نبذة من سيرة الإمام الخميني

أضف رد جديد
alimohammad
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 357
اشترك في: الأربعاء مارس 26, 2008 2:47 pm

نبذة من سيرة الإمام الخميني

مشاركة بواسطة alimohammad »

بسم الله الرحمن الرحيم

نبذة من سيرة الإمام الخميني

الإمام الخميني من الولادة إلى الرحيل

في يوم العاشر من جمادى الثانية سنة 1320هـ.ق الموافق للثلاثين من شهريور عام 1281هـ.ش (24 أيلول 1902م) رأى النور في هذا العالم رجل كبير اسمه روح الله الموسوي الخميني، ولد لعائلة من أهل العلم و الهجرة و الجهاد من ذرية السيدة الزهراء الطاهرة (سلام الله عليها)، و ذلك في مدينة خمين من توابع المحافظة المركزية في إيران.

ورث روح الله سجايا آبائه و أجداده الذين عملوا جيلاً بعد جيل في إرشاد الناس و هدايتهم و تحصيل العلوم و المعارف الإلهية، فكان والده الجليل المرحوم آية الله السيد مصطفى الموسوي من معاصري المرحوم آية الله العظمى الميرزا الشيرازي و قد أمضى عدة سنين في النجف الأشرف للاستزادة من العلوم و المعارف الإسلامية نال إثرها درجة الاجتهاد و قفل راجعاً إلى إيران فأقام في خمين ليكون هناك ملاذاً للناس و مرشداً و هادياً لهم في شؤونهم الدينية. لم يكن قد مضى على ولادة روح الله أكثر من خمسة شهور، حينما انبرى الطواغيت و الإقطاعيون المدعومون من قبل الحكومة آنذاك فردّوا بالرصاص على نداء الحق و العدالة الذي أطلقه والده حين تصدى لتعسفهم و جورهم، فنال وسام الشهادة على أيديهم و هو في طريقه من خمين إلى أراك. توجه أقارب الشهيد إلى طهران (عاصمة الحكومة) للمطالبة بتطبيق حكم القصاص الإلهي في حق قاتله، و أصروا على تنفيذ العدالة إلى أن تم لهم ما أرادوا و نفّذ القصاص بحق القاتل. و هكذا خبر الإمام الخميني منذ نعومة أظفاره آلام اليتم و تعرف على معنى الشهادة و أريجها. قضى الإمام الخميني أوان طفولته و صباه في ظل رعاية والدته المؤمنة (السيدة هاجر) و هي بدورها من بيت علم و تقوى و إحدى حفيدات المرحوم آية الله الخوانساري (صاحب زبدة التصانيف) و كذلك في كنف عمته الكريمة (صاحبة خانم) التي كانت سيدة تميزت بالشجاعة و طلب الحق، لكنه عاد ليُحرم حنان هاتين المرأتين العزيزتين في سن مبكرة حينما كان في الخامسة عشرة.

الهجرة إلى قم، الدروس التكميلية، و تدريس العلوم الدينية

بعد فترة من هجرة آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي إلى مدينة قم في النيروز من عام 1300 هـ.ش (1921م) الموافق لرجب المرجب سنة 1340هـ.ق، توجه الإمام الخميني بدوره إلى الحوزة العلمية في قم، و اجتاز بسرعة مراحل الدراسات التكميلية في العلوم الدينية لدى أساتذة تلك الحوزة، و يمكن الإشارة هنا إلى دراسته تتمة مباحث كتاب «المطول» في علم المعاني و البيان على يد المرحوم آقا ميرزا محمد علي أديب طهراني، و تكميل درس السطوح عند المرحوم آية الله السيد محمد تقي الخوانساري، و من قبله المرحوم آية الله السيد علي يثربي كاشاني، و دروس الفقه و الأصول عند زعيم حوزة قم آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي. بعد وفاة آية الله العظمى الحائري اليزدي، أثمرت جهود الإمام الخميني و ثلة من المجتهدين في حوزة قم العلمية، فتوجه آية الله العظمى السيد حسين البروجردي إلى قم زعيماً لحوزتها العلمية. في ذلك الحين كان الإمام الخميني أحد الأساتذة و المجتهدين المعروفين الضالعين في الفقه و الأصول و الفلسفة و العرفان و الأخلاق، إذ درّس طوال سنوات متمادية دورات عديدة من الفقه، و الأصول، و الفلسفة، و العرفان، و الأخلاق الإسلامية في الفيضية، و مسجد أعظم، و مسجد محمدية، و مدرسة الحاج ملا صادق، و مسجد سلماسي، و... كما درّس الفقه و معارف أهل البيت على أرفع المستويات طوال 14عاماً في مسجد الشيخ الأعظم الأنصاري في النجف الأشرف، و في النجف أيضاً طرح لأول مرة المرتكزات النظرية للحكومة الإسلامية ضمن سلسلة دروس ولاية الفقيه.

في خندق الكفاح و النهضة

كان لروح الكفاح و الجهاد في سبيل الله جذورها في الرؤية العقيدية و التربوية و البيئة العائلية و الظروف السياسية و الاجتماعية التي عاشها الإمام الخميني طوال فترة حياته. انطلق نشاطه النضالي منذ فترة شبابه الأولى و تكامل بتكامل أبعاد شخصيته الروحية و العلمية من ناحية، و تطور الواقع السياسي و الاجتماعي في إيران و المجتمعات الإسلامية من ناحية ثانية. و كانت لائحة الولايات و الإمارات التي أطلقتها الحكومة الإيرانية في سنة 1961 و1962م فرصةً مناسبة ليمارس الإمام الخميني دوره في قيادة الثورة و علماء الدين، و بهذا اندلعت انتفاضة الشعب و علماء الدين الشاملة في 15 خرداد 1342ش (5/6/1963م) بسمتيها البارزتين: قيادة الإمام الخميني الواحدة، و إسلامية شعاراتها و دوافعها و أهدافها، و كانت بدايةً لفصل جديد من كفاح الشعب الإيراني الذي عرف في العالم لاحقاً باسم الثورة الإسلامية.

يسرد الإمام الخميني ذكرياته عن الحرب العالمية الأولى حينما كان حدثاً في الـ 12 من عمره فيقول: «أتذكر كلا الحربين العالميتين... كنت صغيراً لكنني في المدرسة، و كنت أرى الجنود الروس في نفس المركز الذي كنا نرتاده في مدينة خمين، و كنا عرضة للهجوم و العدوان في الحرب العالمية الأولى».

يذكر الإمام الخميني في مناسبة أخرى أسماء بعض الإقطاعيين و الجائرين الذين سطوا على أموال الناس و أعراضهم في ظل دعم الحكومة المركزية، فيقول: «كُنت في حالة حرب منذ طفولتي... كنا عرضة لاعتداءات أمثال «زلقي» و «رجب علي»، و كنا نحمل البنادق بأنفسنا، و أنا شخصياً مع أني كنت في بداية سن البلوغ، أو كنت طفلاً، لكنني كنت أذهب للخنادق المقامة في منطقتنا حيث كان الأعداء ينوون الهجوم علينا و نهبنا، كنت أذهب و أتنقل بين الخنادق».

انقلاب رضا خان في الثالث من اسفند 1299ش (22/2/1921م) الذي أعد له و دعمه الإنجليز كما تشير الوثائق التاريخية الدامغة، مع أنه أنهى عهد الحكومة الملكية القاجارية و قوّض إلى حد ما من حكومة ملوك الطوائف التي صال و جال فيها الإقطاعيون و الشقاة على نحو مضطرب فوضوي، لكنه في مقابل ذلك كرّس حكماً دكتاتورياً تسلطت فيه العائلة الكبرى على مصير الشعب الإيراني المظلوم، و تولّت العائلة البهلوية بمفردها الدور الذي كان يمارسه الإقطاعيون و الشقاة قبل ذلك.

كان علماء الدين الإيرانيون بعد أحداث ثورة الدستور عرضةً، من ناحية، لهجمات متتالية تشنها ضدهم الحكومات المركزية الإيرانية العميلة للإنجليز، و هدفاً، من ناحية ثانية، لهجمات و اعتداءات المستنيرين التغريبيين. في مثل هذه الظروف العصيبة هبّ رجال الدين للدفاع عن الإسلام و الحفاظ على وجودهم و كيانهم. فهاجر آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري من أراك إلى قم بدعوة من علمائها.

بعد مدة وجيزة وظّف الإمام الخميني موهبته الاستثنائية لاجتياز دروس المقدمات و السطوح في حوزات خمين و أراك بسرعة ملحوظة و انتقل عقب ذلك إلى قم فساهم عملياً في تكريس مكانة الحوزة الفتية في هذه المدينة. و لم يمض وقت طويل حتى ذاع صيته في عداد الفضلاء المميزين الذي احتضنتهم هذه الحوزة في حقول العرفان و الفلسفة و الفقه و الأصول. بعد وفاة آية الله العظمى الحائري (10 بهمن 1315ش 30/1/1937م) تعرضت الحوزة العلمية في قم لخطر الانهيار و التلاشي، فهب العلماء الملتزمون لعلاج هذه المعضلة، و تولّى آيات الله العظام السيد محمد حجت، و السيد صدر الدين الصدر، و السيد محمد تقي الخوانساري مهمة الإشراف على حوزة قم لمدة ثمانية أعوام. أبان هذه المدة، و لاسيما بعد سقوط رضا خان، توفرت الظروف اللازمة لقيام مرجعية عظمى في حوزة قم، و كان آية الله العظمى البروجردي شخصية علمية مميزة بوسعها تمثيل البديل المناسب للمرحوم الحائري من أجل الحفاظ على كيان الحوزة. لذلك توبع هذا الاقتراح بكل جد وإسراع من قبل تلاميذ آية الله الحائري و منهم الإمام الخميني الذي بذل جهوداً حثيثة في دعوة آية الله البروجردي للانتقال إلى قم و تقبل المسؤولية الخطيرة لزعامة الحوزة. كان الإمام الخميني يراقب الظروف السياسية للمجتمع و الوضع القائم في الحوزات بكل دقة، و يزيد من معارفه و معلوماته السياسية عن طريق القراءة المتواصلة لكتب التاريخ المعاصر و المجلات و الصحف التي كانت تصدر آنذاك، مضافاً إلى زياراته لطهران و حضوره عند شخصيات كبيرة نظير آية الله المدرس. و في ضوء معارفه السياسية هذه كان يدرك إدراكاً عميقاً أن كوة الأمل الوحيدة للتحرر و الخلاص من ظروف الذل التي هيمنت بعد إخفاق الثورة الدستورية و فرض رضا خان حاكماً على إيران، هي يقظة الحوزات العلمية و ضمان حياتها و الصلة الروحية للناس برجال الدين. و لأجل متابعة أهدافه القيمة هذه أعد الإمام الخميني في سنة 1328ش (1949م) مشروع إصلاح بنية الحوزة العلمية بالتعاون مع آية الله مرتضى الحائري، و اقترح هذا المشروع على آية الله البروجردي. بادر تلاميذ الإمام و طلاب الحوزة الواعون للترحيب بهذا المشروع و دعمه. و كان النظام الحاكم قد أخطأ في حساباته، ففي السادس عشر من مهر 1341ش (8/10/1962م) صادقت حكومة أمير أسد الله علم على لائحة «اتحادات الولايات و الإمارات» التي أُريد لها أن تغيّر بعض الضوابط السابقة الخاصة بالمقترعين و المرشحين و منها أن يكونوا مسلمين، و أن يُقسموا بالقرآن، و أن يكونوا ذكوراً. كان منح حق الانتخاب للمرأة غطاءً لإخفاء أهداف أخرى. و إلغاء أو تغيير الشرطين الأول و الثاني كان يرمي تحديداً لتكريس وجود العناصر البهائية في مرافق البلاد المهمة. دعم الشاه للكيان الصهيوني عبر تطوير العلاقات بين إيران و إسرائيل كان الشرط اللازم لدعم أمريكا للشاه، و تغلغل أتباع الفرقة البهائية المرتبطة بالاستعمار في السلطات الإيرانية الثلاث من شأنه تحقيق هذا الشرط. بمجرد أن ذاع خبر المصادقة على هذه اللائحة اجتمع الإمام الخميني للتشاور مع كبار علماء قم و طهران ثم أعلن معارضته الأكيدة و الشاملة لها. و قد كان دور الإمام في تسليط الضوء على الأهداف الحقيقية لنظام الشاه و التذكير بالرسالة الخطيرة لعلماء الدين و الحوزات العلمية مؤثراً و فاعلاً جداً في تلك الظروف. البرقيات و رسائل الاعتراض المفتوحة التي بعثها العلماء للشاه و أسد الله علم أثارت تياراً هائلاً من الدعم لتحركات الإمام الخميني بين مختلف شرائح الشعب الإيراني. كانت البرقيات التي بعثها الإمام الخميني للشاه و رئيس الوزراء شديدة اللهجة و تشتمل على كثير من التحذير. جاء في أحد هذه البرقيات: «إنني أنصحك مرة أخرى بالعودة لطاعة الله و الخضوع للدستور و الخوف من العواقب الوخيمة للتنكر للقرآن و أحكام علماء الأمة و زعماء المسلمين و الحياد عن الدستور، فلا تلقِ بالبلاد في الخطر متعمداً و من دون سبب، و إلا فلن يتجنب علماء الإسلام إبداء آرائهم فيك».

و هكذا كانت تجربة اتحادات الولايات و الإمارات تجربة انتصار قيمة للشعب الإيراني، خصوصاً لأنه عرف من خلالها سمات شخصية جديرة بقيادة الأمة الإسلامية من كل النواحي. رغم هزيمة الشاه في قضية الاتحادات، إلا أن ضغوط أمريكا لتمرير إصلاحاتها لم تنقطع. لذلك أذاع الشاه في شهر دي 1341ش (بداية شتاء 1963م) مبادئه الإصلاحية الستة و أعلن الاستفتاء العام عليها. فعاد الإمام الخميني لمناشدة مراجع الدين و علماء الأمة في قم للاجتماع و التفكير في حل. و باقتراح من الإمام الخميني تمّت مقاطعة الاحتفال بعيد النيروز التراثي في بداية العام الشمسي 1342ش (آذار 1963م) اعتراضاً على خطوات النظام هذه. في البيان الذي أصدره الإمام وصف الثورة البيضاء التي أطلقها الشاه بأنها ثورة سوداء، و فضح تماشي الشاه مع الأهداف الأمريكية و الإسرائيلية. من جهة، كان الشاه قد طمأن الساسة في واشنطن بشأن استعداد المجتمع الإيراني لتطبيق الإصلاحات الأمريكية، و أطلق على هذه الإصلاحات اسم (الثورة البيضاء)، لذا شق عليه كثيراً أن يعارضه علماء الدين. في تجمع جماهيري كبير وصف الإمام الخميني و بكل شجاعة الشاه بأنه الأداة الرئيسية للجرائم التي ترتكب في البلاد و أنه حليف لإسرائيل و دعا الجماهير إلى الثورة. و في كلمته يوم 12 فروردين 1342ش (1/4/1963م) انتقد بشدة صمت علماء قم و النجف و سائر البلاد الإسلامية حيال جرائم النظام الجديدة و قال: «إن الصمت اليوم مواكبةٌ للنظام المتجبّر». و في اليوم التالي أي 13 فروردين 1342ش (2/4/1963م) أصدر بيانه المعروف تحت عنوان «محبة الشاة معناها النهب و الغارة». و هنا، يجب البحث عن سر التأثير المذهل لنداءات الإمام و كلامه في نفوس مخاطبيه و الذي يصل حدود التضحية و الفداء بأرواحهم، يجب البحث عنه في أصالة تفكيره، و صلابة رأيه، و صدقه الخالص مع الشعب.

ابتدأ عام 1342ش بمقاطعة احتفالات عيد النيروز و اصطبغ بدماء المظلومين في المدرسة الفيضية. كان الشاه مصراً على تطبيق الإصلاحات التي تريدها أمريكا، بينما بقي الإمام ثابتاً على توعية الشعب و استنهاضه ضد التدخل الأمريكي و خيانات الشاه. في 14 فروردين 1342ش (3/4/1963م) بعث آية الله العظمى الحكيم من النجف برقية للعلماء و المراجع في إيران طالباً منهم الانتقال بشكل جماعي إلى النجف. أطلق هذا الاقتراح حفاظاً على أرواح العلماء و كيان الحوزات، لكن الإمام الخميني بعث جواب برقية آية الله العظمى الحكيم دون أي اكتراث لهذه التهديدات مؤكداً فيه أن الهجرة الجماعية للعلماء و إخلاء الحوزة العلمية في قم ليس من المصلحة إطلاقاً. و في 12/2/1342ش (2/5/1963م) أصدر الإمام الخميني بياناً بمناسبة أربعينية فاجعة المدرسة الفيضية مشدداً فيه على ضرورة مواكبة علماء الدين و الشعب الإيراني لرؤساء البلدان الإسلامية و العربية في مواجهة إسرائيل الغاصبة، و إدانة المعاهدات بين الشاه و إسرائيل.

انتفاضة 15 خرداد (5 حزيران 1963م)

و حل شهر المحرم ليصادف شهر خرداد من عام 1342ش، فاستثمر الإمام الخميني هذه الفرصة لإثارة الشعب ضد نظام الاستبداد الشاهنشاهي، ففي عصر يوم عاشوراء 13 خرداد سنة 1342ش (3/6/1963م) ألقى الإمام كلمته التاريخية التي اشعلت شرارة انتفاضة 15 خرداد، و قال فيها بصوت عال يخاطب الشاه: «أنا أنصحك يا سيد، أيها السيد الشاه، يا حضرة الشاه، أنا أنصحك أن تقلع عن هذه الأعمال، إنهم يخدعونك يا سيد. أنا لا أرغب أن يرفع الجميع أيديهم بالشكر إذا أرادوا أن تسقط و تغادر... إذا أملوا شيئاً و أعطوه لك و قالوا لك اقرأه ففكّر فيه قليلاً... اسمع نصيحتي... ما العلاقة بين الشاه و إسرائيل حتى يقول مجلس الأمن: لا تذكروا إسرائيل بسوء... و هل الشاه إسرائيلي؟!».

أصدر الشاه أوامره بإخماد الانتفاضة. بدايةً، أُلقي القبض على عدد كبير من أنصار الإمام الخميني ليلة 14 خرداد، و في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل (فجر الخامس عشر من خرداد) حاصر المئات من قوات الكوماندوز الموفدين من طهران منـزل الإمام و ألقوا القبض عليه و هو يصلي صلاة الليل، و نقلوه إلى طهران ليسجن في معتقل نادي الضباط، ثم نقلوه غروب ذلك اليوم إلى سجن (قصر). و كان أن وصل نبأ اعتقال قائد الثورة إلى طهران و مشهد و شيراز و سائر المدن صبيحة يوم 15خرداد فسادتها أجواء مماثلة لأجواء قم. يروي الجنرال حسين فردوست أحد أقرب الندماء الملازمين للشاه في مذكراته أنهم استخدموا تجارب و خدمات خيرة العناصر السياسية و الأمنية الأمريكية لقمع الانتفاضة، و يتحدث كذلك عن الاضطراب الذي خيّم على الشاه و البلاط و أمراء الجيش و السافاك في هذه الساعات، و أوضح في مذكراته كيف أن الشاه و جنرالاته كانوا يصدرون أوامر القمع كأنهم مجانين. بعد 19 يوماً من اعتقاله في سجن (قصر) نقل الإمام الخميني إلى مقر (عشرت آباد) العسكري. و باعتقال قائد النهضة و ارتكاب المجازر الوحشية ضد الجماهير في يوم 15 خرداد 1342ش، كانت الانتفاضة قد أُخمدت على ما يبدو. امتنع الإمام الخميني في السجن عن الإجابة على أسئلة المحققين بكل شجاعة و بإعلانه أنه يعتبر الهيئة الحاكمة في إيران و سلطتها القضائية غير قانونية و تفتقر للصلاحية. في مساء 18/1/1343ش (7/4/1964م) أطلق سراح الإمام دون سابق إشعار و نقل إلى قم، و بمجرد أن علمت الجماهير بالنبأ عمت الفرحة كل أرجاء المدينة و أقيمت احتفالات كبرى في المدرسة الفيضية و أماكن أخرى تواصلت لعدة أيام. و بعد فترة تم إحياء الذكرى الأولى لانتفاضة 15 خرداد بإصدار بيان مشترك للإمام الخميني و باقي مراجع التقليد و بيانات منفصلة أخرى أصدرتها الحوزات العلمية أعلن فيها هذا اليوم يوم عزاء عام. في يوم 4 آبان 1343ش (26/10/1964م) أصدر الإمام الخميني بياناً ثورياً كتب فيه: «لتعلم الدنيا أن كل مشكلة يعاني منها الشعب الإيراني و الشعوب المسلمة إنما هي بسبب الأجانب و على رأسهم أمريكا. الشعوب المسلمة تكره الأجانب عموماً و أمريكا على الخصوص... أمريكا هي التي تدعم إسرائيل و أنصار إسرائيل. أمريكا هي التي تقوّي إسرائيل كي تشرِّد العرب المسلمين». الحقائق التي كشفها الإمام للناس ضد لائحة الكوبيتولاسيون (الحصانة القضائية) وضعت إيران في آبان سنة 1343ش (خريف 1964) على أعتاب انتفاضة ثانية. في فجر 13 آبان 1343ش (4/11/1964م) هجمت قوات الكوماندوز الموفدة من طهران مرة ثانية على بيت الإمام الخميني في قم و حاصرته. و العجيب أن ساعة الاعتقال صادفت كما في المرة السابقة وقت تضرع الإمام و عبادته الليلية. اعتقل الإمام الخميني و نقلته قوات الأمن مباشرة إلى مطار مهرآباد في طهران، و أقلته من هناك طائرة عسكرية أعدت من قبل إلى العاصمة التركية أنقرة برفقة عناصر من الأمن و العسكر. و في عصر ذلك اليوم نشر السافاك في الصحف خبر نفي الإمام بتهمة التآمر ضد أمن البلاد (!) و رغم أجواء القمع و الإرهاب إلا أن رياح الاعتراض هبت بقوة على شكل مظاهرات في سوق طهران و عطلة طويلة في دراسة الحوزات العلمية و إرسال طومارات و رسائل للمنظمات الدولية و مراجع التقليد. استمرت إقامة الإمام في تركيا 11 شهراً قمع نظام الشاه خلالها بقايا المقاومة و المعارضة في إيران بكل قوة، و بادر بسرعة لتنفيذ الإصلاحات التي ترغبها أمريكا منتهزاً غياب الإمام. و كان الإمام قد استغل إقامته الإجبارية هناك لتدوين رسالته العملية الكبيرة التي حملت عنوان (تحرير الوسيلة).

نفي الإمام الخميني من تركيا إلى العراق

في يوم 13 مهر 1344ش (5/10/1965م) توجه الإمام الخميني بصحبة ابنه آية الله السيد مصطفى الخميني من تركيا إلى منفاه الثاني في العراق. بعد وصول الإمام الخميني إلى بغداد سارع لزيارة مراقد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في الكاظمية و سامراء و كربلاء، لينتقل بعد أسبوع إلى محل إقامته الرئيس في مدينة النجف الأشرف. فترة إقامة الإمام في النجف التي استمرت 13 عاماً ابتدأت في ظروف مع أنها لم تسجِّل ضغوطاً و قيوداً واضحةً من قبل إيران و تركيا على الإمام الخميني، لكن المعارضات و المشاكسات و الغمز و اللمز لا من قبل جبهة الأعداء الحقيقيين بل من قبل المتمظهرين بلباس رجال الدين و طلاب الدنيا المتسترين بأزياء العلم و الحوزة كان قد أتسع و تفاقم إلى درجة أن الإمام رغم كل ما أوتي من صبر و احتساب اشتهر بهما ذكر ظروف الكفاح في تلك الأعوام بكل مرارة. إلا أن أياً من هذه الصعاب و المحن لم تتمكن من ثنيه عن المسار الذي اختاره بكل وعي. بدأ الإمام دروس البحث الخارج في الفقه رغم كل الاعتراضات و العراقيل التي افتعلتها العناصر المغرضة بتاريخ آبان 1344ش (11/1965م) في مسجد الشيخ الأنصاري بالنجف الأشرف، و استمرت هذه الدروس حتى مغادرته العراق إلى باريس. و كانت دروسه من أبرز و أفضل الدروس نوعياً و كمياً في حوزة النجف. منذ بداية وصوله إلى النجف بعث الإمام الخميني رسائل و نواباً إلى إيران كي يحافظ على تواصله مع المجاهدين و المعارضين و كان يدعوهم في كل مناسبة إلى الصمود في متابعة أهداف ثورة 15 خرداد. طوال كل فترة النفي التي حفلت بشتى صنوف المحن و المرارات لم يتخل الإمام عن الكفاح و النضال إطلاقاً و أبقى الأمل بالانتصار حياً في القلوب عبر ما كان يوجهه من نداءات و ما يلقيه من خطابات. في حوار له مع ممثل منظمة فتح الفلسطينية بتاريخ 19 مهر 1347ش (11/10/1968م) شرح وجهات نظره حول قضايا العالم الإسلامي و جهاد الشعب الفلسطيني و أفتى في هذا الحوار بوجوب تخصيص مقدار من أموال الزكاة للمجاهدين الفلسطينيين.

في مطلع سنة 1348ش (آذار 1969م) تفاقمت حدة الخلافات بين نظام الشاه و حزب البعث في العراق حول الحدود المائية بين إيران و العراق فأخرج النظام العراقي عدداً من الإيرانيين المقيمين في العراق بأساليب و ظروف جد سيئة، و حاول حزب البعث كل جهده أن يستغل عداء الإمام الخميني للنظام الإيراني. كانت أربعة أعوام من الجهود التنويرية و العلمية التي بذلها الإمام قد استطاعت إلى حد ما تغيير المناخ في حوزة النجف. و في سنة 1969كان هناك فضلاً عن المجاهدين الكثر في داخل إيران أنصار غير قليلين للإمام الخميني في العراق و لبنان و سائر البلاد الإسلامية يعدون النهضة الخمينية نموذجاً صالحاً لهم.

الإمام الخميني و مواصلة النهضة (1970 - 1977م)

في النصف الثاني من سنة 1971م تصاعدت شدة الخلاف بين النظام البعثي العراقي و شاه إيران ما أدى إلى طرد و تشريد الكثير من الإيرانيين المقيمين في العراق. فبعث الإمام الخميني برقية لرئيس الجمهورية العراقية أدان فيها ممارسات نظامه بشدة. و لأجل إعلان معارضته لهذه الظروف و الأحوال قرر الإمام مغادرة العراق، لكن حكام بغداد تنبهوا إلى تبعات هجرة الإمام من العراق فلم يسمحوا له بمغادرة العراق في ذلك الظرف. في الذكرى السنوية لانتفاضة 15 خرداد، 5 حزيران 1975م شهدت المدرسة الفيضية تارةً أخرى انتفاضة طلبتها الثوريين، و تواصلت هتافات "يعيش الخميني" و "الموت للدولة البهلوية" يومين كاملين. و قبل هذا كانت المنظمات المسلحة المعارضة للشاه قد أُبيدت و أودعت الشخصيات الدينية و السياسية المناضلة في السجون. و مواصلة لسياساته المعادية للدين غيّر الشاه في اسفند 1354ش (أذار 1976م) بكل وقاحة التاريخ الرسمي للبلاد من هجرة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) إلى بداية حكم الدولة الأخمينية. فبادر الإمام لإصدار فتوى شديدة حرم فيها استخدام هذا التاريخ الشاهنشاهي عديم الأساس، و رحب الشعب الإيراني بمقاطعة هذا التاريخ الوهمي كما رحب بمقاطعة حزب رستاخيز (البعث) فكانت هاتان الخطوتان فضحيةً لنظام الشاه ما اضطره للتراجع و إلغاء التاريخ الشاهنشاهي في سنة 1978م.

تصاعد الثورة الإسلامية سنة 1977م

الإمام الخميني الذي كان يتابع التطورات الجارية في إيران و العالم بكل دقة استثمر الفرصة التي سنحت فأعلن في نداء له في مرداد (آب 1977م): «الآن و بفضل الوضع في داخل إيران و خارجها، و انعكاس جرائم النظام في المحافل و الصحف الأجنبية، تتوفر فرصة يجب أن تستثمرها الأوساط العلمية و الثقافية و الشخصيات الوطنية و الطلبة خارج البلاد و داخلها و الاتحادات الإسلامية أينما كانت فينهضوا جميعاً بشكل علني».

استشهاد نجل الإمام آية الله السيد مصطفى الخميني في الأول من آبان 1356ش (23/10/1977م) و إقامة مراسم حافلة لتأبينه في إيران كانت نقطة البداية لانتفاضة أخرى فجرتها الحوزات العلمية و المجتمع الديني في إيران. و قد وصف الإمام الخميني تلك الحادثة في حينها بأنها من الألطاف الإلهية الخفية. نشر نظام الشاه مقالاً مهيناً ضد الإمام في صحيفة اطلاعات لينتقم منه، و أدت الاعتراضات على هذا المقال لانتفاضة 19 دي في قم سنة 1356ش (9/1/1978م) حيث سقط عدد من الطلبة الثوريين مضمخين بدمائهم. و رغم كل ما اقترفه الشاه من مجازر جماعية لكنه لم يستطع إخماد مشعل الثورة المتقد.

هجرة الإمام الخميني من العراق إلى باريس

في لقاء وزيري خارجية إيران و العراق في نيويورك تقرر إخراج الإمام الخميني من العراق. في يوم 2/7/1357ش (24/9/1978م) حوصر بيت الإمام في النجف من قبل عناصر الأمن البعثية في العراق، فأثار النبأ غضباً واسعاً لدى الجماهير المسلمة في إيران و العراق و بلدان أخرى. في 12/7/1357ش (4/10/1978م) غادر الإمام النجف نحو الحدود العراقية الكويتية فرفضت الحكومة الكويتية بإيعاز من نظام الشاه دخول الإمام إلى أراضيها. كانت هناك أحاديث سابقة عن سفر الإمام إلى لبنان او سورية لكنه بعد استشارة نجله حجة الإسلام السيد أحمد الخميني قرر التوجه إلى باريس التي وصلها يوم 14/7/1357ش (6/10/1978م) و بعد يومين أقام الإمام في بيت أحد الإيرانيين في منطقة نوفل لوشاتو إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية. و سارع المسؤولون في قصر الإليزيه لإبلاغ قرار رئيس الجمهورية الفرنسي للإمام الخميني بضرورة تحاشيه أي نشاط سياسي في فرنسا، فكان رد فعل الإمام شديداً حين صرّح أن مثل هذه القيود على الضد تماماً من دعاوى الديمقراطية الغربية، و أنه لن يترك العمل في سبيل أهدافه حتى لو اضطر للتنقّل الدائم من مطار إلى مطار و من بلد إلى آخر. في شهر دي من سنة 1357ش (1/1979م) شكّل الإمام الخميني شورى الثورة الإسلامية في إيران، أما الشاه فقد هرب من البلد في 26/10/1357ش (16/1/1979م) بعد تشكيله الشورى الملكية و إحرازه ثقة البرلمان على حكومة شاهبور بختيار. و سرعان ما ذاع هذا الخبر في طهران ثم إيران كلها فخرج الناس إلى الشوارع يعربون عن فرحتهم و احتفالهم لهزيمة الشاه.

عودة الإمام إلى إيران بعد 14 عاماً من النفي

في بدايات شهر بهمن 1357ش (أواخر كانون الثاني 1979م) ذاع خبر عودة الإمام إلى البلاد، ففاضت أعين الناس بالدموع شوقاً إليه و اغتباطاً برجعته بعد أن انتظروا هذا الميعاد 14 سنة. لكن الجماهير و الأصدقاء المقربين للإمام كانوا في الوقت ذاته قلقين عليه و على حياته لأن الحكومة العملية للشاه لا تزال قائمة و قد أعلنت الحكومة العسكرية. بيد أن الإمام كان قد اتخذ قراره و ذكر في نداءاته للشعب الإيراني أنه يريد أن يكون بجانب شعبه في هذه الأيام المصيرية الخطيرة. فما كان من حكومة بختيار إلا أن أغلقت مطارات البلاد بوجه الرحلات الخارجية بتنسيق مع الجنرال الأمريكي هايزر، غير أنها لم تستطع الإصرار طويلاً على قرارها هذا و اضطرت للرضوخ لإرادة الأمة فحلَّ الإمام الخميني عائداً إلى وطنه صبيحة يوم 12 بهمن 1357ش (1/2/1979م) بعد 14 عاماً من الفراق. و قد كان استقبال الجماهير له مدهشاً و غير مسبوق إلى درجة اضطرت وكالات الأنباء الغربية للاعتراف به و ذكرت أن عدد المشاركين في هذا الاستقبال تراوح بين 4 إلى 6 ملايين إنسان.

رحيل الإمام الخميني (رحمه الله)... لقاء الله.. فراق الأحبة

كان الإمام الخميني قد أعلن طوال سنوات حياته عن أهدافه و مبادئه و كل ما كان ينبغي أن يبلِّغه، بذل كل طاقته و جهوده في سبيل تحقيق هذه الأهداف. و على أعتاب ذكرى انتفاضة النصف من خرداد (5 حزيران) سنة 1368ش (1989م) كان قد أعد نفسه للقاء حبيبٍ أنفق كل عمره في سبيل تحصيل مرضاته، و لم تنحن قامته أمام كائن سواه، و لم تبك عيناه إلا من أجله. قصائده العرفانية تنم كلها عن آلام فراق هذا الحبيب و تفصح عن تعطّشه الكبير للحظة وصاله. و ها قد اقتربت تلك اللحظة الشامخة العظيمة بالنسبة له، العصيبة القاتلة بالنسبة لأنصاره و محبّيه. كتب هو في وصيته: «بقلب تجلّله السكينة، و فؤاد مطمئن، و روح مبتهجة، و ضمير متفائل بفضل الله، أستأذِن الأخوات و الإخوة و أرحل إلى موطني الأبدي و أنا بأمس الحاجة إلى أدعيتكم لي بالخير، و أطلب من الله الرحمن الرحيم أن يتقبّل عذري لقصوري و تقصيري و قلّة خدمتي، و أرجو من الشعب أيضاً تقبل عذري في قصوري و تقصيري، و أن يواصلوا مسيرتهم إلى الأمام بكل قوة و عزم و إرادة». الغريب أن الإمام الخميني كان قد قال في إحدى قصائده الغنائية (غزليات) التي نظمها قبل سنوات قليلة من رحيله: «تمر الأعوام و تتعاقب الأحداث و أنا أنتظر الفرج من النصف من خرداد».

لحظة الوصال كانت الساعة العاشرة و عشرون دقيقة من مساء يوم الثالث عشر من خرداد 1368ش (3/6/1989م) كفّ عن الخفقان قلبٌ أحيى بأنوار الله و المعنوية ملايين القلوب. و كان أصدقاؤه و محبوه قد نصبوا كاميرا خفية في المستشفى التي رقد فيها أواخر أيامه سجلوا عبرها أحواله أيام مرضه و إجراء العمليات الجراحية له و اللحظات التي فاضت فيها روحه. و حينما عرضت من التلفاز لقطات من الحال المعنوية السامية و السكينة التي كانت تغمره في تلك الأيام هاجت القلوب و تفجرت بالعواطف و عمّها وجدٌ لا يمكن وصفه و الشعور به إلا لمن عايش تلك الأجواء. كانت الشفاه تتمتم بذكر الله دوماً. في الليلة الأخيرة من حياته و بعد أن تحمل و هو في الـ 87 من عمره إجراء عدة عمليات جراحية صعبة و طويلة، و في حين ربطوا بذراعيه المباركين عدة أمصال، كان يصلي نافلة الليل و يتلو القرآن. و كانت تغشاه في ساعاته الأخيرة طمأنينة و سكون ملكوتي و هو يلهج دوماً بوحدانية الله و رسالة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه و آله و سلم)، فحلّقت روحه إلى الملكوت الأعلى و هو في هذه الحال. حينما ذاع خبر رحيل الإمام تغيرت حال البلاد كما لو ضربها زلزال عنيف، فتفجرت الحناجر بالبكاء، و انهالت الأيدي باللطم على الرؤوس و الصدور و عمَّ هذا التيار العارم إيران برمتها و كل أماكن العالم التي سبق أن تعرفت على اسم الإمام الخميني و رسالته. ما من قلم أو لسان بوسعه وصف أبعاد ذلك الحدث و طوفان المشاعر الجماهيرية المنفلتة التي غمرت إيران تلك الأيام. كان من حق الشعب الإيراني و الجماهير المسلمة الثورية أن تضج كل هذا الضجيج صانعةً مشاهد لا نظير لها في حجمها و عظمتها طوال التاريخ. كانوا قد فقدوا شخصاً أعاد لهم عزتهم المسحوقة، و قصّر أيدي الملوك الظالمين و الغربيين الناهبين عن أرضهم، و أحيى الإسلام، و أعزّ المسلمين و أسس الجمهورية الإسلامية، و وقف بوجه كافة القوى الجهنمية و الشيطانية في العالم، و صمد عشرة أعوام حيال مئات المؤامرات الرامية إلى إسقاط هذه الجمهورية الفتية، و مشاريع الانقلابات، و الفتن الداخلية و الخارجية، و قاد لثمانية أعوام دفاعاً حربياً وقف في طرفه الآخر عدوٌّ دعمته قوى الشرق و الغرب العظمى دعماً علنياً و شاملاً. كانت الجماهير قد فقدت قائدها الحبيب و مرجعها الديني و المنادي بالإسلام الحقيقي. الذين لا يستطيعون استيعاب هذه المفاهيم و هضمها قد يعجزون عن تفسير ما شاهدوه في وسائل الإعلام من أحوال عاشتها الجماهير عند توديعها و تشييعها و دفنها الجسد الطاهر للإمام الخميني، و حين سمعوا أنباء وفيات العشرات ممن لم يستطيعوا الصبر على هول الحدث الجلل فسكتت قلوبهم عن الخفقان، و إذا هم رأوا أجساد المغمى عليهم من شدة الألم و الغم تُحمل على أيدي المشيعين دون انقطاع لتنقل إلى المستشفيات و المستوصفات. لكن الذين يعرفون معنى الحب و سبق لهم أن جربوه و ذاقوا حلاوة طعمه لن يجدوا أية صعوبة في فهم هذه المشاهد الفريدة. لقد كان الشعب الإيراني يعشق الإمام عشقاً حقيقياً، و قد اختار شعاراً جميلاً معبراً جداً في ذكرى رحيله: «حب الخميني حب لكل الخصال الحسنة». في يوم الـ 14 من خرداد 1368ش (4/6/1989م) اجتمع مجلس خبراء القيادة فقرأ آية الله الخامنئي وصية الإمام الخميني التي استغرقت قراءتها ساعتين و نصف الساعة. و بعد ذلك بدأ بالتداول لتعيين خَلَف للإمام الخميني و قائد للثورة الإسلامية، و بعد عدة ساعات من النقاش و التداول تم بالإجماع اختيار سماحة آية الله الخامنئي (رئيس الجمهورية آنذاك) لحمل هذه الرسالة الخطيرة، و آية الله الخامنئي هو أحد تلامذة الإمام الخميني و من شخصيات الثورة الإسلامية الفذة، و أحد المساهمين الفاعلين في انتفاضة 15 خرداد (5 حزيران) و من المعاقين و المضحين طوال فترة النهضة التي قادها الإمام الخميني بكل منعطفاتها و شدائدها. الغربيون و عملاؤهم في الداخل ممن يئسوا من الانتصار على الإمام الخميني كانوا يمنّون أنفسهم و الآخرين منذ سنوات بموت الإمام الخميني. بيد أن يقظة الشعب الإيراني و الانتخاب السريع و السليم الذي نهض به مجلس خبراء القيادة، و الدعم الذي أبداه أنصار الإمام و جنوده، بدد كل آمال أعداء الثورة و ألقى بها أدراج الرياح، فلم يكن رحيل الإمام نهاية لطريقه اللاحب على الإطلاق، و ليس هذا و حسب بل يتسنى القول إن عصر الإمام الخميني انطلق بعد وفاته بأبعاد أوسع من السابق، و هل يموت الفكر و الصلاح و المعنوية و الحقيقة؟ في يوم و ليلة الـ 15 من خرداد 1368ش (5/6/1989م) تجمع في مصلى طهران الكبير الملايين من أهالي طهران و المعزين القادمين للعاصمة من مدن البلاد و قراها ليودّعوا للمرة الأخيرة الجسد الطاهر لرجل أعاد بنهضته الشموخ و الاعتدال لقامة القيم و الكرامة المحنيّة في عصر الظلم الحالك، و أطلق في العالم نهضة تدعو إلى العودة لله تعالى و الفطرة الإنسانية السليمة. لم يكن هناك أي أثر للتشريفات الجامدة المتداولة في مثل هذه المراسم، كل شيء كان يجري بطريقة تعبوية و شعبية عاشقة. الجسد الطاهر المجلل بوشاحٍ أخضر كان قد وضع على مرتفع يحيطه ملايين المعزين و هو يتألق وسطهم كالجوهرة. كل فرد كان يناجي إمامه بلغته الخاصة و يذرف الدموع مدرارةً عليه. كل الطرق المؤدية للمصلى كانت تغصّ بأمواج الجماهير الموشحة بثياب الحداد. أعلام العزاء السوداء ترتفع فوق كل بناية و جدار، و أصوات القرآن تسمع من كل المساجد و الدوائر و المنازل. حين جن الليل اشتعلت آلاف الشموع في صحراء المصلى و التلال المحيطة بها تيمّناً بالمشعل الذي أوقده الإمام. العوائل المفجوعة تحلّقت حول الشموع و شخصت أبصارها إلى تلك القمة النيرة. هتافات «يا حسين» التي أطلقها الشباب التعبويون الذين غمرتهم مشاعر اليتم و هم يلطمون الرؤوس و الصدور، بثت في تلك الأجواء أريج عاشوراء الزاكي. فكرة أنهم لن يسمعوا ثانية صوت إمامهم من حسينية جماران أجزعت النفوس و بددت الصبر و الاحتساب في قلوبهم. قضت الجماهير مساءها عند جسد الإمام، و في الساعات الأولى من صباح السادس عشر من خرداد (6حزيران) صلّى الملايين بإمامة آية الله العظمى الگلبايگاني على جسد الإمام بعيون بللتها الدموع. حشود الشعب و عظمة ملحمة حضورهم يوم عودة الإمام للوطن في 12 بهمن 1357ش (1 شباط 1979م) و تكرار هذه الملحمة في مراسم تشييعه، هو بحق من عجائب التاريخ. قدرت وكالات الأنباء الرسمية العالمية عدد الذين استقبلوه في عودته للوطن بستة ملايين نسمة و عدد المشاركين في تشييعه و توديعه بتسعة ملايين، هذا في حين تحمل الشعب الإيراني طوال 11 سنة من حكم الإمام الخميني الكثير من المشكلات و الصعاب بسبب اتحاد البلدان الغربية و الشرقية في عدائهم للثورة و فرضهم حرب الثماني سنوات على إيران مضافاً إلى مئات المؤامرات الأخرى التي حاكوها ضد إيران، و قدم هذا الشعب الكثير من أعزائه و أحبائه قرابين في هذا السبيل و كان ينبغي طبعاً أن يصابوا شيئاً فشيئاً بالتعب و الملل من هذا الواقع، إلا أن هذا لم يحدث على الإطلاق. الجيل الذي تربّى في مدرسة الإمام الإلهية كان يؤمن إيماناً عميقاً بمقولة الإمام: «مقدار الصبر على المصاعب و الآلام و التضحيات و الفداء و الحرمان يتناسب و عظمة حجم الغاية و قيمتها و رفعة مكانتها».

بعد أن تعذرت مواصلة مراسم الدفن بسبب عاصفة المشاعر و الزحام، أُعلن من الإذاعة كراراً أن يرجع الناس إلى بيوتهم و أن المراسم قد أوكلت إلى وقت لاحق سيعلن عنه فيما بعد. لم يكن المسؤولون يشكون في أن مضي مزيد من الوقت سيضاعف من أعداد المشيعين الخيالية و يضيف إليهم مئات الآلاف من محبي الإمام الآخرين الذين انطلقوا من المدن البعيدة متوجهين إلى طهران، و مع ذلك لم تكن ثمة مندوحة من مواصلة مراسم الدفن وسط تلك المشاعر الجياشة و بصعوبة قصوى نقل مراسلو وسائل الإعلام لقطات منها لأنظار العالم و أسماعه. و هكذا كانت وفاة الإمام الخميني كما هي حياته ينبوع يقظة و نهضة متجددة خلّدت ذكراه و طريقه، فقد كان حقيقةً.. حقيقةً حيةً لا تفنى أبداً.



http://www.alwelayah.net/welayah/index. ... kRBOQ==&r=
ماشاء الله لاقوة الا بالله، عليه توكلت و اليه انيب.

alimohammad
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 357
اشترك في: الأربعاء مارس 26, 2008 2:47 pm

قراءات في فكر الإمام الخميني

مشاركة بواسطة alimohammad »

قراءات في فكر الإمام الخميني

تشكل الكتابة عن الإمام الخميني و فكره و نهجه مقدمة ضرورية للدخول إلى عالم واسع من الواقع الذي يغلب عليه طابع الضرورة و الجدية و الاهتمام و مكانة الدور، فالإمام ليس شخصية كباقي الشخصيات التي عبرت التاريخ و انقضى ذكرها، بل على عكس ذلك، الإمام من الشخصيات التي تركت بصماتها و آثارها و بركاتها على جوانب كبيرة و مؤثرة من حياة العالم الإسلامي.

لقد جاءت حركة الإمام الفكرية و الجهادية في جو غلب عليه الابتعاد عن الذات و القيم و الهوية الأساسية فحمل لواء الإسلام و الحق ليعيد الأمور إلى نصابها و ليبين المواقف الصحيحة مما جعله مناراً تهتدي به العقول و القلوب قبل الأجساد.

و من هنا شكلت السيرة الذاتية للإمام الخميني دروساً بالغة الأهمية، و برز دوره المتنوع و في جميع المجالات، أما أفكاره و عقائده فهي نماذج حية للفكر الإسلامي الصحيح. و الأكثر من هذا يغدو التعرف على فكر هذا الإمام الكبير حاجة ملحة و ضرورية يكتسبها من أهمية التعرف إلى فكر هذا القائد الذي استطاع إحداث تحولات فكرية و سياسية في مسار الحياة العامة للمسلمين في مواقع انتشارهم الجغرافي و في المجتمعات الدولية الأخرى.

أما التعرف على وجهة فكر الإمام الخميني فمتوقفة على ما امتازت به من خصائص و ميزات انفرد الإمام بها:

1 ـ بداية كان الإمام يملك معرفة دقيقة و واضحة بالإسلام و معتقداته و أهدافه.

2 ـ لقد وضع الإمام نصب عينيه مهمة إعادة المفاهيم و القيم الدينية في الحياة العملية إلى أصالتها و وجهتها الرئيسية.

3 ـ امتلك نهج الإمام من الصدقية و الخصال الحميدة ما جعله مؤثراً في الكثير من الحالات، فما وقع كلامه في شيء إلا استوقفه و دفعه لإعادة النظر في مجمل المنظومة الفكرية المحيطة به.

4 ـ و امتاز خط الإمام بتبنيه للقضايا العامة و قضايا المستضعفين، تلك التي تمتاز بجانب الحقانية...

5 ـ و غلب على فكر الإمام التأسيس لمشروع تربوي و فكري يقدم المباني الأساسية للفكر الأصيل و للحياة العملية السليمة.

6 ـ بالإضافة إلى ذلك امتاز نهج الإمام باحترام الآخر و اعطاء أهمية خاصة للفرد و المجتمع، و بشكل عام كان الإنسان عند الإمام يمتلك مفهوماً لعلنا لم نألفه في الأنظمة الوضعية، نابعاً من القيمة العالية و السامية للإنسان.

و إذا ما أردنا التدقيق أكثر لوجدنا الكثير و الكثير من المميزات التي غلبت على فكر الإمام الخميني و شخصيته... نماذج واضحة جلية من فكر الإمام و جهاده و الآثار التي تركها على مستوى العالم الإسلامي و غيره... على أمل أن تكون هذه الخطوة مقدمة للتعرف على فكر و نهج و خط هذا الإمام العظيم.

http://www.alwelayah.net/welayah/index. ... kRBOQ==&r=
ماشاء الله لاقوة الا بالله، عليه توكلت و اليه انيب.

alimohammad
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 357
اشترك في: الأربعاء مارس 26, 2008 2:47 pm

الأدوار المتبادلة بين الحكومة و الناس عند الإمام الخميني

مشاركة بواسطة alimohammad »

الأدوار المتبادلة بين الحكومة و الناس عند الإمام الخميني


ما زال إنتصار الثورة و قيام الدولة الإسلامية في إيران يحظيان بإهتمام رفيع من قبل المفكرين و المحللين، و يعتبر موضوع الإسلام و قدرته على تحريك الشعب و الجماهير، و كذلك موضوع الدولة الإسلامية و إعطاءها دور حقيقي للشعب من النقاط الأبرز في تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران، و في فكر الإمام و قد كان الجميع يراقب هذه التجربة و يسأل ترى ماذا ستحقق أو حققت هذه الدولة للشعب من أمور قيمة غير تلك التي حققتها الحكومات الديمقراطية في الغرب لشعوبها، و أين التمايز.

و الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم سيتمحور حول عناوين ثلاثة هي:

الأول: موقع الإنسان و الناس في مفهوم الدين .

الثاني: الحكومة و أهدافها الإجتماعية.

الثالث: واجبات الشعب تجاه الدولة.

و من الناحية المنهجية يبدو لي أنه لا بد من الإلتزام بمحددات ثلاث هي:

- المباشرة في قراءة نصوص الإمام

- الدمج بين النظرية و التجربة.

-التأسيس على النظرة العرفانية و الإنسانية عند الإمام.

أما من ناحية المنهج فهناك كما يبدو ضرورة لاعتماد المباشرة بنصوص الإمام، و الدمج بين النظرية و التجربة، و الإلتزام بالنظرة العرفانية للموضوع، فهذه هي الوجوه الثلاثة التي تسمح بتجلية أفضل للموضوع و الواقع الموضوعي الذي تعيش فيه تلك التوجهات التي نادى بها الإمام، و هذا ما سنحاول اعتماده.

الإنسان و الناس في مفهوم الدين

ينطلق الإمام الخميني في مفهومه للدين من نظرته كعارف يربط كل شيء بالسير و السلوك كطريق، و بمعرفة الله كغاية للخلق و الكمال، أما الناس فيعتبرهم في الطريق للوصول .

و من هنا..

يدرك الإنسان في جوهره من بداية تكوينه حاجتين أساسيتين هما الفكر و المعرفة، و تذوق الجمال، و هما متحَدان، تستمدان وجودهما من الفطرة، و من العالم الخارجي «عالمي الغيب و الشهادة»، فالإنسان ظامئ لهذا الرواء الفكري و الشعوري الخلاق، يتردد في أعماق روحه افتقارٌ و احتياجٌ لا يتبدلان و لا يتوقفان.

يقول الإمام :«أيها التائهون في وادي الحيرة و الضائعون في صحاري الضلالات، بل أيتها الفراشات الهائمة حول شمعة الجميل المطلق.. عودوا قليلاً إلى الفطرة و تصفحوا كتاب ذاتكم لتروا، أن قلم القدرة الإلهية قد كتب فيه : «وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض..» و هي فطرة المحبوب المطلق فطرة المعرفة».

«.. تيقظ من نوم الغفلة و استبشر بأن لك محبوباً لا يزول، و أن لك مقصوداً نور طلعته نور السموات و الأرض.. و أن محبوبك ذو إحاطة.. فإلى متى تتوجه هذه الفطرة التي لا تتبدل إلى الخيالات الباطلة، و نحو هذا و ذاك من المخلوقات».

«.. يا ليتنا نحترق كالفراش حول شمع جماله دون أن نتكلم».

و مع كل أسف فما زال الإنسان يطوي أوراق عمره بالمعرفة و هو غارق في حجاب رؤية النفس و عبادتها، الذي هو عند الإمام «أضخم الحجب و أظلمها، و مع أن خرق هذا الحجاب - كما يقول - أصعب من جميع الحجب فهو إن حصل سيكون مفتاح مفاتيح الغيب و الشهادة، و باب أبواب العروج»، «و ما دام الإنسان قاصراً على النظر إلى نفسه فهو محجوب..»، «و الخروج من هذا المنزل هو أول شرط للسلوك إلى الجمال المطلق و الكمال الصرف. فكل سالك يسلك بخطوة الأنانية و رؤية النفس و يطوي منازل السلوك في حجاب الأنانية و حب النفس» فهو لم يعرف بعد نفسه على حقيقتها.

إن جميع السواقي و الجداول التي كانت تطرب بأغنية أنا الساقية أنا الجدول، و جميع الأودية التي تسيل بقدرها عند ما تصل إلى البحر تنتهي من ذاتياتها و تصمت، و يصبح البحر ينادي أنا البحر أنا البحر، فيردد الجميع نحن من البحر و إليه راجعون.

فمن يخرج من بيت نفسه مهاجراً إلى الله، و إلى رسوله، عليه أن يذوب في بحر البشر، في بحر الناس. و هذا هو الطريق «خدمة الحق في صورة خدمة الخلق» فالحج إلى الله لا يكون إلا مع الخلق و في خدمتهم، و شرطه أن يترك الشرف و الجاه لنفسه، و يلبس لباس الخدمة، و يبحث عن شرف الناس، و حاجات الناس. و هكذا كان الإمام واحداً من أعظم رواد هذا المنهج فتحقق على يديه تحول قوي لمجرى التاريخ، فتحول الفرد في بحر البشر إلى قوة الأمة لما سطره في ملاحم الإيثار و التفاني و الشهادة من معاني عالية و سامية. و كان الإمام يعتبر أن الفقه و الفقاهة و الثورة و الجهاد و السياسة و الحكومة كلها من أجل الناس و تحقيق آمال المستضعفين بالحرية و العدالة و المساواة، و تحقيق الكرامة.

و كثيراً ما كان يردد مثل عبارة أريد أن أقضي مدة وظيفتي في خدمة الناس، و كان يوصي ولده الجليل السيد أحمد فيقول له: «..أحرص على إعانة عباد الله خصوصاً المحرومين و المساكين و المظلومين فذلك خير زاد» و يقول في غير مناسبة: «يا أبنائي الثوار أيها الذين لستم مستعدين أن تتخلوا لحظة عن زهوكم المقدس أنتم تعلمون أن عمري سيمضي لحظة بلحظة في طريق العشق في خدمتكم» .[1]

لقد غير الإمام النظرة إلى الدين و العرفان و وقف بقوة في وجه أصحاب منهج الإعتزال الذين أخرجوا الإسلام من ساحة الحياة و الناس و المجتمع قائلاً :«تصور بعض الناس أن من كان من أهل السير و السلوك، فعليه ألا يهتم بما يجري لباقي الناس و كل ما يحصل في المدينة فهو غير معني به، و لسان حال أحدهم يقول : إنما أنني من أهل السلوك فلأجلس في زاوية ما و أكتفي بأوراد معينة.. و لو كان صائباً أن ينعزل أهل السلوك جانباً لكان من الواجب على الأنبياء أن يفعلوا ذلك، لكنهم لم يفعلوه.. لقد كان موسى بن عمران (ع) من أهل السير و السلوك و مع ذلك فإنه توجه صوب فرعون و قام بما قام في مواجهته، و هكذا الحال بالنسبة لإبراهيم (ع) و النبي الأكرم محمد (ص). و كلنا نعلم أن رسول الله الذي خاض في أجواء السير و السلوك سنين طوال لكنه ما أن وجد فرصة حتى أقام حكومة سياسية من أجل إجراء العدالة. فإن من تبعات العدالة أن تسنح الفرصة كي يعرض كل شخص ما لديه. و هو هادئ البال. ففي أجواء القلق و الإضطراب لا يمكن أن يحصل ذلك، و لا يتسنى لأهل العرفان أن يعرضوا عرفانهم، و لأهل الفلسفة أن يعرضوا فلسفتهم، و لأهل الفقه أن يعرضوا فقههم، فحينما تصبح الحكومة حكومة العدل الإلهي و تطبق العدالة و لم تسمح للإنتهازيين بتحقيق مآربهم، فقد تهيأ جو هادئ يستطيع الجميع أن يستفيدوا منه و يعرضوا فيه ما لديهم. و بناء على ذلك فإن ما ورد في قول المعصوم: و ما نودي بشيء مثلما نودي بالولاية، مغزاه قيام الحكومة. فلم يحصل على أمر مثلما حصل الحث على هذا الأمر السياسي، و قد تم بالفعل هذا الأمر السياسي في عهد النبي الأكرم (ص) و في زمن أمير المؤمنين عليه السلام، و بعد ذلك لو حصلت الفرصة لباقي الأئمة لبادروا إلى هذا الأمر».

الحكومة الإسلامية و أهدافها

نوع الدولة الإسلامية.

الدولة الإسلامية من أي أنواع الدول هي اليوم؟ هذا سؤال مطروح: هل هي ديمقراطية أم إشتراكية أم ثيوقراطية..؟ أذكر أني التقيت في أواسط السبعينات من القرن الماضي بأحد كوادر الحزب الشيوعي في لبنان و قد دار بيني و بينه حوار عن الإشتراكية فتناول بعض كلمات من نهج البلاغة تتعلق بتوزيع الثروة، و أسباب الفقر ليفهمني أن علي عليه السلام كان أباً للإشتراكية.. فهل يصح في حال عمت الأفكار الإشتراكية في بلادنا أن نصف نحن المسلمين الدولة الإسلامية بأنها دولة اشتراكية إسلامية؟

و مثل ذلك يصدق بحق الرأسمالية فقد كتب كثيرون و روجوا بأن الإسلام يؤيد الرأسمالية و الملكية الخاصة فهل لأجل هذا يمكن أن نسمي الدولة الإسلامية بالدولة الرأسمالية، أو كما يطرح العلمانيون بأن الإسلام يلتقي مع العصر و العصر يتطلب إعتماد الإسلام العلماني؟! أم هل نستطيع أن نأخذ شيئاً من الثيوقراطية و شيئاً من الديمقراطية فنشكل نظاماً «ثيوديمقراطي» و نعتبره إسلامياً كما حاول أبو الأعلى المودودي أن يصنفها؟ طبعاً الأمر ليس مقبولاً و لا صحيحاً، حتى من حيث التسمية، و أما تسمية الإمام للدولة بالجمهورية الإسلامية فإن المقصود منها كما قال «حكومة القانون الإلهي على الناس» و «الناس يتلقون القوانين الإسلامية بالقبول و الطاعة».

إن محور المشكلة هو في نوع المسؤولية و القيم التي تنبع منها، فلقد كانت الحكومة في القرون الوسطى مسؤولة أمام رجال الكنيسة دون أن يكون هناك نصوص و قوانين إلهية حاكمة فهي عملياً كانت فوق القانون و من هنا فقد فقدت المسؤولية قيمتها. و هناك مشكلة مماثلة واجهتها الدمقراطية، فهي تنشئ قانوناً يأخذ قيمته من الشعب، فالقانون إذاً أقل قيمة من الإنسان، و ما من قدسية ترفعه إلى ما فوق الإنسان، فعملياً الإنسان ما زال فوق القانون، و الفرق هو بالنوع فقط بين رجال الكنيسة، و رجال المال الذين كان الشعب يرفعهم إلى درجة الإستبداد باسم القانون. بينما كانت الكنيسة ترفع نفسها إلى درجة الإستبداد باسم الله.

أما في الإسلام فجميع أفراد الشعب و رجال الحكم مسؤولون أمام الله المطلق، و الشريعة و القوانين، فهما يمثلان السلطة المطلقة و العدل المطلق، من هنا رفض الإمام الديمقراطية كمضمون كما هي في الغرب و اعتبرها فاسدة.. و قال «الديمقراطية الصحيحة هي الديمقراطية الإسلامية. و إذا وفقنا فسوف نثبت للشرق و الغرب بعدئذِ أن ديمقراطيتنا هي الديمقراطية، لا الديمقراطية التي عندهم، و التي تدافع عن الرأسماليين الكبار، و لا التي عند أولئك المدافعين عن القوى الكبرى..» [2]، إذاً خيار الإسلام هو خيار ثالث يختلف كلياً عن الأنظمة الأخرى و له هوية خاصة، تستند إلى قوانين و قيم إلهية.

الحكومة خادمة الشعب

الحكومة في ظل الإسلام خادمة الشعب، و بحسب قول الإمام :«يجب عليها أن تكون في خدمة الشعب» [3]، «نريد مثل تلك الحكومة التي يعتبر فيها الحاكم أن قيمة الرئاسة أقل من قيمة نعله المرقع..»، و حتى يضمن الإمام ما أراد فقد طلب من الشعب «أن يمنح أصواته لأولئك النواب المتعبدين بالإسلام و الأوفياء للشعب ممن يشعر بالمسؤولية لخدمة الجماهير، و ممن ذاقوا طعم الفقر المر، و المدافعين عن إسلام الحفاة في الأرض»، و طلب من الناس أن يرفضوا إسلام المرفهين الذين ليس لديهم شعور، إسلام الباحثين عن الراحة.. و بكلمة واحدة الإسلام الأمريكي»، «فعندما لا يحس الإنسان بمعنى الفقر و معنى الجوع فإنه لا يستطيع أن يفكر بالجياع، و البؤساء» [4].

فيما يتعلق بحرية رأي الشعب في شكل الحكم و حيث لا تنافي مع أحكام الإسلام فإن الإمام يؤكد بأنه «لا يحق لنا أن نفرض على شعبنا شيئاً فنحن نطيع الرأي الذي يبديه أبناء شعبنا» فـ «من الحقوق الأولية لأي شعب أن يمتلك حق تقرير المصير و تعيين شكل و نوع الحكومة التي يريدها»، و إن «حرية الشعب في اختيار الحكومة و نظام الحكم و انتخاب المجلس و الممثلين للأمة فذلك حق مصان».

إن رأي الشعب حق في كل ما يعود للناس، أما ما يعود لله فأمره يعود إلى الله و الرسول و إلى من منحهم الله حق الولاية و كانوا من أولي الأمر. فقد قرأت رأياً فقهياً يجدر إيراده هنا و هو لآية الله الشيخ الجوادي الآملي و هو من بعض أبحاثه المنفصلة، ففي هذا الرأي يفرق بين أمر الله و أمر الرسول، و بين أمر الناس، إذ اعتبر أنه يصح التشاور بين الناس في أمورهم فقط و قد استشهد في ذلك بما ورد بالآيات و الروايات التالية :

«و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم»، «و شاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله».

و عن أمير المؤمنين (ع) قوله لإبن عباس :« لك أن تشير علي و أرى فإن عصيتك فأطعني».

أما في أمور الناس فقد استند إلى قوله تعالى: « و أمرهم شورى بينهم»، فهنا الأمر لهم بما يعود إليهم مما لا يخالف أمر الله. ثم يشير إلى روايات عديدة تدعو إلى المشاورة و عدم الإستبداد أدخلها في معرض استدلاله.

و هنا يساعدنا الشيخ الآملي في بيان أن الدولة تعتني بأمرين: الأول أمر الله و الولي و الثاني أمر الناس، و إن الحكومة تستند إلى الأمرين معاً، و من هنا يتبين لنا مفهوم «الجمهورية الإسلامية» و قلت يساعدنا لأن الشيخ الآملي لم يكن في معرض بيان هذه النقطة بالذات. فقد كان كلامه في سياق البحث في مشروعية ولاية الفقيه و حكومة الشورى.

و من يدخل إلى صلب تجربة الثورة و الدولة في إيران، يستطيع أن يطلع على تلك الثوابت و المباني التي كما يقول الإمام القائد: «علمنا إياها الإسلام و أوضحها لنا الإمام العظيم و الفذ، و التي منها: إن أي نظام لم يكن مبنياً على أساس إرادة الناس و تأييدهم لا يمكن أن يكتب له البقاء و الإستمرار».

و من هنا، كما يذكر الإمام القائد: «كان الإمام يركز على الحضور السياسي للناس في ساحات النشاط السياسي»، و قد كان يؤكد لهم أن الدولة ملكاً لهم و إن مصيرها بأيديهم. و لذلك كان يطلب دائماً من الأجهزة الأمنية و من إدارات الدولة، و من النواب ان يخدموا الشعب، و يكونوا ملجأً للناس فيشعروا تجاههم بالمحبة و الإطمئنان، و يكمل الإمام القائد قوله: كان الإمام - الذي كان يمثل رأس الحكومة - ينظر إلى الناس كما كان ينظر الأنبياء إلى الناس، يقول الإمام القائد و ما زال الكلام له: لقد فقد الجميع أباً عطوفاً، و كان يقول: «إن الشعب خير منا و أفضل». لقد مثلت العلاقة بين الحكومة و الشعب علاقة بين الراعي و المالك و كان الشعب يشعر فعلاً بأنه مالك و أن الحكومة أمانة في عقله و قلبه، و قد دفعه ذلك ليرصد للدولة و الحكومة كل شعوره و ماله و وقته و أفراد أسرته و حتى دمه. إنها حقاً ملحمة فريدة من ملاحم التعاضد و العشق، و شكلت الجمهورية الإسلامية النموذج الأصدق للحكومة الشعبية من بين كل حكومات العالم.

أهداف الحكومة الإسلامية

«بنفس ضرورة تنفيذ الأحكام التي استلزمت تشكيل الحكومة من قبل الرسول الأكرم (ص) في المدينة المنورة (و التي كانت حاجة الناس) يستدل الإمام الخميني على وجوب قيام الحكومة، معتبراً أن أحكام الشرع تعضد هذا الهدف لما تحويه من قوانين و مقررات لتشكيل نظام اجتماعي كامل، و أنه ما من أحد - بعد رحلة رسول الله (ص) - قد شكك بهذه الضرورة. و إن هدف هذه الحكومة، بحسب الإمام: تطبيق أصول الفقه المحكمة على الأفراد و المجتمع من أجل إيجاد الحلول للمعضلات.

ثم يعود الإمام إلى الآيات و الروايات - كما في كتاب الحكومة - ليؤكد بأن نسبة الآيات العبادية للآيات الإجتماعية لا تتجاوز الواحد على مئة، و أن نسبة أبواب الروايات المتعلقة بالعبادات و الأخلاق مقابل الإجتماعيات لا تتجاوز الأربعة إلى خمسين. فواجبات الحكومة - كما سيتبين لنا - هي واجبات من أجل الناس.

الأول: واجب قيام نظام يكفل وحدة الأمة كانصهار شعوري، و وحدة كلمة الشعب كموقف ديني و سياسي، فيؤمن العلاقة المتينة بين أفراده و فئاته، و يدفع نحو التكافل باعتباره واجباً كفائياً على أفراد الأمة. و أن يمكن للأمة حضورها في الساحة كعضد للإسلام و حامي للحكومة فإن وحدة الشعب عند الإمام هي الأصل في الثورة و الأصل في قيام و دوام الدولة لذلك كان الإمام دائم التأكيد: «إذا بقي الشعب في الساحة فالإسلام بألف خير».

الثاني: واجب بناء دولة العدالة الإقتصادية و المعنوية، و المساواة و تكافؤ الفرص بحسب الأحكام الإسلامية، و الأمن و الإستقرار الإجتماعي. و قد مر بثنايا النصوص عن نوع الحكومة و نوع المسؤولين ما يؤكد هذا الهدف و تحقيقه.

الثالث: واجب بناء دولة الحريات الشخصية و الفكرية و السياسية، و الحريات الدينية للأقليات، و مساوات الجميع أمام القانون دون تمييز بين المواطنين، و هذا الواجب ايضاً قد مر ما يدل عليه و الحرية هي أصل في الإسلام و الإيمان فلا يجوز بل لا يمكن في الإيمان الإكراه. فالعقيدة يجب أن تكون بوعي و دليل و حرية، و الإنسان حر في سلوكه الشخصي إلا ما خلف الدستور و القوانين أما حرية التعبير و العمل السياسي فهي مصانة ضمن استقلال البلاد و استقرارها و عدم إفسادها.

الرابع: واجب عمارة الأرض، و استثمار ثرواتها و بناء الحضارة و المدنية الإسلامية.
و يقول الإمام محدداً مفهوماً أوسع للحضارة:

«ليس بإمكان الناس أن يعوا أبعاد التحضر الإسلامي.. أولئك لا يفهمون من حضارة الإسلام سوى الرسوم المزخرفة و الفن المعماري الإسلامي. و الأبنية العجيبة و الاقمشة المطرزة و غيرها، فليست هذه و لا مئات منها تحسب على التحضر الإسلامي و الديني».

«ففي اليوم الذي توجد فيه زخرفات الدنيا و يجد الشيطان له طريقاً فيما بيننا و يصبح هو مرشدنا فإن الإستكبار سوف يستطيع أن يؤثر فينا حينئذٍ و يجر وطننا نحو الفناء».

ثم يتساءل الإمام في مكان آخر:

«هل حضارة أوروبا التي تمناها ثلة من المنحرفين هي جزء من الأمم المتحضرة، أوروبا التي قامت على سفك الدماء.. و إذلال الشعوب لأجل شهواتها و غرائزها» «فإلى أين بلغت أوروبا حتى نثني عليها و نمدحها.. إن حياة أوروبا اليوم هي أقذر و أسخف حياة تمر بها القارة الأوروبية التي لا تنسجم مع أي دين و عقيدة».

«و لو دخل الإسلام أوروبا لقضى على جميع فتنهم و إرهابهم التي يقرفها حتى الوحوش»

و لكن الإمام يعود ليوضح موقفه من الحضارة اليوم قائلاً:

«إن ادعاء محمد رضا بهلوي المخلوع القائل أن علماء الدين هؤلاء يريدون أن يسافروا في هذا العصر على ظهور الحمير، لا يعدو أن يكون تهمة بلهاء. إذ لو أن المراد من مظاهر التمدن و التجدد هو الإختراعات و الإبتكارات و الصنائع المتطورة مما له مساس في رقي الحضارة البشرية فإن الإسلام و سائر المذاهب التوحيدية لم تعارض ذلك و لن تعارضه. بل إن العلم و الصناعة مما أكد عليه الإسلام و القرآن المجيد. و آمل أن يعمل الكتاب و علماء الإجتماع و التاريخ على تصحيح هذا المفهوم في أذهان المسلمين. و ما يقال بأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يهتمون بالمعنويات و أن الحكومة و إدارة الأمور الدنيوية شيء مرفوض.. مثل هذه الأقوال خطأ مؤسف، تؤدي نتائجه إلى الفساد و الإستعمار»، و يعتبر الإمام أن الدنيا المرفوضة هي التي تجعل الإنسان غافلاً عن الباري، و يقول «إن حكومة الحق المقامة لصالح المستضعفين و لمنع الظلم و الجور و لإحلال العدالة الإجتماعية فهي التي سعى إليها أمثال سليمان بن داوود و نبي الإسلام الأعظم (ص)، و أوصيائه الكرام، و هي من أعظم الواجبات وإقامتها من أسمى العبادات».

الخامس: واجب تحقيق الهدف الأسمى من الحكومة، و هو كمال الإنسان.

حيث أن الحكومة هي الظرف المناسب لتنفيذ الأحكام و تربية الإنسان و تكامله. و في هذا يقول الإمام: «إن الهدف الذي ضحيتم من أجله هو أسمى و أثمن هدف طرح منذ بدء الخليقة في الأزل و حتى نهاية العالم إلى الأبد إنه المدرسة الإلهية بمعناها الواسع و عقيدة التوحيد بأبعادها التي هي أساس الخلق و غايته في كل آفاق الوجود و في مراتب الغيب و الشهود.. و بدونه لا يتيسر السبيل إلى الكمال المطلق و لا إلى الجمال و الجلال اللامتناهي.

أنتم تسلكون طريقاً هو الطريق الوحيد للسعادة المطلقة، و انطلاقاً من هذا المفهوم استعذب أولياء الشهادة.. و وجدوا الموت الأحمر أحلى لهم من العسل». فالحكومة بحسب نظر الإمام هي الميدان الأفضل لتكامل الإنسان و إصلاح المجتمع.

السادس: من واجبات الحكومة منع تربع الطغاة المترفين من المستأثرين بالمال و السلطة على أكتاف الشعب، و منع تداول المال بين حفنة من الأغنياء، فدولة الإسلام دولة يهتم فيها الأغنياء بالفقراء بشكل طوعي، و العمل على دفع أفضل الأفراد و أليقهم و أكثرهم التزاماً بالإسلام و عناية بالمستضعفين إلى مواقع المسؤولية.

واجبات الشعب تجاه الدولة

كيف أخذ الشعب دوره؟

حدث عظيم ذلك الذي وقع في إيران، فقد كانت له دلالات و ترددات اجتماعية و ثقافية و لا تزال، بما قام به الشعب من ثورة و تغييرات، و ما انطوى عليه من قيم و واجهه من تحديات.

و بنفس القدر من الإكبار نتساءل عن السر الذي تخطى به ذلك الشعب من عقبات و موانع قبل أن يتحول من شعب هامشي مرذول عشية الثورة إلى شعب جسور و مقدام قادر على أن يصبح رقماً صعباً و عصياً على كل المعادلات و المؤامرات الدولية.

فما الذي حصل حتى تبدلت طباع هذا الشعب، لم يكن الأمر سهلاً، فقد كان شعباً ضعيفاً مستضعفاً قليل الثقة بنفسه، يخاف حتى أن يلهج باسم الإمبراطور بأية إهانة، لا يعرف سبيلاً للخروج. كان محتاجاً إلى من يوقظ حسه بالكرامة، و يرفع له مشعل الحرية، و يلهم روحه بكل تلك الفضائل التي تفتحت إبان الثورة، في تلك الأيام الشديدة و العصيبة.

يقول الإمام القائد: «ترى أين كانت ستتوجه قافلة الثورة لولا تلك القيادة الربانية؟ إلام كانت ستصغي لو سكتت تلك القوة الناطقة الإلهية؟».. «لقد حقرت القوى الكبرى شعوبنا.. و أماتت حسها إلى أن جاء الإمام، لقد حول الإمام أصابعنا من أصابع أصابها الخدر إلى أصابع شديدة الحساسية بما حولها».

هذا الرجل الذي كان يرى نفسه خادماً للناس و يقول «إني أشعر بالضآلة أمام الشعب».

حقاً لقد سطرت علاقة الشعب بالإمام و الإمام بالشعب أروع ملاحم العشق و رسمت لوحة رائعة الجمال و أي جمال. و هنا يكمن السر في الثورة، لقد أحدث الإمام تحولاً في النفوس، كما يقول هو :«فعندما استيقظ شعبنا ببركة الإسلام و أحدث هذا التغيير في نفسه، و الذي كان يخاف من مجرد حارس أصبح لا يخاف من أمريكا».

فقد شخص الإمام دوره و هدفه بدقة من خلال دور الأنبياء ثم انطلق، قائلاً: «جاء الأنبياء لتعبئة الفقراء ليذهبوا و يقفوا بوجه الناهبين و المترفين عند حدهم و يوجدوا العدالة الإجتماعية».
لقد أشعر الإمام الأمة بالمسؤولية و جعلها الشريك الأول في الثورة و الدولة بل المالك لها، مذكراً لهم بتلك المسؤوليات الإلهية قائلاً :«كلكم مسؤول في محضر الله تبارك و تعالى».

«إن جميع أبناء الشعب مسؤولون، المراجع و العلماء و التجار و الجامعيون و طلاب العلوم الدينية، و العمال. و إن المسؤولية اليوم تقع على عاتق جميع أبناء الشعب».

و هكذا دفع الإمام الشعب إلى أخذ دوره الفريد و الذي تبلور في تلك التجربة الرائدة في إيران اليوم، لقد استطاع الإمام و بفضل فهمه العميق للإسلام و تجربة الأنبياء، و بفضل روحه و نبرته القيادية النبوية أن يكسر النير من فوق رقبة الشعب فحرر فيه كل ينابيع القوة و الفتوة و الكبرياء و الكرامة و الوعي و الإرادة و الرشد، فكان بمستوى المسؤولية. و لولا هذا الإمام فأين نحن كنا سنكون حينها.

واجبات الشعب :

ينظر الإسلام إلى واجبات الدولة الإسلامية على أنها واجبات للحكومة و الشعب معاً، و من هنا نحاول أن نرى إذا نجحت التجربة الإيرانية في تحقيق ذلك أم لا ؟

الواجب الأول و الثاني : واجب الإقتراع و الإنتخاب، و واجب الإشراف و الرقابة.

1. المشاركة في الإنتخابات : بحسب نظر الإمام هي حق و هي واجب أيضاً، حيث يقول: «حكومتنا تتكئ على إرادة الشعب. يجب علينا جميعاً أن نذهب إلى صناديق الإقتراع و ننتخب الأشخاص الملتزمين»، «فليس مهماً من يكون و من أين يكون و إلى أي مجموعة أو حزب ينتمي فالإنتماء إلى الحزب لا يعني الصلاح ماءة بالماءة، و لا يعني أن غير الإنسان الحزبي إنسان فاسد».. «إن انتخاب الأصلح يعني الملتزم بالإسلام الفاهم للسياسة المطلع على ما يصلح البلاد، و قد لا يكون هذا الشخص من مجموعتكم و المتربصين بكم فإن عملكم هذا إسلامي، و إنه عبارة عن محك بالنسبة لكم».

لقد أعطى الشعب رأياً صريحاً إلى جانب الإسلام بدءاً من الإستفتاء الأول و الثاني على نظام الجمهورية و على الدستور، و فيما بعد في انتخابات رئاسة الجمهورية، و مجلس الخبراء، و مجلس الشورى، و هذا يدل بقوة على الدور الفاعل الذي أوكله النظام الإسلامي إلى الشعب في الحكم، و بصورة لم تتح لأي شعب في أي مكان من العالم.

2. أما مسؤولية الإشراف على أمور البلاد، و على أداء أولياء الأمور: فقد حمَّل الإمام هذه المسؤولية بجزء كبير منها إلى الشعب قائلاً :«جميع أبناء الشعب مكلفون بالإشراف على الأمور، يجب على الشعب أن يوجهني، و يقول لي إنك فعلت كذا فاحفظ نفسك»، «فلو تبين ارتكاب أحد في مواقع المسؤولية مخالفة لمقررات الإسلام لوجب على الفلاح أن يعترض و الكاسب و المعمم. و إذا ارتكب معمم مخالفة لوجب على الجميع أن يقفوا بوجهه» «كلكم راع».

لقد عبر الشعب دوماً، و في كل المراحل و المحطات عن كبير وعيه، و قدرته على تحمل مسؤوليات الإشراف و المتابعة، فالإمام رحمه الله، و اليوم الإمام القائد، قاما بتوجيه نظر الناس لعدة سنوات لأن يلتفتوا إلى أمور البلاد، و قد أثبت الشعب دائماً حضوره و عدم تخليه عن مسؤولياته في هذا الميدان.

الواجب الثالث : واجب التصدي للمسؤوليات في مواقع المسؤوليات.

منذ البداية كان الإمام يتوجه إلى كوادر الشعب من مراجع و علماء و مثقفين و إلى المرأة و إلى الجامعيين بتحمل المسؤوليات الكبرى تجاه الدولة و تجاه المجتمع. فكان يرشدهم إلى أدوارهم، و يحذرهم من مغبة السقوط، و قد انخرط الجميع رجالاً و نساءً في جبهة متراصة واحدة للتصدي للمسؤوليات الجسام، و ملء المواقع الشاغرة التي كان يشغلها المدراء الفاسدون في مؤسسات الدولة أيام النظام البائد.

فقد قامت هذه المؤسسات و إداراتها على أكتاف هؤلاء و أمثالهم، و كان التحدي الإداري من أعظم التحديات في الدولة و لم يكن لرجال الثورة أي تجربة سابقة في هذا المجال. و لقد توجه الشعب إلى ملء تلك المواقع بدافع المسؤولية الإلهية لا بدافع الوظيفة و قد تحقق للإمام ما أراد.

الواجب الرابع : واجب الحضور في ساحة الدفاع عن الإسلام و الدولة.

كان الإمام يعتقد اعتقاداً راسخاً بقدرة الشعب و ضرورة الإعتماد عليه «العلماء و المثقفون و الجامعيون و النساء و العمال..» و يثق ثقة تامة باستعداده للمواجهة، و مع أن الكثير من العلماء كانوا يعارضون الإمام، فقد ظل الإمام يرى أن أي عمل دون حضور العلماء و الشعب حتى النهاية سيقلب نجاحه إلى فشل. ففي تجربة المشروطة «كان العلماء في طليعة انتفاضة الدستور و مع أنهم تمكنوا من المسك بدستور البلاد، و لكن – و الكلام للإمام - بعد أن وصلوا إلى سدة الحكم و إلى وقت العمل الجاد تركوا كل شيء لصالح أعداء النظام، كان الشعب محايداً، و ترك علماء الدين الساحة و انصرف كل منهم إلى أموره الخاصة، فيما كان عملاء بريطانيا يرسمون الخطط لإبعاد العلماء عن الساحة السياسية و الإجتماعية، بشتى الطرق».

من هنا فقد أدرك الإمام أكثر من ذي قبل مدى أهمية الحضور المستمر للشعب في الساحة في حماية الدولة و الإسلام و نقاوة التجربة، و لم يكن باستطاعة الدولة وحدها أبداً أن تحقق كل تلك الإنجازات و تواجه هذا الكم الهائل من المؤامرات لولا وقوف الشعب. لقد حمَّل الإمام الشعب مسؤولية حماية الدولة الإسلامية كأعظم الواجبات، و لم يبخل الشعب بدمه في ساحات الجهاد و الحرب أيام تآمر الشرق و الغرب على هذه الدولة. فقد أعطى الشعب من فلذات أكباده حوالي ماءة ألف شهيد بكل رضا و إقبال و قد دعم المعركة بكل شيء يملكه بكل شيء يملكه فعلاً و نذر حياته ثمانية أعوام الحرب. و تحمل و دافع في كل الساحات لدفع الأخطار فكان الذراع الأمينة الحقيقية للبلاد، و كان يشارك في المظاهرات المليونية بكل اندفاع و حب للدولة و للقائد و للإسلام. و ما زال كلما ناداه الواجب لموقف. وقف بكل اندفاع و ثبات، و كان ذلك كله التزاماً بتوجيهات الإمام قبل وفاته، و التزاماً بوصاياه بعد مماته، فقد ذكر في وصيته :«وصيتي إلى الشعب الإيراني العزيز أن تقدروا النعمة التي كسبتموها بجهادكم العظيم و بدماء شبابكم الرشيدين، قدروها حق قدرها كأعز الأمور لديكم و حافظوا عليها و احرسوها، و ابذلوا الجهد في سبيلها فهي نعمة إلهية عظيمة و أمانة ربانية كبيرة.. شاركوا حكومة الجمهورية الإسلامية بكل مشاعركم في مشاكلها و اسعوا إلى حلها، و اعتبروا الحكومة و المجلس جزءاً منكم و حافظوا عليها محافظتكم على محبوب عزيز. و أوصي المجلس و الحكومة و المسؤولين أن يقدروا هذا الشعب حق قدره، فهؤلاء ضياء أعيينا و أولياء نعمتنا حقاً، و الجمهورية الإسلامية عطيتهم و تحققها كان بفضل تضحياتهم و بقاؤها رهين خدماتهم. و اعتبروا أنفسكم من الجماهير و الجماهير منكم».

و من الأمور التي حمَّلها الإمام للشعب هي مسألة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و التي هي من مسؤوليات الحكومة أيضاً، و لم يتهاون الشعب في هذا المجال فالشعب الإيراني شعب غيور على الإسلام و لا يتهاون بتخطي حدوده الشريفة.

الواجب الخامس : واجب التكافل الإجتماعي.

تشكلت منذ اليوم الأول اللجان الشعبية في الأحياء لتنظيمها سيما أيام الحصار الإقتصادي و بذلك سدت حاجات الناس لسنوات عديدة إلى أن تحسنت الأمور الإقتصادية.

و قام الشعب بدور منقطع النظير في سد الثغرات و الحاجات الإجتماعية المختلفة فكانت البلاد كلها ورشة عمل ضخمة شارك فيها الجميع رجالاً و نساءً فقامت مؤسسات الجهاد الزراعي الكبرى، و مؤسسات دعم المستضعفين العديدة، و مؤسسات القرض و الإستثمار، و المؤسسات الثقافية و النسائية، و مؤسسات محو الأمية، و مؤسسات رعاية الشهداء و الجرحى.

لا أحد يستطيع أن يعرف بسهولة حجم حضور و تضحيات الناس و حجم مشاركتهم في هذا الميدان إنها من أعظم أدوار الشعب و أقلها ظهوراً في الإعلام.

أخيراً : من الجدير ذكره لو أن الإمام الخميني اكتفى بتحصيل رضا الجماهير و تأييدهم، و قصر دور الشعب في الدولة على حق الاقتراع فقط، دون تحميله المسؤوليات الأخرى فليس من المضنون، بل من المستبعد أن يكتب لهذه الدولة النجاح و الإستمرار. و لكن الذي حصل أن ما قام به الشعب الإيراني العظيم من أدوار و أعمال و إنجازات و ما زال، أكبر من أن تحيط بها محاضرة أو مقالة، و باعتبار أنني حضرت و عشت المراحل الأولى من بناء الدولة، فقد وصلت إلى هذه النتيجة أنه لا مثيل لهذا الشعب، و لا للأدوار التي قام بها، فقد مثل أروع نموذج للعلاقة بين الشعب و الحكومة، فالشعب في إيران لم يقم بانتخاب ممثليه و رحل للإهتمام بأموره الشخصية، فشيء من هذا لم يحصل إطلاقاً، و إذا كان هذا هو دور الشعب تجاه الحكومة و المجتمع فإن الشعب الإيراني بذلك يكون قد سطر أروع ملحمة من ملاحم عشقه للإسلام، فقد قدم كل ما قدم في سبيل الله تبارك و تعالى، و ما من شعب آخر يتمتع بهذه المميزات، حتى قال الإمام الخميني بحقه ذلك القول المشهور :«أنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله، و أفضل من أهل الكوفة في العراق على عهد أمير المؤمنين و الحسين بن علي صلوات الله و سلامه عليهما..».
ـــــــــــــ
[1] حديث الشمس .. ص 58.
[2] من خطابه بمناسبة إعلان قيام نظام الجمهورية الإسلامية / مؤتمر الجهاد والثورة : 0771
[3] نفسه: ص 0461
[4] الاستقامة والثبات .. ص 361 الى 371.

بقلم: محمد قبيسي

http://www.alwelayah.net/welayah/index. ... kRBOQ==&r=
ماشاء الله لاقوة الا بالله، عليه توكلت و اليه انيب.

alimohammad
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 357
اشترك في: الأربعاء مارس 26, 2008 2:47 pm

سماحة الامام الخامنئي يشارك في ذكرى رحيل الإمام الخميني

مشاركة بواسطة alimohammad »

سماحة الامام الخامنئي يشارك في ذكرى رحيل الإمام الخميني

قال سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي صباح يوم الثلاثاء 3/06/2008 م أمام حشود الجماهير الهائلة التي اجتمعت في المرقد الطاهر للإمام الخميني (رض) إحياءً لذكرى رحيله التاسعة عشرة:

الثورة الإسلامية على حد قول إمامنا الراحل العظيم ملك لكل الشرائح و الأجيال الإيرانية في الحاضر و المستقبل، و سيحفظ هذا الشعب الكبير هذه الأمانة الإلهية الثقيلة بفضل العمل بوصية الإمام الخميني الهادية، و بصيانته لشعارات الثورة و اتجاهاتها و قيمها و مبانيها، و في ظل التقدم و الإبداع و الرقي.

و أشار سماحة الإمام الخامنئي إلى مضي 19 عاماً على رحيل الإمام الخميني (رض) و حب الشعب الإيراني و مودته المستمرة للإمام، لا سيما الشباب الذين لم يدركوا عهد ذلك الإمام الجليل، مضيفاً:

لا يختص هذا الحب و المودة بشعب إيران، فأهالي مناطق العالم المختلفة و خصوصاً البلدان الإسلامية يحملون نفس هذه المشاعر و المودة، و هذه الحقيقة ناتجة عن عاملي عظمة الإمام الخميني (ره) و عظمة الثورة الإسلامية.

و ألمح قائد الثورة الإسلامية إلى التأثير النادر لشخصية الإمام الخميني الاستثنائية في انتصار الثورة و استمرارها مردفاً:

الثورة الإسلامية في إيران شأنها شأن الإسلام ذات أبعاد سياسية، و اقتصادية، و اجتماعية، و ثقافية، و معنوية متنوعة، و هي منسجمة و متوازنة مع حاجات الإنسانية، و هذا هو سر بقاء الثورة الإسلامية الإيرانية، و انتشارها المضطرد في المنطقة و العالم.

و اعتبر الإمام الخامنئي أن وصية الإمام الخميني (رض) من أمتن و أفضل مواريثه المعنوية و دليل الشعب في كافة الأمور و الأحداث مؤكداً:

لتعيد شرائح الشعب المختلفة و الشباب خاصة، و مسؤولو السلطات الثلاثة و مدراء كافة الأجهزة و المؤسسات قراءة هذه الوصية، و ليتدبّروا و يتأملوا في أجزائها و نقاطها العديدة، لأنها في الواقع دستور وطني لتقدم إيران و تنميتها و شموخها.

و اعتبر سماحته ملكية الشعب للثورة من النقاط البارزة في وصية الإمام مضيفاً:

ما من فرد أو تيار أو طبقة باستثناء الشعب يُعدّ مالكاً و صاحباً للثورة، و سيصون الشعب هذه العطية و الأمانة الإلهية العظيمة بحفظه لهوية الثورة و اتجاهاتها.

و أوضح السيد القائد أن تنبّؤ الإمام الخميني الصائب بانتشار الثورة من النقاط المهمة الأخرى في وصيته، و أكد قائلاً:

ليس معنى انتشار الثورة خلق الفتن في البلدان، و زحف الجيوش، و نشر الإرهاب، إنما يحصل انتشارها بتقديم نموذج الجمهورية الإسلامية، و إشاعة المعارف الإسلامية، و الثبات في طريق مبادئ الثورة لا سيما الدفاع عن المظلومين، و قد تحقق اليوم هدف الإمام هذا بفضل من الله.

و اعتبر الشعارات المعادية للاستكبار، و دفاع المسلمين عن المظلومين في العالم لا سيما الشعب الفلسطيني، و مواجهة الأمة الإسلامية لشبكة الصهيونية الأخطبوطية من مؤشرات انتشار مبادئ الإمام و الثورة و ذكّر قائلاً:

حتى شعار الطاقة النووية الذي رفعه الشعب الإيراني تحوّل اليوم إلى مطلب عام في البلدان الإسلامية و العربية، و هذا واقع يدل على أن الشعوب المسلمة تنظر لأفكار الشعب الإيراني و أهدافه بعين الاعتزاز و الاحترام.

و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى اعتراف الصديق و العدو بانتشار مبدأ الدفاع عن الشعب الفلسطيني مردفاً:

الشعوب الإسلامية اليوم، شأنها شأن الشعب الإيراني الكبير، تعتبر إسرائيل نظاماً مصطنعاً مفروضاً، لكن الحكومات للأسف لا تتماشى مع إرادة الشعوب هذه.

و قال سماحته في هذا الصدد:

ليس لإسرائيل القدرة على الوقوف على أقدامها، لكن الدعم الأمريكي الوقح و غير المشروط لهذا الكيان، و عدم دعم الحكومات العربية و الإسلامية للشعب الفلسطيني يحول دون حصول تغييرات في المنطقة.

و أكد السيد علي الخامنئي أن اعتماد الشعب الإيراني على قدراته الذاتية و تحركه في طريق الإبداع، و إنهاء التبعية، و كسب الاستقلال، من أسباب عداء المهيمنين العالميين للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مذكّراً:

سبب معارضة الاستكبار لاستخدام الشعب الإيراني للطاقة النووية هو أن الشباب الإيراني استطاعوا بالاعتماد على علومهم و إبداعاتهم و طاقاتهم الذاتية و من دون ارتباط بالقوى المتغطرسة التوفر على العلم النووي.

و أضاف قائد الثورة:

طبعاً إذا أدى الانتفاع من الطاقة الذرية إلى تبعية شعب من الشعوب للقوى المتجبرة فلن يعارضوا ذلك أبداً. لذلك تعقد هذه القوى معاهدات لإنشاء محطات طاقة نووية مع بلدان متأخرة علمياً بكثير عن الشعب الإيراني.

و ألمح السيد قائد الثورة الإسلامية إلى اتهامات أمريكا و بعض البلدان المتكررة لشعب إيران بالسعي لامتلاك السلاح النووي مؤكداً:

الشعب الإيراني و كما أعلن مراراً لا يتوخى امتلاك سلاح نووي و الأمريكان يعلمون هذا، لكنهم لا يستطيعون رفض حقوق الشعب الإيراني البديهية بصراحة لذلك يوجهون التهم له من أجل تسويغ موقفهم للرأي العام العالمي.

و شدّد سماحته مرة أخرى:

الشعب و المسؤولون في إيران، سواء من حيث المبادئ الفكرية و الإسلامية أو من حيث التدبير و العقلانية يعارضون التسلح النووي، لكنهم سيتابعون الإفادة السلمية من الطاقة النووية و سيبلغون هذا الهدف رغم أنف الأعداء.

و شبّه سماحته السلوك و الأقوال غير المتوازنة و الخارجة عن نطاق العقل و التدبير للساسة الأمريكان بسلوك و أقوال العصابيين مضيفاً:

رئيس جمهورية أمريكا و فريقه يهدّدون أحياناً، و يصدرون أوامر الاغتيال أحياناً، و يوجّهون التهم تارةً، و يطلبون العون تارةً أخرى بدافع الاضطرار و اليأس، و يستهدفون أحياناً استقرار شعب ما و أمنه، و جزء كبير من هذه السلوكيات و التصريحات غير المتوازنة يعود في الواقع لإخفاق الجماعة الحاكمة في أمريكا في مناطق مختلفة من العالم كأفغانستان و العراق.

و أشار سماحة قائد الثورة الإسلامية إلى أن الإمام الخميني لم يتخلّ أبداً عن الدفاع عن المظلومين بدافع مداراة العتاة، قائلاً:

الدفاع الصريح عن حقوق الشعوب المظلومة و لا سيما شعب فلسطين كان على رأس الأولويات في منهج الإمام الخميني (ره) و خطه.

و قال الإمام الخامنئي في ختام كلمته:

إن الإمام الخميني يذكّر بعزة الشعب الإيراني و يقظته، و هو مبعث أمل للأمة الإسلامية و الشعوب المستضعفة مؤكداً:

عزة الشعب الإيراني و أمنه الدائم و تطوّره و تنميته و سموّه المعنوي و الأخلاقي رهن بعمل المسؤولين و الناس بوصية الإمام الخميني (ره)، و هذه حقيقة ينبغي أن لا تنسى أبداً.


http://arabic.khamenei.ir//index.php?op ... iew&id=313
ماشاء الله لاقوة الا بالله، عليه توكلت و اليه انيب.

alimohammad
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 357
اشترك في: الأربعاء مارس 26, 2008 2:47 pm

النداء الاخير (الوصيّة‌ السياسيّة‌ الالهيّة‌ للامام الخميني)

مشاركة بواسطة alimohammad »

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام على اخوتي من المؤمنين ( الزيدية و الجعفرية ) / المحترمين

انقل لكم فهرست النداء الاخير و الوصيّة‌ السياسيّة‌ الالهيّة‌ لقائد الثورة‌ الاسلاميّة‌ الكبير و مؤسس‌ الجمهوريّة‌ الإسلاميّة‌ في‌ ايران‌ آية‌ الله العظمي‌' الإمام‌ الخميني‌ (سلام الله عليه):


مقدمة‌ الوصيّة‌

المستبدون‌ و الطواغيت‌

القرآن‌ منهج‌ الحياة

الطواغيت‌ و طباعة‌ القرآن‌

نفخر بأئمتنا المعصومين‌(ع)

نفخر بالنساء الزينبيّات

نفخر بالعداء لامريكا الارهابيّة

الوصيّة‌ الالهيّة‌ السياسيّة

الثورة‌ الاسلاميّة‌ هديّة‌ الغيب

الحكومة‌ الاسلاميّة‌ و سعادة‌ الدارين

سرُّ النَّصر يكمن‌ في‌ الدافع‌ الالهي‌ و وحدة‌ الكلمة

مؤامرة‌ القرن‌ الكبري‌

حكومة‌ الحق‌ من‌ اسمي‌' العبادات‌

خطر الشائعات‌ و النقد الهدّام‌

مفخرة‌ للشعب‌ الايراني‌ المسلم

نصيحة‌ مشفقة‌ للمعارضين‌

وصيّة‌ للشعوب‌

مؤامرة‌ الفصل‌ بين‌ الحوزة‌ و الجامعة‌

الحوزة‌ و الجامعة‌ هما العقل‌ المدبر للامّة

مصيبة‌ التبعيّة‌ للشرق‌ و الغرب

الاعتماد علي‌' الخبرات‌ المحليّة‌

مؤامرة‌ افساد الجامعات‌

انتخبوا نواباً متدينين‌

علي‌' العلماء ان‌ لا يعتزلوا المجتمع‌

النواب‌ وشوري‌' صيانة‌ الدستور

المشاركة‌ في‌ الانتخابات‌ تكليف‌ الهي

الي‌' القائد و شوري‌' القيادة‌

العدالة‌ في‌ القضاء الاسلامي

تحصين‌ الحوزات‌ العلميه‌ امام‌ الاختراق‌

تنظيم‌ الحوزات‌ العلميّة‌

اهميّة‌ الجهاز التنفيذي‌ و خطورته‌

تطهير السفارات

المؤامرات‌ الاعلاميّة‌ و دور وزارة‌ الارشاد

مراكز التربية‌ والتعليم‌ غير الاسلاميّة‌ واثرها الهدام

القوات‌ المسلّحة‌

علي‌' القوات‌ المسلّحة‌ اجتناب‌ التحزّب

الخطر الاعلامي‌ في‌ العصر الحاضر

نصيحة‌ للاحزاب‌ والفئات‌ المعارضة‌

نصيحة‌ لمؤيدي‌ تلك‌ التيارات‌

الي‌' الاحزاب‌ و الفئات‌ اليساريّة

الي‌' الحركات‌ المسلمة‌ المشتبهة

الي‌' الكتّاب‌ و الخطباء من‌ مثيري‌ الانتقادات

الاسلام‌ يرفض‌ الرأسماليّة‌ و الاشتراكيّة

الي‌' اصحاب‌ رؤوس‌ الاموال‌ المشروعة‌

الي‌' العلماء القشريين

الي‌' المستضعفين‌ و المسلمين‌ في‌ انحاء العالم‌

التعليقات‌

عودة‌ الي‌' الشعب‌ الايراني‌ المجيد


... و من يرد الاطلاع على نص الوصية يراجع هذا الرابط:

http://www.al-imam.org/pages/waceyah.htm

تحياتي للجميع
ماشاء الله لاقوة الا بالله، عليه توكلت و اليه انيب.

alimohammad
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 357
اشترك في: الأربعاء مارس 26, 2008 2:47 pm

الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله

مشاركة بواسطة alimohammad »

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله


السلام على اخوتي المؤمنين من الزيدية و الجعفرية و رحمة الله و بركاته عليهم اجمعين


تحياتي للجميع
ماشاء الله لاقوة الا بالله، عليه توكلت و اليه انيب.

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشخصيات الإسلامية“