البعد الحضاري لفكر المعتزلة

أضف رد جديد
أمين نايف ذياب
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 70
اشترك في: الجمعة أغسطس 12, 2005 12:25 pm

البعد الحضاري لفكر المعتزلة

مشاركة بواسطة أمين نايف ذياب »

البعد الحضاري لفكر المعتزلة
محاضرة عن المعتزلة


يأتي عنوان المحاضرة " البعد الحضاري لفكر المعتزلة " لتتكاثر الصعوبات فكيف يمكن الكلام عن بعد حضاري لفكر تراثي لا وجود له عند الناس منذ بداية القرن الخامس الهجري ووصفه أصحاب الأغراض من سلفية وأشعرية وشيعة بأنه فكر من أفكار أهل البدع والأهواء .

قبل الدخول إلى المحاضرة يحق أن يثار السؤال التالي : -
ما هي المشروعية التي تبرر مثل هذا البحث وما الغاية منه ؟
والجواب هو أن مشروعية البحث آتية من الأزمة الحادة التي يعانيها الفكر الإسلامي المعاصر فهي تحتاج إلى حل لزوال المأزق الذي يشتد ضيقاً على الحركة الإسلامية السلفية بكافة أسمائها ، وسواء كانت حركة فكرية سياسية تريد التغيير من القمة أو كانت حركة تهذيبية تطلب التغيير بعملية الدعوة للأخلاق وتهذيب السلوك أو كانت حركة تطلب التغيير من خلال تحقيق مفهوم العقيدة عند الناس من خلال رؤية محمد بن الوهاب وابن القيم الجوزية وابن تيمية أو من خلال دعوة إلى العبادات تقذف إلينا من الهند أو أي شكل من الأشكال الأخرى الأكثر هلامية .

وحركة التغيير هي حركة مجتمع على الوجه الإجمال وليس دعوة في مجتمع ، فإذا نجحت الدعوة بأن تقيم في المجتمع حركة إلى أعلى تكون قد سارت في التغيير أما إذا كانت الحركة تثير في المجتمع أشواقاً روحية وكثيراً من الأماني معتمدة على جملة من الشعارات أو مجموعة من الأهداف والغايات من خلال تجييش العواطف وجعل الأماني وكأنها في متناول اليد والاعتماد على مقالات في غاية الإبهام ومفتقدة للتحديد فمثل هذه الحركة تعاني الأزمة والمأزق معاً ، بل وتحولت إلى عقدة من عقد المجتمع لا بد من حلها .

والإسلام يتمثل عند الإسلاميين ودعاة الإسلام المعاصرين بعملية خلط واختلاط ومن هنا كانت الأزمة إذ يجعلون النص أي )الكتاب( والثابت من السنة (كل حسب منهجه) إذ قد لا تكون ثابتة وخاصة عند المذهبيين ، والحياة الفلسفية والحياة العقلية للأمة الإسلامية عبر العصور " التراث " ألقولي والتطبيق (التراث العملي) أو مسار التاريخ لهذا الإسلام أي حركة التاريخ عبر دولة الراشدين والأموية والعباسية في عصورها الثلاثة والعثمانية ، يجعلون هذه الثلاثة هي الإسلام فيقيمون حول هذه الثلاثة النص والتراث ألقولي والتاريخ سوراً من القداسة والتعظيم ولأن النص هو المقدس دون التراث والتاريخ فلا بد من فك هذا الارتباط وهذه أولى خطوات حل الأزمة الفكرية التي نعانيها وكان من شأنها هروب جموع من أمتنا شباباً وقادة فكر نحو الليبرالية الغربية " التغريب " طلباً للحرية أو اليسارية طلباً للعدل الاجتماعي أو القومية طلباً للسؤدد والعزة .

لقد رأى الإسلاميون السلفيون كثرة سوادهم بعد رحلة للجماهير مع الليبرالية واليسارية والقومية ، عادت منها الجماهير بخفي حنين ولهذا ظنت الجماهير مجرد الظن أن اتصالها علي تلك الصورة المشوهة هو العلاج فتملكت مشاعر الفرح قادة العمل الإسلامي وصاروا يتغنون بالصحوة الإسلامية ويفاخرون بها وإذا هم في موقعهم العجز عن العمل أي إيجاد حركة التغيير من خلال حركة المجتمع ن وجدوا أن السبيل هو الاستمرار في الحشود العاطفية وتعليق الشعور بالقصور والعجز على مشجب العدو الصهيوني والشيوعية والماسونية والاستعمار .

والسؤال : ما هي مظاهر الأزمة الفكرية موضوع البحث ؟
الجواب : هو أن الأزمة الفكرية ذات مظاهر متعددة وتعني أموراً كثيرة تعنى بالتحديد عدم القدرة علي حل مشاكل العصر وعدم ملائمة التفكير للحياة الإنسانية وانعدام البرهان والدليل في الفكر وتقييده للنمو والتطوير والحركة وافتقاده الوضوح والبلورة والصفاء وانعدام الإنشاء والارتقاء في الفكر وعجزه عن التوسع والانتشار وعدم قدرته علي تحرير الإرادة والسيادة في الإنسان كأمة وفرد وسلطان أي في المجتمع .

وأدعوكم الآن لقراءة الثنائيات التالية : الإيمان والعمل ، الفكرة والطريقة ، الشريعة والمنهج ، الفكر والفعل ، الإرادة والسيادة ، المخبر والمظهر ، السريرة والظهور الجوانية والبرانية جوانية الدكتور أمين عثمان الباطن والظاهر ، النظرية والممارسة ، الكمون والظهور ، العقلية والنفسية المحددات والتجليات [ ثنائية الجابري في نقد العقل السياسي ] المفاهيم والسلوك ، الحرية والإبداع ، نجد أن هذه الثنائيات تشترك في مقولة واحدة هي أن وراء الفعل الظاهر فعل آخر هو التفكير فالتفكير تصميم والفعل إخراج لهذا التصميم إلى حيز الوجود والحياة ومن الإدراك لأثر الفكر في كل عمل أو نشاط تقوم به الأمة بوصفها كائناً اجتماعياً أو الفرد بوصفه كائناً حقيقياً أو السلطان بوصفه كياناً تنفيذياً أو المجتمع بوصفه كائناً يشمل الكيانات الثلاثة : الأمة والفرد والسلطان .

وما دامت حركة المجتمع هي الأمة والفرد والسلطان معاً فما هي الوحدة الأساسية في حركة المجتمع أهي الأمة أم الفرد أم السلطان ؟ وهذا التساؤل جزء من الأزمة الفكرية الإسلامية ولم يسع لحله إطلاقا وإنما وجدت محاولات للمفكر تقي الدين النبهاني وقد توصل إلى حل ظاهرة الصواب والصحة ولكن حزبه وأتباعه ومؤيديه تركوا هذا الحل ورائهم ظهريا وبقي الحل أسيراً لنتف ومتفرقات تتوزع على كتب الحزب ونشراته الدورية وأجوبة أسئلة .

الوحدة الأساسية هي الأمة فالسلطان كامن فيها واعتماده في الوجود والبقاء عليها والفرد ليس سناً في الدولاب وإنما هو وحدة منفردة فيما هو خصوصي وجزء من الأمة في أفكارها الجماعية ومشاعرها الخاصة هذه الجزئية لا تفتقد خصوصيته ولا تجعله منفصلاً من الجماعة .

توصل الدراسة المتأنية للفكر الإسلامي في النص ومدارسة التراثية أن الأزمة ليست في محل المصاحبة للفكر الإسلامي بحيث لا تنفك عنه ، وإنما حدثت الأزمة مبكراً منذ وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم بل وجثمانه الشريف لم يوار التراب بعد وهي أزمة لمن الأمر من بعده ؟ ووضع الرأس بالرمل كالنعامة وارتفاع الصوت بأن الإقرار في هذه المقولة على هذا الشكل الصريح إنما هو اتهام للإسلام ليس علاجاً أليست هذه الأزمة هي التي لازال المسلمون يعانون من آثارها حتى هذه الساعة ؟
فالانقسام بين المسلمين إلى سنة ـ بل وانقسام السنة إلى عدة مناهج ومذاهب ـ وشيعة وزيديه وإباضية كواقع معاش ، وما تمتلئ به كتب الفرق من تعداد لها ناف عن السبعين ، وما تحويه هذه الكتب من الاتهامات والتشنيعات على بعضها ، هذه الفرق منها لا زال له وجود ، وهذا دلالة واضحة على ضرورة التسليم بهذا وأن الأزمة ظهرت مبكراً .
ولضعف التفكير لم يفرق أهل هذا الصراخ بان القول بظهور الأزمة مبكراً لا يعني بالضرورة أن أساس الفكر أي النص هو سبب الأزمة ، فالبرهان ظاهر وجلي على أن النص ليس هو سبب الأزمة ، بل في النص قدرة فائقة على إنبات القواعد وعلاج المشاكل مهما اختلف الزمان والمكان ، فالمعاناة هي في الفهم .
إنَّ سبب الأزمة هي طريقة تعامل الإنسان مع النص الذي قد أوضح بشكل لا يتطرق إليه ريب أنه قد جعل السلطان للأمة تختار من تراه قادراً كنائب عنها في توليه أمرها ، فالخطاب موجه إلى الأمة بمجموعها حين قال تعالى ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) (المائدة: من ألآية) والنص توجه إلى الأمة حين قال تعالي : ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (التوبة:1) كذلك حين قال تعالى ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (النور: من ألآية) وقوله : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )(المائدة: من ألآية) وآيات طلب القتال وآيات الوفاء بالعهود كلها توجيهات للأمة بمجموعها .
وحين التمحيص يتبين إنَّ الأمة بمجموعها لا يمكن أنْ تقوم بالقيام على رعاية شؤونها في الداخل والخارج وإنما يقوم به من يقوم مقامها أن من يمثل سلطاتها ولا يمكن أن تقوم بالعدل حين الاعتداء أو النزاع ؛ وإنما يقوم القاضي به ، وكذلك إيقاع العقوبة على الزانية والزاني وإيقاع القطع ليد السارق أو السارقة ومباشرة القتال وتوقيع العقود عن الأمة وإلغاء العقود والمعاهدات فإنما يقوم به السلطان ، أي يقوم بالتنفيذ ، وتوجه الخطاب للأمة يعني أن الأمة صاحبة هذا الحق أصلاً ، إن حوار السقيفة لم يتأسس على النص وإنما تأسس على أمرين ، الأولوية وميراث محمد وسلطانه فإذا قال بعض المسلمين اليوم أن السلطان نصاً للأمة ، ولم يجعله لأحد بسبب العشيرة أو الميراث أو القرابة ، وأن الأمة تختار من يحكمها بحكم أهليته ، ومباشرة الاختيار ثم بيعة الطاعة ما لزم عدم الخروج على العقد وإحسان تطبيق نصوص العقد ، أيكون مثل هذا البعض طاعناً في النص ومتهماً إياه بالقصور ؟ أم هو مجرد إعادة قراءة لإعطاء النص بعده الحضاري ؟
ما إقامة الفكر الإسلامي السني من دعاوى لا تستند إلا لمقولات باستثناء الفقه المتعلق بالفرد ، ففيه لا شك من الصحة والصواب الكثير بخلاف مقولاتهم في الأفكار المتعلقة بالعقيدة وتلك المتعلقة بأصول الدين وعلم مصطلح الحديث ومناهج التفسير والفقه السياسي سواء تعلق بالحكم أو بالاقتصاد أو بالعلاقات الخارجية فإنها تحوى من التجاوزات الكثير ، وهنا لا بد من تنبيهٍ لأهل الغفلة من المسلمين بان مصطلح تسمية ذلك النمط الفكري باسم ( أهل السنة والجماعة ) والموحي بأن بقية المسلمين من أمامية وزيديه واباضية ومعتزلة مجرد فرق خارجه عن المصدر الثاني للشريعة وهي " السنة " وعن جماعة المسلمين لذلك فهي مجرد فرق ضالة مبتدعة إنما هو غطاء وسياج وضغط متقصد من خلال اللاوعي لمنع الوعي والواعين من قيادة الأمة من خلال الفكر الإسلامي الصائب ، فما من فرقة من تلك الفرق إلا وتعتمد السنة وفق منهج لها في كيفية التثبت وطريقة للاستدلال فالزيدية مثلاً لهم منهج الأمام زيد والاباضية لهم منهج جرح وتعديل وللمعتزلة واغلبهم أحناف من حيث الفقه منهج الأحناف في قبول الحديث والاستدلال به ، ولهم منهج مدون في مصطلح الحديث ولكن لا يزال ضمن المخطوطات .
وفي دراسة للنمط الفكري السني من خلال تيار الأشاعرة وتيار السلفية الوهابية ، وهي الأكثر وجوداً على الساحة يذهب كل واحد منها إلى أن الحق معه ومن المعلوم أن التيارات السياسية الإسلامية المتواجدة في ساحة البلدان العربية بغض النظر عن الاختلاف فيما بينها ففي مؤسسة على النمط الفكري السني وفي دراسة لأكثرها وعياً وهو حزب التحرير والذي عين له مؤسسة المرحوم تقي الدين النبهانى طريقة للتبني ، إلا أنه في الحقيقة منتم للنمط الفكري السني فمنذ وفاة مؤسسة أخذ في نشراته يستشهد في أحاديث خبرية متعلقة بالتاريخ والملاحم ، وهكذا وقع أسيراً وبكب سهولة للجبرية التاريخية ، فالحوادث هي تجلى نبوءات حديثيه لا يمتلك الإنسان الفكاك عنها ، ومثل هذه الجبرية التي برزت من زمن معاوية بن أبي سفيان متأثراً بمصلحته وأستاذه كعب الأحبار ، هي ضرب لمفهوم المسؤولية فالفكر التي سادت في الفكر الإسلامي الذي ساد في التاريخ الإسلامي ومن ثم انتقل إلى الأعاجم الذين تسلموا قيادة الدويلات بل دولة المركز أما الدولة العثمانية ولأنها تتبنى فكر الأحناف فكان من الممكن أن تكون أكثر تقدماً لولا فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية من جهة وتسلمها الحكم في وقت أفول نجم الاجتهاد وتركز تقسيم المسلمين إلى فرق لا تتجاوز ولا تلتقي وخصائص الفكر الإسلامي هي :
1- التوحيد التشبيهي ولا يغرنك الهروب إلى البلكفة .
2- الجبرية سواءٌ كانت جبرية خالصة أو كسبية .
3- ناصبة تناصب آل البيت العداء كما هي في الأموية ومعادية لآل البيت والطالبين كما هي في أبناء عمومتهم العباسيين .
4- حشوية تجعل النص في محل التبعية لفكرها .

أما الأعاجم فهم وان لم يناصبوا آل البيت العداء بسبب من تأجج المشاعر الإسلامية إلا أنهم ناصبوا كل فكر إسلامي آخر لا ينتمي إلى فكر شيخ ذلك الأعجمي .
تبين تلك المقدمة العجلى أن فكر أهل السنة والجماعة يفتقد لبعده الحضاري ليس الآن بل منذ وجوده إذ هو مجرد انحراف تابع وشايع سلاطين القهر جعل الفكر الإسلامي يدور مع التاريخ وليس مع العقل والنص وامتلأت سطوره بالإسرائيليات اعتمادا على مثيولوجيا أهل الكتاب من خلال التفسير أو من خلال دعوى أنه حديث لرسول الله صلي الله عليه وسلم لإضفاء الشرعية عليه على اعتباره أنه نص .
محذوف بأمر المطبوعات ما هو داخل المربع ولم يصدر في الكتاب


كود: تحديد الكل

لقد كشفت حرب الخليج تلك الحقيقة المرة ، ذلك أن علماء أهل السنة والجماعة ـ دون غيرهم هم الذين تلونوا بلون السلطان ، فعلماء مصر والسعودية وعلماء أفغانستان وعلماء مشايخ الأمارات البترولية وعلماء باكستان وبنجلادش وسورية لم يمنعهم في مؤتمرهم العتيد ـ مع قربـهم من مهبط الدعوة الإسلامية بان يجاهروا بأنهم مع الأمريكان والشيطان .  




ملاحظة : تاريخ هذه المحاضرة في 12/11/1990 م كانت تلك البلاد مكانا ومسرحا لتحركات جيوش الحلف الثلاثيني لضرب العراق فعدم ذكر بقية علماء البلدان الإسلامية الأخرى ليس تبرئة لهم أو علماء المذاهب الأخرى كان الوصف لتجليات الواقع لأسباب سياسية فمن لم يظهر أنه مؤيد لأمريكا فاللعبة السياسية كانت تقتضي ذلك فالمذهبية سلطة على الجماهير وعلماؤها تحت هيمنة السلطان سواء أكانت إيران أو عمان أو اليمن ربما البعض يرفض القبول بسياسة السلطان لكن على الجملة يبقى صوتا غير قوي وهذا ما تكشف عنه الواقع بعد 11/9/2001 ثم حرب بوش ضد العراق عام 2003 م .
وأمام هذه الحقائق هل نترك الإسلام ونجوب للشرق والغرب طلباً لما عندهم من أفكار وقيم ومناهج وأنظمة اقتصاد وحكم وسياسة خارجية وأحكام ومعاملات وبهذا تضيع سماتنا ونصير أضحوكة للأمم وهاهي الأمم تجرأت علينا ، قال الشاعر :

مثل الغراب أحب مشيـة طائر فمضـــى يقلده بكل هيام
لما رأى أن لا سبيل لمـا ابتغي طلب الأصيل مشـوه الأقدام
يا أمتي شقي الطريق إلى الهدي فالنور يهدى الجاهل المتعامي
لا تخدعنك سفسطات في الدجى أوحوقلات دون ما استفهــام
إسلامنا بحر يمـوج عبابــه بالمعجزات وسائر الأحكــام
إسلامنا النبراس يهدي ضوؤه من ضل في الأدغال والآجـام

إن النص لا يعمل من خلال نفسه وإنما يعمل من خلال آلية للفهم وقنطرة للعبور ، أما آلية الفهم فهي العقل واللغة العربية ، وأما قنطرة العبور فهي التراث الإسلامي الذي يخلو من العوج فهو تراث المعتزلة بالتحديد وبهما معاً بآلية الفهم وقنطرة التراث نستطيع أن نصنع حياة أمتنا على استقامة وعلى بصيرة (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)
يقيم المعتزلة عمارتهم الفكرية الإسلامية على حجج الله على خلقه وعلى الأصول الخمسة للدين الإسلامي من خلال منظور فكري متكامل يقبل الإنشاء والارتقاء من جهة إذ هم يرفضون التقليد ، ويقبل النمو والتطور والحركة ، لأنّ المعتزلة هي تنظيم حركي في المجتمع لإنشاء مجتمع " التوحيد والعدل " وهو الاسم الذي ارتضوه لأنفسهم قبل قبولهم بالاسم الذي أطلقه الخصوم عليهم .
وهنا يمكن إدراك ما بهذه الثنائية من ارتباط بالثنائيات السابقة .
فالتوحيد منهج تفكير والعدل نتيجة فعل ، فالمعتزلة لا تقبل الفصام بين النظرية والممارسة فهما أمران متتامان ويجعل المعتزلة حجج الله على خلقه ثلاث هي العقل والكتاب والسنة لكن (حسب منهجهم في التثبت ) والاستدلال فالعقل يقوم بالنظر والتفكير والاستدلال ، فواصل بن عطاء ذهب إلى أن الحقيقة تعرف بحجة العقل ، وثمامة بن الأشرس قال بتقديم المعرفة العقلية على المعرفة السمعية والجاحظ يكتب " فلا تذهب إلى ما تريك العين وأذهب إلى ما يريك العقل ، وللأمور حكمان ظاهر للحواس ، وحكم باطن للعقول والعقل هو الحجة " والقاضي عبد الجبار يطلب الحد التام في تعريفة للعقل فيقول في بيان ماهية العقل " هو جملة من العلوم مخصوصة متى حصلت في المكلف صح منه النظر والاستدلال والقيام بأداء ما كلف به " .
ولا يفصل المعتزلة بين الموضوع وبين العقل فالواقع المعقول يعني والعقل يدرك المعنى فالواقع والعقل يولفان متصلاً متجانساً واحداً يؤسس المعرفة الممكنة الواحدة أي المعرفة المطابقة للواقع ولا يكتفي القاضي بالمطابقة بل يجعله معنى تسكن النفس إليه .
أما القاسم الرسي ( توفي 246 هـ) فيجعل العقل أول الحجج إذ به يعرف المعبود وبحجة الكتاب تتم معرفة التعبد وبحجة الرسول صلي الله عليه وسلم أي السنة تعرف العبادة والعقل أصل للحجتين الأخيرتين لأنهما عرفا به ولم يعرف يهما .
هذا التميز للعقل عند المعتزلة وعند الزيدية إذ مشربهما واحد فواصل بن عطاء والأمام زيد تتلمذ كلاهما على أبي هاشم بن محمد الحنفية أي ابن علي بن أبي طالب من غير فاطمة جعلهما لا يقيمان وزناً لأي تفسير للقرآن الكريم يخالف مفهومي التوحيد والعدل وجعلهما يَرُدَّان كل حديث في محل التناقض مع التوحيد والعدل وهذه المكانة للعقل تعطي المعتزلة بعداً حضارياً رائعاً ولكن حذار من أن يفسر العقل بأنه الملكة أو الهوى .
يؤصل المعتزلة ومثلهم الزيدية أصولاً خمسة هي :
1- التوحيد .
2- العدل .
3- المنزلة بين المنزلتين .
4- صدق الوعد والوعيد .
5- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وقد احتل العمل في فكر المعتزلة سواء على صعيد الجماعة الإسلامية أو على صعيد الفرد مكاناً مرموقاً ومنزلة هامة ، وتكاد تكون هذه الأصول الخمسة مكرسة لخدمة الفعل في صورتيه الجماعية والفردية .

ماذا يعني التوحيد في فكر المعتزلة ؟
يقيم المعتزلة التوحيد من خلال النظر العقلي ، فالنظر العقلي هو الطريق الوحيد للوصول إلى هذا الأصل ، ومعني التوحيد كما هو من خلال النظر العقلي ، هو أن لهذا الواقع المحسوس من أرض وسماوات وجبال وانهار وبحار ونبات وحيوان وإنسان خالقاً خلقها هو الله الواحد لعدم جواز التعدد عليه عقلاً وهو أحد فلا صفات زائدة على الذات لدلالة اقتران الصفة بالموصوف على أي وجه على صفة الخلق ، وهو حكيم لا يجوز عليه فعل القبيح تنزيهاً عقلياً وهو عليم خبير لما ظهر في خلقه من إحكام ، استخلف الإنسان ووهبه عقلاً يعرف به الله ربه وخالقه ، ولطف به بان أرسل الرسل تدعوه إلى ترك غفلته ، وتبين له ما يتعبد به . ويقيم الرسول البرهان العقلي بأنه صادق في دعواه بإظهار المعجز على يديه ، وعليه فلا يظهر الله المعجز لكاذب ، وهو الله المتصف بالكمال والمنزه عن الزمان والمكان ، وعن الجهة والحد إذ هو الخالق للزمان والمكان ، إنه التوحيد ألتنزيهي يعجز العقل عن أدراك ذاته فلا يجوز عليه الأين والكيف ، والعجز عن أدراك الذات هو عين الإدراك وهو التوحيد ألتنزيهي .
وربما يظهر لأول وهلة أن مقولة التوحيد تلك صعبة المرتقى ، وخالية من البُعد الحضاري وإنها ذات بعد ديني فقط ، متعلق بالآخرة دون الحياة الدنيا ، وإن هذه المقولة الكلامية على هذه الصورة هي مجرد تذكير بالآخرة ، أفلا يكفي إيمان الفطرة لتحقيق هذا البعد الديني ؟
إن هذا التوحيد المعتزلي القائم على البرهان العقلي الذي يملأ العقل قناعة فتسكن النفس له فالله من خلال مثل هذا التوحيد حقيقة تملأ الوجود وليس فكرة ممكنة الوجود ولهذا الإيمان على هذه الصورة ولهذا التوحيد المبرهن عقلياً تحرر الإنسان من ذل الشعور بالتبعية لأشخاص مهما كانت قوتهم لليقين أنه وهؤلاء الجبًّارين والقاهرين والمتكبرين والمتسلحين بقوة المال أو قوة السلطان على حال واحدة من العبودية فكلهم عبيد للواحد الحد القهار والجميع بالإنسانية سواء ، وفي قصة سحرة فرعون وقد تبرهن عياناً لهم حين لقفت ثعبان موسى عليه السلام إفكهم تم الانعتاق من الخضوع لفرعون ، وحين تهديدهم بتقطيع الأرجل والأيدي والصلب ، أجابوه بصوت واحد (فاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)(طـه: من الآية 72) هذا التحرير للإرادة ليس هو البعد الحضاري الوحيد لأصل التوحيد وإنما هو أيضاً تحرير للفكر فلا كبت ، إذ يستطيع أن يقيم التساؤلات بل ويعين التوحيد الاعتزالي منهجاً قويماً في تحصيل المعارف المختلفة ، من علوم تجريبية ، أو علوم إنسانية أو معارف ثقافية ولغوية بل وأدبية ورياضية (حقل إنتاج المعرفة) ولهذا التوحيد الاعتزالي ترجع وقفة القوة أمام الظلمة من بني أمية والعباسيين من بعدهم .
وإذا كان الزيدية والاباضية قد وقفوا نفس الموقف القوي أمام الظلمة فلأنهم أيضاً يؤمنون بنفس توحيد المعتزلة ، مع ملاحظة تراخيهم في كثير من الأزمان ، أما البعد الأخير لهذا التوحيد هو إمكان تقديم القناعات لمن ليس لديه مثل هذه القناعة ، (حمل دعوة التوحيد للغير) وإزالة الرجرجة والاهتزاز عند من يعاني ضعفاً في يقينه أي في إيمانه .

الأصل الثاني العدل .
إن الأصل الثاني عند المعتزلة هو العدل فالله عدل وهي صفة أفعاله ، كلف الناس بفعل الطاعات والامتناع عن المعاصي وأزاح كل علة تمنع الإنسان من فعل الطاعات فالقهر والغلبة والظلم والفساد والفجور والبغي والفسق والتي استندت في تبرير وجودها إلى فكرة الجبر الخ والمعتزلة هم من وقف أمام هذا الداء الوبيل ، فالمعتزلة بتأصيلهم العدل الإلهي وهو جعل الإنسان حراً في فعله يقوم به بإرادته له ، ويجعله موجوداً بامتلاكه سيادة نفسه ، فلا قاهر يقهره على فعله ، حر في الإرادة والسيادة معاً ويترتب على ذلك تحمله تُبَعةَ فعله في الدنيا والآخرة .
وإذ كان التوحيد تحرير للفكر أي الإرادة جاء اصل العدل لإكمال التحرير فجعل الإنسان متحرراً مختاراً يفعل أو يترك أي تحرير السيادة ومن خلال تحرير إرادة الإنسان وسيادته أمتلك الإنسان حريته التامة بأفعاله الاختيارية ولهذا فإن كل المسؤولية عن فعله تقع على عاتقه وهذا من أهم الأبعاد الحضارية .
هذان الأصلان : التوحيد ، والعدل ، هما الأصلان اللذان قام المعتزلة على أساسهما في بواكير نشاطها في بيت الحسن المثني من آل البيت وفي بيت محمد بن على بن أبي طالب ابن الحنفية من الطالبين ، فمدينة الرسول وبيت النبوة والطالبين مكان نشوء الفكر الاعتزالي وبهذين الاصلين كفاية لتحقيق مسيرة صاعدة ، والأصول الثلاثية الباقية راجعة كلها لهذين الأصلين ، وأن كانت العلاقة ما بينهما وبين العدل تبرز بشكل أكثر بحيث تتجلى بكل وضوح للعيان .
ملاحظة ضرورية لأهل التشيع . كون الحسن بن الحسن وأولاده وأحفاده ذكروا في بناء المنهج المؤسس على التوحيد والعدل ومثلهم ابن الحنفية وولديه لا يعني أن هذا يقتضي التشيع فالتشيع كما هو الآن مخالف للتوحيد والعدل سواء عند الإسماعيلية أو الجعفرية أو الزيدية كما لمست منهم .

الأصل الثالث المنزلة بين المنزلتين
يعتمد أيُّ متحدث عن نشوء المعتزلة تلك الحكاية التي أوردتها كتب التاريخ والفرق والتي حدثت في مسجد البصرة ما بين 100 – 105 هـ إذ لم يؤرخ أهل التاريخ والفرق لوقتها تحديداً ، هي كما ذكرها الشهر ستاني " دخل واحد على الحسن البصري فقال له يا أمام الدين لقد ظهر في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر مخرج عن الملة هم وعيديه الخوارج ، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ، ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم لنا بذلك اعتقاداً ؟
ففكر الحسن وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق ولا كافر مطلق بل هو في منزلة بين المنزلين لا مؤمن ولا كافر ، واعتزل إلى أسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن : اعتزل عنا واصل فسمي هو وأصحابه المعتزلة " .
وتلفت النظر هذه الحكاية كثيراً وهي بحاجة إلى دراسة جادة ففيها من الأفكار ما يحتاج إلى توقف ولكن المهم منها أن واصلاً حين أجاب والحسن لا يزال يفكر فأنها تكشف أن واصلاً الذي لم يبلغ الخامسة والعشرين على أعلى تقدير قد نضج في الفكر ومما يعلم منه أن الحسن البصري ليس هو أستاذه فإذ الحسن البصري لا زال في تفكيره أجاب واصل أجابه لها كامل المشروعية من حيث أساسها وواقعها وهي تلفت النظر إلى أنّ الخوارج كلها ليست وعيدية وهذا الأصل المبني على العدل يعني ويفصل الموقف تجاه مرتكب الكبيرة ويحرك صاحب الكبيرة لإدراك مسؤوليته عن كبيرته ويحرك الجماعة نحو موقف معين من صاحب الكبيرة ، فلا يكون في محل الولاية والقبول والرضا ووجود مثل هذا الرأي تجاه صاحب الكبيرة هو الطريق الطبيعي لردع أصحاب التجاوزات ، أفلا يتضح بعد ذلك مقدار هذا البعد الحضاري حيث يُلجأ للرأي العام لإجبار أصحاب التجاوزات على ترك تجاوزاتهم من خلال الإلزام الأدبي الطوعي ، أليس تقليل الجريمة والجنحة بعداً حضارياً في ذاته ؟ ألم يُصِرُّ الفكر السني على جعل وجود الشهادة ( 1 ) في حياة إنسان كاف لإدخاله الجنة حتى لو جاء بالأمريكان وأكل أموال اليتيم وفجر بأمة بل وأعمل السياط في جلود الأمة وتفنن في طلب التكاثر وتفاخر في أمواله بل وأفسد ذمم الناس بالرشوة وقتل الأبرياء وجعل السيادة على الحجاز ونجد للعلوج وسحب قواته من الوقوف أمام اليهود إلى الوقوف صفاً واحداً مع الكفار الغربيين فعند الفكر السني يستحق مثل هذا المسلم المرتكب لأبشع صور المخالفات الجنة ، بعد العذاب فترةَ أو بدونها فالله صادق بوعده أما وعيده فهو لا يطول أصحاب شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإن كانت فارغة المحتوي بعد ذلك من كل شيء ومن هنا جاء الأصل الرابع .

الأصل الرابع
صدق الوعد والوعيد : البعد الحضاري هو حث ليلتزم الإنسان بالتوحيد والعدل أي بالنظرية والممارسة ، وليكون من أصحاب الوعد (الثواب العظيم) ، أما أن ترك العمل أو قام بالعمل المحبط فهو واقع تحت صدق الوعيد ، أي العذاب الأبدي الخالد وهذا الشرح كاف لبيان البعد الحضاري لهذا الأصل الرابع .
أما الأصل الخامس وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبصورة العصر هو إلزام الأمة أي الجماعة وقد تحددت مفاهيمها ومقاييسها وقناعاتها من خلال مشروع ثقافي تفهمه وبناءً على بذل جهود في الدعوة إليه ، فيلتزم به الفرد ظاهراً على الأقل نزولاً عند الرأي العام الذي تشكل بسبب الوعي ، أما السلطان فيقوم كنتيجة طبيعية لهذه القاعدة الجماهيرية الواعية ، وهي التي تمنحه السلطان ، وهي التي تراقبه وتحاسبه ، وتأخذه منه في حالة الانحراف ، وتعيده إلى الأمة ولو أدي الأمر إلى استعمال الأساليب المادية : من عصيان مدني ، أو من خلال ضغط الجماهير الأدبي أو المادي بالإضرابات والمظاهرات ، أو بقوة السلاح ـ إذا حَصَّن السلطان نفسه بفئة تعينه على البقاء في السلطة مع انحرافه ـ ولولا قيام المعتزلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضد الشعوبية وضد بقايا الأديان ولولا منافحتهم عن الإسلام والقرآن بسلاح الدعوة والجدل على بصيرة لانحسر الإسلام كعقيدة روحية عن بقاع كثيرة .
ولم يكن دفاع المعتزلة المجيد عن الإسلام دفاعاً عن عقيدة روحية فقط بل كان جل دفاعهم عن الإسلام دفاعاً عن عقيدة روحية سياسية لا تفريق بين بر أو فاجر أو مواطن أي رعية من الرعايا لا يدين بالإسلام ، فالعدل هو مطلب المعتزلة وفي سبيله قتلت السلطات الظالمة المئات وفي سبيل العدل قام العديد من الثورات وفي سبيل إيجاد دولة عدل أقام المعتزلة دويلات الأطراف في المغرب وفي الديلم وطبرستان وفي اليمن ( 1 ) وإذ تبلغ المحاضرة النهاية فأفضل ختامها بقراءة نصوص تركها لنا المعتزلة ومُنها من خطبة واصل بن عطاء المنزوعة الراء " الحمد لله القديم بلا غاية والباقي بلا نهاية الذي علا في دنوه ودنا في علوه فلا يحويه زمان ولا يحيط به مكان ولا يئوده حفظ ما خلق ولم يخلقه على مثال سبق بل أنشأه ابتداعاً وعدله اصطناعاً فأحسن كل شيء خلقه " إلى أن قال " وأشهد أن لا إله إلا الله وحده إلهاً تقدست أسماؤه وعظمت آلاؤه وعلا عن صفات كل مخلوق وتنزه عن شبيه كل مصنوع فلا تبلغه الأوهام ولا تحيط به العقول والإفهام " .
أما خطبة أمير المؤمنين يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد نجاحه هو ومؤيدوه الذين بايعوه من المعتزلة في قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق وقال : " أيها الناس والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي إطراء في نفسي وإني لظلوم لها أن لم يرحمني الله ولكن خرجت غضبا لله ودينه داعياً إلى الله وإلى سنة نبيه لما هُدّمت معالم الهدي وأطفئ نورُ أهل التقوى وظهر الجبار العنيد المستحيل لكل حرمة والراكب لكل بدعة الكافر بيوم الحساب وانه لابن عمي في النسب وكفيئي في الحسب فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره وسألته إلا يكلني إلى نفسي ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي حتى أراح الله منه العباد وطهر منه البلاد بحوله وقوته لا بحولي وقوتي .
أيها الناس ، إنّ لكم ألا أضع حجراً على ولا لبنة ولا أكرى نهراً ولا أكنز مالاً ولا أعطيه زوجاً ولا ولداً ولا أنقله من بلد إلى بلد حتى أسُدَّ فقر ذلك البلد وخصاصة أهله فإن فضلَ فضلٌ نقلته إلى الذي يليه ولا أُجمِّرُكم في بعوثكم فأفتنكم وأفتن أهليكم ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم ولا أحمل على أهل جزيتكم ما أجليهم به عن بلادهم وأقطع به نسلهم ، ولكم علىّ إدرار العطاء في كل سنة والرزق في كل شهر حتى يستوي بكم الحال فيكون أفضلكم كأدناكم ، فإن أنا وفيت لكم فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكاتفة ، وإن لم أف فعليكم أن تخلعوني إلا أن تستتيبوني فإن أنا تبت قبلتم منى وأن عرفتم أحداً يقوم مقامي يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل الذي أعطيتكم فأردتم أن تبايعوه فأنا أول من بايعه ودخل في طاعته .

أيها الناس أنه لا طاعة لمحلوق في معصية الخالق ، ولا وفاء له بنقض عهد إنما الطاعة طاعة الله ، فأطيعوه بطاعة الله ما أطاع فإن عصا الله ودعا إلى المعصية فهو أهل أن يُعصى ويقتل ، أقول هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم " .

أما الهادي إلى الحق فيقول : " ومنهم الذين يعينون الظالمين ، ويقيمون دولتهم بزرعهم وتجارتهم ،وينصرونهم على قتل المسلمين ، وهتك حريمهم ، وأخذ أموالهم ، ولولا التجار والزارعون ما قامت للظالمين دولة ، ولا ثبت لهم راية ، ولذلك قال تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود:113) .
الحراثون يحرثون ، والظالمون يحصدون ، الحراثون يجوعون ، والظالمون يشبعون ، إنهم يسعون في صلاحهم ، وهي يسعون في هلاك ، الرعية هم خدم لا يؤجرون ، وأعوان لا يشكرون ، فراعنة جبارون وأهل قنا فاسقون أن استرحموا لم يرحموا وأن استنصفوا لم ينصفوا ولا يذكرون ولا يكذبون المعاد ولا يصلحون البلاد ولا يرحمون العباد " .

وختمُ الكلام بما قاله الناصر الأطروش إذ خطب عندما دخل آمل قائلاً : " أيها الناس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون يعبدون الشجر والحجر ولا يعرفون خالقاً ولا يدينون بدين ، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام وأتلطف بهم في العطف بهم حتى دخلوا فيه إرسالاً وأقبلوا عليه وظهر لهم الحق فعرفوا التوحيد والعدل فهدى الله بي منهم زهاء مائتي ألف رجل وامرأة ، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين ويناظرون عليهما مجتهدين ويدعون إليهما محتسبين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " .

إلى هنا سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، شاكراً لكم استماعكم ، مؤملاً إغناء الموضوع بمشاركتكم .
[/size][/color][/b]
آخر تعديل بواسطة أمين نايف ذياب في الاثنين سبتمبر 12, 2005 12:21 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
العقل أول الأدلة فالكتاب فالسنة فالإجماع
الشرع مصلحة للناس
www.almutazela.com

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

هل تسمع لنا بطباعتها ومراجعتها بعناية قبل أن أعلق عليها إن كان هناك ما يوجب التعليق :idea: ؟؟؟؟
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

أمين نايف ذياب
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 70
اشترك في: الجمعة أغسطس 12, 2005 12:25 pm

السيد محمد الغيل : كل كلام يكون في الموقع أو في غيره هو عام

مشاركة بواسطة أمين نايف ذياب »

السيد محمد الغيل : كل كلام يكون في الموقع أو في غيره هو عام مسموح كل انواع التصرف فيه

الأصل في كتابتي أنها دعوة . أمس كان عندي في البيت عبد الله حميد الدين ، وتذاكرنا الزيدية ووقوعها في شرك الشيعة الجعفرية ، وهو منذ زمن يوافقني جزئيا على ذلك وذكرت اسمك تحديدا وهجومك الشرس عليَّ . ارجو دراسة هذه المحاضرة ، إذ هي محاضرة ألقيت في جامعة اليرموك في واقع زمني معين ، هو الاستعداد لما سمي تحرير الكويت ، وفي الحقيقة هي لضرب العراق ، وليس ضرب البعث ، بصفته أي العراق امتلك سلاحا متطورا وعنده جيش لجب وأخذ يعلن الأسلمة وينادي بالتحرير فللمحاضرة ظرف سياسي معين
العقل أول الأدلة فالكتاب فالسنة فالإجماع
الشرع مصلحة للناس
www.almutazela.com

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات التاريخية والآثار الإسلامية“