لإمام‮ ‬زيد‮ : ‬مـــن‮ ‬أحــبَّ‮ ‬الحيـاةَ‮ ‬عـاش‮ ‬ذليلاً

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
صارم الدين الزيدي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1155
اشترك في: الأربعاء يناير 07, 2009 6:42 am

لإمام‮ ‬زيد‮ : ‬مـــن‮ ‬أحــبَّ‮ ‬الحيـاةَ‮ ‬عـاش‮ ‬ذليلاً

مشاركة بواسطة صارم الدين الزيدي »

لإمام‮ ‬زيد‮ : ‬مـــن‮ ‬أحــبَّ‮ ‬الحيـاةَ‮ ‬عـاش‮ ‬ذليلاً

صحيفة البلاغ
الاثنين, 11 يناير 2010

مع إطلالة نور الفجر الأول كان الإمامُ في محراب المناجاة وسطع صوتُ المؤذن: »اللهُ أكبر.. اللهُ الأكبر.. حي على الصلاة.. حي على خير العمل«.

وتقدّمَ الإمامُ ليصليَ بالناس في خشوع لا مثيل له، فالسكينةُ والطمأنينةُ كانت قد تمكنت من قلبه. وما كانت ساحات الجهاد ورقاق السيوف لتشغله عن أداء فريضة الصلاة.. كان يؤمنُ أن النصرَ بيد الله.. ويرى أن النصرَ الأعظمَ هو الشهادةُ في سبيل الله.



وبعد أن أتمَّ صلاتَه وعلا صوتُ مؤذن الجهاد: حي على الجهاد .. حي على الجهاد

ودقتْ طبولُ الحرب وعلتْ أصواتُ المجاهدين بالتكبير وانتظمتْ الصفوفُ وقسّم الناسَ إلى ميمنة وميسرة وقلب.. وامتطى الليثُ صهوةَ جواده والنورُ يشعُّ من بين عينيه، وتقدمَ الصفوفَ ثم استدارَ نحوَ أصحابه فتعلّقت الأنظارُ به.. وخُمدتْ الأصواتُ.. وانسابتْ الكلماتُ من بين شفتيه فقال :

الحمدلله مذعناً له بالإستكانة مقراً له بالوحدانية.. وأتوكل عليه توكل من لجأ إليه.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى والمرتضى الأمين على وحيه.. المأمون على خلقه.. المؤدي إليهم ما استرعاه من حقه حتى قبضه إليه صلى الله عليه وآله وسلم.

أيها الناس أوصيكم بتقوى الله.. فإن الموصي بتقوى الله لم يدخر نصيحة ولم يقصر عن إبلاغ عظة.. فاتقوا الله في الأمر الذي لا يصل إلى الله تعالى إن أطعتموه.. ولا ينتقص من ملكه شيئاً إن عصيتموه.. ولا تستعينوا بنعمته على معصيته.. وأجملوا في طلب مباغي أموركم وتفكروا وانظروا.

ثم تقدم الإمام الصفوف وانطلق بأصحابه نحو جموع أهل الشام وخفقت راية الحق والحرية تحملها تلك الثلة المؤمنة.. لترسم للأحرار والمؤمنين طريقهم.. وما هي إلا لحظات حتى ظهرت أمام العين تلك الجحافل الأموية الغاشمة يفوق عددُها اثني عشر ألفاً.


النزالُ والفاجعةُ

تهيأ الفريقان لخوض معركة فاصلة.. واستعد جيش الإمام لاختراق ذلك السيل البشري وكبح جماح كبريائه.. فانطلقوا بعزيمة المؤمن الذي لا يفرق بين النصر أو الشهادة.. فالكل يتمنى إحدى الحسنيين.. وتفاجأ القائد الأموي العباس بن سعد المزني من هذا الهجوم الجريء فلم يبق أمامه سوى الدفاع... فأصدر أمره إلى جيشه بالنزول ورصهم صفوفاً متجاورة لا يكاد يستطيع المرء أن يلوي عنقه لشدة تقاربها.. ورفعوا الرماح والسيوف في وجوه المهاجمين.. والتحمت السيوف بالرماح فوق رؤوس البغاة لتشكل حاجزاً حديدياً لحمايتهم من ضربات المهاجمين.

وأقبلت العزيمة والإيمان والتقوى لتكون وجهاً لوجه مع الحديد الصلب.. فامتلأ الكون ضجيجاً وصهيلاً للخيل.. وتطايرات الشرار لتكون أشبه بالبرق الخاطف في لمعانه..

لقد كان المهاجمون قلة في العدد.. لكن كل واحد كان يمثل جيشاً وأمة لوحده.. وثبت الجيش الشامي أمام تلك الضربات بضع دقائق ولكن الصدق والإخلاص والعزيمة لدى المهاجمين كانت كفيلة بإحالة الفولاذ إلى رماد، فلا شيء يقف أمام عزائم المؤمنين.

فقد تجاوزت تلك السيوف الحاجز الحديدي.. ومزقت من تحتها من جنود الجور والبغي.. وبدأ الإمام يقاتل مع أصحابه.. هدفهم هو نصرة دين الله ورفع راية الحق وإزالة ذلك الجور والظلم الذي فرضه الأمويون وأذنابهم على جموع الأمة في كل الأقطار.

وأخفق كل من أراد أن يتصدى لأولئك الثلة المؤمنة.. وأدرك القائد الأموي أن صراع السيوف والمبارزة لن يجدي مع أمثال هؤلاء.. لذا أمر الرماة أن يعدوا أنفسهم.. وبدأ سيل من السهام يتوجه نحو الإمام وأصحابه وكانت صدور القوم تتلقى السهام مقبلة غير مدبرة.. لا تبالي إن وقع في الصدر أو في الذراع.. أو في مزق الهامة أو اخترق الثنايا.. المهم أن يكون الإمام في مأمن.. وأن يُقتلوا مقبلين غير مدبرين.

حميت المعركة.. وكشفت الحرب عن ساقها.. وتفرقت الجموع.. وكثر القتلى.. وكان كل شيء ينادي بالحرية وبإعلاء شريعة الله وهدم عروش الظالمين.. وكان نصر بن خزيمة يقاتل جنباً إلى جنب مع الإمام فيصد عنه كل هجمة غادرة أو ضربة مباغتة.. لا يشغله عن ذلك شيء.

وعلى بُعد كان هنالك عين ترقبه لا تشارك في أحداث القتال.. كان ذلك الرقيب يحاول أن يقترب بحذر.. يتحرك بتحرك نصر ويسكن بسكونه.. تارة يقترب حتى يصير على بُعد خطوات.. وأخرى تراه يبتعد خوفاً أن يناله شيء من تلك الضربات التي يكيلها نصر مرة عن يمين الإمام ومرة عن شماله.

وفجأة انشغل نصر بجموع المهاجمين.. فإذا بذلك الوغد المسمى نائل بن فروة يستل ذلك السيف المرهف والمتميز ليبتر رجله من فوق الركبة.

التفت إليه نصر في غضب عارم جمَّد الدم في عروق نائل فشلت حركته.. وهوى علىه نضر بضربة أردته صريعاً..

علم نصر أنها الشهادة فالتفت إلى الإمام ونظر إليه نظرة مودع.. كان ألمه لمفارقة الإمام في مثل هذه اللحظة الحرجة يضاعف من آلام الجراح.. ولذلك وجه فرسه نحو عدوه والدماء تنزف من فخذه فجعل يضربهم بالسيف ضرب من يبغي الشهادة وتوالت عليه ضربات السيوف ووقع السهام.. حتى خرَّ صريعاً بعد أن ضرب أروع الأمثلة في البذل والجهاد من أجل رد الحق لأهله.. ورفع الظلم عن أمته..

انتصف النهار وساحة القتال ترجح كفة الإمام وأصحابه.. واستمر القتال وفي كل لحظة كان الجيش الأموي يزداد كثافة بسبب المدد الوافد من الشام ومن سائر البلدان وتضاعف عدد الرماة الذين بدأوا يقتلون أصحاب الإمام واحداً تلو الآخر.. فسقط قائد ميمنة جيش الإمام زيد -معاوية بن إسحاق- وتلاه عشرات القتلى في صفوف جيش الإمام.. وكان كل هذا يحدث.. ولكن ذلك الجهد الذي كان يقوم به الإمام وجماعة من أصحابه وأهل بيته كمحمد بن عبدالله وبعض إخوانه جعل الخصم لا يشعر بذلك التراجع فالإمام متواجد في جميع الأنحاء.

وأدرك العجز بعض أفراد الجيش الأموي فأحال دفة الصراع المسلح إلى مناوشات كلامية كشّر فيها الحقد الأموي عن أعماقه وسوء اعتقاده.. فانطلقت الكلمات لتنال الأعراض.. فهذا أحدهم يتقدم على فرس أبيض فينال من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رمز العزة والعفة والطهارة ليتهمها بأبشع الجرائم.. والإمام في الضفة الأخرى من النهر يسمع تلك الكلمات، كانت أشد وأمضى من السهام، ومن ضرب السيوف.. فقد سالت الدموع من عينَي الإمام بغزارة حتى ابتلت لحيته.. فليس الإمامُ بالرجل الذي يمكن أن يسقط في المهاترات الكلامية، فالإمام يدعو إلى المبارزة الشريفة قائلاً وبصوت يملأ الآفاق:

- أما من أحد يغضب لفاطمة بنت رسول الله؟ أما من أحد يغضب لرسول الله؟ أما من أحد يغضب لله؟!.

فأجابه سعد بن خثيمة قائلاً:

- بلى يا ابنَ رسول الله.. والله لئن يمكني الله منه لأختطفن روحه.

وما هي إلا ساعات حتى تحول ذلك الشامي من على فرسه إلى بغلة.. فاستقر عليها واستمر يصب سيلاً من الشتائم على الإمام زيد.. وجدته فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين..

جعل سعد بن خثيمة يراقب ذلك الشامي حتى ابتعد إلى ناحية من أصحابه.. فتناول سعد رداء من فوق أحد غلمانه واستتر به وقطع المسافة في هدوء.. وجعل يمضي باتجاه الرجل حتى استقر فوق رأسه وهوى بسيفه ففصل الرأس عن الجسد.. وبسرعة خاطفة ألقى الجسد الخبيث من فوق البغلة.. وقاد بزمامها وأقبل مسرعاً نحو أصحاب الإمام.

تحرك الخيالة وانطلقوا لأخذ الثأر لصاحبهم.. ولكن خيل الإمام كانت أسرع فأحاطوا بسعد بن خثيمة ومنعوهم من الوصول إليه.. فأقبل الإمامُ نحوَه مُسرعاً وقبّله بين عينيه وقال أدركتَ والله ثأرنَا أدركتَ والله شرفَ الدنيا والآخرة.

سعد : إليك يا سيدي سلب الشامي.. استعن بها على حرب القوم.

الإمام : لا والله.. بل هي مني لك تنفيلاً.

سهمٌ يُصيبُ الجبينَ الأغر

وفي اليوم الخامس والعشرين من شهر محرم سنة 121هـ كانت الشمس توشك على الغروب.. فقد غاب شيء من توهجها.. وبدأت تجمع أشعتها.. وبدأ يخفت نورها.. فبدأ الأفق شاحباً شديد الحمرة.. وانطلق سهم غادر من قوس متمكن ليخترق الأجواء.. في سرعة خاطفة مزق الأجواء.. وبعثر حبات الهواء.

غاب في عمق الغبار المتصاعد وتجاوز كل من كان يحمي الإمام.

لم ينحرف.. كان أسرع من أن يتراجع.. استقر وليته لم يستقر.. وجعل الجبين الطاهر الأغر له محلاً.. وأعلنت شمس السماء عن حلول وقت رحيلها.. وأعلن البدر في ساح الوغى حلول أفوله.. وترجل الإمام عن فرسه.. ووضع يده على جبينه.. والدم الطاهر ينزف من جبينه.. ليمثل عيناً جارية تزين وجه الإمام بالحمرة ويختلط عرق الجبين بحمرة الدماء.. وتتخضب تلك اللحية العشماء بالدم الذي كثيراً ما التهب واحترق من الألم عند ذكر أحوال الأمة.. فمن أجل دعوته إلى كتاب الله استحل الجبناء سفك دمه.. من أجل دعوته لإحياء سنة رسول الله أهدروا دمه.. لكي لا يتركوا لمسكين حام يحميه أو مدافع يذود عنه.

شكّل جيش الإمام حلقة حول الإمام حتى حجبوه عن أنظار العدو وبدأوا بالتراجع بشكل غير ملفت.. واستغل الجيش الأموي فرصة التراجع لجيش الإمام لكي يتمكن أفراده من التقاط أنفاسهم وجمع فلول جيشهم المبعثر فأغمدوا سيوفهم وبدأوا بالتراجع.. ولم يستشعر أحدٌ من الجيش الأموي الكارثة التي حلت بأصحاب الإمام.. وظنوا إنما الأمر مجرد تراجع للمبيت.. فجعلوا يحصون قتلاهم وينظمون صفوفهم لخوض معركة الغد القريب.

وهناك في معسكر الإمام كان الأصحاب يمرون بأحرج اللحظات.. فقد هرع أصحابَ الإمام لإحضار طبيب.. ودخل الطبيبُ وكان اسمه سفيان، وكان مولى لبني فراس.. والإمام ملقى في حجر محمد بن سلمة الخياط.. وإلى جواره ولده يحيى بن زيد، ومحمد بن عبدالله، وجمع من أصحابه.. وذلك في بيت حران بن أبي كريمة في سكة البريد.. وكان أنين الإمام يحكي عمق الآلام التي يقاسيها في تلك اللحظات.. ورغم هذا كان يدير نظره بين وجوه أصحابه في إشفاق.. ولم تتوقف شفتاه عن الحركة كان في حالة ذكر واستغفار.

جلس الطبيب إلى جوار رأس الإمام.. وبدأ يمسح الدم من على جبينه.. ويركز على مكان خروج الدم.. ويمسحه مرة تلو الأخرى.. وظهرت ملامح الخوف على وجه الطبيب.

الإمام : ما الأمر أيها الطبيب هلا نزعت السهم؟ فالألمُ يزدادُ بشدة.

كانت تلك الكلمات تخرجُ من صوت خافت وضعيف.

دمعت عينا الطبيب.. وانعقدت الكلمات على لسانه.

فتدخل يحىى بن زيد قائلاً:

- ما الأمر أيها الطبيبُ؟! حاول أن تفعلَ له شيئاً.

الطبيب : يا بني ليس بين والدك والرحيل عن هذه الدار إلا نزع هذا السهم.. فالسهم قد بلغ الدماغ.

شهق يحيى شهقة اهتز لها جسمه ودمعت عيناه.. وأكب على والده وقال :

- أبشر يا أبتاه.. تُقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، وخديجة، والحسن، والحسين، وهم عنك راضون.

فقال له الإمامُ زيد (ع) بصوت ضعيف خافت قد أجهده الألم وكثرة النزيف:

- أجل يا بني ولكن أي شيء تريد أن تصنع؟.

يحيى بن زيد : أقاتلهم والله ولو لم أجد إلا نفسي.

زيد : إفعل يا بني فإنك والله لعلى الحق.. وإنهم لعلى الباطل.. وإن قتلاك لفي الجنة.. وقتلاهم لفي النار..

ثم التفت إلى الطبيب وهو يردد الشهادتين وأشار إليه بنزع السهم.. وفاضت روحه الطاهرة لتودع عالم الدنيا.. وتستقر إلى جوار ربها.. وتجاور الأحبة في جنة الفردوس.

وأظلتْ المكانَ سحابةٌ كثيفةٌ من الحزن الصامت.. وبدأت العيونُ تذرفُ الدموعَ بغزارة وصمت مطبق..

مزق ذلك الصمت صوت الفتى المؤمن المبتلى في أبيه عندما قال :

- الحمدلله الذي حقق مُناه.. فقد كانت الشهادة في سبيل الله غاية أمله ومناه.. فها هو يموتُ بسُيوف فراعنة وجبابرة الظالمين.. فهنيئاً له ذلك.

ثم التفت إلى أصحابه مخاطباً لهم :

- فما الرأيُ الآن يا قوم.. أخاف أن ينتشرَ الخبرُ فيباغتونا.. فتؤخذ منا الجثة ويمثَّل بها.. فأين تريدون أن نواري جسده؟.

اضطربت الآراء حول ما هو الأصوب.. فقال قوم نلبسه درعين.. ونلقيه في الماء.. وقال آخرون نلقيه بين القتلى.

فقال لهم يحيى بن زيد : والله لا يأكل لحم أبي السباع.

ثم استقر رأي الجميع على دفن الجثة في بستان في العباسية وإخفاء القبر حتى لا يعلم أحدٌ موقعه.. فاجتمع من تبقى من خواص الإمام وأهل بيته وحملوا الجثة في وسط الظلام.. واتجهوا إلى ذلك البستان.. وأوقفوا ساقية من الماء كانت تجري في وسطه وقاموا بتحويلها إلى مكان آخر وبدأوا الحفر في مكان تلك الساقية ثم دفن وأعيدت الساقية إلى مجراها من فوق القبر.

كل ذلك كان يتم بمنتهى السرية إلا أن عيناً كتبت على نفسها الشقاء في الدنيا والآخرة كانت ترقب ذلك المشهد من بُعد.. كان الغلام السندي -غلام أحد الخياطين- يتبعُ أثرَ القوم حتى اطلعَ على كل شيء.

إستشهادُ حليف القرآن

وبعد يومين من القتال كان قد أدركَ أفرادُ الجيش الأموي عظيم خسارتهم في اليوم الأول والثاني وكان الرعب قد خيّم في القلوب فما إن دخل أحد القواد على يوسف بن عمر.. حتى صاح به يوسف :

- أجيشٌ قوامُه الخمسمائة يثْبُتُ لجحافل الجيش الأموي المدرب؟ وكيف إذا كانوا مجرد عرباناً جلاف حفاة لا خبرة لهم بالحرب وفنونه؟!.

القائد : يا سيدي والله لو تأملت قتالهم وشدة صبرهم.. لجعلت الواحد منهم يعد بالمائة.. والله لولا الرماة كفونا شر المبارزة لأفنونا جميعاً.

يوسف بن عمر : إسكت أيها الأحمق.. والله لو سمع الجيشُ وصفَك ما ثبتوا لهم من الغد ساعة.. أخرج لا بارك الله فيك.

وطلع الصباح والجيش الأموي في حالة من الذعر والفزع والضعف لما نالهم من أصحاب زيد.. ولكن الأوامر كانت تقضي بضرورة المواجهة والاستمرار إلى أن يحسم الأمر مع الإمام وأصحابه.

وانتظروا مدة من الزمن فإذا الأخبار بمقتل الإمام زيد (ع) تطرقُ أسماعَهم لتملأ قلوب المجرمين سروراً كما امتلأت قلوب المؤمنين حزناً وألماً.

وإذا كان الأمويون لم يستطيعوا أن ينالوا من شخصية الإمام حياً بعد أن قارعهم في بداية حياته بالحجة والدليل.. وفي آخرها برؤوس القنا وحد السيوف.. فقد عبّروا عن دناءة النفوس وانعدام الفضيلة فيهم.. وسارعوا إلى الإعلان عن بذل المكافآت المغرية لكل من دل على الإمام وصاحبيه -نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري- وما هي إلا ساعات حتى أقبل ذلك الغلام على الحكم بن الصلت فأخبره عن موقع القبر.

الحكم بن الصلت : من يذهب فيأتينا بجثته.

صمت الجميع تهيباً لبشاعة الموقف وكأن على رؤوسهم الطير.

الحكم : أما فيكم من يجرؤ عليه ميتاً؟ فكيف لو كان حياً إذاً لتركتم له العراق ووليتم فراراً؟ قم يا حجاج بن القاسم.. فأت به في الحال.

نبشوا القبر ومثلوا بالجثة

وانطلق الحجاجُ بنُ القاسم في بعض أعوانه حتى أتوا على البستان فنبشوا القبر واستخرجوا الجُثة.. وحملوها على ظهر بعير..

وعلى باب القصر كان الجميعُ ينتظرون وصولَ جُثة الإمام.. أوقف الجمل في وسط الجموع المحتشدة.. وبدلاً من إقعاد الجمل وإنزال الجثة أشار الحكم بن الصلت إلى بعض جنوده بفك وثاقها فهوت جثة الإمام إلى الأرض.

وضع الجميعُ أيديَهم على قبضات سيوفهم.. وكأن الإمامَ ترجَّل حياً لا ميتاً.. فرحم الله أبا الحسين أفزعهم حياً وميتاً.. وما هي إلا لحظات حتى فصل الرأس عن الجسد.

وحُمل الرأسُ الشريفُ إلى يوسف بن عمر.. فأمر أن يُطافَ به في شوارع الكوفة.. وجعل الناس ينظرون إلىه في إجلال واحترام.. فلكم طالت غيبة هذا الرأس وتخفيه.. ولكم اشتاق الناسُ إلى رؤيته.

وتجرأت ألسنُ السفهاء فصاغت مكنونَ قلوب مريضة.. فاندلع سيلٌ من الشتائم والسباب لتكون وسيلة لهم يتقربون بها من قلوب ولاتهم لينالوا بها لقمة عيش حقيرة.

وسريعاً انتقل الرأسُ الشريفُ تحوطُه أيدي السفهاء وعُباد الدرهم والدينار بعناية شديدة ليجوب صحاريَ العراق والشام.

ومع طلوع شمس أحد الأيام فتحت دمشق أبوابها ليدخل وفد تشيعه الطبول والأهازيج.. ويرتفع في وسط هذا الجمع ثلاثة من الرماح تحمل ثلاثة من الرؤوس.. ووقف الناس عن يمين وشمال الطريق ينظرون إلى هذا الوفد، كلٌّ يسألُ صاحبَه: من أصحابُ هذه الرؤوس؟.

وخرج هشام من قصره يحوطه جندُه.. وتشيعه حاشيته ويتبختر في مشيته.. وأقبل الوافدون عليه وقد أنزلوا الرؤوس، ووضعوها بين يديه، وتقدم متكلمهم قائلاً:

- مولاي أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين هشام بن عبدالملك بن مروان.. مولاي يوسف بن عمر والي العراق يبلغك السلام ويقول لك طلباً لرضاك ووفاءً لك قتلنا الفاسق بن الفاسق زيد بن علي.. وصاحبيه معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة.. ونصر بن خزيمة.. وها هي الرؤوس بين يديك.

جعل هشام يمعن النظر في رأس زيد.. وهو لا يكاد يصدق أنه رأس ذلك الذي أقض مضجعَه وعكر صفوه بالأمس القريب.. وارتفعت أصوات الوزراء بالتهاني تبارك للخليفة نصره ويدعون له بطول البقاء ودوام الصحة.

وتقدم الخطباء والشعراء يتبادرون في ميادين البلاغة والفصاحة.. يبالغون في المدح والإطراء لهشام وبني مروان.. ولا يألون جهداً في الذم لزيد وآل البيت عليهم السلام.

أمر هشام أن يُرمى الرأسُ بين الدجاج.. وجعل هشام في كل يوم يخرُجُ إلى الناس ويرفع الرأسَ على رمح.. ثم يجمع له الناس.. وبدأ الخطباء والشعراء في اختلاق النقائص لعلهم بذلك يحقرون من شأن صاحب ذلك الرأس.. ثم رفع فوق باب دمشق مدة من الزمن..


http://www.yemen.sadahonline.org/featur ... 36-29.html
صورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا رَبُّ بهم وبآلِهِمُ *** عَجِّلْ بالنَصْرِ وبالفَرجِ

صارم الدين الزيدي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1155
اشترك في: الأربعاء يناير 07, 2009 6:42 am

Re: لإمام‮ ‬زيد‮ : ‬مـــن‮ ‬أحــبَّ‮ ‬الحيـاةَ‮ ‬عـاش‮ ‬ذليلاً

مشاركة بواسطة صارم الدين الزيدي »

يا ليت شعري هل أكون مجاورا*** لك أم تردني الذنوب إلى الورا

ءأذاد عنكم في غذ وأنا الذي***لي من ودادك ذمة لن تغفرا


قل ذا الفتى حضر اللقا معنا وإن*** أبطى به عنا الزمان وأخرا

صلى عليك الله بعد محمد***ما سار ذكرك منجدا أو مغورا

والآل ما حيا الصبا زهر الربى*** سحرا وعطر طيب ذكرك منبرا

صورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا رَبُّ بهم وبآلِهِمُ *** عَجِّلْ بالنَصْرِ وبالفَرجِ

بدر الدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1344
اشترك في: الاثنين أغسطس 01, 2005 1:58 am
مكان: هنااك
اتصال:

Re: لإمام‮ ‬زيد‮ : ‬مـــن‮ ‬أحــبَّ‮ ‬الحيـاةَ‮ ‬عـاش‮ ‬ذليلاً

مشاركة بواسطة بدر الدين »

كان الإمام يقول ما حب البطل
دنياه الاهان في عيشه وذل
حبوا الجهاد ولتتبعوا القول العمل
من خافوا الطغيان عاشوا ذليين

أحسن الله إليكم سيدي صارم وعلى الرغم أني لم أقرأ المقال كاملا رغم أهميته عندي

أتمنى ينزلوا فديو الحفل الأخير

تحياتي لكم

وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون.......!

صارم الدين الزيدي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1155
اشترك في: الأربعاء يناير 07, 2009 6:42 am

Re: لإمام‮ ‬زيد‮ : ‬مـــن‮ ‬أحــبَّ‮ ‬الحيـاةَ‮ ‬عـاش‮ ‬ذليلاً

مشاركة بواسطة صارم الدين الزيدي »

الله يسلمكم سيدي الكريم
وفي ذكرى استشهاد الامام الاعظم زيد بن علي عليهم السلام هاهم رجال الله ينتهجون نهجه الزكي نهج التضحيه والوفاء نهج كربلاء الامام الحسين عليهم السلام نهج النبي والوصي و آهل الكساء المطهرين وآلهم الساداه الميامين نهج العارفين بالله الواثقين به دون سواه المتوكلين عليه وهو نعم المولى ونعم النصير وهو المادفع عن عباده المؤمنين والعاقبة للمتقين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
وبأذن الله يتم رفع الفيديو قريبا
تحياتي لكم
ودمتم دائماً في
نصرٍ وعزٍ وتمكين
صورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا رَبُّ بهم وبآلِهِمُ *** عَجِّلْ بالنَصْرِ وبالفَرجِ

جمال الشامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 305
اشترك في: السبت سبتمبر 29, 2007 3:12 am

Re: لإمام‮ ‬زيد‮ : ‬مـــن‮ ‬أحــبَّ‮ ‬الحيـاةَ‮ ‬عـاش‮ ‬ذليلاً

مشاركة بواسطة جمال الشامي »

بالله أحلف أنه لأجل من .... بعد الوصي سوى شبير وشبرا
قد فاق سادة بيته بمكارم .... غراء جلت أن تعد وتحصرا
بسماحة نبوية قد أخجلت .... بنوالها حتى الغمام الممطرا
وشجاعة علوية قد أخرست .... ليت الشرى في غابه أن يزأرا
ما زال مذ عقدت يداه إزاره .... لم يدر كذبا في المقال ولا افترا
الروافض : هم من رفض الإمام زيد (ع) وقالوا بإمامة جعفر الصادق , ولهم نبز يعرفون به .

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“