بيان الإشكال فيما حُكيَ عن المهدي (العياني) من الأقوال

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
الزيدي اليماني
مشرف مجلس الأدب
مشاركات: 404
اشترك في: السبت ديسمبر 23, 2006 3:46 pm
مكان: أمام الكمبيوتر !

بيان الإشكال فيما حُكيَ عن المهدي (العياني) من الأقوال

مشاركة بواسطة الزيدي اليماني »

كتاب بيان الإشكال فيما حُكيَ عن المهدي (ع ) من الأقوال
تأليف السيد الإمام / أبي عبدالله نور الدين حميدان بن يحيى
رضي الله عنه وأرضاه
بسم الله الرحمن الرحيم
[وبه نستعين]


[ديباجة الكتاب]

أما بعد حمد الله تعالى على جزيل آلائه، والصلاة على محمد خاتم أنبيائه، وعلى السابقين والمقتصدين من أبنائه، والسلام على جميع الصالحين من أوليائه.
فإنه لما صحّت لنا إمامة الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل عَلَيْهم السَّلام لأجل تكامل شروط الإمامة المعتبرة في كل إمام، ولما خصه الله تعالى به من الفضائل والخصائص المشهورة، ولما وضع على حداثة سنه من العلوم الباهرة الكثيرة، ولحسن سياسته وسيرته، وظهور عدله ولطفه برعيته، واستظهاره بما أوضح من الأدلة الدامغة لجميع مخالفيه.
ولما رُوي من إشارة النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - إلى قيامه في الوقت الذي قام فيه، وأشباه ذلك مما عجز رفضته عن إنكاره لاشتهاره، حتى التجأوا إلى التحيل بأن يكون بعضهم من خواصه وأنصاره، ليتوصلوا بذلك إلى اللبس والتدليس في كتبه، والصد بالكذب والتحريف عن سلوك مذهبه، وحتى أن من الناس من نسبه لأجل ذلك إلى الجهل، ومنهم من وصفه بزوال العقل، ومنهم من غلا ففضله على السلف، ورفض من بعده من أئمة الخلف.

أردت إذ ذلك أن أعرف بما المعول عليه، وما الذي يجب أن ينسب من الأقوال إليه؛ فانتزعت من مشهور ألفاظه الصريحة المذكورة فيما أجمع عليه من كتبه الصحيحة أقوالاً أخبر عَلَيْه السَّلام فيها أنه قد كذب عليه، في كثير مما ينسب إليه، وأقوالاً حذر فيها من الاغترار ببعض المتنسكين، وبما يصدر في الكتب من مشكل روايات المدلسين، وأقوالاً علم فيها كيف يعمل فيما يقع في بعض العترة من الإشكال، وفي مشكل ما ينسب إلى الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - من الأقوال، وأقوالاً عارض بها ما ينسب إليه من البدع، وكثر بها عليه من الشنع.
[ذكر أقوال الإمام المهدي (ع) التي أخبر فيها أنه قد كُذب عليه]
أما الأقوال التي أخبر فيها أنه قد كذب عليه:
فمنه؛ قوله في باب السَّلَمِ من كتاب مختصر الأحكام: ولست أصدق بكل ما روي عن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- لقلة الثقات، وطول الزمان، وهاأنا أسمع في حياتي، من الروايات الكاذبة عليَّ، ما لم أقل ولم أفعل؛ فربما يسمع بذلك أولياء الله فيصدقون به، والعهد قريب.
وقوله في بعض أجوبته لعبد الملك بن غطريف: وذكرت أني فضلت نفسي على الأنبياء عَلَيْهم السَّلام وحاش لله ما قلت ذلك في شيء من الكلام.
..إلى قوله: فمتى سمعت أني فضلت نفسي عليهم، أو ذكرت أني أعلم وأبرع منهم، ما أحسب إلا أن ذلك نقل إليك، واشتبه اللفظ والكلام عليك.

وقوله في بعضها: فذكرت في كتابك أنك مسترشد معاتب، ثم حرّفت قولي فصح أنك معاند كاذب، وأنت والحمد للهِ من درك ما رجوتَ خائب، واللهُ سائلك عما حرفت من كلامنا، ومناقشك على الكذبِ الذي أتيت به علينا، والكلامِ الركيك الذي نسبته إلينا.
وقوله في بعض أدعيته التي ذكر فيها أصناف رفضته: ومنهم من هو مجتهد في إهلاك عرضي واغتيابي وانتقاصي.
وفي بعضها: اللهم طهرني من كذب الألفاف، ونزهني من روايات الهمج السفساف.
وفي بعضها: يا رب أسألك الخلاص من عِشْرَةِ من لا يعرفني، فقد والله أقرحت عشرتهم قلبي، إن أمرتهم بأمر لم يقبلوه، وإن نهيتهم عن منكر لم يتركوه، وإن أدبتهم بأدب لم يحفظوه، وإن سمعوا مني رواية لم يأتوا بها على وجهها، وإن رأوا حكمة لم يقفوا على فهمها..إلى قوله: وإن رأوا مني علماً حرَّفوه جهلاً.


[ذكر أربع مسائل تنبه على النظر فيما ذكر عن المهدي (ع)]
فصل:

يشتمل على أربع مسائل مما تنبه على النظر:
الأولى: أن يقال إذا قد ثبت بالدليل كون المهدي - عَلَيْه السَّلام - إمام حق يجب تصديقه في كل ما قال وادّعى، فهل يجب تصديقه فيما ذكر وأخبر به من أنه قد كذب عليه، في بعض ما نسب من الأقوال إليه، أم لا ؟
الثانية: هل ذلك الكذب الذي أخبر به موجود الآن أم لا ؟
الثالثة: إذا كان ذلك الكذب موجوداً هل هو الأقوال المختلف فيها أم الأقوال المجمع على صحتها؟



الرابعة: ما الفرق في التشنيع على المهدي - عَلَيْه السَّلام - بين قول من زعم أنه ترقى من القول بتفضيله للنبي على نفسه، والتكذيب لمن نسب ذلك إليه إلى القول بتفضيله لنفسه على النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-، والرجوع إلى تصديق من كان نسب ذلك إليه، وأي بدعة أفحش من هذه البدعة، وهي جعل قول عبد الملك أصح وأشهر من قول المهدي - عَلَيْه السَّلام -.
[ذكر الأقوال التي حذر فيها المهدي (ع) من الإغترار ببعض المتنسكين وبما يسطر في الكتب من مشكل الروايات]
رجعٌ، وأما الأقوال التي حذر فيها من الاغترار ببعض المتنسكين، وبما يسطر في الكتب من مشكل الروايات؛ فمن ذلك:
قوله - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الرد على أهل التقليد والنفاق: ومن بان لك منه النفاق فلا تبسط إليه وإن تنسك، وأَعرَضَ عن القبيح وأمسك؛ لأنه لا يؤمن عند إظهاره لديانته، أن يجعل ذلك سبباً للخيانة.
وقوله في كتاب الرد على الدعي: ولم يُدْخل على أمة من الأمم إلا من مأمنها، ولم تفتتن القرون الماضية إلا لمن يوهمها أنه من المودة على دينها.
وقوله في كتاب الرد على الدعي أيضاً: ولو كان من خاف من شيء أو شك فيه عقده في رقبته، وتقحم عليه، ودعا جميع المسلمين إليه؛ لحكم الشك على اليقين، ولما فرق بين الباطل والحق المبين.
وقوله -عَلَيْه السَّلام- في كتاب الرحمة: وليس كل ما روي حقاً، ولا ما سطر كان صدقاً، مما يخالف علماء آل الرسول، وتحيله ثواقب العقول.



وقوله في كتاب التوفيق والتسديد: فقد رأينا من يتكبر عن الجهل وهو لا يعلم، ويحمله الكبر أن لا يقول: الله أعلم.
فصل:
انظر كم بين قوله - عَلَيْه السَّلام - في هذا، وبين قول من زعم أنه من قال في أمره الله أعلم كانت النار أولى به.
[ذكر أقواله (ع) التي علَّم فيها كيف يعمل فيمن أشكل أمره من العترة والأقوال المنسوبة إلى الأئمة]
وأما الأقوال التي علَّم(ع) فيها كيف يعمل فيمن أشكل أمره من العترة، وفيما أشكل من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة(ع) فمن ذلك:
قوله في رسالته إلى شيعة أبيه - عَلَيْهما السَّلام -: ولا تقلدوا أحداً من آل نبيكم، ممن اشتبه عليكم أمره منهم، وكِلُوه إلى ربكم، ولا تقلدوه دينكم، ولا تقاطعوا في الوقوف أحداً من إخوانكم، ومن تبين لكم رشده فاتبعوه، ومن بان لكم غيه فاجتنبوه، ومن اشتبه عليكم حاله فارجوه، وكلوه إلى خالقه ولا تعادوه؛ فالمؤمنون وقافون عند الشبهات.


وقوله في كتاب تثبيت إمامة أبيه - عَلَيْهما السَّلام - بعد كلام: وإن قول أئمتنا لا يخالف محكم الكتاب، ولا يحيد عن الحق والصواب، وإنَّ ما اختلف من أقاويلهم، تمسكنا فيه بتأويلهم، وتبرأنا إلى الله من تكذيبهم، واعتمدنا على قول ربهم، واتبعنا من ذلك أحسنه، وأقربه إلى الحق وأبينه، وما اشتبه علينا من كلامهم، رجعنا فيه إلى أحكامهم، كيلا نبوء بآثامهم؛ لأن الله اللطيف بنا، أرحم من أن يعذبنا، على ما يكون من وقوفنا وطلبنا لسبيل نجاتنا، وما نرجو من عفوه لحسن ظنوننا، واطراحنا لأهوى أنفسنا، واعتمادنا على محكم كتاب ربنا، وسنة نبينا -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-، والله على ذلك المستعان، وهو حسبنا وعليه التِكلان.


وقوله في كتاب مهج الحكمة: من أراد أن يستفيد من خاتم النبيين، ومن أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-؛ فليقف على ما وضع الهادي إلى الحق - صلوات الله عليه - وكذلك ما وضع المرتضى لدين الله - عَلَيْه السَّلام - من العدل والتوحيد والحلال والحرام، وغير ذلك من شرائع الإسلام؛ لأنهما أخذا العلم الذي جاء به رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - ولا يلتفت إلى اختلاف المختلفين، ولا يعتمد على أقاويل القائلين، فإني وطئت من العلوم مهجها، واعتزلت والحمد لله همجها، فما رأيت علماً أشفى، ولا أبين ولا أكفى، مما أتيا به من خالص الدين، ومحض اليقين، رواية عن خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين، أخذاه عن آبائهما، وحفظاه عن سلفهما، أباً فأباً، وجداً فجداً؛ حتى ينتهي إلى الأصل أمير المؤمنين، عن سيد المرسلين، عن الروح الأمين، وإخوانه الملائكة المقربين، عن الله رب العالمين، وفاطر السماوات والأرضين؛ فالحمد لله الذي جعلنا من المقتدين، ومن علمهما مستفيدين، فمن علمهما اشتفيت، وبهداهما اهتديت، وبهما في جميع الأمور اقتديت، وفي آثارهما مشيت.
وقوله في كتاب الرحمة: وليعلم من سمع لنا قولاً أنه منهما، وإنا إن شاء الله لا نتكلم بخلاف قولهما، ولا ندين الله بغير دينهما، ودين من حذا بحذوهما من ذريتهما؛ فمن سمع لنا كلاماً فليعرضه على كلامهما؛ فما خالف قولهما فليس منا، وما وافق ذلك فهو منّا.





[ذكر حال الراوي عن الإمام المهدي (ع) تلك الروايات المكذوبة عليه]
فصل:
فإن قيل: إن الفضلاء من قرابة المهدي - عَلَيْه السَّلام - هم الذين رووا تلك الروايات، وهي إلى الآن مشهورة في كتبهم.
فالجواب: أن فضل الفضلاء من قرابة المهدي - رحمة الله عليهم -؛ لا يمنع من اغترارهم، ووجود الخطأ في كتبهم، وأن مخالفة ما يوجد من الخطأ في كتبهم، لا ينقص من فضلهم، وذلك لأن جميع الفضلاء من الأنبياء وغيرهم؛ يجوز عليهم تصديق ما ليس بصحيح، ولذلك قيل إن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أُذُنٌ، ووصفه الله سبحانه بأنه يؤمن للمؤمنين أي يصدقهم.
وقال المهدي - عَلَيْه السَّلام - عقيب ذكره للروايات الكاذبة عليه: فربما يسمع بذلك أولياء الله فيصدقون به، والعهد قريب؛ فانظر كيف وصفهم بأنهم أولياء الله مع تجويزه لتصديقهم للكذب عليه.
فإن قيل: إن أولئك الفضلاء حكوا أنهم سمعوا تلك الروايات عن المهدي - عَلَيْه السَّلام -.
فالجواب: أنه إذا ثبت كونها خطأ فأكثر ما يجب من حقهم أن نتأول فيهم كما نتأول في المهدي - عَلَيْه السَّلام - لو صح أنهم قالوا ذلك، ولم يصح بل في الرواية المشهورة أن علي بن القاسم - رحمة الله عليه - وهو أعلم إخوة المهدي وأخصهم به قال: ما صح عنده من كلام الناس إلا رواية روتها له امرأة المهدي اللَّغْوِيَّة.



[حكاية الأقوال التي عارض بها الإمام المهدي (ع) قول من زعم أنه فضَّل نفسه على النبي (ص)]
رجع، وأما الأقوال التي عارض بها ما شنع به عليه من الروايات؛ فمما عارض به قول من زعم أنه فضل نفسه على النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله -:
قوله في كتاب الرد على من أنكر الوحي بالمنام: وليعلم من سمع قولنا، أو فهم تأويلنا؛ أن الوحي الذي ذكرنا، فيما تقدم من كلامنا، أن الله ختمه بنبينا -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم-، هو هبوط الملائكة، وما كان يسمع موسى -عَلَيْه السَّلام- من المخاطبة؛ فذلك الذي ختمه الله وقطعه بعد محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لأنه علم أنه أفضل الآدميين، ففرق بينه وبين أهل بيته أجمعين، بأن جعلهم له تابعين، وبشريعته مقتدين، ولو علم في ذريته أفضل منه، لأزاح ختم النبوة عنه، ولجعل بعده أنبياء مثله، ولما أبان على فضلهم فضله.
وقوله في كتاب تفسير غريب القرآن: وبلغنا والله أعلم عن بعض الإمامية - لعنهم الله - أنهم قالوا: محمد رسول الله، وخاتم النبيين المهدي، وكذب أعداء الله في قولهم؛ بل محمد خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين.



وقوله في كتاب التوفيق والتسديد: وسألت عن العقول هل هي مستوية أم بينها اختلاف ؟ والجواب: أن اختلاف عقول الناس كاختلاف قواهم، فمن كانت قوته تبلغ أداء الفرائض وجبت عليه، ومن لم يطق فلا يكلفه الله ما يعدم لديه، ولا يصل بقوته إليه، وإنما العقول على وجوه معروفة، وأحوال بينة موصوفة، منها عقول سادتنا الملائكة المقربين، ومنها عقول الأنبياء [و]المرسلين، وعقول الأوصياء المستخلفين، وعقول الأئمة الطاهرين، وبعد ذلك عقول المكلفين.
فأفضل العقول عقول الملائكة الأكرمين، ثم عقول الأنبياء أكمل من عقول الأوصياء، ثم عقول الأوصياء أكمل من الأئمة في العقول، وأفضل في الاعتقاد والقول، ثم للسابقين من الفضيلة على المقتصدين، كمثل فضل الأنبياء على الوصيين، وللأئمة المقتصدين من الفضل ما لا يكون لفضلاء المؤمنين، وأفضل الناس كلهم فضلاً، وأكملهم ديناً وعقلاً، محمد خاتم النبيين، - صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين -.
[حكاية أقوال المهدي (ع) التي عارض بها قول من زعم أن كلامه أبهر من كلام الله سبحانه]
ومما عارض به قول من زعم أن كلامه أبهر من كلام الله سبحانه:
قوله في تفسير غريب سورة الأنعام: ولا نعلم دليلاً أبين من القرآن، ولا أشفى ولا أوضح من الفرقان، ولا أبهر ولا أنور في البيان، مما جاء به محمد وأهل بيته في البرهان.

وقوله في كتاب تثبيت إمامة أبيه عَلَيْهما السَّلام: ولا يقول أحد إن كتب الأئمة أولى من كتاب الله بالصدق، وأقرب إلى الصواب والحق.
وقوله في جوابه لمن سأله عن معنى قوله: إن أدلة المعقول أقطع للملحدين من أدلة المسموع، وقوله إن تفسير الأئمة عَلَيْهم السَّلام للمتشابه أبين من المتشابه: إنما معنى قولي إنه أقطع للمشبهين والملحدين؛ أنه أبين من المتشابه من كتاب الله للمتعلمين؛ فأما أن يأتي أحد بمثل آية من كتاب الله فلا يدعي ذلك إلا كاذب.


[حكاية أقوال المهدي (ع) التي عارض بها قول من زعم أنه لا حجة بعده]ومما عارض به قول من زعم أنه لا حجة بعده:
قوله في كتاب تثبيت إمامة أبيه عَلَيْهما السَّلام: وأما قولهم: إن كتب الإمام وما سطر، حجة على جميع البشر؛ فلعمري إن قبول ما فيها من الحق واجب على جميع المخلوقين، لا ما ذهبوا إليه من رفض الأئمة الباقين، والتعلق بكتب الماضين، ولو كان ما قالوا عند من عقل صدقاً، وكان ما نطقوا به من الزور حقاً، لكان ذلك رداً لقول رب العالمين، وإثباتاً لقول المخالفين؛ إذ كلهم متعلق بكتب من عدم شخصه، رافض لمن كان من الأئمة بعده، ولو كان لأحد منهم أن يقف على إمامة رجل برفض من بعده؛ لجاز ذلك لمن كان من الروافض قبله، ولجاز لهم من ذلك ما جاز له، ولصارت العوام أولى بالإمامة من آل نبيهم، ولنقضوا قول ربهم، ولما كان لقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7)} [الرعد]، معنى، ولكان تمرداً وعبثاً؛ فتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.


..إلى قوله: وزعموا أن لله حجة مغمورة، إذا لم يكن ثم حجة مشهورة، غير من هو عندهم معارض، ولكلام الأئمة رافض، والله سائلهم عما ذكروا من المحال، وأفحشوا في أولياء الله من المقال، وأكذبوا ما قال فيهم ذو الجلال، فأخرجوا الله بحجتهم هذا المغمور، من الحكمة والعظمة والتدبير؛ إذ زعموا أن الله يحتج على عباده، وينفي الفساد من بلاده، بحجة لا ترى ولا تبصر، ولا يسمع بها ولا تذكر، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يرد على أحد من المبطلين، ولا ينصر الحق والمحقين.
..إلى قوله: وأيضاً فليس من حكمة الحكيم أن يحتج على عباده؛ بحجة من أهل بيت نبيه، ثم يخفيها عنهم ويغمرها ولا يعلمهم بها، ويسترها ثم يحاسبهم على ما لم يعلموا، ويعذبهم على ما لم يفهموا، أجل؛ إنه عز وجل لبعيد عن هذه الفِرْية وأمثالها، ونظائرها من القول وأشكالها.
وإنما معنى ما روي من الحجة الباطنة عن أمير المؤمنين - عليه صلوات رب العالمين- هو المقتصد من آل الرسول.
وقد رُوي عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه ذكر الحجة، ثم قال: ((إما السابق وإما المقتصد)) وإنما سمي المقتصد [مقتصداً] لاقتصاده عن المراد، وسمي حجة لاحتجاجه على جميع العباد.


..إلى قوله: فكيف إلا أنه قد قال بإجماعهم، لو انتفعوا بعقولهم وأسماعهم، ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا [من] بعدي [أبداً] كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ولا يخلو قوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((لن يفترقا [حتى يردا علي الحوض))] من أن يكون باطلاً أو حقاً؛ فنعوذ بالله من تكذيب الرسول، ومكابرة حجج العقول، ولقد كفر من كذب كتاب رب العالمين، ورد قول الرسول الأمين، وتعلق بأوهامه وظنونه، وقبل وحي شياطينه، واعتمد على المتشابه من الأقاويل، وجهل مخارج السور والتأويل، وفارق محكم التنزيل، واتكل على الأقاويل المهلكات، وقبل ما روي من المتشابهات، وتبرأ من الأمهات المحكمات.


وقوله في كتاب شواهد الصنع: أصل الإمامة في العقول؛ لأن الحكيم قد علم أن لا بد من اختلاف بين المخلوقين؛ فجعل في كل زمانٍ حياً مترجماً لغوامض الأمور، مبيناً للخيرات من الشرور، ولا يعدم ذلك في كل قرن من القرون، إما ظاهراً جلياً، أو مغموراً خفياً.
فإن قيل: وما الظاهر الجلي، وما المغمور الخفي؟
قيل - ولا قوة إلا بالله -: أما الظاهر فالسابق المنذر لجميع الخلائق، وأما الخفي فالمقتصد المحتج [لله] على جميع العباد، الآمر بالمعروف والناهي عن الفساد، بغير قيام ولا جهاد.
ومما عارض [به] قول من زعم أنه مهدي عيسى (ع)، وأنه لا بد لمهدي عيسى من غيبة قبل قيامه:
تفسيره - عَلَيْه السَّلام - لقول الله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:159]، قال: يحتمل أن يريد إلا من قد آمن وأتى بالمستقبل بمعنى الماضي، ويحتمل ما روي عن الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - أن الله سبحانه يظهره في آخر الزمان يدعو إلى طاعته وطاعة المهدي، ويصلي خلفه.



وتفسيره لقوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33]، قال: هو وعدٌ من الله [سبحانه] لرسوله فكان ما وعد، قال: وأتى في الخبر عن الأئمة، عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: أن هذا الظهور يكون على يد المهدي - عَلَيْه السَّلام - يقهر جميع أديان الأمم.
وتفسيره لقوله تعالى: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب:27]، قال: أي ستملكونها، وقيل: سيملكها القائم من آل محمد في آخر الزمان.
[وتفسيره لمعنى ما روي عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- في المهدي: [أنه] يؤيم عرسه، قال - عَلَيْه السَّلام -: معنى يؤيم [عرسه] أنه يتركها عند قيامه اشتغالاً بالجهاد عنها].


وتفسيره لمعنى ما روي عن أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - في الحجة الباطنة بأنه المقتصد، واحتج على ذلك بقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((ستأتي من بعدي فتن متشابهة كقطع الليل المظلم؛ فيظن المؤمنون أنهم هالكون فيها، ثم يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت برجل من ولدي خامل الذِّكْر لا أقول خاملاً في حسبه ودينه وعلمه، ولكن لصغر سنه، وغيبته عن أهله، واكتتامه في عصره)) "((سيأتي من بعدي فتن متشابهة كقطع الليل المظلم؛ فيظن المؤمنون أنهم هالكون فيها، ثم يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت برجل من ولدي خامل الذكر لا أقول خاملاً في حسبه ودينه وعلمه، ولكن لصغر سنه وغيبته عن أهله واكتتامه في عصره))" [قال] فبين النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- أنه يريد بذلك الإقتصاد، لا ما ذهب إليه أهل اللداد.
فصل
انظر كيف يجوز أن يضاف إليه ما عابه على غيره، وسماه فرية وكفراً ولداداً، ونحو ذلك، وكيف يجوز الخروج من هذا المعلوم المجمع عليه إلى الروايات المظنونة المختلف فيها، ومن أقوال أئمة الزيدية إلى أقوال غلاة الإمامية.



ومما عارض به قول من روى عنه أنه لا يموت ولا يستشهد حتى يقوم في آخر الزمان:
قوله في رسالته إلى شيعة جده القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام -: فالعياذ بالله كيف يداري في الحق من أصبح وأمسى منتظراً لسفك دمه، وقد وطى وطأة المتثاقل على رقاب أعداء الله.
وقوله في كتاب الدامغ يصف نفسه - عَلَيْه السَّلام -: وأُصْبِحُ متوقعاً للموت والفناء، وعاداً للفقر أحب إليَّ من الغنى.
وقوله في كتاب الأسرار: فوالذي أنا في يده ما نمت نومة حتى أناقش نفسي، وأتذكر ما اجترحت في يومي وأمسي؛ لأن النائم ربما حيل بينه وبين انتباهه، كما يحال بين اليقظان ومنامه.
وقوله في بعض أدعيته: وأكبر همي الشهادة في سبيلك، والغضب لدينك، وأنا حريص في ذلك؛ فيا رب لا تخيب أملي، ولا تخترم دون الشهادة أجلي، وعجل يا مولاي ذلك، وارحم تضرعي..إلى قوله: وعليَّ أن أبذل جسدي وعرضي ولساني، حتى يفرق بين روحي وجسدي، ويقطع فيه أجلي.
اللهم خُذْ بذلك عهدي وميثاقي، واشهد علي وكفى بك شهيداً، اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك وأهل سماواتك وأرضك، أني لا أرجع ولا أنثني ولا أستقيلك في بيعتي حتى ينقطع عمري، ثم أزور قبري أو يذهب لك في الغضب لحمي ودمي.



انظركيف يجوز أن يضاف إليه (عَلَيْه السَّلام) أنه لم يف بعهده وميثاقه، وكيف يجوز أن يترك تصديقه في هذا وشبهه لأجل روايات لا دليل على صحتها، ولا ثقة بمن أسندت إليه من النسوان والمتشيعين الذين حكى عنهم بعض إخوة المهدي - عَلَيْه السَّلام-.
ومما يعارض به قول من زعم أنه كان يرى ما حُكي عنه في المنام:
قوله - عَلَيْه السَّلام - [في كتاب الإمامة]: واعلم أن الإمامة لا تصح بالملاحم والمنام، ولا تبطل إمامة الأئمة بالأحلام؛ لأن الرؤيا وإن كانت من حكمة الله جل جلاله، وعظمت نعمته وإفضاله، فإنها تحمل على التأويل، ولا يعتبر ظاهرها في جميع الأقاويل، والحكيم لا يصرح بكل أسبابه، لما في النظر والتمييز من ثوابه، مع ما في النظر من لقاح العقل، وبطلان الحَيْرَة والجهل، وربما رؤيت الرؤيا للرجل، وإنما المراد بها سواه من ذريته، أو بعض إخوانه وقرابته.
[مناقشة حسنة]
فصل: يشتمل على مسائل:
الأولى: إذا كان للمهدي - عَلَيْه السَّلام - أقوال مجمع على صحتها، وأقوال مختلف فيها، ما الواجب أن نتبع من ذلك في وقت الفترة ؟
الثانية: إذا كان لا بد لله سبحانه من حجة من العترة في كل عصر وكان كل حجة بعد المهدي - عَلَيْه السَّلام - لا يصدق بما شنع عليه، هل يجب الإقتداء به مع ذلك، أم يجب رفضه؟



الثالثة: إذا كان مهدي عيسى - عَلَيْهما السَّلام - لا يعلم أنه هو إلا بعد ظهور عيسى -عَلَيْه السَّلام- ولا يعلم أن عيسى هو هو حتى يحيي الموتى؛ فكيف يعلم مع عدم ذلك ؟
الرابعة: إذا كان فضل النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - مجمعاً على كونه معلوماً بالنص؛ فكيف يجوز نسخه بفضل مختلف فيه ؟
الخامسة: هل تصح إمامة من يدعي خلاف ما أجمعت عليه الأمة ؟ مع أن من شرط صحة إمامته ألا يخالف شيئاً من الأدلة، وأن يكون مقتدياً بمن قبله من الأئمة، وغير مخالف لإجماعهم.
السادسة: لو صح القول بتفضيل المهدي -عَلَيْه السَّلام- على النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-؛ هل يكون فضله عليه معقولاً أو مسموعاً ؟ تفضلاً أو مجازاة؟ وهل يكون قبل ظهور عيسى أو بعده ؟
السابعة: إذا قام من العترة بعد المهدي - عَلَيْه السَّلام - إمام وأنكر بعض ما يجد في كتب المهدي [(عَلَيْه السَّلام)] من الروايات هل يكذب أو يصدق - كما قال القاسم بن علي [العياني] - عَلَيْه السَّلام - في كتاب ذم الأهوى والوهوم في مثل ذلك: واحذروا رحمكم الله من فتنة الهوى، ومخالفة حجج الله التي تعاين وترى، ولا تأتموا بالأخبار التي ترد عليكم من أئمة الهدى، فإن الله لم يجعل حججه خبراً فاسداً، ولا كتاباً مفرداً، ليس معه من ذرية الرسول معين-؟
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

هل تعلم أن :
( الزيدية : هي الإمتداد الطبيعي للمنهج الإسلامي القرآني الأصيل وأن بلاد الزيدية : هي البلاد الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مساجد خاصة بالشيعة وأخرى خاصة بالسنة ....)

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“