خفايا انقلاب القدافى

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
سيد حسن الادريسى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 23
اشترك في: الأحد إبريل 10, 2005 6:35 pm
مكان: ليبيا

خفايا انقلاب القدافى

مشاركة بواسطة سيد حسن الادريسى »

مـن خـفايـا إنـقلاب سبتمبر 1969: المـؤامـرة والخـديعـة


هذه الوثيقة التاريخية مهداة الى المناضل الكبيرالعقيد السيد أحمد الزبير بن احمد الشريف السنوسي الذى ذاق مرارة النفيّ ‏القسري لمدة أربعة عشرعاماً ثم سجنه معمر القذافي واحدا وثلاثين عاماً، فاستحق بجدارة أن يوصف بأنه نيلسون مانديلا الليبي.


البـدايـة


في يوم خميس من شهر فبراير 1962 طلب رئيس أركان الجيش الليبي اللواء نورى الصديق بن اسماعيل من ‏مدير مكتبه إحضار رئيس شركة أوكسيدنتال السيد (أرمند هامر Armand Hammer) من مطار الابرق القريب من مدينة البيضاء ثم ‏أخذه الى قصر السلام بطبرق.

حضر السيد هامر، والذى كان مكلفاً بمهمة خاصة من إدارة الرئيس جون كنيدي، ‏بطائرة خاصة من جزيرة كريت وبرفقته سكرتير، وفي قصرالسلام كان في استقباله عند الباب الخلفي للقصر ‏السيد البوصيرى إبراهيم الشلحي ـ رحمه الله ـ ناظر الخاصة الملكية والدكتور على الساحلي ـ رحمه الله ـ ‏رئيس الديوان الملكي واقتاد البوصيرى ضيفه إلى الدور الثانى لمقابلة الملك محمد إدريس المهدى السنوسي ـ ‏رحمه الله ـ (1890 ـ 1983) ودامت المقابلة حوالى ساعتين ونصف بعدها رجع السيد هامر إلى مطار الابرق ‏واستقل طائرته وكانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة من بعد منتصف الليل. ‏

بعد عدة أيام قابل السيد على الساحلي صديقاً له عند مقهى السيد علي الطيرة بالقرب من مدينة المرج وحكى له ‏ما تم في تلك المقابلة: بدأ السيد (أرمند هامر) حديثه بأن سلم على الملك ثم بدأ يطلب منه طلبات قائلا يا مولانا ‏خلال الثلاثة أشهرالماضية أى منذ بداية تصدير البترول صار لكم رصيد لا بأس به من العملة الصعبة وسيزداد ‏مع الأيام سواء بارتفاع السعر او زيادة الضخ ولهذا فإن حكومتى تطلب من جلالتكم أن تخصموا من مستحقاتكم ‏كذا نسبة من السنتات لمساعدة الدول الفقيرة في أفريقيا ولن يؤثر ذلك على دخولكم. كان رد الملك في الأمر ‏قاطعاً مذكراً إياه بعدة نقاط نقلها له مستشار ومترجم الملك د. عوني الدجاني:

أولا: بلادنا في أول أطوار البناء ‏والإصلاح وقد بدأنا في خطة تنمية وإسكان.
ثانياً: لقد تضررت ليبيا أكثر من أى بلد آخر بسبب الإستعمار ‏الإيطالي بجانب ما لحق بها من تدمير للمنشآت بسبب معارك وقعت على أراضيها.

ثالثاً: إن هناك دولا عربية ‏ساندتنا أيام محنتنا هي أولى بالمساعدة.
رابعاً: من أفقر أفريقيا ونهب ثروتها وأخذ أبناءها عبيداً؟
خامساً: إننا لو ‏فكرنا في هذا الأمر فإنه من الضروري عرضه على البرلمان مثل الكونجرس عندكم.
وعند نزول السيد هامر ‏السلم سمعه السيد الساحلي يقول: هذا البلد لا يحتاج الى كونجرس نحن نريد شخص واحد نتفاهم معاه. وكان ‏تعليق السيد الساحلي: "أنا والله خفت من هذه الكلمة الأخيرة... إنهم قد يدبروا انقلابا لنا، الأمريكان دول مجانين!" ‏

ولا يسعنا الا أن نذكر هنا أحد المواقف النبيلة والمشرفة للملك إدريس والحكومة الليبية والتى حدثت أثناء انعقاد ‏مؤتمر القمة العربي بالقاهرة في يناير 1964 حين تبرعت ليبيا بمبلغ 55 مليون جنيه لصالح المجهود الحربي ‏سنوياً بينما تبرعت السعودية بمبلغ 40 مليون جنيه والكويت بمبلغ 15 مليون جنيه. كان الرئيس جمال عبد‏الناصر ـ رحمه الله ـ في غاية السرور، مما جعله يقترح أن يكون الضابط الليبي وعضو الوفد الليبي في مؤتمر ‏القمة العقيد الركن رمضان صلاح (خريج الكلية الحربية المصرية سنة 1953) أحد مساعدي الفريق علي علي ‏عامر ـ رحمه الله ـ القائد العام للقيادة العربية الموحدة وزميل الراحل الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض، وبقى ‏العقيد رمضان في هذا المنصب الرفيع إلى أن إستدعاه قادة إنقلاب سبتمبر ليجبروه على التقاعد.‏


التجنـيد


بعد مقابلة أرمند هامر للملك وبعد أن فشلت أمريكا في استمالة ولي العهد الأمير الحسن الرضا السنوسي ـ ‏رحمه الله ـ (1928 ـ 1992) أثناء زيارته لأمريكا في اكتوبر 1962 والتى دامت شهراً بدأت المخابرات ‏الأمريكية تبحث عن عملاء لها في الوسط المدني والعسكري. لقد كان لأمريكا ثلاثة أهداف رئيسة في منطقة ‏الشرق الأوسط:

أولها: محاصرة المد الشيوعي والقضاء عليه بعد أن قلصت بريطانيا قواتها ونفوذها في ‏المنطقة خصوصاً بعد حرب السويس سنة 1956.
والثاني: ضمان تدفق النفط.
والثالث: ضمان بقاء وتفوق الكيان ‏الصهيوني في فلسطين.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف كرست أمريكا جهدها لإقامة حكومات عميلة لها في ‏المنطقة. وبعد اكتشاف النفط في أبريل 1959 أصبحت ليبيا هدفاً للهيمنة والأطماع الأمريكية.‏ في بداية الأمر اهتمت المخابرات والسفارة الأمريكية بقيادة السفير ديفيد نيوسم (والذى كان سفيراً في الفترة من ‏أكتوبر 1965 الى يونيو 1969) بالضباط خريجي مدرسة الزاوية العسكرية (كان آمر المدرسة 1953 ـ 1954 ‏العقيد إدريس عبدالله) وبعض ضباط كتائب طرابلس وأغلبهم برتبة نقيب أو رائد، وفتحت لهم بوابة مطار ‏الملاحة (ويلس) بطرابلس بأن أنشأت بار (كريزي هورس Crazy Horse) حيث يذهب الضباط من جيش وشرطة لاحتساء ‏الخمور ومجالسة الفتيات. وكانت أكثر المشروبات تقدم مجانا للحاضرين أو بمبالغ زهيدة. وزرعوا بينهم عملاء عربا ‏أغلبهم فلسطينيون. كل هذا لأجل مراقبتهم واختيار من يصلح منهم.

ثم نفضوا أيديهم عنهم بعد ما عرفوا أن ‏أغلبهم لا يصلح للمهمة. إلا أن الأمريكان نجحوا في تجنيد بعض الضباط أثناء وجودهم في أمريكا لحضور ‏دورات تدريبية. وسقط أغلبهم في الأختبار العملي مثل نوري شعلان (اسمه الحركي) والذى كشفته المخابرات ‏الليبية والمصرية في يوليو 1966.‏

استمر الأمريكيون في محاولاتهم لإيجاد من يحقق رغباتها في ليبيا. فقد شعروا أنهم إذا لم يتحركوا بسرعة فسيؤول ‏الحكم لا محالة الى العقيد الركن عبدالعزير الشلحي. فقد تأكدوا أن العقيد الشلحي الذي يتمتع بكفاءة عسكرية ‏وحائز على ثقة الملك إدريس ـ الذى كان يكلفه بالمهام الخاصة ـ كان يعد العدة لتولى الحكم عبر إنقلاب ‏سلمي. كما أن له ميولا قومية ولربما فطنوا بإتصالاته بالقيادة المصرية. ‏


الاخـتراق


قامت أمريكا منذ نهاية الخمسينيات بإنشاء شبكة من العملاء و "الأصدقاء الموالين"!! والصنف الأخير كان يضم ‏عسكريين من جيش وشرطة ورجال أعمال وموظفين ومحامين. وسنتكلم هنا عن أخطر وأهم عميل لأمريكا في ‏ليبيا ولربما في الشرق الأوسط، ألا وهو السيد مصطفى كمال المهدوي المحامى. ‏

مصطفى المهدوي من مواليد بنغازي سنة 1932. تخرج من كلية الحقوق بالإسكندرية سنة 1959 ثم عمل بالقسم الفني ‏بالمحكمة العليا بطرابلس. جندته المخابرات الأمريكية لصلته العائلية والحميمة بالسيد مصطفى ‏بن حليم رئيس الوزراء السابق. كان ذا ثقافة واسعة، لبق الحديث. وقد كون خلال فترة وجيزة صداقات كثيرة ‏بين العسكريين والمدنيين. فمثلا كانت تعقد في بيته اجتماعات لمثقفين وشباب من طليعة النخب الفكرية والثقافية والعلمية في البلاد، تضم من الليبيين على وريث (توفي أو ‏ربما قتل في حادث سيارة في نوفمبر 1970)
والمحامي إبراهيم بشير الغويل. ومن الفلسطينيين د. أحمد صدقي ‏الدجاني ـ رحمه الله ـ ود. أنيس القاسم (المستشار القانوني للجنة البترول العليا التى كان يرأسها السيد مصطفى ‏بن حليم في منتصف الخمسينيات)، وعيسى القاسم وفريد أبووائل. ومن الأردن نواف جرادات وآخرين.‏

بالنسبه لبعض نشاطاته داخل المؤسسة العسكرية الليبية فقد تعرف المهدوي على مجموعة من الضباط من بينهم ‏النقيب عبدالحميد الجدّايمي والنقيب مصطفى نوري وضباط آخرون من ذوي الرتب الصغيرة.

واتفقوا فيما بينهم ‏على وضع مخطط تنفذه وحدات من كتيبة الدروع الأولى، ومقرها مدينة الخمس، بالتنسيق مع ضباط أمريكان ‏موجودين بمطار مصراتة لاعتقال الملك إدريس أثناء سفره براً الى طرابلس ـ وذلك في شهر فبراير 1966 ـ ‏وإجباره على التنازل عن العرش لنخبة من الضباط ثم تعلن الثورة. إلا أن هذا المشروع مات في مهده بسبب ‏سذاجته. وكما كان معلوماً مسبقاً للأمريكان وللمهدوي فقد حضر الملك إدريس إلى طرابلس براً في فبراير 1966، ‏ وكان غالباً ما يسافر بدون حراسة، وكان رفيقه الوحيد دائماً هو سائقه النقيب عبدالمولي. إلا أنه في هذه المرة ‏كان اللواء مفتاح بوشاح ـ رحمه الله ـ قائد قوات الأمن مرافقاً له في سيارة آخرى، وفي هذه الرحلة عالج ‏الملك أسنانه بمطار الملاحة. ‏

في شهر يوليو من عام 1966 توجه المهدوي مسافراً الى كل من الكويت والبحرين والأردن بأوامر من ‏المخابرات الأمريكية واستغرقت الرحلة نحو أربعين يوماً، وهناك معلومات تشير إلى أنه زار القدس الغربية. ‏

قبل حرب يونيو 1967 اتخذ جهاز أمن الدولة الذى كان يرأسه العقيد سليمان التويجيري قراراً لكشف ‏نشاط عملاء أمريكا في ليبيا والحد منه، وعلى رأسهم العميل الخطير مصطفى المهدوي، وذلك بالتنسيق مع الإستخبارات العسكرية ‏والمخابرات الإنجليزية. كان المهدوي كثير التردد على مطار الملاحة الأمريكي والذى كان يدخله بكارنيه (بطاقة) خاص ‏يحمل رقم 157 صدر له من قيادة القاعدة، وبسبب نشاطاته الواسعة قررت أجهزة الأمن الليبية إبلاغ بعض ‏الوزراء عنه، أحدهم صار رئيساً للوزراء.‏

في ربيع 1967 انتقل المهدوي للعمل في محكمة الإستئناف ببنغازى ليكون قريباً من معسكر قاريونس الذي ‏كان يسمى "معسكر أمريكا" حيث كان يعمل عميل أمريكا الأول في الجيش الليبي الملازم معمر القذافي والعديد ‏من مجموعته الإنقلابية (الضباط الوحدويون الأحرار). فقد كلف المهدوي بمتابعة ملف القذافي وكان ‏يزوره بمعسكر قاريونس باستمرار لحين قيام إنقلاب سبتمبر.‏
في معرض الحديث عن الوثائق السرية المفرج عنها من قبل الحكومة الأمريكية وردت الفقرة التالية بمجلة ‏الإنقاذ (العدد 47، سبتمبر 1998، ص 20): "ويلاحظ أنه في إطار الإستكمال الدوري لهذه التقارير فقد وردت ‏رسالة من وزير الخارجية الأمريكية المستر دين راسك مؤرخة في 18 أبريل 1968 إلى السفارة الأمريكية في ‏طرابلس تحثها على استكمال المعلومات الواردة في بعض التقارير التي سبق إرسالها. ومن الملفت للنظر أن ‏رسالة الوزير، التى تضمنت ملاحظات حول أكثر من مائة إسم، طلبت إزاء عدد محدود من هذه الأسماء ‏تزويد الوزارة بكل شيء عنها (‏need everything‏) وهذه الأسماء هي: ‏

العقيد يونس العمراني، العقيد مختار إبراهيم البنغازي، الزعيم سالم بن طالب (مدير عام أمن طرابلس)، دكتور ‏محمد البشتي، دكتور شكرى غانم (خبير نفط)، محمد أبو عياد اللافي الحاسي (رجل أعمال)، كامل حسن ‏المقهور (محام)، مصطفى المهدوي (قاضي)، المقدم محمود بن ناجي، السيد محمد انقا (رجل أعمال)، الحاج ‏محمد مصطفى الشيباني (رجل أعمال)، مقدم شرطة محمد السوداني، السيد بشير الويفاتي (خبير زراعي)، عقيد ‏شرطة يونس بالقاسم علي(مسؤول الأمن الداخلي لعدة سنوات بعد الإنقلاب)".


وبدون الدخول في التفاصيل يمكننا أن نطرح التساؤلات التالية:‏

ما هي التوجهات السياسية للأشخاص المذكورين بالقائمة؟‏

هل من قبيل الصدف أن يصبح د. شكرى غانم رئيساً للوزراء؟

‏لماذا كان الرائد عبدالسلام جلود بعد الإنقلاب يتردد بشكل خاص على مزرعة السيد محمد انقا؟ وما سبب وجود هوائي ضخم بوسط المزرعة منذ أواسط الستينات؟ ‏

هل هى الكفاءة وحدها التى جعلت من العقيد يونس بلقاسم مسئولا عن الأمن في ليبيا لحين تقاعده؟ ‏


المـؤامـرة


كان عام 1966 بداية العد التنازلي للاستقرار في ليبيا. ففي خريف ذلك العام وبعد رجوعه من دورة تدريبية ‏ببريطانيا وقع الإختيار على الملازم معمر القذافي ليكون المنفذ لمآرب أمريكا في ليبيا. وكان قد تعرض للمراقبة ‏والإختبار لمدة سنة. وعلى الفور بدأ الأمريكان في تدريبه وتوجيهه، وحمايته بطبيعة الحال، من أعين المخابرات الليبية ‏والإنجليزية والمصرية.

كان اختيار مجموعة الملازمين دون غيرهم من الرتب لأسباب وجيهة من وجهة نظر ‏الأمريكان أهمها أن الضباط الصغار عادة ما يكونون قريبين من الجنود حيث هم آمروهم المباشرون، وأغلبهم ‏يباتون في الثكنات ولا تشغلهم مسئوليات عائلية. كما أن لديهم طموحا واستعدادا للمغامرة. وكان المهدوي ‏والأمريكان على إتصال مباشر بالقذافي وبثلاثة من أفراد مجموعته الإنقلابية، والبقية لا تعلم شيئا عن هذه ‏الإتصالات والإرتبطات. ‏

لقد درس الأمريكان تاريخ القذافي ونفسيته بدقة، فعرفوا عن وجود شائعات حول نسبه، وأنه طرد من مدارس سبها لسوء أخلاقه وشذوذه وليس ـ كما يدعي ـ بسبب أعماله الوطنية. وهذا بشهادة مدرسيه. كما عرفوا أنه معجب ‏بشخصية الرئيس جمال عبدالناصر، وكان يتميز بالحذر والكتمان، ولديه طموح جارف للوصول إلى السلطة.‏
‏ ‏

وقبل نهاية 1966 تم الاتفاق ما بين القذافي والأمريكان على ما يلي:‏

جلاء القواعد الأمريكية مع تحييد بريطانيا وإقناع حكومتها بإخلاء قواعدها في ليبيا على أن ‏يتم فيما بعد الاتفاق على دفع تعويضات مناسبة للدولتين.‏

أن يخرج من ليبيا عند حدوث الإنقلاب كل من مصطفى بن حليم رئيس الوزراء السابق ويحي ‏عمر سعيد، وأن يقوم الإنقلابيون بنقلهما الى مطار الملاحة الأمريكي بطرابلس ليسافرا من هناك ‏حيث ستكون كل منافذ ليبيا براً وبحراً وجواً مغلقة.‏

البحث عن ضابطين برتبة مقدم أو رائد لينضما للمجموعة المختارة، أحدهما يقوم بالسيطرة على ‏الأمن، أي وزير داخلية. والآخر يتولى شئون الجيش، أي وزير دفاع (بحجة أن معظم أعضاء تنظيم القذافي ‏من الضباط الصغار ولن يستمكنوا في المرحلة الأولى من التفاهم مع ضباط أقدم وأعلى رتبة منهم في هاتين ‏المؤسستين. وهكذا تم استقدام فيما بعد كلا من مقدم آدم الحواز والمقدم موسى أحمد (قتل قبل أيام) ـ ليكونا ‏عضوين في التنظيم... ثم غدر بهما القذافي بعد أن تحقق له ما أراد).‏

عند ساعه الصفر يقوم الأمريكان بضمان تزويد الإنقلابيين بالسلاح والذخيرة.

‏إعطاء الإنقلابيين مطلق الحرية في تحديد سياستهم الداخلية والخارجية.‏

‏تعهد الإنقلابيين بتشكيل حكومة مدنية بعد ستة أشهر ليتفرغوا هم للجيش. ‏

وكانت أمريكا قد زرعت عملاء لها في كل مكان، واخترقت تنظيم العقيد عبدالعزيز الشلحي، وزرعت ضباطا عملاء لها في ‏مكتبه. كما قامت سنة 1966 بتعيين ضابط بسلاح الجو الأمريكي في طبرق ليتجسس ‏على الملك وعلى تحركات عمر الشلحي ـ ناظر الخاصة الملكية ـ وعلى تحركات الإنجليز حيث توجد ‏قاعدتهم الجوية في "مطار العدم".‏
‏ ‏

العوامل الأساسية التى ساعدت على الإنهيار الكامل للنظام الملكي: ‏

وجود الملك إدريس خارج ليبيا، حيث كان قد غادرها إلى اليونان للعلاج ثم إلى مدينة بورصة التركية في يونيو ‏‏1969.‏

إختراق المخابرات الأمريكية لأجهزة الأمن الليبية. فمثلا في أوائل مارس 1969 كلف المقدم نصرالدين ‏هامان ـ رحمه الله ـ نائب رئيس الإستخبارات العسكرية ومسئول إستخبارات طرابلس، الرائد أحمد أبوغولة ‏بالذهاب الى منطقة سرت لمراقبة تحركات واجتماعات القذافي مع بعض من أعضاء تنظيمة، واتضح فيما بعد ‏أن أبوغولة كان يعمل لصالح الإنقلابيين. ‏

تمكن الأمريكان من معرفة تاريخ إستلام الشلحي للسلطة من خلال ثلاثة مصادر:
الأول: في ربيع 1969 أثناء ‏‏"زردة" احتفال للقبائل في منطقة الصفصاف بالجبل الأخضر طلب الشيخ المجاهد عبدالحميد العبار ـ رحمه الله ـ ‏رئيس مجلس الشيوخ وزعيم قبيلة "العواقير"، من المقدم موسى أحمد "الحاسي" عمل أي شيء لمنع آل الشلحي ‏‏"البراعصة" من تولى مقاليد السلطة في ليبيا، قائلا: "كفاية عليهم" حسب تعبير الشيخ... وباح له بالسر الخطير وهو أن ‏العقيد الشلحي سيستلم السلطة في شهر سبتمبر من ذلك العام.

والثاني: هو الملازم الشلماني الضابط المدسوس داخل مكتب الشلحي الذى كان يتنصت على مكالمات وإتصالات الشلحي.

والثالث: هو ضابط مخابرات إنجليزي إستدرجه الأمريكان في حفلة عشاء بمدينة طبرق وعرفوا منه ‏كلمة السر. ‏

من أجل تدعيم مركزه وتولي الموالين له مراكز قيادية بالجيش قبل استلامه السلطة يوم الجمعة 5 سبتمبر ‏‏1969 وتحويل ليبيا من ملكية الى جمهورية قام العقيد عبدالعزيز الشلحي، الذى كان يشغل منصب مدير ‏التدريب ورئيس لجنة إعادة تنظيم الجيش، بتعيين صهره اللواء السيد شمس الدين السنوسى رئيسا للأركان ـ وكان ‏يعانى من شلل خفيف ـ وعين صهره الآخر العقيد عون ارحومة شقيفة مديراً للحركات (العمليات). أما وزير ‏الدفاع حامد العبيدي ـ رحمه الله ـ فكان يعانى من مشاكل خاصة، وكان صديقه وزميل دفعته العقيد ‏حسين الفرجاني يرأس الإستخبارات العسكرية.

كما قام العقيد الشلحي بتحويل العديد من الضباط الأكفاء ‏وخصوصاً خريجي كلية العراق العسكرية الى الوظائف الإدارية البعيدة عن نطاق العسكرية الفعلية. ومع ذلك ‏فقد حاول العقيد الركن السيد صالح السنوسي ـ رحمه الله ـ توحيد الصفوف بإقناع زملائه خريجي العراق بضرورة ‏التعاون وتنسيق المواقف مع العقيد الشلحي، إلا أن قائد المجموعة العقيد الركن فوزى الدغيلي ـ رحمه الله ـ ‏رفض رفضاً باتاً هذا الإقتراح وقال: "نحن لا نستجدي أحدا". وهكذا لم يجد النظام الملكي ولا العقيد الشلحي من ‏يدافع عنهم في ساعة العسرة، وانتهى المطاف بالجميع الى دخولهم السجن. ‏



وتنفيذاً لما اتفق عليه سنة 1966 وقع ما يلي:‏

عند الساعة الثالثة من صباح يوم الأثنين الأول من سبتمبر 1969، وبالقرب من أحد مداخل مدينة طرابلس ‏الجنوبية، قامت سيارة وقود عسكرية أمريكية يقودها جندى أمريكي أسود بتزويد رتل المدرعات الذي كان يقوده ‏الضابط الجريء النقيب إمحمد الحاراتي ـ رحمه الله ـ بالوقود. إننا نكاد نجزم بأن سبب مقتل النقيب الحاراتي في ‏حادث مدبر في أكتوبر 1970 كان بسبب إفشائه لهذا السر الخطير.‏

عند الساعة السابعة من صباح يوم الإنقلاب إتصل أحد المسئولين هاتفياً بالعقيد علي عقيل مدير الأمن العام ‏الذى كان يقاوم منذ الصباح الباكر مع ثلاثة من ضباط الشرطة ومجموعة من الجنود



الجنرال دانيل جيمس (1920-197
القائد الفعلي لإنقلاب سبتمبر 1969

وبعض من أفراد الجيش ‏المدعمين بمدرعة والذين كانوا يحاولون اقتحام مبنى مديرية الأمن المحاذية لقصر الخلد بطرابلس، وبعد تبادل ‏بعض الكلمات قال له العقيد عقيل: "أنت يا..... تقول لي سلم المبنى واترك سلاحك هكذا مثل ما قالوه لي ‏الأمريكان... فقد اتصل بي قائد مطار الملاحة المستر جو (هو الجنرال دانيل جيمس، تولى قيادة مطار

الملاحة من ‏أغسطس 1969 وحتى مارس 1970) يأمرني بعدم إفتعال مشاكل مع المسيطرين على البلد لأن كل شيء انتهى"...

كل هذا ومعمر القذافي كان ـ كما تؤكد عدة مصادر ـ مستلقياً على سريره في معسكر قاريونس يستمع الى ‏الأناشيد العسكرية وقد وضع رجلا على رجل، ولم يصل إلى مبنى الإذاعة ببنغازى إلا عند الساعة السادسة إلا ‏عشر دقائق"... وذلك حسب رواية إثنين من "الضباط الوحدوين الأحرار" هما ملازم عبدالفتاح يونس ورائد عبدالمنعم الهوني. ‏

عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً دخل مقدم مختار الدعوكي، المسئول المالي بمعسكر العزيزية، إلى ‏حجرة بمعسكر العزيزية مليئة بالضباط، فأدى التحية للعقيد مفتاح الباح وقال: مبروك يا أفندم، معتقداً أنه قائد ‏الإنقلاب. فرد عليه الباح مبتسماً: مبروك على إيه ياأهبل.. اجلس. وكان بحوزة المقدم الدعوكي جوازات وتذاكر ‏سفر لمجموعة من قادة الإنقلاب كان من المفروض سفرهم عند الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم، الأول ‏من سبتمبر، لحضور دورات تدريبية في بريطانيا. ‏

عند الساعة العاشرة وصلت إلى معسكر العزيزية مدرعات من نوع (صلاح الدين) و(فريت) و(سراسين) وعليها جنود ‏يتصايحون فوقف النقيب عبدالسلام جلود عضو مجلس قيادة الإنقلاب والرائد الركن لاحقاً ومعه سلاحه يحييهم ‏وصاح: "لقد فتحوا لنا مخازن الأسلحة، الآن الثورة نجحت!" وأمر رئيس العرفاء سالم سعيد ـ رحمه الله ـ ‏أمين عام مجلس الوزراء، والعقيد فيما بعد، بإحضار الشاي للضباط المحتجزين. فقد قام ضباط أمريكيون بفتح ‏مخازن السلاح والذخيرة في معسكري قرجي وبئر الأسطى ميلاد، وتسليم الأسلحة والمدرعات للإنقلابيين. هذه ‏المدرعات كانت محجوزة لهذا الغرض، ومنعت أيدى الجيش والقوة المتحركة والشرطة من الوصول اليها قبل ‏ذلك التاريخ بحجة أنه لا بد من التدريب عليها وإجراء الصيانة اللازمة. ‏

عند الساعة الحادية عشرة صباحاً قام النقيب عبدالمنعم الهوني، عضو مجلس قيادة الإنقلاب لاحقاً، والنقيب ‏عبدالمجيد هامان بتوصيل يحي عمر سعيد، الذى اصطحب معه أكثر من عشرين حقيبة، من بيته ‏بميدان القاديسية ـ الوسام الذهبي سابقاً ـ الى مطار الملاحة الأمريكي،


الجنرال جوزيف كابوتشي (1913-1992)
الصديق الحميم ليحي عمر

وذلك بأمر من معمر القذافي شخصيا وبالتنسيق مع ‏الجنرال (دانيل جيمس) وضابط المخابرات الأمريكي الجنرال (جوزيف كابوتشي). أما مصطفى بن حليم فقد أبلغته ‏المخابرات الأمريكية بضرورة حزم حقائبة قبل الأول من سبتمبر فغادر ليبيا يوم الجمعة 22 أغسطس 1969. ‏

شكل القذافي لجنة برئاسة الرائد عبدالسلام جلود وعضوية نقيب طيّار فتحى بن طاهر للتفاوض ‏مع الأمريكان والإنجليز بخصوص تعويض الدولتين عن قواعدهما العسكرية في ليبيا. وبدون تردد وافق القذافي ‏على دفع ثلاثة مليارات دولار لأمريكا و800 مليون جنيه استرليني لبريطانيا. وكانت هذه الصفقة أشبه بطوق ‏نجاة لبريطانيا التي كانت تعاني آنذاك من مشاكل اقتصادية جمة. وبحسبة بسيطة تكون الدولتان قد إسترجعتا ما دفعتاه ‏مقابل تأجيرهما للقواعد، أضعافاً مضاعفة.‏



الخـديـعة

‏"إن الشرط اللازم لبقاء أى حاكم في السلطة... واستمرار تقدمه في مجال البناء والإصلاح هو أن يظهر ‏بمظهر يستحيل القول معه أنه صنيعة لنا، وأن يتصرف بطريقة لا تظهر أي انسجام مع أذواقنا وميولنا. ‏وباختصار، فإن مساندتنا لاي زعيم للوصول الى سدة الحكم والبقاء هناك حتى يحقق لنا بعض المصالح التى ‏نريدها لا بد أن ترتطم بالحقيقة القاسية وهي أنه لا بد له من توجيه بعض الإساءات لنا حتى يتمكن من ‏المحافظة على السلطة ويضمن استمرارها. كما أن هيكل النظام السياسي الذي يتبع ذاك الحاكم لا بد أن يكون ‏طبيعياً وفطرياً وغير مصطنع، وبالتالي يجب أن يتضمن بعض العناصر التي تضمر عداء لمصالحنا".‏ (رجل المخابرات الأمريكي مايلز كوبلاند في كتابه "لعبة الأمم" The Game of Nations ـ 1969)

مغادرة السفير الأمريكي ديفيد نيوسم ليبيا نهائياً في شهر يونيو 1969 حتى يبعد الشبهة أن له أو للسفارة أي ‏دخل فيما سيحدث في سبتمبر 1969. كما أن السفير الجديد جوزيف بالمر استلم عمله أوائل اكتوبر 1969.‏

قامت أمريكا بجهد غير عادي لمساعدة الحكومة الليبية في بناء شبكة الإتصال اللاسلكي المخصصة لأجهزة ‏الأمن، وفي توحيد البث الإذاعي قبل الإنقلاب بشهور حتى يكونا جاهزين لعملائها يوم الأول من سبتمبر 1969. ‏

الإعلان صبيحة يوم الإنقلاب عن تعيين العقيد سعد الدين بوشويرب رئيساً لأركان الجيش مع أنه استقال ‏من الجيش آواخر 1967 وكان يعمل كمحرر عقود بطرابلس، وكان يوم الإنقلاب موجوداً في تونس. ولا شك ان ‏هذا الإعلان أربك الضباط الموالين للملك وللشلحي ومنعهم من اتخاد أي إجراء ضد الإنقلابيين حيث أن ‏بوشويرب كان محسوباً على الشلحي وزميل دفعته (خريج الكلية الحربية المصرية سنة 1955). كما خدع هذا الإعلان ‏أيضاً القيادة المصرية بأن العقيد الشلحي هو قائد الإنقلاب. والجدير بالذكر إن بعض الضباط الوطنيين ‏قاموا في صيف 1966 بتنبيه القيادة المصرية إلى احتمال إقدام أمريكا أو بريطانيا على تغيير النظام الملكي في ‏ليبيا لصالحهما. وعندما تطرق الحديث إلى العقيد عبدالعزيز الشلحي كان رد المسئول المصرى: "إنه متعاون ‏معنا". ‏

عدم الإعلان عن أسماء ورتب الإنقلابيين إلا بعد مرور اسبوع من الإنقلاب حيث أعلن عن ترقية الملازم ‏أول معمر القذافي الى رتبة عقيد وتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة يوم 8 سبتمبر 1969.‏

طبع مئات الصور للرئيس جمال عبدالناصر بمطابع مطار الملاحة سنة 1967 وتوزيعها على الجماهير في ‏الأيام الأولى من الإنقلاب لإيهام الليبيين والعالم أن إنقلاب سبتمبر هو إمتداد لثورة 23 يوليو. ‏

قامت المخابرات الأمريكية بطبع وتوزيع كتيبات تبين مساويء الحكم الشيوعي. وقد عثر على أعداد منها ‏ملقاة على الرصيف بالقرب من السفارة السوفيتية بمدينة الحدائق بطرابلس. ‏

قامت وسائل الإعلام الأمريكية، وبإيحاء من المخابرات الأمريكية، بإظهار القذافي "المجهول النكرة" أمام ‏الرأي العام العالمي والعربي بأنه ربح الجولة وأخرجهم من قواعدهم في ليبيا لإضفاء نوع من الهيبة والهيلمان ("البرستيج") عليه حتى ‏يسيطر ويقنع الجميع أنه وطني قومي وليس عميلاً لأمريكا وبطلاً مزيفاً. إلا أن القذافي لديه إحساس عميق بأن ‏كثيراً من أفراد الشعب الليبي والعربي يعتقدون ويرددون أنه صنيعة أمريكية. ولذلك فقد صار ديدنه الدائم تبرئة نفسه ‏من هذه التهمة. وكان آخرها يوم الأربعاء 2 مارس 2005 حينما قال: "لسنا أعداء ولا عملاء ولا حلفاء ‏لأمريكا".‏

موقف أمريكا ـ الراعية للحريات ونصير الديمقراطية الأول في العالم ـ من المعارضة الليبية وتمويلها لعدة أطراف ومشاريع نضالية "فاشلة"، كان أهمها وأخطرها برامج الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا خلال الثمانينات. وقد استغلت أمريكا الجبهةً لجمع معلومات عن المعارضة الليبية وللتعرف عن كثب عن الأوضاع داخل ليبيا والإتصال بعناصر عسكرية ومدنية مؤهلة لتقديم حكم بديل لنظام القذافي. ولكن هل تتخلى أمريكا عن عميلها ‏الممتاز؟ ‏

إنكار الإدارة الأمريكية أن لها يدا في إنقلاب سبتمبر 1969 وتنكرها للنظام الليبي بعد أن ثبت تورطه في الإرهاب العالمي وإزهاق أرواح مدنيين أمريكان، كما حصل في لوكربي وملهى لابيل الألماني، وتهديديها ـ من حين إلى آخر ـ بالتخلي عنه كلما شعرت بأنه يحيد عن خدمة المصالح والإستراتيجيات الأمريكية في المنطقة. ويبدو الآن أن العقيد ونظامه قد ارتمى بالكامل في الحضن الأمريكي وأصبح رهينة في يد امريكا تصنع به ما تشاء.

الخـلاصـة

كان إنقلاب معمر القذافي وشلته من الضباط المغمورين، أمريكياً بكل المعطيات. وما كان له أن ينجح لولا تواطؤ حكومة ويلسون العمالية في بريطانيا، وتعاون عدد من ضعاف النفوس من الليبيين والعرب. ‏فقد سرقوا ساعة الصفر عندما كانت البلاد مهيأة لتسلم العقيد الركن عبدالعزيز الشلحي السلطة يوم الجمعة 5 ‏سبتمبر 1969. وبالتالى نجحت أمريكا في إفشال مخطط الشلحي وطرد الإنجليز واستلام ليبيا.‏
ـــــــــــــــــــــــــ


قصة السيد أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي


‏الإنسان الشريف المجني عليه....

كانت الدفعة 33 (1954 ـ 1957) منذ تاريخ إنشاء الكلية العسكرية العراقية والدفعة الثانية إلى العراق بالنسبة ‏لليبيا مكونة من عشرين طالباً هم: فوزي وأخوه جلال الدغيلي، صالح وأخوه حسن السنوسي، جاد الله عبد‏الحفيظ، رمضان غريبيل، محمد الهلالي، أحمد فوزي هلال، شحات فالح، عبدالحميد الماجري، عبدالقادر ‏خليفة، أحمد السبيع، أحمد الزبير السنوسي، حليم البوري، سعد جبريل، جمعة ميلود شعبان، محرم نديم موسى، ‏طارق خيري السراج، الطاهر الناجح... وسليمان الفقيه حسن.

وقد استقال حليم البوري لصعوبة التدريب الذي لم ‏يتحمله واستمر 19 طالباً بالكلية حتى تخرجهم. ولكن أثناء التخرج رفضت ليبيا منح أحمد الزبير السنوسي رتبته ‏العسكرية وفصل من الجيش لأن الملك إدريس لم يكن وقت التخرج راضيا عن عائلته بسبب قيام الشاب الثورى والناصرى المتحمس الشريف محي الدين السنوسي (أعدم لاحقا) بقتل ابراهيم الشلحي خادم وناظر خاصته. ‏

المهم أن العراق اعترفت بتخرجه ومنحته الرتبة. ولما كان فيصل العراق متعاطفا مع الملك إدريس لم يرض ‏باستخدامه بالجيش، أي لم يرض أن يلتحق كضابط بالجيش العراقي. ومنحته الكلية بعض المال من مدخراتها ‏الخيرية، وسافر الى سوريا سنة 1957 بعد ما أتم التدريب في صنف المخابرة (الإشارة) واكتسب خبرة تمكنه من العمل. وكانت سوريا برئاسة شكري القوتلي في أوائل 1958 على وشك الإنفتاح على مصر فتبنت قضايا عربية كثيرة. وعلمت سوريا بأن أحمد الزبير السنوسي أمير من العائلة السنوسية وحفيد ‏المجاهد أحمد الشريف السنوسي، وأنه مطارد لا يجد عملا فأوجدت قيادة الجيش له عملا بصفة مدنية كفني أجهزة ‏لاسلكية، وألحق بالخدمة في فرع بالجيش قرب ضاحية المزة. ووجد أحمد الزبير حجرة على سطح أحد المساكن فسكن ‏فيها واستمر يعيش حياته في تلك الحجرة وفي عمله كفني مخابرة بمرتب قدره 150 ليرة في الشهر. وكان يعيش على ‏الكفاف.

وأثناء عودة طلبة الكلية الليبيين من الإجازة كان البعض يسافر عبر لبنان وسوريا بالباخرة متوجهين ‏إلى بغداد، وكان بعض الضباط والطلبة الموسرين يزورونه ويتركون له بعض المال دون أن يشعر بهم، كمساعدة ‏له.‏

استمر أحمد الزبير في معيشته حتى قامت ثورة العراق في 14 يوليو 1958. وكان آمر سريته عبداللطيف ‏الدراجي قد صار وزيراً للداخلية في حكومة عبدالسلام عارف بعد مقتل عبدالكريم قاسم سنة 1963، فاستدعاه ‏بعد ما أرسل أحمد الزبير رسالة له يخبره بأنه يريد العودة للعراق والإنضمام للجيش. وهكذا رجع إلى بغداد ومنح ‏رتبة نقيب كزملائه في ذلك الوقت، ومنحوه شقة للسكن واحتضنوه وشعر بالأمان، وصار يترقى ويعمل في مجاله ‏في سلاح المخابرة حتى وصل إلى رتبة عقيد.‏

وشعوراً برضاه على ثورة ليبيا كما أشيع عنها، ولظنه أنها تتبى اتجاها وحدويا قوميا، إتصل أحمد الزبير بأصدقائه ‏القدامى في الجيش الليبي فعلم أنهم قد طردوا من الخدمة، وأن الجيش مركب من ملازمين فقط. عندها شعر باليأس ‏والإحباط، ولكن حدث في أوائل 1970 أن حضر أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة إلى العراق في مهمة فقابله ‏وشجعه على الرجوع ووعده بأنه سيعمل خبيرا مدنيا في الجيش.

وهكذا رجع أحمد الزبير السنوسي وترك ما كان فيه، وكان في بغداد محل ‏اهتمام وعناية، ولكن هكذا هي المقادير، وهكذا كان حظه السيء. فق رجع إلى ليبيا ولم يجد شيئاً مما وعدوه به، بل لم تمض ‏أسابيع قليلة من رجوعه إلى وطنه حتى أتهم بالمشاركة في محاولة إنقلابية، عرفت بمحاولة "سبها".

مكث أحمد الزبير في السجن منذ مايو 1970 ولم يفرج عنه إلا في 27 أغسطس 2001. أي أنه بقي فيه واحدا وثلاثين عاماً ‏صابراً. وأصبح بذلك أقدم سجين في العالم ـ حسب تقديرات منظمة العفو الدولية أمنستي ـ وهي مدة أطول من تلك التي قضاها نلسون مانديلا في سجون التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. وهكذا كان أحمد الزبير السنوسي، ذلك الفتى الورع الطيب الكريم، ضحية لضغينة الحكام في العهد الملكي... وضحية للعساكر في جماهيرية القذافي الهمجية. ‏

كتبه :

* مفـتاح فـرج: أحد المطلعين على خفايا إنقلاب سبتمبر 1969، وشاهد عيان على الأحداث والتطورات التي مهدت له

مايو 2005 ‏‎ ـ ‎ربيع الآخر 1426‏
ـــــــــــــــ
المراجع:

Counter Spy 1982-01 p36‎


Livingstone, N.: The Cult of Counterterrorism, 1990 pp 377 - 8 ‎


Epstein, E. Dossier: The Secret History of Armand Hammer. 1996 pp 215 - 247‎


McCartney, L.: Friends in High Places. 1988 pp 145 - 7, 150‎
اللهم صل على سيدنا محمد وال بيته الطيبين الطاهرين

سيد حسن الادريسى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 23
اشترك في: الأحد إبريل 10, 2005 6:35 pm
مكان: ليبيا

مشاركة بواسطة سيد حسن الادريسى »

صورة

الجنرال دانيل جيمس (1920-197
القائد الفعلي لإنقلاب سبتمبر 1969
اللهم صل على سيدنا محمد وال بيته الطيبين الطاهرين

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“