آل محمد (ص) في القرآن (2)

أضف رد جديد
Faris
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 56
اشترك في: الأربعاء مارس 30, 2005 8:49 am

آل محمد (ص) في القرآن (2)

مشاركة بواسطة Faris »



ثانيا : قوله تعالى "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور " (1) .

ودلالة الآية تنطلق من أن الرسل لا يسألون الناس أجرا دنيويا على عملهم وقد ذكر القرآن الكريم تصريح الأنبياء بذلك في عدة مواقع ] وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين [(2) ، نعم هناك أمور يطلبها النبي ( ص ) من قومه قد يتوهم إنها من قبيل طلب أجر ، ولكن القرآن ينبه رسوله ( ص ) ليبين لهم ] قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد [(3).

ويبـين القرآن الكريم أيضا أن كل ما يطلبه الرسول ( ص ) هو من قبيل الذكر الذي يوصلهم إلى الله عز وجل وهذا معنى قوله تعالى ] قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا [(4).

وسواء كان الاستثناء متصلا بمعنى أن الرسول ( ص ) يطلب ما ظاهره أجر ، أو أن الاستثناء منقطع بمعنى أنه لم يطلب أجرا بل يطلب أمورا أخرى تصب في صالح الناس .

فقوله تعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ في سياق استثناء يشبه الاستثناء الموجود في قوله تعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين [(1) ، وهو من قبيل اتخاذ السبيل إلى الله كما قال عز وجل ] قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا [(2). حيث أن مودة أهل البيت الناتجة من موقعيتهم كأئمة هداية هو من قبيل الأمور التي يعود نفعها للناس وهي ذكر للعالمين ، وهي حتما من منطلق اتخاذ السبيل إلى الله .

ولما كانت دلالة الآية الكريمة واضحة ، فقد حاول البعض – كالعادة - التشكيك في أن المقصود في الآية هم أهل بيته الخمسة ، فنقول :

قد ذكر ابن كثير في تفسيره أن كبار التابعين كالإمام علي بن الحسين عليهما السلام وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب ذكروا نزولها في أهل البيت كما نقل عنهم ذلك ابن كثير بقوله : " وقول ثالث وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير ما معناه أنه قال معنى ذلك أن تودوني في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم "(1) .

فضلا عن أن الحاكم في ( المستدرك ) نقل عن الإمام الحسن (ع) قوله : "وإنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا [ فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت "(2) .

وذكر ابن كثير في تفسيره قول السدي عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين ( رض ) أسيرا فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة فقال له علي بن الحسين ( رض ) أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [قال وإنكم لأنتم هم ؟ قال نعم .

وقال أبو إسحاق السبيعي سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ فقال قربى النبي رواهما ابن جرير الطبري (1) .

وقد ذهب بعض العامة إلى أن الآية تقصد : إلا أن تودوني لقرابتي منكم ، واستندوا في ذلك إلى رواية رواها البخاري في صحيحه في كتاب التفسير سورة الشورى عن ابن عباس ( رض ) أنه سئل عن قوله : ] إلا المودة في القربى [فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد ( ص ) فقال ابن عباس عجلت إن النبي ( ص ) لم يكن بطن من قريش إلا كان له في قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة(2) .

ومما يبطل هذا القول أن الاستدلال المذكور ليس برواية عن رسول الله ( ص ) ، بل هو قول صحابي إن صحت نسبته له ، على أننا نجد في المقابل قول الحسن (ع) وهو صحابي ويدعمه ثلاثة من التابعين ، لذلك فهو مقدم على ما روي عن ابن عباس لو فرض صدوره منه .



والذي يشكك أكثر بصدور ذلك الكلام عن ابن عباس ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال :" فاطمة وولدها عليهم السـلام "(1) .

فالأمر يعود إلى القارئ لكي يختار ، أيرجح قول صحابي تعارض النقل عنه ، أو قول صحابي آخر وثلاثة من التابعين الكبار ؟

والعجب أن مصادر العامة التي تنقل تلك الرواية عن ابن عباس وتعدها في الصحاح حينما تأتي إلى تفسير قوله تعالى : ] واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى [(2) ، ولتحديد المقصود بذي القربى تجدهم ينقلون عن ابن عباس ما يضاد الكلام السابق في آية المودة .

حيث يروي مسلم في صحيحه كتاب الجهاد باب النساء الغازيات عن يزيد بن هرمز قال : كتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن ... وعن ذوي القربى من هم ؟ فقال ليزيد : اكتب إليه فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه ، اكتب … وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم ؟ وإنا زعمنا أنا هم فأبى علينا قومنا(3) .

فهذا الذي ينكر على قومه أن يكونوا مصاديق لذوي القربى كيف يقول في تلك الرواية أن كل قريش هي قرابة رسول الله ( ص ) في قوله تعالى ] قل لا أسألكم أجرا … [ ؟



بل نقل ابن كثير في تفسيره الرواية بزيادة " وقالوا قريش كلها ذوو القربى "(1) وهي تبين علة إباء قريش عن إعطاء بني هاشم حقهم .

وقد شكك البعض بالدلالة من حيث أن من عادة القرآن أن يبعد بذي القربى فأي وجه لأن يقول في القربى . وقد ردّ ذلك الزمخشري في تفسيره بقوله :

" ( فإن قلت ) : هلا قيل إلا مودة القربى أو المودة للقربى وما معنى قوله إلا المودة في القربى ؟ ( قلت : ) جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كقولك : لي في آل فلان مودة ولي فيهم هوى وحب شديد تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله ، وليست " في " بصلة للمودة كاللام إذا قلت إلا المودة للقربى إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك المال في الكيس ، وتقديره إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها والمراد في أهل القربى "(2) .

وأما ما يذكر من أن الأنبياء لا يسألون أجرا على تبليغ الرسالة الإلهية بل أجرهم على الله ، فهذا وإن كان مرجحا لانقطاع الاستثناء في الآية ، ليصبح المعنى لا أسألكم أجرا أبدا فالنبي لا يطلب أجرا ماديا ، وإنما يطلب أن تتخذوا السبيل إلى الله مع القربى المذكورين ، وهذا طلب يعود نفعه لكم ويصب في صالحكم ] قل ما سألتكم من أجر فهو لكم [(1).

ولكن مع ذلك فإن احتمال كون الاستثناء متصلا قوي ، وأنه ( ص ) سألهم أجرا تجوزا في الكلام لا أنه أجرا حقيقة لاحظ ما ذكره الزمخشري في تفسيره : " يجوز أن يكون استثناء متصلا أي لا أسألكم أجرا إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة "(2) .

نعم الأجر إن كان من الله قد يكون أخرويا وقد يكون دنيويا فقد أعطي إبراهيم (ع) أجره في الدنيا فقال عز وجل ]وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [(3) ، فالله تعالى قد أعطاه أجرا في الدنيا وهذا الأجر لابد كان في جعله إماما للناس ، وألحق به ذريته أئمة للناس كما طلب ذلك بنفسه (ع) في قوله تعالى : ] وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [(1) .

فإن كان القرآن يذكر أجرا لإبراهيم (ع) ، فإنه من الراجح إذا أن مثل هذا الأجر يعطى لأفضل الأنبياء وخاتمهم ، بل إن صريح القرآن أن أجره ( ص ) هو أعظم الأجر كما في قوله تعالى : ]وإن لك لأجرا غير ممنون [(2).



إذا ، فالاستدلال بالآية لا يقتصر على ثبوت اتصال الاستثناء ، بل حتى مع الانقطاع الاستدلال تام .

ثم أن رسول الله ( ص ) لا يمكن أن يعتبر مودة قرابته مجرد تعاطف نفسي معهم ، بل من المستبعد أن يتكلم القرآن الذي هو دستور حياة المؤمن بعبارة ذات طلب من الناس ، بينما القصد هو مجرد عواطف ومشاعر لا تؤثر في روح الإنسان ومسيرته نحو ربه ، فهل يمكن أن نعتبر المودة في القربى مجرد تعاطف أم هي أمر دخيل في صميم الهداية ؟

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات التاريخية والآثار الإسلامية“