القرآن في الفكر الإسلامي هل هو مخلوق أم قديم؟ 6/6

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

القرآن في الفكر الإسلامي هل هو مخلوق أم قديم؟ 6/6

مشاركة بواسطة المتوكل »

القرآن في الفكر الإسلامي هل هو مخلوقٌ أم قديم ؟


بقلم الأستاذ / ماجد بن هاشم المتوكل

---------

الحلقة الأولى

مدخل تاريخي :-



مسألة خلق القرآن – الذي هو كلام الله – من أبرز وأشهر المسائل الكلامية وأكثرها خصوصية وحساسية في تاريخ الفكر الإسلامي بشكل عام ، وعلم الكلام بشكل خاص مع أنها فرع وليست أصلاً كونها تندرج تحت أصل التوحيد لدى العدلية ، وخصوصيتها تعود إلى ما قيل في إحدى التفسيرات من أن علم الكلام سمي بهذا الاسم نسبة إلى موضوعها الأساسي الذي دار حوله خلاف فكري حاد بين المسلمين وهو ( كلام الله عزوجل هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟) .

أما شهرتها وحساسيتها – دون غيرها من مسائل ومباحث أصول الدين وعلم الكلام – فتعود إلى تلك الأحداث التاريخية المأساوية التي عرفت في كتب التاريخ بالمحنة ، واختلط فيها الفكر بالسياسة ، وكان لهذه الأخيرة دور رئيسي في إخراج المسألة من إطارها الفكري ، وتأجيج الصراع بين المعتزلة وأهل الحديث ، وإشعال الفتنة والعداء الفكري بينهما الذي امتد للأسف الشديد وألقى بظلاله بعد ذلك على سائر المسلمين ومدارسهم سواءً بالموافقة لهذا الطرف (فكرياً ) أو ذاك .

إثر تدخل الدولة السافر آنذاك – ممثلة في الخلفاء العباسيين بدءاً بالمأمون عام 218هـ - لحسم الخلاف والصراع الفكري بالقوة لصالح هذا الطرف ضد ذاك ثم العكس زمن المتوكل العباسي عام 232هـ - من خلال ممارسات قمعية علنية بدأت أحداثها من زمن الخليفة العباسي المأمون الذي عرف بميله إلى مذهب المعتزلة ومنهجهم العقلي ، فقربهمبعد كبت واضطهاد فكري وقمع سياسي سابقوتبنى مذهبهم وآراءهمبعد أن كان محظوراً عليهم نشرها أو الإعلان عنهاوقلد أحد رجالاتهم القضاء والوزارة ، ( وهو القاضي المعتزلي أحمد ابن أبي داود ) ، وفي عام 218هـ كتب كتاباً بإيعاز ابن داود – إلى ولاته وعماله على الأمصار والأقاليم يأمرهم فيه بأن يحملوا الناس على القول بـ ( خلق القرآن ) ، ويمتحنوا القضاة والمحدثين والفقهاء في ذلك ، ... الخ .
وبدأت المأساة بعقدة لتلك المجالس في بغداد لامتحانهم ومناظرتهم والتي يشرف عليها ويعقدها بعد ذلك ابن أبى داود ليتعرض الكثيرون للجلد والسجن وقطع الأرزاق ، وبلغ الأمر حد قتل البعض وقد أجاب منهم من أجاب خوفا ورهبه وامتنع آخرون ومنهم الإمام احمد بن حنبل ،واستمرت تلك السياسة والمحاكمات في عهد المعتصم ثم الواثق وبإشراف من أبي داود قرابة أربعة عشر عاما انتهت عام 232هـ ، عرفت في تاريخ الفكر الإسلامي بـ( محنة خلق القرآن )بعد أن طالت سنواتها واشتد الأمر فيها على أهل الحديث وطغت مظاهر الاضطهاد والقمع والتنكيل بالعلماء وازداد خلالها سخط العامة ونقمتهم وكراهيتهم للمعتزلة وانعكس ذلك وبشده على موقفهم من فكر المعتزلة والآراء الكلامية ومسألة خلق القرآن بشكل خاص ناهيك عن كونها من المسائل الكلامية التي يصعب عليهم فهمها واستيعابها وإدراك موضوعها الكلامي وهضم أدلتها العقلية ما يجعلهم يرفضونها وينفرون منها فما بالك وقد فرضت عليهم بالقوة وتعرض للجلد والسجن بسببها صلحاؤهم وعلماؤهم من أهل الفقه والحديث الذين هم اكثر ارتباطاً بهم وتأثيراً عليهم وانقياداً لهم ...
ومن المؤسف أن المعتزلة لم يكونوا مجرد مؤيدين بل كانوا وراء كل ذلك منذ البداية برغم انهم تعرضوا من قبل للإضطهاد والكبت والإرهاب الفكري والقمع السياسي بسبب آرائهم وحوربوا من قبل التيار النصوصي الغالب لاسيما مدرسة أهل الحديث التي عرفت بموقفها العدائي منهم ومن منهجهم والمتكلمين بشكل عام واعتبرتهم أهل أهواء وبدع وعبأت العامة ضدهم ، وقد تعرض الكثير من المعتزلة الذين كانوا محظوراً عليهم أن يعلنوا عن آرائهم فضلاً عن أن ينشروها – تعرضوا للسجن في عهد هارون الرشيد وقد روي انه أقسم أن يضرب عنق بشر المريسي أحد علمائهم لما بلغه انه يقول بأن القرآن مخلوق بل أن ذلك وقع منه بالفعل بحق أحدهم بسبب هذا القول . حيث روى ابن كثير في تاريخه أن بعضهم قال : " دخلت على الرشيد وبين يديه رجل مضروب العنق والسياف يمسح سيفه في قفا الرجل المقتول ، فقال الرشيد قتلته لأنه قال القرآن مخلوق (1) " .


ومن جهة أخرى فإن المعتزلة عرفوا بمنهجهم العقلي وتحررهم الفكري ومحاربة الجمود والتقليد ودورهم الذي لا ينكر في الدفاع عن العقيدة الإسلامية في مواجهة الحملات الفكرية التي كان يشنها أعداء الإسلام من اتباع الديانات الأخرى وغيرهم ضد الإسلام إلى جانب ما تسرب إلى المجتمع الإسلامي وراج بين العامة من أفكار خاطئة ومدسوسة نتيجة ذلك .. كما لا ينكر أن الحضارة الإسلامية على صعيد العلوم والفكر والفلسفة والترجمة شهدت ازدهاراً كبيراً خلال الفترة التي سادوا فيها فكرياً وسياسياً وبرغم كل ذلك إلا انهم افسدوا أمرهم بارتكابهم لذلك الخطأ القاتل والعمل الشنيع واستغلالهم لنفوذهم في استعداء الدولة ضد خصومهم ودفع المأمون إلى تبني رأيهم في القرآن والإعلان عنها كعقيدة رسمية للدولة وفرضها بالقوة والإكراه على المحدثين والقضاء باعتبار أن استجابة الناس مرهونة باستجابتهم فكان ماكان من محاكمات وامتحانات وحبس وجلد وتنكيل وقتل وغير ذلك مما تجاوزوا فيه حدود الشرع والعقل وخالفوا مبادئهم نفسها القائمة أساساً على الحرية التي اصلوا لها على المستوى النظري أساءوا إليها وصادروها على المستوى التطبيقي فكانت تلك الضجة وتلك المحنة هي غلطتهم الكبرى التي أساءوا فيها للفكر ودفعوا ثمنها غالياً فكراً وفرقة ، بعد أن استمرت محنة خلق القرآن ما يقارب الأربعة عشر عاماً حتى إذا ما تولى المتوكل العباسي عام 232هـ الذي أراد أن يكسب العامة أقصى المعتزلة ونكل بهم ومنع الكلام والتحدث والجدل والرواية وانتصر للمحدثين وقربهم إليه وأعلى من شأنهم لاسيما الإمام احمد بن حنبل واسند إليهم القضاء وأطلق يدهم على البلاد والعباد جاء انتقام هؤلاء واتباعهم وأنصارهم من العوام والجهله جارفاً وعنيفاً ومتجاوزاً لكل حل ليقضوا على المعتزلة كفرقة والى الأبد وعلى كتبهم ومؤلفاتهم وتراثهم الفكري الضخم والمتميز عدا النزر اليسير مما لم تطاله أيديهم .


أما على صعيد مسألة خلق القرآن – وهو ما يهمنا هنا – فإنهم لم يترددوا في تجاوز حدود الشرع بتفكيرهمومنهم الإمام احمد بن حنبل كما نقله عنه الحنابلة – للقائلين بخلق القرآن كفراً يخرج من الملة !! بل كفر من لم يكفرهم أو يشك في كفرهم !!
ومن ذلك قول أبي حاتم الرازي أحد علماء الحنابلة كما جاء في طبقات الحنابلة ( 1/286 ) :- ( من زعم انه مخلوق مجعول – يعني القرآن – فهو كافر كفراً ينقل به عن الملة !! ، ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر ) (2) ، ناهيك عن قولهم :" إن من هذه مقالته إن لم يتب لم يناكح ولا يجوز قضاؤه ولا تؤكل ذبيحته ) .(3) .

أما على الصعيد الفكري فإن رأيهم في مسألة خلق القرآن لم يتوقف عند حدود اعتبارها من الأقوال والاعتقادات الكفرية المخرجة عن الملة كما رأينا بل تجاوزوا ذلك إلى الخوض في موضوعها بغير علم أو مستند ليتبنوا وجهة النظر المعارضة وهي القول بأن القرآن قديم وغير مخلوق في مقابل القول بأنه مخلوق (4) ويحملون الناس على ذلك ويرهبونهم ، ويمتحنون كل قادم عليهم من الأمصار الأخرى حتى وإن لم يكن عارفاً بقولهم ولا مدركاً لموضوعه ،
فإن سئل عن القرآن واكتفى بالقول بأنه كلام الله ، وتوقف ولم يقل بمقالتهم ،لم يقبلوا منه ذلك حتى يقول بمقالتهم فإن أجاب أجازوه وإن أبى وتوقف حكموا بكفره واعتبروه من الواقفة الملعونة !! وفي ذلك يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه أحمد بن حنبل ص294 : " كان يكفي أن يقول الرجل القرآن غير مخلوق حتى يستجاز قوله وإن تردد ولو للتروي والتفكير نبذ ورد " . (5) .


في حين ان أساس موقف أهل الحديث – الذين تعرضوا بسببه من قبل لما تعرضوا له أبان المحنه – وهو الامتناع عن القول بخلق القرآن والاكتفاء بالقول بأن القرآن كلام الله ولم يكونوا يرون بأن القرآن غير مخلوق أصلاً بل كانوا متوقفين ! ، بحجة أن النبي صلى الله عليه وآله سلم لم يتناول الموضوع برمته كونهم أهل حديث ورواية وليسوا أهل فكر ونظر – ولا خاض فيه الصحابة ولا التابعون الأخيار ولا ورد نص في كتاب الله ولا سنة نبيه تصف القرآن صراحة بأنه مخلوق .. وكانوا ينهون نتيجة لذلك عن الخوض في الاراء الكلامية ويعتبرون ذلك بدعة في الدين ..

وإذا بهم يتجاوزون نهيهم وتبديعهم هذا وحججهم تلك ومنهجهم النصوصي بتبنيهم بعد ذلك القول بأن القرآن غير مخلوق ! ، وهذا خوض واضح فيما نهوا عنه أنكروه بشده على خصومهم وفيما لم يخض فيه الصحابة ودون علم أو دليل أصلاً ناهيك عن أن يكون ثمة نص قرآني أو حديث نبوي لاصريح ولا غير صريح يؤيد ما ذهبوا إليه ليتبعهم على ذلك اتباعهم ومقلدوهم من أدعياء العلم والعوام والجهلة وكل من لافهم له أو علم ويرددونه ويحاكمون الآخرين في أمره ويمتحنونهم متمسكين بالألفاظ لا يفهمون معانيها ولا يدركون حقيقتها تعصباً وتقليداً ومتابعة عمياء لا أكثر .


ونشير هنا إلى أن فكرة قدم القرآن كانت قد ظهرت على نطاق ضيق وهناك شواهد تاريخية تشير إلى ذلك ، وتبني أهل الحديث لها بعد ذلك وان كان قد أتى في سياق ردود الأفعال العكسية والمعارضة اللاوعية لأعدائهم المعتزلة ، إلا انه يعتبر نتيجة طبيعة في نهاية المطاف لموقفهم المعارض منذ البداية من القول بخلق القرآن وهو موقف كان له أسبابه الفكرية والمنهجية المعرفية وقد أشرنا سابقاً إلى بعضها وسنأتي عليها في الحلقات القادمة إن شاء الله عندما نتناول المسألة في زاوية فكرية محضة .


كما يجب أن نشير إلى أن الحنابلة على وجه الخصوص هم الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وقادوا حركة الانتقام لذلك وفرضوا أنفسهم كممثلين لأهل الحديث وفعلوا ما فعلوه وخاضوا في المسألة بغير علم ولا فهم وأحدثوا كل تلك الضجة وأثاروا العوام والجهلة ( وجل اتباعهم منهم ) .

وعرفوا دون سائر مذاهب أهل السنة وعلمائها واتباعها بالتعصب الشديد والسطحية والإغراق في النصوصية والحشو والتجسيم والتشبيه واشتهروا بتكفير وتفسيق وتبديع مخالفيهم وهم الذين أطلقوا فتاوى التكفير تلك بحق القائلين بخلق القرآن وتكفير من لم يكفرهم أو يشك في كفرهم أو يتوقف في أمر القرآن برمته متجاوزين بذلك ابسط الظوابط الشرعية خلافاً لغيرهم ممن تبنوا القول بأن القرآن غير مخلوق ،– وذلك من حقهم بالطبع ولا ننكره عليهموهم الأشاعرة وجمهور أهل السنة من الشافعية والمالكية والحنفية الذين برغم اتفاقهم مع الحنابلة في أمر القرآن من حيث المبدأ إلا انهم لم يسلموا أيضاً من فتاوى التكفير الحنبلية لأنهم خالفوا الحنابلة في التفصيل ، وقالوا بأن ( لفظنا بالقرآن مخلوق ) ، فكفر الحنابلة من يقول بذلك ، وقد نقلوا هذا التكفير عن إمامهم احمد بن حنبل وبهذا فإن سائر المسلمين كفار لدى الحنابلة !! ،

حيث وأن المعتزلة والزيدية والإمامية والأباضية يقولون بخلق القرآن والأشاعرة وجمهور السنة يقولون لفظنا به مخلوق !! ....

علماً بأن هناك من أئمة أهل الحديث من يقول بهذا القول الأخير وفي مقدمتهم البخاري صاحب الصحيح ، بل إن منهم من ثبت انه يقول بخلق القرآن وحسبنا أن نذكر أحد مشائخ البخاري الكبار ومن كانوا يسمونه أمير المؤمنين في الحديث وهو علي المديني ، إلى جانب عدد من الرواة ممن كانوا يروون عنهم ويوثقونهم قبل المحنه ، وبعد ذلك اتضح انهم يقولون بخلق القرآن أسقطوا عدالتهم وطعنوا فيهم وجرحوهم !! ، وكل ذلك يؤكد بأن كلام الله – ومنه القرآن – هل هو مخلوق أم غير مخلوق ؟ هي أولاً وأخيراً وبغض النظر عن أي شيء آخر مسألة فكرية محضة دار حولها الخلاف بين المسلمين ولكل فريق رأيه وأسبابه الفكرية وأدلته ، والعبرة فيها بالدليل والحجة والبرهان ، لا بالتعصب والمعارضة اللاواعية والتقليد الأعمى والتكفير ، وما حدث من فرض المعتزلة لرأيهم فيها بالقوة وتعرض المحدثين لما تعرضوا له من محنه ، أمر يدينه ويستنكره ويرفضه ويحكم بتجاوزه للشرع كل عاقل منصف .


وكذلك الحال بالنسبة لما فعله الحنابلة بالمقابل مما كان أعظم وأشد من المحنة ، وإقرار هؤلاء أو أولئك على ما فعلوه إقرار بالباطل باعثه التعصب والهوى على حساب الشرع والحق .


ولعله من الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن هناك فرقاً آنذاك كانت تقول بخلق القرآن ، أئمة وعلماء كبار لهم وزنهم ومكانتهم بين المسلمين ولهم مدرستهم الفقهية والفكرية الكلامية المتميزة والمستقلة التي كان يقصدها الفقهاء وطلاب العلم من كل مكان وتخرج منها الكثير من أعلام الأمة ، إنها مدرسة أئمة أهل البيت عليهم السلام في المدينة المنورة ، ومن ورائهم شيعتهم من الزيدية وغيرهم ، ولو فتشت في كتب التاريخ وغيرها لما وجدت لأولئك الأئمة الأطهار ذكراً في أمر المحنه ، ولا تصريحاً برأيهم في تلك المسألة للعامة ، وحاشاهم أن يقرّوا المعتزلة والدولة على الباطل والظلم ، أو يرضوا بوقوع ما وقع للمحدثين والعلماء من حبس وجلد وسفك دماء ،....، أو يؤازروا الحكام الظلمة على ظلمهم وتسلطهم وكيف لا وهم يعيشون حالة مواجة مستمرة معهم ، وقد نذروا أنفسهم لمقاومة الظلم والجور والإنحراف ، ولقوا في سبيل ذلك ما لم يلقه أحد من ويلات ومآس وتقتيل وتشريد وملاحقة ...الخ .
ولذا لم ينأوا بأنفسهم عن ذلك فحسب وينكروه بل حرصوا على إخماد تلك الفتنه ، حيث كانوا يأمرون شيعتهم والعامة بعدم الخوض في تلك المسألة وإثارتها ، وكان من الطبيعي أن يقصدهم الناس من مختلف الإتجاهات في تلك المعمعة ويسألوهم عن قولهم في القرآن أهو مخلوق أم غير مخلوق ؟ فلا يزيدون على القول بأنه كلام الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجعله هدى ورحمة للناس ، وغاية ما يمكن يضيفه أحدهم _ إن ألح عليه السائل _ أن يتلوا قوله تعالى : ( وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ) ، وهذا ما لا يسع أحد من المسلمين أن يرده أو يختلف حوله مع آخر ، ومعلوم أن الذكر هو القرآن ، ومُحدث ومخلوق بمعنى واحد .


وكان من الطبيعي أن ترتفع تلك المسألة من أذهان العامة ، ويتوقف ترديدها وإثارتها في أوساطهم وينحصر تناولها وبحثها والخوض فيها على العلماء والمتكلمين ومن إليهم من أهل الفكر والعلم والبحث والإطلاع من الفرقين ، الزيدية والإمامية والأباضية وهم القائلون بخلق القرآن ، في مقابل الماتريدية والأشاعرة نسبة إلى المذهب الأشعري الذي إنتشر وبات غالبية أهل السنة _ يقلدونه في العقائد ، ليتبعهما وينشر مذهبهما بعد ذلك الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي في القرن الثاني عشر الهجري ، وإليه ينتسب التيار الوهابي _ السلفي اليوم الذي يمثل في نهاية المطاف إمتداداً للحنابلة ومذهبهم .


إلا أن التيار ( الوهابي _ السلفي ) _ وإنطلاقاً من شعار العودة إلى ما كان عليه السلف _ عمل اليوم للأسف الشديد على بعث تلك المسألة من جديد ليتردد عنوانها على لسان العامة من أتباعه ، وفي إطار إثارته لعناوين المسائل الكلامية الخلافية القديمة ، ومواقف وآراء أسلافه فيها ، وفي المخالفين لهم في الرأي ، ممن يستهدفهم اليوم ويشن حملاته المذهبية ضدهم ، ويعبئ ضدهم العوام والجهلة وأدعياء العلم من أتباعه وطلابه وخطبائه وغيرهم من خلال إثارتها لتلك العناوين ، معيداً ذات الأقوال والأحكام التكفيرية والتضليلية التي رافقتها من قبل وأطلقها أسلافه الحنابلة بحق خصومهم وسائر القائلين فيها بخلاف قولهم ، ومنها مسألة خلق القرآن التي أخذ بعض الكتاب يشيرون إليها بين الحين والآخر ، ويرددها الكثير من أتباع هذا التيار باعتبار _ كما قُدمت لهم _ من الأقوال الكفرية التي أحدثها أهل الأهواء والضلال ، وحاربها ( السلف ) ، وتعرضوا بسببها لتلك المحنه ..!! ، ليتمسكوا بوجهة النظر المعارضة المتمثلة في القول بأن القرآن غير مخلوق أو قديم ، لا باعتبار ذلك ناتجاً عن فهم حقيقي للمسألة وإدراك لحقيقة موضوعها ومعرفة بأدلتها بل ومعنى قولهم ذاك ناهيك عن الإطلاع على الرأي الآخر ، بقدر ما يندرج تحت شعار أو مبدأ التمسك بما سمي بــ ( عقيدة السلف ) ، وهو ناتج عن تقليد أعمى مع تضليل وجهل وانغلاق .. ، والمشكلة أن هؤلاء يرددون مالا يعرفونه حق معرفته ، ويتمسكون بألفاظ لا يفهمونها ، والأعجب من هذا أنهم ينكرون ويشنعون على مخالفيهم اليوم دون فهم أو علم ، ويكتفون بأن يرددوا على مسامعك ما قاله فلان وفلان من أسلافهم في مسألة خلق القرآن والقائلين بها ، وليت هذا التيار سكت عنها ، وترك أمرها للعلماء وأهل الإختصاص لكان خيراً له من إثارتها على ذلك النحو بين العامة .


ومن المؤسف أن علماء وأقطاب ومرجعيات هذا التيار المتأخرين والمعاصرين لا زالوا يعتمدون في كتبهم ومؤلفاتهم في العقائد أحكام أسلافهم التكفيرية ، ويقدمون تلك المسألة لأتباعهم على أنها مجرد قول من أقوال الزنادقة وأهل الضلال والأهواء !! ، ولا يعترفون حتى مجرد الإعتراف بأن المسألة برمتها ( القرآن هل خلوق أم غير مخلوق ؟) مسألة فكرية خلافية بين المسلمين ، ولا يتركون لأتباعهم من طلاب ودارسين وخطباء وغيرهم مجالاً لأن ينظروا إليها باعتبارها جزءاً من الفكر الإسلامي ، فضلاً عن أن يعرضوا رأي مخالفيهم وأدلتهم بأمانة وموضوعية من كتبهم ، ويقدموا بعد ذلك رأيهم وأدلتهم وتفنيداتهم ، لتكون الصور واضحة ، والحقيقة مطروحة أمام الجميع دون حجب أو تغييب أو تضليل أو تعتيم أو تشويه لرأي الخصم ، ناهيك عن التكفير الذي يفترض أن يعودوا في أمره إلى الشرع وضوابطه ، لا إلى أسلافهم وما حكموا به وتجاوزوا فيه حدود الشرع .




وإنطلاقاً من كل ما سبق فقد رأيت أن أتناول هذه المسألة من زاوية فكرية محضة ، موضحاً من أمرها ما يجهله غالبية الناس بما فيهم متعلمون ومثقفون وغيرهم ومبيناً حقيقتها وموضوعها الكلامي الدقيق لأولئك الذين يرددونها بلا علم ، أو يحملون فكرة مغلوطة عنها أو تصوراً خاطئاً أو صورة مشوهة أو سطحية ، إلى جانب أولئك الذين باتت تشغل بالهم بعد أن تردد عنوانها وتسامعوا به وأثير ضد بعضهم ، خدمة للفكر الإسلامي وتبصرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .




ــــــــــــــــ
الهوامش :-
(1) نقلاً عن أسد حيدر ( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ) ج2 ص452 .
(2) نقلاً عن المالكي قراءة في كتب العقائد ص113 .
(3) نقلاً عن أسد حيدر ( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ) ج2 ص520 .
(4) يدلك على هاجس المعارضة والمخالفة لديهم ما نقله المالكي في كتاب ( قراءة في كتاب العقائد ) ص159 من كتاب السنة والخلال (5/134 ، 136) من أن الحنابلة قالوا : ( إذا قلنا : القرآن كلام الله ثم لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق لم يكن بيننا وبين هؤلاء الجهمية خلاف ) !!
(5) نقلاً عن أسد حيدر ( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ) ج2 ص520 .
آخر تعديل بواسطة المتوكل في الثلاثاء سبتمبر 27, 2005 1:32 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
صورة

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

الحلقة الثانية :-



لعله من الأهمية بمكان قبل الدخول في الموضوع أن نوضح للقارئ الكريم ، وباختصار معاني بعض المصطلحات الكلامية لارتباطها بصلب موضوعنا وتكررها معنا بعد ذلك .


[ القديم والأزلي والحادث ]

اتفق علماء الكلام والأصول على أن القدم من صفات الله تعالى الذاتية كالعلم والقدرة ونحوه ، والحدوث من في صفات كل ماهو مخلوق ومحدث
وذلك أن القديم في اصطلاح المتكلمين هو : الموجود الذي لم يسبق بالعدم ( أي ليس مخلوقاً ) وما من موجود على هذه الصفة إلا الخالق تبارك وتعالى ، وقد عرفه الإمام يحي بن حمزة عليه السلام بقوله : ( القديم هو مالا أول لوجوده ) .

وعليه فإن القديم هو الله سبحانه وتعالى ، ولا شيء يشاركه في القدم ، ولو شاركه شيء لكان قديماً مثله ( لم يسبق بالعدم ) وبالتالي إلـهاً آخر ، وهذا محال بالطبع لأنه ما من اله غير الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له ولا شبيه ، وكل ما سواه فهو مخلوق له ومحدث .
والحادث هو عكس القديم أي الموجود المسبوق بالعدم أو الكائن بعد أن لم يكن (المخلوق) .
أما الأزلي فهو في اصطلاح المتكلمين : ما لا أول له وهو الله سبحانه وتعالى ، لذا فإن القدم والأزلية تشتركان في المعنى .

ومن هنا جاء وصفهم لصفات الذات الإلهية ( الحياة والقدرة والعلم ونحوه ) بأنها أزلية قديمة أي أنها مرتبطة بذاته الأزلية القديمة ( بل هي عين ذاته كما أكدته العدلية ، وقائمة بذاته كما ذهب إليه الأشاعرة والحنابلة ) ، فلم يزل الله سبحانه حياً قادراً عالماً قبل أن يكون معه شيء وقبل ان يخلق شيئاً ، بخلاف صفات الفعل ( الخالقية والرازقية وغيرها ) فهي ليست أزلية قديمة وإنما اتصف الله بها بعد أن خلق المخلوقين فلا يقال بأن الله سبحانه وتعالى خالقاً رازقاً محيياً مميتاً ( في الأزل ) ، لأن ذلك يلزم منه وجود المخلوقين مع الله في الأزل ، وبالتالي انتفاء المخلوقية عنهم ، ومشاركته في القدم والأزلية ، ومن ثم في الألوهية خلافاً لصفات الذات الثابتة له في الأزل والتي هي عين ذاته أساساً وليست شيئاً آخر غير ذاته ، ولا أمراً زائداً على الذات ، نحو قادر عالم بصير سميع حي غني حكيم ، وغير ذلك من الصفات الجارية على الذات لا باعتبار أمر يفعله – كما عرفها الإمام يحي بن حمزة عليه السلام – في مقابل الجارية على الذات باعتبار أمر يفعله ( كالخلق والرزق ونحوه من صفات الفعل ) .

ونعود الى حديثنا .



[ معنى خلق القرآن وقدمه ]

لا يختلف اثنان من المسلمين في أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي أنزله على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو الذي نتلوه في المحاريب ونقرأه في المصاحف بنصه وحرفه دون زيادة أو نقصان وقد خصه الله تعالى بما لم يخص به سائر الكتب السماوية السابقة التي أنزلها على أنبيائه ورسله ، حيث تكفل بحفظه من التحريف والتبديل والتغيير والضياع ... الخ ، قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
وهو باقي مابقي الدهر ، وسيظل محفوظاً مصاناً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

أما بالنسبة لمسألة كونه مخلوقاً أم قديماً ؟ فهي مسألة خلافية لا علاقة لها مطلقاً بما تقدم ، كما أن موضوعها لا يدور حول القرآن تحديداً وحصراً من حيث اختصاصه بالإسلام والمسلمين ، وإنما يدور أساساً حول كلام الله بوجه عام المتمثل في القرآن الكريم بشكل خاص مع إيمانهم بالطبع بالكتب السماوية السابقة له من حيث أنها كتب منزله من عند الله تعالى ، وهي كلامه سبحانه وتعالى قبل أن يجري عليها ما جرى ، فإن قيل بأن كلامه قديماً أزلياً كان القرآن كذلك وسائر الكتب السابقة ، وإن قيل بأنه مخلوق مُحدث كان القرآن كذلك وسائر الكتب السماوية أيضاً .

وعليه فإن القول بأن القرآن قديم ( أو غير مخلوق ) لا يعني – كما يتصوره البعض – أن هناك مصحفاً قديماً مكتوباً بحرفه ونصه على النحو الذي هو بين أيدينا اليوم ، كان مع الله في الأزل ثم أنزله بعد ذلك على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك الحال بالنسبة للكتب الأخرى ، لأن ذلك مصادم تماماً لعقيدة التوحيد ، باعتباره إثباتاً واضحاً وصارخاً لقدماء آخرين مع الله ( مستقلين بذواتهم ) ، وبالتالي آلهة أخرى مع الله سبحانه وتعالى .

والقائلون بقدم القرآن – وإن كان فيه شيء من ذلك وفق ما يلزم عن قولهم كما سنبينه لاحقاً – إلا أنهم لا يقولون بذلك التصور على ذلك النحو ، ولا يقصدونه بقولهم ذاك وإنما يعني أن كلام الله الذي نقرأه مكتوباً بين دفتي المصحف الذي بين أيدينا قديم أزلي ، تكلم الله به في الأزل ! قبل أن يخلق أحداً من الخلق المكلفين والمخاطبين بكلامه ذاك ، وكذلك الحال بالنسبة للكتب الأخرى وكلامه فيها الذي أنزله بعد ذلك على أنبيائه ورسله !!..

أما بالنسبة للقائلين بخلق القرآن فقد أكدوا من خلال قولهم هذا بأن كلام الله الذي نقرأه في القرآن ليس أزلياً قديماً ولا تكلم الله به في الأزل ، وإنما خلقه و أحدثه وفصل آياته وأحكمه وأنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ناهيك عن أن القول بقدمه يلزم منه إشراك قديم آخر مع الله وبالتالي إله آخر باعتبار أن القدم من صفات الإله ، وهذا مناف لعقيدة التوحيد ، وهو محور المسألة بالنسبة للعدلية ، ذلك أن موضوعها بالنسبة لهم متعلقة بالدرجة الأولى بعقيدة التوحيد وما تقتضيه من وجوب تنزيه الله عن أن يشاركه أحد في القدم وبالتالي في الألوهية ( وسيتضح ذلك اكثر لاحقاً ) .

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن الخلاف حول القرآن على هذا النحو الذي بيناه سابقاً ، ترتب عليه خلاف حول إحدى صفات الله عزوجل وهي صفة التكلم بالنسبة للعدلية ، والكلام بالنسبة لمخالفيهم ، مع اتفاقهم – لفظاً – على وصف الله تعالى بأنه متكلم ، غير أنهم اختلفوا في معنى كونه متكلماً تبعاً لخلافهم حول مسألة القرآن ، ذلك أن القول بقدم القرآن وقدم سائر كلام الله المنزل على رسله على اختلاف كتبه كان يعني أن الله سبحانه وتعالى متكلم بكلام أزلي قديم ، أي لم يزل متكلماً كما لم يزل قادراً عالماً !! ، وهو ما قالوه بالفعل لتصبح صفة التكلم التي عبروا عنها بالكلام من صفات الله الأزلية القديمة ، ليلحقوها بصفات الذات مثلها مثل القدرة والعلم ، وحتى لا يكون كلام الله الذي وصفوه بالأزلية والقدم شيئاً مستقلاً ومنفصلاً عن الذات ، ما يعني وجود قديم آخر غير الله مستقل بذاته ، فقد قالوا بأن كلام الله قائم بذاته ، كما هو قولهم في سائر صفات الذات .
وعليه فإن المتكلم عندهم من قام بالكلام .

أما بالنسبة للقائلين بخلق القرآن فالمتكلم عندهم من فَعَلَ الكلام ، مؤكدين بأن المتكلمية كالرازقية والخالقية من صفات الفعل وليست من صفات الذات ، وأن التكلم هي الصفة أما الكلام فهو أثرها وليس هو نفسه الصفة ، وهو قائم بغير ذاته ، كونه فعلاً من أفعاله يحدثه ويخلقه كيفما شاء إذا أراد مخاطبة المخلوقين كما كلم موسى عليه السلام ، وسمع موسى عليه السلام الكلام من تجاه الشجرة ، والله سبحانه لا يتكلم بآلةٍ ولا جارحة ولا صوت ، وإنما يخلق الكلام خلقاً .


هذا باختصار هو موضوع هذه المسألة ومعنى خلق القرآن وقدمه ، وهو ما أردت أن أوضحه للقارئ الكريم بداية ، وسنفصل القول في ذلك ونعرض الأدلة والإشكالات التي طرحها كل فريق أمام الآخر في الحلقات القادمة بمشيئة الله ، ولكن بعد أن نبين الأسباب الحقيقية لنشأة هذه المسألة والقول بخلق القرآن باعتباره أول القولين ظهوراً .



[ أسباب نشوء هذه المسألة وعلاقتها بالخلاف بين الإسلام والمسيحية ]


لم تكن مسألة القرآن أمخلوق أم غير مخلوق ؟ مطروحة من قبل في أوساط المسلمين ولا كان هناك ما يدعوا إلى إثارتها بينهم ، أو طرحها أو بحثها ..، ناهيك عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتكلم فيها ، ولا خاض فيها أحد من الصحابة ولا ورد في كتاب الله تعالى لفظ (مخلوق) صراحة في وصف القرآن فضلاً عن قديم أو غير مخلوق ، وبرغم أن الله سبحانه قد وصف القرآن بأنه محدث في قوله تعالى : ( ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٍ ) ، ومجعول في قوله تعالى : ( إنا جعلناه قرآناً عربياً ) ، وجعلناه : أي خلقناه ، إلا أنه كان من الطبيعي أن يفاجأ أغلب المسلمين بالقول صراحة بأن القرآن مخلوق ، ويُحدث ردود أفعال عكسية لديهم ، لاسيما أن لفظ (مخلوق) بالذات قد بدا – في أذهانهم – وكأنه منافٍ لقدسية القرآن بل ومعارض لكونه منزلاً ، ناهيك عن ارتباطه ( في وجدان العامة بسوء فهم على درجة كبيرة من الخطورة ، فمن ناحية لقد كاد يلتبس عليهم لفظ الخلق بلفظ الاختلاق ، بل إن هذا المفهوم من معاني لفظ الخلق ، وليس مجرد تشابه لفظي ) .(1)

إضافة إلى التباس آخر ( لا يقل خطورة عن السابق في أذهان العامة هو ما يلزم عن تصور المخلوق حياً أنه لابد أن يموت ، إن كل مخلوق فانٍ ) . ( 2) .

إلا أن نشوء هذه المسألة لم يكن أساساً نتيجة خلاف فكري وقع ابتداء بين فريقين من المسلمين ، ولا كان مجرد ترف فكري أو إرضاء للأهواء كما لازال يتصوره الكثيرون اليوم ويرددونه تبعاً لاتهامات أسلافهم ، وإنما هو في الحقيقة – التي لازالت خافية وغائبة عن الكثيرين – نتيجة الخلاف الرئيسي بين الإسلام و المسيحية ، المتمثل في الاعتقاد بألوهية المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم ، وكان الخوض فيها من قبل فريق من علماء ومتكلمي المسلمين ضرورة فرضها واجب الدفاع عن العقيدة الإسلامية ، والحاجة الماسة إلى صياغة ثوابتها ومضامينها القرآنية المجملة ومواقفها الحاسمة من ذلك الاعتقاد بالنسبة للمسيحية ، ومن سائر المعتقدات الضالة والباطلة بالنسبة للديانات الأخرى ، صياغة فكرية كلامية وإثباتها بأدلة عقلية في مواجهة الحملة الفكرية الشرسة – الظاهرة والخافية والمتنوعة الوسائل والأساليب – التي تعرض لها الإسلام والمسلمون آنذاك من قبل أصحاب الديانات الأخرى بعد تغلبه على بلدانهم ، ودخول الكثير من أبنائها في الإسلام ، ليواجه تلك المعتقدات التي كان من بينها – فيما يخص موضوعنا – صلب العقيدة المسيحية المتمثل في الاعتقاد بألوهية المسيح عليه السلام .

أما علاقة ذلك بمسألة ( كلام الله ) هل هو مخلوق أم قديم ؟ فيعود إلى كون المشكلة الأساسية التي واجهتها المسيحية على إثر ظهور القول بألوهية المسيح عليه السلام ، وإقراره في عهد الدولة الرومانية من قبل المجامع المسكونية فيما عرف بمجمع ( نيقية ) الذي انعقد عام 325هـ ، هي أن من صفات الإله أنه قديم وأزلي ، ولم يُسبق بعدم ، وأيما شيء سُبق بعدم فهو مخلوق محدث ، والقول بألوهية المسيح عليه السلام يلزم منه أن يكون المسيح قديماً وأزلياً ، في حين انه عليه السلام ذو طبيعة إنسانية محدثة لا يمكن إنكارها ولدته أنثى جزئية محدثة مخلوقة ( السيدة مريم عليها السلام ) ، أي انه ليس له وجود سابق على مولده فكيف تلد إلهاً والإله قديم أزلي ؟!! ( ناهيك عن الإشكالات الأخرى ) .

الأمر الذي جعل اعتقادهم ذلك مرهون بإثبات قدم المسيح وأزليته ، وبالأحرى – بعد تبنيهم لذلك المعتقد الخطير – إثبات وجود قديم مغاير لطبيعة الإنسان وسابق على مولده ، ومتقدم – منذ الأزل – على ( التجسد ) الذي قالوا بحدوثه بعد ذلك ممثلاً – كما ذهبوا إليه – في نزوله واتصال الألوهية بالإنسانية وامتزاجهما واتحادهما في جسد المسيح ، على نحو اختلفت الكنائس المسيحية آنذاك في كيفيته بعد أن اتفقت بفرقها الثلاث ( الملكانية وهم الكاثوليكية ، واليعاقبة وهم الأرثوذكسية ،والنساطرة ) ، على القول : ( إن الله واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية ) ، والأقانيم هي الصفات ( الوجود والعلم والحياة ) ، أو هي أشخاص : الأب – ويعني بمد الألف في اللغة السريانية ( الله ) ويريدون به الذات – والإبن وروح القدس ، وأن الأقنوم الثاني الذي يشير إلى العلم قد تجسد في شخص المسيح ..) ( 3 ) .

وكان الأساس الذي انطلقوا منه وبنوا عليه فكرة قدم المسيح وأزليته وبالتالي ألوهيته ما علموه من قبل وبلغهم أمره وهو ما خُص به نبي الله عيسى عليه السلام دون سواه – نتيجة خصوصية مولده أصلاً ومعجزة ولادته من غير أب – من وصفه بأنه ( كلمة الله ) التي مثلت بالنسبة لهم العلم ( الأقنوم الثاني ) – باعتبارها مظهراً له – واعتبروها دالة على قدم المسيح وأزليته ومن ثم ألوهيته !!.. حيث ( أجمع المسيحيون على أن كلمة الله في دلالتها على السيد المسيح قديمة ) . ( 5)


ومعلوم أن القرآن الكريم قد وصف المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام دون سواه من الأنبياء والرسل بأنه ( كلمة الله ) التي كان مفهومها في وصف المسيح عليه السلام – لدى المسلمين – مغايراً تماماً لما ذهب إليه النصارى من قبل نتيجة قولهم بألوهيته ، ولم تكن تمثل – لدى المسلمين – مصطلحاً خاصاً يرتبط به عليه السلام كما هو الحال للنصارى ، وإنما تدل –باعتبارها لفظاً مفرداً – على كلمات الله وكلام الله الذي يتمثل بدوره في القرآن الكريم بشكل خاص ، إضافة إلى دلالتها على أن الله سبحانه ( متكلم ) .

كما أن( كلمة الله ) لم تكن تنصرف في أذهان المسلمين إلى المسيح عليه السلام ، ناهيك عن أن غالبيتهم العظمى لم يكونوا على اطلاع بعلم اللاهوت لدى النصارى وآرائهم وأفكارهم ويجهلون ما تعنيه ( الكلمة الإلهية ) لديهم وما حملته من دلالة على قدم المسيح ومن ثم ألوهيته .

وقد استغل بعض رجالات النصارى وعلمائهم – الذين بقوا على دينهم وآلمهم تغلب الإسلام على بلدانهم ودخول الكثير من المسيحين في دين الله أفواجاً – استغلوا ما جاء في القرآن الكريم من وصف المسيح بأنه( كلمة الله ) وإقرار المسلمين جميعا بذلك ، في إثارة مسالة كلمة الله هل هي مخلوقة أم غير مخلوقة ؟ والترويج لفكرة قدم ( كلمة الله ) في أوساطهم ودفعهم إلى تبنيها والإقرار بها بشكل أو بآخر ، لاسيما أن المسلم سينفر – عند مجادلته وطرح الأمر عليه – من القول بأن كلمة الله مخلوقة ،أو تصور أن الله كان ولا كلمة معه ، لا بخلفية دلالتها على قدم المسيح بالطبع ولا إدراك ما يترتب عليه بهذا الخصوص ، وإنما بخلفية دلالتها تلقائياً على ( كلام الله ) المتمثل بدوره في القرآن ، وما يتبادر إلى الذهن من قيامها بقولنا ( علم الله ) الذي لا يجوز أن يكون مخلوقاً محدثاً ، ناهيك عن أن لفظ مخلوق سيبدو وكأنه منافٍ لقدسية كلام الله وللقرآن تحديداً ، ومعارض لكونه منزلاً ومصاناً من التحريف أو التبديل .... الخ ، ما يجعل فكرة القدم أقرب إلى الأذهان وأسرع نفاذاً وتقبلاً ..!!!

ومن هنا كان ظهور الرأي الإسلامي المعارض من قبل المتكلمين الأوائل الذين جادلوا بعض علماء النصارى وأدركوا أبعاد ذلك الطرح وانطلقوا من عقيدة التوحيد الثابتة وحقيقة بشرية المسيح عليه السلام وكونه عبد الله ورسوله في مواجهة فكرة قدم الكلمة لدى النصارى وإبطال ما يترتب عليها من الحكم بقدم المسيح عليه السلام وبالتالي ألوهيته ، وذلك خلال إنكار قدم الكلمة والقول بأنها مخلوقه والتأكيد بأن الله سبحانه وتعالى كان ولم يكن معه شيء في الأزل لا كلمة ولا غيرها ، وكل كلامه مخلوق محدث ، وكان من الطبيعي أن ينصرف هذا القول في بداياته الأولى لدى بعض من تسامعوا به من المسلمين إلى القرآن الذي هو كلام الله ، ويقال بأن هذا يعني بأن القرآن مخلوق؟ ليأتي الرد بالإيجاب بالطبع ، ويصبح القرآن هو عنوان المسألة البارز والمتناقل بعد ذلك في أوساط المسلمين هنا وهناك ، ليواجه القول بخلقه نفوراً واستنكارا منذ البداية ، ويجد القائلون به أنفسهم أمام مواجهة ومعارضة ضمن الدائرة الإسلامية نفسها ولأسباب فكرية تخص العقلية المسلمة الغالبة ، والنظرة للقرآن الذي بات مقاومة القول بقدمه والتأكيد على خلقه – بالنسبة لأولئك المتكلمين – أمراً يدفعهم إليه ما يحمله هذا القول من مضاهاة لقول النصارى في المسيح ، وإشراك القرآن مع الله في القدم ، وتمكين النصارى – في حال الحكم بقدم كلام الله – من إقامة الحجة من كتاب الله على قدم المسيح الذي وصفه القرآن بأنه كلمة الله .


وحسبنا شاهداً على دور النصارى آنذاك في إثارة المسألة والعمل على تسريب فكرة القدم وترويجها في أوساط العامة ودفعهم إلى تبنيها ليحتجوا بعد ذلك بما جاء في القرآن الكريم من وصف المسيح بأنه كلمة الله على معتقدهم ، حسبنا شاهداً على ذلك أن أحد علمائهم قام بتأليف كتاب آنذاك ينتصر فيه للمسيحية ضد الإسلام وكانت تلك المسألة المتعلقة بصلب العقيدة المسيحية على رأس موضوعاته وذلك بهدف تعليم النصراني كيف يحاجج المسلم ، وهو يوحنا الدمشقي أو يحي الدمشقي الذي كان في خدمة الدولة الأموية !! ( وعملت أسرته بالإدارة المالية للدولة الرومانية ثم الإسلامية وكان أبوه سرجيوس وكيلاً مالياً ثم وزيراً لمعاوية ، كذلك اشتغل يوحنا للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك ثم استقال لخدمة الدير ،واليه ينسب إليه أول كتاب في النقاش بين المسيحية والإسلام : حوار بين مسيحي وشرقي مسلم ... ) (6).

ومما جاء فيه بخصوص موضوعنا قوله مخاطباً النصراني : ( إذا قال لك المسلم : ما تقول في المسيح ؟ فقل له : إنه كلمة الله حتى يجيبه المسلم قائلاً : " كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه " فإن أجاب بذلك فاسأله : هل كلمة الله وروحه مخلوقة أم غير مخلوقه ؟ فإن قال : مخلوقة فيرد عليه : بأن الله كان إذاً ولم تكن له كلمة ، قال يحي : فإن قلت ذلك فسيفحم المسلم لأن من يرى هذا الرأي زنديق في نظر المسلمين ) (7) .



ولنلاحظ أن الرجل كان يعمل في خدمة هشام بن عبد الملك ثم استقال أي انه ألف كتابه في العقد الثالث من القرن الثاني ، وان المسألة كانت قد أثيرت بالفعل من قبل ، وتدل عبارته الأخيرة أن القول بأن كلام الله مخلوق قد ظهر ، وأن من يقول به أصبح متهماً بالزندقة في أوساط المسلمين ..!! .



ـــــــــ
الهوامش : –
(1 ، 2 ) الدكتور أحمد محمد صبحي ( في علم الكلام ) ج1 ص136 ،137 .
(3) المصدر السابق ، ج1 ص53 .
(4) المصدر السابق ، ج1 ص56 .
(5) المصدر السابق ج1 ص53 .
(6 ، 7 ) الدكتور أحمد صبحي ( في علم الكلام ) ج1 ص30 ، 31
آخر تعديل بواسطة المتوكل في الخميس سبتمبر 29, 2005 1:08 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة
صورة

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

الحلقة الثالثة :-



بينَا في الحلقة الماضية السبب الأساسي في نشأة مشكلة كلام الله أمخلوق هو أم قديم ؟ ورأينا كيف أن ذلك إنما كان نتيجة الخلاف الرئيسي بين الإسلام والمسيحية حول المسيح عليه السلام وما كان من استغلال النصارى آنذاك لوصف القرآن له بأنه كلمة الله دون سواه في إثارة فكرة قدم الكلمة الإلهية التي كانوا قد حكموا بقدمها ليثبتوا بذلك قدم المسيح عليه السلام وبالتالي ألوهيته ، فجاء موقف بعض علماء المسلمين ومتكلميهم الأوائل ممن واجهوا المشكلة معارضاً لتلك الفكرة ونافياً لها ومؤكداً بأن كلمة الله مخلوقة محدثة سواءً في دلالتها على المسيح (ع) أو على كلام الله ، ليشمل هذا القول بطبيعة الحال القرآن الكريم الذي هو كلام الله ، لتتحول بذلك المسألة إلى خلاف بين المسلمين أنفسهم ، له خصوصيته الإسلامية وأسبابه الفكرية وموضوعاته التي ترتبت عليه وإشكالاته وأدلته السمعية والعقلية والتي قدمها كل فريق لإثبات رأيه في مواجهة الرأي الآخر ، والرد علية ومحاولة إبطاله ، وهو ما كنا قد أرجأنا عرضه إلى هذه الحلقة .

[ كلام الله وصفة التكلم ]
قلنا في الحلقة السابقة بأن القول بقدم القرآن وأنه غير مخلوق ، قد حدد رأي القائلين به في كلام الله بوجه عام فقالوا - تبعاً لذلك - بأنه أزلي قديم كعلمه تعالى ، وهذا بدوره ألقى بظلاله على صفة التكلم ومعنى كونه متكلماً ، حيث ألحقوا هذه الصفة بصفات الذات كالقادرية والعالمية ونحوها ، وقالوا : بأنها قائمة بذاته تعالى كما هو قولهم في سائر صفات الذات التي هي عين ذاته لدى العدلية وليست قائمة بذاته ، وهذا مبحث آخر لا مجال للخوض فيه هنا ، كما عبروا عن صفة المتكلمية - تبعاً لذلك - بـ ( الكلام ) وليس بـ ( التكلم ) ، مع أن الكلام أثرها وليس هو نفس الصفة ، كصفة الخلق ، فالخلق هو الصفة والمخلوق أثرها، وليس هو صفة الله ، وهذا وذاك في نهاية المطاف هو أثر ونتاج لقدرته المطلقة ، غير أن قولهم بأزلية كلام الله اضطرهم إلى اعتبار كلامه هو صفته القائمة بذاته ، علماً بأننا عند وصفنا له بهذه الصفة – أي المتكلمية – وإثباتها لا نقول بأن الله كلام – إنما متكلم ، ناهيك عن أن المتكلم عند أهل اللغة هو من فعل الكلام لا من قام به الكلام ، ولا يطلقون هذا اللفظ ( متكلم ) إلا على فاعل الكلام ، قال الإمام يحيى بن حمزة في كتابه الشامل : ( والدليل على أن المتكلم هو فاعل الكلام ، هو أن المتكلم اسم اشتقاقي والاسم الاشتقاقي لا يعقل في إطلاقه إلا بوجود الفعل ، فيجب أن يكون المرجح بكونه متكلماً إلى وجود الكلام ، لأنه من أسماء الفاعلين كالمنعم والمكرم ، ولاشك في كونها مشتقة من الأفعال الجارية عليها . ) (1) وليس أدل على ذلك من قوله تعالى : ( وكلم الله موسى تكليماً ) ولا يفهم من ذلك إلا أنه فعل الكلام ، غير أن الله سبحانه وتعالى يخلق الكلام ويحدثه كيف يشاء إذا أراد مخاطبة المخلوقين ، ولا يتكلم بآلة أو جارحة أو صوت كما هو حال الإنسان .



[ الدليل على استحالة أزلية كلام الله وقدم القرآن ]
والأهم من كل ذلك يتمثل في الإشكال الحقيقي والرئيسي الذي طرحه القائلون بخلق القرآن وأثبتوا من خلاله أن كلام الله يستحيل أن يكون أزلياً
وبعبارة أخرى : يستحيل أن تكون صفة المتكلمية صفة ذاتية قديمة أزلية ، كما يستحيل أن يكون كلام الله قائماً بذاته ، ذلك أن الكلام - من حيث الحقيقة والماهية - ليس سوى هذه الحروف والأصوات والألفاظ المسموعة المركبة منها ، ومن البديهي والمعلوم بالضرورة أن كل مركب حادث ، لم يكن ثم كان ، ومن المعلوم بالضرورة أيضاً أن الحروف والأصوات حادثة ومخلوقه لم تكن ثم كانت ، ومحال أن تكون أزلية قديمة ، بدليل أن الحروف منظومة ومتوالية والكلمات المكونة منها متتابعة يتلو بعضها بعضاً ، واللاحق منها ينعدم في وجود سابقه أنها مسبوقة ، أي بالعدم حصلت بعد أن لم تكن ، وما ثبت عدمه انتفى وامتنع قدمه ، والقديم لا يجوز عليه العدم بالطبع ، أما الأصوات فهي مقطوعة ومسموعة ، وكل مسموع هو حادث ، وهو غير الخالق له ، ومحال أن يكون صفته ، فما بالك والكلام - الذي نطلقه أو نسمعه - مركب من حروف و أصوات .


ومن المعلوم لكل أحد أن كلام الله الذي بين دفتي المصحف الشريف مكتوباً ونقرأه ونسمعه ، مؤلف من كلمات وألفاظ مسموعة مركبه من هذه الحروف والأصوات المتتابعة والمتتالية التي لاشك في حدوثها وكونها أصل في معقول الكلام وحقيقته ، وبالتالي يستحيل أن يكون كلام الله – بما فيه القرآن - أزلياً قديماً ، لأن القول بذلك يلزم منه القول بأزلية وقدم هذه الحروف والأصوات والألفاظ المركبة التي نقرأها في مصاحفنا ونسمعها بآذاننا ، وهذا محال بالطبع ومن قال به فقد جحد و أنكر الضروريات ، وأثبت في نفس الوقت قدماء آخرين مع الله وبالتالي آلة أخرى ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية يستحيل أن يكون كلام الله قائماً بذاته ، -كما ذهبوا إليه - لأن ذلك يعني أن تلك الحروف والأصوات ( الحادثة والمخلوقة ) قائمة بذاته تعالى وحالَّـة فيها ، ومحال أن يكون الله محلاً للحوادث باتفاق الجميع ، وبالتالي لا يمكن أن يكون كلامه تعالى قائماً بذاته .


ولو كان ما بين الدفتين من الحروف والألفاظ والكلمات التي نقرأها بأصواتنا وتنطلق من ألسنتنا وحلوقنا هي كلام الله الأزلي القائم بذاته تعالى وهي بالتالي صفة الله تعالى – باعتبار أن كلامه عندهم هو صفته - للزم أن تكون صفة الله حاله في ذات كل أحد من الناس !!.. وهذا يبطل قولهم .


وبرغم كل تلك الإشكالات الخطيرة والإلزامات الشنيعة والضرورات العقلية التي لا يمكن إنكارها أو تجاوزها إلا أن الحنابلة ( وهم السلفيون اليوم ) تفردوا من بين سائر الفرق الإسلامية - لاسيما تلك التي توافقهم في القول بأزلية كلام الله وأن القرآن غير مخلوق – بإثبات قدم تلك الألفاظ والحروف صراحة !! ، والقول كما جاء في العقيدة الواسطية لابن تيمية - تقديم مصطفى العالم - ص : 51 بأن ( القرآن هو هذه الألفاظ المقروءه بالألسنة والمحفوظة في الصدور والمكتوبة في الصحف .. فالذي نقرأه هو كلام الله تعالى الأزلي القديم القائم بذاته تعالى ...! وقرآتنا له بأصواتنا لا تخرجه عن كونه كلام الله الذي تكلم به بحروفه ومعانيه ليست الألفاظ دون المعاني ولا المعاني دون الألفاظ ) (2) ..!!!

وقد أنكر الفخر الرازيوهو من علماء الأشاعرة – ذلك أشد الإنكار في كتابه معالم أصول الدين ، واعتبره جحداً للضروريات التي أطبق عليها العقلاء - أي حدوث تلك الحروف والألفاظ والأصوات - ورد عليهم ، وخلاصة ما قرره أن قولهم بقدم القرآن ( وهو الذي بين الدفتين ) يلزم منه أمران ممتنعان على الذات الإلهية :أن يكون القديم محلاً للحوادث ، وأن يحل القديم في الحادث (3) .. وبهذا يكون الأشاعرة - برغم قولهم بأزلية كلام الله وان القرآن غير مخلوق - قد خالفوا الحنابلة في ذلك بل وأنكروا عليهم كما رأينا بعد أن أدركوا أن لامناص من موافقة القائلين بخلق القرآن ، في كون الحروف والأصوات ( الكلام اللفظي ) حادثة ، وان ما بين الدفتين ليس قديماً أزلياً ، وإنما هو حادث ومخلوق .


وبرغم أن هذا يعني أن القرآن مخلوق ، إلا أنهم أكدوا في نفس الوقت بأن القرآن غير مخلوق وأن كلام الله أزلي وقائم بذاته تعالى !!..
وغاية ما هنالك انهم أرادوا أن يتخلصوا من تلك الإلزامات الشنيعة التي تترتب على القول بقدم ما بين الدفتين أي قدم الحروف والألفاظ ، وأرادوا في نفس الوقت الحفاظ على فكرة أزلية كلام الله وأن القرآن غير مخلوق
فقالوا : بأن كلامه تعالى الأزلي- عندهم - ليس هو هذه الحروف والأصوات ، وإنما هو كما جاء في قواعد العقائد للغزالي ص182 : ( وصف قائم بذاته ليس بصوت ولا حرف بل لا يشبه كلامه كلام غيره كما لا يشبه وجوده وجود غيره ) (4) أي انهم أنكروا حقيقة الكلام الذي هو الكلمات والألفاظ المؤلفة من الأصوات والحروف ( الكلام اللفظي )
إذاً ما هو الكلام ؟
قالوا - كما جاء في قواعد العقائد للغزالي ص 183 - : ( والكلام بالحقيقة كلام النفس وإنما الأصوات قطعت حروفاً للدلالات كما يدل عليها تارة بالحركات والإشارات ) (5) .


وقال الرازي في المحصل : ( أما أصحابنا فقد اتفقوا على أن الله تعالى ليس بمتكلم بالكلام الذي هو للحروف والأصوات بل زعموا أنه متكلم بكلام النفس ) (6) .. وعبروا عنه بالكلام النفسي والكلام الأزلي ، وقالوا عنه : " انه بمعنى قائم في ذات المتكلم به ، وان الألفاظ في الحقيقة ليست كلاماً وإنما هي دوال على ذلك المعنى القائم في النفس أو الكلام النفسي الذي هو الكلام حقيقة عندهم !!

وعليه قالوا - كما جاء في معالم أصول الدين ص67 – 68 : ( القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ، وهو مكتوب في مصاحفنا ، محفوظ في قلوبنا ، مقروء بألسنتنا ، مسموع بآذاننا ، غير حال فيها ) ( 7 ) ، ومعنى غير حال فيها : أن الكلام الدال غير الكلام المدلول عليه ، وهو ما يؤكده قول الشهرستاني – وهو أحد علماء الاشاعرة – في الملل والنحل 1/96 بأن : ( العبارات والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة إلى الأنبياء عليهم السلام ، - ومنها القرآن بالطبع - دلالات على الكلام الأزلي ، والدلالة مخلوقه محدثة ، والمدلول قديم أزلي ، والفرق بين القراءة والمقروء والتلاوة والمتلو ، كالفرق بين الذكر والمذكور فالذكر محدث والمذكور قديم ) (8) .


وقد استدل الأشاعرة على أن الكلام هو الكلام النفسي وليس اللفظي بما مفاده أن المتكلم عندما يتكلم بلغة الألفاظ إنما يعبر بها عن فكرة أو إحساس لديه ويعبر بالكلام اللفظي عما يعتمل في نفسه من أفكار وأحاسيس ، مؤكدين من جهة أخرى بأن الكلام اللفظي محال أن يكون كلام الله الأزلي القائم بذاته لأنه مركب من حروف وأصوات ، وكل مركب حادث ، ويستحيل أن يتصف بالصفة الحادثة .. وهم يستدلون بهذا وكأن فكرة أزلية كلام الله حقيقة مطلقة وثابتة وبالتالي لامناص من القول بالكلام النفسي !!!



[ وقد رد القائلون بخلق القرآن بما نختصره في التالي :- ]

أولاً : إن أبناء اللغة لا يقولون للساكت ، وكذلك للأخرس إنه متكلم مع أن المعاني قائمة في نفسها ، وعندما يتوسل إلى إبراز تلك المعاني من خلال الإشارات فإن ذلك لا يعد كلاماً .

ثانياً: إن التعبير بالكلام اللفظي عما يعتمل في النفس أي عن الكلام النفسي - كما عبروا عنه - يعني أن الألفاظ تدل على المعنى الموجود في الذهن ، وهذا في الحقيقة ينطبق على المخلوق أما الخالق فمحال ، وفي ذلك تشبيه له بالمخلوقين .

ثالثاً : إن الكلام النفسي لا يمكن تصوره وتعقله في الذهن ، وما لا يمكن تصوره لا يمكن إثباته ، ناهيك عن أن يكون هناك دليل عليه من السمع في حق الله تعالى ، يقول الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام رداً على الأشاعرة بهذا الخصوص : ( لا يخلو حال من أثبت على لله تعالى حالة في الأزل بكونه متكلماً : إما أن نقول بثبوت الحروف والأصوات مع هذه المتكلمية في الأزل أو لا نقول ، فإن قال : إن هذه الحالة ثابتة في الأزل مع هذه الحروف والأصوات فهذا باطل ، لأن هذه الحروف لاشك في حدوثها فيستحيل حصولها في الأزل ، وإن قال بثبوت هذه في الأزل من دون هذه الحروف فهو محال ، لأن هذه الحروف أصل في معقول حقيقة الكلام ، إذاً لا يعقل كلاماً من دونها فثبت أن القول بإثبات هذه الحالة يؤدي إلى المحال ، وما أدى إلى المحال فهو محال ) (9) ، أي أن القول بأزلية كلام الله في الحالتين محال ، ولا مناص من القول بحدوثه ، باعتبار أن القول بالكلام النفسي يبطل ويتعين الثاني أي الكلام اللفظي وهذا لاشك في حدوثه .

رابعاً : إن قولهم بأن كلامه تعالى وصف أو معنى قائم بذاته مغاير لهذه الصفة والأصوات ، يعني بأن ما نقرأه في القرآن ليس هو كلام الله وإنما هو ما يدل عليه !!!
وهذا مردود بنص القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله )
فدل ذلك على ان ما بين الدفتين بحروفه وألفاظه هو كلام الله ، وما من شيء يسمع غيرها ... والعجيب أنهم تكلفوا تأويل الآية بما يتفق مع رأيهم ، وقالوا بأن المراد : حتى يسمع ما يدل على كلام الله أو مدلول كلام الله .


ومن هنا جاء تأكيد الحنابلة والسلفية - كما مر معنا سابقاً - في قولهم بأن كلام الله الأزلي عندهم ( ما بين الدفتين ) هو ( الذي تكلم به بحروفه ومعانيه ليس الألفاظ دون المعاني ، ولا المعاني دون الألفاظ ) ، غير أنهم اثبتوا بذلك قدم هذه الألفاظ وتكلم الله بها في الأزل ، وهو محال كما بيناه ، وفيه إنكار للضروريات وجعل الله محلاً للحوادث وغير ذلك من الإلزامات الشنيعة ، واتفقوا – أي الحنابلة – مع الزيدية والمعتزلة والإمامية والاباضية على أن الكلام الذي نعرفه هو هذه الألفاظ والكلمات المؤلفة من الحروف والأصوات ( الكلام اللفظي ) في مقابل ما ذهب إليه الإشاعرة من القول بالكلام النفسي الذي لاشك في بطلانه ومصادمته لحقيقة الكلام وعدم إمكانية تصوره أو تعقله أصلاً ، ناهيك عن امتناعه في حق البارئ عزوجل إذا أخذناه بمعنى التعبير عن المعنى الموجود في الذهن .



[ خلاصة القول ]
ان الأشعرية والسلفية ( الحنابلة ) قالوا بأن الكلام هو صفة الله وليس المتكلم ، واتفقوا على القول بأن الكلام أزلي قائم بذاته تعالى مع فارق أن القائم بذاته عند الأشاعرة هو المعنى الأزلي ( الكلام النفسي ) ، وعند السلفية الحروف والأصوات ( الكلام اللفظي ) ، وأن معنى كونه تعالى متكلماً عند الأشاعرة هو اختصاصه بهذه الصفة القديمة القائمة بذاته والمغايرة لهذه الحروف والأصوات ، وعند السلفية : أنه متكلم بكلام أزلي قائم بذاته هو الكلام اللفظي وليس شيء آخر .

أما بالنسبة للعدلية القائلين بخلق القرآن : فالتكلم عندهم هو الصفة ، وليس الكلام الذي هو فعل من أفعاله عندهم ، وقائم بغير ذاته ، ومعنى كونه متكلما أي يخلق تلك الحروف والأصوات ويحدث الكلام المكون منها ، وينشأه كيف شاء . ويتكلم بلا صوت ولا آلة ولا جارحة لأنه خالق كل ذلك ، ومحال أن يكون محلاً لشي من ذلك .



[ مضامين القرآن الكريم تشهد ببطلان قدمه ]
أكد القائلون بخلق القرآن بأن وجوه الكلام في القرآن من أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد تدل في حد ذاتها على استحالة قدم القرآن واستحالة أن يتكلم الله به في الأزل مستدلين بعدة استدلالات من القرآن نفسه منها :

1- أن القرآن الكريم لو كان قديماً أو تكلم الله بما فيه أزلاً بحروفه وألفاظه - كما ذهبت إليه السلفية - للزم من ذلك الكذب عليه تعالى ، وإيضاح ذلك فيما أورده الإمام يحيى بن حمزة من أنه لو كان قديماً : لكان قوله تعالى : ( ولقد نادانا نوح ) ، وقوله : ( وأوحينا إلى إبراهيم ) ....( وآتينا داود زبوراً ) وسائر الأخبار والقصص كذباً لا محاله لان الأخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي يكون كذباً والكذب على الله تعالى محال .(10)

2- أن القرآن لو كان قديماً للزم منه العبث والقبيح على الله تعالى ، ذلك أن في القرآن أوامر مثل قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وحصول ذلك في الأزل قبل وجود المخلوقين والمكلفين المخاطبين بذلك قبيح وعبث ولا شك أنهما ممتنعان في حق الله تعالى .

3- لو كان قديماً للزم منه العبث والهذيان ، ذلك أن في القرآن الكريم ( يا إبراهيم ....) ( يا موسى إني أنا الله ...) ومناداة أنبيائه قبل أن يخلقوا عبث وهذيان واضحان تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ..... إلى آخر ما هنالك مما يلزم نسبة القبائح إلى الله جل وعلا ، وثبوت امتناعها في حقه تعالى أمر لاشك فيه ولا ريب وبذلك يبطل أن يكون القرآن قديماً ، وإذا بطل قدمه ثبت حدوثه وخلقه .


ونضيف إلى ذلك ما أكده القائلون بخلق القرآن من استحالة أن يكون الكلام - كما زعموا - ثابت لله كسائر صفاته القديمة ، لأن ذلك يلزم منه حصول النقص في حقه تعالى ، والنقص عليه تعالى محال وبيانه كما أوضحه الإمام يحي بن حمزة أنه : ( لو كان الله تعالى متكلماً بكلام قديم لكان لابد وأن يفيد بكلامه فائدة ليخرج الكلام بها عن أن يكون عبثاً ، وتلك الفائدة لا يخلو حالها : إما أن تكون راجعة إلى الكلام نفسه ، أو إلى غيره ، أما الفائدة الراجعة إلى نفسه فنحو أن يتكلم ليطرب الله ، كما في التغني ، أو يكرره ليحرز حفظه أو للتعبد به كما تعبد الله بقراءة القرآن فالفوائد الراجعة إلى الكلام نفسه لا تخلو من هذه الوجوه والله تعالى منزه عن هذه المنافع .
وأما الفائدة الراجعة إلى غير الكلام فنحو أن يخاطب به غيره ليفهم مراده ونهيه وإخباره بأمر من الأمور ولما لم يكن في الأزل من يفيد بكلامه هذه الفائدة كان كلامه سفهاً وعبثاً وهذياناً ، تعالى الله عن هذه المقالة وسخف هذه الجهالة علواً كبيراً ، فثبت أنه يلزم من قدم الكلام الذي زعموه حصول النقص في حقه تعالى وهو محال
) . (11)



ـــــــــ
الهامش :-
(1 )شرح الأساس الكبير للعلامة أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي، تحقيق الدكتور أحمد عطا الله عارف ج2 ص93 .
(2) خلاصة علم الكلام للدكتور عبدالهادي الفضيلي ص124 .
(3) المصدر السابق ص125 ، 126 .
( 4 ، 5 ، 6 ) المصدر السابق ص117 ، 118 .
( 7 ، 8 ) المصدر السابق ص126 .
(9) شرح الأساس الكبير للعلامة الشرفي ج2 ص95 .
(10) المصدر السابق ج2 ص94 .
(11) المصدر السابق ج2 ص101 .
آخر تعديل بواسطة المتوكل في الخميس أكتوبر 06, 2005 12:41 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
صورة

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

الحلقة الرابعة :-



استعرضنا في الحلقة الماضية أهم الأدلة العقلية التي احتج بها القائلون بحدوث كلام الله ومنه القرآن ، لاسيما المتعلق منها بحقيقة الكلام والذي أثبتوا من خلاله أن كلام الله يستحيل أن يكون أزلياً أو قائماً بذاته تعالى ، باعتبار أن ما نسمعه ونقرأه بين الدفتين الذي لا خلاف في كونه كلام الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم هو عبارة عن ألفاظ مركبه من حروف وأصوات ، وقد دل العلم الضروري على حدوثها وبالتالي حدوث كلام الله واستحالة قدمه ، لأن القول بقدمه وأزليته يلزم منه القول بقدم تلك الحروف والأصوات والألفاظ المكونة منها ( أي الكلام ) وهذا محال ، إذ أن كل واحد منا يدرك بالضرورة أنها متتابعة ويتلو بعضها بعضاً والكلمة اللاحقة منها تأتي بعد السابقة لها أي أنها مسبوقة بالعدم ، وما ثبت عدمه امتنع قدمه ، وثبت بالتالي أن كلامه تعالى يستحيل أن يكون أزلياً ، كما يستحيل أن يكون قائماً بذاته أيضاً ، لاستحالة أن يكون القديم محلاً للحوادث ، وما يؤدي إلى محال محال ، والقول به في هذه الحالة فيه إنكار وجحد للضروريات وتجاهلها وتجاوزها من جهة ، وإلزام القائلين به إلزامات شنيعة لا مفر لهم منها من جهة ثانية ، أشنعها جعلهم الله محلاً للحوادث وتشبيهه بخلقه ، وهذا ينطبق – كما رأينا في الحلقة السابقة – على السلفية الذين لم يأبهوا بذلك ، ولا قدموا أي رد عليه ، وقالوا صراحة بقدم تلك الحروف والأصوات المركب منها كلام الله الذي نسمعه ونقرأه ( ما بين الدفتين ) وأنه تعالى تكلم به (حقيقة) !! أي بحروف وأصوات أزليه قائمة بذاته !!! وهم الوحيدون الذين قالوا بذلك دون سائر الفرق الإسلامية الموافقة لهم في القول بأزلية كلام الله وعدم خلق القرآن ( الأشعرية والماتريدية والكرامية ) ، واليك ما ورد في أحد كتبهم المعاصرة المعتمدة في العقائد الذي يدرس في كليات الشريعة والأصول والجامعات الإسلامية بالرياض والمدينة المنورة وغيرها ، وهو ثلاثة مجلدات بعنوان ( معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ) تأليف الشيخ / حافظ بن أحمد حكمي ( 1342هـ - 1377هـ ) حيث يقول : -
( وإجماع الأمة !! على أن القرآن كلام الله تكلم به حقيقة !! وأنه هو الذي قال تبارك وتعالى :" الم ، آلمر ، طسم ، كهيعص ، طه ، طس ، حم ". وليس كلام الله المعاني دون الحروف ولا الحروف دون المعاني بل حروفه ومعانيه عين كلام الله ) . (1)
وهذا كلام صريح في إثبات قدم تلك الحروف والألفاظ ، كما أن فيها تشبيهاً واضحاً للخالق تبارك وتعالى بالمخلوقين بقوله ( تكلم به حقيقة ) أي بحرف وصوت كما هو الحال بالنسبة لنا ، بل إن بعض الحنابلة وتبعهم على ذلك – اليوم – فريق من أتباعهم السلفيين أثبتوا (الصوت ) لله صراحة !! وقالوا بأنه يتكلم بصوت يُسمع !!! واحتجوا ببعض الأحاديث التي أُدخِلَ في بعضها لفظ ( صوت وبصوته ) وليس منها ، وأخرى باطلة لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال ( لا سنداً ولا متناً ) أو كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري لابد من تأويلها لاستحالة نسبة الصوت إلى الله ، وقد تصدى لهؤلاء أحد علماء الحنابلة أنفسهم وهو ابن الجوزي ( المتوفي عام 597هـ ) وأورد تلك الأحاديث – التي روى بعضها البخاري في صحيحه – وناقشها (2) ، وأنكر عليهم إغاراقهم في التشبيه والتجسيم ، وقال في مقدمة كتابه " دفع شبه التشبيه " : ( ورأيت من أصحابنايقصد الحنابلةمن تكلم في الأصول بما لا يصلح ...، فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحس ، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته ، فاثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات وعينين وفماً ولهوات وأضراساً ....، إلى قوله : وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات ، فسموها بالصفات تسمية مبتدعه لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا بأن يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات ... الخ . ( 3 )


ومعنى إثباتهم الصوت لله أنه سبحانه يتكلم بصوت يُسمع قائم بذاته وصادر عنه مباشرةً !!
أي لا يخلقه ويحدثه إذا أراد مخاطبة المخلوقين ، كما هو الحال في تكليمه لموسى عليه السلام ، وأن هذا المتلوِّ الذي بين أيدينا ( القرآن ) والمركب من حروف وأصوات ونقرأه نحن بأصواتنا ونؤديه بها ، تكلم الله به أزلاً بحرف وصوت قائمين بذاته . !!


والعجيب أنهم يحرصون على القول : ( إلا أن قراءتنا له – أي القرآن – تكون بأصواتنا ) !! ، مع أن هذا من المعلومات الضرورية التي يدركها كل إنسان بما فيهم العوام ، غير أن ذلك هو بسبب إثباتهم الصوت لله تعالى !!
وقولهم بقدم كلامه ( القرآن ) الذي نتلوه ونقرأه بأصواتنا التي أرادوا بذكرها على ذلك النحو أن يؤكدوا على عدم دخولها تحت حكم قدم المتلو ، وأن التلاوة هنا – أي بأصواتنا – مخلوقه .


ومن المؤسف أن إثباتهم الصوت لله لازال قائماً إلى يومنا هذا ، لاسيما في ظل وجود تلك الأحاديث التي أخذوا يعيدون إنتاجها ويتوقفون عندها ، وإليك ما جاء في كتاب معارج القبول المعاصر والمعتمد عندهم والمنتشر بينهم – كما أشرنا سابقاً – ناقلاً قول (السلف) في التأكيد أولاً على أن: ( الصوت – الذي نسمعه – صوت القارئ والكلام كلام الباري فإن الصوت معنى خاص بفعل العبد لا يتناول المتلو المؤدى بالصوت البتة ، ولا يصلح أن تقول هذا صوت قل هو الله أحد ولا يقول ذلك عاقل ، وإنما تقول هذا صوت فلان يقرأ قل هو الله أحد أو نحو ذلك)(4) ، ثم يستأنف بعد ذلك الكلام مباشرة مثبتاً الصوت لله تعالى بقوله : ( نعم ، إذا سمُع كلام الله ثم جعل منه تعالى بدون واسطة كسماع موسى عليه الصلاة والسلام وسماع جبريل عليه السلام وسماع أهل الجنة كلامه منه عز وجل فحينئذٍ التلاوة والمتلو صفة الباري عز وجل ليس منها شيء مخلوق ) !!! ( 5 )
والكلام واضح وصريح في إثبات الصوت لله هنا ، فقوله ( حينئذٍ التلاوة والمتلو صفة الباري عزوجل ليس منها شيء مخلوق ) أي أن الصوت هنا ( التلاوة ) هو صوت الله تعالى !! والمتلو ( الحروف والكلمات ) هو كلامه المؤدى هنا بصوته تعالى ! وهذا وذاك – اللذان يتكون منهما الكلام – صفة الباري ليس منها شيء مخلوق أي أنهما قديمان وقائمان بذاته تعالى !!


أما بالنسبة للأشاعرة – كما بيناه في الحلقة السابقة – فإنهم لما رأوا بأن القول بقدم ما بين الدفتين ( القرآن الكريم ) يلزم منه قدم هذه الحروف والأصوات المسموعة وهذا محال ، لأن العلم الضروري بحدوثها لا ينكره إلا مكابر ، وناهيك عن الالتزامات الشنيعة المترتبة على ذلك والممتنعة في حق الله تعالى ، وافقوا خصومهم في أن ما بين الدفتين من ألفاظ وحروف
ليس قديماً وانما مخلوق محدث ، إلا أنهم زعموا أن كلام الله الأزلي – كما يصفونه – ليس مركباً من هذه الحروف والأصوات وإنما كلامه معنى قديم قائم بذاته كالقادرية والعالمية ، وهذه الحروف والأصوات دلالة عليه ، وطرحوا فكرة الكلام النفسي الذي عبروا به عن الكلام الأزلي في مقابل الكلام اللفظي ليحافظوا بذلك على فكرة أزلية كلام الله وعدم خلق القرآن ، فأتوا بما لا يمكن تصوره أو تعقله ، وما كان كذلك لا يمكن إثباته ، ناهيك عن كون ما ذهبوا إليه يعني أن لله كلاماً آخر ( نفسياً أزلياً ) غير هذا القرآن ، وهذا الأخير ( الكلام اللفظي المخلوق ) إنما هو دال عليه ، أي أن هناك قرآناً آخر قديماً أزلياً غير هذا الذي بين أيدينا !!!! .


وبقدر ما كان ذلك الدليل الذي احتج به القائلون بخلق القرآن وأثبتوا من خلاله استحالة أزلية كلام الله وقيامه بذاته – فضلاً عن الأدلة الأخرى التي قدمناها في الحلقة السابقة – حاسماً وقوياً ورصيناً كونه مبيناً – كما رأينا – على حقائق معرفة عقلية قطعية ( الضروريات ) وبراهين جلية ومن ثم نتائج لازمه ومُلزمة ، وحسبنا أن علماء الأشاعرة – وهم أصحاب مذهب كلامي متكامل ومستقل ( بخلاف الحنابلة ) وفيهم من فيهم من المتكلمين والفلاسفة وفطاحل العلماء ولا مقارنة بينهم وبين الحنابلة على الإطلاق – أقروا بتلك النتائج الملزمة ولم يجدوا بداً من البحث عن مخرج فقالوا بفكرة الكلام النفسي كما رأينا ، وأخفقوا بذلك في تقديم البديل المقنع الذي يدعم رأيهم ، ناهيك عن الحنابلة الذين تجاهلوا كل ذلك وتجاوزوه فضلاً عن الرد عليه ..، بقدر ما حاول هؤلاء وأولئك أن يستدلوا باستدلالات تدعم رأيهم ، ألا أنها كانت ضعيفة بل وبحاجة في نفسها إلى إثبات بحجج وبراهين وقد أجاب عنها خصومهم وفندوها كما سنرى .




[ أدلة القائلين بأزلية كلام الله وأن القرآن غير مخلوق ]

أولاً : من العقل : !!

1- قولهم كما جاء في معالم أصول الدين للرازي الأشعري : ( إن الكلام من صفات الكمال ، فلو كان مُحْدَثاً لكانت ( الذات الإلهية ) خالية من صفات الكمال قبل حدوثه والخالي عن الكمال ناقص وذلك على الله محال )(6)
ويقول الشيخ حافظ حكمي في كتابه الذي أشرنا إليه سابقاً ، ناقلاً رأي السلف ( أي الحنابلة بشكل خاص ) ما نصه : ( وكلامه تعالى صفة من صفاته من لوازم ذاته ) (7) ، ويقول في موضع آخر عن تكليم الله لموسى عليه السلام : ( بل أسمعه كلامه الذي هو صفته اللائقة بذاته ) (8)
وهذا يعني أولاً أن موسى عليه السلام سمع صفة الله !! القديمة القائمة بذاته – كما يزعمون – فتأمل واعجب !!
علماً بأنه من المعلوم والثابت أن كل ما أدركته حواس الإنسان فهو حادث ومخلوق ، ومعلومٌ أيضاً أن القديم لا يمكن أن يكون محلاً للحوادث ، وإلا لانتفى قدمه ، وبالتالي ألوهيته
فكيف يحل في ذات الله ما يمكن سماعه بحاسة السمع ؟!
وهل يعقل أن يسمع موسى عليه السلام صفة قديمة قائمة بذاته تعالى ؟!!
بل هل يجوز أن يقال ذلك ؟!
والعجب أنهم قالوا بأن السمع مخلوق والمسموع – أي كلام الله – غير مخلوق !! مع أن المسموع إنما سمع بصوت ولو لم يكن كذلك لما كان مسموعاً أصلاًَ ، ولما سمعه موسى عليه السلام بحاسة السمع ، وهم يرون بأن الله كلمه بصوت صادر منه مباشرةً ( أي لم يخلقه ويحدثه كما أكدته العدلية ) ، ومعلوم أن الصوت لا يحصل إلا عن حركة واهتزاز ، أو عن اصطكاك الأجسام ، أو بواسطة آلة جارحة يصدر عنها ( كما هو حال المخلوقين ) ، وكل ذلك ممتنع في حق الله لأنه خالقه ، كما أن انتقال الصوت إلى أذن السامع لا يتم إلا عبر الهواء الذي خلقه الله وفطره على حمل الأصوات ، ومحال أن تكون صفته القديمة – كما يزعمون – محتاجة لما هو حادث ومخلوق ،وبهذا يثبت أن المسموع مخلوق مُحدَث ، وما سمعه موسى عليه السلام هو كلامه تعالى الذي أحدثه وخلقه .


وهذا في الحقيقة لا يعتبر دليلاً يمكن الاحتجاج به ، لأنهم بنوه – كما هو واضح – على أساس أن كلامه تعالى هو صفته ومن صفات الذات كالعالمية والقادرية وهذا هو ما قرروه من قبل ، وهو أساس الخلاف بينهم وبين خصومهم ، وما يسعون أساساً إلى إثباته وإقامة الحجة والبرهان عليه من خلال ذلك الاستدلال ، فكيف يكون قولهم ذلك هو نفسه مستنداً ....؟!
ومع ذلك فقد أجاب القائلون بخلق القرآن على ذلك بما مفاده – وهو ما أوضحناه سابقاً – أن التكلم هو صفته والكلام أثرها ، وليس هو نفسه الصفة ، وأنه عند وصف الله بهذه الصفة لا يقال بأن الله كلام ، وإنما يقال بأنه متكلم ، وما يقال في الأثر من الحدوث ونحوه من الأحكام لا يقال في الصفة .

ومثال ذلك أن الإنسان مخلوق لله تعالى ، وهناك فرق بالطبع بينه وبين صفة الخلق لأنه أثرها وليس هو نفسه صفة الله ، لذا فإننا نحكم عليه بأنه حادث أي كان بعد أن لم يكن ، أما صفة الخلق فهي وان كانت من الصفات التي لا يوصف الله بها في الأزل ولا تجري عليه باعتبار الذات ، وإنما باعتبار أمر زائد على الذات وهو الفعل ، والجميع متفقون على أنها من صفات الفعل لا الذات ، إلا أنه يصح أن نقول – مجازاً – بأنها قديمة ، إذا كان بمعنى أنه سبحانه كان قادراً على الخلق في الأزل بحكم قدرته المطلقة الثابتة له في الأزل لذاته ، وبحكم كونه فعالاً لما يريد ، لذا فإننا لا نقول بأن هذه الصفة أو تلك من صفات الفعل مخلوقة وحادثة فليس ذلك مما يقال فيه حق صفات الله لأن آثار تلك الصفات – الراجعة أساساً إلى قدرته المطلقة وعلمه – هي المخلوقة والحادثة ، فإن فهم ذلك صح أن نحكم على الكلام بأنه حادث وعلى التكلم – الذي هو صفة الله – بأنه أزلي ، لذا فإن القائلين بخلق القرآن وحدوث كلام الله بوجه عام ، قالوا بأنهم إن أرادوا بقولهم أن الكلام من صفات الكمال وانه من لوازم ذاته أو كما قال بعضهم متكلم لذاته ، أن التكلم أزلي بمعنى : ( أنه تعالى كان قادر على الكلام في الأزل وقادريته لذاته فهذا لا ننكره ) (9)

غير أن ما أرادوه بذلك هو ما أبطله العدليه واثبتوا استحالته كما رأينا سابقاً ، وما أرادوه هو إثبات حالة المتكلمية لذاته تعالى في الأزل ، وأنه لم يزل متكلماً بكلام قديم قائم بذاته ( وهو الكلام اللفظي عند الحنابلة والنفسي عند الأشاعرة ) الذي هو صفته الثابتة له في الأزل مثل العالمية والقادرية وسائر صفات الذات القديمة الأزلية ، فكما لا يجوز أن يكون علمه مخلوقاً محدثاً لا يجوز أن يكون كلامه محدثاً مخلوقاً ، وعليه – وهو ما أرادوا إلزام خصومهم به – لابد أن يكون الله متكلماً بكلام قديم قائم بذاته وإلا لحصل النقص في حقه تعالى وكانت ذاته خاليه من صفات الكمال قبل حدوثه ( أي الكلام ) !!

لكنهم في الحقيقة لم يثبتوا المقدمات نفسها ولم يقيموا عليها الحجج والبراهين ، بل إنهم لم يبينوا – على الأقل – وجه النقص الحاصل في حقه تعالى لو لم يكون متكلماً بكلام قديم ، ويقدموا الدليل على كونه نقصاً يتعارض مع اتصاف ذاته بالكمال المطلق ، ويوجب بالتالي أن يكون الكلام من لوازم ذاته كما قرروه بلا دليل أو برهان .

ومن الواضح أنهم أدركوا أنه ليس أقل من أن يبينوا صفة النقص اللازمة في هذه الحالة ، كما هو بالنسبة للعلم الذي يقابله الجهل ، والقدرة في مقابل العجز ...، فكان أن قالوا بالتالي من باب إلزام خصومهم واعتباره حجة عليهم .


2- قال الأشاعرة بأن القديم تعالى لو لم يكن متكلماً أزلياً لوجب أن يكون أخرس أو ساكتاً وهذا محال في حقه تعالى !!، مع ملاحظة أن كلامه الأزلي عندهم ليس هو هذه الحروف والأصوات وإنما ما عبروا عنه بـ ( الكلام النفسي ) .

أما الحنابلة فقد قالوا بما يشبه ذلك ويدور حول ذات الفكرة وهو قول أحد أسلافهم : ( من قال القرآن مخلوق فانه يعبد صنماً ) !!(10)
وهو يقصد أن من قال القرآن – الذي هو كلام الله – مخلوق فهو يعبد إلهاً لا يتكلم ! ، مع ملاحظة أن الله عزوجل عندهم متكلم أزلاً بكلام قديم هو هذه الحروف والأصوات ( الكلام اللفظي ) .

وفي الحقيقة أن هذا وذاك بالإضافة إلى كونه كلاماً غاية في السطحية التهافت ، وأشبه بتصورات العوام فإنه يدل بوضوح على عقلية التشبيه ( تشبيه الله بالمخلوقين ) وقياس صفاته تعالى بصفاتنا ، وتصور أن الإله لابد أن يكون متكلماً بكلام قائم بذاته كما نتكلم نحن ، وإلا لكان صنماً ولما كان إلهاً !! ..



[ أما الرد على هذا الاستدلال – كما أجاب القائلون بخلق القرآن – نختصره في الآتي :]
أولاً : إن القائلين بحدوث كلام الله لا يعنون ( بكونه تعالى ليس متكلماً أزلياً إلا أنه لم يكن فاعلاً الكلام دونه أن يعني ذلك سكوتاً ولا خرساً ) (11) .

وثانياً : أنه لا تلازم بين هاتين الصفتين ( فمن أين يلزم إذا لم يكن يقال متكلماً أن يكون أخرس أو ساكتاً ، وما المانع من خلوه تعالى عن هاتين الحالتين في الأزل فلا يكون متكلماً ولا أخرساً ولا ساكتاً ) (12)

ثالثاً : أن ذلك أصلاً إنما يلزم – كما قال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام – ( في حق الواحد منا إذا لم يكن متكلماً أن يكون أخرس أو ساكتاً لما كان متكلماً بآله يفعل الكلام بها ، فأما الله تعالى فليس متكلماً بآله فلا يلزم إذا لم يكن متكلماً أن يكن ذا خرس وسكوت ) .(13) ، ثم يقول بعد ذلك : ( وإذا كان الغرض بالسكوت هو عدم الكلام فنحن نقول هكذا فإنا نقول : الله تعالى ساكت في الأزل بمعنى أنه ليس فعلاً للكلام ، وهذا لا استحالة فيه ، وإن كان الغرض بالسكوت هو لحوق آفة وفساد آلة فلسنا نقول بهذا ، فإن الله تعالى ليس بذي آفة ولا له آلة فيلحقها الفساد والتغيير) (14)
وقد عقب العلامة أحمد بن محمد الشرفي على ذلك بقوله : ( وحاصله أن الخرس والسكوت إنما يوصف بهما المتكلم بآله وهو المخلوق لأنه من لغة العرب ، والله تعالى متكلم لا بآلة ، فلا يجوز إطلاق ذلك عليه لإيهامه الخطأ ، ولأنه لا يصح ذلك في حقه تعالى ) ( 15 )
أما بالنسبة للحنابلة الذين قالوا بقدم القرآن وأن الله تكلم به أزلاً بحروفه وألفاظه ، وأوجبوا تبعاً لذلك أن يكون الله متكلماً أزلاً بكلام هو هذه الحروف والألفاظ واعتبروه من لوازم ذاته أي يحصل النقص في ذاته تعالى لو لم يكن متكلماً أزلياً ... ، فقد أجاب الإمام يحيى بن حمزة عن ذلك مؤكداً بأن ما ذهبوا إليه هو الذي يفيد النقص في حقه تعالى ، لأن الكلام في هذه الحالة – أي أزلاً من الله – لابد أن يفيد فائدة من أجلها خرج الكلام وإلا لكان عبثاً وهذا محال على الله ، وبيان ذلك أن : ( فائدة الكلام إما أن ترجع إلى المتكلم نفسه نحو التعبد وقراءة القرآن أو الغناء ليطرب نفسه أو للتكرار ليعتاد الحفظ ، والله منزه عن هذه الوجوه الثلاثة المتعلقة بالحديث مع النفس ، وإما أن يكون الكلام خطاباً موجهاً إلى الغير ليفهم مراده من أمر ونهي وخبر ، ولم يكن في الأزل مخاطبون إليهم يتوجه الكلام ومن ثم فإن القول بقدم الكلام عبث ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ) . ( 16 )




ويتبع في الحلقة القادمة إن شاء الله بقية أدلتهم العقلية ثم السمعية .



ــــــــــــ
الهوامش : –
(1) ج1 ص261 من الكتاب المذكور ، دار ابن القيم للنشر والتوزيع ، الدمام ، الطبعة الأولى عام 1410 هـ - 1980 م .
(2) راجع ص250 ، 251 ، 252 من كتابه ( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ) الذي حققه السيد حسن السقاف ، دار الإمام النووي – عمّان – الأردن – الطبعة الرابعة 1413 هـ - 1992 م .
(3) المصدر السابق بتصرف ، أنظر ص 97 ، 98 ، 99 ، 100 .
(4 ، 5 ) الكتاب المذكور ج1 ص293 .
(6) خلاصة علم الكلام للدكتور عبدالهادي الفضيلي ص126 .
(7) معارج القبول ج1 ص255 .
(8) المصدر السابق ص247 .
(9) كلام الإمام يحيى بن حمزة ، شرح الأساس الكبير للعلامة أحمد بن محمد الشرفي ج2 ص102 .
(10) معارج القبول ج1 ص275 .
(11) الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراءه الكلامية ، تأليف الدكتور أحمد محمود صبحي ، ص77 .
( 12 ، 13 ، 14 ، 15 ) شرح الأساس الكبير ج2 ص99 ،100 .
(16) الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراءه الكلامية ، تأليف الدكتور أحمد محمود صبحي ، ص77 .
آخر تعديل بواسطة المتوكل في الأحد أكتوبر 16, 2005 10:16 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة
صورة

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

الحلقة الخامسة :-




وقفنا في الحلقة الماضية على أبرز أدله واستدلالات القائلين بأزلية كلام الله العقلية في إطار سعيهم إلى إثبات رأيهم في القرآن ، ونكمل في هذه الحلقة بقية الإستدلالات وهو الاستدلال الثالث والأخير :-


3- حاولوا في هذا الإستدلال أن يثبتوا بطلان القول بأن الله متكلم بكلام محدث ( أي بكلام يخلقه ويحدثه ) ولزوم أن يكون متكلماً بكلام قديم ، مستندين في ذلك إلى حقيقة متفق عليها بين الجميع ، وهو أن الكلام لا يعقل ولا يتصور أن يقوم بذاته – أي الكلام – إذ لابد أن يوجد في محل ، ويستحيل أن يكون لا في محل ، كما يستحيل أن يوجد لون لا في جسم ( أياً كان هذا الجسم ) وعليه فإن كلام الله لا يخلو من ثلاث :
إما أن يقوم بذاته تعالى (( أي حال فيه )) ، وهو ما ذهبوا إليه تبعاً لقولهم بأزلية كلام الله وعدم خلق القرآن وإما أن يقوم بغيره وهو قول خصومهم الذين قالوا بحدوث كلام الله ومنه القرآن ، وإما أن يوجد لا في محل ، وهذا باطل بالإتفاق

ومن هنا جاء استدلالهم بما مفاده : أن كلام الله لو كان حادثاً – أي كما يقول خصومهم – لكان إما أن يقوم بذاته تعالى ( وعلى حد تعبير صاحب كتاب معارج القبول : خلقه في ذاته ) وهذا محال لاستحالة أن تكون ذاته محلاً للحوادث – وهو ما أكده القائلون بخلق القرآن والأشاعرة أيضاً – باعتبار ان حدوث الكلام الذي هو عبارة عن حروف وأصوات من المعلومات الضرورية ، وإما أن يقوم بغيره ( أي خلقه في غيره ) وهذا محال أيضاً ، حسب ما ذهبوا إليه بدعوى أن الكلام في هذه الحالة هو كلام ذلك الغير ، واختصاصه به أحق وأولى ، ( وهذا هو محور استدلالهم ) وبهذا – وهو ما أرادوا إلزام خصومهم به – يبطل أن يكون الله متكلماً بكلام محدث ، ويثبت كونه متكلماً بكلام قديم قائم بذاته ..

ورداً على ذلك قال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام : ( والجواب أما أولاً: فالمتكلم عندنا هو فاعل الكلام فإذا كان القديم تعالى فاعلاً للكلام وجب أن يكون متكلماً ، فأما حلول الكلام وعدمه فهو نظر خارج عما ذكرنا ) (1) .
ثم يقول : وأما ثانياً ، فلأنه تعالى إذا جاز أن يكون مُنعماً بنعمة موجودة في غيره ومحسناً بإحسان موجود في غيره جاز أن يكون متكلماً بكلام موجود في غيره ، والجامع بينهما هو أنها كلها أسماء اشتقاقية ، الأصل فيها كلها وفي صحة إطلاقها على فاعلها وجريها على فاعلها وجود الفعل لا غير (2) .

وحتى تتضح المسألة ويفهم رد الإمام يحيى بن حمزة لابد لنا من الإيضاح وإزالة الالتباس فنقول : إن ما أورده القائلون بأزلية كلام الله أعلاه ليس دليلاً على قدم وأزلية كلام الله وبالتالي القرآن ، وإنما هو في الحقيقة اعتراض وشبهه لا وجه لها سوى خلفية قياس الغائب بالشاهد ، أي قياس الخالق تبارك وتعالى بنا نحن المخلوقين في صفة التكلم ، وتصورها في الأذهان بالنسبة لله تعالى من خلال ما ندركه في أنفسنا بخصوصها ، من صدور الكلام عنا مباشرةً ، وكذلك صدور الصوت المؤدى به بالطبع ، ويغيب عن ذهن الكثيرين – لاسيما العامة – أن ذلك إنما يتم نتيجة وجود الآله أو الجارحة التي خلقها الله فينا وأقدرنا بها على إحداث الكلام وفعله ، ولو تلفت أو تعرضت لآفة ما ، لفقدنا القدرة على الكلام ، ولعجزنا ولا ريب عن إحداثه وخلقه في محل آخر غير ذواتنا بعد تلف تلك الآله المركبة فيها ، وهذا ما يتفرد به الله عز وجل ، ومع ذلك فإن التصور الغالب في أذهان الناس – وأغلبهم بدون وعي – أن الكلام يصدر من الله مباشرة أي بحروف وأصوات ( حالة فيه وقائمة بذاته ) كما يخرج من أحدنا !! وأنه لابد وأن يكون متكلماً على هذا النحو ، متوهمين أن ذلك من لوازم كماله الإلهي المطلق كما هو – مع الفارق طبعاً – من لوازم الكمال الإنساني المتمثل في النطق الذي بلغ من شأنه أن تم تعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق ، دون أن يستوعبوا ويدركوا بأن خصوصية اتصافه تعالى بصفة المتكلمية ووجه كماله الإلهي فيها وحقيقة مباينته في هذه الصفة لعباده – كما هو الحال في سائر صفاته تعالى – إنما تكمن في كونه يخلق الكلام خلقاً كيف شاء ومتى شاء ويحدثه أينما شاء ، لا أنه قائم بذاته ، ولاصادر عنه مباشرة بصوت مسموع كما هو الحال بالنسبة لنا ، وكونه تعالى يخلق الكلام ويحدثه في غيره ( أي قائم بغيره ) فذلك هو قطعاً ما ليس مقدورأ للبشر على الإطلاق ، وهو ما يجسد حقيقة مباينته لعباده في ذلك وتفرده ، ويتجلى فيه بوضوح مدى عظمته وقدرته المطلقة علماً بأن الأصل والأساس في القول بأن الكلام قائم بغيره ليس هو ما ذكرنا وإنما هو – كما شرحناه في الحلقات السابقة – ما فرضه العلم الضروري بحدوث الحروف والأصوات التي يتركب منها الكلام ، من لزوم الحكم باستحالة أن يكون الكلام قائماً بذاته تعالى ، لاستحالة أن يكون ذاته محلاً للحوادث باتفاق الجميع ، وبالتالي ما أوجبه مبدأ التنزية من تنزيه الله عن ذلك ، وهذا بطبيعة الحال كان يعني بالضرورة أن كلامه تعالى قائم بغيره ، باعتبار أن الكلام يستحيل أن يقوم بنفسه وأن يوجد لا في محل ، دون أن يكون هذا الغير ( وهو من مخلوقات الله بالطبع ) سوى محل للكلام الذي يحدثه الله فيه ، وبعبارة أخرى محل للحروف والأصوات التي يخلقها الله فيه ليتمكن من يكلمه الله من عباده ( كما حدث لموسى عليه السلام ) من سماع الكلام ، وليس هو المتكلم الذي هو فاعل الكلام وهو الله والكلام بالطبع كلامه لأنه فاعله ومحدثة ، ومثال ذلك بالنسبة لكلامنا نحن البشر ، من حيث محل الكلام أو كما يسميه الإمام أحمد بن سليمان شبح الكلام أي المحل ، ما قاله في كتابه " حقائق المعرفة " من أن : ( شبحه – أي الكلام – في المتكلم ، وشبحه بعد ذلك الهواء لأن الله قد فطر الهواء على حمل الأصوات إلى الآذان السامعات ) . ( 3 ) .

وهذه حقيقة علمية ثابتة ندركها نحن أبناء هذا العصر ونستوعبها جيداً ، وكون الهواء هو محل الكلام بعد ذلك ويقوم الكلام به ، وهو الذي يحمله إلينا وينقله إلى آذاننا ونسمعه بواسطته لا يعني أن الكلام كلامه أو أن اختصاصه به أولى ، وما من أحد يقول ذلك ، لأن الكلام لفاعله أي المتكلم والهواء ليس هو المتكلم ولا فاعل الكلام كما هو معلوم وإنما هو محل لا أكثر .



[ أبناء هذا العصر أقدر على فهم المسألة : ]

ومن هنا نستطيع أن نفهم المسألة والشبهة السابقة التي أوردها القائلون بأن الله متكلم بكلام أزلي قائم بذاته ، ذلك أن القول قد اضطرهم منذ البداية إلى مخالفة أهل اللغة ، واعتبار المتكلم : من قام به الكلام وليس من فعل الكلام ليتطابق مع ما ذهبوا إليه بشأن تكلم الله وكلامه .

ومن هنا جاء اعتراضهم على ما أكده خصومهم – تبعاً لإثبات هؤلاء حدوث الكلام – من أن كلام الله قائم بغيره ، ليقولوا – في محاولة لإثبات أنه تعالى متكلم بكلام قديم – بأن ذلك يلزم منه أن يكون الكلام في هذه الحالة هو كلام ذلك الغير ، وليس كلام الله ، وما ذاك إلا لأن المتكلم عندهم هو من قام به الكلام وهو هنا ذلك الغير وبعبارة أخرى المحل الذي يخلق الله فيه الكلام !!

وهذا إنما يلزمهم هم ، ولا يلزم خصومهم ، ولا يصح الإحتجاج به أصلاً ، لأن خصومهم لا يقولون بذلك ولا يوافقونهم عليه بل إنه محور الخلاف بينهما ، ويفترض أن يقدموا الأدلة والبراهين عليه أولاً ، لا أن يعتبروه – ضمنياً – ملزماً لخصومهم بل ومبطلاً لقولهم الأساس بحدوث الكلام لله !! .

وبهذا نستطيع أن نفهم رد الإمام يحيى بن حمزة السابق والذي حسم فيه الموضوع منذ البداية بقوله : ( أما أولاً ، فالمتكلم عندنا هو فاعل الكلام ) .
أي أن ما ذكرتموه إنما يلزمنا لو كان المتكلم عندنا هو من قام به الكلام ، وبالتالي فإن حلول الكلام من عدمه أمر آخر لا علاقة له بذلك ، ولا يغير من حقيقة أن المتكلم هو فاعل الكلام ، ثم يأتي بعد ذلك بما يؤكد على جواز أن يكون الله تعالى متكلماً بكلام موجود في غيره ، دون أن يلزم من ذلك نسبة كلامه إلى ذلك الغير ، فما دام قد ثبت انه تعالى منعم بنعمة موجودة في غيره ومحسن بإحسان موجود في غيره ، فيجوز إذاً أن يكون المتكلم بكلام موجود في غيره ، مؤكداً بأن الجامع بين هذا وذاك أنها جميعاً من الأسماء الاشتقاقية ( من أسماء الفاعلين ) لا يفهم من إطلاقها على الله تعالى سوى أنه فاعل الإحسان والإنعام والكلام ، ولم يقل أحد بأن الإحسان يكون في هذه الحالة هو إحسان ذلك الغير ، أو إنعام ذلك الغير .

ونلفت النظر هنا إلى أن تلك الشبهة قد جاءت في القرون الماضية مطابقة ومنسجمة مع عقلية العامة وتصوراتهم الحسية السطحية – كما بيناه سابقاً – إضافة إلى عدم تصورهم آنذاك أن يسمعوا كلام المتكلم منهم من خلال شيء آخر غيره ( أي محل آخر ) وليس مباشرةً ، ناهيك عن استغلال القائلين بقدم القرآن ( الحنابلة بشكل خاص ) لتلك الشبهة وذلك التصور في إثارة عواطفهم الدينية ضد خلق القرآن ( جوهر المسألة ) من خلال القول بأن ما ذهب إليه خصومهم من أن كلام الله تعالى قائم بغيره يلزم منه أن يكون القرآن الذي هو كلام الله كلام ذلك الغير ، وليس كلام الله !! وناهيك بالقرآن مكانة في نفوس الناس .

إلا أن تلك الشبهة اليوم مردودة وغير مقبولة بعد أن ثبت بطلانها بشكل عملي – حسي – يدركه ويستوعبه سائر الناس اليوم ، ونحن أبناء هذا العصر أقدر على فهم المسألة وحجة القائلين بأن المتكلم هو فاعل الكلام ، والتحقق من مطابقتها للحقيقة التي أدركوها وأثبتوها آنذاك بأدلة عقلية ، ذلك أننا اليوم نسمع صوت المتكلم وكلامه من خلال المذياع وأجهزة التلفزة والهاتف دون أن يكون سماعنا لكلام الشخص المتحدث بشكل مباشر وإنما عبر المذياع مثلاً ، والجميع اليوم – عوام وغير عوام – يدركون حقيقة أن المتكلم هو ذلك الشخص والكلام كلامه ، وأننا نسمع الكلام من المذياع لا من المتكلم مباشرةً ، دون أن يقال بأن الكلام هو كلام المذياع وهو أولى بنسبة الكلام إليه ، لأن المسألة أصبحت حقيقة ثابتة وملموسة ومطابقة تماماً لما أدركه وأثبته القائلون بخلق القرآن من كون المتكلم هو فاعل الكلام ، ولو كان المتكلم هو من قام به الكلام كما ذهب إليه القائلون بأزلية كلام الله وقيامه بذاته لكان المتكلم هذا هو المذياع والكلام كلامه !!! وهذا ما لا يمكن أن يقولون به أنفسهم اليوم .

وبهذا يبطل ما ذهبوا إليه دون شك أو ريب ويثبت أن المتكلم : هو فاعل الكلام ، وبثبوت ذلك يثبت أن كلام الله هو فعله ومنه القرآن ، ومحال بالطبع أن يكون فعله قائماً بذاته ، وبذلك يثبت أن كلامه تعالى محدث وليس قديماً ، وبالتالي فإن القرآن محدث مخلوق وهو المطلوب .

وبهذا نكون قد انتهينا من عرض ومناقشة أهم استدلالاتهم العقلية التي دارت كما رأينا حول محاولة إثبات أزلية كلام الله بوجه عام ، وانه متكلم بكلام قديم ، باعتبار أن إثبات ذلك أمر ضروري يتوقف عليه ثبوت صحة رأيهم فيما يخص القرآن تحديداً ، كونه عنوان الصراع المذهبي والخلاف الفكري الرئيسي في هذه المسألة ، وإذا كانوا قد أخفقوا كما رأينا في إثبات رأيهم بخصوص القرآن من خلال ذلك العنوان العام " كلام الله وصفات التكلم " فإنهم على صعيد العنوان الخاص ( القرآن ) – وخلافاً لخصومهم – لم يتمكنوا في الحقيقة من تقديم أي استدلالات عقلية مباشرة وخاصة به ، كأن تكون مستندة إلى شيء من مضامينه أو خصائصه أو أي جانب حقيقي من جوانبه التي يمكن الاستدلال من خلالها على قدمه – من وجهة نظرهم على الأقل – أو يلزم منها بطلان حدوثه وخلقه لتحل محلها معارضات سقيمة للحنابلة وعلمائهم الأوائل ، وشبهات سطحية أثاروها ضد القول بخلق القرآن ، والتباسات في المفهوم رسوخها في أذهان العامة ، وأقوال عجيبة نزلوا بها إلى مرتبة العوام ، وغير ذلك مما أنتجته عقلية الحنابلة وأتوا فيها بالعجب العجاب ، ودونوه في كتبهم ، واعتبروها استدلالات قوية ومفحمة للخصم بل وملزمة له بإلزامات شنيعة بعد أن قدموها لأتباعهم على نحو يثير عواطفهم الدينية ، ويحمل نتائج يستعظمونها ومقدمات لا أساس لها ولا مستند ، وقد نأى علماء الأشاعرة بأنفسهم عنها ، ونزهوا كتبهم منها ، غير أنها كانت أكثر حضوراً في أذهان الحنابلة ومن جاء بعدهم من السلفية وأعظم أثراً فتوقفوا ولا زالوا يتوقفون عندها ويعتمدونها ويوردونها في كتبهم المعاصرة محتجين بها ، ويكفي أن يقال قال فلان وقال فلان ... حتى يغلقوا عقولهم وينظروا إليها على أنها حجة قاطعة ومفحمة !! في الوقت الذي يجهلون فيه صلب الموضوع وإشكالاته الأساسية وأدلته الحقيقية التي يجب أن تناقش وتطرح مما عرضناه سابقاً وبيناه .
ونظرأ لما ذكرناه سابقا كان لابد من استعراض بعضها .





[ معارضات الحنابلة وشبهاتهم ضد القول بخلق القرآن ]

1- أولها تعود جذوره إلى الإلتباس القديم في المفهوم الذي أحدثه لفظ " مخلوق " في أذهان العامة عند ظهور هذه المسألة آنذاك ، والمتمثل في تصور القرآن شخصاً حياً أو أي حي آخر يموت ويفنى ، وهو ما أورده الحنابلة على شكل استدلال مفاده أن كل مخلوق لازمه الموت والفناء ، وأن القول بأن القرآن مخلوق يلزم منه أن يجري عليه ما يجري على سائر المخلوقات من الموت والفناء .

ونحن في الحقيقة لا نفهم من الموت والفناء إلا جريان الأول على الأحياء من إنسان وحيوان ونبات ، والثاني على المادة بشكل عام ( كل من عليها فان )
أما بالنسبة للقرآن الكريم فهو عبارة عن كلمات وألفاظ وسور وآيات مكتوبة في الصحف ومحفوظة في الصدور ومسجلة في الأشرطة ، وليس هناك من معنى للموت والفناء في حقه – حسب الفرض السابق – إلا أنه عرضة للتغيير والتبديل والطمس والتحريف " جزءاً أو كلاً " أو ضياع أصوله ونسخه وارتفاعه من الصدور .... الخ .

وكل ذلك محال وباطل لأن الله سبحانه كما هو معلوم للجميع قد تكفل بحفظه وبنصه وحرفه كما نزل على نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم السلام ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، كما أخبرنا بذلك قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، وبالتالي فإن ما يجري على سائر المخلوقين والمخلوقات لا يجري عليه ، وممتنع بالنسبة له وتكفل الله بحفظه ، ولو تكفل الله بحفظ أي مخلوق وتخليده إلى آخر الدهر وإبقائه على حاله دون أي تغيير أو تبدل أو موت ، لكان ذلك ولا ريب دون أن يخرجه ذلك من كونه مخلوقاً .

بل أن تكفل الله بحفظ القرآن الذي هو كلامه يعتبر في حد ذاته دليلاً على أنه مخلوق ، إذ لو كان قديماً كما يزعمون لما احتاج إلى حافظ يحفظه ، بل لو كان سائر كلام الله على اختلاف كتبه المنزلة قديماً كما يزعمون لما تعرضت تلك الكتب – التي هي كلامه بالطبع – للتحريف والطمس كما هو ثابت ومعلوم ، ما يؤكد بأنها مخلوقه ويؤكد بالتالي أن القرآن مخلوق ، غير أن الله سبحانه وتعالى لم يتكفل بحفظها كما هو الحال بالنسبة للقرآن الكريم فكان ما كان من أمرها .




2- أما الاعتراض أو الشبهة الثانية فهي تقوم على انتقاء الآيات القرآنية التي ورد فيها لفظ الجلالة " الله " وغيره من أسماء الله ، وتقديمها على أساس أن القول بخلق القرآن يلزم منه أن الله مخلوق والرحمن مخلوق .... و .... !!

ومن ذلك ما نقله صاحب كتاب معارج القبول " السلفي " عن يحي بن سعيد القطان محتجاً بكلامه : ( وقال يحي بن سعيد : كيف يصنعون بقل هو الله أحد ، كيف يصنعون بهذه الآية " إني أنا الله " يكون مخلوقاً ؟....!! " (4) ، تأمل استنكاره بقوله : يكون مخلوقاً ؟! معيداً الضمير إلى الله – نستغفره ونتوب إليه – مع أن الآية هي المخلوقة وهو مراد القائلين بخلق القرآن ، وكان يفترض به أن يقول : تكون مخلوقه ؟!
ومن ذلك أيضاً ما نقله صاحب الكتاب عن عبد الله بن إدريس حيث قال : ( وقرأ ابن إدريس "بسم الله الرحمن الرحيم " فقال : الله مخلوق ؟ والرحمن مخلوق ؟ والرحيم مخلوق ؟ هؤلاء زنادقة ) !!! ( 5 ) .

والحقيقة أن هذا الكلام هو أكثر هبوطاً من تفكير العوام ، وفيه جهل فاضح وتضليل واضح للناس ، ومحاولة لجعل القول بخلق القرآن – في نظر العامة – قولاً يؤدي إلى الإلحاد بمثل ذلك الكلام التضليلي الهابط والذي لازال للأسف الشديد يتردد إلى يومنا هذا !! ويحتج به !!
مع أن الرد عليه من قبل أناس عاديين لا يحتاج إلى أكثر من القول : بأن معنى خلق القرآن أن سوره وآياته وألفاظه وكلماته وحروفه مخلوقه محدثة ، فقوله تعالى : ( قل هو الله أحد ) أو ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هو المخلوق ، والآية هي المخلوقة ، والكلمات التي تضمنت لفظ الجلالة " الله " أو أي اسم من أسمائه تعالى هي المخلوقة وحروفها مخلوقه وليس الله أو الرحمن أو الرحيم الذي هو الله ، وهناك فرق واضح يدركه أدنى من له مسكة من عقل و فهم ، ومن ذا الذي سيفهم من قولنا : كلام الله مخلوق محدث ، أن الله مخلوق ومحدث !!؟
والعجيب أنهم لا يدركون بأن مثل هذا التهريج مردود عليهم ومن السهولة إلزامهم بما أرادوا إلزام خصومهم به وبنفس المنطق بل وبما هو أعظم شناعة وهو أن يقال لهم بأنه على هذا فإن قولكم القرآن قديم وغير مخلوق يلزم منه أن : " إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعندهم من أسماء المخلوقين الواردة في القرآن قدماء وليسوا مخلوقين وبالتالي آلهة مع الله !! .



3- أما الثلاثة فتستند إلى ما قرروه وابتدعوه من ذوات أنفسهم انطلاقاً من عقلية التشبيه والتجسيم ، وهو أن القرآن وكلامه تعالى خرج منه !! ويوردون في ذلك حديثاً لا يمكن قبوله في أي حال من الأحوال ناهيك عن كونه من المراسيل ، وهو ما رواه الحاكم وأبو داوود في المراسيل عن أبى ذر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه ) .

ويعقب صاحب كتاب معارج القبول على ذلك – بعد إيراده الحديث – بقوله : يعني القرآن !!! (6) ثم يأتي بعد ذلك الإحتجاج نقلاً عن أسلافهم بالقول : ( فكيف يكون شيء خرج من الرب عز وجل مخلوقاً ) !!!؟ (7) .

وعبارة " خرج منه " في حد ذاتها تدلك أولاً على تشبيه الله بخلقه لأن ذلك كما هو معلوم إنما يقال في حقنا نحن البشر ، فنقول : " خرج من فِيهِ الكلام " ، وفي حديث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله لعبد الله بن عمرو بن العاص ما معناه : " أكتب فوالله لا يخرج منه إلا الحق " ، وأشار إلى فِيهِ عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، واستخدام ذات العبارة في حق الله تشبيه واضح له بخلقه ، ولم يبق إلا أن يقال صراحة : خرج من فِيهِ ، سبحانه وتعالى عما يصفون ، وهم في الحقيقة إنما أرادوا بذلك أن يؤكدوا ما ذهبوا إليه من أن الكلام قائم بذاته وانه يتكلم بصوت وكلامه صادر عنه مباشرةً فعبروا عنه بذلك التعبير الذي لم يرد في كتاب الله وكفى به حكماً ومرجعاً .


4- أما الرابعة فهي كما نقله واحتج به صاحب الكتاب المذكور بقوله : ( وقال عبد الله بن محمد العيشي : " يستحيل في صفة الحكيم أن يخلق كلاماً يدعي الربوبية ، يعني – والكلام لصاحب الكتاب – قوله تعالى : " اني أنا الله " ، وقوله : " أنا ربك " (8) ، وهل القول بأن الله يخلق الكلام ويحدثه يعني أن المتكلم هو الكلام وهو الذي قال : " اني أنا الله " أم الله سبحانه وتعالى هو المتكلم وهو من خلق الكلام وأحدثه وهو القائل ذلك عز وجل ؟!!

وهذه شبهة شبيهه بما عرضناه سابقاً في قولهم بأن الكلام ذلك يعتبر ، وهو ما شرحناه ، ويكفي أن نقول هنا بأنه يمكن الرد عليهم بنفس المنطق بما هو أعظم إلزاماً لهم ، إذ قد يقال لهم أنكم بهذا الذي أوردتموه يلزمكم الإعتراض على الله سبحانه لأنه خلق فرعون الذي ثبت بنص القرآن أنه ادعى الربوبية وقال : " أنا ربكم الأعلى " ، فكيف يخلق إنساناً يدعي هذا بالفعل ، لا كما ذهبوا إليه من أوهام وترهات بشأن الكلام ؟!!








نكتفي بهذا القدر من إيراد أقوالهم الركيكة على أن نأتي بالأدلة السمعية للفريقين في الحلقة القادمة والأخيرة بمشيئة الله تعالى .



ــــــــــــــ
الهامش : –
( 1 ، 2 ) شرح الأساس الكبير للعلامة أحمد بن محمد الشرفي ، تحقيق الدكتور أحمد عبدالله عارف ج2 / ص102 .
( 3 ) المصدر السابق ج2 / ص108 .
( 4 ) معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ج1 / ص276 ، للشيخ حافظ بن أحمد حكمي ، دار ابن القيم للنشر والتوزيع – الدمام ، السعودية ، الطبعة الأولى 1410 هـ _ 1990 م .
( 5 ) المصدر السابق 1/273 .
( 6 ) المصدر السابق 1/259 .
( 7 ، 8 ) المصدر السابق 1/277 .
آخر تعديل بواسطة المتوكل في الأربعاء نوفمبر 23, 2005 7:54 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة
صورة

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

الحلقة السادسة " الأخيرة " :-



كنا قد عرضنا في الحلقات السابقة أدلة الفريقين العقلية ( القائلين بخلق القرآن، والقائلين بقدمة وأنه غير مخلوق)
وأقوالهم وآرائهم وردود كل فريق على الآخر واعتراضاته.. إلى آخر ما هنالك مما تركز حول كلام الله بوجه عام وصفة التكلم، في إطار ما فرضه الخلاف بينهم بشأن القرآن الكريم ، من سعي كل فريق لإثبات صحة رأيه في القرآن الكريم عن طريق إثبات ذلك بالنسبة لكلام الله بوجه عام، حتى إذا ما ثبت بأن كلام الله محدث أو ثبت بأنه قديم ثبت تبعاً لهذا أو ذاك ثبوت أحدهما بحق القرآن الكريم.

وقد رأينا كيف أن القائلين بقدم القرآن وأنه غير مخلوق أخفقوا في الحقيقة في إثبات ذلك من خلال الأدلة العقلية التي قدموها، ولم تصمد أمام النقد، فضلاً عن إخفاقها في معارضة تلك التي قدمها القائلون بخلق القرآن ، أو التخلص من إلزماتها .
وفي هذه الحلقة نعرض الأدلة السمعية التي ستحسم المسألة ونختتم بها الموضوعنا هذا.



[ أدلة القائلين بخلق القرآن وحدوثه من القرآن ]:
وأدلتهم من القرآن انقسمت الى قسمين

القسم الأول:

1- آيات صريحة في كونه محدثاً مجعولاً:
* قوله تعالى : (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ) (الأنبياء :2)
* وقوله تعالى : (ما يأتيهم من ذكر من الرحمن مُحدث إلا كانوا عنه معرضين) (الشعراء :54)
* وقوله تعالى : (أو يحدث لهم ذكراً) (طه:113) ، والذكر كما هو معلوم هو القرآن وهو احد أسمائه بدليل قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ).

وعليه فإن الآيات السابقة كماهو ظاهر لكل أحد تنص بشكل صريح وواضح لا لبس فيه ولا غموض ، على حدوث القرآن وأن الله أحدثه ، وتصفه بأنه مُحدث ، أي لم يكن ثم كان ، وليس قديما أزلياً، ومعلوم أن كل مُحدث هو مخلوق والله خلقه ، وعليه فإن القول بأن القرآن قديم وغير مخلوق يعتبر معارضة صريحة لما تضمنته تلك النصوص القرآنية القطعية الدلالة.


وقد يتساءل القارئ هنا : عن موقف القائلين بقدم القرآن وأنه غير مخلوق ، وكيف جوزوا لأنفسهم إنكار حدوث القرآن ، مخالفين بذلك ما نصت عليه تلك الآيات صراحة؟ وما حجتهم في ذلك؟

والحقيقة أنهم لم يقدموا أي حجة أو رد ، وكان قدماؤهم يتهربون من الإجابة على من احتج عليهم بتلك الآيات مكتفين فقط بالتأكيد على أن القرآن غير مخلوق ، ومن ذلك - ما نقله صاحب كتاب معراج القبول محتجاً بأقوال سلفه في كفر من قال بخلق القرآن -!! أن وكيعاً سمع رجلاً اسمه مثنى يقول القرآن مخلوق ، ( فقال وكيع : هذا كفر ، وقال: من قال أن القرآن مخلوق هذا كفر ، فقال مثنى : يا أبا سفيان ، قال الله : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) فأيش هذا ؟ فقال وكيع : من قال القرآن مخلوق هذا كفر ..) (1) .

وغاية ما تجده حول ردهم بخصوص تللك الآيات هو ما نقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية 10/327 ) من تأويل محض ، بالظن والاحتمال غايته صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقة معناه ليس إلا ، بلا دليل أو قرينة ، وهو للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- الذي عُرف بنصوصيته وشدة كراهيته للتأويل من حيث المبدأ وقراءته للنصوص قراءة حرفية ظاهرية حتى وإن تعارض ظاهرها مع أدلة قطعية توجب التأويل أو قرائن تستدعي ذلك ، فإذا به يقدم تأويلاً عجيباً غريباً بلا دليل أو قرينة لتلك الآيات القرآنية ، وحسبنا أن كثيراً من علماء الحنابلة المتأخرين تجاوزوا ذلك التأويل ،ولم يحتجوا به لعدم صلاحيته، وإن أورده أحدهم فإنما يورده على استيحاء من باب النقل دون تعليق أو توقف عنده أو تعويل عليه ، وهذا التأويل كما نقله ابن كثير هو قوله : ( ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل أنه أجاب الجهمية - يقصد المعتزلة- حين احتجوا عليه بقوله تعالى: ( وما يأتيهم من ذكر من ربهم مُحدث إلا استمعوه وهم يلعبون ) قال : يُحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المُحدث لا الذكر نفسه هو المُحدث )(2) !! ، وهذا تأويل محض لا دليل عليه ولا قرينة ، ويكفي قوله ( يُحتمل ) !، في حين أن الآية واضحة وصريحة في وصفها للذكر بأنه مُحدث لا تنزيله ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن كون الذكر منزلاً ، والله أنزله ، هو في حد ذاته دليل على حدوثه لأنه لو كان قديما لما جاز عليه النزول ، ولما وصفه الله بالنزول الذي هو من علامات الحوداث ، على أن الإمام أحمد بن حنبل نفسه لم يقتنع بذلك الاحتمال و التأويل الذي نقضه في وقت لاحق على ما يبدو ، وأتى بآخر أطم وأعجب من سابقه .

وهو ما أورده ابن كثير أيضاً عقب ما سبق إيراده مباشرة بقوله : ( وعن حنبل عن أحمد أنه قال : يُحتمل أن يكون ذكر آخر غير القرآن ) (3).
وعلى هذا فإن الذكر الذي ورد في قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) يُحتمل أن يكون ذكراً آخر غير القرآن !!؟ الذي أجمع عليه المسلمون كافة ، بأنه هو الذكر وهو الذي تكفل الله بحفظه ، ثم كيف يمكن أن يكون هناك ذكر آخر غير القرآن هو المحدث وليس القرآن ، مع أنهم يقولون بأن كلام بوجه عام هو قديم وأزلي وسائر كتبه قديمة أزلية؟؟!! ، ومعلوم أن ما كان بعضه محدثاً كان كله محدثاً ، ألا يدل هذا التخبط والتناقض على أنهم كانوا يخوضون في المسألة - لا سيما بعد انتهاء المحنة وتغلب المحدثين والحنابلة - بلافهم أو علم ، وأن العداء والتعصب المذهبي وردود الأفعال اللاواعية جعل من معارضتهم لخصومهم في مسألة خلق القرآن ومخالفتهم في الرأي هدفاً في حد ذاته ، إلى حد أن القضية في أذهانهم اختزلت بدون وعي في مسألة القرآن فحسب دون سائر كلام الله وكتبه المنزلة ؟! ومن ذلك أيضاً ما نقله صاحب كتاب معارج القبول عن هشام بن عبيد الله من أنه قال : ( القرآن كلام الله غير مخلوق ، فقال له رجل : أليس الله تعالى يقول : ( وما يأتيهم من ذكر ربهم من محدث) ، فقال : محدث إلينا وليس عند الله بمحدث ) ! (4) .


على أن المسألة لم تتوقف عند حدود تجاهل تلك الآيات الصريحة وعدم الرد على من احتج بها عليهم، ولا عند حدود تأويل قوله تعالى ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث.. ) على ذلك النحو أوغيره ، بل إن منهم من لم يتردد في تجاوز هذا وذاك الى الإنكار اللفظي الصريح وتكفير من قال أن القرآن محدث ، فهذا صاحب كتاب معارج القبول ينقل لنا - في سياق احتجاجه بأقوال (السلف) أيضاً - أن وكيعاً : ( قال من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه محدث ، ومن زعم أنه محدث فقد كفر) ! ، وفي هذا دليل على أنهم يدركون جيداً ويقرون بأن محُدث بمعنى مخلوق ، ومع ذلك ...!، ثم يقول : ( وقيل له إن فلاناً يقول إن القرآن محدث ) ، وهو ما نص علية القرآن صراحة فتأمل جوابه ( فقال : سبحان الله هذا الكفر) !!! ( 5 ) .

ونحن نقول : يا سبحان الله ، أليس هذا - بإجماع الأمة - هو حكم من أنكر صريح القرآن ولم يثبت ما أثبته لفظاً ؟! ، ولئن كانوا قد كَفَّروا من يقول بأن القرآن مخلوق فما بالــهم يكفرون من يقول بأنه محدث مع أن ذلك إثبات لفظي لازم لكل مسلم لما ورد نصاً في كتاب الله في وصف القرآن؟.


* أما بالنسبة لكونه مجعولاً فقد استدل القائلون بخلقه بقوله تعالى : ( إنا جعلناه قرآنا عربياً) أي : خلقناه ، إذ جعله قرآنا عربيا كما جعل الشمس ضياء والقمر نوراً بأن خلقهما كذلك ، مستدلين على أن (جعلناه) بمعنى خلقناه ، بقوله تعالى : ( وجعل الظلمات والنور ) ، وغيرها من الآيات .
فجاء رد القائلين بأنه غير مخلوق بإيراد آيات ورد فيها لفظ ( جعل ) دون أن يفيد معنى الخلق كقوله تعالى ( وجعلهم كعصف مأكول ) ، غير أنهم لم يقولوا لنا في هذه الحالة ما الذي تعنيه كلمة جعلناه في قوله ( إنا جعلناه قرآنا عربياً ) ، بحيث يستقيم المعنى لو افترضنا أنها ليست بمعنى (خلقناه) .


2-آيات وصف فيها القرآن بأوصاف يلزم منها حدوثه وخلقه وامتناع قدمه:

وأول هذه الأوصاف أنه منزل, والآيات كثيرة بهذا الصدد ، منها قوله تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، ولا خلاف في كونه منزلاً ، وهذا في حد ذاته يؤكد بأنه محدث مخلوق ، ولو كان قديماً لما جاز وصفه بالنزول ، لأن النزول من صفات الحادث المخلوق لا من صفات القديم الأزلي ، بدليل قوله تعالى : (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) وقوله : (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) ، وقوله : (وأنزلنا من السماء ماء مباركاً) ، وفي كل هذه الآيات استخدام كما هو واضح لفظ (أنزلنا) و (أنزل) ، و (نزلنا) ولم يقل خلقنا الحديد والأنعام والماء، ومعلوم أن كل ذلك مخلوق.

أما في قوله تعالى : ( والله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني ) (الزمر :23) ، فقد وصفه الله تعالى - كما يقول الإمام يحيى بن حمزة - ( بخمس من صفات المحدثات ، وصفه بأنه ( منزل ) والمنزل محدث ، لأنه حصل بعد أن لم يكن ، ووصفه بأنه ( أحسن ) ، والحُسن من صفات المحدثات ، ووصفه بأنه (كتاب) ، والكتاب والكتابة والمكتوب من سمات المحدث ، ووصفه بأنه متشابه - أي يشبه بعضه بعضاً في جزالة ألفاظه وجودة معانيه ... إلخ - والقديم لايشبه غيره ، وأخيراً وصفه بأنه (مثاني) ، أي يثنى ويكرر معانيه ، هذه صفات للقرأن لا يتصف بها ماهو قديم) (6) .

3- آيات يلزم منها أنه محدث وليس قديما :

* قوله تعالى: ( ومن قبله كتاب موسى ) ( الأحقاف : 12)، وهذا صريح في أنه جاء بعد غيره ، وما تقدمه غيره امتنع قدمه وثبت حدوثه .


* قوله تعالى : ( وما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بمثلها أو خير منها ) ، وقوله تعالى : ( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ) ( الكهف:109) ، تدل بذلك على أن الله لو أراد أن يغير القرآن كله أو بعضه أو يبدله بغيره أو يأتي بمثله أو يزيد فيه كما شاء لكان ذلك ، كما أن النسخ في أوامر القرآن -كما هو معلوم- جائز وواقع ، وعليه فإن ما جاز ان يتبدل ويتغير وينسخ ويؤتى بمثله ويزاد فيه فهو محدث ولا ريب ،ومحال أن يكون قديماً ، لأنه لو كان قديماً لما جاز عليه كل ذلك، ألا ترى بأن علمه تعالى - الذي هو صفته القديمة الأزلية بلاخلاف في ذلك - محال أن يتغير أو يتبدل أو يخرج عنه ما سيقع ويحدث قيد أنملة.

* قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، والمحفوظ محدث مخلوق.
* قوله تعالى : (وإذ قال ربك للملائكة ) ، و(إذ) -كماهو معلوم - ظرف زمان ، والمختص بزمان معين محدث ، وماكان بعضه محدثاً كان كله محدثاً.

القسم الثاني :
وهو ما أثبتوا فيه حدوث القرآن من خلال آيات تدل على أن كلامه تعالى هو فعله والتكلم صفته، وأنها من صفات الفعل لا من صفات الذات ، وتلك الآيات هي : قوله تعالى : ( وكلم الله موسى تكليماً ) ، وقوله: ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ) ، وقوله تعالى ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ) ، والشاهد هنا أنه سبحانه وتعالى عبر عن الكلام في هذه الآيات ونحوها بصيغة الفعل ( كلم ، يكلم) ،وهذا واضح لكل أحد ، وهو دليل أن المتكلم من فعل الكلام لا من قام به الكلام - كما ذهب إليه القائلون بأزلية كلام الله وقيامه بذاته - بدليل أن ما يتبادر إلى الأفهام ويفهمه أهل اللغة وأبناء العربية من أن معنى أن الله كلم موسى عليه السلام هو أنه فعل الكلام المكون من حروف وأصوات لا غير ، كما أن كلمة (تكليماً) الواردة في الآية فيها تأكيد واضح على أنه سبحانه فعل الكلام وأن المتكلمية والتكلم صفته ، وليس الكلام الذي هو أثرها الذي أحدثه الله وأنشأه وخلقه كيف شاء وسمعه موسى عليه السلام.

هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن الله سبحانه قد أثبت الكلام في الآيتين الأولى بقوله ( وكلم) ونفاه في الآية الثالثة بقوله ( لا يكلمهم ) ، وهذا دليل يؤكد أن المتكلمية من صفات الفعل ، ولوكانت صفة من صفات الذات لما أثبته تارة ونفاه أخرى .


تلك هي الأدلة الشرعية القرآنية الملزمة التي قدم منها القائلون بخلق القرآن ما يقطع الشك باليقين وأتوا فيها بنصوص صريحة مباشرة وأخرى غير مباشرة ، وثالثة لازمة الدلالة ، ورابعة مؤكدة ، ولا مجال لتجاوزها أو تجاهلها فضلاً عن التمسك بالرأي المعارض لــها .

أما من السنة : فقد احتجوا على مخالفيهم بما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي) ، وهذا كلام صريح - نصا ولفظا - في أن القرآن مخلوق ، وحجية هذا الحديث وأهميته تتمثل في ورود لفظ ( الخلق ) صراحة ، وفي كونه مروياً عن طريق رجال أهل الحديث وثقاتهم ، وعندما اُحتج به عليهم في حينه لم ينكروه ولم يطعنوا في صحته ولا قدحوا في رواته ، وإنما أولوه وصرفوا معناه عن ظاهره وحقيقته كما فعلوا بالنسبة لتلك الآيات القرآنية الصريحة - كما رأينا - بل ساءهم أن يظهر هذا الحديث زمن المحنة وما بعدها وأن يُحدث به أحد رجالاتهم خوفاً من أن ينتشر بين العامة فيضعف موقفهم ويبطل رأيهم .

وإليك ما نقله لنا الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء 10/578 : (قال أبو الحسن عبدالملك الميموني : قال رجل لأبي عبدالله -أحمد بن حنبل-: ذهبت الى خلف البزار أعظه، بلغني أنه حدث بحديث عن الأحوص عن عبدالله بن مسعود ، قال : ما خلق الله شيئا أعظم من آية الكرسي .. وذكر الحديث ، فقال أبو عبدالله -أحمد بن حنبل -: ما كان ينبغي أن يُحدث بهذا في هذه الأيام - يريد زمن المحنة !! ، والمتن .. والكلام لا زال للذهبي -: ( ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي )، وقد قال أحمد بن حنبل لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة : إن الخلق واقع هاهنا على السماء والأرض وهذه الأشياء لا على القرآن)!! (7) .


[ أدلة القائلين بقدم القرآن وأنه غير مخلوق ] :

من القرآن : ومحور استدلالهم من القرآن يستند إلى آيتين وهي قوله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر ) (الأعراف : 54 )
وقوله تعالى : ( إنما أمرنا لشيئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) (النحل :40) .

ووجه استدلالهم هنا على أن كلام الله غير مخلوق يتمثل أولاً : في القول أن الله تعالى في الآية الأولى (ميّز بين الخلق والأمر فوجب أن لا يكون داخلاً في الخلق ) أو كما قال أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة 19/ ، أنه تعالى : ( لما قال : ( ألا له الخلق ) كان هذا في جميع الخلق ، ولما قال ( والأمر ) ذكر أمراً غير جميع الخلق فدل ما وصفنا على أن أمر الله غير مخلوق) ( 8 ) .

أما ثانياً : فيتمثل في اعتبار هذا الأمر غير المخلوق - كما قرروه استناداً إلى الآية الأولى - هو الأمر الذي ورد في الآية الثانية ( إنما أمرنا ..) والذي يخلق الله به الخلق والمتمثل في قوله للشيء المراد خلقه ( كن ) !! ، وقوله كن هو كلامه الذي يكون به الخلق ، وكلامه عزوجل الذي به يكون الخلق غير الخلق الذي يكون مكونا بكلامه) ! (9) ، وبالتالي فإن القرآن غير مخلوق !!!، وتأكيداً لهذه النتيجة قالوا : بأن القرآن الذي هو كلام الله وقوله لوكان مخلوقاً لوجب - كما قال الأشعري - ( أن يكون مقولاً له : كن فيكون ، ولو كان الله عز وجل قائلاً للقول : كن ، كان للقول قول ) ، يقصد أن القول (كن ) سيكون في هذه الحالة محتاجاً إلى قول آخر ليكون ، وهكذا إلى ما نهاية وهذا مستحيل ، وعليه يقول الأشعري : ( وإذا استحال ذلك صح وثبت أن لله عز وجل قولاً غير مخلوق ) (10) .

والحقيقة أن استدلالهم العجيب هذا باطل من الأساس ، وقد أجاب عليه القائلون بخلق القرآن بما مفاده : إن المراد بالأمر في قوله تعالى ( ألا له الخلق والأمر ) هو التصريف والتدبير ، أما ما ذهبوا إليه من المراد بالأمر القول ، والكلام ، فهو تحكم محض لا دليل عليه مطلقاً ومن ذا الذي يفهم من الآية السابقة أن المراد بها أن الله له الخلق والقول الذي يخلق به الخلق ؟! ، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية فإن قوله وتعالى : ( ألا له الخلق وله الأمر ) هو جزء من الآية 45 من سورة الأعراف ، اقتطعوه منها وفصلوه عن سياقها الدال على خلاف ما ذهبوا إليه ، والآية كاملة هي قوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين ) .

والآية - كما هو واضح - بدأت بالحديث عن خلق السموات والأرض - بما فيها الشمس والقمر والنجوم وغيرها بالطبع - ثم يؤكد الله بأن هذه مسخرات بأمره أي أنها بعد خلقها خاضعة لتصريفه وتدبيره ومشيئته .
وهذا هو معنى (بأمره) الذي لا يمكن أن يكون المراد به هو القول الذي يخلق الله به الخلق بدليل قوله ( مسخرات بأمره ) وذلك بالطبع بعد خلقه لها ، ثم يأتي ختام الآية بقوله ( ألا له الخلق والأمر ) لتأكيد أنه تعالى هو الذي خلق الأشياء كلها - وليس فقط مانصت عليه الآية - وأنه - وهذا معنى الأمر - هو الذي يدبر ويصرف المخلوقات والكائنات كيف شاء وأن كل شيء خاضع لتصريفه وتدبيره ومشيئته وليس فقط الشمس والقمر والنجوم المسخرات بأمره والتي خصها بالذكر كون الآية جاءت رداً على من يقولون بان لها تأثيرات في هذا العالم ، وبهذا يتضح أن الآية لا علاقة لها بما ذهبوا إليه من معنى الأمر . وليس فيها ما يستدل به على أن كلام الله غير مخلوق .


أما بالنسبة للآية الثانية ( إنما أمرنا لشيئ إذا أردناه أن نقول لهُ كن فيكون ) وقوله تعالى : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) ، فقد جاءت بتعبيرات أخرى حيث قال تعالى : ( إنما قولنا لشيئ إذا أردناه أن نقول كن فيكون ) ، وقال تعالى : ( وإذا قضى أمراً فإنما يقول لهُ كن فيكون) .
وهذه الآيات من غرر الآيات القرآنية التي تصف لنا شأنه تعالى ( وهو المراد هنا بأمره ) عند إرادته خلق شيء من الأشياء ، وتصور لنا ذلك بأبلغ بيان ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول لن (كن) فيكون ) . بمعنى أن أي شيئ يريد الله خلقه وإيجاده إنما يكون في التو واللحظة بمجرد إرادة الله لخلقه وإيجاده لا أنه عند إرادته لإيجاده وكونه يقول لهُ حقيقة - أي لفظاً - (كن) فيكون ذلك ، وبعبارة أخرى : أن قوله تعالى للشيء ( كن) ليس هو قولاً لفظياً هو لفظ (كن) يتلفظ به الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً لتتحقق إرادته في الخلق والإيجاد ، حتى يقال بناء على مثل هذا الفهم السقيم الممتنع في حق الله أصلاً - أن لله قولاً غير مخلوق وأن (كن) من كلامه الذي يخلق به الخلق ، وبالتالي فإن كلامه بوجه عام غير مخلوق !! ، واحتجاجهم بأنه قوله (كن) لو كان مخلوقا لاحتاج في نفسه إلى قول آخر لإيجاده وهذا إلى آخر وهكذا يتسلسل إلى ما لا نهاية ، وهذا مستحيل وبالتالي لا مناص من أن يكون غير مخلوق ، احتجاج مبني أساساً على حمل قوله للشيئ (كن) على القول اللفظي ، وأغلبهم لم يجرؤ على التصريح بذلك ، غير أن بعضهم لم يتردد في التصريح به من خلال القول : ( الظاهر أن هناك قولاً لفظياً هو لفظ ( كن) ، وإليه ذهب معظم السلف ) (11) .

وهذا محال من عدة وجوه :
أولاً : أنه ( من المعلوم أنه ليس هناك لفظ يتلفظ به ، وإلا احتاج في وجوده إلى لفظ آخر ، وهلم جراً فيتسلسل ، ولا أن هناك مخاطباً ذا سمع يسمع الخطاب فيوجد به) (12) .
ثانياً : أن ذلك يعني أن الله محتاج إلى كلمة (كن) لإيجاد مخلوقاته ، وأن تحقق إرداته في إيجاد الشيء متوقف على لفظ محدد دون غيره وهو (كن) وليس مجرد إرادته ، وأنه تعالى عن ذلك يتلفظ بكلمة (كن) بحرف وصوت كما نتلفظ نحن البشر.. ، وكل ذلك محال وممتنع في حق الله تعالى ، ويلزمهم منه إلزامات شنيعة ، وبذلك يثبت بطلان ما ذهبوا إليه.


وخلاصة القول :
إن إرادته سبحانه وتعالى للشيء هي إيجاده وخلقه لذلك الشيء لا غير ، بمجرد إرادته التي هي إحداثه وفعله لا غير ، يقول لهُ كن فيكون، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا اضطراب ولا همة ولا تفكر إلى آخر ما هنالك مما تنوعت تعبيرات القرآن في تقريبه إلى أذهاننا والإشارة إلى حقيقته بإشارات بليغة غير (كن فيكون) في دلالة واضحة على أن المسألة ليست مسألة قول لفظي أو أمر لفظي ،وإنما هي تمثيل وبيان على مدى نفاذ وتحقق إرادته في إيجاد وخلق الأشياء بمجرد التعلق بالإرادة الإلهية لا غير ، كقوله تعالى : ( كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال لهُ كن فيكون) ، وقوله تعالى : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر ) ، وقوله: (وكان أمر الله قدراً مقدوراً ).


تلك هي أهم أدلتهم من القرآن ، أما السنة فلم يستدلوا منها بشيء يتعلق بصلب الموضوع لا من قريب ولا من بعيد .
وبهذا ينتهي موضوعنا

سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين.



ـــــــــــــــ
الهوامش:

( 1 ) معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ج1 ص 247 للشيخ حافظ بن أحمد حكمي ، دار ابن القيم للنشر والتوزيع - الدمام – السعودية – الطبعة الأولى 1410هــ1990 م.
( 2 ، 3 ) مقدمة كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ص 12 تحقيق السيد حسن السقاف ،والكتاب تأليف الحافظ ابن الجوزي الحنبلي ، دار الإمام النووي - عمان الأردن الطبعة الثالثة 1413هـ 1993م .
( 4 ) المصدر السابق ص 277 .
( 5 ) معارج القبول 1 / 274 .
( 6 ) الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية ص 79 تأليف الدكتور أحمد محمود صبحي .
( 7 ) مقدمة كتاب دفع شبه التشبيه لمحققه حسن السقاف ص 13 - 14.
( 8 ) خلاصة علم الكلام للدكتور عبدالهادي الفضيلي ص 28.
( 9 ) معارج القبول ج1ص278.
(10) خلاصة علم الكلام ص 128
(11) خلاصة علم الكلام ص 133.
(12) المصدر السابق ص 132 .
آخر تعديل بواسطة المتوكل في الجمعة نوفمبر 17, 2006 11:30 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة
صورة

أمين نايف ذياب
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 70
اشترك في: الجمعة أغسطس 12, 2005 12:25 pm

أخي الكريم ما تقوله هزني من الأعماق فكله خطأ في خطأ

مشاركة بواسطة أمين نايف ذياب »

أخي الكريم ما تقوله هزني من الأعماق فكله خطأ في خطأ واستغربت وقوعك في هذه الكمية من الأخطاء

احمد بن أبي دؤاد المعتزلي لم يكن قاضيا للمأمون يحيى ابن أكثم وهو مدون في طبقات الحنابلة اي حنبلي هو قاضي المأمون .


من وصلته الرسائل بشأن الممتحنين هو اسحق بن ابراهيم المصعبي قائد شرطة المأمون وليس أحمد بن ابي دؤاد .


بشر المريسي كان جبريا يقول بخلق القرآن لكنه لا يقول بان العباد يخلقون أفعالهم أي ليس معتزليا يقينا .


ثم تكتب كلاما لا اصل له ولا فصل . وهذا هو :


من خلال ممارسات قمعية علنية بدأت أحداثها من زمن الخليفة العباسي المأمون الذي عرف بميله إلى مذهب المعتزلة ومنهجهم العقلي ، فقربهم – بعد كبت واضطهاد فكري وقمع سياسي سابق – وتبنى مذهبهم وآراءهم – بعد أن كان محظوراً عليهم نشرها أو الإعلان عنها – وقلد أحد رجالاتهم القضاء والوزارة ، ( وهو القاضي المعتزلي أحمد ابن أبي داود ) ، وفي عام 218هـ كتب كتاباً بإيعاز ابن داود – إلى ولاته وعماله على الأمصار والأقاليم يأمرهم فيه بأن يحملوا الناس على القول بـ ( خلق القرآن ) ، ويمتحنوا القضاة والمحدثين والفقهاء في ذلك ، ... الخ .


المأمون ليس من المعتزلة فهو لم يمتحن المحدثين والفقهاء في مفهوم العدل عند المعتزلة
مطلقا


احتاج لكتابة طويلة لتصحيح جملة الأخطاء التي وقعت فيها
العقل أول الأدلة فالكتاب فالسنة فالإجماع
الشرع مصلحة للناس
www.almutazela.com

أمين نايف ذياب
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 70
اشترك في: الجمعة أغسطس 12, 2005 12:25 pm

الكارثة في مزاعم حول المحنة

مشاركة بواسطة أمين نايف ذياب »

رأي في المحنة

يهدي أمين نايف ذياب هذه الملاحظات إلى :
السادة الأجلاء ! أصحاب السماحة ، والفضيلة ، والأساتذة ، والشيوخ : علماء الإسلام من مدرسين أو دارسين أو وعاظ وكل مهتم بالإسلام .
السادة قادة الفكر : أساتذة ، أو علماء ، الذين طالما رددوا في المنتديات الثقافية عبارة هي : المعتـزلة الذين كانوا دعاة الحرية في الفكر الإسلامي اضطهدوا الفكر ، حينما صار الأمر إليهم زمن المأمون والمعتصم والواثق ، أي قاموا بالـمحنة فقتلوا واشبعوا السياط من ظهور خصومهم ، إليهم جميعاً هذه الملاحظات.
رغم أنَّ النشر اتسع اتساعاً هائلا ، ورغم كثرة التحقيق للتراث الإسلامي ، إلا أنَّ عقل الأكاديميين بقي أسيرا لمقولات دونت خطأ لظروف سياسية معينة ، وتذهب الظروف ، ويبقى القول الذي قيل خدمة لتلك الظروف هو السائد.
من الغرائب العجيبة أن جريدة الغد نشرت ثلاثة مقالات في موضوع خلق القرآن والمحنة سارت بنفس الاتجاه دون إعادة نظر بعد ان صار من الممكن دراسة الموضوع من حيث الفكر ومن حبث الصحة والخطأ ومن حيث وقائع الأحداث وهل فيها مبالغة أو تزييف ومن حيث موقف الرجال في الحدث إلخ ممكنات القراءات المتعددة وكانت المقالات كما يلي :
1. مقال للسيدة جواهر الرفايعة بعنوان بعنوان : [المعتزلة جذر من جذور أزمة الحرية] والسيدة جواهر في مقالها ـ وهو مقال لا بد من وقفة معه ـ تعيد انتاج الخطاب المدون في كتب التاريخ المنحازة لجماعة المحدثين ، فمصادرها هي مصادر أصحاب المصلحة والغرض في تشويه المعتزلة .
2. مقال السيد عبد الله فرج الله في العدد [160] الصادر يوم الجمعة 26 ذي القعدة 1425هـ الموافق 7/1/2005م بعنوان [ أحمد بن حنبل رأس في الأمر ] ويشير رقم 3 قي المقال إلى وجود مقالين سابقين لم اطلع عليهما ولم يأت في المقال بجديد فالمقال عودة لعين المدائح بأحمد بن حنبل وسيرى القارئ قي التعليق على المقال جملة وعينة من المدائح التي دبجها السيد عبد الله فرج في احمد بن حنبل ومصادره هي عين تلك المصادر التي وظفت موضوع المحنة لمدح احمد بن حنبل دون غيره من المتحنين .
3. يوم السبت 27ذي القعدة 1425هـ الموافق 8/1/2005م في العدد 161 من جريدة الغد أطل علينا استاذ التاريخ والحضارة في جامعة فلادلفيا الدكتور مهند مبيضين بمقال بعنوان [فائض المعرفة وصنعة النظر]

جريدة الحياة نشرت مقالا من قسمين قرأت القسم الأول منه ، وحرصت على قراءة القسم الثاني فلم أتمكن ، يظهر أنَّ القسم الثاني سينشر فيما بعد ، كاتب المقال هو [ ثابت عيد ] وهو مصري مقيم في زوريخ بسويسرا ، يكتب عن وضع تأريخي ، محاولا إنصاف المعتزلة ، لكنه ظلّ أسيراً لمقولات تاريخية ، أثبتت الدراسات الجادة عدم صحتها ، فمثلا لا زال الباحث يرى : أنَّ للمعتزلة دوراً في أحداث المحنة ، مع أنَّ الثابت الآن ، أنْ لا علاقة للمعتزلة من قريب ، أو من بعيد ، في القيام بأحـداث المحنة ، أو الإشارة بـها ، سوى مشاركة القاضي [ أحمد بن أبي دُؤاد ] في مسائلةِ الممتَحَنين ، والمشهودُ له ، بأنه عمل على منح الممتَحَنين العذر ، لكنَّ أعداءَ الفكر الإسلامي العدلي ـ من الأشاعرة ومن أهل الحديث الحشوية ـ وهم العاجزون عن الوقوف في وجه جور السلاطين ، صبُّوا غضبهم وأكاذيبهم على المعتزلة ، وكان على الباحث ، أنْ يشير إلى ما كشفته الدراسات الجادة الآن .
الأمر الثاني : الذي ينقص الدراسة ، هو عدم توظيف التاريخ ، لتهيئة الأمة ، في عقلها ومشاعرها ، لتعمل على بعث الحركة في مشروع النهضة ، الإسلامي مضموناً ، العربي لساناً ، ولهذا جاء البحث لحساب التاريخ فقط .
وأخيرا لم يستطع الباحث تحريك التفكير ، من خلال قراءة تاريخ الأمة ، قراءةً نقديةً ، بحيث تتحول القراءة إلى حركة حضارية ، تبادر إلى الإنجاز ، والاكتشاف ، والاختراع ومن ثمّ التقدم الصناعي والتقني ، من خلال امتلاك المعلومات ، بالانتفاع من الغير ، أو بالوصول إليها ، بالتجارب والتوليد ، وبصورة أخرى ، محاولة توظيف القراءة في إنتاج حداثتنا ، لا استيرادها ، في عهد تعالي أصوات الداعين ، لاندثار الأمة ، عبر تمجيد العولمة ، والتغزل بالخصخصة ، والدعوة لاعتبار العدو اليهودي شريكاً في أرضنا وقبول الاحتكام إلى الويلات المتحدة وشرعة الأمم المتحدة ، مخترعي المكيال المزدوج ! .
إنَّ بلادة الحس الجماعي السائدة عند مجمل الأمة ، وسطحية التفكير ، وذاتيته ، كلها أمور : تحتاج إلى عمل تغييري عبر التمعن بحوادث التاريخ لإعادة بناء الوعي الحقيقي الصادق المنتج .
تُصِرُّ الذاكرة الجماعية للأمة سواء أكانت ذاكرة أساتذة أكادميين ، أو رجال حركات إسلامية أو ما يُسَمَّى بحركات المثقفين العرب ، أو المثقفين الإسلاميين ، أو وعاظ المساجد ، على الدعوى دون تحقيق : بأنَّ المعتزلة مع كونـهم ، دعاة عدل ، لا جبر وقهر ، إلاَّ أنـهم خالفوا مفاهيمهم ، حين صاروا أصحاب الأمر ، فالمحنة فعلهم ، إن الحقيقة الواضحة تظهر عكس ذلك تماماً ، فلا هم صاروا أصحاب أمر ، والمحنة صراع بين ملك جبري عضوض [ وليس حُكْماً عَدْلياً معتزلياً ] وأهل الحديث ، الذين هم قوة إسناد الملك الجبري العضوض ، ولهذا لم تدر مناقشات المحنة حول مفهوم العدل ، [ أي تمكين الإنسان من خلق أفعاله ] وإنما دارت حول خلق القرآن ، وهي ليست قضية خاصة بالمعتزلة ، بل يقول بـها أهل الجبر أيضاً وخاصة الجهمية ، وخلطُ الجهميةِ الجبرية بالمعتزلة العدلية ، هو نوع من التضليل ! .
لقد رسم المأمون لاحتواء الدعوة الشيعية [ إسماعيلية تعمل سراً ] إذ في زمنه نُشرتْ رسائلُ إخوان الصفا ، الأمر الذي جعل المثقفين يقعون تحت تأثيرها ، وهكذا فقدت العباسية المثقفين بسبب ميلهم للدعوة الإسماعيلية ، فشكلت خطراً ماثلا على الدولة العباسية ، فعمد المأمون إلى تبني الشيعة ظاهريا ،ً ولم يستطع أهل الحديث أدراك ما رمى إليه المأمون ، من هذا التبني فأصابـهم الهلع ، وانحازوا إلى العمل ضد المأمون بكل الطرق : من وضع الأحاديث ضد المأمون كما فعل نُعيم بن حماد ، واشترك أبو مسهر [ عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي الغساني ] المحدث المشهور محدث الشام بثورة الأموي [ أبي العميطر علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ] ورغم هزيمة أبي العميطر ، إلاّ أنَّ أبا مسهر ، بقي في حالة عداء ظاهر للمأمون ، وأخذ أحمد بن نصر الخزاعي يتحفز لإعلان الثورة ، ضد الدولة العباسية ، وإذا كانت الدعوة الإسماعيلية احتوت المثقفين ، فإن دعوة أهل الحديث تحتوي العامة ، وهي العامة التي شكلت هاجسا للمأمون ، من هنا قام المأمون ـ وهو في حالة غزو وحرب مع الروم ـ بمراسلة نائبه وقائد شرطته اسحق بن إبراهيم المصعبي ، في رسالتين مشهورتين ، وثقهما ابن جرير الطبري ، في حوادث 218 هـ ، ذكر فيها معايب الممتَحَنين واحداً واحدا ، لقد بقي المصعبي ـ وهو محسوب على أهل الحديث ـ في مركزه أيام المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل ، وقد جَزِعَ المتوكل لموته .
إنَّ المحنة لم تكن بتأثير المعتزلة ، وهذا ما يكشفه أقدم نص كُتِبَ حول المحنة ، من قبل حنبل بن اسحق بن حنبل ( ابن عم أحمد وتلميذه ) ولهذا لم يورد اسم أهم الجدليين المعتـزلة مثل : ثُمـأمـة ، والعلاف ، والنَّظام ، والجاحظ ، وغيرهم ، بل وردت أسماء مجهولين كل الجهالة ، ولم يرد من أسماء المعتزلة غير أحمد بن أبي دؤاد ، بحكم كونه قاضي الدولة في عهد الـمعتصم ، ومن المعلوم أن اسـتلام ابن دؤاد القضاء كان بناء على رأي قاضي المأمون يحيى بن أكثم ، الذي لم يكن من المعتزلة ، بل كان حنبليا ، وردت ترجمته في طبقات الحنابلة ترجمة رقم ( 539 ) ، ولم يكن المراد من المحنة الانحياز لأراء المعتزلة ، بل المراد تحجيم دور المحدثين أمام العامة ، وباحتواء خطر الشيعة الإمامية ، وخطر الهوى الأموي ودعاته أهل الحديث ، وبإلقاء القبض على أحمد بن نصر الخزاعي وقتله بيد الواثق زالت كل الأخطار ، ولهذا عاد العباسيون لتبني رأي أهل الحديث ، في قضية خلق القرآن ، على يد المتوكل الذي مدحه أهل الحديث ، رغم شهرته بارتكاب المحرمات ، فالمسألة المهمة لا تزال عند المحدثين هي قضايا حشو المعتقدات أي بناء الإيمان على الصورة الحسية أمسِ واليوم وغداً .
إنَّ الدليلَ على أنَّ المحنة ، لم تكن من صنيع المعتزلة ـ رغم قول المعتزلة بخلق القرآن إجماعا ـ فأساس قول المعتزلة بخلق القرآن ، بُني على أنـها مسألة من مسائل العدل ، بينما هي عند الجبرية من مسائل التوحيد ، والقارئ لنقاشات المحنة ، يراها تدور حول التوحيد ، أي حول انفراد الله بالخالقية ، وحول علم الله الأزلي ، وليس حول العدل ، وهذا يكشف أنَ أيام المأمون ، والمعتصم والواثق لم تكن زمناً اعتزالياً وإنما هو زمن عباسي ، يرفض التشبيه ، ويقبل الجبر ويمارس الجور أما في أيام المتوكل فهو يقبل التشبيه ، والجبر ، ويمارس الجور ، ويزيد على ذلك ارتكاب الأعمال الحرام [ يقصد من ارتكاب الأعمال الحرام أعمال المتوكل نفسه في شربه المسكر وفي الأمة بممارسة سياسة الظلم في الرعية ] ويقيم سياسة غاية في السوء مع أهل الكتاب ، ويقهر التفكير ، ويمنع الجدل ، ويهبط مستوى العلم ، ويبدأ عصر استهانة العسكر التركي بالخلفاء وزيادة في التقرب للنواصب ، يعمد إلى هدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
لقد طالت المحنة الكثير من أهل الحديث ، وبعض الفقهاء ، وعم المأمون إبراهيم بن محمد المهدي ، وكان حاذقاً بصنعة الغناء ، ومعلوم أنه بويع بالخلافة من 202-204 هـ وقتل بسبب المحنة أحمد بن نصر الخزاعي ، ومات محمد بن نوح أثناء حمله وأحمد إلى المأمون ، ومات في السجن كل من : نعيم بن حماد ، وأبي مسهر الدمشقي ، وقد أجاب في المحنة كل الممتَحَنين أما أحمد فلم يُصَرِّحْ أثناءَ الامتحان بأن القرآن غير مخلوق ، وإنما كان يعمد إلى المراوغة ، ولم يكن الجلد [ الضرب ] بالصورة الدرامية ، التي ينشرها جهلة اليوم ، فقد كان مجموع ما جُلد أحمد على ثلاث مرات 68 جلدة في أغصان من الشجر فيها أوراقها [ في مفهوم اليوم لم تُحسلك ( الفعل الرباعي "حَسْلَكَ" ليس عربيا والمراد أن الأغصان لم تـهيأ لشدة الضرب ] وفي أخبار أوردها ، حنبل بن اسحق بن حنبل ذكر أحمد خمسا وعشرين حديثا ، من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، تحث على طاعة ولي الأمر وإن جار وظلم ، فأحمد لا يهتم بزوال المظالم ، وإنما همه أنْ يكون متقدما بين العامة ، عبر نشر الأحاديث ، والأساطير ، والزعم بأنَّ الرسول r هو قائلها .
كان للإعلام الحنبلي دور في تضخيم موقف أحمد ، وإعطائه صورة درامية ، والذي يقرأ أخبار المحنة يظن أنَّ الممتَحَنَ الوحيد هو أحمد ، وللعباسية دور في هذا التضخيم ، لتستفيد من موقف الطاعة للحكام ، والتقوي به على الشيعة المتربصة آنذاك ، بلغ من قوة الحنابلة أنْ منعوا دفن العالم الطبري المشهور في مقبرة بغداد ، وتـهيأ الأمر لانقلاب الأشعري على المعتزلة ، بتسويغات غير مقنعة .
العقل أول الأدلة فالكتاب فالسنة فالإجماع
الشرع مصلحة للناس
www.almutazela.com

اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 127
اشترك في: الأربعاء فبراير 11, 2004 9:19 am

مشاركة بواسطة اليماني »

لا حاجة إلى هذا التعب كله
القرآن ليس مخلوقا وليس قديما .. لأن هذه الأوصاف لم تأتي في القرآن ولا في صحيح السنة .. ولكن الله وصف كتابة بانه منزل وأنه محدث .. وهذا معلوم لدى المسلمين جميعا .. فلا داعي لوصفه بشيء سوى ذلك .. لأن الأوصاف المخترعة هي التي جعلت الناس يختلفون فيها .
الحق احق أن يتبع

ابن المطهر
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1041
اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm

مشاركة بواسطة ابن المطهر »

اليماني كتب:لا حاجة إلى هذا التعب كله
القرآن ليس مخلوقا وليس قديما .. لأن هذه الأوصاف لم تأتي في القرآن ولا في صحيح السنة .. ولكن الله وصف كتابة بانه منزل وأنه محدث .. وهذا معلوم لدى المسلمين جميعا .. فلا داعي لوصفه بشيء سوى ذلك .. لأن الأوصاف المخترعة هي التي جعلت الناس يختلفون فيها .
وهل جاء في القرآن أو صحيح السنة أن القرآن ليس مخلوقاً وليس قديماً ؟؟ لأنه على قاعدتك يلزم أن ننكر هذا الوصف للقرآن !!
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .
صورة

اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 127
اشترك في: الأربعاء فبراير 11, 2004 9:19 am

مشاركة بواسطة اليماني »

نثبت ما أثبت القرآن وننفي ما نفى حتى لا نتوه بين المصطلحات المخترعة في المسائل العقائدية .. فإذا جاء في القرآن انه ليس مخلوقا او ليس قديما قلنا كما قال .. وإذا سكت ـ كما هو الحال ـ سكتنا ووصفناه بما وصف به نفسه. وبذلك نستريح نأمن الزلل.
الحق احق أن يتبع

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

* ومن قبله كتابُ موسى *صدق الله العظيم

ولقد وصفه الله بإنه محدث محدث في أكثر من آية تأمل
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 127
اشترك في: الأربعاء فبراير 11, 2004 9:19 am

مشاركة بواسطة اليماني »

أنا لا انازع في أنه من الله وأنه منزل محدث ، ولكنى أفضل أن لا يطل الناس الجدل في هذا الباب ويقتصروا على استعمال الألفاظ التي ورد بها الشرع وكفى .. لأنها تودي الغرض.
الحق احق أن يتبع

ابن المطهر
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1041
اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm

مشاركة بواسطة ابن المطهر »

اليماني كتب:نثبت ما أثبت القرآن وننفي ما نفى حتى لا نتوه بين المصطلحات المخترعة في المسائل العقائدية .. فإذا جاء في القرآن انه ليس مخلوقا او ليس قديما قلنا كما قال .. وإذا سكت ـ كما هو الحال ـ سكتنا ووصفناه بما وصف به نفسه. وبذلك نستريح نأمن الزلل.
أخي اليماني :
هل يعني هذا تراجعك عما قلته في مشاركتك السابقة إنه ليس قديماً وليس مخلوقاً ؟؟
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .
صورة

اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 127
اشترك في: الأربعاء فبراير 11, 2004 9:19 am

مشاركة بواسطة اليماني »

ليس تراجعا ولكنه تاكيد
الحق احق أن يتبع

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“