كابوس وطني‏

[سهيل اليمانى]

أثار انتباهي وجود ساعة أسمها "كابوس وطني" فريدة وجهنمية في فكرتها ومعروضة للبيع بمبلغ لا يتجاوز العشرة دولارات وذلك عن طريق الموقع الإليكترونيwww.nationalnightmare.com
ساعة "الكابوس الوطني" هذه عليها صورة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن وتقوم بالعد التنازلي للمدة المتبقية على انتهاء ولايته المباركة بدءا من عشر الثانية مرورا على الثواني والدقائق والساعات وانتهاءا بالأيام. وقت كتابتي لهذا المقال كانت الساعة تشير إلى بقية 484 يوما وعدة ساعات أعان الله هذا الكون حتى ينتهي هذا الكابوس!!

الطريف في الأمر أن هذه الساعة اقتناها بعض الديمقراطيين يتقدمهم الرئيس السابق بيل كلينتون وعدد من أعضاء الكونجرس الأميركي وبعضهم من الحزب الجمهوري.

ما يهمني هنا هو السرعة في استثمار هذه الساعة في الجمهوريات الديمقراطية في عالمنا العربي خاصة أنهم يمرون بموضة الحديث عن تداول السلطة من خلال انتخابات حرة وعادلة. أضعت وللأسف وقتا ثمينا للبحث عن مستثمرين يشاركونني في هذا المشروع حيث اعتذر جميع من فاتحتهم بالموضوع وقام أحدهم بقطع الصلة معي معللا أن زوجته وأبناءه ما زالوا بحاجة إليه!!

المعضلة الرئيسة كانت في إحدى متطلبات الشركة المصنعة لهذه الساعة والتي تحتم إرسال صور رؤساء هذه الجمهوريات وتاريخ انتهاء فترة ولايتهم. لحسن الحظ أن الصور أمرها سهل ومتوفرة في كل زاوية ومجرد بحث سريع في الإنترنت باستخدام محرك البحث العبقري جوجل تجد بين يديك عشرات الآلاف من صورهم اللهم لا حسد.

كان التحدي الأكبر هو معرفة انتهاء فترة حكم هؤلاء الرؤساء والذي فشل محرك جوجل في الحصول عليها فشلا ذريعا ولو كان رجلا لقدم استقالته بسبب تقصيره في أداء عمله!!
بالرغم من هذا التحدي مضيت قدما مع طموحي الاستثماري وقمت بكتابة أسماء جميع الجمهوريات العربية وبجانب كل دولة خانة لتدوين تاريخ انتهاء فترة ولاية الرئاسة.

احترت بمن أبدأ: بالرئيس الأكبر سنا أم بالأقدمية؟ فطنت أن السؤال عن عمر الرؤساء العرب والنساء قلة ذوق وتقع ضمن المحظورات السياسية والاجتماعية لذا آثرت البدء بالرئيس الأقدم وهل هناك أقدم من المبدع والمفتي العربي الأفريقي صاحب الجماهيرية الشعبية العظمى. بعد تفكير سريع قررت عدم المجازفة في الاستثمار مع رئيس يمتلك (خفة) دم فريدة إضافة إلى شعبية جارفة و ينتظر الجميع، ترويحا للنفس، إطلالته الموسمية في إحدى القنوات الإخبارية المتخصصة ... ولا أدري أين القنوات الكوميدية من موهبة كهذه؟ حتى لا أفسد على الجميع خفة دم نادرة فقد قمت بتدوين "حتى آخر العمر" في خانة تاريخ انتهاء فترة حكمه.

انتقلت بعدها إلى بلد صغير حُكِم عليه أن يعيش وسط غابة من الأسود والنمور وعند سؤالي عن انتهاء فترة ولاية رئيسهم قالوا لي " شو بيعرفنا .. روح اسأل جارنا الكبير .. هو الذي يمدد ويقصر على مزاجه". صرفت النظر فورا عن الاستثمار في هذا الرئيس واكتفيت بتدوين "لا يزال قاصرا" في خانة تاريخ انتهاء حكمه. أما بالنسبة إلى جارهم الكبير فمن نقص الحكمة المجازفة في استثمار مع رئيس يمتلك رجولة (كاملة) وليس من (أنصاف الرجال) ولذلك قمت بكتابة " رجل والرجال قليل" في خانة انتهاء فترة حكمه.

واصلت مهمتي إلى دولة دخلت (أو أُدخلت) غرفة الإنعاش منذ عام 2003 ولا أحد يعرف من يحكمها حاليا: هل هو رئيس الدولة الشرقية أم رئيس الدولة الغربية التي جاء ذكره في مقدمة المقال. كتبت "الرئيس غير معروف" في خانة تاريخ الانتهاء ومضيت إلى بلد آخر.

تعشمت خيرا في الجمهورية ذات الكثافة السكانية الأعلى والتي يزعم إعلامها الرسمي ليلا نهارا بأن الديمقراطية ديدنها وأن تداول السلطة بين أبناء الشعب أمر لا مفر منه. عند سؤالي عن تاريخ انتهاء فترة الرئيس همس لي أحدهم قائلا "الأب أم الابن؟" عرفت حينها أن فترة حكم الرئيس الابن بدأت "نظريا وإعلاميا" أثناء فترة حكم أبيه. لم يمهلني أن أسأله سؤالا أخيرا وقال لي "اكتب عندك: يفتح الله"

بعد هذه المحاولات المضنية أجريت تعديلين طفيفين في المشروع. التعديل الأول هو استبدال ساعة "كابوس وطني" ذات النفس القصير بساعة أخرى ذات جودة عالية تستطيع أن تعمل لعدة عقود وبلا توقف ولها قدرة ونفس طويلين يوازي قدرة رؤساء الجمهوريات العربية الديمقراطية في الجلوس على كراسي الحكم. والتعديل الثاني تغيير اسم الساعة من "كابوس وطني" إلى "رخاء وطني"

من لديه الرغبة في استثمار كهذا الرجاء الاتصال بي وبدون عجلة... فساعة "الرخاء الوطني" لن تتوقف قريبا!!".

هذا المقال للكاتب / نبيل المعجل


اتمنى أن ينال المقال إعجابكم
صوماُ مقبولاُ



__.

[علي الحضرمي]

جميل ورائع

ولكن في الدول العربية لن تنفع هذه الساعات !!