الأسلام السياسي

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
تيسير الفارس
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 7
اشترك في: الخميس سبتمبر 30, 2010 11:36 am

الأسلام السياسي

مشاركة بواسطة تيسير الفارس »

لقد أدهش الاسلام المعاصر كل المراقبين يسبب هيجان لغته السياسية والعنف المخزون في الخطاب الذي يستخدمه ، ذلك أن تحليل جدلية هذا الخطاب بل واسسه التي ينطلق منها يكشف عن مدى الغليان الذي يستبطنه .. وياله من تناقض كبير : فالإسلام هو الدين الذي ألح أكثر من غيره وبشكل هائل على التعالي ووحدانية الله وأعطى الأولوية بذلك للعلاقة الكائنة بين الإنسان والمطلق الذي هو الله ، ومع ذلك فإنه لم ينفك ينصاع الى إنحرافات الخطاب السياسي النضالي والصدامي أو بعبارة أخرى أن الخطاب السياسي يهيمن ويطغى على الصورة البريئة للإسلام الذي لم يكن معبأ بهذا التجيش .
هل يمكننا هنا وفي هذه العجالة أن نحدد لهذا الخطاب السياسي النضالي أسسا أخلاقية مثلا، وعلاقة ما بالفلسفة السياسية التي يمكن أن تفرز قيمه وترسخها وتجذرها هذا إذا احتوى بالأصل على نظام قيمي خاص به ؟ بمعنى آخر هل هناك من مجال فيه لفكرأخلاقي اوفكر سياسي قادرين على تأطير أعماله النضالية والشعارات الكبرى للحركات الثورية التي راح يغذيها ويخلع المشروعية عليها ونقصد هنا المشروعية بكل محمولتها السياسية ؟ وهل يمكننا أن نجد في المجتمعات الاسلامية الحالية مثقفين يحاولون جاهدين تشكيل فكر نقدي بناء، لكي يرافق النقاشات المتكررة حول مشاكل حاسمة ، كمشكلة السلطة والمشروعية وتطبيق الشريعة في صورتها الموروثة ومشكلة الأخلاق المنظمة للحياة ومشكلة العدالة الاجتماعية ... بحيث يمكن فضح زيف تلك المشروعية النضالية .. الخ ؟
أيا تكن درجة النضج الأخلاقي والسياسي في الاسلام المعاصر أو عدم نضجها ، فإنه ينبغي علينا إيضاح العلاقة الكائنة بين الاخلاقية الممارسة فعليا قي الحياة اليومية وبين مراقبة الضبط الشديدة في كل مكان، هذه المراقبة التي تمارسها الدولة ذلك الجهاز الذي يحتكر كافة السلطات بين يديه في الدول الاسلامية .. لكن ليس هذا كل شيء فبعض الباحثين يرى أنه لكي ينجز هذا العمل المعقد فإنه ينبغي أن توضح شروط المعرفة النظرية ضمن منظور نقدي، أي إخضاع جل التصورات الذهنية لهذا التفحص الصارم . ومن المعروف أن العلم الحديث لا يزال يتخبط في بيان هذه الشروط ، هذا عداك عن تحليلها وفهمها .. ولكي نقيس حجم المهمة هنا ومدى ضخامتها فأنه ينبغي أن أحيل القارئ الى التحليلات النقدية للفلسوف الألماني هابرماس في عمله الجليل الضخم ( الخطاب الفلسفي للحداثة) الذي ترجم للعربية في ترجمتين متناقضتين تماما أحداهما جيدة نوعا ما، وقد انجزت في بداية تسعينات القرن المنصرم أم الأخرى وهي الأسوأ فتمت في مطلع هذا القرن.
ربما تدهشكم هذه اللفته... قبل أن نتفحص الفكر الاخلاقي والسياسي في الاسلام المعاصرـ فمن المعروف أن المستشرقين الحاليين أو المعاصرين لا يهتمون بمثل هذه المقدمات إطلاقا التي يعتبرونها عديمة الجدوى عندما يتصدون الى دراسة الاسلام .. والسبب أنهم يهتمون فقط بالتجليات الضاهرية للإسلام بشكل سردي ووصفي .. أما الدارسون الاسلاميون فهم كذلك لا يعنون بدراسة الشروط النظرية لصلاحية أو عدم صلاحية ممارسة العقل اليوم، ذلك أن مثل هذا الميل يوقعهم في إشكاليات لا يستطيعون الخوض بها او مجارات المستشرقين، ثم لأنهم يرون أو بعضهم يرى، أن مثل هذه الدراسة ستؤدي الى تشويه وتجاهل الجهاز المفهومي والعقل النظري الخاص بالإسلام .
سوف لن أشغل هنا بدحض الموقفين الاستشراقي والإسلامي ذلك أن ما سأقوله سوف يتقاطع مع كلا المسارين .
لقد إعتاد الناس الى القول بأن السياسة في الاسلام غير مفصولة عن الدين أو عن العامل الديني فهما مرتبطان مفصليا وبنيويا منذ الأصل لأن النبي كان قد أسس في المدينة أجهزة الدولة المركزية ومبادئها . تلك الدولة التي تجاوزت النزعة القبلية في الوقت الذي نقل ، باسم الله التعاليم الدينية التي تتيح للعامل السياسي أن يتجسد في سلوك البشر وينفتح على مطلق الله .
إن سرد الوقائع بهذا الشكل صحيح من الناحية التاريخة فمن الثابت أن النبي محمد قد أسس في المدينة دولة إسلامية ثم راحت تتشكل بعد موته دولة الخلافة تدريجا في المدينة أولا من 632 ـ 661 ـ ثم في دمشق من 662 ـ 750 ثم في بغداد من 750 ـ 1258 ، وقد رافقن عملية التشكيل هذه مناقشات نظرية خصبة وغنية عن ماهية الزعيم الشرعي والشروط الكفيلة بتطبيق نموذج المدينة كما ينبغي ( اي بالسير على هدى النبي سيرا حسنا ) ، في الواقع أن نموذج المدينة الأكبر ما هو إلا من إختراع المتخيل الجماعي لأجيال متتالية من المؤمنين الذي صاغوا تلك الصورة النموذجية بل المثالية للسلطة العادلة والمقدسة ..
وقد روى المؤرخون مرات عديدة قصة ذلك الإنشقاق أو الخلاف النظري بين الإتجاهات الثلاثة الكبرى : السنة والشيعة والخوارج . وهي المناقشات الحامية التي شغلت القرنين الأولين للهجرة . وقد تركزت هذه المناقشات على الخصائص الشخصية التي ينبغي أن يتمتع بها الخليفة أو الإمام ، سوف لن ألح هنا مرة أخرى على نوعية الخلافات المعروفة بين الإتجاهات الثلاثة ، فالشيء الأهم هو ما يتجاوزها أو يقبع وراءها ، أقصد بذلك العملية النفسية الثقافية المشتركة التي أدت في صيرورتها الى تشكيل المتخيل السياسي الاسلامي الخاصة بالزعيم السيد التي اغتنت تدريجيا بواسطة الأفكار الوافدة عن طريق الأدبيات الفارسية التي تتحدث عن الملك الساساني ، ثم بواسطة الأدبيات الإغريقية التي تتحدث عن الملك الفيلسوف ، ثم بواسطة الأدبيات البيزنطينية التي تنظر الى الإمبراطور كحضور مقدس ، وقد تم تحوير كل ذلك وتعديله لكي يتماشى مع المنظور الإسلامي للهيبة النبوية .
وهذه الصورة الرمزية والمثالية المتشكلة على هذا النحو قد انتشرت في كل الأوساط وهيمنت على وعي المنظرين من كل الإتجاهات الاسلامية المذكورة ، وقد حظيت بمعالجات متنوعه لدى فقهاء متكلمين كبار أو لدى فلاسفة من أمثال الفاربي والكندي وابن مسكويه ، ولدى مؤرخين وعلماء إجتماع من أمثال ابن خلدون وابن خلكان ، وأيا تكن درجة الإختلافات بين مواقف هؤلاء المنظرين فإنهم ينتمون جميعا الى عقلانية واحدة .
إن ما قلته سابقا يشكل معطى نفسيا أجتماعيا ثقافيا هو من الأهمية بمكان . ولا يمكن بدونه أن نفهم الرؤيا الحالية المنتشرة في البلدان الاسلامية ، اي العمل السياسي وآلية إشتغال مؤسسة الدولة .
ذلك أن كل خطاب إسلامي معاصر يستعيد تجربة المدينة . يستعيد هذا النموذج المدني باعتباره مرجعية كونية لا يمكن تجاوزها .. وهو يستخدمها لنقد المشروعية التي تقوم عليها الأنظمة في البلدان الاسلامية .. ومن المعروف أن القرآن كان قد ركز على الصورة الرمزية القوية جدا والخاصة بذلك التناقض الثنائي المطلق بين صورة النبي المتجسدة نموذجيا ومثاليا في شخص الامام ( بالمعنى الشيعي للكلمة ) وبين صورة الطاغية أو الفرعون الذي يجسد الصورة الأسطورية للشر والظلم والبغي
ليس غريبا والحالة هذه لأن تنبثق أمامنا تلك المسألة الضخمة للحداثة فهي لا تزال تنتظر من يطرحها طرحا موضوعيا قابلا للتحقق في مجتمع مسكون بهم الحنين الماضوي ولا يعرف غير هذه النزعة لتأكيد ذاته . أقصد هنا الحداثة الاجتماعية والثقافية والفكرية . فكل ما تعلق بها حسبما تجسدت من خلال المسار التاريخي للغرب منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم يشكل المساحة المهملو من التفكير بالنسبة للفكر الإسلامي بل ويشكل أحيان كثيرة مساحة لا يستطيع أن يفكر بها هذا العقل ، ونلاحظ الن التفكير الاسلامي هنا في صياغات ردت الفعل أن هذه الحداثة هي منتج عربي خالص لا يمكن أن تنطبق ظروفها التاريخية وشروطها العقلية على المجتمع الاسلامي .
لا أريد الدخول في التنظير الذي يقفز فوق هذه المحاجّة السطحية تماما ولست أرى في الحركة الصاعدة هنا وهناك من بعض المثقفين ما يشكل نقلة حقيقة في هذا الأتجاه فهي وإن كانت حالت تعبير لمنها تظل في هذا المستوى لا تتعداه وتخلق شروطه الموضوعية . إن الحداثة بالفعل هي تجربة تاريخية مرتبطه بالغرب ولكن لا يمكن للفكر الإسلامي أن يتجاهل رهاناتها الفلسفية .. إلا اذا أراد أن يحرم نفسه من أي تواصل مع الفكر الكوني فعلى الأقل مع الفكر القابل لأن يكون كونيا .. كان هابرماس قد درس التيارات الكبرى للفكر المعاصر وميز بشكل واضح بين الجوانبالعرضية أو المحلية أو الأيديولوجية أو الأسطورية للحداثة وبين ما لا يزال مستمرا في فرض نفسه على كل فكر حي بصفته التحدي الذي يمارسه العقل أبديا على ذاته ..سوف أستشهد بمقطع يتيح لنا أن نتجاوز في آن كلا من الكونية المزيفة للعقلامية الموضوعية للغرب ثم نزعة التعالي والتقديس الأسطوري للإسلام ،
يقول هابرماس
( يمكننا أن نجد في فكرة الميثاق المعقود بين يهوه وشعب اسرائيل جرثومة ديالكتيك الخيانة والقوة الجبارة المنتقة تقول هذه الفكرة : إن التقيد بالميثاق المعقود مع الله هو رمز الإخلاص . أما الإخلال بهذا الميثاق فهو رمز الخيانة ، ان الإخلاص لله يعني أن تبقى مخلصا عبر ذاتك وعبرالآخرين وفي كل مجالات الوجود للكائن المحي والمميت نفسه ، وأما جحوده في أي مجال كان فيعني كسر الميثاق المعقود مع الله وخيانة مرتكزة الخاص بالذات ... .. ولهذا السبب فإن خيانة الآخرين تعني خيانة الذات نفسها . وبالتالي فإن الاحتجاج على الخيانة لايعني الأحتجاج من أجلك فقط وإنما من أجل الآخرين جميعهم ، وفكرة أن كل كائن هو عبارة عن حليف محتمل في النضال ضد الخيانة بما فيها الخيانة ضدي وضد غيرها ، هي الموازن الوحيد ضد الإستسلام الرواقي المتمثل بكلام بارميندينس عندما راح يفصل بين العارفين والجمهور الجاهل . ومفهوم التنوير المألوف جدا بالنسبة لنا غير ممكن وغير معقول بدون الميثاق المعقود ضد الخيانة أقصد الميثاق القابل لأن يكون كونيا ) .
إن هذا المقطع . مهم بالنسبة الى هذا الموضوع . لأنه يخلع مكانة فلسفية وعلى فكرة مركزية وأساسية مشتركة لدى مختلف أنواع الوحي كما فهمت خلال كل التاريخ العقائدي لأهل الكتاب .. ففكرة تشكيل الامة على أساس التحالف مع الله . اي الله الحي الذي يتدخل في التاريخ . أقول إن هذه الفكرة استعيدت في القرآن بكل قوة تحت إسم الميثاق لكن نقل الأفكار من الساحة الدينية الى الساحة الفلسفية ليس محصورا بنا . فسابقا كان ابن رشد بالنسبة الى الإسلام وابن ميمون بالنسبة لليهود وتوما الإكويني بالنسبة الى الكاثوليكية قد حققوا هذه العملية الى أوسع مدى ممكن . أما الشيء الجديد هنا فهو نوعية العقل الذي يشتغل ونوعية الزمن الذي يتحرك فيه هذا العقل ..
بقيت ملاحظةاخرى هنا ان الحداثة هي عبارة عن استراتيجية شمولية يحكمها العقل من أجل السيطرة على كل مجالات الوجود المعرفية وكذلك الممارسة عن طريق إخضاعها لمعايير الصلاحية أو عدم الصلاحية .. ومن المعلوم أن هذه المعايير تتزايد صرامتها ومرونتها أكثر فأكثر من أجل فهم الواقع بشكل أكثر مطابقة ، وبالتالي فلا يمكن أن ناخذ جزءا من الحداثة ونترك الباقي ، لا يمكننا ان نقتطع منها موقفا خاصا أو موضوعا واحدا أو نعطي الأولوية لبعض التساؤلات التي دشنتها الحداثة ونترك الباقي . .. فمثلا لا يجد الفكر الاسلامي المدعوم من قبل القرآن أي حرج في إعتماد تأويل الميثاق كما أقترح في المقطع السابق : أي ضمن منظور الإجماع الفلسفي الذي يصبح لاحقا القاعدة التي ترتكز عليها مبادئ الأخلاق والسياسة ، لكن عندما يريد العقل الذي اقترح هذا التأويل أن يطبق مبادئه في النقد الأبستميولوجي على التفسير القرآني أو على المنشأ الايديولوجي للقانون الديني اي الشريعة ، أو على أسطرة القيم الدينية فأن الدوغما الاسلامية المتسلحة باستراتيجية الرفض تمنع اي انفتاح على الفكر الذي دشنته الحداثة .


علم الأخلاق
سنتبع الطريقة السابقة في التحليل ونميز بين المنظور النظري لعلم الأخلاق هذا العلم الذي يتأمل في أسس الفعل الأخلاقي وبين الأخلاقيات العملية التي تتحكم بأنواع السلوك الفردية والجماعية .
نصطدم هنا بالتناقض نفسه الذي لاحظناه بخصوص العامل السياسي .. من المعروف أن المرحلة الكلاسيكية من تاريخ الاسلام تتطابق زمانبا مع مرحلة العصور الوسطى في الغرب وبقدر ما كانت هذه الفترة ملئية بالتساؤلات والدرسات والمؤلفات الهامة ، بقدر ما تبدو لنا الفترة الحالية خالية من اي اهتمام بالمسائل الأخلاقية ، ربما بدا هذا الكلام فيه جانبا من التناقض أو غير مفهوم في وقت يتحدث فيه عن عودة ( العامل الديني ) أو إنبعاث الاسلام أو يقظة الاسلام .. لكن السبب هنا هو أن البحث اللاهوتي والتفكير الأخلاقي قد اختفيا عمليا من الساحة الفكرية الاسلامية منذ أن كان التعليم المدرسي والتفكير الأرتدادي أو ما يعرف بالصحيح قد انتصرا وحلا محل المناظرات الخصبة الغنية المفعمة بروح البحث والدراسة في الفترة الكلاسيكية ، ولحسن الحظ أننا نمتلك فيما يخص الأخلاق معلما فذا في القرن الرابع الهجري وهو الفيلسوف ابن مسكوية صاحب كتاب تهذيب الأخلاق ، الذي رفع الأخلاق أو البخث فيها الى مرتبة العلم الكامل ثم جعله فرعا من فروع الفلسفة الاسلامية فارضا بذلك اختصاصا فكريا موازيا لذلك الأختصاص الذي فرضه أرسطو عندما ألف كتابه رسالة في الأخلاق ، والواقع أن كتاب التهذيب يستعيد جوهر نظرية المعلم الأول تماما ..
وقد استعيدت المواضيع الكبرى لكتاب التهذيب من قبل الغزالي في كتابه ميزان العمل .. والواقع أنه لم تجر محاولة أخرى في الفضاء العربي حتى يوم الناس هذا بعد مسكويه ولعل لذلك أسبابا قد نعود الى بيانها فليس هذا ما يشغلنا هنا ، صحيح أن تعليم الأخلاق على هيئة جداول لتصنيف القيم من فضائل ورذائل لا يزال مستمرا في مختلف المدارس اليوم ولكن لم يعد هناك أي تساؤل فلسفي أولاهوتي عن الأسس النظرية للقيم الممارسة عمليا أي في الحياة الجارية ، كان التفكير النظري حول الأخلاق 82ص

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“