حوار مع الكاتب والباحث تيسير الفارس القسم الأول

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
تيسير الفارس
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 7
اشترك في: الخميس سبتمبر 30, 2010 11:36 am

حوار مع الكاتب والباحث تيسير الفارس القسم الأول

مشاركة بواسطة تيسير الفارس »

حسين شّبر

هو سيل من الكلمات تنحدر من ذروة قصية وفي انحدارها تنثر في مجرى نهر الحياة حتى يعتكر تماما ، هو تيار جامح مهيب من المد والجزر ،من التلاشي والإنبعاث، من السكون والحركة، هو حالة إحتجاج دائمة، لا يرضي ولا يعنيه أن يرضى، هو عقل و فعل عقل، هو عرض وجوهر، ونطاق ضيق من المعنى واللامعنى .وهو إحتمال كائن وهب عقلا يستخدمه. هو هذا وذاك.. رهين وحر..
تبدو كلماته فعل من أفعال الخلق.. يحريك العقل فيما هو يعبر عن القوى التي تحرك العقل .. ويسمو بالخيال الى السماء في اللحظة التي يشد بها وثاقه الى الأرض .. هو سفر دائم الى الأطراف القصوى من الحياة والأفكار .. لأنه يعتبر أن الحياة لا يمكن أن تبلغ مداها في التعبير إلا اذا عاشت على الأطراف البعيدة الحادة ولذلك بدت كل مفاهيمه مغايرة لأنه يعيد تركيبها على نحو مغاير وهذا سره الدفين ..
تتقاطع في ذاته اصداء رسالات من الفلاسفة العظماء الذين يعتبرهم أنبياء الحقيقة ورسل المعرفة الحقة. شكل نقطة إرتكاز أعلنت أنه حدث ومجيء . حدث لأنه صوت هذا البدوي الآتي من وادي ناعور وهي قرية من القرى المحيطة بعمان الأردن.. صوت فريد نعم .. ومجئ لأن في صوته ذاك كان رؤية نبوية لكنه لا يحمل رسالة ... في هذا الحوار الطويل سندخل الى عقل هو مجرد سؤال كبير نفض خاتمة دون أن نقترح إيجابات له .. فاعظمة السؤال هو أن يظل كذلك سؤالا ..وهو حوار جزأناه الى خمسة أقسام سننشرها تباعا في الموقع ..
مع ملاحظة جد مهمة أننا لم نختر موضوعا محددا للحوار عن قصد وتركنا الأسئلة تنساب هكذا فالرجل يبحر في كل موضوع مما يدهش المتلقي .. وهذا أمتع ما في الحوار

سؤال : ما الذي تريد أن تقوله ؟
لا أريد أن أقول للآخرين شيئا محددا إنما أريد أن أرمي نفسي خارج نفسي . فأنا عندما أكتب أرى أنني أعتدي على الآخرين. اتسلل الى تلك المناطق المحرمة .ثم أتحول أنني أتحول الى واعظ أو معلم وهذا مالا أرتضيه لنفسي .. لكن عليّ أن أكتب . لماذا .. لأن ثمة شيء لدي يقال وليس للأخرين أن يسمعوه

سؤال : ما الذي تريد أن تقوله ؟

أريد أن استريح أن أمارس صمتي الكوني ولو قليلا .. ولأنني لا أطيق أن اصمت فالقول مطلوب لذاته لن أقول المعنى بل ما يحف بالمعنى من ضلال .. تلك الضلال الكابية التي تترامى في فضاء كل قول، وكل معنى، وكل فعل يحيل الى معنى، أو كل معنى يحيل الى فعل ..
ما الذي يدفعني للخروج وقتراح مغامرة أنني أكتب؟ هو هذا الصمت المدوي انني اخرج لأمارس فعل الكلام .

سؤال : هل نفهم أن في نزعتك هذه جمالية فنية ؟

* ـ يهمني اسلوب التعبير كما يهمني التعبير.. عندما أكتب أعري نفسي أمام الآخرين أنثر عقلي لهم على طبق أفضح كل اشيائي، وهكذا أريد لنفسي أن تكون فضيحة للعقل وللتاريخ وللأساطير وللخرافة ..

سؤال : ما الذي يشغلك ؟
* ـ أنا رجل احتجاج وأعبر أحيانا عما يضايقني وينكره منطقي في كل شيء، في السماء، في الشمس، في السحابة الممطرة، في الليل، في الزهرة، في المعنى، في ظل المعنى، في الدين، في الإسطورة، في النهر، في الجدول، في الإنسان الذي يهتف للغباء، كما يهتف للطغاة وفي الطغاة أنفسهم .. أحتج أحيانا على السحابة التي تسقط مطرا على بلد لا يحتاج إليه، وترفض أن تزور بلدا يحتاج إليه .. ,اعظم احتجاجي على طاغية يسحق بلدا أحبه، وأما السحابة فليس لها عذر في أن توزع نفسها توزيعا سخيفا .. تشعلني الحياة إذن بتفاصيلها وأكره ضلمها وقسوتها وبطشها وحرمانها وعبثها وجنونها

سؤال : أنت تحتج فماذا تقدم غير إحتجاج هو اقرب للرفض ؟
* ـ أقدم روحا تسكنني روح تتمرد على ما هو سائد ، ولا تقبل ما فرض عليها وما زال يفرض .. روحا توحدت مع الكون واخترقت مسلمات الكون . روحا متساءلة روحا لا ترضى.. ولن ترضى أن تعيش في الوهم والغباء ، روحا تعالت على كل ما هو سائد ولذا بدت غريبة .. غربة دمرتها .. فأنا تسكنني روحا مدمرة وهذه هي مشكلتي .. لكن في دمارها هذا سر روعتها ..
اقدم روحا استطاعت أن تتأمل العالم بهدوء وعمق فكشفت عما يتضمنه من سر دفين فهبت تذيعه على الناس في صورة من صور الجلال ما أقصاها على عقول الحالمين وما أهداها الى النفوس التي برّح بها اليأس.. أقدم روحا جعلت من الحياة سؤالا كبيرا وسيظل السؤال بعنفوانه قائما لأنه سؤال الوجود الأكبر.... وسيظل سؤالا قائما بغير ما إجابة إلا على من لاذ بالصمت كما يلوذ اللحن الحزين في وتر الوجود المشدود بين لانهايتين ساعة إذ تنطق هذه الروح . اقدم روحا صارت مسرحا لأزدواج متوترعنيف فيه خشونة قاسية وترف هائم في أوداء القداسة..
اقدم روحا سكنتها طبيعتان متعارضتان: إحداهما تتلمّس غذاءها من قوت الحواس، والأخرى تستشرف قوت القلوب. ولن تستطيع إحداهما القضاء على الأخرى بل سيظل التعارض قوياً عنيفاً، وفي عنفه يقوم ذلك التوتر الحي الخصب الذي يجعل في تأملها إجابة عن السؤال الوجودي الكبير ،ولذا تراني افلسف حياتي على أنها ذات وجودية باطنها زاخر بممكنات التفتح على المجهول... وظاهرها غارق في النظرة المتصاعدة دوما الى حيث اللانهايه التي تشيع فيها الزهادة والقداسة التي سكبها في قلبي نوفالس ذات مرة .. فكان ذا هو الشعور الوحيد الذي سرى في كياني كله :
الشعور بالألم .. ألم الوجود ثم ألم السؤال .. ثم ألم الفكر .... ثم بعد ذلك دهشة الوجود والسؤال والفكر . حتى بدت الحياة اثر ذاك صورة من صور الدهشة المستمرة .
ولك أن تقول أنه مورد عذب لهذا للروح الهائمة عند مشارف الفجر تعلن إنقشاع غيوم الليل و ميلاد النهارالأكبر كما الذي يحمل في قلبه نور الحقيقة .

سؤال : أليس هذا جواب شعري ؟
*ـ أنا في الحقيقة لست شاعرا بالمعنى المعروف للشاعر، أنا رجل أتعامل مع الفكر وأحتاج كثيرا أن ألبس هذا الفكر ثوبا جميلا، وأن أوشيه بالخيال، و أحمله على جناحي ملاك أو شيطان ، اسكب في أوصاله روحي، أمزجها بشيء من نبيذ الكون في لحظة صفاء .. فيكون للكلمة فعل السحر. لذلك أستعير أحيانا هذه الشاعرية الخالصة للغة.. أراقصها بلحن المجازات والأستعارات والتشابيه الغريبة والعتيقة عن قصد، ليبلغ تأثيرها أعماقا في النفس غائرة .

سؤال : ما الذي يعنيك بالتاريخ، ومن التاريخ ؟ أراك كثيرا ما ترتد الى هذا المورد لتنهل منه أفكارك وتصوراتك بل ربما بنيت هناك بعضا من حقائق أنت تراها كذاك ؟
ـ تشتبك ثلاثة محاور لدي، الأنا المفكرة، والأنا كوجود في مقابل الأنا الموضوعي للوجود المتخارج، والأنا كذاكرة أي كتاريخ ، ومن هنا لا بد أن أرتد الى التاريخ، لا لأنه يقول الحقيقة، أو بذلك القدر الذي يزيّفها .. لا ولكن لأنه كينونة حاضرة في الزمان في دائرتي اللغة والحدث أو الفعل، ومن هنا تراني
أعنى بالماضي للخروج منه وعليه، وبالحاضر للإحتجاج علية، وأعنى بالمستقبل لأنه يخلصني من الماضي ولو للحظة ، إذن التاريخ هنا يشكل حضورا دائما لدي بهذا المعنى وهو حضور صادم للوعي .. ولو وجدت ما يخلصني من التاريخ لكان ذلك أفضل .. فالأنسان كائن تاريخي لا ريب .. وأنا بالطبع أنظر للتاريخ على أنه امتداد في الزمن من جهة ثم على أنه قفزات في الفكر من جهة أخرى .. ذلك أن الفكر لا يمتد في الزمن امتدادا طبيعيا وإنما هو جملة من الدوائر التي تلتصق ببعضها، لكنها لا تتحد أو تمتد، وهذا لا علاقة له بالتفسير الماركسي للتاريخ فتلك مسألة أخرى . وقد أفردت بحثا عميقا لهذه المسألة في كتابي ... القبيلة السياسية جدلية الصراع وتوازن المصالح الذي صدر في عمان عام 2002 عن دار الحقيقة الدولية ، وهو كتاب للأسف الشديد لم يلق رواجا إلا في دوائر ضيقة محدودة، وذلك لأسباب كثيرة منها لغة الكتاب الصعبة جدا.. وهو الأمر الذي جعلني أعدل عن هذا الأسلوب في كتبي اللاحقة .

سؤال : هل تقصد بالماضي الماضي كله ؟
*ـ لا اعني به الإنسان.أعني الصيغ التي شكلت الإنسان، الذي بدوره شكل الماضي ومن الماضي راح يشكل الحاضر ومن الحاضر شكل المستقبل .. الصيغة أعني بها الآن للذات الصانعة للحدث أي تلك اللحظة التي تصنع بها الذات الحدث أو الفعل . وفي الزمان لا توجد هذه الآن التي لايمكن القبض عليها فكل فعل في الزمان هو فعل يمضي بأستمرار ويرتد الى الوراء حتى يصبح ماضيا .. فأنا هكذا تراني أنشغل بتلك الصيغة الإنسانية التي شكلت الحدث المستمر في الإرتداد دائما نحو الوراء .. ومنها يختفي الحاضر أو الآن ليختفي معه الفعل كما يختفي معه صانع الفعل .. ولا يبقى سوى الأثر .. أو إن شئت فقل الذاكرة .. أما المستقبل فهو ذلك الآن الحاضر باستمرار أو هو الماضي القادم.

سؤال : أليس في هذه الصيغ شيء لا زال يشدك إليه ؟
* نعم كثير من الصيغ عانيتها كتجربه ثرية غنية لكنها لا تشدني إليها بقدر ما تشدني عنها لو صح هذا التعبير. أنا رجل عنيف تجاه الماضي وتجاه الحاضر وتجاه المستقبل، بل قل تجاه الزمن الذي تحرك فيه التاريخ .. واقصد هنا هذا التزوير الكبير الذي استلب الحقيقة ورهن المعرفة داخل إطار هوعن قصد حدده مسبقا .. وهنا تكمن ثورتي كما يكمن غباء الانسان الذي يتحرك في هذا النهر الجارف دون أن يحس بأنه مدفوع بقوة التيار لا بحركة ذاتية حرة أو بفعل صادر عنه .. تجارب الماضي كنت أعيشها كتجارب حية مليئة بالمعاناة والألم والحزن، لكنها كانت خطرة جدا .. فأنا رجل عشت في خطر ولا أزال أعيش في خطر، وتلك ربما هي مأساتي الوجودية .. وهو خطر أنني دائما كلما تقدمت الى الأمام أدركت ضخامة المساحة من الأرض البكر التي لم تحرث بعد .




سؤال : هل هناك من تجارب فنية على مستوى الأدب عايشتها ؟
* ـ في لحظة ما.. كنت أرتدي ثوبا سميكا هو ثوب الأدب، هو ثوب ساحر خلاّب ، لكنه منع عني دخول الهواء النقي هواء الحقيقة . وبالتالي كان على أن اخلعة وأرمي به بعيدا .. أما عن مستوى التجارب فأنا عايشت العديد العديد من تجارب غيري وخاصى عند من اعتبروا فلاسفة ولأعطيك ثلاثة أمثلة من ثلاث حضارات مختلفة، هرقليطس وبارممنديس وزنون في الحضارة اليونانية هم أدباء وليسوا فلاسفة .. والتجربة الفكرية كانت لديهم تجربة على مستوى فني جمالى ولم تكن على مستوى فكري أو معرفي .. في الحضارة الإسلامية نجد مثلا المعري وابن مسكويه والرازي الطبيب هم في هذا العداد أيضا .. أما في الحضارة الغربية المعاصرة فلأمثلة كثيرة جدا فهناك على سبيل المثال سارتر هو أديب وجودي ولم يكن أبدا فيلسوفا وجوديا من وزن كيرجارد وهايدجر وكارل يسبرز.. ونظرة في كتابه الضخم الوجود والعدم تجد أنه استعاد وجودية أو مذهب هايدجر على وجه التحديد وألبسه ثةبا أدبيا ، وفي فلسفة اللامعقول نجد ألبير كاموا وهكذا في كافة فروع الفلسفات الكبرى .. نجد تجارب أدبية حيه لكنها ليست قمينة بأن تعاش أو تحيا.. لأنها ليست أصيلة أبدا ..


سؤال : كيف تفسر تطور الحضارة؟
* ـ يمكن ان أقترح تفاسير كثيرة لكن ما الذي يعنينا من الحضارة سوأ ما تعلق منها بالذات التي تعيش هذا الفعل الحضاري ، ثم ما الذي يعنيا من التطور والتقدم في الفعل الحضاري بمعزل عن الإنسان ؟، التطور خاضع لقوانينه وضروراته، بعكس الموقف الغيبي الذي لا يمكن أن يخضع لمثل هذه القوانين أو الضرورات، وإنما هو يعتمد على الإلقاء من أعلى .. وهنا تكمن مأساة الحضارة عندما ربطناها بالتطور للعقل الغيبي الذي ظل ولا زال يقتات على ذاته وعلى أجساد المؤمنين به .
أنا اؤمن بالإنسان لا بمنطقية وجود الإنسان، أؤمن بالإنسان لا بمنطق سلوكة أو احتياجه .. أريد أن ينجو الإنسان من كل الآلام، وأن يمتلك جميع الظروف الملائمة لأنه وجد .. ولأنه وجد أريد أن يسعد بقدر ما للحيوان أن يسعد .. لكن شريطة أن لا تكون هذه السعادة على حساب حيوان آخر ، لا سيما إذا كان هذا الحيوان الآخر هو الإنسان .

سؤال : وهل مثل هذه السعاد ممكنة في رأيك ؟
* ـ السعادة كلمة تاريخية تقليدية فمن الممكن أن ينال الإنسان كثير من احتياجاته وأن ينتصر على الآمه ومخاوفه وهزائمه .. فإذا كانت هذه هي السعادة .. فالسعادة إذن ممكنة .. أما اذا أريد بالسعادة أن يملك الإنسان جهازا نفسيا أو فكريا لا يقلق ولا يحتج ولا يتعذب .. فإن السعادة بهذا الفهم غير ممكنة . وليس مما يسعد الإنسان أن يملك مثل هذه السعادة .. لهذه نجد جميع القدماء الذين تحدثوا عن آلهتهم ، لم يتصوروهم سعداء بهذا المعنى .. بل بتصورهم معذبين بالقلق والتناقض مع الأشياء الأخرى التي خلقوها..وقد خلقوها مناقضة لهم لتحقق لهم سعادة ..ولعل خلق الشيطان وتخليدة كمعادل للشر هو قمة هذه السعادة التي تعذب الآلهة وترهق ضميرها ..

سؤال : هل هذا موقف أخلاقي ؟
* ـ أعتقد أن الأخلاق كلمة لاهوتية .. فعندما تقول لي أنت أخلاقي ... لا أستطيع أن أفهم ماذا تعني بكوني أخلاقيا . إذا كان القصد بالأخلاقية هي التلاؤم مع الآخرين
، فقد تكون الأخلاقية حينئذ قمة الخروج عن الأخلاقية ، لأن التلاؤم يعني النفاق والكذب وما يحيل الى هذا المعنى من رياء وبهتان . وهذا ضد الأخلاقية ولو أنك استخدمت تعبير آخر كأن تقول ذاتي.. لكان لي أن افهم ولى أن أجيب عن السؤال .. فأنا ذاتي تلاؤمي حين أكون في الصورة أخلاقيا .. مع أنني بحسب التعاليم الأخلاقية لا أكون أخلاقيا ..فالأخلاقية لا يمكن أنت تكون موجودة بحسب تفاسير التعاليم الأخلاقية عند أي أنسان مهما كانت قداسته ...

سؤال : انما قصدت يسؤالي عن الأخلاق المعنى الفلسفي والإجتماعي ؟
* ـ اسمع يا صديقي سأجيبك بمعنى آخر .وأنا أريد طرد الألم كل الألم .. وليس كل ما أكتبه عن الألم والقبح والسعادة والجمال، إلا احتجاجا على الألم والقبح .. ولكن حوافزي ليست غيرية .. إنها ذاتية فأنا أحارب هذه الأشياء لأنني أنكرها ..لا لأن الآخرين ينكرونها، فأنا أقاومها من داخلي لا من داخل الآخرين . فأي معنى يمكن أن يبقى هنا للمصطلح الأخلاقي ؟ هذا السؤال الكبير الذي لم يفكر فيه داخل نطاق العقلانية أو ما يسمونها عقلانية .

سؤال : هل هذه غيرية .. بمعنى هل انت تشكل مواقفك هنا انطلاقا من هذا الموقف ...وأتساءل أيضا كيف يسمى هذا موقفا هداما ؟

* ـ هذه الغيرية تعني أنني عندما أشاهد الألم فأنني أتألم ..أنني أحزن أما عن الهدم فلا بأس من هذه التسمية لأنني أهدم الخرافة والجنون والأساطير أهدم الغباء والطغيان والقبح والتاريخ والجغرافيا ... أهدم ما أعتمل في أهواء الناس ورغباتهم وجنونهم وثرثرتهم وصمتهم وحزنهم وبكائهم .

سؤال : مالذي تريد أن تصل له ما هي الحقيقة التي تسعى لها ؟
* أنا شخص لا يسير على سجيته بل مدفوع في الحياة بلا تدبير لا من عقلي ولا من نفسي ، واظل كذلك الى أن أتصادم مع كل الأشياء تصادما عقليا وعاطفيا .. هذا كل ما أفعله .. فهل هذا انتصار للحقيقة ؟ أنا لا أريد من الآخرين أن يقولو أنني أدافع عن الحقيقة .. لا .. أنا مدفوع بهذا الكون تماما كما الضوء المنبعث من الشمس هو يندفع هكذا بلا قوانين ولا ضوابط لكنه عندما يحط على الأشياء يضيؤها وعندما يغيب تعتم . أي أنه يصدم الأشياء المعتمة فينيرها ...

سؤال : هل يمكن أن نعتبر ذلك نوعا من عبث.. تتألم لتفضح الألم ؟
* ـ مقاومة الألم ناتجة عن مواجهتي للألم .. أنا الألم وأنا الحقيقة الصانعة للألم .. فكلانا في النهاية عبث .. عبث يقاوم عبث .. أنا أحتج على الآلم ولا يسعني إلا أن أحتج عيله.. فإذا كان احتجاجي الصادر من ذاتي عبثا فأنا أول العابثين ولا أستطيع أن اكون غير ذلك ..

سؤال : أنا لست ضد العبث أو تحليل العبث لأنه في النهاية وكما تقول ما ثمة إلا عبث .. أنما اريد ان تسوّغ لنا حياتك ؟

* ـ أنا.. إنّما أحيا حياتي .. ومقاومتي شديدة قاسية وصعبة لما أنكره في الفكر والفلسفة والأدب والفن والموسيقى والثقافة على العموم .. لأنني أعتقد أن هذه المساحة في الحياة هي القمينة بالمقاومة الجادة ..وكشف الزيف والكذب والضلال بل مقاومة كل ذلك لا مجرد كشفه .. عليك أن تصطدم مع هذا الغباء وإلا تفعل فأنت جزء من هذا الغباء ..

سؤال : كيف يتساوى لديك هذا الوجود بين الحياة والموت ؟
* ـ إذا أردت بالموت أن افقد وجودي فلا يتساوى الموت مع الحياة ..واذا أردت بالموت أن لا أكون موجدا أصلا قبل أن ألتزم الوجود فإن الموت والحياة لا يتساويان .. بل إن الموت هنا اشرف وأرقى وأعظم .. وأنا أعني بالموت هنا أن لا أوجد . ولكن بعد أن وجدت فأنا أرى أن الخروج من الحياة بإرادتي هو أفضل لكني لا استطيع أن أنفذ هذه الرغبة العارمة... بل المنطق نحن نمارس وجودنا لا نمارس منطق الوجود .. إذا مارسنا منطق الوجود فالرحيل أشرف وأعظم .. الكون كله لا يمارس منطقه اي لا يحيا منطقه .. وحتى هذا المنطق إنما هو بحث عن الوجود وفي الوجود .. ثم ما هو المنطق هذه الكلمة تصيبني بالرعب من الذي جعل من المنطق منطقا علينا إلتزامه واذا لم نلتزمه فنحن غير منطقيين هذه قضية تحتاج الى تفاسير كثيرة .

سؤال : هي يعني هذا أن الحياة ورطة بالنسبة لك هل يعني أنك تورطت في هذه الحياة ؟
* ـ هي ورطة ويرفضها منطقي لأنها عجز وضعف وألم .. وأنا رجل الكبرياء الذي أشعل المصباح لا قبل منتصف النهار بساعة كما فعل نيتشة.. بل بعد منتصف النهار بساعة.. اي في تلك اللحظة التي أشاح فيها الكون بوجهه نحو الهاوية .. أستطيع أن أفهم الحياة أن أجعلها تبدو منطقية بقدر ضئيل مما لو جعلتها عكس ذلك .. أي أن اختياراتي دائما هي في الضد تماما من قناعاتي و حريتي .. لاحظ ذلك مثلا في كل تجريه وفي كل فعل نقوم به، ما حدود الأختيارات هنا وكيف يمكن ان تمارس حريتك في أن تختار وهل في مقدورك أن تختار وأن لا تختار ؟ عندما تقرأ كتابا أو صحيفة أو عندما تأكل قطعة خبز .أنني أحتقر نفسي عندما أشعر أنني سأكرر نفسي غدا وبعد غد أكرر تفاهاتي وانفعالاتي وأفعالي .. وكل ما أفعله يفعله غيري .وأحتقر كل ذلك وأخجل منه .. أفعل كل ذلك وأخجل منه ولكني وآسفاه محكوم علي بالبقاء إلا اذا اضطررت اضطرارا الى مفارقته ، بأن يسحقني طاغية من طغاة الأرض أو من طغاة السماء .. اذا كنت سأفارق هذه التفاهات أليس من الأفضل أن أفارقها بالأسلوب الذي أختارة وفي الوقت الذي أحدده وبالصيغة التي أرتأيها ؟..

سؤال : كيف تنظر الى العالم العربي ؟
* ـ أكثر ما يرهبني في هذا العالم بروز الطغاة المتجبرين الذين يسحقون كل معاني الكرامه بوسائل حضارية استوردها من الغرب والشرق لينفذوا بها بداوتهم وجريمتهم في سحق الإنسان الذي لا يملك أن يريد إلا ما يريدونه.. ومع هذا فهو يمتهن في كل لحظة .. وأنا أعتقد أن هؤلاء سيتكاثرون تكاثر الحشرات. وعندما أتأمل المصير الذي ينتظر الشعوب العربية من هذا الطغيان أصاب بالرعب .. إن وجود الإنسان في هذه الدول جريمة كبيرة .. ما ذنبه .. أذنبه أنه وجد هنا؟.. وهذا يشعرني بالخوف الذي يتحول الى يأس من المصير المحتوم ..ولذلك كان عليّ أن أخرج من هذا الجحيم .....

سؤال : لكن هل ثمة أمل بزوال هذا الطغيان يوما ؟
* ـ حتما لا يمكن إغتيال الحلم بالأمل نحن نأمل لكن الى متى يا صديقي .؟

سؤال : هناك دعوات للديمقرطية بل بعض الدول العريية التي مارست الديمقراطية ؟
* ـ يا سيدي دعني أجيب على سؤالك بسؤال أشد وقعا على النفس وأكثر ألما .. هل الحرية كسب للإنسان للفرد للمواطن؟ أم هي كسب للوصوص والطغاة ؟
لقد اختصروا الديمقراطية في الأنتخاب اي أن الديمقراطية لا تعني شيئا سوى أن تذهب الى صندوق الزور والبهتان وتدلي بصونك هناك.. وأصبح الانتخاب هو الديمقراطية أو كل ما فيها من معنى.. الديمقراطية معنى أشمل وأعظم إنها طريقة في الحياة تقوم على مبدأ الحرية للفرد اي أن يمارس حريته بالحد الذي لا يتقاطع مع حرية غيره .. من الذي يحدد هذه الحرية؟ يحددها مبدأ الحرية ذاته، اي أنها لا تخضع لشروط أو قواعد تحد من حرية الفرد إلا بالمعنى الذي قلناه سابقا .. والأنتخاب جزء من هذه الحرية
ولكي يكون الانتخاب هذا حقيقيا يجب أن يبنى على أسس ديمقراطية ايضا .. اي أسس المساواة في القدرات والوسائل.. وإلا فإن الديمقراطية التي تهدف الى انتخاب الشعب لمن يحكمه لا يمكن أن تسفر إلا عن هذه الزمرة من الطغاة واللصوص والمارقين .إن الحرية السياسية والحرية الإقتصادية هي حرية حقاً ولكن لمن يستطيع التمتع بهما. وبما أن التفاوت الهائل بين أفراد الشعب ،هو الطابع الأساسي للمجتمع العربي في هذه الدول التي اختارت الديمقراطية ، لا يمكن أن يستفيد منهما إلا أولئك الذين يوجدون في تعال وفوقية يملكون المال وبفعل المال يملكون الوجاهة السياسية .. وهكذا بعد أن كان استبداد طبقة سيئة على المجتمع تكتسي طابعا قسرياً اً، أصبح اليوم بفضل الديمقراطية استبداداً اختيارياً يستمد اختياريته ومشروعيته من الإنتخاب الذي يتمتع به كافة أفراد الشعب .
وما هو هذا الإنتخاب ؟ الإنتخاب معناه الإختيار: أن يختار الإنسان: معناه أن عدة إحتمالات وإمكانات تنثر أمامه ليختار منها أيا شاء وهي اختيارات محدودة .
ولكن هل في إمكان كل فرد من أفراد هذا الشعب المغلوب على أمره أن يختار؟ قطعا : لا .. لماذا .. لأن من يختار يجب أن يكون حراً: أن يريد هذا أولا ، ويعرف ما يريد ثانيا ، ولماذا يريد ثالثا ، ويملك القدرة على تحقيق هذا الذي يريده رابعا .
لا حظ كيف ارتبطت الديمقراطية بالإرادة الحرة كعلاقة حتمية وهي علاقة كثيراً ما شغلت بالي وحسبي القول هنا تتحول الى استغلال بشع إذا انتفا المساواة بين أفراد الشعب وإذا انتفت معها العدالة .. كيف يكون الفقير المعدم حرا في اختياره الى جانب الغني .. إن الجائع لا يمكن أن يختار بملء إرادته لأنه إن تمكن من ذلك أي أن يريد فإنه لا يعرف بالضبط ماذا يريد، ولماذا يريد، ولا يملك القدرة على تحقيق إرادته لو أراد. والمجتمعات العربية هي مجتمعات الفقر والبؤس والحرمان والقهر .. فاعن أية ديمقراطية يمكن لنا ان نتحدث ؟

سؤال : في كثير مما تعالجه من قضايا الفكر تبرز مشكلة التراث والحداثة في خطابك لماذا أنت منشغل بهذا الهم ؟
سؤالك هذا يثير إشكالية أساسية إنشغل بها الفكر العربي المعاصر ولا يزال وهي إشكالية التراث والحداثة وأنا اذ افكر بهذه المشكلة ، صحيح أنني أنشغل بها كثيرا احاول إعادة صوغها من خلال إعادة ترتيب العلاقة بين طرفيها المتباعدين .. فالتراث الذي أعنيه ليس هو القديم الذي مضى. أو الماضي الذي تقادم.. وإنما هو ذلك العقل الذي لا ينفك يحضر ويؤثر فينا لأنه جزء من الكينونة الذاتية التي تشكل الحاضر .. والحداثة هي حدث اخترق هذا العقل العربي وراح يستولي علية بعنف.. بالرغم من محاولات الهروب الي يمارسها العقل العربي. وهو هروب الى الوراء للإحتماء والمحافظة على الذات وتحصين الكينونة.. نحن اذا إزاء حدث لا زال يولد مفاعيله وخاصة في نسخته اللاحقة المسماة عقل ما بعد الحداثة .. وبدل أن يستيقض العقل العربي على هذه المواجهة المرعبة، إستكان الى حالته ورضي بهذا الموقف السلبي، وبالتالي توقف عن الإنتاج والتواصل مع الحاضر ..ولو عن طريق نوع من المجابه وإن اتسمت بالشراسة مع العقل الكوكبي السائد في هذا العالم الآن . هذا الفهم للحداثة والتراث يتيح لي التحرر من ثنائية الإنقطاع والتواصل وما سواها من ثنائيات تحشر العقل العربي في عنق الزجاجة ..

سؤال : هل تعتقد بأن التراث يمكن تحديثة أو التعامل معه بصيغة حضارية ؟
* ـ التراث شئنا أم أبينا هو مخزون ثقافي يشكل رأسمال رمزي يمكن تحويله الى عدة فكرية تحمل مضمون قيمي ومن هنا يمكن الحديث عن فضاء معرفي معين اي في الحالة التي نحول فيها التراث هذا الى فضاء من القيم .

سؤال : لكن ماذا عن مشروع ما بعد الحداثة .. وأنا أقصد هنا أن يرتد العقل العربي الى نقد مسلماته العقلية والتاريخية وكافة محموله الثقافي ؟
ما بعد الحداثة ليست على العموم منهجية في التفكير بقدر ما هي فضاء فكري مغاير ، اخذ ينبثق ويتشكل ، وهذا الفضاء ليس مجرد امتداد للحداثة على صعيدها المعرفي ولا هو مجرد تأويل لها وإنما هو اختراق لفضائها وتفكيك لمنطقها ، وخروج على آليات نماذجها في الرؤية ، ويندرج في هذا الإطار أيضا مفهوم التفكيك والذي هو ليس مجرد تقنية وإنما هو منحنى فكري يعمد الى النص و الخطاب فيفككه ويفضح كل ما راح يحجبه هذا النص أو الخطاب ويخفيه أي تعرية آلياته في عمليه توليده للمعنى أو إجراءاته في إنتاج الحقيقة وكشف سلطته التي يمارسها ،
وفي هذا الجدل يمكن اختصار مشروع ما بعد الحداثة في مقولة هيجل الشهيرة التي تعيد انبثاق الحداثة إلى ديكارت عندما اسس مفهوم الكوجيتو (أنا أفكر..)، إذ أرسى بحسب الأول أرضية المشروع الحداثي . وبالفعل أجاد هيغل الإمساك بحقيقة بأس المشروع الحداثي، .ولقد كانت وقفت كانت مذهلة بحق ، غندما برهن في كتابه نقد العقل العام الى أنه لم يعد العقل قابلا للتأليه ، بل تجول إلى مجرد أداة محدودة .ومع هذا النفي المتعدد للعقل و للكائن الإنساني والذي تطور مع رولان بارت وميشيل فوكو وهابرماس ، هنا يتحول السؤال عن معنى الإنسان في الفكر المعاصر، أي ما هو الذي يعنيه هذا الإنسان على وجه التحديد ؟ لقد اختفى الإنسان أو مات الإنسان أو تلاشى .. إنه تحول له خطورته
.. فكيف تريد للعقل العربي أن يقفز هذه القفزة في الجحيم ؟ كيف تريد لهذا العقل الذي يجتر تاريخه ويلتهم غبار الصحراء أن يعيد نقد مسلماته أو أن يحاصر إنسانه هذا الحصار المعرفي المخيف ؟

سؤال : لنعد الى الأسلام المعاصر وأقصد هنا الخطاب السياسي ولا أدري لماذا قفز هذا السؤال هنا وعلى غير ترتيب في ذهني أصلا

* ـ ربما يكون ذلك من وحي السؤال السابق لأننا عندما نسأل عن الحداثة وما بعد الحداثة يقفز السؤال نحو الخطابات المتحجرة في الأديان جميعها وعلى ذلك فأنا أراقب مأساة هذا الخطاب الذي تنتجه مجتمعات ما قبل العقل أراقبه بدهشة ..لقد أدهش الاسلام المعاصر كل المراقبين بسبب هيجان لغته السياسية والعنف المخزون في الخطاب الذي يستخدمه ، ذلك أن تحليل جدلية هذا الخطاب بل واسسه التي ينطلق منها يكشف عن مدى الغليان الذي يستبطنه .. وياله من تناقض كبير : فالإسلام هو الدين الذي ألح أكثر من غيره وبشكل هائل على التعالي ووحدانية الله وأعطى الأولوية بذلك للعلاقة الكائنة بين الإنسان والمطلق الذي هو الله ، ومع ذلك فإنه لم ينفك ينصاع الى إنحرافات الخطاب السياسي النضالي والصدامي أو بعبارة أخرى أن الخطاب السياسي يهيمن ويطغى على الصورة البريئة للإسلام أو التي تتبدى هكذا .
هل يمكننا هنا وفي هذا الحوار السريع أن نحدد لهذا الخطاب السياسي النضالي أسسا أخلاقية وعلاقة ما بالفلسفة السياسية التي يمكن أن تفرز قيمه وترسخها وتجذرها ؟ بمعنى آخر هل هناك من مجال فيه لفكرأخلاقي وفكر سياسي قادرين على تأطير أعماله النضالية والشعارات الكبرى للحركات الثورية وتغذيتها وخلع المشروعية عليها ؟ وهل يمكننا أن نجد في المجتمعات الاسلامية الحالية مثقفين منظمين أو معزولين يحاولون جاهدين تشكيل فكر نقدي بناء، لكي يرافق النقاشات المتكررة حول مشاكل حاسمة ، كمشكلة السلطة والمشروعية وتطبيق الشريعة في صورتها الموروثة ومشكلة الأخلاق المنظمة للحياة ومشكلة العدالة الاجتماعية ... الخ ؟

سؤال : كيف يمكن ان تجيب على هذه الأسئلة مجتمعة أم علينا أن نتجنبها ؟
* ـ أنا لا اقترح إجابات محددة ولكن هناك ثمة تحليل يمكننا من أن نقول أيا تكن درجة النضج الأخلاقي والسياسي في الاسلام المعاصر أو عدم نضجها ، فإنه ينبغي علينا إيضاح العلاقة الكائنة بين الاخلاقية الممارسة فعليا قي الحياة اليومية وبين مراقبة الضبط الشديدة في كل مكان، هذه المراقبة التي تمارسها الدولة الطاغية ذلك الجهاز الذي يحتكر كافة السلطات بين يديه ..لكن لكي ينجز هذا العمل المعقد فإنه ينبغي عليه أن يوضح شروط المعرفة النظرية ضمن منظور نقدي، أي إخضاع جل التصورات الذهنية لهذا التفحص الصارم. ومن المعروف أن العقل الإسلامي لا يزال يتخبط في بيان هذه الشروط ، هذا عداك عن تحليلها وفهمها ..
ربما تدهشك هذه اللفته لخطاب الحداثة وما بعدها... قبل أن نتفحص الفكر الاخلاقي والسياسي في الاسلام المعاصر، إن كل ممارسة للعقل تهدف للتوصل الى سيادة اجرائية ومعرفية قادرة على مقاومة كل التكذيبات والتفنيدات ، وقادرة على فرض نفسها أبديا على كل روح بشرية، إن هذا البحث عن الصلاحية المعرفية التي تفرض نفسها على الجميع بشكل دائم هو شيء مشروع من الناحية النفسية. إن يعبر في آن معا عن الرغبة الحارقة في البقاء، وعن الحنين الى الكينونة ، وعن حب الفضول أو إرادة المعرفة التي لا يخلو منها أي كائن بشري، ولكن هذا البحث يصبح ميالا للهيمنة والسيطرة عندما يفرض العقل ، بواسطة الإكراه السياسي والاقتصادي والاجتماعي أنظمة معرفية خارجة على كل تفحص نقدي حر أو ترفض هذا التفحص، ثم يؤدي تضافر الحافز النفسي وإرادة القوة والهيمنة الى ولادة عقل مهيمنة يمكن أن ندعوه عندئذ بالعقل الإسلامي.

انتهى القسم الأول من الحوار

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“