ابن دقيق العيد

أضف رد جديد
سامي جحاف
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 26
اشترك في: الخميس مايو 06, 2004 1:21 am

ابن دقيق العيد

مشاركة بواسطة سامي جحاف »

السلام عليكم

هل أحد يملك معلومات كامله عن ابن دقيق العيد؟

والسلام

سهيل اليمانى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 451
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 5:07 pm
مكان: اليمن- صنعاء

ابن دقيق العيد

مشاركة بواسطة سهيل اليمانى »

ابن دقيق العيد
هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع. أبو الفتح تقي الدين القشيري المنفلوطي المعروف بابن دقيق العيد, وهو لقب أبيه وجده. نشأ بمدينة (قوص) ثم جاء إلى القاهرة فتلقى العلم فيها وفي سنة 660هـ قصد دمشق وسمع من علمائها ثم عاد إلى (قوص) وفيها تولى القضاء على المذهب المالكي. وفي سنة 665هـ جاء إلى القاهرة ينفق أكثر أوقاته في المطالعة والتدريس. ثم انتقل إلى المذهب والشافعي وفي سنة 695هـ تولى منصب قاضي القضاة في الديار المصرية وبقي فيه حتى وافاه الأجل عن 77 عاما. كان ابن دقيق العيد من حفاظ الحديث, بارعا في علومه, عارفا بالفقه وبعلوم اللغة العربية. كذلك كان خطيبا بليغا وأديبا شاعرا. غير أن شعره شعر العلماء, مثقل بالصياغة والتكلف. كان كثير التمتع بالجواري وله عدة أولاد. كان جريئا, لا يخشى في الحق لومة لائم, ولا يهاب الملوك في قول الحق من ذلك أن الملك الناصر محمد بن قلاوون لما أخذ بتجهيز حملة لطرد المغول من بلاد الشام وكانوا قد غزوها سنة 698هـ, طلب من الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد إصدار فتوى تجيزه بجباية نفقات الحملة من الرعية, فأبى على الملك أن يجبي شيئا إلا بعد أن يستنفد أموال الأمراء, وقال له لقد بلغني أن كلا من الأمراء له مال جزيل, وفيهم من يجهز بناته بالجواهر واللآلئ ويعمل الإناء الذي يستنجي فيه من فضة ويرصع مداس زوجته بأصناف الجواهر. من تصانيفه (الإلمام في أحاديث الأحكام) و (شرح الأربعين حديثا النووية) وكتاب في (أصول الدين) وكتاب في (العقائد) . توفي في القاهرة عن 77 عاما.


تحياتي سهيل اليماني
لآل البيت عــز لا يـــزول ... وفضــل لا تحيـط به العقــول
أبوكـم فـارس الهيجا علـي ... وأمكــم المطهــرة البتــول
كفاكم يا بـني الزهـراء فخرا ... إذا ما قيل جدكم الرسولُ

صورة

زيد بن علي العراقي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 118
اشترك في: الاثنين ديسمبر 20, 2004 1:35 am
مكان: ستوكهولم

مشاركة بواسطة زيد بن علي العراقي »

قاضي قضاة المسلمين في العصر المملوكي

ابن دقيق العيد

بقلم: محمد عبده الحجاجي


--------------------------------------------------------------------------------

قال عنه أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري الحافظ: »لم أرَ مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجلّ منه فيما رأيتُ ورويتُ، وكان للعلوم جامعاً، وفي فنونها بارعاً، مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفرداً بهذا الفن النفيس في زمانه، بصيراً بذلك شديد النظر في تلك المسالك.. وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب، مبرزاً في العلوم النقلية والعقلية.. « طبقات الشافعية للسبكي ج6، ص2-3

مولده ومنشأه..

بينما كان العالِم الفقيه علي بن وهب المعروف بمجد الدين القشيري يأخذ طريقه لأداء فريضة الحج في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة 625 هـ على ظهر إحدى السفن وبصحبته زوجته كريمة الشيخ الزاهد الورع مفرح الدماميني أحد كبار متعبدة الصعيد في القرن السابع الهجري، وذلك عن طريق البحر الأحمر الذي كانوا يسمونه في العصر الإسلامي ببحر القلزم، وما أن قاربت السفينة ساحل الينبع حتى حمل البشير إليه نبأ أدخل السرور والبشر على قلبه، وهو أن زوجته قد وضعت غلاماً، فرفع العالِم الفقيه مجد الدين القشيري يده إلى السماء شاكراً حامداً نعمة الله عليه سبحانه وتعالى على هذه المنة العظيمة. ولما قدم مكة حمل رضيعه المبارك بين يديه وطاف به البيت وهو يدعو الله سائلاً أن يجعله عالماً، وقد استجاب الله لدعائه، ووصل الفتى بجدّه وذكائه ومثابرته في الدرس وتحصيل العلوم إلى مرتبة قاضي قضاة المسلمين في العصر المملوكي.

وقد كان يدعى محمد بن عبد الله بن وهب، إلا أن اللقب الذي غلب عليه هو ابن دقيق العيد، وهو لقب جده الأعلى الذي كان ذا صيت بعيد، ومكانة مرموقة بين أهل الصعيد، وقد لقب كذلك لأن هذا الجد كان يضع على رأسه يوم العيد طيلساناً أبيضاً شديد البياض، فشبهه العامة من أبناء الصعيد لبياضه الشديد هذا »بدقيق العيد«.

نشأ ابن دقيق العيد في مدينة قوص التي كانت تشتهر في ذلك الوقت بمدارسها العديدة ونهضتها الثقافية الواسعة، تحت رعاية والده مجد الدين القشيري الذي تخرج على يديه الآلاف من أبناء الصعيد، كما يشير إلى ذلك الأدفوي في »طالعه السعيد« في تراجم متفرقة.

وقد عاش شبابه تقياً نقياً ورعاً طاهر الظاهر والباطن، يتحرى الطهارة في كل أمر من أمور دينه ودنياه، فحفظ القرآن الكريم حفظاً تاماً، وتفقه على مذهب الإمام مالك على يد أبيه، ثم رجع وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على يد تلميذ أبيه البهاء القفطي، كما درس النحو وعلوم اللغة على يد الشيخ محمد أبي الفضل المرسي، وشمس الدين محمود الأصفهاني، ثم ارتحل إلى القاهرة التي كانت في ذلك الوقت مركز إشعاع فكري وثقافي يفوق كل وصف، تكتظ بالعلماء والفقهاء في كل علم وفن، فانتهز ابن دقيق العيد هذه النهضة العلمية الواسعة التي شهدتها القاهرة في ذلك الوقت، والتف حول العديد من العلماء، وأخذ على أيديهم في كل علم وفن في نهم بالغ، ولازم سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام حتى وفاته، وأخذ على يديه الأصول وفقه الإمام الشافعي، وسمع الحافظ عبد العظيم المنذري، وعبد الرحمن البغدادي البقال، ثم سافر بعد ذلك إلى دمشق وسمع بها من الشيخ أحمد عبد الدايم وغيره، ثم اتجه إلى الحجاز ومنه إلى الاسكندرية فحضر مجالس الشيوخ فيهما، وتفقه.. وبلغ غايته في شتى أنواع العلوم والمعرفة الإسلامية، وقد جمع بين فقهي الإمامين مالك والشافعي، ومكث بالقاهرة فترة يسيرة، اتجه على أثرها إلى مسقط رأسه قوص، حيث تقلد منصب التدريس بالمدرسة النجيبية، وهي إحدى المدارس الشهيرة في قوص، وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، فالتف حوله المريدون يأخذون على يديه في مختلف الفنون والمعرفة الإسلامية. وقد عرف بغزارة علمه وسعة أفقه، فذاع صيته بين الناس حتى إن والي قوص أسند إليه منصب القضاء على مذهب الإمام مالك. ثم اتجه بعد ذلك إلى القاهرة، وقام فيها بالتدريس بالمدرسة الفاضلية، والكاملية، والصالحية، والناصرية، وكان ثقة في كل ما يقول أو يشرح حتى بلغ في النفوس مكانة سامية مرموقة.

وقد وصفه كثير من المؤرخين وكتّاب التراجم والطبقات كالسبكي وابن فضل الله العمري والأدفوي وغيرهم: بأنه لم يزل حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه.. وقف نفسه على العلوم وقصدها، فأوقاته كلها معمورة بالدرس والمطالعة أو التحصيل والإملاء.

قال الأدفوي في طالعه السعيد: »كان له قدرة على المطالعة، رأيت خزانة المدرسة النجيبية بقوص فيها جملة كتب من جملتها عيون الأدلة لابن القمار في نحو ثلاثين مجلدة وعليها علامات له، وكذلك رأيت في المدرسة السابقية السنن الكبير للبيهقي على كل مجلدة علامة له أيضاً. ويقال إنه طالع كتب المدرسة الفاضلية بالقاهرة عن آخرها. وقد كان دأبه أن يقضي الليل في المطالعة والعبادة، فكان يطالع في الليلة الواحدة المجلد أو المجلدين، وربما تلا آية واحدة من القرآن الكريم فكرّرها حتى مطلع الفجر. استمع له بعض أصحابه ليلة وهو يقرأ فوصل إلى قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) قال: فما زال يكررها إلى طلوع الفجر. وكان يقول: ما تعلمت كلمة ولا فعلت فعلاً إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله عز وجل«.

كان مغرماً بالقراءة إلى هذا الحد، كثير النقد والتحري والتدقيق فيما يقرأ، لا يقبل الشيء من غير أن يعمل فيه فكره فيقبله أو يرفضه.

ابن دقيق العيد قاضي القضاة..

حينما توفي قاضي القضاة في مصر، وهو التقي عبد الرحمن بن بنت الأعز في ثامن عشر جمادى الأولى سنة 695 هـ، وخلا بموته هذا المنصب، وذلك في عهد السلطان منصور بن لاجين، أشار أحد المقربين إلى هذا السلطان قائلاً: »هل أدلك على محمد بن إدريس الشافعي، وسفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم؟ فعليك بابن دقيق العيد«. فكان أن تقلد ابن دقيق العيد هذا المنصب الذي ظل شاغلاً له مدة سبع سنوات، بلغت فيها شخصيته مكانة مرموقة في الديار المصرية، ويقول بعض المؤرخين: »إن ابن دقيق العيد تردد في قبوله هذا المنصب حين عرض عليه وأبدى الامتناع والرفض لولا أن تحايلوا عليه«.

وكان رحمه الله في قضائه وآرائه وفتواه مثلاً أعلى للصدق والعدالة والنزاهة، لا يخشى في الحق لومة لائم أو بطش سلطان، فما كان يراه حقاً يطمئن عليه الشرع ينفذه ولو كان في ذلك غضباً للحكام والسلاطين.

وقد ترتب على ذلك أن كثر أعداؤه وحاسدوه الذي كانوا يدسون عليه ويكيدون له، وقد أورد كثير من المؤرخين مواقف مشرفة، تشيد له بالنزاهة والأمانة في عدله بين الناس.

وقد وضع الأستاذ عبد المتعال الصعيدي ابن دقيق العيد على رأس المجددين في الإسلام في القرن السابع الهجري، فيقول: »ولابن دقيق العيد لفتة عابرة قد تدل على أنه كان فيه شيء من نزعة التشديد، وذلك أنه لما جاءت التتار إلى الشام في سنة 680هـ-1281م، ورد مرسوم السلطان إلى القاهرة بعد خروجه منها للقائهم أن يجتمع العلماء ويقرؤوا صحيح البخاري، فاجتمع العلماء وقرؤوه إلى أن بقي شيء منه، وكان هذا في يوم خميس، فأخروا ما بقي إلى أن يتموه يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة رأوا ابن دقيق العيد في الجامع فقال لهم: ما فعلتم ببخاريكم؟ فقالوا: بقي ميعاد أخرناه لنختمه اليوم. فقال: انفصل الحال من أمس العصر، وبات المسلمون على كذا. فقالوا: نخبر عنك. فقال: نعم. فجاء الخبر بعد ذلك.. وكان النصر فيه للمسلمين. وقد عدّ السبكي هذا من كرامات ابن دقيق العيد«.

لكن قول ابن دقيق العيد: ماذا فعل بخاريكم.. يريد منه أن النصر قد تم بما أمر الله بإعداده من قوة ومن رباط الخيل، وليس بقراءة البخاري ونحوه، على عكس ما فهم الإمام السبكي، لأن المسلمين تركوا الاعتماد على العلوم التي تمكنهم من إعداد ما أمرهم الله به من القوة الحربية.

وقد كان رحمه الله كريماً جواداً بجانب غيرته على الحق.. لا يخشى فيه لومة لائم. توفي بالقاهرة في صبيحة يوم الجمعة لتسعة أيام بقيت من صفر 702 هـ بعد أن عمّر 77 عاماً، قضاها في خدمة الدين الإسلامي الحنيف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وقد دفن يوم السبت، وكان يوماً مشهوداً عزيزاً في الوجود، وقد وقف جيش مصر ينتظر الصلاة عليه.

آثاره العلمية
لقد ترك ابن دقيق العيد الكثير من المؤلفات في الحديث وعلوم الفقه، ما زالت تعتز بها المكتبة العربية حتى يومنا هذا. من هذه المؤلفات: كتاب الإلمام الجامع لأحاديث الأحكام، الإلمام في الأحكام في عشرين مجلداً، وشرح لكتاب التبريزي في الفقه، وفقه التبريزي في أصوله. كما شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه، ووضع في علوم الحديث كتاب الاقتراح في معرفة الاصطلاح. وله تصانيف في أصول الدين. كما كان ابن دقيق العيد، بجانب امتيازه في التدريس والفقه والتأليف، خطيباً بارعاً، وله ديوان شعر ونثر لا يخرج عن طريقة أهل عصره الذين عرفوا بالسجع والمحسنات البديعة.


--------------------------------------------------------------------------------

مجلة الأمة، العدد 38، صفر 1404 هـ
أخي العزيز تجد نص الموضوع على الرابط:
http://www.fustat.com/bibliography/ibn_daqiq.shtml
صورة

زيد بن علي العراقي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 118
اشترك في: الاثنين ديسمبر 20, 2004 1:35 am
مكان: ستوكهولم

موضوع آخر عن ابن دقيق العيد

مشاركة بواسطة زيد بن علي العراقي »

ابن دقيق العيد.. مجدد المائة السابعة

(في ذكرى مولده: 25 من شعبان 625هـ)

أحمد تمام


لم تكن القاهرة وحدها في العصر المملوكي حاضرة العلم في مصر، ومركز الإشعاع الثقافي وملتقى العلماء والفقهاء، بل نافستها مراكز أخرى في صعيد مصر، امتلأت بالمدارس ودور الحديث، وازدانت بأعلامها من رجال الفقه والحديث واللغة والأدب، وكانت إسنا وقوص وأسيوط وأخميم، وأسوان، ومنفلوط، تموج حركة ونشاطًا، بحلقات العلم التي تحتضنها ساحات المساجد وقاعات المدارس. ويذكر ابن دقماق المؤرخ المصري أنه كان بقوص وحدها ستة عشر مكانًا للتدريس، وبلغ من ازدهار الحركة العلمية بصعيد مصر في تلك الفترة المملوكية أن وضع الأدفوي كتابه المعروف "الطالع السعيد" وخصصه فقط لتراجم نجباء علماء الصعيد.

المولد والنشأة

في عرض البحر ولد ابن دقيق العيد، وأبواه متوجهان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج في (25 من شعبان 625هـ=31 من يونيو 122م)، ولما قدم أبوه مكة حمله، وطاف به البيت، وسأل الله أن يجعله عالمًا عاملاً.

ونشأ ابن دقيق العيد في قوص بين أسرة كريمة، تعد من أشرف بيوتات الصعيد وأكرمها حسبًا ونسبًا، وأشهرها علمًا وأدبًا، فأبوه أبو الحسن علي بن وهب عالم جليل، مشهود له بالتقدم في الحديث والفقه والأصول، وعُرف جده لأبيه بالعلم والتقى والورع، وكانت أمه من أصل كريم، وحسبها شرفًا أن أباها هو الإمام تقي الدين بن المفرج الذي شُدّت إليه الرحال، وقصده طلاب العلم.

وتعود سبب شهرته باسم ابن دقيق العيد، أن جده "مطيعًا" كان يلبس في يوم عيد طيلسانًا ناصع البياض، فقيل كأنه دقيق العيد، فسمي به، وعُرف مطيع بدقيق العيد، ولما كان "علي بن وهب" حفيده دعاه الناس بابن دقيق العيد، واشتهر به ابنه تقي الدين أيضًا، فأصبح لا يُعرف إلا به.

بدأ ابن دقيق العيد طريق العلم بحفظ القرآن الكريم، ثم تردد على حلقات العلماء في قوص، فدرس الفقه المالكي على أبيه، والفقه الشافعي على تلميذ أبيه البهاء القفطي، ودرس علوم العربية على محمد أبي الفضل المرسي، ثم ارتحل إلى القاهرة واتصل بالعز بن عبد السلام، فأخذ عنه الفقه الشافعي والأصول، ولازمه حتى وفاته. ثم تطلعت نفسه إلى الرحلة في طلب العلم، وملاقاة العلماء، فارتحل إلى دمشق في سنة (660هـ=1261م) وسمع من علمائها ثم عاد إلى مصر.

قيامه بالتدريس والتأليف

استقر ابن دقيق العيد بمدينة قوص بعد رحلته في طلب الحديث، وتولى قضاءها على مذهب المالكية، وكان في السابعة والثلاثين من عمره، ولم يستمر في هذا المنصب كثيرًا، فتركه وولى وجهه شطر القاهرة وهو دون الأربعين، وأقام بها تسبقه شهرته في التمكن من الفقه، والمعرفة الواسعة بالحديث وعلومه.

وفي القاهرة درس الحديث النبوي في دار الحديث الكاملية، وهي المدرسة التي بناها السلطان الكامل سنة (621هـ=1224م)، ثم تولى مشيختها بعد ذلك، وكان على تبحره في علوم الحديث يتسدد في روايته، فلا يروي حديثًا إلى عن تحرٍّ واحتراز، ومن ثم كان قليل التحديث لا عن قلة ما يحفظه ولكن مبالغة في التحري والدقة. ويصف ابن سيد الناس مكانة شيخه ابن دقيق العيد في هذا الفن بقوله: "وكان للعلوم جامعًا، وفي فنونها بارعًا مقدمًا في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفردًا بهذا الفن النفيس في زمانه". ولابن دقيق العيد كتاب عمدة في علم مصطلح الحديث سماه "الاقتراح في معرفة الاصطلاح" والكتاب مطبوع نشرته وزارة الأوقاف بالعراق.

ودرّس الفقه الشافعي في المدرسة الناصرية التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي بجوار قبة الإمام الشافعي، ولما كان شيخًا قد تضلّع في الفقه وأحاط بمسائله في المذهبين المالكي والشافعي؛ فقد قام بتدريسهما في المدرسة الفاضلية.

ولم يقف الشيخ الجليل على أدلة المذهبين، والاجتهاد في نطاقهما، وإنما تجاوز ذلك إلى مرحلة الاجتهاد المستقل في بعض ما كان يعرض له من قضايا، حيث كان يستخرج الأحكام من الكتاب والسنة، غير مقلد لأحد في اجتهاده، وقد شهد له معاصروه بالسبق والتقدم في الفقه، وأقروا له بالاجتهاد، فوصفه الإسنوي بأنه "حافظ الوقت خاتمة المجتهد". ويقول الأدفوي: "ولا شك أنه من أهل الاجتهاد ولا ينازع في ذلك إلا من هو من أهل العناد، ومن تأمل كلامه علم أنه أكثر تحقيقًا وأمتن وأعلم من بعض المجتهدين فيما تقدم وأتقن".

وله مؤلفات فقهية تنطق بعلو كعبه في هذا الميدان، منها: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام للعلامة الحافظ عبد الغني النابلسي. وكتاب العمدة يحتوي على مجموعة من الأحاديث مبوبة على أبواب الفقه، مثل باب الطهارة وباب الوضوء، وباب التيمم، وقد قام ابن دقيق العيد بشرح الكتاب، فتصدى لبيان معاني الحديث، وما به من بيان، واستنبط ما فيه من أحكام، وأقوال الفقهاء فيه واختلافاتهم. وقد أملى ابن دقيق العيد هذا الشرح على تلميذه عماد الدين بن الأثير. وقد طُبع هذا الكتاب بالقاهرة سنة (1342هـ= 1924م) واعتنى بنشره محمد منير الدمشقي.

وإلى جانب هذا له شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه، وشرح مختصر الزبيدي في فقه الشافعية، وشرح مختصر ابن الحاجب في فقه المالكية، غير أن هذه الكتب فُقدت ولم يصل إلينا منها شيء.

وله جملة من الفتاوى والمباحثات الفقهية والأصولية، لا يجمعها كتاب، وقد أورد السبكي في طبقات الشافعية نماذج منها، وقد صدرها بقوله: "فوائد الشيخ تقي الدين ومباحثه أكثر من أن تُحصى، ولكنها غالبًا متعلقة بالعلم من حيث هو؛ حديثًا وأصولاً وقواعد كلية".

الأديب الشاعر

كان ابن دقيق العيد على انشغاله بالفقه والحديث أديبًا بارعًا، وخطيبًا مفوهًا، وشاعرًا مجيدًا، ولو انصرف إلى الأدب لكان له منزلة ومكانة، ويجمع معاصروه على براعته في الخطابة وتفوقه فيها، فكان يملك أفئدة الناس بأسلوبه المؤثر ونبراته الصادقة، وعظاته البالغة، وذكر السبكي أن لابن دقيق العيد "ديوان خطب". وله أيضًا "ديوان شعر" جمعه صلاح الدين الصفدي المؤرخ المعروف، ونُشر بالقاهرة.

قاضي القضاة

تولى ابن دقيق العيد منصب قاضي القضاة في أخريات حياته في (18 من جمادى الأولى 695هـ= من مارس 1296م) بعد وفاة القاضي ابن بنت الأعز، وقبله بعد تردد وإلحاح، وكانت فترة توليه القضاء على قصرها من أكثر سني عمره خطرًا وأعظمها شأنًا، فقد أصبح على اتصال وثيق بالسلطان وكبار رجال الدولة، لكن كان له من ورعه ودينه وعلمه ما يجعله يجهر بالحق ويدافع عنه، فلا يقبل شهادة الأمير؛ لأنه عنده غير عدل، وإن كان الكبراء والعلماء يتملقونه ويقتربون إليه، فرد شهادة "منكوتمر" نائب السلطنة حين بعث إليه يعلمه أن تاجرًا مات وترك أخًا من غير وارث سواه، وأراد منه أن يثبت استحقاق الأخ لجميع الميراث بناء على هذا الإخبار، فرفض ابن دقيق العيد، وترددت الرسل بينهما، لكن القاضي كان يرفض في كل مرة، على الرغم من إلحاح منكوتمر عليه؛ لأن الأدلة لم تكن كافية لإثبات أخوة المذكور إلا شهادة منكوتمر، وأمام إصرار نائب السلطنة، استقال ابن دقيق من منصب القضاء احترامًا لنفسه وإجلالاً لمنصب القضاء، فلما بلغ السلطان "حسام الدين لاجين" ذلك أنكر على نائبه تصرفه في التدخل في عمل القضاء، وأرسل في طلب الشيخ، فلما جاء قام إليه وأجلسه بجواره، وأخذ يسترضيه ويتلطف به حتى قبل أن يعود إلى منصبه.

ويذكر له وهو في منصبه أن رفض قيام السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" بجمع المال من الرعية لمواجهة التتار، معتمدًا على الفتوى التي أصدرها العز بن عبد السلام بجواز ذلك أيام سيف الدين قطز، وقال للسلطان: إن ابن عبد السلام لم يفت في ذلك إلا بعد أن أحضر جميع الأمراء كل ما لديهم من أموال، ثم قال له في شجاعة: كيف يحل مع ذلك أخذ شيء من أموال الرعية، لا والله لا جاز لأحد أن يتعرض لدرهم من أولاد الناس إلا بوجه شرعي" واضطر السلطان أن يرضخ لكلام القاضي الشجاع.

ولا شك أن ابن دقيق العيد قد ارتفع بمنزلة القاضي وحافظ على كرامة منصبه، فتطبيق الأحكام الشرعية هو سبيله إلى العدل دون تفرقة، والالتزام بالحق هو الميزان الذي يستعمله في قضاياه وفتاواه، فحين رأى بعض الناس تستحلّ أموال اليتامى القصّر الذين لا يستطيعون التصرف فيما يرثونه من أموال أنشأ ما يسمى "المودع الحكمي"، وهو شبه في زماننا "الديوان الحسبي" تُحفظ فيه أموال اليتامى الصغار، يقول ابن حجر العسقلاني: "وهو أول من عمل المودع الحكمي، وقرر أن من مات وله وارث إن كان كبيرًا أقبض حصته، وإن كان صغيرًا أحمل المال في المودع، وإن كان للميت وصي خاص ومعه عدول يندبهم القاضي لينضبط أصل المال على كل تقدير".

وكان ابن دقيق معنيًا بشئون القضاة الذين يتبعونه في الأقاليم، فيرسل إليهم الرسائل المطولة التي ترسم لهم ما يجب عليهم أن ينتهجوه ويلتزموه في أحكامهم، وكيفية معالجة قضايا الناس، وتضمنت رسائله أيضًا وصاياه لهم بالتزام العدل وتطبيق أحكام الشرع.

وفاة الشيخ

يذكر عدد كبير من المؤخرين أن ابن دقيق العيد كان على رأس المائة السابعة الذي حدد للأمة أمر دينها بعلمه الغزير واجتهاده الواسع، وشهد له معاصروه بالسبق والتقدم في العلم، فقد كان ضليعًا في جميع العلوم اللغوية والشرعية والعقلية. ويؤكد السبكي ذلك فيقول: "ولم ندرك أحدًا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة، المشار إليه في الحديث النبوي، وأنه أستاذ زمانه علمًا ودينًا".

وقضى الشيخ حياته بين التأليف والتدريس نهارًا، والعبادة والصلاة ليلاً، حتى لقي الله في يوم الجمعة (11 من صفر 702هـ=5 من أكتوبر 1302م).

من مصادر الدراسة:

عبد الوهاب السبكي: طبقات الشافعية الكبرى – تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو – دار هجر للطباعة والنشر – القاهرة – 1413هـ=1992م.

الأدفوي: الطالع السعيد الجامع لأسماء نجباء الصعيد – تحقيق سعد محمد حسن – الدار المصرية للتأليف والترجمة – القاهرة – 1966م.

الإسنوي: طبقات الشافعية – تحقيق عبد الله الجبوري – رئاسة ديوان الأوقاف – بغداد – 1390هـ.

محمود رزق سليم: عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي – مكتبة الآداب – القاهرة – بدون تاريخ.

علي صافي حسين: ابن دقيق العيد حياته وديوانه – دار المعارف – القاهرة – 1960م
------------------------------------------------------------------------------------------------

أخي العزيز تجد هذا الموضوع على الرابط التالي
http://www.islamonline.net/Arabic/histo ... le11.shtml
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشخصيات الإسلامية“