عن الفضيلة إقرأ لـ: إلهام مانع، محمد المنصور، ورشاد الشرعبي

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
اشرف نجم الدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 72
اشترك في: الأحد مايو 04, 2008 10:35 pm
مكان: اليمن

عن الفضيلة إقرأ لـ: إلهام مانع، محمد المنصور، ورشاد الشرعبي

مشاركة بواسطة اشرف نجم الدين »

أية فضيلة!؟

إلهام مانع

احتملوا كلماتي القادمة عزيزاتي وأعزائي.
لا تتململوا منها لأنها قد تبدو بعيدة عنكم.
بل تأملوا،
قارنوا،
ثم قرروا!
***
لعل أفضل نظام مواصلات عام عرفته في دولة ما هو ذاك النظام القائم في سويسرا.
خطوط مواصلات عامة تبدأ من الباصات والترامات، وتنتهي بالقطارات، وتربط بين المدن والقرى. لا تتأخر دقيقة عن موعدها. كأنها القدر، قادمة شئت أم أبيت.
في مدينة برن، حيث أسكن، أستخدم وسائل المواصلات العامة في تنقلاتي، لأن سكني وأسرتي في قلب العاصمة، يجعل من اقتناء سيارة مع وجود ذلك النظام جريمة في حق البيئة. وعندما نحتاج، أنا أو زوجي إلى سيارة، نلجأ إلى نظام "موبيلتي". والنظام ببساطة يوفر للمشاركين فيه إمكانية استخدام سيارة عندما يحتاجون إليها. عليهم فقط أن يدفعوا مبلغاً سنويا، أن يتحملوا تكاليف البنزين لفترة الاستخدام، وأن يدفعوا مبلغا محددا عن كل كيلومتر تمشيه السيارة. نظام غير مكلف لمستخدميه، يقلل من استخدام البنزين، ويوفر لنا السيارة في رحلاتنا الطويلة، ويحمي البيئة في الوقت ذاته من خلال تقليل عدد مالكي السيارات.
عدا ذلك أركب الأوتوبيس أو أمشي.
في برن (واسمعوني هنا جيداً) يركب الإنسان الباص أو الأوتوبيس "على ذمته".
ماذا يعني ذلك؟
لا يوجد من يفتش عليك داخل الأتوبيس، ويسألك: "هل اشتريت تذكرة الأتوبيس؟".
لا يوجد!
يعتمد النظام على "أمانة الإنسان".
"مادمت تستخدم هذه الخدمة، فعليك تأدية ثمنها".
"وأنت إنسان مسؤول، عاقل، قادر على تحمل المسؤولية. لذا لن نجري وراءك نسألك: هل اشتريت تذكرة الأتوبيس!".
تخيلوا!
فقط كل شهر وآخر، تجري عملية تدقيق مفاجئة. براءة ذمة ربما!
والغريب أنه في كل مرة أكون فيها في الأتوبيس خلال مثل هذه العملية على مر السنوات الأربع عشرة الماضية، نادراً ما "اكتُشف" وجود شخص لم يشتر تذكرة الأتوبيس.
كنت دوماً أندهش لمدى التزام الإنسان هنا.
أندهش،
ثم أفرح.
أما الخزي الأكبر، أنه في حالة وجود من "لم يحترم الأمانة"، من "خانها"، فإن الشخص الذي لم يشتر تذكرة الأتوبيس يكون عادة "أجنبياً".
لم يعتد أن يكون مسؤولا.
لم يعتد أن يكون أمينا.
لم يعتد أن يكون إنساناً.
وفي هذه الحالة، فإن التذكرة التي تكلف فرنكا وثمانين "رابين"، تتضاعف إلى ثمانين، على المخترق أن يدفعها فوراً، أو أن يتحول إلى القضاء، لتدخل في سجله. ثم تصبح وصمة عار.
***
بالنسق نفسه
في أشهر الصيف، عندما نتجول، أنا وزوجي وابنتي، بدراجاتنا في الحقول خارج العاصمة، تلفت نظري دوماً لافتات صغيرة، توجد قرب حقول زهور عباد الشمس، أو بالقرب من صندوق كبير في مزرعة، تحدد سعر ثمن زهرة عباد الشمس، أو ثمن نوع من أنواع الجبنة أو لحمة مجففة، دون وجود صاحب الحقل أو أي بائع، وتأمن رغم ذلك أن الذي سيقطف الزهور، أو سيأخذ الجبنة واللحمة المجففة من الصندوق، سيدفع ثمنها ويضع المال اللازم في حصالة مالية صغيرة قرب اللافتة.
لا يوجد من يراقب هذا الإنسان.
ذاك الذي سيقطف الزهور، أو يأخذ الجبنة أو اللحوم المجففة.
لا يوجد من يصر عليه أن يكون أمينا.
لكنه عادة ما يدفع الثمن.
"مادمت سآخذ الزهرة أو البضاعة، يجب أن أدفع ثمنها".
ولأن النظام ناجح، ما دام الناس يدفعون رغم عدم وجود الفلاح أو البائع، ظل مستمرا!
***
أظل أدق على الوتيرة نفسها.
هذه الأيام تمر سويسرا بأزمة سياسية.
أتعرفون سببها؟
الصحافة كشفت أن قائد الجيش السويسري تم تعيينه رغم وجود قضية مرفوعة ضدة من شريكته في الحياة (صديقته). وزير الجيش كان على علم بالقضية، لكنه لم يُعلم اعضاء المجلس الفيدرالي ولا البرلمان السويسري بالمسألة حين تعيين القائد. كان الاتفاق بين قائد الجيش والوزير الفيدرالي أن القضية سيتم "حلها ودياً" بين القائد وشريكته في الحياة قبل أن يتولى منصبه. وهذا ما حدث بالفعل.
ورغم أن القضية تم حلها ودياً، فإن القيامة قائمة في سويسرا هذه الأيام، لأن الوزير الفدرالي لم يكن شفافاً بما فيه الكفاية، ولأن (ولعل هذا هو المحك في الموضوع) ملابسات القضية أظهرت، أوعلى الأقل هذا ما تقوله الصحافة السويسرية، أن قائد الجيش تصرف بطريقة غير مسؤولة، وبطريقة جرحت كرامة شريكته في الحياة.
التيارات السياسية بتعدد أطيافها تطالب باستقالة قائد الجيش، لأن القضية "جرحت مصداقيته"، وبعضها لأسبابها السياسية الخاصة بها، تطالب باستقالة الوزير الفدرالي معه.
"لا تكذب.
"كن شفافاً.
"ثم تحمل مسؤوليتك.
وإذا تجاوزت الأمانة، فتخلى عنها. أتركها لمن هو اجدر بها".
***
هل بدأت ملامح الموضوع تتبلور أمامكما، عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ.
أتحدث عن سويسرا وعيني على اليمن.
عن وطنين، وجدت في الأول الأمان، ويظل الثاني جرحي النازف. جلدي الذي لا أقدر على سلخه عن لحمي.
النظام القائم هنا في سويسرا ناجح، بكل المقاييس.
لأنه ببساطة تمكن من خلق الإنسان.
إنسان قادر أن يتحمل مسؤوليته ومسؤولية غيره.
إنسان أمين.
لا يسرق.
لا ينهب.
وعندما تُحّمله الأمانة، يكون على قدرها. يركب الباص ومعه التذكرة رغم أنه يدري أنه في 99% من الحالات لن يأتي إليه من يسأله: "أين التذكرة؟"!
يدفع ثمن الجبنة والزهور، ويضعها في الحصالة، رغم أن السماء وحدها والطيور هي من تراقبه.
ويفعل ذلك!
ثم يفترض فيه أن يكون على قدر أمانة العمل.
"ما دمت لم تكن شفافاً معنا، ما دمت قد تصرفت بطريقة "غير مسؤولة" تجاه شريكتك في الحياة، كيف يمكننا أن نثق بقدرتك على قيادة الجيش"؟
نظام تمكن من خلق الإنسان. وعندما فعل ذلك لم يلجأ إلى ابتكار "هيئة الفضيلة"، كما تريد الدولة اليمنية اليوم أن تفعل.
هيئة "فضيلة" لا أعرف عن أية "فضيلة" تتحدث. كل هم (رجالها) التلصص على عباد الله، وخنق كرامتهم، ثم تطبيق تفسير للدين لا هم له سوى هدم الأضرحة وقتل وجود النساء. وقد بدأت الهيئة بالفعل بالمرأة. هل لاحظتم أول "فتوى" تصدرها الهيئة عن الكوتا النسائية السياسية؟
ويوماً ما ستجدونها تجري وراء النساء، تقول لهن إن "عباءتهن" ليست "سوداء" بما فيه الكفاية، وأن حياتهن ليست "سوداء" بما فيه الكفاية، وأن "الموت" في الحياة هو الأسلم لهن ضماناً للجنة.
هيئة "فضيحة"، لا "فضيلة"، عزيزاتي، لأنها فضحت للعالم، الذي يراقب ويتابع، مدى ضعف الدولة، وحاجتها إلى تيار سلفي، يدعمها في مواجهة أزمة سياسية طاحنة.
ولأنها كذلك، فإنها لن تعثر على "الفضيلة"، على فرض انها تبحث عنها فعلاً، بل ستتسبب في أزمة طائفية، ولعلها ستنجح في إلهاء الناس عن واقع الظلم والفقر والفساد القائم.. إلى حين.
لا، لم يلجأ النظام السويسري إلى هيئة لـ"الفضيلة".
لجأ إلى التعليم.
أراه في الأسلوب الذي يتم فيه تعليم ابنتي في المدرسة، كيف تكون مسؤولة عن بيئتها، جزء من حصة يتم تخصيصة لتنظيف فصلهم، والخروج إلى مزرعة قريبة والعمل فيها.
كيف تتعلم وهي في الثامنة كيف تجلس مع زميلاتها وزملائها، تتفاوض وتتناقش، وتصل معهم إلى تسوية في اختيار "مواضيع للدراسة الأسبوعية". وكان حديثها قبل شهر هو عن الكيفية التي اختلفت فيها التلميذات مع التلاميذ حول موضوع الأسبوع.
التلاميذ الذين كانوا يتابعون بشغف كأس أوروبا لكرة القدم، أرادوا أن يكون موضوع الأسبوع "كرة القدم وتاريخها". أما التلميذات فقد اكتفين من الكرة، وإن حافظن على شكل الدائرة، فكان اختيارهن لذلك "الكون والمجرات"! والنتيجة أن المدّرسة التي أدركت أهمية "الكرة"، وضعت طاولتين في الصف، إحداهما تضم الكتب والنماذج التعليمية الخاصة بالكرة، والأخرى خُصصت للكون ومجراته.
ثم تتعلم كيف تفكر!
عندما تتحدث المدرسة عن الكون والمجرات، فإنها لا "تلقن" تلميذاتها وتلاميذها "الموضوع".
بل تسألهن أولاً، "برأيكن كيف تكوَّن الكون؟"
ولأن كل طفلة وطفل يدلو بدلوه، فإن خيوط "اكتشاف الكون" تتشابك، إلى أن تصل إلى مرحلة، تبدأ فيه المدرسة في شرح الموضوع، ولكن مع تجارب عملية، يصنعنها بأيديهن، وقبلها بعقولهن، حتى يتحولن مع الوقت إلى مخلوقات قادرة على التفكير.
إنسان،
مسؤول،
مفكر،
عاقل،
ثم أمين.
ولأن النظام في هذا البلد يحترم الإنسان، آدميته، كيانه، عقله، ثم إرادته، يرد الإنسان عليه بأن يكون إنساناً في خلقه وتعامله.
هكذا تُخلق "الفضيلة" بمعناها الإنساني.
أما أن تتشكل "هيئة فضيلة" يمنية، فالسؤال الذي طرحه غيري كثيرون: "عن أية فضيلة تتحدثون؟"، خاصة ونحن نعرف وشيخنا الزنداني يعرف قبلنا أن فضائح نظامنا اليمني معروفة.
وصلت إلى مدى جعل البنك الدولي يصرخ همساً في أروقته أنه "حتى الفساد له حد، إلا في اليمن"!
تمنيت على شيخنا الزنداني أن يرد على سؤالنا إذن: "أية فضيلة ستحارب من أجلها هيئتكم؟"
فلو كانت الفضيلة التي يعنيها تتعلق بأمانة الحكم، بمحاربة الفساد المالي والإداري، برفع الظلم عن البشر، بمنع نهب الأموال والأراضي، فليته يصدر لنا فتوى، تبدأ به أولاً، ثم بقمة الهرم.
وكل "فضيلة" وأنتم بخير!
elham.thomas@hispeed.ch


***


دعوة للفضيلة أم للخراب والدمار وإقامة المشروع البديل؟

محمد المنصور

سيكون ليوم 17 يوليو 2008 الذي احتفى فيه الرئيس وحزبه بالمناسبة الثلاثينية لتربعه على عرش اليمن، دلالة من النوع الايجابي الذي يلامس مطلباً شعبياً يمنياً ودولياً. أعني ذلك المتمثل بوقف نهائي وأخير لكارثة الحروب على صعدة، فالرئيس أعلن وعلى مسمع المئات من شباب المراكز الصيفية عن نهاية الحرب، وتفضيل أسلوب الحوار، وهو الخير الذي توقفت عنده مطولاً بالشرح والتحليل جل القنوات الفضائية العربية، دلالة على أهميته، وتوقيت صدوره بالنسبة للواقع اليمني والاقليمي والدولي المتحرك والمضطرب والحافل بمتغيرات لا تخطؤها عين.
في الداخل اليمني الذي ملّ حروب صعدة، وضاق بنتائجها الكارثي ذرعاً، فإن قرار الرئيس بوقف الحرب أو اعلان توقفها، قد فاجأ البعض، وأثار تساؤلات وعلامات استفهام البعض الآخر عن ظروف وملابسات الخطوة، التي وصفها البعض في الصحافة المحلية بالهدنة، والتهدئة الطويلة التي جاءت على خلفية، التحركات والمواقف والوساطات القبلية واللقاءات بالرئيس، واحتدام المعارك، والدعوات الواسعة للتجييش القبلي لحسم الحرب، وما أسفرت عنه المعارك الطاحنة وحقائقها المأساوية على الارض واتساع نطاقها. تبدو تساؤلات البعض عن خطوة الرئيس ومغزاها وتوقيتها مشروعة بخاصة على ضوء التجارب السابقة وطبيعة إدارة السلطة لهذه المشكلة منذ نشوئها منتصف العام 2004 وحتى 17 يوليو 2008م.
وثمة في الشارع اليمني من يبدي توجساته إزاء احتمال عودة الحرب، كما في كل مرة دون فهم وإحاطة كافية بأسباب تجددها وتوقفها المفاجئ.
لقد كان لافتاً أن يعلن الرئيس عن توقف الحرب بعد يومين من اجتماع ما سمي بهيئة الفضيلة التي يمكن القول بأن أهم ما تمخض عن اجتماعها هو تبني الدعوة للحسم العسكري للحرب بصعدة، وتبني توجهات دينية (مذهبية) تعزز الدوافع والذرائع المذهبية لاستمرار الحروب في صعدة وخارجها. من ذلك المنطلق الذي تبدأ به هيئة الفضيلة بجناحيها السلفي والقبلي استراتيجيتها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي توارى فيه الجانب المجتمعي والاخلاقي على حساب (السياسي المذهبي والأمني)، بدا وكأننا أمام مشهد جديد أفرزته حرب صعدة، وبدت معه السلطة عاجزة عن وقف سياسة الابتزاز ومقايضة المواقف الداعمة لها في الحرب، بمكاسب سريعة وآنية بعضها يتعدى الحاضر إلى المستقبل وخلق شروطه وإن على حساب الدولة، ومؤسساتها.. وإلا فماذا يعني استبدال الجيش الحالي بجيش شعبي ممول خارجياً؟!!
والغريب أن تنطلق دعوة التجييش العسكري والحسم بعد ما يزيد عن 4 سنوات من القتال والدمار والخراب ومن قبل طائفة أطلقوا على أنفسهم صفات العلماء، ودعاة الفضيلة ومن مشائخ كانت مواقفهم حتى الأمس تدعو للحوار وحل المشكلة في صعدة بالحُسنى. وذلك ما يتناقض مع دعوات إنهاء الحرب، وحل المشكلة بالحوار التي انطلقت من الاتحاد الاوروبي والادارة الامريكية، والمنظمات الحقوقية والدولية.. والتي بدت أحرص على اليمنيين ودمائهم واستقرارهم من شيوخ الفضيلة ودعاتها.. والذين لا نبالغ إذا قلنا أن دوافعهم ليست بريئة، وليست وطنية صرفه، بل مذهبية أنانية، ومنفعية يعضدها مشاركة رسمية لهيئة «الأمر بالمعروف السعودية» في مؤتمر الفضيلة.. والتي سبقها زيارات لمسؤولين سعوديين مما سمي باللجنة الخاصة لليمن، وإشرافهم على الترتيبات لعقد المؤتمر مما أحرج ربما السلطة الحاكمة في اليمن ورئيس الجمهورية من بروز ملامح مشروع نقيض للنظام القائم بجيشه ومؤسساته، واستبداله بصيغة أخرى (قبلية سلطانية مؤدلجة) يشدد أصحابها على طاعة ولي الأمر التي وإن كانت تروق للحاكم.. فإنها بمضامينها الخطيرة تعد انقلاباً على النظام الجمهوري والوحدة، والدستور ومفهوم الحاكم الذي هو الرئيس المنتخب من الشعب.. المسؤول أمام الشعب القابل للعزل والتمديد، والمحاسبة.. الخ.
ومن المؤسف أن تأتي دعوات وفتاوى الحرب والاستئصال والإبادة في صعدة من قبل التيار الديني ذي اللون الواحد ورموزه كصدى لفتوى 22 من رموز الدعوة السلفية في السعودية، وفي سياق دعوات التحريض والاثارة الطائفية في المنطقة.. والتي كانت صعدة ومجرياتها واحدة من البؤر التي حاول التيار السلفي الاستقطاب حولها.. والتي نجح في أقلمتها وربما في تدويلها لاحقاً بفعل خطاب لم يخجل وهو يصور ما يجري في صعدة بأنه تصد للنفوذ الايراني الاثني عشري الفارسي، ولم يخجل وهو يحرض على طائفة من اليمنيين ويتاجر بدمائهم ودماء الجنود اليمنيين والمواطنين الابرياء في حروب عبثية ثبت أنها لن تحقق سوى المزيد من الضعف لليمن (السلطة والشعب) فللآخرين أجندتهم وحساباتهم، ودائماً فإن اليد العليا خير من اليد السفلى.
<<<
وبالمطلق فإن إعلان الرئيس توقف الحرب وتمنيه عدم عودتها في 17 يوليو الفائت خير من بقائها مشتعلة نازفة، وليغضب من يغضب من تجار الحروب والمزايدين بالوطنية التي تعني مصالحهم الضيقة أولاً وأخيراً.. ولعل ما يجعل خطوة الرئيس والسلطة -إذا صدقت النوايا والارادات- ذات مردود إيجابي ليس بالنسبة لمأساة صعدة وإنما في قضايا وملفات شائكة أخرى تنتظر مبادرات واضحة لا لبس فيها لحلحلة الأزمة في جنوب الوطن والافراج عن المعتقلين ووقف كل الاجراءات الاستثنائية القامعة للحراك السلمي، وكذلك انجاز منظومة الاصلاح السياسي والاقتصادي والديمقراطي بالتوافق الوطني والحوار، ووقف الانتهاكات الجائرة على الصحفيين والناشطين، والافراج عن المعتقلين والمختفين قسرياً والغاء الاحكام الجزافية الظالمة بحق الخيواني والقرني وغيرهم من ضحايا المحاكمات الاستثنائية.. فمن شأن تلك الاجراءات والخطوات الممكنة أن تفتح نوافذ الأمل للمواطنين اليمنيين بإمكانية الخروج من الأزمة الطاحنة.. ودخول الانتخابات النيابية القادمة في أجواء طبيعية.
لقد أضعفت حروب صعدة وغيرها بنتائجها الكارثية اليمن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وشوهت صورته في الخارج، وبالنتيجة أدت الاجراءات والسياسات التي صاحبتها إلى تراجع اليمن وسجله في مجالات الحريات الصحفية، والدينية، والسياسية، وحقوق الانسان ووضعت الدولة اليمنية في خانة الدول الفاشلة.. والتي هي اليوم أكثر ضعفاً وعرضة للابتزاز الداخلي والتدخل الخارجي.

للتأمل:
أحداث الشهر المنصرم لم تخل من دلالات فارقة في خارطة الاحداث التي بدا بعضها أقرب للخيال.. لنتأمل تصاعدياً:
- حوار سوري- اسرائيلي غير مباشر في تركيا.. يقود لانفراجة في علاقات سورية الأوروبية عبرت عنها زيارة بشار الاسد لباريس ولقاؤه الرئيس اللبناني، والاتفاق على تبادل السفراء بين البلدين.
- التئام الحكومة اللبنانية (حكومة الوحدة الوطنية) غداة عملية التبادل للأسرى بين حزب الله واسرائيل، والتي تحولت إلى مظهر إجماع وطني لبناني نادر عبرت عنه عملية اشتقبال الاسرى المحررين وجثامين الشهداء في مطار بيروت، ما أعطاها دلالات إنسانية وقومية وأخلاقية تستحق التأمل.
- تقارب إيراني أمريكي استثنائي أضفاه حضور نائب الخارجية الامريكية للقاء جليلى سولانا في جنيف، وقبل ذلك بوجيز يومين يصدر مدعي محكمة الجزاء الدولية طلباً بالقبض على الرئيس السوداني البشير بتهمة جرائم حرب في إقليم دار فور بتهمة جرائم حرب إقليم دار فور وارتباك النظام الرسمي العربي إزاء الحدث.
تلك وغيرها من أحداث الايام الخالية والآتية.. تجعلنا أدعى إلى أن نعيد النظر فيما يجري وفهمنا له.. بل وضرورة أن نراجع بعض القناعات، والخروج من هيمنة ثنائية (الأبيض والأسود). لمحاولة أن تعيد اكتشاف أن في الحياة ما يستحق الانتظار.
أخيراً: نتمنى على الرئيس علي عبدالله صالح ألا يطيل من معاناة أسر وأقرباء وأصدقاء محكومي الرأي الاخوة عبدالكريم الخيواني- فهد القرني، ومعتقلي الحراك الجنوبي وفي الطليعة منهم باعوم، يحيى غالب، علي منصر، حسين زيد بن يحيى، أحمد بن فريد، علي هيثم الغريب وغيرهم، ونتمنى كذلك على الرئيس أن يعزز قناعة مواطنيه، وأصدقاء اليمن في الخارج بالتوجيه الفوري باطلاق سراح: العلامة محمد احمد مفتاح رئيس مجلس شورى حزب الحق، والعلامة سامي عبدالوهاب الوزير، وإخوانهم الذين أخفوا قسرياً واختطفوا بعيداً عن النيابة والقضاء بما يسيء كل يوم إلى القضاء والسلطة التنفيذية المتهمة بالهيمنة عليه.. ويا فخامة الرئيس أصدقك القول بأن ثمة من يقول بأن الابقاء على معتقلي حروب صعدة وإضافة قوائم جديدة مؤشر على عدم الجدية في وقف الحرب نهائياً وإغلاق الملف.. فهل صحيح هذا؟

***


حين يكون الحاكم محترفاً اللعب بالكروت الدينية

رشاد علي الشرعبي

الإهداء: إلى روح الفضيلة المفترى عليها وعلماء وإصلاحيين لم ينجروا وراء رذيلة "فرق تسُد"
أسابيع مرت منذ إشغالنا كصحفيين وناشطين وقيادات حزبية بما قيل إنه هيئة للفضيلة عن كل قضايانا ومطالبنا الأساسية والتي هي من صميم الفضيلة رغم تسطيح الحاكم لها كمصطلح ومفهوم لتقتصر على الدور الممارس من قبل هيئة المملكة الشقيقة.
ولا يخفى على الكثيرين أن ذلك يأتي ضمن نهج الحاكم لعقود، حيث يمارس رذيلة اللعب بالكروت الدينية، جنباً إلى جنب مع رذائل الفساد المالي والإداري والاستبداد والنهب والتزوير والغش.
وخلال أسابيع دار الجدل فيها حول هذه القضية، ظللت متردداً في الخوض بالكتابة عنها اعتقاداً مني أنها مجرد سحابة رذيلة سلطوية ستنتهي سريعاً، إلا أنه بدا واضحاً أنها واحدة من رذائل الحاكم في التلاعب المستمر بالكروت الدينية ضد خصومه السياسيين وأيضاً للتغطية على فشله في تحقيق التنمية كوعود مللنا "شخط وجهه" بها ومنة صُمَّتْ أذاننا بكثرة جلدنا بها.
لكن المصيبة ليست في الحاكم الذي لا يتقن سوى ممارسة الرذائل على أنواعها، وإنما في بعض من علمائنا وخطبائنا الذين انجروا وراءه كأنهم معصوبو العيون، ليحققوا أهدافا يسعى لها، خاصة قبل الانتخابات البرلمانية القادمة، حيث يعرف أنه لو خاض منافسة شريفة، وفي حال منعه ولو قليلاً من الولوغ في رذائله المتعددة الأشكال والألوان، سيمنى بالفشل الذريع.
وهنا أوجه سؤالا بريئا للنائب الأستاذ محمد الحزمي الذي عرفته قبل سنوات، حين ظل لأشهر يلاحق لأجل إيقاف رذيلة بسيطة في أحد فنادق دائرته الانتخابية مقارنة برذائل النظام التي تضر بشعب ووطن بحجم اليمن.
أستاذ محمد، والسؤال هنا موجه للحزمي ومن ورائه فرسان ملتقى الفضيلة (في مقدمتهم الزنداني والذارحي)، حينما عملت على إيقاف تلك الرذيلة وأوصلت القضية إلى أعلى مستوى في الدولة ولم تحقق غرضك بالصورة التي كنت تنشدها، هل كان السبب في صعوبة إيقاف تلك الرذيلة الصغيرة هو غياب الإرادة الصادقة لدى الحاكم وبالتالي موظفيه، أم عدم وجود هيئة من التي افترشت الصحف المحترمة وغير المحترمة للذود عن حياضها؟
كشعب مسلم جميعنا مع الفضيلة وضد الرذيلة وذلك بالفطرة، لكن على أساتذتنا من علماء وخطباء، وبعيداً عن مشايخ القبائل والموظفين المشاركين، أن يدرسوا الأمر جيداً، ليعرفوا من يمارس رذائل التجريع ونهب المال العام والعبث بثروات الوطن والتوريث واحتكار كل شيء عام للأهل والأصحاب، ومن يعمل على تعزيز قيم الرشوة والتزوير والغش والنصب والاحتيال والتكبر والطغيان ونهب حقوق الناس.
هل أنكم لا تعلمون من أوصل الشعب إلى هذه الحالة من الفقر والجهل والمرض، وسد كل منافذ الأمل وألحق بأبناء الشعب الإحباط والاكتئاب؟ في حين أننا توارثنا عن أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفقر كافر، وجراء ذلك برزت رذائل بيع الأعراض والخمور والمخدرات والزواج السياحي والعرفي.
لا أعتقد أنكم تجهلون أن هناك سياسة رسمية منظمة لإفساد أخلاق الناس، تبدأ من شبكات في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية وغيرها، تحظى بالحماية من نافذين رسميين ولا تتعثر بإرادة صادقة من الحاكم وموظفيه ولا يطالها القانون الذي يجرمها.
وإن كنتم لا تصدقون فلتسألوا أنفسكم: لماذا كل من نعرفهم من الناس الملتزمين أخلاقياً، وليس شرطاً التزامهم الديني، وهم ينتمون للمؤتمر الشعبي الحاكم، يتم إقصاؤهم وإبعادهم وتهميشهم في وظائفهم ومناصبهم المدنية والعسكرية والأمنية؟ وعلى العكس، يتسلق من نشتبه بفسادهم الأخلاقي والمالي والإداري، حيث نراهم ينالون الحظوة ويمكنون ليس وحدهم، ولكن أيضاً هم وأبناؤهم وأقاربهم ورفاقهم في السوء واقتراف الرذائل.
لما يقارب العشر السنوات وأنا كصحفي ينتمي لحزب الإصلاح، أمارس ما أؤمن به وهو وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة الرذائل عبر صحف الإصلاح أو الصحف الأخرى من خلال الكشف عن عورات الفساد والظلم والاستبداد وفضح الفاسدين والطغاة والمستبدين ونصرة المظلومين المسلوبة حقوقهم والمنتهكة حرياتهم، وهو الواجب ذاته الذي يؤديه الكثير من الصحفيين في الصحف اليمنية الجادة والمهنية.
خلال كل ذلك لم أجد أن الأمر يستدعي هيئة كالتي خُدعتم بها أو تخدعون أنفسكم وشعبكم بها، والوطن ليس فقط يفتقد لحاكم يمتلك إرادة صادقة يرتقي بالفضيلة ويحد من الرذيلة، ولكنه ابتُلي بنظام يؤمن ويمارس على الواقع كل ما يعلي من شأن الرذيلة ويحد من الفضيلة في مختلف مجالات الحياة ولكل الألوان.
وها هو الحاكم يقذف لكم بفكرة هي في حقيقتها واحدة من الرذائل التي يتقنها رغم سموها وأهميتها لنا جميعاً كغاية وهدف، وتتلقفونها بحسن نية –حسب الظاهر لدينا– لتتحولون إلى كرت سياسي كغيره من الكروت الدينية التي أفصح عنها قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة فيضرب بكم عصافير عدة.
فإلى جانب أنه وضعكم في مواجهة الشعب الذي يجلكم ويقدركم، من خلال تقديمكم إعلامياً كأوصياء على حريات الناس الشخصية ومحاكم تفتيش إسلامية وتكراراً للنموذج السيئ لدى جارتنا الشقيقة، فهو يسعى للانقضاض على وحدة الإصلاح كحزب للكثيرين منكم، وهو الحزب الذي ظل وسيظل رمزاً للفضيلة وعدواً للرذيلة بشتى أصنافها وأنواعها.
الإصلاح قاد تكتل اللقاء المشترك في مسيرة النضال السلمي، بعد أن وصل إلى قناعة بأن مشكلة الوطن والشعب اليمني تتمثل في سوء نية إرادة الحاكم وممارسته الجارفة للفضيلة والممطرة للرذيلة، فكان واجباً عليه مواجهة الرذائل السياسية وهي الأخطر التي تهيئ المناخ المناسب لانتشار الرذائل الصغرى وتكاد تأتي على كل الفضائل التي يتحلى بها شعبنا كقيم إسلامية وعادات وتقاليد متوارثة.
وبمجرد أن عقدتم ملتقاكم، أسرع بالتبرؤ منكم عبر مجلس الوزراء، مؤكداً أنه سيكون إلى صف الشعب وحريات أفراده الشخصية ولن يسمح لأي جهة بالتعدي عليها، ودفعكم للتصويت ضد أي مصالحة في صعدة وضرورة الحسم عسكرياً ليعلن على الفور عن هدنة توقفت جراءها المواجهات، لتظهرون أنتم كدعاة للحرب ومؤيدين لاستمرار نزيف الدماء اليمنية مع ما يترتب على ذلك من فتنة مذهبية.
إنه يستخدمكم أيها المخدوعون ككروت، ضمن سياسة الرذائل التي يمارسها، مثلكم مثل الحوثيين استُخدموا كروتاً ضدكم وضد آخرين، وكذلك السلفيين والصوفيين والاسماعليين وغيرهم.
فالملتقى رغم أنه كان مخصصاً للعلماء الأفاضل حسب ما أعلن، لكنه بدأ يحتوي خليطاً من العلماء المخدوعين ومشايخ قبائل يمارسون الرذائل على مختلف أنواعها من نهب الأراضي العامة والخاصة والاعتداءات الجسدية وقطف الأرواح والسجون الخاصة والتمرد والتحايل على القانون والدستور المنبثق عن شريعتنا الإسلامية، ووفق أحد الخبثاء فقد كان ينقصه شيخ الجعاشن وفاشق الحديدة لتكتمل تشكيلة تنخرها أدوات الرذائل وتحمل لافتة الفضيلة.
لقد نجح الحاكم في جرجرة الجميع إلى قضايا فرعية بعيداً عن القضايا الأساسية، لكن نتمنى أن لا تعطوه فرصة تحقيق أهدافه الأخطر وتعيدوا النظر فيما تسيرون فيه، حتى لا تكونوا أدوات لمنكر الفساد والاستبداد الأكبر وتكونوا حجرة عثرة أمام معروف النضال السلمي وغاية التغيير المنشود.
reshadali@hotmail.com
صحيفة النداء - www.alnedaa.net
لبيك يا حسين

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“