بعض ما استودَعه النهج في هذا الشأن ، وإلاّ فإنّا نَطلبُ مُراجعة رسالتنا في الإصطفاء الإلهي ، فهي هامّة ، ونطلبُ مُراجَعَة جواب الشبهة التالية فهي شاملةٌ ومفيدة بإذن الله تعالى ، هذا وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] وعلى الباحث النبيه ، أن يريط بين دعوات أهل البيت (الزيدية) لأنفُسهِم باسم الرّضا من آل محمد ، وبين وقول الإمام علي (ع) القريب .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة السادسة والعشرون :

نحنُ بحاجَة إلى خِطابٍ مُفيدٍ ومُختصَر ، حول عقيدة الزيدية في الإمامة ، فالمعلوم أنّ شأن الإمامة عظيمٌ عند الله وعند الرّسول ، فهل يُعقَلُ أن يكونَ تحديد الأئمة بيد البشر؟! لماذا قالت الزيدية بإمامة ولد فاطمة (أبناء الحسن والحسين) ؟! وما الذي تُنكرهُ على قول الجعفرية في الإمامة النّصيّة ؟! .

الرد :

الردّ على صاحب الشّبهة ، سَنسرُدُه من أحد عشر وَجهاً ، بإذن الله تعالى :

الوَجه الأوّل : أنّه أُثِرَ لَنَا نصٌّ يقولُ بإمامة عليّ (ع) ، فقُلنا بإمَامَته ، ولَو لَم يَكُن عليه نصٌّ لقٌلنا بإمامَتِه استحقَاقاً وفَضلاً وجهاداً فاقَ به أقرانَه .



الوَجه الثّاني : أنّه أُثِرَ لنا نصٌّ يقول بإمامَة الحسن بن علي (ع) ، فَقُلنا بإمامَته ، ولَو لم يكُن نصّ لقُلنا بإمامتِه استحقَاقاً وفضلاً وجهاداً فاقَ به أقرانَه .



الوَجه الثّالث : أنّه أُثِرَ لنا نصٌّ يقول بإمامَة الحسين بن علي (ع) ، فَقُلنا بإمامَته ، ولَو لم يكُن نصّ لقُلنا بإمامتِه استحقَاقاً وفضلاً وجهاداً فاقَ به أقرانَه .



الوَجه الرّابع : أنّا وَجدنا من الرّسول (ص) وصيّةً عامّة في جَماعَة يُقال لهم أهل البيت ، جاء فيهِم روايات كثيرة ومشهورة ، فمنها قول الرّسول (ص) : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تَمسّكتم به لَن تَضّلوا من بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لَن يَفتَرِقَا حتّى يَردا عليّ الحوض)) ، وقوله (ص) : ((مثل أهل بيتي فيكُم كسفينة نوح مَن رِبها نجا ومَن تخلّف عنها غرقَ وهوى)) .. إلخ .



الوَجه الخَامس : أنّا بَحثَنا عن : مَنْ هُم هؤلاء الآل ، فوَجدَنا العُقول والنّقول ، تَقولُ أنّ مِن خِصالِ قُربهِم واستحقاقِهم لهذا الاسم (أهل البيت) ، أمور منها :

1- اختصاصهم بالرّسول (ص) ، بالقُرب ، واتصالهم بأصحاب الكساء ، فَنَظرْنَا فإذا هُوَ أمرٌ اشتركَ فيه أبناء الحسن والحسين .

2- استحقَاقِهم لإرث فَدك دونَ غيرهِم مِنَ النّاس ، فَنَظرْنَا فإذا هُوَ أمرٌ اشتركَ فيه بني الحسن والحسين .


31- دُخُولُهم في قول الله تعالى : ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) ، وقَرابَة الرّسول اشتركَ فيه أبناء الحسن والحسين ، وقال فيها الإمام الرّضا علي بن موسى (ع) : ((وَهَذِهِ خُصُوصِيّة لِلّنبي (ص) إلى يَومِ القِيامَة وَخُصُوصيّة للآلِ دُونَ غَيرِهِم))[1] [عيون أخبار الرضا:2/207] .


4- تحريم الصّدقة عليهِم ، فَنَظرْنَا فإذا هُوَ أمرٌ اشتركَ فيه أبناء الحسن والحسين .


5- إيجاب الخمس لهُم ، فَنَظرْنَا فإذا هُوَ أمرٌ اشتركَ فيه أبناء الحسن والحسين .


6- إجماع المُسلمين قديماً وحديثاً ، على تَسميَة أبناء الحسن والحسين بـ (أهل البيت) .


الوَجه السّادس : أنّا وَجدنَا أُناساُ يُخصّصون أهل البيت (ع) ، فيُطلقونَ هذه اللفظة على أفرادٍ تِعدادُهُم اثنا عشرَ شخصاُ ، علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، ومحمد بن الحسن الغائب . فَاستَغرَبنا هذا التخصيص منهُم بلا دليل ، الأمر الذي جَعلَنا نَطلُبُ منهُم الدّليل ، فَعِندَها رَووا مِن مسانيد الجعفريّة أخباراً ليسَ تَعرفُها الأمّة ، ولَم تشتَهر بين سادات بني الحسن والحسين ، فَرَدَدنا عليهِم : أنّ هذا غيرُ مُسَلَّمٍ لكُم ، فَدعواكُم كبيرَة ، ودليلكم ضعيف ، بمحدوديّة انتشاره وجهل سواد سواد المُسلمين به ، بل حتى شيعة أئمّتكم وخواصّهم به جَاهلون .

الوَجه السّابع : تأمّلنا في كتاب الله تعالى ، لكي تَطمئنّ قُلوبنا ، فَنَظرنا إلى قوله جلّ شأنُه : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ)) [فاطر:32] ، فنَظرنا مَن هُو المَقصود بالعباد المُصطَفَين ، فوجدناهُم جماعةً يُقال لهم ((آل محمّد ، أهل بيتِه)) ، فسألَنا أصحاب التخصيص في النّصوص ، أصحاب الإثني عشر ، عَن أقوالِ أئمّتهِم في : مَن هُم هؤلاء المقصودون في الآيَة ، فقالوا هُم مُجمعين على أنّ الآيَة تخصّ جميع ولد فاطمة ، وولد فاطمة فخصلةٌ اشتركَ فيها أبناء الحسن ، والحسين ، فزادَ يَقينُنا أنّ أهل البيت ، هُم أبناء الحسن والحسين ، وننقلُ أقوال أئمّة الجعفريّة في هذا ، ونحنُ فنطلُب التركيز على الشّاهد (نعني اعتبار بني فاطمة من أهل البيت) :

[ أولاً : أقوال أئمة الجعفرية في خصوصيّة آية فاطر بأهل بيت الرسول(ص) ] :

1- روى الصّفار في بصائر الدرجات (ص44) ، بسنده :

((عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا . . الآية ، قال : السابق بالخيرات الإمام ، فهي في ولد علي وفاطمة عليهم السلام )) .

2- أورد المجلسي في البحار 23/218 :

((عن أبي إسحاق السبيعي قال : خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية : ثمأورثنا الكتاب . . الآية ؟ فقال : ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق ؟ يعني أهل الكوفة ، قال : قلت يقولون إنها لهم ، قال : فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة ؟ ! قلت : فما تقول أنت جعلت فداك ؟ فقال : هي لنا خاصة يا أبا إسحاق ، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت [ وأهل البيت هم ذرية فاطمة بني الحسن والحسين ] ، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل ، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاءفي التائبين وهو مغفور له )) .

3- ((عن الريان بن الصلت، قال: حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق والخراسان، فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) . فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها. فقال المأمون: ما تقول، يا أبا الحسن؟ فقال الرضا (عليه السلام): لا أقول كما قالوا، ولكني أقول: أراد الله العترة الطاهرة .. إلخ )) .

تعليق :وهُنا تأمّل إثبات الرّضا صلوات الله عليه أنّ الآية تخصّ العترَة الطاهرة ، ولو تتبّعنا كامل الرواية المُشار إليها لوجدنا أنّه يقصد بالعترة جميع بني الحسن والحسين ، لا أنّهُ يعني أفراداً مُعيّنين منهم . [عيون أخبار الرضا :2/207] .


4- روى في الثاقب في المناقب للطوسي (ص566) :


((وعنه قال : كنتُ عندَ أبي محمّد [الحسن العسكري] عليه السلام فسألته عن قول الله تعالى : ((ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله)) ؟ فقال عليه السلام : كلهم من آل محمد عليهم السلام ... إلخ . )) .


5- روى ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي 1/215 :


((عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " الآية، قال: فقال: ولد فاطمة عليها السلام ... إلخ )) .

6- روى الصّفار في بصائر الدرجات (ص66) ، بسنده :

((عن عمّار الساباطى عن أبى عبد الله عليه السلام : ((ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)) قال : قال : هم آل محمد .. إلخ )) .

7- روى الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل (وهو كتاب لهُ مكانتُه عند الجعفرية) ، 2/15:

((عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين ، قَال : إنّي لَجَالِس عِندَهُ ، إذ جَاءَه رَجُلان مِن أهل العِراق ، فقالا : يا ابن رسول الله جئناكَ كَي تُخبِرَنَا عَن آياتٍ مِنَ القرآن . فَقَال : وَ مَا هِيَ ؟ قَالا : قول الله تعالى : ((ثمّ أورَثنا الكتاب الذين اصطَفينا)) فَقال (ع) : يَا [و] أهلَ العِراق أيش يقولون ؟ قَالا : يقولون : إنّها نَزَلَت في أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فَقال : علي بن الحسين : أمّة محمّد كلّهم إذا في الجنة ! ! قّال : فَقلتُ مِنْ بَين القَوم : يَا ابن رسول الله فِيمَن نَزَلَت ؟ فَقَال : نَزَلت و الله فِينَا أهل البَيت ثَلاث مَرّات . قُلتُ : أخبِرنَا مَنْ فِيكُم الظّالِمُ لِنَفسِه ؟ قَال : الذي استوَت حَسَنَاتُه و سَيئاتُه و هو في الجنّة ، فَقلتُ : و المُقتصد ؟ قال : العابِد لله في بيته حتى يأتيه اليَقين ، فَقلت : السّابق بالخيرَات ؟ قَال : مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه )) .

8- وجاء في تفسير أبي حمزة الثمالي ، ص276 ، لجامعه عبدالرزاق حسين حرز الدين ، والذي قدّم له الشيخ العلامة محمد هادي معرفة ، والصادر في إيران ، جاء فيه رواية عن الشيخ الصدوق تُشبه رواية الحسكاني ، اللهم ان الصدوق رواها عن أبي جعفر الباقر (ع) ، فجاء في التفسير ، ما نصّه :


((249 - [ الصدوق ] حدثنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى البجلي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو عوانة موسى بن يوسف الكوفي، قال حدثنا عبد الله بن يحيى، عن يعقوب بن يحيى، عن أبي حفص، عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالسا في المسجد الحرام مع أبي جعفر (عليه السلام) إذ أتاه رجلان من أهل البصرة فقالا له: يابن رسول الله إنا نريد أن نسألك عن مسألة فقال لهما: اسألا عما جئتما. قالا: اخبرنا عن قول الله عز وجل: ((ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرت بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير)) إلى آخر الآيتين. قال: نزلت فينا أهل البيت. قال أبو حمزة فقلت: بأبي أنت وأمي فمن الظالم لنفسه ؟ قال: من استوت حسناته وسيئاته منا أهل البيت فهو ظالم لنفسه. فقلت: من المقتصد منكم ؟ قال: العابد لله ربه في الحالين حتى يأتيه اليقين. فقلت: فمن السابق منكم بالخيرات ؟ قال: من دعا والله إلى سبيل ربه وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ولم يكن للمضلين عضدا. ولا للخائنين خصيما، ولم يرض بحكم الفاسقين إلا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعوانا)) .

9- روى الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل (وهو كتاب لهُ مكانتُه عند الجعفرية) ، 2/15:

((عن أبي خالد ، عن زيد بن علي في قوله تعالى : ثم أورثنا الكتاب و ساق الآية إلى آخرها و قال : الظالم لنفسه المختلط منا بالناس و المقتصد العابد و السابق الشاهر سيفه يدعو إلى سبيل ربه )) .


[ ثانياً : أقوال مُفسّري وفقهاء الجعفرية في خصوصيّة آية فاطر بأهل بيت الرسول(ص) ] :



10- يقول علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (تفسير القمي) 2/209 : ((ثمّ ذَكَرَ [الله] آل محمد ، فَقَال : (( ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا )) ... إلخ )) .

11- أيضاً انظر تفسير نور الثقلين (4/361) وما بعدها ، للشيخ عبدعلي العروسي الحويزي ، تجده جامعاً الأخبار الدالّة على اختصاص بني فاطمة بالآية دون غيرهم من الناس ، بشكل جيّد ، فراجعه .

نعم ! وبهذا القدر من النقولات أكتفي ، وهي لذوي الألباب كافيَة .

الوَجه الثّامن : بعد التَيقّن ، مِنْ أنّ تِلكَ الجماعة التي وصّى بها الرّسول (ص) ، هُم أبناء الحسن والحسين ، ذهبْنا إلى أنّهم بعد مَدْح الله والرّسول لهُم ، لن يُخالِفُوا الحقّ ، والحقّ فسَيبقَى فيهِم ومَعهُم ، فهُم لابُدّ وأن يَكُونُوا المَتبوعينَ وغيرهم التّابعين ، فَزِدنا التأمّل في كتاب الله تعالى ، فوَجدنا الله تعالى يُخبر بإمَامَةِ وَلَد فَاطِمَة هؤلاء ، الذين هُم أهل البيت، فيقول الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) ، فأقرّ الله الإمامة لبني فاطمة هؤلاء ، واستَثنى الظّالمين منها ، ونحنُ والجعفريّة فمُتّفقون على أنّ الآيَة تُثبتُ أحقيّة أهل البيت بالإمامَة ، نعم ! فَعِندَها أيَقنّا بعدَ شكِّنَا ، فسلّمّنا أنّ الإمَامَة لا تَخرجُ عن أخيارِ بني فَاطمة دونَ ظالميهِم .

الوَجه التّاسع : أنّا نَظرْنا إلى بني فاطمة هؤلاء ، فوجدَناهُم كُثُر ، ويَتفاوتون في العِلم، فمِنهُم العَالِمُ ، والمُتعلّم ، والعابِدُ ، والجاهل ، والضّال ، فقُلنا : لا يكونُ الإمامُ منهُم إلاّ عالِماً بِما يَحتاجهُ المُكلّفون ، وأمّا الجاهلون والضُلاّل فليسوا يَستحقّون الإمامَة لإخراج الله لهُم منها ((لا يَنالُ عَهدي الظّالمين)) ، فطَلَبنا الدّليل ، وقد سبقَ وأن أُبْطِلَت النّصوص الشّخصيّة بعد الحسين (ع) ، بَل لَم نَجِد عليها دليلاً يُركَنُ عليه من غير طريقِ الجعفريّة ، وهُم مُتّهَمون ، فزادَت حِيرَتُنا ، الله يُخبرُ أنّ الإمامةَ في آل محمّد (بني فاطمة) إلاّ الظالمين منهُم ، والرّسول (ص) يُوصّي بهِم ، ويَقرُنُهم بكتاب الله ، ويَصِفُهم بِسفينَة نوح ، ولكن كيفَ الطّريقُ إلى الإمام من بني فاطمة؟! ، فجاء أمير المؤمنين المعصوم علي بن أبي طالب (ع) يُخبرُنا بما يَشفي الغليل ، ويَروي ظَمَأ النّفوس ، وَجدناهُ يُعلّمُنا أنّ طريقَ الإمامة هُو الشّورى (الدّعوة) ، فمَتى اجتمعَ أهل الحلّ والعقد من العلماء على رَجُلٍ ، مُستوفياً لشرائط الإمامة ، كانَ ذلك الإمام اللازمُ الإجابَة ، أو مَتى ما دَعا عالمُ بني فاطمة (من بني الحسن أو الحسين) فاجتمعَ عليه أهل الحلّ والعَقد كان ذلكَ الإمام اللازمُ الإجابَة ، فقال أمير المؤمنين (ع) : ((أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ (تأمّل) حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ)) [ نهج البلاغة خ173] . نعم ! فمِن هذا القول الشّريف ازداد يَقنُنَا في انتفاء النّص الخاصّ بالاسم بعد الحُسين السّبط (ع) ، وهُو الذي تَقولُ به الجَعفرّية ، وازدادَ يَقينُنا في أنّ طريق الإمامة هي الدّعوة ممّن استوفى شرائط الإمامة من بني فاطِمَة ، وإنّما قُلنا : (مِن بني فاطمة) ، لأنّ الكتاب قالَ بهذا ، والرّسول حثّ على الإتّباع لهُم ، وأمير المؤمنين صرّح بهذا ، عِندمَا قال : ((إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ)) [ نهج البلاغة خ143] ، وزادَ الإمام زيد بن علي في الإيضاح ، بقوله : ((الإمَامَةُ والشّورَى لا تَصلُح إلاّ فينَا)) [مجموع رسائل الإمام زيد بن علي (ع) ، ص381] . نعم ! فتنبّه لهذا رعاكَ الله تعالى .

الوَجه العَاشر : أنّا راَجَعْنَا أصحاب النّص على الإثني عشر ، وقُلنا لهُم : الشورى التي صرّح بها الإمام علي (ع) ، والوَصف الذي وَصَفه في النّهج لا يَنطبقُ على أئمّتكم المنصوصُ عليهِم؟! ، وعليٌّ فإمَامُنا وإمَامُكُم ، والنّهج فَصحيحٌ عِندَنَا وعِندَكُم ، والقيامُ والدّعوة فاجتماعُ أهل الحلّ والعقد والنّاس ، فأمورٌ مُخالفَةٌ لكُم ، ورَادّةٌ عليكُم ، على أنّا نَزيدُ توضيحَ المَسألِة لكُم بعد الذي كان وذُكِر ، بِذكر صِفَة أئمّة الزيديّة ، عن طريق الدّعوة والقيام ، بِطرُقٍ لَستُم تُنكرونَها ، فروى ثِقة الجعفريّة محمد بن يعقوب الكُليني ، قولَ الزيديّة في طريق الإمامَة : ((عَنْ جَابِر، عَن أبي جَعفَر عليه السلام ، قال: قَال: لمَا نَزَلَت هَذِه الآيَة: ((يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أنَاسٍ بِإمَامِهِم)) ، قَالَ المُسلمون : يَا رَسُولَ الله ، ألَسْتَ إمَامَ النّاسِ كُلّهم أجْمَعين؟ قَال : فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله : أنَا رَسُول الله إلى النّاس أجْمَعِين ، وَلكِنْ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي أئمّةٌ عَلى النّاسِ مِنْ الله مِنْ أهْل بَيتِي، يَقُومُون فِي النّاس فَيُكَذَّبُون، وَيَظْلِمُهُم أئمّةُ الكُفْر وَالضّلال وأشْيَاعَهُم، فَمَنْ وَالاهُم، واتّبَعَهُم وَصَدّقَهُم فَهُو مِنّي وَمَعِي وسَيَلْقَانِي، ألا وَمَنْ ظَلَمَهُم وَكَذَّبَهُم فَليسَ مِنّي وَلا مَعِي وأنَا مِنهُ بَرئ)) [أصول الكافي:1/215] ، نقول : وهذا الحَديث فيشهَدُ لقول الزّيديّة ، فالأئمّة منهُم بنصّ الله العامّ فيهِم ، فهُم أئمّةُ مِنَ الله ، والأئمّة عند الزيدية فمِن أهل البيت ، وسبقَ أنّ أهل البيت ، لَفظَةٌ يَدخُل تحتها جميع ولد فاطمة ، أبناء الحسن والحسين ، وأئمّة الزيدية هُم القائمونَ في النّاس ، والقيامُ فيُرادفُ الدّعوة الفاطميّة بالإمامَة، وأئمّة الزيديّة فكَذّبت النّاس دَعواتهُم ، وتَخاذلوا عنهُم ، وظَلَمهُم أئمّة الكُفر (سلاطين الجور) ، فَقتّلوهُم ، وشَرّدوهُم ، وأسَروهُم ، والله المُستعان .

الوجه الحَادي عشر : أنّا نَظرنا إلى الإمام الدّاعي من بني فاطمة ، وهُو في بلاد اليَمَن ، واجتمعَ عليه رجالات الحلّ والعقد من العُلماء وبايَعوه ، هَل يَعني هذا أنّه إمامٌ لأهل اليمن فقط ، لأنّ عُلماء أهل الحجاز والعراق وفارس لَم يحضروا ولَم يُبايعوا ، فَهل يكونُ هذا الدّاعي إمامُ عليهِم ؟! ، فنَظَرنا وتَدَبّرنا في الأدلّة النقليّة ، والشواهد التاريخيّة ، فَوَجدْنَا الإمام علي (ع) يُصرّح في كلامهِ السّابق أنّ الحاضِرَ حُجّةٌ على الغائب ، وأنّ مَن اشترطَ حُضورَ جميع النّاس لكي تَتِم البيعَة بالإمامة ، فإنّ هذا ليسَ لهُ سبيل ، فقال (ع) : ((وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ (تأمّل) حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ)) ، وهذا فواضِحٌ وجهه عنه (ع) ، وهذا ما كانَ مِنَ طريق النّقل ، وأمّا من طريق الشّواهد التّاريخيّة فإنّ إمامَة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) (ت169هـ) ، عُقِدَت باجتماع عُلماء آل الرّسول وساداتهِم ، كيحيى بن عبدالله المحض ، وإدريس بن عبدالله ، وسليمان بن عبدالله ، وموسى بن جعفر ، والحسن بن محمد النّفس الزكيّة ، وغيرهُم من سادات آل محمّد ، فانعَقدَت إمَامَتُه ، وأشهرَ دَعوتَه ، ولَزِمَ النّاس إجابَتها ، والقاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) (169-246هـ) ، عُقِدَت إمامتهُ بحضور أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) ، وعبدالله بن موسى بن عبدالله المحض ، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ، ومحمد بن منصور المُرادي ، فانعَقدَت إمَامَتُه ، وأشهرَ دَعوتَه ، ولَزِمَ النّاس إجابَتها ، وكَذَلِكَ الحال مَعَ النّفس الزكيّة محمد بن عبدالله المحض (ع) .

هذا وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة السابعة والعشرون :

أوردَ الإمام أحمد بن يحيى المرتضى ما يبعث في النفس الريبة بخصوص زواج المتعة ، حيث أثبتَ أنّه حلال عند الصادق وأبيه الباقر عليهما السلام ، ونصّ كلام صاحب شرح الأزهار ((وقالت الإمامية : إنه [أي زواج المتعة] حلال . قال الفقيه يوسف : وكذا في شرح الإبانَة عن الصّادق والباقر)) [شرح الأزهار:4/543] ، فما رأي الزيدية في مثل هذا الكلام ؟! .

الرّد :

اعلم رحمنا ورحمك الله تعالى أنّ سادات أهل البيت (ع) مُجمعونَ على تحريم المُتعَة ، ومنهُم الباقر وابنه الصّادق صلوات الله عليهما ، وما نُقِلَ عن صاحب شرح الأزهار فإنّه للأسَف يُنقَل من بعض الإخوة الجعفرية نقلاً مبتوراً مُوهماً ، وسياق الكلام كاملاً ، قوله (ع) : ((وقالت الإمامية : إنه [أي زواج المتعة] حلال . قال الفقيه يوسف : وكذا في شرح الإبانَة عن الصّادق والباقر. قال في شرح الإبانَة : ولابدَّ عندَهُم (أي الباقر والصّادق) من الوَلي وشاهِدَين عَدلَين)) [شرح الأزهار:4/543] ، وفيه اعلم أنّ بعض السّلف من أهل البيت (ع) يُطلقون على الزواج الدائم زواجَ مُتعَة ، وجاء إطلاق المُتعَة على الزواج من جهَة الاستمتَاع الحاصل للزوجين بِبعضِهِما البعض عند الزواج ، ومنه فسّروا قول الله تعالى : ((فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ)) [النساء:24] ، بالاستمتاع الحاصل بين الزوجين في الزواج الدائم ، قال الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) مُفسّراً معنى الاستمتاع في الآية القريبة : ((فَالاستمتاع هُو الدّخول بهنَّ على وَجه النّكاح الصّحيح)) [أمالي أحمد بن عيسى (ع)] ، فالمُتعَة لفظةٌ لها تعريفٌ عند الزيدية مُغايرٌ لما عرّفتها به الجعفرية ، قال الإمام الهادي إلى الحق (ع) وهُو من أشدّهم تقريعاً وزجراً ونهياً عن زواج المتعة المعروف عند الجعفرية : ((المُتعَةُ عِندَنَا فَهِي النّكَاحُ والاستمتَاع بِالنّسَاء على طَريقِ مُلك عقدَة النّكَاح بِعَقِد الأوليَاء وَشَهَادَة عَدْلَين مِنَ الشُّهَدَاء)) [الأحكام في الحلال والحرام:1/349] ، وتعريفُ الهادي (ع) لزواج المتعة هُو قول الباقر والصادق صلوات الله عليهما ، تأمّل سياق كلام صاحب شرح الأزهار : ((قال الفقيه يوسف : وكذا في شرح الإبانَة عن الصّادق والباقر. قال في شرح الإبانَة : ولابدَّ عندَهُم (أي الباقر والصّادق) من الوَلي وشاهِدَين عَدلَين)) فحكايَة اشتراط الباقر والصادق للولي والشّاهِدَين ثابتَة ولكنّه يغفلُ عنها مَن يريدُ التمويه والتدليس والله المُتسعان ، نعم ! على أنّه يبقى أمرٌ يجدرُ التنبيه عليه ، وهُو أنّ سياق كلام صاحب الشرح كان يتكلم عن التوقيت في الزواج ، عليه فقد يوهُمُ كلامهُ أنّ الباقر والصّادق يَقولان بزواج مُتعةٍ بشرط الولي والشاهدين ، ويُجيزان التوقيت في العقد ، وهذا باطلٌ عنهما (ع) جُملةُ وتفصيلاً ، فالصادق (ع) صحّ عنه أنّه نهى عن التوقيت في الزواج واعتبرَ التوقِيتَ زِناً ، روى الحافظ محمد بن منصور المرادي ، بإسناده : ((عن عبدالرحمن بن الأصبهاني ، قَال: سَألتُ جَعفر بن محمّد عن المتعَة، فَقال: صِفهَا لِي. قُلتُ: يَلقَى الرّجلُ المرأةَ فَيقولُ: أتزوجُّكِ بِهَذا الدّرهم وَقْعَة ، فَقال (ع) : هَذَا زِنا)) [أمالي أحمد بن عيسى بن زيد (ع)] ، أضف إلى ذلك أنّ الجعفرية نفسها روت عن الصّادق (ع) أنّه قال وقد سُئلَ عن زواج المُتعَة : ((ما تَفعلُها عندَنا إلاّ الفَواجِر)) [بحار الأنوار:100/318] ، والفواجِر هُنَّ الزّواني ، وهذا يُقوّي ما رَوته الزيدية عنه (ع) ، وأوردَ المجلسي الجعفري : ((عن عبد الله بن سنان قَال: سَألتُ أبَا عبد الله عليه السلام عَن المُتعَة فَقال: لا تُدنّس نَفسَكَ بِهَا)) [بحار الأنوار:100/318] ، هذا وقد شَهِدَ تُرجمان أهل البيت ، ونجم آل الرّسول القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (169-246هـ) ، بِشهادَةٍ تكفي والله مَن أنصَف نفسَه مِن نفسِه ، فقال (ع) مُتكلّما عن زواج المتعة : ((ولَقَد أدْرَكْنَا مَشَايخنَا مِن أهلِ البيت، ومَا يَرَى هذا مِنهُم أحَد، حَتّى كَانَ بِآخرِه أحدَاثٌ سُفهَاء ، رَوَوا الزّور والكَذِب [ يُريد القاسم (ع) أنّ هُناكَ من روَى كذباً وزوراً عن أهل البيت قولَهُم بالمتعة ])) [أمالي أحمد بن عيسى (ع)] ، هذا وقد أدركَ القاسم (ع) ، موسى الكاظم ، وعلي بن موسى الرّضا ، من أئمة الجعفرية ، وبشهادَة أبي محمّد القاسم (ع) ، وبالصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين نختمُ الكلامَ حول هذه الشبهة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

أحمد يحيى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1079
اشترك في: الثلاثاء يوليو 24, 2007 1:09 am

مشاركة بواسطة أحمد يحيى »

بارك الله فيكم ورفع قدركم في الدنيا والآخرة

وزادكم من بحور علمه ورزقكم كل الخير والصلاح

ونفعنا بكم وبعلمكم وجهودكم...


أثلجتم صدورنا ... وأوضحتم المبهوم ... وأبرزتم المغمور


لله دركم ... وزاد الله الشباب والرجال العلماء أمثالكم

واصلوا مسيرة من سبقكم على درب العلم والهدي القويم


وسلام الله ورضوانه عليكم وعلى كل علمائنا وأئمتنا الأطهار

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
" أعيش وحبكم فرضي ونفلي .... وأحشر وهو في عنقي قلادة"

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“