حكم الارسال في الصلاة عند المالكية .... خذها من اهلها

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
بديع الزمان
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 45
اشترك في: الأربعاء مارس 25, 2009 6:14 pm

حكم الارسال في الصلاة عند المالكية .... خذها من اهلها

مشاركة بواسطة بديع الزمان »

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله و اهل بيته.. وبعد

فانه درا حوار بيي وبين احد الوهابية حوار حول الضم والارسال في الصلاة فادعى الاجماع على الضم وقال ان المالكية ايضا يقولون بالضم وان الارسال عندهم ليس صحيح وبعد ذلك وجدت هذا الكتاب لاحد علماء المالكية يقرر فيه الارسال (السدل) في الصلاة فاحببت الاتيان به هنا لتعم الفائدة ..........
ملاحظة : المالكية يسمون الارسال في الصلاة بالسدل فتنبه واليكم الكتاب ....


إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض
للإمـــام الكـبــير المحــدث الشـهــير الشيــخ محـمــد الخـضــر
ابن سـيــدي عبـداللّـه بن مايابي الجكـني الشنقـيطـي
المـالكــي عــالم المـدينــة المنــورة ومفـتيـهــا.
عــلى سـاكنهــا أفـضــل الصــلاة والســلام
المتوفي في منتصف ذي القعـدة 1353هـ



الحمد لله نور السموات والأرض. جاعل الأنبياء نجاة في يوم الحساب والعرض. والصلاة والسلام على من جاءنا بكل مسنون وفرض. محمد وعلى آله وأصحابه الناقلين عنه للإرسال والقبض. أما بعد فهذه رسالة صغيرة الحجم. كثيرة الفائدة والعلم. ينشرح لها صدر كل ذي لب وفهم. بينت فيها رد ما قيل من رجحان القبض في مذهب الإمام مالك. بياناً منبئًا عمّا للإرسال من الأدلة القواطع والمدارك. مما يعتمده كل سالك لمذهب مالك لغيره تارك. وسميتها إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض ورتبتها على مقدمه وبحثين المقدمة في سبب التأليف لهذه الرسالة وجلب جمل تدل على قصور المعتنقين لمذهب مالك المقلدين له مع أخذهم بالقبض ودعواهم أنه هو الراجح في مذهبه: والبحثان. البحث الأول في أدلة القائلين بالقبض. وبيان ما فيها من الطعن والإعتراض على نهج المحدثين والبحث الثاني في أدلة الإرسال وتأييدها بطرق التأييد عند المحدثين.

أقول وعلى اللّه الإعتماد والتكلان، وهو حسبي ومستعاني، ونعم الحسيب والمستعان، أعلم أن سبب التأليف لهذه الرسالة، هو أني رأيت كثيرًا من علماء المغاربة المالكيين، لما قدموا إلى الشرق، ورأوا العظماء من الأمراء والأغنياء الآخذين بمذاهب الأئمة القائلين بالقبض يقبضون، إستقبحوا مخالفتهم، وأحبوا الإتفاق معهم، ولم يرضوا بأن يكونوا خارجين عن مذهب الإمام مالك، فأضطروا إلى الأخذ بالقول الضعيف في مذهب الإمام مالك، القائل بالقبض، واحتاجوا إلى نقويته وإحتجوا له بأن مالكاً رواه في موطئه، وهذه الحجة هي قاصمة الظهر عليهم كما سترى. إن شاء اللّه تعالى قريبًا، فالفوا رسائلهم في تضعيف الإرسال، وترجيح القبض وإستدلوا بما أمكنهم من الأدلة الواهية، فلأجل هذا ألفت هذه الرسالة، لأبيّن فيها أرججية الإرسال على القبض في مذهب مالك، وأبيّن غلطهم فيما زعموا وألفوا، فإحتجاجهم بأن مالكًا رواه في موطئه أبعد لهم عن الصواب، وأقطع لعذرهم، لأنهم لو ام يعلموا أن مالكًا إطلع عليه كان لهم أن يقولوا هذا حديث صحيح لم يطلع عليه مالك، وقد إطلعنا عليه فنعمل به، فقد قال في فتح الباري عند قول البخاري باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس...إلخ: ويشتد الذم في تكلف القياس لمن ينتصر لمن يقلده مع إحتمال أن لا يكون الأول إطلع على النص فعلم منه أن من علم أن إمامه الذي هو المقلد له إطلع على النص، ولم يعمل به إذا إنتصر له لا يكون إنتصاره له مذموماً، لأنه معلوم من عدالة الإمام المجتهد المقلد أنه لا يعلم النص، ويعدل عنه، إلاّ لأمر أقوى منه أوجب العدول عنه، وقد قال ابن عبد البر في كتاب العلم: ليس أحد من علماء الأمة يثبت عنده حديث عن رسول الله r بشئ ثم يرده إلاّ بإدعاء نسخ أو معارضة أثر غيره أو إجماع أو عمل يجب على أصله الإنقياد إليه أو طعن في سنده، ولو فعل ذلك بغير ذلك لسقطت عدالته فضلاً عن أن يُتخذَ إماماً، وقد أعاذهم اللّه تعالى من ذلك. اهـ. فقد صرّح بأن اللّه تعالى أعاذهم من ذلك، فلم يحصل منهم، ومعلوم أن مالكاً t من أجل العلماء، وأشدهم إتباعاً للسنة، فلا يظن به العدول عما رواه إلى غيره. لغير دليل أقوى منه إلاّ جاهل بمناصب الأئمة، قادح في عدالتهم، وقال أيضاً في كتاب العلم المذكور: ما أعلم أحدًا من أهل العلم إلاّ وله تأويل في آية، أو مذهب في سنة، رد من أجل ذلك المذهب سنة أخرى، بتأويل سائغ أو ادعاء نسخ اهـ، فأنظر قوله هذا تعلم إن كل مجتهد تقع له مخالفة سنة بتأويل سائغ أو إدعاء نسخ أو غير ذلك، وليس هذا خاصًا بالإمام مالك وما قام عليهم مقلدوهم وخالفوهم وارتكبوا الضعيف عندهم وفي نوازل الطهارة من المعيار ، عن ابن مرزوق ما نصه نص: أبو الفضل عياض رحمه اللّه تعالى في أول مداركه على أن لفظ الإمام ينزل عند مقلديه منزلة ألفاظ الشارع، بإعتبار العمل بمنطوقه ومفهومه وغير ذلك، فعلى هذا قياس المقلد على أصول إمامه كقياس المجتهد على الأصول الشرعية، وقد يكون في قوله r العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، إشارة إلى هذا. وفي نوازل الأقضية والشهادات منه أيضًا من ليس من أهل النظر وحكمه التقليد إذا تقلد مذهبًا فإنما تقلده لأنه عنده أصح المذاهب وصاحبه عنده أعلم أصحاب المذاهب فلا يسوغ له خلافه حتى قال بعضهم إن الملتزم لبلد لا تحل له مخالفة إمامه وأن الإمام لمقلده كالنبي في أمته وهو صحيح في النظر. وقال حلولو وغيره من أهل الأصول في شروط المجتهد المطلق: وأما المجتهد المقيد فهو المقلد لإمام من الأئمة قد عرف أصول مذهبه، وأحاط بها، فإذا سئل عن حادثة نظر في نصوص إمامه، كنظر المطلق في أصول الشرع، فإن لم يجد لإمامه في المسألة نصًا قاس على أصوله، وخرّج عليها كبعض أصحاب مالك والشافعي، ولا يتعدى نصوص إمامه إلى نصوص غيره على المشهور، خلافاً للخمى، فإنه يخرج على قواعد غيره وقد عيب عليه ذلك حتّى قال ابن غازي .

كمـا مـزّق اللخمي مذهـب مــالـك * * * لقـد مزقـت قـلبـي سهـام جفـونهـا
وما مرّ عن ابن عبد البر من قوله: ما أعلم أحداً من أهل العلم إلخ. مثله للقرافي في تنقيحه في باب جميع أدلة المجتهدين، ونصه: لا يوجد عالم إلاّ وقد خالف من كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام أدلة كثيرة ولكن لمعارض راجح عليها عند مخالفتها، وما يروى عن الشافعي رضي اللّه تعالى عنه إنه قال: إذا صحّ الحديث فهو مذهبي، أو فاضربوا بمذهبي عرض الحائط: فإن كان مراده مع عدم المعارض فهذا مذهب العلماء كافة، وإن كان مع وجود المعارض فهذا خلاف الإجماع اهـ. قال في الشرح فكثير من الشافعية يقولون مذهب الشافعية كذا، لأن الحديث صحّ فيه وهو غلط، فإنه لابد من إنتفاء المعارض، والعلم بعدم المعارض يتوقف على من له أهلية إستقراء الشريعة، حتى يحسن أن يقول لا معارض لهذا الحديث، وأما إستقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به، فهذا القائل من الشافعية ينبغي أن يحصل لنفسه أهلية هذا الإستقراء قبل أن يصرح بهذه الفتوى، لكنه ليس كذلك فهو مخطئ في هذا القول اهـ (قلت): وعلى قوله أن هذه الأهلية لا تحصل إلاّ للمجتهد المطلق إذا حصلت لأحد خرج عن ربقة تقليد الشافعي، لأنه صار مجتهدًا مطلقًا، وقد قال التسولي فيشرح التحفة: إن المقلد لا يعدل عن المشهور، وإن صُحّح مقابله، وإنه لا يطرح نص إمامه للحديث، وإن قال إمامه وغيره بصحته، وقد صرح بذلك ابن الصلاح وغيره، وذلك لأنه لا يلزم من عدم إطلاع المقلد على المعارض إنتفاؤه، فالإمام قد يترك الأخذ به مع صحته عنده لمانع إطلع عليه وخفي على غيره هـ. بل قال ابن عبدالبر في التمهيد: إذا ظُفر بحديث يتعلق بالأحكام فإن كان من المقلدين لم يلزمه السؤال عنه، وإن كان من المجتهدين لزمه سماعه، ليكون أصلاً في إجتهاده، ذكره الماوردي والروياني قالاً: وعلى متحمل السنة أن يرويها إذا سئل عنها، ولا تلزمه روايتها إذا لم يسئل عنها، إلاّ أن يجد الناس على خلافها اهـ. فانظر ما قاله ابن عبدالبر هنا الذي هو أبعد العلماء من التقليد: من كون المقلد إذا اطلع على حديث يتعلق بالأحكام لم يلزمه السؤال عنه، وما ذلك إلاّ لصعوبة أخذ الأحكام من الحديث على المقلدين لعدم إطلاعهم على ما هو معارض له، فيُخاف عليهم من الضلال عند الأخذ منه، ولذا روى خليل في جامعه عن سفيان بن عيينة أنه قال: الحديث مضلّة إلاّ للفقهاء ومعناه أن الإستدلال على الأحكام بالحديث ضلال وإتلاف عن طريق الحق إلاّ للفقهاء العارفين بناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه ومطلقه ومقيده ولذا قال ابن وهب: كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه، فهو ضال. ولولا أن اللّه تعالى أنقذني بمالك والليث لضللت، فقيل له: كيف ذلك فقال: أكثرت من الحديث فحيرني فكنت أعرض ذلك عليهما، فيقولان: لي خذ هذا ودع هذا هـ فانظر ما قاله ابن وهب الواصل إلى رتبة الإجتهاد، من خوفه من الضلال في العمل بالحديث دون من يدله على ما يعمل به منه، وما لا يعمل به، تعلم جراة المدعين أنهم على مذهب الإمام مالك، الخارجين عن مشهور مذهبه، إلى الحديث مع إتفاق الأمة على تبحره في الحديث وتنقيحه له هـ فقد بان لك مما ذكرناه من نصوص العلماء أن المقلد ولو كان مجتهدَ مذهب، لا يعدل عن مشهور مذهب إمامه إلى الحديث، ولو صحّ عنده أو عند إمامه لعدم، إمكان إطلاعه على المعارض له، وإن نفيه للمعارض لا عبرة به، كما مرّ بطلان ما احتج به القائلون بالقبض من المالكية من حديث سهل بن سعد الراوي له مالك في موطئه، وعلمت مما مرّ أن إعترافهم بأن الإمام مالكًا أطلع عليه ورواه في موطئه، أبعد لهم عن الصواب، وأشد تخطئة لهم وفيما ذكرناه لو إقتصر عليه كفاية في ظهور خطئهم وبيانه. وها أنا أشرع في البحثين.

فأقول: أعلم أن القبض أخذت به الأئمة أهل المذاهب المتبوعة ماعدا الإمام مالكًا، وللإمام فيه روايتان، والمشهور والراجح عنه الإرسال كما يأتي إن شاء اللّه تعالى موضحًا إيضاحًا شافيًا، وقد قال المنتصرون للقبض: أنّه رواه عن النبي r نحو ثمانية عشر صحابيًا، ولا عجب في إنتصارهم لمذاهبهم، فعلى كل عالم الإنتصار لمذهبه بما بيّن اللّه له أنه هو الحق. وها أنا أنتصر لمذهبي بما أظهر اللّه لي أنه الحق الواضح، فأقول: ما ذكروه من الأحاديث ليس فيه حديث صحيح سالم من الطعن، كما سترى، وأبدأ بما رواه الشيخان، وهو حديثان روى كل واحد منهما حديثًا غير حديث الآخر ولم يرو واحد منهما حديث الآخر، مع ما هو معلوم عند العلماء من إعتنائهما بكثرة الروايات الصحيحة، وتبحرهما في ذلك، وما هذا إلاّ لكون كل واحد منهما إطلع على علة حديث الآخر، لكن البخاري إطلع على علة حديثه الذي أخرج أيضًا كما يأتي إيضاحه إن شاء اللّه تعالى، وأما مسلم فلم يذكر علة لحديثه، ولا أدري هل اطلع عليها واغتفرها لكونه لم يجد في الباب حديثًا أصح عنده منه، أو لم يطلع عليها. وها أنا أبدأ بالكلام على الذي أخرجه مسلم لكونه أقل من الكلام على حديث البخاري، فأقول: حديث مسلم أخرجه عن وائل بن حُجر ولفظه "حدثني زهير بن حرب حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا محمد بن جحادة حدثني عبدالحبار بن وائل عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حُجر أنه رأى النبي r رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر وصف همام حيال أذنيه، ثم إلتحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبّر فركع فلما قال: سمع اللّه لمن حمده، رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه" اهـ بلفظه وهذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه: إثنان من جهة السند، وواحد من جهة المتن، فالأول من الحاصلين من جهة الإسناد، هو الإنقطاع وإيضاح ذلك، هو أن هذا الحديث رواه عبدالجبار بن وائل عن أخيه علقمة ومولى لهم والمعتبر رواية علقمة وأما المولي فهو مجهول لا عبرة به ، وعلقمة بن وائل قال النووي في تهذيب الأسماء، قال يحي بن معين رواية علقمة بن وائل وأخيه عبد الجبار عن أبيهما مرسلة، لم يدركاه، وكذا قال في تهذيب التهذيب، وقد صرّح أبو داود في سننه بأن عبد الجبار لم يدرك أباه، ونصه في باب رفع اليدين: "حدثني محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار بن وائل بن حُجر قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي إلخ، ثم حدث عنه أبو داود بعد ذلك عن أبيه كما يأتي قريبًا قلت قد قال المازري في شرح مسلم إن مسلمًا روى في الصحيح أربعة عشر حديثًا منقطعة، فلعل هذا الحديث منها، فما قيل به فيه من الإنقطاع أقل أحواله نفي الصحة عنه اهـ. (الوجـه الثــاني) الاضطراب الواقع في سنده وذلك أن الحديث عند مسلم. رواه عبدالجبار عن أخيه علقمة ومولى لهم عن أبيه كما رأيت، ورواه أبو داود في باب رفع اليدين عن عبدالجبار بن وائل قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، فحدثني وائل بن علقمة عن أبي وائل بن حُجر قال: صليت مع رسول اللّه r إلخ، وهذا مخالف لما مرّ عن مسلم ووائل بن علقمة قال الذهبي في الميزان: "لا يعرف" ثم رواه بعد ذلك عن عبدالجبار عن أبيه أنه أبصر النبي r يرفع يديه مع التكبيرة، فانظر هذا مع ما مرّ قريبًا من قول عبدالجبار "كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي". وهنا حدث عن أبيه بدون واسطة ثم رواه بعد ذلك عن عبدالجبار قال: حدثني أهل بيتي عن أبي أنه حدثهم إلخ ثم رواه بعد ذلك عن عاصم بن كُليب عن أبيه عن وائل بن حُجر قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسولاللّه r كيف يصلي الخ وعاصم بن كليب هذا كان مرجئًا، وثقة ابن معين وقال ابن المدينى لا يحتج بما إنفرد به اهـ. هذا ما فيه من الإضطراب، وهو إضطراب شديد موجب للضعف الشديد، كما هو مسطور فى كتب اصول الحديث. (الوجه الثالث) الذي في المتن هو أن هذا الحديث روى عن وائل بن حجر. بالروايات المتقدمة من غير الزيادة الآتية، ورواه أبو داود عن عاصم بن كليب الذي مرّت الرواية عنه وفيها، ثم أخذ شماله بيمينه. وقال في هذه الرواية الأخيرة: ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، وقال فيه ثم جئت بعد ذلك فى زمان فيه برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب اهـ. ففي رواية عاصم الأولى لم يذكر ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد شديد الخ ولم يذكرها غيره ممن روى هذا الحديث عن وائل بن حجر، وذكرها عاصم بن كليب في هذه الرواية، وهذه الزيادة إما أن تكون مقبولة او غير مقبولة، فان كانت مقبولة كانت دالة دلالة واضحة على نسخ ما رواه في المرة الأولى من القبض، لأن قوله تحرك أيديهم تحت الثياب ظاهر في الإرسال، لأن تحرك الأيدي حالة القبض غير ممكن بدون حركة الجسم جميعاً كما هو ظاهر بالمشاهدة والتجربة لمن شك في ذلك، وما هي دالة عليه من النسخ للقبض هو الذي نقول به نحن معاشر المالكية، غير من شدمنا، وقال بالقبض كما يأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى، وقوله ثم جئت بعد ذلك متصلاً بقوله ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى صريح في ان مارآه في المرة الثانية مخالف لما رآه في المرة الأولى، وإلاّ لما إحتاج الى ذكر ذلك، وإن كانت غير مقبولة لكونها مخالفة لما رواه الأكثر عن وائل بن حُجر، كانت موجبة لاضطراب حديث عاصم بن كليب عنه. اه. والله تعالى الموفق للصواب. فهذه هي أوجه الإعلال الثلاثة الحاصلة في حديث مسلم، وأما حديث البخاري فقد أخرجه من رواية عبداللّه بن مسلمة القعنبي ولفظه "حدثنا عبداللّه بن مَسْلَمَة عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلمه إلاّ ينمي ذلك إلى النبي r قال إسماعيل: ينمي ذلك ولم يقل يُنمَى اهـ. وحديث البخاري هذا معلول من وجهين أحدهما أجيب عنه بجواب مخدوش فيه والثاني لم يجب عنه (الوجه الأول): قال الداني في أطراف الموطأ هذا الحديث معلول لأنه ظن من أبي حازم، وأجاب عنه ابن حجر. بأن ابن أبي حازم لو لم يقل لا أعلمه ...إلخ لكان في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر، وهو النبي r، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع، فيحمل عن من صدر عنه الشرع، ومثله قول عائشة: كنا نومر بقضاء الصوم فإنه محمول على أن الآمر بذلك النبي r وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم، ورد بأنه لو كان مرفوعًا ما إحتاج أبوحازم إلى قوله لا أعلمه، والجواب أنه أراد الإنتقال إلى التصريح، فالأول لا يقال له مرفوع وإنما يقال له حكم الرفع. هذا ما قاله ابن حجر في فتح الباري، ولا يخفاك أنه شافعي ومذهبه القبض، والعالم ينتصر لمذهبه طبيعة، وفيما قاله إعتراض من وجهين (الأول): هو أن قوله أن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا في حكم المرفوع غير متفق عليه كما يأتي قريبًا إن شاء اللّه تعالى، فيمكن أن يكون الداني إعتمد شطر الخلاف الآخر، فلا يرد عليه بشطر الخلاف الذي لم يعتمده، وقول البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم رده ابن حجر بما مر، وهو كقول ابن عبدالبر أن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع إتفاقًا، وما قالاه مردود بوجود الخلاف، منصوصًا في المسألتين، فقد قال ابن حجر بنفسه في نخبة الفكر بعد نقل حكاية ابن عبدالبر للإتفاق ما نصه: وفي نقل الإتفاق نظر، فعن الشافعي في أصل المسألة قولان، وذهب إلى أنه غير مرفوع أبوبكر الصيرفي من الشافعية، وأبوبكر الرازي من الحنفية، وابن حزم من الظاهرية، ثم قال ومما هو في حكم المرفوع قول الصحابي أُمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، فالخلاف فيه كالخلاف في الذي قبله قال شارحه المناوي، والتصحيح فيه كالتصحيح في الذي قبله، قال لأن ذلك ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي وهو النبي r. وتمسك المخالفون بإحتمال أن يكون المراد غيره، كأمر القرآن والإجماع أو بعض الخلفاء أو الولاة أو الإستنباط، ولذا قال على القارئ الحنفي في شرح موطأ محمد في قول سهل: كان الناس يؤمرون ...إلخ ما نصه يعني يأمرهم الخلفاء الأربعة أو الأمراء أو النبي r، يعني أنه محتمل لذلك وقد نصّ أبوعمر بن عبدالبر في التقصي على أن هذا الأثر موقوف على سهل ليس إلاّ، ويدل لما قاله المخالِفون ما أخرجه ابن أبي شيبة، كما في تدريب الراوي عن حنظلة السدوسي، قال سمعت أنس بن مالك يقول: كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين ثم يضرب به، فقلت: في زمن من كان هذا قال: في زمن عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه اهـ. فهذا دال دلالة صريحة على الإحتمال الذي ذكره المخالفون، وقول ابن دقيق العيد: إن محل الخلاف إذا كان للاجتهاد في المروى مجال، وإلاّ كان حكمه الرفع قطعًا لم يتابع عليه، وإحتجاج المخالفين بأن الآمر يمكن أن يكون القرآن أو الإجماع يَرد ما قاله، لأن القرآن والإجماع إذا كانا هما الآمرين لا يمتنع أن يسند إليهما ما ليس للرأي فيه مجال تأمل اهـ. فبان من هذا أن المسألة خلافية، وإن كان الصحيح فيها أن له حكم الرفع، فالحديث المروى بذلك لم يقطع بنسبته للنبي r، ولذلك لم يقطع أبو حازم التابعي بنسبته إلى النبي r، وهذا القدر كافٍ في ثبوت إعلاله (الوجه الثاني) من وجهي الرد على جواب ابن حجر هو أن قوله أن أبا حازم أراد الإنتقال إلى التصريح فيه أن ما قاله ليس فيه تصريح لأن أبا حازم لم يقطع بأن الصحابي نمى ذلك للنبي r وإنما أتى بكلمة غير مفيدة للقطع إذ لو كان جاز ما قاصدًا التصريح لقال بدل هذه العبارة نمى ذلك للنبي r فبقى كلامه على ما قاله الداني سابقًا من أنه ظن منه اهـ. (الوجه الثاني) الذي لم يجب عنه من وجهي الإعلال هو أن قول البخاري السابق، وقال: إسماعيل يُنمَى ذلك ولم يقل يَنمِي ذلك قصد به تبيين أن رواية إسماعيل بن أبي أويس للحديث عن شيخة وخاله وابن عمه الإمام مالك رحمه اللّه تعالى مفيدة، لكون الحديث مرسلاً لا متصلاً. قال في الفتح: قول إسماعيل يُنمَى ذلك هو بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول والثاني، وهو المنفي رواية القعنبي وهي بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم فعلى رواية إسماعيل الهاء في لا أعلمه ضمير الشأن، فيكون مرسلاً، لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخة فهو متصل، قال: وقد وافق إسماعيل بن أبي أويس على هذه الرواية عن مالك سويد بن سعيد فيما أخرجه الدار قطني في الغرائب اهـ. فهذا تصريح من ابن حجر الذي مذهبه القبض، بأن إحدى روايتي الحديث مرسلة وهذا كافٍ في إعلاله، فإن الدليل اذا تطرقه الإحتمال، سقط به الإستدلال ، وإذا قيل ان رواية القعنبي مقدمة على رواية إسماعيل لكونه أوثق منه، فالجواب هو أن رواية إسماعيل إعتضدت برواية سويد بن سعيد، وعلى كل حال إحتمال الإرسال لا يزيله تقديم رواية القعنبي على رواية إسماعيل اهـ (قلت) وبما ظهر لك من إطلاع البخاري على إعلال الحديث، الذي لم يرو حديثًا في القبض سواه، تعلم أنه لو إطلع على حديث صحيح في القبض سالم من الإعلال الذي ذكره في الحديث المروي من طريق الإمام مالك لا ورده وإقتصر عليه، وترك حديث مالك الذي صرح فيه بالإعلال، وحيث أنه لم يرو غير حديث مالك مع تبحره وشدة إطلاعه على الحديث علم أنه لم يجد حديثًا أقوى عنده منه، وهذا أدل دليل على ما قدمناه، من أن القبض لم يوجد فيه حديث صحيح سالم من الطعن واللّه الموفق للصواب اهـ. هذا ما قيل من الإعتراض على حديثي الصحيحين، واذكر بعدهما ما قيل في حديث هُلبٍ الطائي لكون النووي في شرح مسلم قال: حجة الجمهور في إستحباب وضع اليمني على الشمال حديث وائل المذكور هنا وحديث أبي حازم الذي رواه البخاري وحديث هُلبٍ الطائي، وقال رواه الترمذي وقال حديث حسن، ولفظه "عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان النبي r يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه". وهذا الحديث تُكلم في سنده ومداره على سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب، وقبيصة هذا قال في تهذيب التهذيب قال النسائي مجهول وقال ابن المديني مجهول، لم يرو عنه غير سماك بن حرب، ووثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات وسماك بن حرب إحتج به مسلم ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق ثقة، إلاّ أن أحمد قال مضطرب الحديث، وضعفه شعبة وسفيان وقال صالح يضعف، وقال النسائي إذا إنفرد بأصل لم يكن بحجة اهـ. فقد علمت أن حديث هلب بعيد من الصحة والحسن، وهو إلى الضعف أقرب، لأنه مما إنفرد به سماك، وقد قال النسائي أنه لا يحتج بما إنفرد به، ومر قول النسائي وابن المديني أن قبيصة مجهول، فكيف يسوغ لأحد أن يقول أنه حسن مع ما بيناه من ضعف راوييه، وكونه لم يرو إلاّ من وجه واحد، والترمذي بنفسه إشترط في تعريف الحسن أن يروى من وجه آخر، وهذا الشرط يرد ما قاله هنا من كون هذا الحديث حسنًا، وقولهم الحسن كالصحيح في الإحتجاج به وإن كان دونه في القوة، قال في الإقتراح فيه أشكال لأن ثم أوصافًا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت، فإن كان من المسمى بالحسن مما وجد فيه أقل الدرجات التي يجب معها القبول فهو صحيح، وإن لم توجد لم يجز الإحتجاج به. وإن سمي حسنًا، اللهم إلاّ أن يرد هذا إلى أمر إصطلاحي بأن يقال أن هذه الصفات لها مراتب ودرجات فأعلاها وأوسطها يسمى صحيحًا وأدناها يسمى حسنًا، وحينئذٍ يرجع الأمر في ذلك إلى الإصطلاح، ويكون الكل صحيحًا في الحقيقة اهـ، قاله السيوطي في تدريب الراوي، فعلم من هذا الكلام أن الحسن الذي يحتج به هو ما كان صحيحًا في الحقيقة، وحديث هلب هذا بعيد من الصحة كما علمت، فلا يصح الإحتجاج به اهـ، ومن الأحاديث الدالة على القبض، ما أخرجه مالك في موطئه عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري، أنه قال: من كلام النبوة إذا لم تستح فأصنع ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة يضع اليمنى على اليسرى. وتعجيل الفطر والإستيناء بالسحور اهـ، وهذا الحديث مرسل، والمرسل وإن كان معمولاً به عند مالك، لكنه بشرط أن يكون المرسل ثقة، والمرسل هنا متروك منكر الحديث، لأنه عبد الكريم بن أبي المخارق وقد قال النسائي لم يرو مالك عن ضعيف إلاّ عبد الكريم، فإنه منكر الحديث، وكذا قال ابن معين وقال ابن عبد البر معتذرًا عن مالك في روايته عنه غر مالكًا منه سمته، ولم يكن من أهل بلده فيعرفه، كما غر الشافعي من إبراهيم بن محمد بن أبي يحي حذقه ونباهته، وهو أيضًا مجمع على ضعفه، وقال غير ابن عبد البر قال مالك غرني عبد الكريم بكثرة بكائه في المسجد. ومنها ما أخرجه أحمد في المسند والبيهقي والدار قطني من رواية أبي شيبة عن عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي عن علي t أنه قال من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة اهـ، قال النووي في شرح مسلم عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي ضعيف بإتفاق، ومنها ما أخرجه أبو داود والدار قطني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي هريرة أنه قال: أخذ الكف على الكف في الصلاة تحت السرة، وهذا فيه عبد الرحمن بن إسحاق، وقد مر الآن أنه ضعيف بإتفاق، وقد قال أبو داود بنفسه سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق وهذا كافٍ في تضعيفه اهـ، ومنها ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية الحجاج بن أبي زينب، قال: سمعت أبا عثمان يحدث عن عبد اللّه بن مسعود قال: رآني رسول اللّه r وضعت شمالي على يميني فأخذ يميني فوضعها على شمالي اهـ، وهذا الحديث مداره على الحجاج بن أبي زينب، والحجاج قال أحمد: أخشى أن يكون ضعيف الحديث وقال ابن المديني شيخ من أهل واسط ضعيف وقال النسائي ليس بالقوي وقال الدار قطني ليس بقوي ولا حافظ وقال العقيلي روي عن أبي عثمان حديثًا لا يتابع عليه اهـ، قلت لعله هذا الحديث، لأني لم أجد له متابعًا عليه، وقال الشوكاني في نيل الأوطار هذا الحديث ضعيف والشوكاني من المنتصرين المتعصبين للقبض، وقد إعترف بضعف هذا الحديث، ومنها ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس وابن عمر بلفظ إنا معاشر الأنبياء أُمرنا بثلاث. تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، وأخذ اليمين على الشمال. وفي رواية ثلاث من سنن المرسلين تعجيل الإفطار...إلخ. قال البيهقي: تفرد به عبد الحميد. وإنما يعرف بطلحة بنعَمرو عن عطاء عن ابن عباس، وطلحة هو ابن عمرو بن عثمان بن علي الحضرمي المكي، قال في تهذيب التهذيب، قال عمرو بن علي كان يحي وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، وقال أحمد لا شيء متروك الحديث، وقال ابن معين ليس بشيء، ضعيف، وقال البخاري ليس بشيء وقد قال الشوكاني أيضافي نيل الأوطار. أن حديث ابن عباس هذا ضعيف، وما ذكرناه كافٍ في ضعفه أو نكارته اهـ، ومنها ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى (فصلّ لربك وانحر) فقد رواه روح بن المسيب. عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة، وروح بن المسيب الراوي للحديث قال فيه ابن عدي يروي أحاديث غير محفوظة، وقال ابن حبان يروي الموضوعات، لا تحل الرواية عنه، وعمرو بن مالك النكري قال فيه ابن عدي منكر الحديث عن الثقات، يسرق الحديث، وضعفه أبو يعلي الموصلي. فبان لك غاية ضعف هذا الحديث أو نكره لنكارة راوييه اهـ. ومنها ما أخرجه البيهقي أيضًا من رواية يحي بن أبي طالب عن أبي الزبير قال: أمرني عطاء أن أسأل سعيد بن جبير أين تكون اليدان في الصلاة فوق السرة أو أسفل السرة، فسألته فقال فوق السرة، ثم قال البيهقي أصح أثر روي في هذا الباب أثر ابن جبير هذا اهـ. وتعقبه في الجوهرالنقي في الرد على البيهقي، فقال، كيف يكون هذا أصح شيء في الباب وفي سنده يحي بن أبي طالب، وقد قال فيه موسى بن هارون أشهد على يحي بن أبي طالب أنه يكذب في كلامه، ولم يعن بالحديث، وقال أبو أحمد محمد بن إسحاق: ليس بالمتين وقال أبو عبيد الآجري: حط أبو داود سليمان بن الأشعث على حديث يحي بن أبي طالب اهـ، (قلت) بما ذكره البيهقي هنا من كون هذا الأثر هو أصح أثر في الباب، والأثر قد بينا لك ما فيه من الضعف، يظهر لك أن الباب ليس فيه حديث صحيح، لأن البيهقي من القائلين بالقبض المنتصرين له جامعًا فيه أحاديث كثيرة، فإذا إعترف هو مع تبحره في الحديث وإنتصاره للقبض بأن أثر التابعي لم يروه عن صَحْبي وفيه من الضعف ما فيه، هو أصح ما في الباب علم بديهة أن الباب ليس فيه حديث صحيح واللّه الموفق للصواب اهـ. ومنها ما أخرجه البيهقي والدار قطني عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها من رواية شجاع بن مخلد، عن هشيم بن محمد بن أبان عن عائشة قالت ثلاث من النبوة. تعجيل الإفطار وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال. قال البيهقي طريق عن محمد بن أبان عن عائشة صحيحة، واعترضه صاحب الجوهو النقي الشيخ علاء الدين بن عثمان المارديني الحنفي فقال قال الذهبي في الميزان قال البخاري محمد بن أبان لا يعرف له سماع من عائشة، وساق هذا الحديث بنفسه اهـ، (قلت) وفي سنده أيضًا شجاع بن مخلد وقد قال في تهذيب التهذيب، ذكره العقيلي في الضعفاء، وأورد له حديثًا عن ابن عباس مرفوعًا كرسيه موضع القدمين والعرش، لا يقدر قدره ورواه الرمادي والكجي عن أبي عاصم الذي رواه هو عنه ولم يرفعاه، ورواه ابن مهدي ووكيع عن سفيان موقوفًا اهـ، ومنها ما رواه الدار قطني عن جابر بن عبداللّه t، من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الحجاج بن أبي زينب عن أبي سفيان عن جابر قال: مـرّ r على رجل يصلي فوضع شماله على يمينه، فأخذ بيمينه فوضعها على شماله اهـ، وهذا في سنده عبدالرحمن بن إسحاق، وقد مرّ لك أنه ضعيف بإتفاق، وفيه الحجاج بن أبي زينب، وقد مرّ لك أنه ضعيف أيضًا، وفيه أبو سفيان وهو طلحة بن نافع الواسطي، وقد أختلف في توثيقه، وسئل عنه ابن معين فقال: لا شيء، وقال ابن المديني كانوا يضعفونه في حديثه، وسئل أبو زرعة عنه فقال أتريد أن أقول ثقة. الثقة شعبة وسفيان، وقال ابن عيينة حديثه عن جابر إنما هي صحيفة اهـ، ومنها ما أخرجه أبو داود عن العلاء بن صالح عن زرعة بن عبدالرحمن. سمعت ابن الزبير يقول صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة اهـ. وهذا الأثر في سنده العلاء بن صالح كما رأيت، والعلاء مختلف فيه وثقه أبو داود وابن معين، وقال أبو حاتم كان من عنق الشيعة، وقال ابن المديني روى أحاديث مناكير اهـ، فهذا الأثر قد علمت ما فيه من الكلام في بعض رواته، وعلمت ما مرّ لك في الكلام عن حديث البخاري من الخلاف الجاري في قول الصحابي من السنة كذا، هل له حكم الرفع أم لا، ويأتي إن شاء اللّه تعالى مخالفة عمله لروايته هنا، وما قيل في ذلك اهـ. فهذه جل الأحاديث الواردة في القبض، لأن الترمذي في جامعه لما ذكر حديث هلب الطائي المتقدم، قال: وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سعد، وقد ذكرنا أحاديث من ذكرهم هنا. إلا غطيف بن الحارث فحديثه أخرجه ابن أبي شيبة ولم أظفر بلفظه ولا بسنده فلم يمكني الحكم عليه بشيء، وذكرت أحاديث جماعة من الصحابة لم يذكرهم، كعلي وعائشة وأبي هريرة وابن عمر وابن الزبير وجابر بن عبداللّه وإثر سعيد بن جبير، وقد علمت مما مرّ أن جميع الأحاديث المذكورة لم يسلم منها واحد من الطعن الموجب لضعفه. حتى حديثي الصحيحين، إذا قال قائل أن الأحاديث الضعيفة ترتقي إلى درجة الحسن أو الصحة، فيجب العمل بها فالجواب أن هذا محله مالم يعارض المجموع الضعيف ما هو أقوى منه، كالصحيح لذاته والحسن لذاته وهذه الأحاديث الضعيفة قد عارضها ما هو أقوى منها من الأحاديث وعمل أهل المدينة كما سترى إن شاء اللّه تعالى مع أنا معاشر المالكية لا نقول أن القبض لم يثبت عن النبي r بل نعترف بأنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام لكثرة رواته عنه r وإن كانت ضعيفة ولكنا نقول أنه منسوخ بالإرسال، كما يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى، وها أنا أذكر أدلة القائلين بالإرسال فأقول البحث الثانى: فى أدلة القائلين بالإرسال
وهي أمـران :ـ
(الأمر الأول) الأحاديث الدالة عليه، والثاني عمل أهل المدينة. أما الأحاديث الدالة عليه فأبدأ بحديث أبي حُميد الساعدي لصحته الصحة التامة، ودلالته على الإرسال دلالة صريحة، وقد قال في فتح الباري أنه أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد وابن خزيمة، وأسوق هنا رواية أبي داود لما فيها من الزيادة الدالة على الإرسال صريحًا، ولفظه "حدثنا أحمد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد (ح) وحدثنا مسدد حدثنا يحي" وهذا حديث أحمد، أنبأنا عبد الحميد يعني ابن جعفر، أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول اللّه r منهم أبو قتادة قال أبو حُميد أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّه r قالوا فَلمَ ؟ فواللّه ما كنت بأكثرنا له تبعًا، ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فأعرض، قال: كان رسول اللّه r إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلاً ثم يقرأ، ثم يكبر، فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع، ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا يصوب رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه، فيقول سمع اللّه لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلاً، ثم يقول اللّه أكبر، ثم يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ويسجد، ثم يقول اللّه أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند إفتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخَّر رجله اليسرى، وقعد متوركًا على شقه الأيسر، قالوا: صدقت هكذا كان يصلي r اهـ، فأنظر هذا الحديث الذي رجاله رجال الصحيحين إلاّ عبد الحميد بن جعفر أخرج له مسلم دون البخاري، تكلم فيه بالقدر، وقال ابن المديني كان يقول بالقدر، وكان عندنا ثقة، وقال ابن معين ثقة، وقد نقم عليه الثوري خروجه مع محمد بن عبد اللّه، وقد قال النسائي وأحمد لا بأس به، وهؤلاء الثقات الموثقون له يرد توثيقهم تضعيف سفيان الثوري له، بسبب خروجه مع محمد بن عبد اللّه فحجته في الخروج لم يطلع عليها سفيان، ولا يقدح ذلك في توثيقه مع أنه لم يتفرد برواية الحديث عن محمد بن عمرو بن عطاء، فقد أخرجه البخاري في صحيحه عن محمد بن عمر بن حلحلة عن محمد بن عمر بن عطاء، وكذا أخرجه أبو داود من طريق أخرى عن محمد بن عمر وابن حلحلة، وهذا كافٍ في ثبوت روايته هـ قال في الفتح رواية الليث عند البخاري ظاهرة في إتصاله بين محمد بن عمرو وأبي حميد، ورواية عبدالحميد صريحة في ذلك، وزعم ابن القطان تبعًا للطحاوي أنه غير متصل لأمرين، أحدهما أن عيسى بن عبداللّه بن مالك رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء، فأدخل بينه وبين الصحابة عباس بن سهل، أخرجه أبو داود وغيره. ثانيهما أن في بعض طرقه تسمية أبي قتادة في الصحابة المذكورين، وأبو قتادة قديم الموت لصغر سن محمد بن عمرو بن عطاء عن إدراكه، والجواب عن الأول أنه لا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة، إما لزيادة في الحديث وأما ليتثبت فيه، وقد صرح محمد بن عمرو المذكور بسماعه فتكون رواية عيسى عنه من المزيد في متصل الإسناد، والجواب عن الثاني، هو أن أبا قتادة اختلف في وقت موته فقيل أنه مات في خلافة علي وصلى عليه علي، وكان قتل علي سنة أربعين، وأن محمد بن عمرو بن عطاء مات بعد سنة عشرين ومائة. وله نيف وثمانون سنة، وقيل أن أبا قتادة مات سنة أربع وخمسين، فعلى هذا الأخير لقاء محمد له ممكن، وعلى الأول فلعل من ذكر مقدار عمر محمد أو وقت وفاته وَهْمٌ، أو الذي سمي أبا قتادة في الصحابة المذكورين وهم في تسميته، ولا يلزم من ذلك أن يكون الحديث الذي رواه غلطًا لأن غيره ممن رواه عن عباس بن سهل قد وافقه اهـ، من الفتح. وقال الشوكاني في نيل الأوطار مجيبًا عن هذا الإيراد والتحقيق عندي أن محمد بن عمرو الذي رواه عطاف بن خالد عنه هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو لم يلق أبا قتادة ولا قارب ذلك، إنما روى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن وغيره من كبار التابعين، وأما محمد بن عمرو الذي رواه عبدالحميد بن جعفر عنه فهو محمد بن عمرو بن عطاء تابعي كبير جزم البخاري بأنه سمع من أبي حميد وغيره، وأخرج الحديث من طريقه اهـ. فإذا علمت الجواب عن الإيراد المذكور على السند، وعلمت صحة الحديث سندًا ومتنا الصحة التامة فأوضح لك موضع الدلالة منه والإستدلال به على الإرسال، وهو قوله إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلاً، قال في الفتح وفي رواية هشيم عن عبد الحميد، ثم يمكث قائمًا حتى يقع كل عظم موقعه ثم يقرأ إلخ، فغير خافٍ على عامي فضلاً عن عالم أن معنى يقر ويقع في الروايتين يثبت ويستقر في محله ولا شك أن محل اليدين من الإنسان جنباه، وذلك هو الإرسال بعينه لا ينازع في ذلك إلاّ مجنون أو مكابر في المحسوس، إذ لا يمكن أن يقول عاقل أن وضع اليدين على الصدر أو تحت السرة وضع لهما في محلهما لأنه إنكار للمحسوس، فالروايتان صريحتان في الإرسال لا يمكن تأويلهما ولأجل هذا لم يذكر راوي الحديث القبض إكتفاء بما عبر به عن الإرسال مع أنه متعرض في وصفه لكل مستحب من مستحبات الصلاة، مستوعبًا لها لم يترك منها واحدًا، وإذا قال قائل أن الحديث المذكور دلّ على الإرسال أولاً ولكن يمكن أن يكون بعد الإرسال يقبض، فالجواب أن هذا إجمال في محل البيان والتفصيل يحتاج إلى وحي يسفر عنه، ولم يقل أحد من أهل المذاهب الأربعة بالإرسال أولاً حتى يقر كل عضو في محله ثم يقبض بعد ذلك، ولو كان كما قال كان هو أولى شيء بالبيان لما فيه من الغرابة، فيبينه الصحابي المتعرض لبيان وصف صلاته r، وكشف حقيقتها لأصحابه ولو كان الصحابي تاركًا له لبينوه له وقالوا له أخطأت تركت كذا، ولم يقروا له بأنه هو أعلمهم بصلاته r، وقد نصّ العلماء على أن السكوت في معرض البيان يفيد الحصر والعشرة الذين مع أبي حميد راوي الحديث المُقرّون له بأنه هو أعلمهم بصلاة رسول اللّه r منهم أبو العباس سهل بن سعد الذي روى عنه مالك في الموطأ حديث القبض السابق، ومنهم أبو هريرة كما عند أبي داود، ومنهم أبو أسيد الساعدي، ومحمد بن مسلمة كما عند أحمد، وأبو قتادة كما عند الترمذي، وأبي داود قال في الفتح: ولم أقف على تسمية الباقين اهـ. فكون الصحابي الراوي لحديث القبض الذي هو سهل بن سعد حاضر في الجماعة المقرين لأبي حميد مِقرًا له معهم بأنه هو أعلمهم بصلاة رسول اللّه r دليل واضح على نسخ حديث القبض، لأنه لو لم يعلم بنسخه ما صدق أبا حميد ورَدّ عليه تركه له، وما صدقه أبو هريرة الجامع لحديث النبي r الشاهد له عمر وغيره من أكابر الصحابة على أنه هو أعلمهم بحديث النبي r، فما وقع لمالك في ترك العمل به مع روايته له لظهور نسخة عنده وقع للصحابي الراوي له هو عنه، ويأتي مزيد لتقرير النسخ في آخر بحث الآثار الواردة فيه، وفي بحث عمل أهل المدينة هذا إذا رجعنا إلى النسخ كما هو الحق وإذا رجعنا إلى الترجيح، وسلمنا تسليمًا جدليًا أن حديث القبض لا علة له فحديث إتفقت عليه عشرة من الصحابة زيادة على راويه أو براويه كما في الفتح دفعة في وقت واحد في مجلس واحد لا شك أنه أرجح من حديثٍ روى عن آحاد من الصحابة متفرقين، لم يعلم ما طرأ لكل واحد منهم بعد الرواية عنه، فهل وقعت هذه الموافقة على هذا الشكل في حديث القبض، وأهل الحديث يعجبهم كون الصحابي الراوي للحديث متأخر الإسلام ليكون حديثه آمنًا من النسخ، وهؤلاء النفر فيهم أبو هريرة وهو متأخر الإسلام ما قَدِم إلاّ في غزوة خيـبر اهـ.
ونظير هذا الحديث، ما وقع لمالك t في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، فإنه أخرجه في موطئه عن عبداللّه بن عمر، أن رسول اللّه r كان إذا إفتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك إلخ، ولم يعمل بهذا الحديث في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه ولم يذكر حديثًا إستند إليه في تركه كما فعل في القبض، وحديث رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، قال البخاري في كتابه رفع اليدين في الصلاة بعد أن أخرجه من طريق علي t وكذلك روى عن تسعة عشر رجلاً من أصحاب رسول اللّه r، أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع وعدّ أكثرهم، وزاد البيهقي جماعات، وذكر ابن الأثير في شرحه إن ذلك روي عن أكثر من عشرين نفرًا، وزاد فيهم الخدري، وقال الحاكم من جملتهم العشرة المشهود لهم بالجنة، وقال القاضي أبو الطيب قال أبو علي روي الرفع عن رسول اللّه r نيف وثلاثون من الصحابة، وقال ابن المديني هذا الحديث عندي حجة على الخلق كل من سمعه عليه أن يعمل به لأنه ليس في إسناده شيء اهـ. والإمام مالك رواه ولم يعمل به في مشهور مذهبه، ومع كثرة من رواه من الصحابة لم يعمل به أبو حنيفة، وكثير من الأئمة كالثوري والنخعي، وابن أبي ليلى والأسود بن يزيد، وعلقمة بن قيس، وعامر الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وجميع أهل الكوفة، وإنما إعتمد مالك الذي رواه في ترك العمل به وجميع من ذكر على أنه منسوخ، واحتجوا على نسخه بما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن عبداللّه بن مسعود أنه قال لأصلين لكم صلاة رسول اللّه r فصلى فلم يرفع يديه إلاّ مرةواحدة، ورواه ابن عدي والدار قطني والبيهقي من حديث محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عنه "بلفظ صليت مع النبي r وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلاّ عند الإستفتاح"، وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حزم، وقد قال إبراهيم النخعي للمغيرة حين قال له إن وائلاً حدث أنه رأى رسول اللّه r يرفع يديه إذا إفتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك فقد رآه عبد اللّه خمسين مرة لا يفعل ذلك، وقد قال العيني وفي البدائع عن ابن عباس أنه قال العشرة الذين شهد لهم رسول اللّه r بالجنة ما كانوا يرفعون أيديهم إلاّ في إفتتاح الصلاة، وأخرج الطحاوي بإسناد صحيح عن مجاهد قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلاّ في التكبيرة الأولى من الصلاة، وأخرجه بن أبي شيبة في مصنفه عن مجاهد قال ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلاّ في أول ما يفتتح إلى غير ذلك مما ذكره العيني وغيره، وقد قال ابن عبد البر كل من روى عنه ترك الرفع في الركوع والرفع منه روي عنه فعله إلاّ ابن مسعود فأنت قد علمت أن القائلين بترك الرفع في الركوع والرفع منه ما اعتمدوا إلاّ على أن الأحاديث الكثيرة الواردة في الرفع عند الركوع والرفع منه منسوخة، وجميع ما احتجوا به طعن فيه المخالفون ولا كذلك الإرسال، فقد ذكرنا لك حديثًا صحيحًا صريحًا فيه وتأتي إن شاء اللّه تعالى أحاديث كثيرة دالة عليه مع أن الدليل المعتمد عليه عند نافيه عمل أهل المدينة، فيا ليت شعري لم ألف المسناوي رسالته في القبض، وتبعه متأخروا علماء المغاربة لما قدموا على المشرق ورأوا أهله يقبضون فصار كل واحد يبني على رسالته ويؤلف رسالة جلها رسالة المسناوي مع زيادات قليلة مدعمه لما قاله المسناوي في زعمه متمسكين بأن حديث القبض رواه مالك في الموطأ، وهذا التمسك في غاية البطلان، فلو كان أمامهم لم يروه واحتمل عندهم كونه لم يطلع عليه كان لتمسكهم به وجه من النظر، وأما بعد أن علموا أن إمامهم اطلع عليه وعدل عنه إلى الإرسال، وصرح كما يأتي عنه بأنه يكرهه في الفرض، فإما أن يعلموا أن عدول أمامهم عنه بعد إطلاعه عليه كان لأمر أقوى عنده منه فيقلده من هو راضٍ بتقليده من غير إحتياج إلى التفتيش عن الدليل الذي إستند إليه أمامه لعلمه بأنه يطلع على ما لا يطلع هو عليه، ولأن نصوص المجتهد في حق مقلده كنصوص الشارع في حق المجتهد، كما مرّ مستوفي في المقدمة. ويفتش عنه من ليس راضيًا بتقليده، إلاّ فيما ظهر له دليل عليه وهذا في الحقيقة غير مقلد ولا حاجة له في التعلق بإمام، وإما أن يقولوا أن عدوله لم يكن لأمر أقوى عنده إقتضى العدول، والقائل بهذا قائل بفسق مالك t حاشاه من ذلك فيلزمه أن لا يقبل روايته للحديث لسقوط عدالته، فضلاً عن أن يقلده في غير القبض، وقد مر قول ابن عبد البر أن الأئمة أعاذهم اللّه من أن يحصل منهم ذلك ومالك رحمه اللّه تعالى لم يرو عن فاضل من جميع الأمة قدح فيه، وجعل هذا القائل عدوله لم يكن لأمر أقوى عنده غير قادح فيه، وإنما يلحق القدح القائل لذلك أم المعتقد له، وأما مالك فهو مبرؤ من ذلك عند جميع المسلمين، وقد قال ابن حجر في الفتح أن في حديث أبي حميد، دلالة على أنه كان يخفي على كثير بن الصحابة بعض الأحكام المتلقاة من النبي r وربما تذكره بعضهم إذا ذكر به اهـ، وإذا كانت الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم يخفى عليهم ذلك فكيف لا يخفى على بعض المالكية دليل إستدل به مالك المعلوم حفظه وطول باعه في الحديث والتفسير، شهد له بذلك من عاصره ومن جاء بعده، وخفاء دليل الإرسال من الحديث غير خاص بالمتأخرين من علماء المغاربة، بل خفى على كثير من المتقدمين من المالكية، منهم الحافظ رئيس المحدثين ابن عبد البر، حتى قال بالقبض ولم يطلع على ما في أحاديثه من الإعلال والضعف الذي قدمنا، والحمد للّه الواحد الحنان المنان المعطي ما يشاء، لمن يشاء وقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، وقد يسد على الأوائل ما يفتح به على الأواخر، وجعل ابن عبد البر خفى عليه دليل الإرسال من الحديث أولى من جعل مالك عدل عن حكم روى حديثه إلى حكم آخر لغير مقتض لذلك اهـ، فبان لك أن المؤلفين في القبض أولى لهم التأليف في رفع اليدين في الركوع والرفع منه، لأن أمامهم مالكًا رواه ولم يقل أنه لا يعرفه كما قال في القبض، ولنرجع إلى إتمام الكلام على حديث أبي حميد الساعدي، فأقول أن حديث أبي حميد رويت فيه حكاية أبي حميد لصفة الصلاة بالقول كما مرّ، ورواه عيسى بن عبداللّه عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس فحكى أن أبا حميد وصفها بالفعل ولفظه عند الطحاوي وابن حبان قالوا فأرنا فقام يصلي وهم ينظرون فبدأ فكبر الحديث، ولم يرو عنه حين حكايته لوصف الصلاة بالفعل أنه قبض كما تتبعناه في الطحاوي، وهذا كافٍ في دلالته على الإرسال، قال في الفتح ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون وصفها مرة بالقول ومرة بالفعل، وهذا يؤيد ما جمعنا به أولاً يعني في إدخال عباس بين محمد بن عمرو بن عطاء وأبي حميد، قال فإن عيسى المذكور هو الذي زاد عباس بين سهل بن محمد بن عمرو بن عطاء وأبي حميد، فكأن محمداً شهد هو وعباس حكاية أبي حميد بالقول فحملها عنهما من تقدم ذكره، وكأن عباسًا شهدها وحده بالفعل فسمع ذلك منه محمد بن عمرو بن عطاء، فحدث به كذلك، وقد وافق عيسى عنه عطاف بن خالد لكنه أبهم عباس بن سهل. أخرجه الطحاوي أيضًا، ويقوي ذلك أن ابن خزيمة أخرج من طريق إسحاق أن عباس بن سهل حدثه فساق الحديث بصفة الفعل أيضًا اهـ. (قلت) قد مرّ لك قول الشوكاني أن الذي روى عطَّاف بن خالد عنه هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، لا محمد بن عمرو بن عطاء، فانظره مع ما قاله في الفتح هنا، وقد قال ابن حجر: إشتمل حديث أبي حميد هذا على جملة كثيرة من صفة الصلاة، فكما كان حجة لنا معاشر المالكية على الإرسال، قال ابن حجر فيه حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير وخالف في ذلك المالكية والحنفية، فقالوا يسوي بينهما، لكن قالت المالكية يتورك فيهما كما جاء في التشهد الأخير، وعكسه الآخرون وإستدل به الشافعي أيضًا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله في الركعة الأخيرة، واختلف فيه قول أحمد والمشهور عنه إختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان هذا الكلام على هذا الحديث، وإنما أطلت الكلام عليه لعدم إهتداء أحد من العلماء على دلالته على الإرسال الدلالة الصريحة، ومن الأحاديث الدالة على الإرسال كل حديث وصفت فيه صلاة النبي r، وتعرض فيه لذكر المستحبات ولم يذكر فيها القبض، لأن الإرسال هو الأصل كما لا يخفى، والقبض وصف زائد، فإذا لم يذكر بقي الحال على الأصل الذي هو الإرسال، ولأن السكوت على الوصف في معرض البيان مؤذن بالحصر كما مرّ، ولذا قال حفيد ابن رشد في بداية المجتهد: إختلف العلماء في وضع اليدين، إحداهما على الأخرى في الصلاة، فكره مالك ذلك في الفرض وأجازه في النفل، ورأى قوم أن هذا الفعل من سنن الصلاة وهم الجمهور: والسبب في إختلافهم أنه قد جاءت آثار ثابتة نُقلت فيها صفة صلاته r، ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى. وثبت أيضًا أن الناس كانوا يؤمرون بذلك، وورد ذلك أيضًا من صفة صلاته r في حديث أبي حميد، ورأى قوم الآثار التي أثبتت إقتضت زيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة، وأن الزيادة يجب أن يصار إليها ورأى قوم أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليست فيها هذه الزيادة، لأنها أكثر. ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة وإنما هي من باب الإستعانة ولذلك أجازها مالك في النفل ولم يجزها في الفرض، وقد يظهر من أمرها أنها هيئة تقتضي الخضوع، وهو الأولى بها اهـ. بحروفه. (قلت) قوله أن في حديث أبي حميد وضع اليد على الأخرى في الصلاة غلط منه غير صحيح، فإن أبا حميد هو الذي روى الإرسال كم مرّ تقريره، ولم يأت عنه في رواية من رواياته التي رواها أهل الكتب الصحاح أنه روى القبض، وقد مرّ لك جل من روى القبض من الصحابة، وقول الترمذي في الباب فلان وفلان إلخ، والعلم للّه تعالى. ونقل ابن عربي في الفتوحات المكية مثل كلام ابن رشد فقال: إختلف الناس في وضع اليد على الأخرى، فكرهه قوم في الفرض وأجازوه في النفل، ورأى قوم أنه من سنن الصلاة، وهذا الفعل مروي عن النبي r، كما روى في صفة صلاته r أنه يفعل ذلك اهـ، فكلام هذين العالمين صريح فيما قلته من أن كل حديث فيه وصف صلاته r لم يذكر فيه القبض، دال على الإرسال وهذا النوع من الأحاديث كثير لا ينحصر، وها أنا أذكر منها جملة مختصرة (الأول) ما مرّ عن ابن عمرو قد مرّ أن مالكًا أخرجه في الموطأ ورواه الشيخان ولفظه "كان النبي r إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحذو منكبيه ثم يكبر فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا وقال سمع اللّه لمن حمده ربّنا ولك الحمد". وللبخاري ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود، ولمسلم ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود، وله أيضًا ولا يرفعهما بين السجدتين اهـ، (الثاني) حديث أبي هريرة رواه الخمسة إلاّ ابن ماجة، ولفظه قال: "كان رسول اللّه r إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدّا إلخ. ومنها ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن علي بن أبي طالب عن رسولاللّه r أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته، وإذا أراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر اهـ. ومنها ما رواه الشيخان عن أبي قلابة أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه رفع يديه، وحدث أن رسول اللّه r صنع هكذا، وفي رواية عند أحمد ومسلم أن رسول اللّه r كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحادي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع اللّه لمن حمده فعل مثل ذلك، ومنها ما رواه أبو داود عن سالم البراد قال: أتينا عقبة بن عامر الأنصاري أبا موسى فقلنا له حدثنا عن صلاة رسول اللّه r، فقام بين أيدينا في المسجد فكبر فلما ركع وضع يديه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك، وجافى بين مرفقيه حتى إستقر كل شيء منه، ثم قال سمع اللّه لمن حمده، فقام حتى إستقر كل شيء منه ثم كبر وسجد ووضع كفيه على الأرض ثم جافى بين مرفقيه حتى إستقر كل شيء منه، ثم رفع رأسه فجلس حتى إستقر كل شيء، ففعل ذلك أيضًا، ثم صلى أربع ركعات مثل هذه الركعة فصلى صلاته، ثم قال هكذا رأينا رسول اللّه r صلى اهـ، فهل ترى هذا الصحبي الجليل المطلوب منه تعليم صلاته r الذاكر للمندوبات ترك القبض مع أن رسول اللّه r كان يفعله، والموضع موضع تعليم وبيان للجاهل، وذلك يقتضي الإنحصار كما نص عليه ابن دقيق العيد وغيره، ومنها جميع روايات أبي حميد الساعدي الكثيرة غير الرواية التي تقدمت عنه، الذاكر فيها للإرسال فإنه روى عنه أبو داود وغيره روايات كثيرة في وصف صلاته عليه الصلاة والسلام تتبع فيها جميع أوصاف الصلاة من واجب ومستحب، وما ذكر في واحدة منها وضع اليد على اليد. ومنها حديث المسئ صلاته الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة أن رسول اللّه r دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول اللّه r فقال أرجع فصل فإنك لم تصل إلخ. وقول العراقي والشوكاني وغيرهما أنه لا دليل في عدم ذكره للقبض على الإرسال، لأنه r إقتصر في تعليمه على ذكر الفرائض. مردود بأن الحديث. روي عن رفاعة رافع بروايات مذكور فيها المستحبات، فقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن رفاعة بن رافع، وقال أنه صحيح على شرط الشيخين وأبو داود، ولفظه بعد ذكر الوضوء ثم يكبر ويحمد اللّه ويمجده ويقرأ من القرآن ما أذن اللّه له فيه، ثم يكبر ويركع ويضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله، ويستوي ثم يقول سمع اللّه لمن حمده، ويستوي قائمًا حتى يأخذ كل عظم مأخذه، ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله، ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعدّا على مقعدته ويقيم صلبه، فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ، ثم قال لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك اهـ، وقد ذكر في الفتح روايات فيه فيها ما ليس بواجب، كرواية محمد بن عمرو، فإذا رفعت رأسك فأجلس على فخدك اليسرى، ورواية إسحاق فإذا جلست في وسط الصلاة فأطمئن جالسًا ثم إفترش فخدك اليسرى ثم تشهد، وفي رواية لأحمد فإذا ركعت فأجعل راحتيك على ركبتيك وأمدد ظهرك اهـ، فيما ذكر فيه من صفات الصلاة المستحبة وعدم ذكره للقبض في رواية منها تعلم صحة الإستدلال به على الإرسال، وبطلان قول من قال أن النبي r إقتصر فيه على تعليم الفرائض وهذا النوع من الأحاديث كثير لا يمكن تتبعه، وفيما ذكرته منه كفاية للمنصف، ومن الأحاديث الصريحة في الإرسال ما أخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن معاد بن جبل، قال كان رسول اللّه r إذا كان في صلاته رفع يديه قبال أذنيه فإذا كبر أرسلهما، ثم سكت وربما رأيته يضع يمينه على يساره اهـ، وإنما ذكرت هذا الحديث وإن كان في سنده الخصيب بن جحدر وقد قيل أنه ضعيف أو متروك لما فيه من الإيضاح لحديث أبي حميد الصحيح الذي ذكرنا، والإستشهاد بالضعيف على وجه المتابعة فعله جميع المحدثين، الشيخان وغيرهما، فقد إستشهد البخاري برواية عبدالكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف بإتفاق وغيره من الضعفاء في صحيحه، ولم يحتج بهم في الأصول، وذكرنا لهذا الحديث من هذا القبيل وأيضًا الحديث المذكور وإن كان ضعيفًا إعتضد بحديث أبي حميد الصحيح، وبظواهر ما قدمناه من الأحاديث الصحاح، فينجبر بذلك ما قيل فيه من الضعف أو النكارة اهـ. ومن الآثار المصرح بالإرسال ما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن وإبراهيم وابن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير، أنهم كانوا يرسلون قال في الروضة الندية فإن بلغهم حديث الوضع فمحمول على أنّهم يحسبوه سنة من سنن الهدى بل حسبوه عادة من العادات، فمالوا إلى الإرسال لإصالته مع جواز الوضع، فعملوا بالإرسال بناءً على الأصل، إذ الوضع أمر جديد محتاج إلى الدليل وإذا لا دليل لهم إضطروا إلى الإرسال لثبوته عنهم اهـ. وبعض كلامه ساقط، فكيف يقول أن هؤلاء الأجلاء من التابعين يبلغهم حديث من قول النبي r ويجعلونه عادة من العادات، فهذا كلام ساقط بل لا يتركون العمل به عند بلوغه لهم إلاّ لثبوت نسخه عندهم، وقال الإمام النووي في مجموعه قال الليث بن سعد يرسلها، فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى، وقال الأوزاعي مخير بين الوضع والإرسال اهـ، (قلت) كلام الليث صريح في أن القبض عنده ليس من السنة، وإنما هو من باب الإستراحة، وهذا هو عين ما علل به مالك كراهيته لما فيه من الإعتماد وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه قال حين سئل عن الرجل يمسك بيمينه شماله، فقال إنما ذلك من أجل الروم، وروي عن الحسن أنه قال: قال رسول اللّه r كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة، وهكذا أخرج عن أبي مجلز وأبي عثمان النهدي وأبي الجوزاء اهـ، وهؤلاء كلهم من كبار التابعين، وفيهم الحسن البصري الذي روى أبو داود في حديث وائل بن علقمة عن وائل بن حجر أن محمد بن جحادة قال فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال هي صلاة رسول اللّه r فعله من فعله وتركه من تركه، وما نقل عن جميهم يفهم منه النسخ لأن نسبته لأحبار بني إسرائيل أو الروم دال دلالة صريحة على أنه ليس من سنته r، لأنه لا يقتدى بأحبار الروم ولا يأمر بالإقتداء بهم ولا ينسب إليهم شيئًا من السنة، بل قد نهى r عن سؤالهم والإقتداء بهم وعن النظر في كتبهم. فقد أخرج أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث جابر أن عمر أتى النبي r بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه فغضب وقال لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلاّ أن يتبعني اهـ. وأخرج البخاري ثلاثة أحاديث في هذا المعنى. وما ورد من النهي عن سؤالهم لا يعارض قوله تعالى: {فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك} لحمل النهي عن سؤال من لم يؤمن منهم وحمل الآية على سؤال من آمن منهم. أو حمل الأمر في الآية على ما يختص بالتوحيد، والرسالة المحمدية وما أشبه ذلك والنهي على ما سوى ذلك اهـ. فبما ذكر من النهي عن سؤالهم والإقتداء بهم يُعلم أن عزو القبض لأحبار بني إسرائيل دال على الذم ويكون هذا بعد نسخه. فكان النبي r كان أولاً يقبض موافقة لبني إسرائيل لما ثبت في الأحاديث الصحاح من أنه عليه الصلاة والسلام كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء، ثم لما نزل عليه الإرسال ترك القبض وعزاه لأحبار بني إسرائيل على وجه الذم، وكونه r يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. أخرجه البخاري في باب صفته عليه الصلاة والسلام، وفي الهجرة واللباس، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في الترجل، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الزينة، وابن ماجة في اللباس. قال في الفتح وإنما إختار موافقتهم لأن أهل الكتاب في زمانه كانوا متمسكين ببقايا من شرائع الرسل، فكانت موافقتهم أحب إليه من موافقة عباد الأوثان، فلما أسلم غالب عباد الأوثان أحب r حينئذٍ مخالفة أهل الكتاب اهـ منه (قلت) هذا الكلام صريح فيما ذكرناه من أن عزو القبض لأحبار بني إسرائيل دال على ذمه ونسخه لقوله أنه r بعد غلبة الإسلام في العرب، صار يحب مخالفة أهل الكتاب. فدل على أن هذا هو المتأخر من أمره وهذا هو عين النسخ واللّه هو الموفق للصواب اهـ. وروى ابن المنذر عن ابن الزبير والحسن البصري والنخعي أنه يرسلهما، ولا يضع اليمنى على اليسرى. وأخرج أبوبكر بن أبي شيبة عن يزيد بن إبراهيم قال: سمعت عمرو بن دينار قال كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه اهـ. وإعترض على هذه الرواية صاحب الروضة الندية. فقال: "أنها شاذة مخالفة لما روى الثقات عنه". مما أخرجه أبو داود عن زرعة بن عبدالرحمن. قال: سمعت ابن الزبير يقول صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة. قال وإن سلم كونها صحيحة، فهذه فعله، والفعل لا عموم فيه. ورواية الوضع عنه مرفوعة لأنه نسبه إلى السنة. وقول الصحابي من السنة في حكم المرفوع كما حقق في كتب أصول الحديث. وفَهم الصحابي ليس بحجة. ولا سيما إذا خالف أجلة الصحابة كأميري المؤمنين أبي بكر الصديق وعلي المرتضي، هذا ملخص إعتراضه وهو ساقط من وجوه.
(الأول) قوله أنها شادة لمخالفته لما روى الثقات عنه فيه أن هذا لا يسمى شذوذًا وإنما يقال له مخالفة عمل الراوي لروايته، ويأتي إن شاء الله تعالى حكمه، قريبًا والشاذ هو ما خالف فيه الراوي من هو أوثق منه أو أكثر عددًا والروايتان لامخالفة بينهما أصلاً لأن إحداهما عن روايته والأخرى عن عمله. والحديث الذي قال أنه رواه عنه الثقات قد مرّ لك أن في سنده العلاء بن صالح وأنه ضعيف عند بعضهم وزرعة بن عبدالرحمن الذي رواه عنه لم يكن بأوثق من عمرو بن دينار الذي روى عمله، ولم يذكر أبو داود الوضع عنه إلاّ من رواية عبدالرحمن بن زرعة، فبان بطلان ما إدعاه من شذوذ هذه الرواية. (الوجه الثاني) هو أن قوله قول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع هذا غير متفق عليه عند أهل أصول الحديث كما مرّ مستوفي في الكلام على حديث البخاري عن سهل بن سعد، فلا يلزم منه القطع بالرفع. ولو فرعنا على رفعه لم يكن ذلك ما نعا له من النسخ، والمدعي عندنا إنما هو النسخ لا إنه غير مرفوع لأنه وارد من طرق عديدة يحصل من مجموعها العلم برفعه، وإنما تركناه لمعارضته بما هو أقوى منه، ولكونه منسوخًا لما دلت عليه الأحاديث والآثار من ذلك. ولِمَا يأتي من عمل أهل المدينة. وكون ابن الزبير روى حديث القبض وعمل بخلافه كما فعل مالك في أشهر الروايتين عنه دال على نسخه عنده أو توهمه في نقله ورجوعه عنه.
وقد إختلف أهل الأصول في مسألة إختلاف عمل الراوي لمرويه فمذهب الحنفية وبعض علماء المالكية تقديم عمله على روايته، وقول الشافعية والمشهور عند المالكية تقديم روايته على مذهبه. قال علي القاري في شرح الشفا أصول علمائنا الحنفية، أن الراوي إذا عمل بخلاف روايته دلّ ذلك على أن حديثه منسوخ أو توهم في نقله ورجع عنه بفعله اهـ. وقال في التحرير ممزوجًا بكلام شارحه التقرير، فلو كان المروى مفسرًا أي نصًا، وتركه الصحابي بعد روايته له تعين كون تركه لعلمه بالناسخ لأنه أجل من أن يخالف النص بغير دليل، ولا وجه لمخالفته له سوى إطلاعه على ناسخ له، فيجب إتباعه في ترك العمل به اهـ، وفي التقرير على التحرير في بحث مفهوم المخالفة ما نصه قال شيخنا المؤلف رحمه اللّه تعالى ظنية خبر الواحد إنما هي بالنسبة إلى غير راويه فأما بالنسبة إلى راويه الذي سمعه من فيِّ رسول اللّه r فقطعي حتى ينسخ به الكتاب إذا كان قطعي الدلالة في معناه، فلزم أن لا يتركه إلاّ لقطعه بالناسخ إذ القطعي لا يترك إلاّ لقطعي فبطل تجويزهم تركه بناءً على ثبوت ناسخ في إجتهاده المحتمل للخطأ. وإذ علمت ذلك كان تركه بمنزلة روايته للناسخ بلا شبهة، فيكون الآخر منسوخًا اهـ. فبان لك أن عمل ابن الزبير على خلاف روايته لا يسمى شذوذًا وإن عمله دال على النسخ لروايته كما أوضحه علماء الحنفية. وما قالوه في غاية الوضوح والظهور، ولا سيما كلام ابن الهمام الأخير اهـ. (الوجه الثالث) هو أن قوله ولا سيما إذا خالف أجلة الصحابة كأميري المؤمنين أبي بكر وعلي رضي اللّه عنهما، فيه من أين له أنه خالفهم، لأن الموضوع في ترك العمل بالوضع ومن أين للمعترض أن هؤلاء المذكورين كانوا يقبضون، ورواية القبض عنهم لا تدل على العمل به فإن ابن الزبير رواه ولم يعمل به مع أن أبا بكر الصديق t لم يرو عنه القبض. وقد قال العلماء إن ابن الزبير أخذ صفة الصلاة عن أبي بكر الصديق. فقد أخرج الخطيب في تاريخ بغداد عن أحمد بن حنبل t قال حدثني عبد الرزاق قال أن أهل مكة يقولون: أخذ ابن جريجِ صفة الصلاة عن عطاء، وأخذها عطاء عن ابن الزبير وأخذها ابن الزبير عن أبي بكر الصديق، وأخذها أبوبكر عن النبي r. وهذا يدل على أن أبا بكر كان يرسل في صلاته، لأن ابن الزبير أخذ وصف الصلاة عنه. وابن الزبير أيضًا شهد له ابن عباس بأن صلاته هي صلاة النبي r. فبما أخرجه أبو داود عن ميمون المكي أنه رأى عبداللّه بن الزبير وصلى بهم يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد وحين ينهض للقيام فيقول فيشير بيديه، فانطلقت إلى ابن عباس فقلت إني رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أر أحدًا يصليها فوصفت له هذه الإشارة، فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول اللّه r فاقتد بصلاة عبد اللّه بن الزبير اهـ، فأنت ترى ابن عباس شهد بأن صلاة ابن الزبير هي صلاة النبي r وفي صفة الصلاة التي سئل عنها ما يخالف الجمهور من رفع اليدين عند السجود وعند النهوض للقيام. والثابت عند العلماء أن ابن الزبير كان يرسل في صلاته، فيعلم بشهادة ابن عباس له أن صلاته هي صلاة النبي r أنه عليه الصلاة والسلام كان يرسل في الصلاة، فيكون هذا دالاً على النسخ أيضًا اهـ. وما قيل في إختلاف رواية ابن الزبير وعمله جارٍ في إختلاف رواية الحسن البصري وعمله، فيدل ذلك على أن الحسن البصري رجع عما روى عنه من القبض إلى الإرسال، لثبوت نسخ القبض الذي روى عنه. مع أن حديث الحسن الذي مرّ عنه عند أبي داود مرسل غير متصل. وفيه من الضعف أشد مما في حديث ابن الزبير، لأن فيه وائل بن علقمة. وقد مرّ لك أنه مجهول لا يعرف اهـ. وإحتج بعض العلماء على الإرسال بحديث جابر بن سمرة عند مسلم. قال خرج علينا رسول اللّه r فقال مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمسٍ، أسكنو في الصلاة. ووجه الإستدلال به هو أن الوضع يشمله مسمى الرفع، ولكن الإستدلال به ياباه آخر الحديث، لأنه دال على رفع الأيدي مع التحريك، وذلك مناف للوضع. وفي كتاب العلم لإبن عبدالبر. قال مصعب الزبيري ما رأيت أحدًا من علمائنا يكرمون أحدًا ما يكرمون عبداللّه بن حسن، وعنه روى مالك حديث السدل اهـ. وإحتج القائلون بالقبض بأن الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل، وهو أمنع للعبث وأقرب إلى الخشوع. وأجاب بعض علماء المالكية عن هذا بأن الإرسال أقرب للعبودية والذل من القبض لأنه حالة الميت المكفن وحالة المصلوب، ولا شيء أشد في الذل من هذين. فالأول فعل له ذلك لوضعه بين يدي ربه مرجوا منه أن يتجاوز عن ذنبه. والثاني فعل له ذلك إهانة وإذلالاً له وزجرًا لغيره. وقالوا أن مالكًا رجح الإرسال على القبض مع كونه عمل أهل المدينة بموافقته للأصل ولما فيه من تقليل الأعمال اهـ.
الإستدلال بعمل اهل المدينة

الأمر الثاني من أدلة الإرسال. هو أن عليه عمل أهل المدينة. وعمل أهل المدينة عند مالك مقدم على خبر الآحاد، جاعلاً له كالناسخ لما عارضه من خبر الآحاد. وذلك لأن الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم يأخذون بالمتأخر من أقواله وأفعاله r، ولا يمكن أن يخفى عليهم المتأخر منها، فإذا وجد مالك t عمل أهل المدينة المشحونة من التابعين على خلاف ذلك الخبر عمل بعمل أهل المدينة وترك الخبر لقرب عهده r وعهد الصحابة الذين تلقوا منه الشريعة وتلقتها منهم التابعون، فلا يمكن للتابعين أن يجدوا الصحابة على عمل ويعملوا بخلافه. فعلم أن هذا العمل مستند إلى خبر متأخر ناسخ للخبر الذي قبله. فصار عمل أهل المدينة لهذا المعنى كالمتواتر والمتواتر مقدم قطعًا على خبر الآحاد. وحاصل تحرير القول في حجية عمل أهل المدينة عند مالك رحمه اللّه تعالى وتقديمه على خبر الآحاد. هو أن عمل أهل المدينة نوعان أحدهما عملهم فيما لا مجال للرأي فيه من الشرع كالعبادات، والثاني إجماعهم على عمل من طريق الإجتهاد والإستدلال، أما النوع الأول فعملهم فيه حجة عند المالكية إتفاقًا مقدم على خبر الآحاد بلا خلاف. قال القاضي عياض فيما نقله عنه حلولو. وأما معارضته لخبر الآحاد فيما كان إجماعهم عليه من طريق النقل فهو مقدم على الخبر من غير خلاف عندنا. لقوله r "المدينة كالكير تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد"، والخطأ خبث فوجب نفيه عنهم. ولأن خلفهم ينقل عن سلفهم فيخرج الخبر من حيز الظن والتخمين إلى حيز اليقين اهـ. وقال القاضي عياض أيضًا في المدارك ما نصه: أما نقل شرع من جهة النبي r من قول أو فعل كالصاع والمـد فإنه كان يأخذ منهم الصدقة وزكاة الفطر بهما. وكالآذان والإقامة وترك الجهر "بسم اللّه الرحمن الرحيم" في الصلاة وكالأحباس. فنقلهم لهذه الأمور من قوله وفعله كنقلهم موضع قبره وغير ذلك مما علم من عدد الركعات، أو نقل إقراره لمشاهدة ولم ينكرها كعهدة الرقيق وشبه ذلك. أو نقل ترك أحكام لم يلزمهم بها مع شهرتها لديهم وظهورها فيهم كترك أخذ الزكاة من الخضراوات مع علمهم أنها كانت عندهم كثيرة، فهذا النوع من أجماعهم حجة قطعية وإليه رجع أبو يوسف، وهو الذي تكلم عليه مالك عند أكثر شيوخنا. ووافق عليه جمع من الشافعية، وكذا نقول لو تصور ذلك في غيرهم، لكن لا يوجد، فإن شرط التواتر تساوي الطرفين والواسطة، والذي ينقله غيرهم آحاد والمتواتر مقدم اهـ. قال في نشر البنود إستدل ابن الحاجب للقول بأن إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة عند مالك بأنهم أعرف بالوحي والمراد منه لمسكنهم محل الوحي، وقد يؤخذ منه أن المراد بهم الصحابة الذين استوطنوا المدينة حياته r وإن استوطنوا غيرها بعده والتابعون الذين استوطنوها مدة يطلعون فيها على الوحي والمراد منه بمخالطة أهلها الذين شاهدوا ذلك. وهذا قد يقتضي أن تابع التابعين الذين سكنوا المدينة زمن التابعين من الموصوفين بما ذكر مدة يطلعون فيها منهم على ما ذكر كذلك، لكنه خلاف تقييده بالصحابة والتابعين. قال في الآيات البينات اللهم إلاّ أن يكون للغالب. (قلت) لو أعتبر عمل تابعي التابعين لمشاهدتهم للتابعين أوجب ذلك التسلسل بإعتبار عمل تابعي تابعي التابعين وهلم جرّا. ومعلوم أن هذا غير مقصود عند مالك رحمه اللّه تعالى، لأن المقصود عنده الزمن الذي لم ينتشر فيه البدع والفسوق وهو زمن الصحابة والتابعين y أجمعين. وأما بعد أن أنتشرت الأهواء والبدع وذلك من عصر تابعي التابعين فلا يعتبر مالك رحمه اللّه تعالى عملاً فيه لبلد لا أهل المدينة ولا غيرهم. فالعمل عنده مقصور على عمل الصحابة والتابعين بالمدينة خاصة، لأنهم هم الذين يتوفر فيهم ما مرّ من نقل خلفهم عن سلفهم ما كان يعمل به r ويحصل فيهم شرط التواتر كما مرّ. هذا ما ظهر لي واللّه تعالى أعلم. ثم قال ولا يتقيد الحكم بالساكنين بخصوص بيوت المدينة بل يشمل النازلين بالعوالي إذا كانوا يطلعون على ما ذكر. ولهذا كان العلماء مطلقًا وخصوصًا أهل الحديث يرجحون الأحاديث الحجازية على العراقية، حتى قال بعض أهل الحديث إذا جاوز الحديث الحرة إنقطع نخاعه، لأنها مهبط الوحي فيكون الضبط فيها أيسر وأكثر وإذا بعدت الشقة كثر الغلط والتخليط اهـ، هذا تحرير ما قيل في هذا النوع قال. القاضي عياض. وأما ما ذكره الصيرفي والغزالي وغيرهما من المخالفين فتحريف لم يرو شئ منه عن مالك. وأما النوع الثاني فقد إختلفت فيه أقوال أصحاب مالك. فذهب الأكثر منهم إلى أنه ليس بحجة لجواز صدور الخطأ منهم لإنتفاء عصمتهم، فيحمل حديث المدينة على أنها في نفسها فاضلة مباركة وإنما إنتفت العصمة لأنهم بعض الأمة. ومفهوم قوله r لا تجتمع أمتي على خطأ جواز وقوع الخطأ على بعض الأمة. وأجاب القرافي بأن منطوق الحديث المثبت الذي هو المدينة كالكير تنفي خبثها السابق. أقوى من مفهوم هذا الحديث النافي. وذهب بعضهم إلى أنه يرجح على إجتهاد غيرهم. وذهب آخرون إلى أنه حجة يقدم على خبر الآحاد. قال القاضي عبد الوهاب وعليه يدل كلام ابن المعذل وأبي مصعب وجماعة من المغاربة اهـ. فالنوع الأول من عمل أهل المدينة الذي هو حجة عند المالكية إتفاقًا مقدم على خبر الآحاد، هو الذي أوجب عدول مالك رحمه اللّه تعالى عن القبض الذي روى حديثه في موطئه إلى الإرسال. ولو لم يستند في الإرسال إلى موجب أقوى من حديث القبض ما عدل عنه وقد مرّ لك في المقدمة عن ابن عبدالبر أن الأئمة أعاذهم اللّه تعالى من أن يثبت عند أحد منهم حديث صحيح ويرده إلاّ بإدعاء نسخ أو معارضة أثر غيره إلخ ما مرّ. ومعلوم أن مالكًا t من أجل العلماء وأشدهم إتباعًا للسنة، وقد روى حديث القبض في موطئه. وعنه رواه البخاري في صحيحه. فلا يمكن أن يقول أحد أنه لم يطلع عليه، ولا أن يقول أن مالكًا مع عدالته يقول بخلاف حديث رواه لغير موجب أقوى منه. وقد ثبت في المدونة المتأخرة عن الموطأ أنه قال بخلافه، ويأتي نصها قريبًا إن شاء اللّه تعالى. فيعلم من هذا أنه إنما عدل عنه لموجب أقوى منه. ولا عذر لمالكي مقلد لمالك إذا اطلع على ما بيناه من وجوب إتباع عمل المدينة عنده في أن يأخذ بقديم قوله ويترك المتأخر من قوليه الذي هو مشهور مذهبه، فهو إما أن يقول بأنه عدل عما روي من غير سبب وهذا مسقط لعدالته فلا يباح له تقليده في شئ البتة. وقد أعاذه اللّه تعالى من ذلك وأعاذ منه جميع العلماء كما مرّ عن ابن عبد البر. وأما أن يقر بأنه أعلم منه بالأدلة وأشد إطلاعًا على الأحاديث النبوية وهو قد إلتزم تقليده فيقلده في هذا ككثير من الفروع التي لم يطلع على مدركه سواء علم دليله الذي إستند إليه أو لم يعلمه اهـ. وإذا قال قائل لم يثبت عندنا عمل أهل المدينة بالإرسال ومن أين لنا بثبوته. فالجواب أن قول مالك بالإرسال كافٍ في ثبوته، لأن القائلين بالقبض يزعمون أنه لا يوجد حديث يدل على الإرسال مع ما قدمناه من الأحاديث الدالة عليه. وعلى زعمهم كيف يروى مالك حديث القبض ويكون عمل أهل المدينة عليه ويرجع عنه إلى الإرسال، فهذا مستحيل. في حقه لا يقوله عنه إلا زنديق لا يبالي بما يقول. وإذا قالوا رجع إليه لحديث آخر أقوى منه عنده حصل المطلوب عندنا وهو لايمكن أن يرجع عن الحديث الذي روي إلاّ لأحد هذين الأمرين. ويكفي في ثبوته أيضًا قول مالك في المدونة لما سئل عنه لا أعرفه وأنا أكرهه في الفرض ولا بأس به في النفل. فأي معنى لقوله لا أعرفه مع أنه رواه في موطئه إلاّ أنه لم يعرف عمل أهل المدينة عليه. وأما نفي إطلاعه عليه فغير ممكن بعد روايته له. ومما هو دال أيضًا على أن عمل أهل المدينة على الإرسال. كونه مذهب سعيد بن المسيب وسعيد أحد كبار التابعين وأحد فقهاء المدينة السبعة، أدرك عمر بن الخطاب t. وروي عنه على الصحيح، وهو أفضل التابعين على الإطلاق كما قال الإمام أحمد. وقد بينا وجه الجمع بينه وبين ما رواه مسلم مرفوعًا من أن أفضلهم أويس القرني في كتابنا (كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري). وإذا كان مذهب سعيد بن المسيب على الإرسال فكيف يصح منه أن يعمل بشئ أدرك كبار الصحابة العشرة المبشرين بالجنة ما عدا أبا بكر وغيرهم على خلافه مع فضله وديانته. وهو لم يغب عن المدينة يومًا إلاّ في حج إلى أن مات بها. وقد قالوا أنه من معرفته لسيرة عمر كان ولده عبداللّه يسأله عن بعض أحواله. فهذا وحده كافٍ في ثبوت كون عمل أهل المدينة على الإرسال اهـ. ومن أشد العلماء تعصبًا للقبض ابن عبدالبر. وقد قال في كتابه الكافي الذي ألفه في فقه مالك وذكر في خطبته أنه إعتمد فيه على عمل أهل المدينة وإقتصر فيه على الأصح عملاً والأوثق نقلاً من ذلك مانصه ووضع اليمنى منها على اليسرى وإرسالهما كل ذلك سنة في الصلاة. ولكونه نص على أن كتابه إعتماده على عمل أهل المدينة علم أن كلاً من السنتين عُمل به ونحن قائلون بذلك لكننا نقول أن آخر الأمرين الإرسال لما مرّ من بيان فاعليه عمل أهل المدينة. ويزيد ذلك إيضاحًا ما مرّ من إعتناء سعيد بن المسيب بسيرة عمر وعمله هو بالإرسال . ومن كون ابن الزبير أخذ صفة الصلاة عن أبي بكر t وهو عامل بالإرسال . وهـذا يـدل علـى أن عمل أبـي بكر وعمر رضي اللّه تعالى عنـهما على الإرسال اهـ.

نصوص المالكية على ان السدل عليه عمل اهل المدينة



وأما نصوص علماء المالكية على أن الإرسال عليه عمل المدينة فكثيرة منها ما قاله التتائي بعد قول المختصر تأويلات لم يذكر المؤلف من علل الكراهة كونه مخالفًا لعمل أهل المدينة. وقال الدردير في شرح المختصر مثل قول التتائي. وكذا قال الصاوي أيضًا وقال عليش. في الجزء الأول من فتاويه أعلم أن سدل اليدين في الصلاة ثابت في السنة فعله النبي r وأمر به بإجماع المسلمين. وأجمع الأئمة الأربعة على جوازه فيها وإشتهر ذلك عند مقلديهم حتى صار كالمعلوم من الدين بالضرورة. وأنه أول وآخر فعله r وأمر به أصحابه r. فالدليل على أنه أول فعله. وأمر به الحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن سهل بن سعد واقتصر عليه البخاري. ووجه الدلالة منه هو قوله: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. فكونه أمرهم بالوضع دال نصًا على أنهم كانوا يسدلون. وإلاّ كان أمرًا بتحصيل الحاصل، وهو عبث محال على الشارع r. ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يعتادوا السدل ويفعلوه إلاّ لرؤيتهم فعل النبي r وأمرهم به بقوله r صلوا كما رأيتموني أصلي (قلت). ولا يمكن أن يقول قائل أن هذا الأمر كان منه عليه الصلاة والسلام في إبتداء تعليم الصلاة لأن سهل بن سعد الراوي للحديث أنصاريٌ وإبتداء الصلاة كان بمكة ليلة الإسراء قبل إسلام الأنصار وقبل الهجرة بسنين. والدليل على كونه آخر فعله r إستمرار عمل الصحابة والتابعين عليه حتى قال مالك لا أعرفه، والصحابة كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من عمله عليه الصلاة والسلام، فكان هذا العمل دالاً على نسخ حكم القبض، ويدل أيضًا على أنه آخر فعله عليه الصلاة والسلام حديث وائل بن حجر في مجيئه الثاني السابق من أنهم كانوا يحركون أيديهم تحت الثياب وهو ظاهرٌ وصريح في السدل كما مرّ مستوفي.

و صلى الله وسلم على محمد واله الطاهرين








رشيد المغربي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 49
اشترك في: الخميس مايو 27, 2010 7:20 pm
مكان: المغرب- شفشاون
اتصال:

Re: حكم الارسال في الصلاة عند المالكية .... خذها من اهلها

مشاركة بواسطة رشيد المغربي »

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اعلم اخي بديع وفقك الله اننا في المغرب لا نعرف الصلاةالا بالسدل منذ اربعة عشرنا قرنا إلا ما أحدثه بعض المتاخرين من الوهابية والتاثرين بهم وقدألف علماء المغرب الاف الكتب الفقهية وجلها نصت على العمل بالسدل ومن من أشهر هذه الكتب - منظومة إبن عاشر- الدر الثمين- الخليل- الخلاصة الفقهية- المدونة- وغيرها ولاتزال هذه السنة ظاهرة عندنا معمول بها

وعلى غير بعيد كان الائمة يجبرون على سدل أيديهم في الصلاة،وحتى ملوك الدولة لايزالون يصلون مسدلين إلى يومنا هذا٠

بديع الزمان
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 45
اشترك في: الأربعاء مارس 25, 2009 6:14 pm

Re: حكم الارسال في الصلاة عند المالكية .... خذها من اهلها

مشاركة بواسطة بديع الزمان »

حياكم الله اخي رشيد المغربي وبارك الله فيكم

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“