الإمام الشهيد الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم سلام الله

أضف رد جديد
مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

الإمام الشهيد الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم سلام الله

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

صورة


هو إمامٌ من أئمة الدين الذين اختارهم الله تعالى لبيان تعاليمه بعد نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ، وهو أحدُ أصحاب الكساء وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة.

إسمه الكريم: الحسين.




إسم جده لأمه: سيدُ المرسلين وخاتمُ النبيين وحبيبُ رب العالمين المصطفى المختار نبي المسلمين محمد بن عبد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ





إسم أبيه: أمير المؤمنين، وصي النبي، وخليفته بلا فصل بالحق، والمدافع عن الإسلام، وحامي رسول الله، الإمام الأول، وحجة الله على خلقه بعد رسول الله علي أبن أبي طالب، ابن عم رسول الله، وأخوه عند المؤاخاة بين المسلمين، ونفسُه بنص القرآن حسب آية المباهلة.




إسم أخيه: السبطُ الأكبر لرسول الله الإمام الحسن بن علي.





إسم أمه: هي بضعةُ المصطفى، سيدة نساء أهل الجنة، أشرفُ واطهرُ وأنقى امرأة في الوجود فاطمة بنت محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ.




أخواته: عقيلة بن هاشم زينب وأم كلثوم، كما للحسين عليه السلام إخوة وأخوات من أبيه غير هؤلاء أعلاهم نقيبه قمر بن هاشم العباس بن علي، ثم محمد ابن الحنفية وغيرهما.





جده لأبوه: كفيل النبي، وحامي رسالته أبو طالب ابن عبد المطلب، وهما سيدا قريش، وأبو طالب وعبدالله أبو النبي إخوان وأبوهما عبدالمطلب اشرف بيت في العرب والعجم وأطهر و أنقى عائلة في قريش والعرب والعجم.




|إسم جدته لأمه: وهي أول من أسلم على يد رسول الله، والمضحية بمالها في سبيل علو كلمة الإسلام خديجة بنت خويلد سلام الله عليها.






كنيتـُه



أبو عبد الله، وأبو الأئمة، أبو المساكين.





لقبه: سيد الشهداء، السيد، الرشيد، الطيب، الوفي، الزكي، السبط، المبارك، التابع لمرضاة الله، سيد شباب أهل الجنة.

زوجاتـُه

ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.

أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله التميمي.

شاه زنان بنت كسرى يزدجر ملك الفرس.

الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي.

أولادُه





الابن الأوسط: هو الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، والنسل العلوي الحُسيني منه.





الابن الأكبر: علي بن الحسين -علي الأكبر-، أشبه الناس خُلقاً وخلقاً برسول الله وكنيته أبو محمد واستشهد معه في كربلاء.





الابن الأصغر: علي الأصغر -عبد الله الرضيع- واستشهد مع الحسين في كربلاء عندما طلب له الماء ليسقيَه.





كما ذكر أن له عليه السلام أولاداً آخرين هم: جعفر، محمد، ومحسن.





بناتـُه






فهما: فاطمة، وسكينة، وذُكر زينب أيضاً.






هذا وكان نقشُ خاتمه: حسبي الله.





مختصرٌ في أدوار عمره الشريف






} هو الحسين بن علي ابن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ.






وُلد في المدينة المنورة في يوم الخميس الثالث من شهر شعبان سنة أربعة من الهجرة، واستشهد في يوم الجمعة عاشر شهر محرم الحرام سنة إحدى وستين من الهجرة، على هذا فقد عاش مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ سبع سنين.





وفي عهد أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثين سنة.





وفي عهد أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين.





وكانت مدةُ إمامته عشرَ سنين واشهراً.




فسلامُ الله عليه يومَ وُلد ويومَ مات ويوم يُبعث حياً.





وحشرنا الله معه وسلك بنا سبيله في الدنيا والآخرة ورحم الله من قال آمين.






تسميةُ الحسين عليه السلام





} لما كان ذكر ولادة الحسن والحسين وتسميتهما واحدة وحالت ولادتهما متشابة نذكر هنا رواية واحدة تفصل موضوعَ تسميتهما وكون أن اسمَيهما الكريمَين مختاران من قبَل الله تعالى، وفي هذا الباب روايات كثيرة نذكر واحدة منها ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة المطولات كالبحار وغيره:






عن علي بن الحسين عليهم السلام عن أسماء بنت عميس قالت قبلت ( كانت قابلة و مولدة ) جدتك فاطمة عليها السلام بالحسن والحسين عليهما السلام.






قالت أسماء: فلما وُلد الحسين عليه السلام وجاءني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ، فقال:






يا أسماء هلمي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذن في إذنه اليُمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره فبكى، فقالت أسماء: قلت: فداك أبي وأمي مِمَّ بكاؤك؟!.





قال: على ابني هذا. قلت: إنه وُلد الساعة يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ. فقال: تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي.






ثم قال: يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبة عهد بولادته.





ثم قال لعلي عليه السلام: أي شيئ سميت ابني؟. قال: ما كنت لاسبقك باسمه يا رسول الله، وقد كنت احب أن اسميه حرباً فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ ولا أسبق باسمه ربي عز وجل.





ثم هبط جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئـُك السلام، ويقول لك: على منك كهارون من موسى، سم ابنك هذا باسم ابن هارون قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ وما اسم ابن هارون ؟ قال: شبير قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ: لساني عربي.






قال جبرائيل: سمِّه الحسين.. فسماه الحسين فلما كان يوم سابعه عق عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ بكبشين أملحين، وأعطى القابلة فخذاً وديناراً ثم حلق رأسه، وتصدق بوزن الشعر ورقاً وطلى رأسه بالخلوق، فقال: يا أسماء الدمُ فعلُ الجاهلية.






بيان: الملحة: بياض يخالطه سواد، والخلوق: طيب معروفٌ مركـَّبٌ يتخَذُ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة.


صحيفه البلاغ
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

سيرةُ‮ ‬الإمام‮ ‬الح

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

كربلاءُ في التأريخ



إسم موضع في العراق، يقع حالياً على مسافة مائة وخمسين كيلو متراً من بغداد، أصل الاسم آشوري، ويتألف من مقطعين: ""كرب"" ويعني قرب، والمقطع ""لا"" وهو تحريف (أرامي كما يبدو) لكلمة ""إيل"" أي إله، فيكون معناها ""قرب الإله"". ويشير اسم الموقع إلى احتمال نزول آشوريين فيه، وهو احتمال يقويه وجود قرية ضمن الموقع تسمى ""نينوى"" باسم العاصمة الآشورية الشهيرة التي تقع أطلالها اليوم قرب الموصل شمال العراق.

ويتردد اسم ""نينوى"" في المراثي الحسينية.. وللموضع اسمان آخران يترددان أيضاً في المراثي الحسينية، وهما: ""الطف"" ويعني في اللغة ما أشرف على أرض العرب من ريف العراق. ويشير ذلك إلى نقطة اتصال نهايات الهضبة العربية بسهل العراق، وهو موقع كربلاء الجغرافي. الاسم الآخر هو ""الغاضرية""، وينسب إلى غاضرة من بني أسد كانوا يسكنون هناك، ولكربلاء اسم آخر وهو الحائر، وهو وصف لطوبوغرافية المدينة. ويحتمل أن كلمة ""كربلاء"" مشتقة من الكربة، بمعنى الرخاوة، فلما كانت أرض هذا الموقع رخوة سميت كربلاء.. أو من النقاوة، ويقال كربلت الحنطة إذا هززتها ونقيتها.. فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك. والكربل اسم نبت الحماض، فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر وجوده هناك فسميت به.






الأوضاعُ العامةُ قبيلَ



تحرك الحسين(ع)




تبدلت باستشهاد الامام علي(ع) معادلات الصراع، مع ميل واضح للأطروحة الأموية التي كانت تعمل على تركيز سلطتها مع بدء العمليات العسكرية الأولى التي جرت خارج بلاد الحجاز، وكان الأمويون يعتبرون أن عقبات أساسية تحول دون تحقيق مشروعهم كان في مقدمتها وجود الحسنين (ع)، ولذلك دأبوا منذ البداية إزاحة هذه العوائق فشنوا على خصومهم حرباً لا هوادة فيها، فأذكوا الصراعات القبلية، ولعبوا على وتر المصالح والقضايا المصلحية، وسخروا المال والدعاية النفسية، واشتروا الضمائر، ومارسوا سياسة تعسفية قمعية ضد خصومهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أحدثوا تغييرات جوهرية في حركة السلطة ابتعدت فيه عن مسار تطبيق العدالة، وأصبح الاستبداد والظلم عنوان تحركها، ما أدى إلى قيام العديد من الثورات والتحركات ضدها، ولكن التحرك الأهم هو ما قام به الإمام الحسين الذي رفع شعار الإصلاح في أمة جده رسول الله(ص)، ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.





الحسينُ عليه السلام



التحدي والمواجهة



كان معاوية قد أحكم قبضته على الكوفة عن طريق زياد وابنه عبيدالله، وهما من أعتى الولاة الأمويين، وقد مورست عليها كل الإجراءات القمعية، وعند وصول الخبر بوفاة معاوية، كان عبيدالله بن زياد في البصرة وقد أناب عنه النعمان بن بشير الأنصاري، وهو صحابي قليل الشأن محدود الكفاءة، فاجتمع زعماء الشيعة في الكوفة واتفقوا على استدعاء الحسين (ع)، فكتبوا إليه رسالة ومعهم خمسة من مقدميهم تضمنت التنديد بالسياسة الأموية وتطلب منه القدوم لنصرتهم.



استجاب الحسين (ع) للدعوة وأبلغ موقّعي الرسالة بأنه قادم إليهم، لكنه تريث قبل التوجه إلى العراق، فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل مبعوثاً عنه إليها. عندما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة كان النعمان بن بشير قد غادرها، وظهر الشيعة إلى العلن، وأخذ مسلم البيعة للحسين من أهل الكوفة، وبدا له أن الوضع استتب لصالحه، فكتب إلى الحسين يستدعيه للقدوم، لكن عبيد الله بن زياد استطاع التسلل إلى الكوفة قادماً من البصرة، ودخل إلى قصر الإمارة متنكراً، وكان محاطاً بأعوانه، فأعلن عن نفسه من شرفة القصر بعد أن حصّنه جيداً. وتقول الروايات أن مسلم تقدم لمحاصرة القصر بقوة كافية من أهل الكوفة، لكن ابن زياد تمكن من تشتيت هذه القوة برشوة زعماء العشائر والقبائل ووجهاء المدينة التي كانت لا تزال مقسمة على أساس قبلي، ولم يمض وقت طويل حتى وجد مسلم نفسه وحيداً فاضطر إلى الاختباء.



كان الحسين(ع) قد دخل أراضي العراق قبل أن يبلغه مقتل مسلم وانقلاب الوضع عليه. وبقي الحسين(ع) في بضعة وعشرين من شباب أسرته وما بين السبعين والتسعين من أصحابه، وبعد سيرهم مسافة قصيرة باتجاه كربلاء طلعت عليهم قوة بقيادة الحر بن يزيد الرياحي، كانت قد كلفت بمنع الحسين(ع) من التوجه إلى جهة أخرى، ويستفاد من مجرى الأحداث اللاحقة أن خطة عبيد الله بن زياد كانت تقضي بمحاصرة الحسين(ع) في نقطة خارج الكوفة بعد أن يكون قد منع من التوجه إلى مكان آخر، ولكن دون السماح له بالوصول إلى الكوفة نفسها، خوفاً من أن يؤديَ دخوله المدينة إلى عودة الالتفاف حوله. لأن أهل الكوفة كما عبر الفرزدق، كانت قلوبهم مع الحسين وسيوفهم عليه. وهكذا مع اقتراب الحسين(ع) من موقع كربلاء، الذي يبعد عن الكوفة حوالي ثمانين كيلو متراً، وصلت القوة الرئيسية المكلفة بتصفية الحساب معه.



كانت القوة بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، وتتفاوت الروايات في حساب عددها بين أربعة آلاف وثلاثين ألفاً. وكان والده سعد من المناهضين لعلي بن أبي طالب(ع)، وقد رفض مبايعته بالخلافة. أوكل إليه عبيد الله بن زياد أمر مقاتلة الحسين(ع)، وكان قد عيّنه والياً على الري، وهي مدينة إيرانية كبيرة تقع أطلالها اليوم في جوار طهران، فلما تحرك الحسين ووصلت الأنباء بدخوله العراق، استدعاه عبيد الله واشترط عليه قبل استلام ولايته أن يقاتل الحسين(ع)، وقبل ابن سعد ذلك لئلا تضيع منه الولاية، وفي كربلاء تريث طويلاً قبل أن يأمر الجيش بالهجوم حيث دارت مفاوضات حاول فيها أن يحل المشكلة سلمياً بإقناع الحسين(ع) بعدم جدوى القتال.


مسيرة البطولة والشجاعة



وعندئذ ألقى الحسين(ع) خطبته القصيرة المدوية التي قال فيها: ""ألا وإن الدعي ابن الدعي ـ يقصد عبيد الله بن زياد ـ قد ركز بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"".



بدأ القتال بالمبارزة التي أبلى فيها الإمام الحسين(ع) وأصحابه بلاءً حسناً، ثم قام الجيش بهجوم شامل أسفر عن قتل خمسين من أصحاب الحسين(ع)، لم يلبث ابن سعد بعدها أن أمر الجيش بالكف عن القتال، حيث كان يطمع في استسلام الحسين بعد أن قتل هذا العدد من أصحابه ولم يبق معه من المقاتلين الفعليين إلا القليل. لكن الحسين(ع) واصل القتال، الذي أخذ عندئذ شكل المبارزة والهجمات السريعة الخاطفة من الجانبين، وانتهت هذه الجولة بمقتل من تبقى من أصحابه ومن معه من شباب أسرته، وجاءت الجولة الأخيرة وهي الأكثر إثارة، حين وقف الحسين(ع) منفرداً في مواجهة الجيش، تنقل المصادر عن أحد شهود المعركة ما يلي:



فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب. ولقد كان يحمل فيهم فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله.





القضيةُ والموقفُ





> ويثير هذا المشهد جملة أمور: فالحسين(ع) صاحب قضية، أما المقابل فيقاتل كجيش نظامي مأمور؛ فالتوازن مفقود بين الطرفين في المعنويات.. وثمة مع ذلك عنصر هام أشارت إليه الدراسات الحسينية، وهو أن الجيش كان في جملته يتحاشى قتل الحسين(ع)، ومن المتوقع أن يكون انكشافهم عنه متأثر إلى حد، قليل أو كثير، بهذا التحفظ. وفي الحقيقة لم يردنا عن أولئك الذين آذوا الحسين(ع) إلا القليل، وأوردت المصادر أسماءَهم، ومعظمهم وقعوا فيما بعد في قبضة المختار بن عبيد الله الثقفي أيام سيطرته القصيرة على الكوفة، حيث نكّل بهم وقتلهم، ويدلّ التمكن من ضبط أسمائهم على قلتهم، وقد نظر الشيعة إلى هؤلاء بوصفهم من غلاظ الكفرة، أما الآخرين فاعتبروهم مستحقين لعذاب جهنم لأنهم ""كثروا السواد على آل رسول الله""، بمعنى زادوا بحضورهم عدد الجيش، وهو المقصود بالسواد الذي يدل في اللغات السامية على جمهرة الناس.



في السويعات الأخيرة من القتال، الذي استغرق أكثر من نصف نهار العاشر من محرم عام 61 للهجرة، كان الحسين(ع) قد أثخن بالجراح وأدركه الإعياء والعطش، ففقد القدرة على الحركة، لكنه بقي واقفاً على رجليه يقاوم السقوط، فأخذ بعضهم يرشقه من بعيد بالسهام والحجارة فتهاوى على الصعيد، وبقي مكباً على وجهه مدة طويلة قدّرها الرواة بثلاث ساعات والجيش يتحاشى الدنوّ منه، وبعد جدال وتردد، اندفع بعض الأفراد نحوه فأجهزوا عليه وقطعوا رأسه، وكان في أواخر خمسيناته، وقد حمل الرأس ومعه رؤوس بقية القتلى على الرماح وتوجهوا بها إلى الكوفة بصحبة السبايا من النساء والأطفال، وتركت الجثث التي شوهتها حوافر الخيل، وبعد ثلاثة أيام من رحيل الجيش وصلت جماعة من بني أسد المقيمين قرب كربلاء فدفنوا الجثث، وقد أقيمت بعد سقوط الأمويين مراقد على قبور القتلى لا تزال شاخصة وسط مدينة كربلاء الحديثة بعد أن جددت عدة مرات وصفحت مآذنها وقبابها بالذهب. أما رأس الحسين(ع) فنقل مع رؤوس أصحابه إلى دمشق ليعرض على الحاكم الأموي، وتختلف الروايات في مصيره بعد ذلك، بعضها يقول أنه أعيد إلى كربلاء ودفن مع الجسد، وبعضها الآخر يقول إنه دفن في دمشق، وفي طرف من الجامع الأموي تقوم اليوم قبة صغيرة يقال أن رأس الحسين(ع) مدفون فيها. وهناك رواية تفيد أن الفاطميين نقلوه إلى القاهرة بعد استيلائهم على دمشق. وإلى هذه الرواية يستندون في تسمية المسجد الكبير في القاهرة القديمة والمعروف بمسجد سيدنا الحسين(ع)، إذ يفترض أنه بني على القبر الذي دفن فيه الرأس.





درسٌ وعبرةٌ





أحدث مقتل الحسين(ع) رد فعل عنيفة ضد السلطة الحاكمة، وكان ذلك الحدث قد اعتبر امتحاناً لإمكان خضوع المسلمين لسلطان مستبد لم يتعودوا عليه في جاهليتهم. روى الطبري أن عبد الله بن مطيع، من زعماء الحجاز، توسل الحسين(ع) أن لا يجازف بالخروج إلى الكوفة، قائلاً له: ""والله لئن هلكت لنسترقن بعدك"". باعتبار أن إقدام الأمويين على قتل الحسين سيسهل عليهم إخضاع المسلمين لسلطانهم، بينما تحول صمود الحسين واستبساله إلى أمثولة، حيث يروى مثلاً أن مصعب بن الزبير تذكره في قتاله ضد عبد الله بن مروان بعد أن تشتت جيشه وأحس بالوهن فأنشد:"


وأن الآلَ بالطف من آلِ هاشم



تأسوا فسنوا للكرام التأسيا


وألقى بنفسه في أتون المعركة ليقاتل منفرداً حتى قتل، وكان مصعب من أعداء الحسين(ع).




وقامت حركات ثورية عديدة تحت شعار ""يا لثارات الحسين"" حتى نهاية الحكم الأموي ومجيء العباسيين الذين اعتبروا أنفسهم آخذين بثأر الحسين من بني أمية، وطوال العصور الإسلامية كان المثال الحسيني يلهم لحركات من الثوار ضد العباسيين وغيرهم من السلطات الظالمة، ويمارس حضوره كعنصر شد للمعنويات، لا سيما في لحظات الحرج أو اليأس. ولا يزال لهذا المثال تأثير في الوقت الحاضر.


كربلاء إحياءٌ لمنطلقات الرسالة




لا خلاف من الناحية التأريخية في أن الإمام الحسين(ع) قد سار إلى كربلاء واستشهد في العاشر من المحرم سنة61هـ، وأنه شخصية إسلامية جامعة، وبالرغم من ذلك نجد أن الواقع يحفل بتفسيرات عديدة ومختلفة حول حركته أدت إلى وجود حالة من التشظي والانقسام على صعيد الممارسة ، ما يطرح التساؤل حول البواعث الحقيقية لهذا التحرك، ويرسم في المخيلة تصورات مختلفة تحاول معالجة ما أمكن منها، والوقوف عند أهم محطاتها، من قبيل: هل أن ذلك يعود إلى صعوبة كشف ملامح ومزايا السلطة الحاكمة وممارساتها، أم إلى صعوبة فهم خطاب الحسين(ع) وخطوات تحركه، ودور العناصر الشخصية والقبلية، وما يستتبع ذلك من عدم الإمعان في النظر بدوافع الثورة ومحفزاتها البعيدة والمباشرة وما إلى ذلك؟ و في هذا السياق نحاول أن نرسم صورة متواضعة للعوامل المساهمة في حركة الإمام الحسين(ع) والوقوف عند أهم محطاتها...



[/b] عقباتٌ في طريق البيعة




لعل المعضلة الأقوى التي واجهت معاوية بن أبي سفيان كانت تسمية ابنه يزيد ولياً للعهد سعياً منه لتطبيق مقولة أبي سفيان الداعية للاستيلاء على السلطة ""يا بني أمية تداولوها بينكم تداول الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أنتظرها لكم ولتصيرن إلى أبنائكم وراثة""، ولكن هذا الهدف كانت تعترضه عقبات كثيرة، لعلّ أبرزها شخصية يزيد نفسه التي كانت تشكل استفزازاً لمشاعر المسلمين وخروجاً على قيم وتعاليم الإسلام وذلك لما اشتهر عنه من ميل لحياة اللهو واللعب، والنساء، واستهتاره وشربه للخمر واتصاله ببطانة السوء على حد تعبير الطبري.



كان معاوية يعي صعوبة طرح هذه القضية على المسلمين لما ينطوي عليها من خروج عن المبادئ الأساسية التي حكمت المرحلة التي سبقت توليه السلطة، وتحويل الخلافة إلى ""هرقلية""، وهذا شأن لا قبل للمسلمين به، ولكن بعض المتنفذين في السلطة الأموية وبدافع من المصلحة الشخصية وهو المغيرة بن شعبة قد زين له السعي بولاية العهد ليزيد، وذلك في خطوة منه لاستمالة معاوية بعد جفوة حصلت بينهما، وبالرغم من عملية التزيين هذه، ومحاولة القفز فوق المشكلات فإنه كانت تحول دون ذلك معوقات، خاصة من جانب المعارضة في كل من الكوفة والمدينة، حيث كانت الأولى تشكل مركز التشيع والثورة وناقمة على ما آلت إليه الأوضاع جراء الممارسات القاسية من قبل السلطة الأموية، أما الثانية فكانت تحمل رصيداً معنوياً من الناحيتين الدينية والتاريخية، فهي كانت تحتل مكانة سامية في نفوس المسلمين تجسد من قبل في حركة النبي(ص)، وموطن كبار الصحابة من أهل الحل والعقد وأبناء المهاجرين والأنصار وبعد تأمل وتفكر طويلين، حاول معاوية أخذ البيعة ليزيد من المدينة مراراَ بهدف اختصار الطريق؛ لأنه إذا ما حقق هدفَه فإن الشام لا حرج ولا مشكلة فيها، بل ستقاتل من أجل بيعته، وتبقى الكوفة، فإذا ما عارضت فإنها ستصبح مكشوفة، لأن قيادتها تكون قد سلمت بالأمر."



البلاغ
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

أهدافُ‮ ‬خروج‮ ‬الحس

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

أهدافُ‮ ‬خروج‮ ‬الحسين‮ (‬ع‮)‬

وفي هذا السياق نلفت أنه ربما قد إلتبس على البعض الهدفُ من خروج الحسين(ع) على يزيد، فاعتبر أنه خرج على إمام زمانه، أو أنه أراد أن يبث الفتن والفرقة في صفوف المسلمين، أو أنه ذهب مأموراً حيث يتحرك وفق أوامر واضحة، أو ما إلى ذلك، ولكن الحسين(ع) خط أهدافَ تحركه، وأعلن عن منهاج نهضته، ودوافعها، ليدحض بذلك كل التفسيرات والإدعاءات التي تخرج نهضته عن أهدافها، وأطلقها صرخة ترددت أصداؤها عبر الأثير، ولم تنحصر في المدينة أو مكة، بل امتدت إلى كل مكان تضج به الناس، وحلقت في أجواء الزمان ولا تزال، وهذا ما تجلى بقوله: ""إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً أو ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين وهو خير الحاكمين"".

ولما رأى(ع) أن المقام بالمدينة بات يشكل خطراً على حركته غادرها في العشر الأواخر من شهر رجب، فأثارت هجرته موجة سخط عارمة على الدولة الأموية، ولكنه استفاد من هذه الهجرة والتقى بعدد لا يستهان به من وجهاء الناس حيث شرح لهم أهداف تحركه، ما أثار نقمة السلطة الأموية التي توجست خيفة من وجوده في مكة، الأمر الذي جعل يزيد يتخذ قراراً باغتياله ولو كان معلقاً بأستار الكعبة.




إصرارٌ على المضي إلى الكوفة






أدرك الحسين(ع) خطورة الموقف، فقرر الخروج من مكة يوم التروية، ليتلافى ما يمكن أن يحصل من انتهاك لحرمة الحرم وقدسيته كما صرّح(ع) بذلك لمن كان يحاول إقناعه بالتريث وترك الاستعجال في السفر:""لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي بأن تستحل بي حرمة مكة"". وذلك استجابة لأهل الكوفة، حيث كانت قد تواردت عليه كتبهم التي تدعوه للقدوم إليهم، ولكنه قبل الذهاب إلى الكوفة، أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليكشف عن واقع الحال فيها والتي ما أن وصل إليها حتى التف الناس من حوله، في ظل حالة من التجاهل لما يجري كان النعمان بن بشير قد أبداها والتي اختلفت التفسيرات حولها، ما جعل السلطة الأموية تعيش حالة من الإرباك والفوضى، وشعرت إن الخطر يتهددها، فانتدب يزيد ابن زياد لمعالجة هذا الواقع المستجد.



انطلق ابن زياد من البصرة إلى الكوفة وهي تموج بالفوضى والاضطرابات، ، وما إن دخلها حتى تغيرت أوضاعها وانقلبت فيها الموازين، ما فاجأ مسلم الذي انتقلت دعوته من حالة العلن إلى التكتم، وخصوصاً بعد أن اعتقل أهم زعماء الشيعة، وتوارى عن الأنظار معظم الذين كتبوا للإمام الحسين(ع) ويدعونه للقدوم إليهم.



في هذه الأثناء كان الحسين(ع) يعد العدة للخروج إلى العراق، وحاول بعض الصحابة صرفه عن الاستجابة لأهل الكوفة، فأشار عليه ابن عباس بالشخوص إلى اليمن لمحاربة يزيد، ودعاه محمد بن الحنفية وعبد الله بن الزبير إلى البقاء في مكة وعرض عليه عبد الله بن عمر ترك الجهاد والدخول في بيعة يزيد بن معاوية، ولكن الحسين(ع) واجه كل هذه الدعوات بالرفض، ونعرض بعض نماذج رفضه، ما قاله لعبد الله بن عمر: ""يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله، أن رأس يحيى بن زكريا، أهدي إلى بغي من بغايا إسرائيل"".



كان الحسين(ع) يدرك بنظره الثاقب، ورؤيته الواضحة للأمور، أبعاد ما ينطوي عليه خروجه إلى العراق، ما قد يحدق به من مكاره ومخاطر، وقد ذهب في ذلك إلى أقصاها. حيث قال: ""خط الموت على آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف…"" إلى أن يقول : ""إلاّ فمن كان باذلاً فينا مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإنني راحل محجاً إن شاء الله"". وهذه دعوة صريحة إلى القوم للالتحاق بركبه بدل أن يقتصر بهم الأمر على دعوتهم له بالابتعاد عن ذلك، وهذا ما يعبر عمّا قاله الحسين(ع) لجهة أن من يرغب بالرحيل معه يجب أن يبذل فيه مهجته ويوظف نفسه على لقاء الله، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق إلاّ في من باع دنياه بآخرته




إختيارُ نهج العزة والكرامه


وكلما كان الإمام الحسين(ع) يقترب من اللحظات الحاسمة كان موقفه يزداد عزماً وصلابة وتأكيداً على المضي في حركته وتشديداً على منطلقاتها الرسالية. وهذا ما تمثل بقوله ""ألا وإن الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني قد أعذرت وأنذرت، وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد، وكثرة العدو، وخذلان الناصر"".



وبالفعل ترك الحسين(ع) مكة المكرمة، وانطلق مع صفوة أهل بيت النبوة، وحملة الرسالة، والتحق به عدد كبير من حجاج بيت الله الحرام، وبين هو في الطريق إلى الكوفة التقى ببعض الأعراب فسألهم عن أمر الناس، فقالوا:""لا ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج"" ما يدل على أن الكوفة كانت تعيش أوضاعاً صعبة وأن حالة من الحصار قد ضربت حولها تمنع الوافدين من الدخول إليها، ومن في الداخل الخروج منها




إنقلاب الكوفة


وبقي الحسين(ع) يواصل مسيره حتى وصل إلى مكان يدعى ""الثعلبية"" وهناك وافته أخبار الكارثة المفجعة بمقتل مسلم، وهاني بن عروة، وعبد الله بن بقطر، وهنا خيّر الإمام الحسين(ع) من كان بصحبته بين الانصراف أو البقاء معه: ""من أحب منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج، ليس عليه مني زمام"" فافترق عنه البعض، وبقي متابعاً سيره باتجاه الكوفة، ولكن السلطة الأموية كانت تراقب تحركاته فوضعت خطة لمنعه من الوصول إليها لما يترتب على ذلك من مخاطر على سياستها، ما قد يؤدي إلى إخراج العراق عن دائرة سيطرتها ومن ثم الإطاحة بها نهائياَ في مرحلة لاحقة، لأن أهالي الكوفة كانوا يختزنون في قلوبهم حب الحسين(ع)، وهذا ما تجلى بشكل واضح بقول الفرزدق عندما سأله الحسين(ع) عن حال أهلها"" فقال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك"". فأرسل ابن زياد الحر على رأس قوة لمنعه من الوصول إليها، وقد دارت بين الحسين(ع) والحر مكالمات عديدة ذكّر فيها الحر بالكتب التي أرسلها أهل الكوفة إليه، وأنه إنما جاء بناء على دعوتهم له، بعد أن أعطوه العهود والمواثيق، وذكّرهم بما ارتكبوه بحق والده علي(ع) وأخيه الحسن(ع) وابن عمه مسلم بن عقيل، واعتبر أن من ينكث بعهده للحسين إنما ينكث بعهده لنفسه، ولم تقتصر مهمة الحر على منع الحسين(ع) من الوصول إلى الكوفة بل كان يعمل على دفعه إلى ابن زياد، وهذا ما ترجمه الحر بقوله: ""لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد"". وبقي الحر مصمماً على مضايقة الحسين (ع) حتى انتهى به الأمر به أخيراً إلى كربلاء ليواجه بجمعه القليل من صحبه وأهل بيته جيشاً أموياً كثيفاً يتراوح عدده ما بين أربعة آلاف وثلاثين ألفاً كما تشير الروايات إلى ذلك. "






كشفُ مزاعم السلطة


ومن المفيد الإشارة إلى أن الإمام الحسين(ع) قد ذكر أيضاً جمع الحر من الكوفيين وأصحابه بمثالب السلطة الأموية وما اقترفته من جرائم، داعياً الحر وجماعته للالتحاق بركبه، والثورة على الحكم الأموي وذلك تطبيقاً لنداء رسول الله الذي قال كما جاء على لسان الحسين(ع):""أيها الناس إن رسول الله(ص) قال: من رأي سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله.



ألا إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرمّوا حلاله، وأنا أحق من غيّر"".



وفي كربلاء حيث حط الإمام الحسين(ع) رحاله، اتخذت الحرب بين الفريقين أشكالاً متعددة، لجا فيها الأمويون إلى ما يسمى بأسلوب""الحصار"" وهدم المعنويات ظهرت فيه الأحقاد التاريخية والدفينة وجاءت ترجمة ذلك في أوامر ابن زياد لعمر بن سعد:""أن امنع الحسين من شرب الماء فلا يذوقوا منه حسوة كما فعلوا بالتقي عثمان"" في دلالة واضحة على مضايقة الحسين(ع) وإجباره على الاستسلام لابن زياد ويزيد، ثم الاقتصاص منه من خلال تحميله وأهل بيته مسؤولية ما آل إليه أمر عثمان، ولكن بالرغم من الإجراءات التي اتخذها الأمويون لإيقاع الوهن بالحسين وأصحابه، فإنهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، لأن الحسين(ع) وأصحابه كانوا يتمتعون بروح معنوية عالية مكنتهم من الصمود في وجه كافة أشكال الضغط والحصار التي مورست ضده.



التفاني في سبيل الرسالة



ومرة أخرى تبرز مأثرة الحسين(ع) وتفانيه من أجل الرسالة، وأنه يتحمل مسؤولية تحركه وحيداً دون إلقاء تبعاتها على أي من أصحابه، فخيَّرَ أصحابه بين البقاء معه والانطلاق في كنف الليل إلى حيث شاؤوا لأن القوم لا يريدون غيره، وهذا ما ردده(ع) على مسامع أصحابه في ليلة العاشر من المحرم حيث كانت اللحظات الحاسمة تتقادم، والمعركة تشرف على نهايتها، في وقت كانت السلطة الأموية تستنفذ كل ما لديها من وسائل للإجهاز على الحسين(ع) وحركته، حيث قال:"":إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍ ليس عليكم مني زمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم رجلاً من أهل بيتي، فجزاكم الله خيراً وتفرقوا في سواركم ومدائنكم، فإن القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري"".



أما جنود المعسكر الآخر، فقد خاطبهم غداة يوم عاشوراء بالعودة إلى رشدهم والتفكر في أمور الآخرة والتزويد بالتقوى بدل الانكباب على الدنيا، وذكرهم بسنن الماضين وما آلت إليه أمورهم، ""عباد الله، اتقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد، كانت الأنبياء أحق بالبقاء، غير أن الله خلق الدنيا للبلاء وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال ونعيمها مضمحل وسرورها مكفهر، والمنزل بلغة والدار قلعة، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى، فاتقوا الله لعلكم تفلحون"".



وهو في ذلك ينطلق من أسس إيمانية راسخة ويتحرك في نهضته لنيل مرضاة الله في الدار الدنيا والآخرة، ويرفض أن يعيش ذليلاً في هذه الدنيا، بل وهو الساعي لتحقيق العدل وإنصاف الناس، وإقامة بنيان الدولة الإسلامية على أساس الرسالة حيث قال ""لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد، يا عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون، أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب"".وكان من أقواله :""لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً"".



وقد عبر الحسين(ع) عن استيائه من ممارسات أمته وما آلت إليها أوضاعها، وهي تخوض حرباً لا هوادة فيها ضد معالم الدين، والتآمر على حركة الإصلاح التي يقودها، فكانت فعلتها أشد إيلاماً مما حصل للأمم السابقة وهذا ما جسده بقوله: ""اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتد غضبه على المجوس، إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم، أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي"".



وبالفعل لقي الإمام الحسين(ع) الله سبحانه وتعالى مخضباَ بدمه، وهو الذي لم يهن أمام الشدائد بالرغم من كل الذي حصل له ولأهل بيته، وهذا ما أدلى به أحد الشهود العيان عندما قال:""والله ما رأيت مكسوراً قط، قد قتل أهل بيته وولده وأصحابه أربط جأشاً منه"".



وهكذا يبدو جلياً أن كربلاء تجسد جلياً مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الإسلامي، تجلت في الصراع بين منهجين: الأول يتمثل في السلطة الأموية الحاكمة التي حاولت إعادة إحياء المفاهيم القبلية، وإنتاج مفاهيم سلطوية جديدة تقوم على الإخضاع والإكراه (التوريث)، في حين أن المنهج الثاني كان يتمثل في حركة المعارضة ""الإمام الحسين(ع)"" التي قامت من أجل اٌلإصلاح وإعادة اللحمة إلى بنيان الأمة على قاعدة ""الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"".



وبعبارة أخرى يمكننا القول: إن كربلاء أعادت إنتاج وتأصيل مفاهيم الإسلام من خلال بث روح الوعي، وكشف الالتباسات التي كانت تلف الأمة، ما جعلها قضية متجددة تنطلق من أعماق التاريخ لتفتح الآفاق إلى الحاضر والمستقبل.



كما أنها كشفت من جانب آخر عن مكامن الخلل في بنية السلطة ونمطية أدائها وآليات اشتغالها، ما يعبر عن معضلة حقيقية أحدثت الفرقة والانقسام في صفوف الأمة، والتي لا زالت تداعياتها تعشعش في واقعنا حتى اليوم وربما إلى المستقبل، إن لم نتخذ الحسين(ع) نموذجاً وقدوة للسير على نهجه، فنبذل التضحيات لانتزاع الحرية ، ولتحقيق الوحدة.






عاشوراء صرخةُ الحق والحرية


منذ أربعة عشر قرناً من الزمن تقريباً، ونحن نحيي هذه الذكرى في حياتنا، حتى تحوّلت إلى عادةٍ متأصلة متجذّرة في وجداننا الديني؛ ينشأ عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير. وما زالت تتنامى وتتّسع وتمتد في كلّ ساحة يتحرّك فيها الإسلام في خطّ أهل البيت(ع). وربما نجدها تتمثّل حتى في بعض الساحات التي لا تلتزم خطّ أهل البيت(ع) مذهباً. على أن الطابع الذي أخذته هذه الذكرى في تقاليدنا وفي عاداتنا هو طابع الحزن الذي تسيل معه الدموع وربما تحترق فيه القلوب.






الحزنُ القاتـلُ في الحيـاة


وعندما يعيش الإنسان الحزن على قضية مرّت عليها القرون المتقادمة، يحتاج إلى تسويغ هذا الحزن، ليكون عنصراً فاعلاً في حياته. فما معنى أن تبكي على مأساة حصلت في التاريخ لأناس تحبّهم من خلال عقيدتك وإيمانك وولائك، وأنت تعيشُ في أكثر من موقع من مواقع حياتك آلاماً قد تكونُ أقسى من آلام كربلاء وفظائعها، وقد تكون وحشية ما يلقاه الناسُ الذين ترتبطُ بهم برابط العقيدة، والولاء والإنسانية في الوقت الحاضر أشد فظاعة فتشعر أنك تعيش اللامبالاة أمام حركة المأساة في الحاضر. إنّ ذلك يعني أنّ حزنك على الإمام الحسين(ع) ليس حزناً إنسانياً رسالياً، ولكنّه حزن انفعالي جامد لا يتحرك ليثير فيك حزناً مماثلاً في كل صورة شبيهة بصورة كربلاء. لذلك لا بدّ لنا أن نفسِّر هذا الحزن لأنفسنا، حتى نوحي لها بأن هذا الحزن ليس حزناً ذاتياً، بل هو حزن ينفتح على كل مواقع المأساة في الحياة عندما تتحرّك المأساة في ساحاتنا من خلال الذين يضطهدون الناس على أساس الإسلام، ويقتلون الناس على أساس التزامهم بالحريّة التي يُقدّمها الإسلام، أو من خلال التزامهم بالعدالة التي هي سر حركة الإسلام.



نحن نحب الإمام الحسين(ع)؛ نحبه ونحبّ أخاه، ونحب أمّه، وأباه، وجدّه، وننتظر حفيده لنكون من جنوده، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً.. نحبه لأنه أحبّ الله، ونحبّ آل بيته جميعاً لأنهم أحبّوا الله. نحبه ونحبهم لأنهم حملوا رسالة الله، ولأنهم جاهدوا في سبيل الله، وأعطوا كل شيء يملكونه لله؛ من هنا فحبنا لهم ليس ذاتياً، وليس حبّ قرابة، أو حبّ صداقة، ولكنّه حب يفرضه علينا انتماؤنا إلى القاعدة التي انطلق منها الإمام الحسين(ع) وتحرك في اتجاهها.



لقد أراد الإمام الحسين(ع) الإصلاح في الأمّة، لا الإصلاح في العائلة أو القرية. الإصلاح على مستوى الأمة كلها لا على مستوى الوطن الذي يتأطّر فيه الإنسان. لقد انطلق(ع) ليقول لنا: فكروا في قضايا أمتكم من خلال الإسلام الذي حمله جدّي رسول الله(ص)، وأصلحوا ما فسد فيها. فكّروا في قضايا الأمة حتى يكون كل واحد منكم مسلماً يحمل همّ الإسلام كلّه، وهمّ المسلمين كلّهم. لا تعيشوا عصبية الذات أو العائلة أو الوطن أو عصبية القومية. عيشوا رسالية الإسلام في كل المساحات الإنسانية التي للإسلام فيها قضية، وللرسالة فيها خطّ، وللإنسان فيها انفتاح.



عندما نفكِّر في حجم الأمة، سينطلق تفكيرنا في قضايانا الصغيرة على أساس مقارنتها بالقضايا الكبرى. فإذا ما أردنا أن نتحدّث عن قضية الحريّة ـ على سبيل المثال ـ فيجب أن نثيرها على أساس علاقتها بقضية الحرية في العالم الإسلامي والعالم بأسره، بحيث لا نجعل خطّ الحرية حركةً قد نربح فيها شيئاً ويخسر العالم الإسلامي من خلالها أشياء. بمعنى أن هناك ضرورة للتكامل مع العالم الإسلامي في هذا المجال، حتى نفهم دورنا تماماً كما قال رسول الله(ص): ""مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى"" تماماً كما هو كل عضو في جسدك لا يطلب الراحة والشفاء لنفسه إلا من خلال راحة بقية الأعضاء. فلا يمكن للإنسان أن يعالج يده إذا كان المرض يدب في كل أجزاء جسمه، كما لا يمكن أن يُعالج يده بدواءٍ ينقلب إلى داءٍ في جميع أجزاء جسمه. بل لا بدّ ـ حين أخذ الدواء ـ من التحقّق من أن هذا الدواء لن تنتج عنه مضاعفات سلبية على الأجزاء الأخرى في جسد الإنسان، ولهذا قد يذهب شخصٌ ما إلى بعض الأطباء، فيقولون له: إن هذا الدواء يفيد في معالجة المرض، ولكنه يضر المعدة، أو القلب، أو جهازاً عصبياً، أو ما إلى ذلك.. فلا بدّ من البحث عن دواءٍ يشفي المرض ولا يخلق أمراضاً أخرى لبقية الجسد. هكذا عندما نريد أن نفكّر في قضايا الأمة؛ فإن علينا أن نفكّر بحلّ المشكلة في بلدنا أو في إقليمنا أو في أي موقع يتسع ويضيق من مواقعنا، بحيث لا ينعكس سلباً على قضايا الأمة. وهذا ما نواجهه في المرحلة الحاضرة في أكثر من قضية من قضايانا العامة التي تتصل بواقعنا كله.



قد يستيقظ الألم عند الشروع بعلاجه، لكنّه سوف يبرأ بعد ذلك. لهذا فإنّ ما نودّ قوله في مرحلتنا الحاضرة، ضرورة استيحاء كلمة الإمام الحسين(ع) ""خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي""، إن الإمام الحسين(ع) كان ينظر في ثورته إلى الساحة الإسلامية الواسعة، وإلى الخط الإسلامي الممتد في حياة المسلمين جميعاً. لهذا فإنّ معارضته ليزيد لم يعقها كون يزيد خليفة يعيش في الشام. الإمام الحسين(ع) كان يعيش في الحجاز وبالتالي هل يمكن القول أنّ هذا أمر لا يخصه، باعتبار أنه لا دخل لأهل الحجاز بأهل الشام وعلى كل فريق تدبير أمره ومشاكله، أليس هذا هو المنطق الذي نعيشه الآن في أكثر من بلد إسلامي، حيث يعتبر كل بلد أن له قضاياه ومشاكله التي يريد حلّها ولو على حساب قضايا الأمة؟.



الإمام الحسين(ع) لم ينظر إلى القضية من هذا الجانب، ولم ينظر إلى يزيد باعتباره مجرد والٍ على الحجاز يمكن أن يُعزَل فتُحلّ المشكلة، ولا باعتباره والياً على الشام، إنما نظر إلى يزيد كونه (خليفة المسلمين)، فسلوكه ينعكس سلبياً على السلوك الإسلامي كلّه، وطريقته في إدارة المسؤولية تنعكس سلباً على كل مواقع المسؤولية في العالم الإسلامي. وعلى أساس ذلك، فقد اعتبر الإمام الحسين(ع) مشكلة يزيد مشكلةً تمسّ الأمة كلها، لا فريقاً معيناً، لأنه في موقع حاكم واسع الصلاحيات، في الوقت الذي لا يملك فيه أية مؤهلاتٍ فكريةٍ وأخلاقيةٍ وروحيةٍ تسوّغ له أن يكون في هذا الموقع.



وعلى هذا الأساس وجد الإمام الحسين(ع) أن عليه أن يطلق الصوت، ولو ليسمعه بعض الناس، فالأصوات كانت قد خفت، وأصبح هناك أمر واقع، كلٌ يقول للآخر: ماذا نفعل وقوة الدولة أقوى من قوة الأفراد؟!، فهذا يخوِّف صاحبه بانقطاع راتبه وذاك يخوّف صاحبه بتهديم بيته. وبذلك استطاع الحكمُ أن يستقطبَ الساحةَ كلّها من المؤيدين له، ومن المعارضين الساكتين، ومن الحياديين الذين ""يجلسون على التل"".. لهذا فالمسألة كانت بحاجة لصوتٍ ينطلق، يحرِّك ويدوّي، ليربك الساحة، وليخلق فيها ذهنيةً جديدة، ليشجّع الذين لا يملكون أية إمكانيات لحركة شجاعتهم، لأنهم لا يرون أحداً يتحدث أو يتكلم أو يثير المسألة.


تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

احسنتم أخي مجهود رائع ،،، :)

مقترح اخي :

(لو اشرتم الى المصادر ... جزاكم الله خيراً هذا في حال كنت أنت الكاتب .. في صحيفة البلاغ ...! الشكر لكم موصول أخي ) ..!
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

رد

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

اشرتم الى المصادر ... جزاكم الله خيراً هذا في حال كنت أنت الكاتب .. في صحيفة البلاغ ...! الشكر لكم موصول أخي ) ..!
اخى محمد الغيل الموضوع منقول للفائده من صحيفه البلاغ
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

حركةُ‮ ‬الحسين‮(‬ع‮) ‬لتغيير‮ ‬الذهنية‮ ‬الاسلامية
إن حركة الإمام الحسين لم تكن حركةً نحو الفتح الكبير على مستوى الواقع، ولكنها كانت حركةً نحو الفتح الكبير على مستوى الذهنية الإسلامية التي يريد أن يطلقها باتجاه قضايا الحرية والعدالة، والمنهج الإسلامي القويم. لهذا نبههم إلى أنهم أمة محمد(ص)، وأنّ هناك فساداً في الأمة، وأنه(ع) انطلق ليُصلح، وأن عليهم أن يتبعوه.. وهكذا طرح مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أساس أنه يمثل الرقابة الاجتماعية التي يتحوّل فيها كل مسلم إلى ""خفير""، فكلّ مواطن في الإسلام هو حارسٌ للقيم وللنهج الشرعي في حياة الناس.

أجل، إن كل مسلم هو حارسٌ للقضايا الكبرى التي يمكن أن يتحرّك ضدّها هذا الفريق أو ذاك. وهذا ما يُسمّى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي دعا الله سبحانه وتعالى الناس إليه، ليهيّئوا من أنفسهم جماعةً قويةً بحجم الحاجة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) آل عمران:10، على أساس أن سلامة المجتمع هي في الدعوة إلى المعروف ومواجهة المنكر الذي يمكن أن يساهم في إسقاط حياة الناس فكرياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً.


وعندما طرح الإمام الحسين(ع) هذه المسألة، طرحها بفرض أن تفتح عقول الناس على هذه العناوين، وأن تفتح أرواحهم على تحسّس مثل هذه الأمور. ولم يكن في أسلوبه يتحرّك من موقع العنف؛ فقد خاطب الناس قائلاً: ""من قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق""، كأنه يريد أن يقول للناس: فكروا في كلماتي وفي طروحاتي ومواقفي؛ ولا تستغرقوا في ذاتي، ولكن استغرقوا في الخط الذي أطرحه عليكم، وفي الواقع الذي أنبهكم إلى كل ثغراته وسلبياته، ومن ردّ عليّ ولم يقبلني، فإنما يكون رافضاً الحق الذي جئتُ به، وانطلقت فيه صابراً حتى يأتي الوقت الذي ينفتح الناس فيه على الحق دون أن أتراجع أو أن أسقط أو أتعقّد، ولكنني أتابع قول كلمة الحق الآن وبعد الآن. ولذا فعندما جاءت الجيوش لتقتل الإمام الحسين ولتحاربه، كان يقف في كل يوم ليخطب فيهم ليُسمعهم كلمة الحق حتى يُخرجهم من عصبياتهم، فيجعلهم يعيشون التوافق والانسجام بين الفكر والممارسة؛ لأنه(ع) وجدهم كما وصفهم الفرزدق: ""قلوبهم معه وسيوفهم عليه"" فحاول أن يجعل سيوفهم في اتجاه ميل قلوبهم، وحاول أن يوفق بين حركتهم في الواقع، وبين حركتهم في العقل وفي الفكر، لأن هذه هي مشكلة أغلب الناس الذين يحبون الله، ولكنهم يحبون الشيطان معه. فعندما تنفتح مصالحهم على الخط الآخر، يحتفظون بمحبّتهم كعاطفةٍ في قلوبهم، ويتحرّكون في خطواتهم لمحاربة الله ورسوله عملياً على أساس أن مصالحهم تتجه في ذاك الاتجاه.

الصبرُ على احتضان الحق


> لقد كان الإمام الحسين(ع) يعمل على فتح القلوب، في ما كانت قيادات يزيد تعمل على إغلاقها، ولذلك رأينا شمر بن ذي الجوشن يقف أمام الحسين(ع) وقد فرغ الحسين(ع) من خطابه ليقول له: ""ما ندري ما تقول، ولكن أنزل على حكم بني عمك""، بمعنى أننا لسنا مستعدين أن نسمع أو نفكر بما تقول، لأن مسألتنا محسومةٌ؛ فهي ليست مسألة قناعةٍ، ولكنها مسألة منفعةٍ، وليست القضية أن تكون مسيرتنا حقاً أو باطلاً، خيراً أو شراً.. بل القضية هي أن نقبض في مسيرتنا هذا المال أو ذاك، أو نحصل على هذا الموقع أو ذلك.



ولذلك فلا بد من دراسة قضايانا كلها لا على مستوى الحاضر، بل على صعيد الحاضر والمستقبل. وهو ما نستوحيه من كلمة الإمام الحسين(ع) ""من ردّ على هذا أصبر"". فلنقل الكلمة وليرفضها العالم، فلا بد أن يأتي وقت يمكن للناس أن يواجهوا فيه قضاياهم من موقع متقدّم. لأن الحاضر إذا ضاق عن قضاياكم، فإن المستقبل يمكن أن يفتح لكم أكثر من ثغرة.



فلا بد إذن من قول كلمة الحق دائماً مهما كانت الصعوبات، فالحق كالجنين تماماً؛ فكما أن الجنين لن يستطيع بلوغ تكامله ونموه إلا في الشهر التاسع، كذلك الحق قد يحتاج إلى سنوات لنموه وانتشاره، وقد يحتاج لأجيال. المسألة، كل المسألة، هي أن نعمل على أساس أن لا يفقد الحق نموّه في فكرنا وروحنا ووحدتنا وقوتنا وفي كل صرخات الدعوة إلى الله، والدعوة إلى الحق.



وإذا ما أردنا عاشوراء إسلامية متحركة، فيجب الانطلاق على أساس أن تبقى عاشوراء لله ولرسول الله(ص) وللإسلام، وأن تبقى عاشوراء في كل الأجيال صرخة الحرية والعدالة، عندما ينطلق الذين يستعبدون الناس ليفرضوا عليهم العبودية، أو الذين يظلمون الناس ليفرضوا عليهم الظلم، فإن هذا هو طريق عاشوراء.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

مسلمٌ‮ ‬بنٌ‮ ‬عَقيل‮ ‬وشخوصُه‮ ‬إلى‮ ‬الكوفة‮ ‬ومقتلـُه

قال هشام بن محمد عن أبي مخنف: ولي يزيد في هلال رجب سنة 60 وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن ابي سفيان، وامير الكوفة النعمان بن بشير الانصاري، وامير البصرة عبيدالله بن زياد، وامير مكة عمرو بن سعيد بن العاص. ولم يكن ليزيد همة حين ولي الابيعة النفر الذين أبوا على معاوية الاجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته، وانه ولي عهده بعده والفراغ من امرهم، فكتب إلى الوليد: (بسم الله الرحمن الرحيم من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة اما بعد: فان معاوية كان عبداً من عباد الله اكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له فعاش بقدر ومات بأجل فرحمه الله فقد عاش محموداً ومات براً تقياً والسلام). وكتب اليه في صحيفة كأنها إذن فأرة أما بعد: فخذ حسينا وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام. فلما اتاه نعي معاوية فظع به وكبر عليه فبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه اليه وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارهاً. فلما رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه، فبلغ ذلك مروان فجلس عنه وصرمه فلم يزل كذلك حتى جاءنعى معاوية إلى الوليد، فلما عظم على الوليد هلاك معاوية وما امر به من اخذ هؤلاءالرهط بالبيعة فزع عند ذلك إلى مروان ودعاه. فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحم عليه، واستشاره الوليد في الامر وقال كيف ترى ان نصنع؟ قال: فاني ارى ان تبعث الساعة إلى هؤلاءالنفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة فان فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم، وان ابوا قدمتهم فضربت اعناقهم قبل ان يعلموا بموت معاوية فانهم ان علموا بموت معاوية وثب كلُّ امرئ منهم في جانب واظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه، اما ابن عمر فاني لا أراه يرى القتال ولا يحب أنه يولى على الناس الا أن يدفع اليه هذا الامر عفواً، فارسل عبدالله بن عمرو بن عثمان وهو اذ ذاك غلام حدث اليهما يدعوهما، فوجدهما في المسجد وهما جالسان، فاتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس ولا يأتيانه في مثلها، فقال: اجيبا الامير يدعو كما، فقال له: انصرف الآن نأتيه.

ثم اقبل احدهما على الآخر فقال عبدالله بن الزبير للحسين: ظن فيما تراه بعث الينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها. فقال حسين: قد ظننت أرى طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل ان يفشوَ في الناس الخبرُ.


فقال: وأنا ما أظن غيره. قال: فما تريد ان تصنع؟. قال: اجمع فتياني الساعة ثم امشي اليه، فاذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثم دخلت عليه. قال: فاني أخافه عليه اذا دخلت. قال: لا آتيه الا وانا على الامتناع قادر. فقام فجمع اليه مواليه واهل بيته، ثم اقبل يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد وقال لاصحابه: اني داخل فان دعوتكم او سمعتم صوته قد علا فاقتحموا عليَّ باجمعكم والا فلا تبرحوا حتى اخرج اليكم.



فدخل فسلم عليه بالامرة ومروان جالس عنده، فقال حسين كأنه لا يظن ما يظن من موت معاوية: الصلةُ خيرُ من القطيعة، اصلح الله ذات بينكما فلم يجيباه في هذا بشيئ، وجاءحتى جلس، فأقرأه الوليد الكتابَ ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة، فقال حسين: إنا لله وانا اليه راجعون، ورحم الله معاوية، وعظم لك الاجر. أما ما سألتني من البيعة فان مثلي لا يعطي بيعته سراً ولا أراك تجترئ بها مني سراً دون ان نظهرها على رؤوس الناس علانية. قال: أجل.



قال: فاذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان امراً واحداً. فقال له الوليد وكان يحب العافية: فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم، وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع او تضرب عنقه.



فوثب عند ذلك الحسين فقال: يابن الزرقاءأنت تقتلني؟، ام هو؟، كذبت والله وأثمت.. ثم خرج فمر باصحابه فخرجوا معه حتى أتى منزله، فقال مروان للوليد: عصيتني، لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه ابداَ. قال الوليد: وبخ غيرك يا مروان انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسينا، سبحان الله أقتل حسيناً ان قال لا أبايع؟، والله اني لا أظن امرءً يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال له مروان: فاذا كان هذا رأيك فقد اصبت فيما صنعت. يقول هذا له وهو غير الحامد له على رأيه.



وأما ابن الزبير فقال: الآن آتيكم. ثم أتى داره فكمن فيها، فبعث الوليد اليه فوجده مجتمعاً في اصحابه متحرزاً، فألح عليه بكثرة الرسل والرجال في أثر الرجال، فاما حسين فقال: كف حتى تنظر وننظر وترى ونرى. واما ابن الزبير فقال: لا تعجلوني فاني آتيكم امهلوني. فألحوا عليهما عشيتهما تلك كلها واول ليلهما وكانوا على حسين اشد ابقاءً. وبعث الوليد إلى ابن الزبير موالي له فشتموه وصاحوا به: يا ابن الكاهلية والله لتأتين الامير أو ليقتلنك. فلبث بذلك نهاره كله واول ليلة يقول: الآن اجيئ.



فاذا استحثوه قال: والله لقد استربت بكثرة الارسال وتتابع هذه الرجال فلا تتعجلوني حتى ابعث إلى الامير من يأتيني برأيه وامره. فبعث اليه اخاه جعفر بن الزبير فقال: رحمك الله كف عن عبدالله فانك قد افزعته وذعرته بكثرة رسلك وهو آتيك غداً ان شاءالله، فمر رسلك فلنصرفوا عنا فبعث اليهم فانصرفوا.



وخرج ابن الزبير من تحت الليل فأخذ طريق الفرع هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث وتجنب الطريق الاعظم مخافة الطلب، وتوجه نحو مكة، فلما اصبح بعث اليه الوليد فوجده قد خرج، فقال مروان: والله انها اخطاءمكة، فسرح في اثره الرجال. فبعث راكباً من موالي بني امية في ثمانين راكباً، فطلبوه ولم يقدروا عليه، فرجعوا فتشاغلوا عن حسين بطلب عبدالله يومهم ذلك حتى امسوا.



ثم بعث الرجال إلى الحسين عند المساء فقال: اصبحوا، ثم ترون ونرى، فكفوا عنه تلك الليلة ولم يلحوا عليه. فخرج حسيين من تحت ليلته وهي ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب سنة 60 وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة خرج ليلة السبت فاخذ طريق الفرع فبينما عبدالله بن الزبير يساير اخاه جعفر اذا تمثل جعفر بقول صبرة الحنظلي:



وكل بني أم سيمسون ليلة



ولم يبق من اعقابهم غيرُ واحد



فقال عبدالله: سبحان الله ما اردت إلى ما اسمع يا أخي.. قال: والله يا اخي ما اردت به شيئاً مما تكره، فقال: فذاك والله اكره إليَّ ان يكون جاءعلى لسانك من غير تعمد. قال: وكأنه تطير منهم.



واما الحسين فانه خرج ببنيه واخوته وبني اخيه وجُل اهل بيته إلا محمد بن الحنفية فانه قال له: يا اخي انت أحب الناس إليّ واعزهم عليّ ولست أدخر النصيحة لاحد من الخلق أحق بها منك، تنح بتبعتك عن زيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فان بايعوا لك حمدت الله على ذلك، وان اجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهبُ به مروءك ولا فضلك، اني اخاف ان تدخل مصراً من هذه الامصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم فمنهم طائفة معك واخرى عليك فيقتتلون فتكون لاول الاسنة، فاذا خيرُ هذه الامة كلها نفساً واباً واماً أضيعها دماً وأدلها اهلاً. قال له الحسين: فإني ذاهب يا أخي. قال: فانزل مكة فان اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك وان نبت يبك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس وتعرف عند ذلك الرأى، فانك أصوب ما يكون رأيا واحزمه عملا حتى تستقبل الامور استقبالا ولا تكون الامور عليك أبدا اشكل منها حين تستدبرها استدبارا.



قال يا اخي: قد نصحت فاشفقت فارجو أن يكون رأيك سديداً موفقاً.



قال ابو مخنف وحدثني عبدالملك بن نوفل بن مساحق عن ابي سعيد المقبرى قال: نظرت إلى الحسين داخلاً مسجد المدينة وانه ليمشي وهو معتمد على رجلين يعتمد على هذا مرة وعلى هذا مرة وهو يتمثل بقول ابن مفرغ.



لاذعرت السوام في فلق الصبـ



ح مغيراً ولا دعيت يزيدا



يوم أعطى من المهابة ضيما



والمنايا يرصدنني أن أحيدا



قال: فقلت في نفسي: والله ما تمثل بهذين البيتين الا لشيئ يريد. قال: فما مكث إلا يومين حتى بلغني انه سار إلى مكة.



ثم ان الوليد بعث إلى عبدالله بن عمر فقال: بايع ليزيد. فقال: اذا بايع الناس بايعت. فقال رجل: ما يمنعك أن تبايع انما تريد ان يختلفوا الناس بينهم فيقتتلوا ويتفانوا فاذا جهدهم ذلك قالوا: عليكم بعبدالله بن عمر لم يبق غيرُه بايعوه. قال عبدالله: ما أحب أن يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا، ولكن اذا بايع الناس ولم يبق غيري بايعت. قال: فتركوه وكانوا لا يتخوفونه.



قال: ومضى ابن الزبير حتى اتى مكة وعليها عمرو بن سعيد، فلما دخل مكة قال: انما انا عائذ ولم يكن يصلي بصلوتهم ولا يفيض بإفاضتهم كما يقف هو واصحابه ناحية ثم يفيض بهم وحدَه ويصلي بهم وحدَه.



قال: فلما سار الحسين نحو مكة قال: فخرج منها خائفاً يترقب، قال: رب نجني من القوم الظالمين. فلما دخل مكة قال: فلما توجه تلقاءمدين قال: عسى ربي ان يهديني سواءالسبيل.



مسلمٌ بنٌ عَقيل وشخوصُه إلى الكوفة ومقتلـُه



> واما مخنف فانه ذكر من قصة مسلم بن عقيل وشخوصه إلى الكوفة ومقتله قصة هي اشبع واتم من خبر عمار الدهني عن ابي جعفر الذي ذكرناه ما حدثت عن هشام بن محمد عنه قال: حدثني عبدالرحمن بن جندب، قال: حدثني عقبة بن سمعان مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية امرأة حسين وكانت مع سكينة ابنة حسين وهو مولى لابيها وهي اذ ذاك صغيرة، قال: خرجنا فلزمنا الطريق الاعظم. فقال للحسين اهل بيته: لو تنكبت الطريق الاعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب. قال: لا والله لا افارقه حتى يقضي الله ما هو أحب اليه قال: فاستقبلنا عبدالله بن مطيع.



فقال للحسين: جعلت فداك اين تريد؟، قال: اما الآن فاني اريد مكة، واما بعدها فاني استخير الله. قال: خار الله لك وجعلنا فداك فاذا أنت أتيت مكة فإياك ان تقرب الكوفة فانها بلدة مشؤومة بها قتل ابوك وخذل اخوك واغتيل بطعنة كانت تأتي على نفسه، الزم الحرم فإنك سيد العرب لا يعدل بك والله اهلُ الحجاز احداً ويتداعى اليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فذاك عمي وخالي فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك، فأقبل حتى نزل مكة فأقبل أهلها يختلفون اليه ويأتونه ومن كان بها من المعتمرين واهل الآفاق وابن الزبير بها قد لزم الكعبة فهو قائم يصلي عندها عامة النهار ويطوف ويأتي حسينا فيمن يأتيه فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كل يومين مرة ولا يزال يشير عليه بالرأى وهو اثقل خلق الله على ابن الزبير قد عرف ان اهل الحجاز لايبايعونه ولا يتابعونه ابدا ما دام حسين بالبلد وان حسيناً اعظم في اعينهم وانفسهم منه واطوع في الناس منه.



فلما بلغ اهل الكوفة هلاك معاوية ارجف اهل العراق بيزيد وقالوا: قد امتنع حسين وابن الزبير ولحقا بمكة وكتب اهل الكوفة إلى حسين وعليهم النعمان ابن بشير.



قال ابومخنف: فحدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشر الهمداني قال: اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فذكرنا هلاك معاوية فحمدنا الله عليه، فقال لنا سليمان بن صرد: إن معاوية قد هلك وان حسيناً قد تقبض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكة وانتم شيعته وشيعة أبيه، فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهد وعدوه فاكتبوا اليه، وان خفتم الوهل والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه. قالوا: لا بل نقاتل عدوه ونقتل انفسنا دونه.



قال: فاكتبوا اليه، فكتبوا اليه (بسم الله الرحمن الرحيم لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجمة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من اهل الكوفة سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو. اما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الامة فابتزها امرها وغصبها فيأها وتأمر عليها بغير رضى منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها واغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود انه ليس علينا امام، فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا انك قد أقبلت الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام ان شاءالله والسلام ورحمة الله عليك.



قال: ثم سرحنا بالكتاب مع عبدالله بن سبع الهمداني وعبدالله بن وال وامرنا هما بالنجاء فخرج الرجلان مسرعين حتى قدما على حسين لعشر مضين من شهر رمضان بمكة، ثم لبثنا يومين ثم سرحنا اليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن الارحبي وعمارة بن عبيد السلولي فحملوا معهم نحوا من ثلاثة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة. قال ثم لبثنا يومين آخرين ثم سرحنا اليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي وكتبنا معهما (بسم الله الرحمن الرحيم لحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين: أما بعد فحيهلا فان الناس ينتظرونك ولا رأى لهم في غيرك فالعجلَ العجلَ والسلام عليك).



وكتب شيث بن ربعى وحجار بن ابجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي: اما بعد فقد اخضر الجناب واينعت الثمار وطمت الجمام فاذا شيئت فاقدم على جندلك مجند والسلام عليك وتلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب وسأل الرسل عن امر الناس.



ثم كتب مع هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي، وكان آخر الرسل (بسم الله الرحمن الرحيم من حسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين: أما بعد فان هانئاً وسعيداً قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم عليَّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم: انه ليس علينا إمام، فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق.



وقد بعثت اليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتبَ الي بحالكم وأمركم ورأيكم، فان كتب اليَّ انه قد أجمع رأى ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم عليَّ مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا ان شاءالله، فلعمري ما الإمام الا العامل بالكتاب والأخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام).



ثم دعا مسلم بن عقيل فسرَّحَهُ مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبيد السلولى وعبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن الارحبي، فامره بتقوى الله وكتمان امره واللـُّطف، فان رأى الناس مجتمعين مستوثقين عجل اليه بذلك، فاقبل مسلم حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى اللهُ عليه وآلـَه وسلم وودع من أحب من أهله. ثم استأجر دليلين من قيس فاقبلا به فضلا الطريق وجاراو أصابهم عطش شديد، وقال الدليلان: هذا الطريق حتى ينتهيَ إلى الماءوقد كادوا ان يموتوا عطشاً.



فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى حسين وذلك بالمضيق من بطن الخبيت: (اما بعد فاني اقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق وضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثنا ان ماتا واقبلنا حتى انتهينا إلى الماءفلم ننج الا بخشاشة انفسنا وذلك الماءبمكان يدعى المضيق من بطن الخبيت وقد تطيرت من وجهي هذا فان رأيت اعفيتني منه وبعثت غيري والسلام).



فكتب اليه حسين: (اما بعد فقد خشيتُ إلا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاءمن الوجه الذي وجهتك له الا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك له والسلام عليك. فقال مسلم لمن قرأ الكتاب: هذا ما لست اتخوفه على نفسي، فاقبل كما هو حتى مر بماءلطيئ فنزل بهم ثم ارتحل منه فاذا رجل يرمى الصيد فنظر اليه قد رمى ظبيا حين اشرف له فصرعه، فقال مسلم: يقتل عدونا ان شاءالله.



ثم اقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار بن ابي عبيد وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب، واقبلت الشيعة تختلف اليه، فلما اجتمعت اليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب حسين فأخذوا يبكون، فقام عابس بن ابي شبيب الشاكري فحمدالله واثنى عليه ثم قال: اما بعد فاني لا اخبرك عن الناس، ولا اعلم ما في انفسهم، وما اغرك منهم، والله احدثك عما انا موطن نفسي عليه، والله لاجيبنكم اذا دعوتم، ولا قاتلن معكم عدوكم ولا ضربن بسيفي دونكم حتى القى الله، لا اريد بذلك الا ما عند الله. فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي فقال: رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك. ثم قال: وإنا واللهِ الذي لا إله إلا هو على مثل ما هذا عليه. ثم قال الحنفي مثل ذلك، فقال الحجاج بن علي: فقلت لمحمد بن بشر فهل كان منك انت قول؟. فقال: ان كنت لاحب ان يعز الله اصحابي بالظفر وما كنت لاحب ان اقتل وكرهت ان اكذب، واختلفت الشيعة اليه حتى علم مكانه فبلغ ذالك النعمان بن بشير.



خرج الينا النعمان بن بشير فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: اما بعد فاتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة فان فيهما يهلك الرجال وتسفك الدماءوتغصب الاموال وكان حليما ناسكا يحب العافية. قال: اني لم اقاتل من لم يقاتلني ولا أثب على من لا يثب على ولا اشاتمكم ولا اتحرش بكم ولا آخذ بالقرف ولا الظنة ولا التهمة، ولكنكم ان ابديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم امامكم فوالله الذي لا اله غيره لاضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولولم يكن لي منكم ناصر، اما اني ارجو أن يكون من يعرف الحق منكم اكثر ممن يرديه الباطل. قال فقام اليه عبدالله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني امية فقال: انه لا يصلح ما ترى إلى الغشم ان هذا الذي انت عليه فيما بينك وبين عدوك رأى المستضعفين. فقال: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله احب إلى من أن اكون من الاعزين في معصية الله. ثم نزل وخرج عبدالله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية اما بعد: فان مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي، فان كان لك بالكوفة حاجة فابعث اليها رجلاً قوياً ينفذ امرك ويعمل مثل عملك في عدوك، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف وهو يتضعف فكان اول من كتب اليه. ثم كتب اليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب اليه عمر بن سعد بن ابي وقاص بمثل ذلك.



قال هشام: قال عوانة: فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم الا يومان دعا يزيد بن معاوية سرجون مولى معاوية فقال: ما رأيك؟، فان حسينا قد توجه نحو الكوفة، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين، وقد بلغنى عن النعمان ضعف وقول سيئ. واقرأه كتبهم فما ترى من استعمل على الكوفة؟، وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد. فقال سرجون: أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذاً برأيه؟. قال: نعم، فأخرج عهد عبيدالله على الكوفة فقال: هذا رأى معاوية ومات، وقد أمر بهذا الكتاب. فأخذ برأيه وضم المصرين إلى عبيدالله وبعث اليه بعهده على الكوفة. ثم دعا مسلم بن عمر والباهلى وكان عنده فبعثه إلى عبيدالله بعهده إلى البصرة وكتب اليه معه: اما بعد فانه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه او تقتله او تنفيه والسلام. فأقبل مسلم بن عمر وحتى قدم على عبيدالله بالبصرة فأمر عبيدالله بالجهاز والتهيؤِ والمسير إلى الكوفة من الغد.



وكتب بنسخة إلى رؤوس الاخماس بالبصرة والى الاشراف، فكتب إلى مالك بن مسمع البكرى، والى الاحنف بن قيس، والى المنذر بن الجارود، والى مسعود بن عمرو، والى قيس بن الهيثم، والى عمرو بن عبيدالله بن معمر فجاء منه نسخة واحدة إلى جميع اشرافها.



اما بعد فان الله اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله على خلقه واكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه الله اليه. وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به صلى الله عليه وآله وكنا اهله واولياءه واوصياءه وورثته واحق الناس بمقامه في الناس. فاستأثر علينا قومنا بذلك. فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه، وقد احسنوا واصلحوا وتحروا الحق، فرحمهم الله وغفر لنا ولهم، وقد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فان السنة قد اميتت، وان البدعة قد احييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله.



فكل من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمه غير المنذر بن الجارود فانه خشي بزعمه ان يكون دسيساً من قبل عبيدالله. فجاء بالرسول من العشية التي يريد صبيحتها أن يسبق إلى الكوفة وأقرأه كتابه، فقدم الرسول فضرب عنقه وصعد عبيدالله منبر البصرة فحمدالله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فوالله ما تقرن بي الصعبة. ولا يقعقع لي بالشنان. واني لنكلٌ لمن عاداني، وسمٌّ لمن حاربني، أنصف القارة من راماها، يا أهل البصرة ان أمير المؤمنين ولاني الكوفة وأنا غاد اليها الغداة، وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان، والخلاف والارجاف، فوالذي لا اله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لاقتلنه وعريفه ووليه، ولآخذن الادنى بالاقصى حتى تستمعوا لي ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق، أنا بن زياد أشبهته من بين من وطئ الحصى ولم ينتزعني شبه خال ولا ابن عم.



ثم خرج من البصرة واستخلف أخاه عثمان بن زياد وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلى. وشريك بن الاعور الحارثي. وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداءوهو ملتثم والناس قد بلغهم اقبال حسين اليهم فهم ينتظرون قدومه. فظنوا حين قدم عبيدالله أنه الحسين. فأخذ لا يمر على جماعة من الناس الا سلموا عليه وقالوا: مرحباً بك يا بن رسول الله. قدمت خيرَ مقدم. فرأى من تباشيرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه.



فقال مسلم: بن عمرو لما أكثروا: تأخروا: هذا الامير عبيدالله بن زياد. فأخذ حين أقبل على الظهر وانما معه بضعة عشر رجلاً. فلما دخل القصر وعلم الناس أنه عبيدالله بن زياد دخلهم من ذلك كابة وحزن شديد. وغاظ عبيدالله ما سمع منهم وقال: ألا أرى هؤلاءكما أرى. قال هشام: قال ابومخنف: فحدثني المعلى بن كليب عن ابي وداك. قال: لما نزل القصر نودي: الصلاة جامعة. قال: فاجتمع الناس فخرج الينا فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أما بعد فان امير المؤمنين أصلحه الله ولاني مصركم وثغركم، وأمرني بانصاف مظلومكم، وأعطاءمحرومكم، وبالاحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متبع فيكم أمره، ومنفذ فيكم عهده، فانا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البر، وسوطي وسيفي على من ترك أمري، وخالف عهدي، فليبق امرءعلى نفسه الصدق ينبى عنك لا الوعيد. ثم نزل فاخذ العرفاءوالناس أخذاً شديداً فقال: اكتبوا إلى الغرباءومَن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومن فيكم من الحرورية وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق. فمَن كتبهم لنا فبرئ، ومن لم يكتب لنا أحداً فيضمن لنا ما في عرافته الا يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغي علينا منهم باغٍ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة، وحلال لنا ماله وسفك دمه، وأيما عريف وجد في عرافته من بغية امير المؤمنين احد لم يعرفه الينا صلب على باب داره والغيت تلك العرافة من العطاءوسير إلى موضع بعمان الزارة. وأما عيسى بن يزيد الكناني فانه قال فيما ذكر عمر بن شبة عن هارون بن مسلم عن علي بن صالح عنه. قال: لما جاءكتاب يزيد إلى عبيدالله بن زياد انتخب من أهل البصرة خمسمأة فيهم عبدالله بن الحارث بن نوفل، وشريك بن الاعور، وكان شيعة لعلي، فكان اول من سقط بالناس شريك، فيقال: انه تساقط غمرة ومعه ناس، ثم سقط عبدالله بن الحارث، وسقط معه ناس ورجوا أن يلوى عليهم عبيدالله ويسبقه الحسين إلى الكوفة، فجعل لا يلتفت إلى من سقط ويمضي حتى ورد القادسية وسقط مهران مولاه فقال أيا مهران على هذه الحال ان أمسكت عنك حتى تنظر إلى القصر فلك مأة الف قال لا والله ما اسطيع فنزل عبيدالله فأخرج ثيابا مقطعة من مقطعات اليمن، ثم اعتجر بمعجرة يمانية، فركب بغلته ثم انحدر راجلاً وحده، فجعل يمر بالمحارس، فكلما نظروا اليه لم يشكوا انه الحسين فيقولون: مرحبا بك يابن رسول الله، وجعل لا يكلمهم وخرج اليه الناس من دورهم و بيوتهم، وسمع بهم النعمان بن بشير فغلق عليه وعلى خاصته.



وانتهى اليه عبيدالله وهو لا يشك انه الحسين ومعه الخلق يضجون. فكلمه النعمان فقال: انشدك الله الا تنحيت عني، ما أنا بمسلم اليك امانتي ومالي في قتلك من أرب، فجعل لا يكلمه، ثم انه دنا وتدلى الآخر بين شرفتين فجعل يكلمه فقال: افتح لافتحت، فقد طال ليلك، فسمعها انسان خلقه فتكفى إلى القوم فقال: أي قوم ابن مرجانة والذي لا إله غيره، فقالوا: ويحك انما هو الحسين ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس فانفضوا واصبح فجلس على المنبر.



فقال: ايها الناس اني لاعلم انه قد سار معي وأظهر الطاعة لي من هو عدو للحسين حين ظن ان الحسين قد دخل البلد وغلب عليه، والله ما عرفت منكم أحدا ثم نزل وأخبر أن مسلم بن عقيل قدم قبله بليلة وأنه بناحية الكوفة، فدعا مولى لبني تميم فاعطاه مالا وقال: انتحل هذا الامر وأعنهم بالمال واقصد لهاني ومسلم وانزل عليه، فجاءهانئاً فاخبره انه شيعة وأن معه مالاً.



وقدم شريك بن الاعور شاكيا فقال لهاني: مر مسلما يكون عندي فان عبيدالله يعودني، وقال شريك لمسلم: أرأيتك ان امكنتك من عبيدالله اضاربه انت بالسيف؟ قال: نعم والله، وجاءعبيدالله شريكا يعوده في منزل هاني وقد قال شريك لمسلم اذا سمعتني اقول: اسقوني ماءً فاخرج عليه فاضربه، وجلس عبيدالله على فراش شريك وقام على رأسه مهران فقال: اسقوني ماءً. فخرجت جارية بقدح فرأت مسلماً فزالت، فقال شريك: اسقوني ماءً. ثم قال الثالثة: ويلكم تحموني الماءاسقونيه ولو كانت فيه نفس. ففطن مهران فغمز عبيدالله فوثب، فقال شريك: أيها الامير اني اريد ان اوصي اليك، قال اعود اليك، فجعل مهران يطرد به وقال: اراد والله قتلك. قال: وكيف مع اكرامي شريكا وفي بيت هاني ويد ابي عنده يد، فرجع فأرسل إلى اسماءبن خارجة ومحمد بن الاشعث فقال: ائتياني بهاني. فقالا له: إنه لا يأتي إلا بالامان، قال: وماله وللامان، وهل أحدث حدثا؟. انطلقا فان لم يأت الا بأمان فآمناه تأتياه. فدعواه فقال: انه ان اخذني قتلني فلم يزالا به حتى جاء به وعبيدالله يخطب يوم الجمعة فجلس في المسجد وقد رجل هاني غديرتيه، فلما صلى عبيدالله قال: يا هاني. فتبعه ودخل فسلم، فقال عبيدالله: يا هاني اما تعلم ان أبي قدم هذا البلد فلم يترك احداً من هذه الشيعة إلا قتله غير ابيك وغير حجر، وكان مع حجر ما قد علمت، ثم لم يزل يحسن صحبتك، ثم كتب إلى امير الكوفة ان حاجتى قبلك هاني. قال: نعم. قال فكان جزائي ان خبأت في بيتك رجلاً ليقتلني؟. قال: ما فعلت. فأخرج التميمي الذي كان عيناً عليهم، فلما رآه هاني علم ان قد اخبره الخبر.



فقال أيها الامير قد كان الذي بلغك ولن اضيع يدك عني، فأنت آمن واهلك فسر حيث شيئت، فكبى عندها ومهران قام على رأسه في يده معكزة، فقال، واذلاه هذا العبد الحائك يؤمنك في سلطانك؟. فقال: خذه. فطرح المعكزة وأخذ بصفيرتي هاني ثم اقنع بوجهه، ثم اخذ عبيدالله المعكزة فضرب به وجه هاني وندر الزج فارتز في الجدار، ثم ضرب وجهه حتى كسر انفه وجبينه وسمع الناس الهيعة وبلغ الخبر مذحج فأقبلوا واطافوا بالدار، وامر عبيدالله بهاني فالقى في بيت، وصيح المذحجيون وأمر عبيدالله مهران ان يدخل عليه شريحا فخرج فادخله عليه ودخلت الشرط معه. فقال: يا شريح قد ترى ما يصنع بي؟ قال: اراك حياً. قال وحي انا مع ما ترى؟ اخبر قومي انهم ان انصرفوا قتلني، فخرج إلى عبيدالله فقال رأيته حياً ورأيت أثرا سيئا قال وتنكر ان يعاقب الوالى رعيته، اخرج إلى هؤلاءفأخبرهم، فخرج وأمر عبيدالله الرجل فخرج معه فقال لهم شريح: ما هذه الرعة السيئة، الرجل حي وقد عاتبه سلطانه بضرب لم يبلغ نفسه، فانصرفوا ولا تحلوا بانفسكم ولا بصاحبكم، فانصرفوا.



وذكر هشام عن ابي مخنف عن المعلى بن كليب عن ابي الوداك قال: نزل شريك بن الاعور على هاني بن عروة المرادي وكان شريك شيعيا وقد شهد صفين مع عمار، وسمع مسلم بن عقيل بمجيئي عبيدالله ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاءوالناس، فخرج من دار المختار وقد علم به حتى انتهى إلى دار هاني بن عروة المرادي فدخل بابه وارسل اليه ان اخرج، فخرج اليه هاني فكره هاني مكانه حين رآه. فقال له مسلم: اتيتك لتجيرني وتضيفني، فقال: رحمك الله لقد كلفتني شططاً، ولولا دخولك داري وثقت لاحببت ولسألتك ان تخرج عني غير انه يأخذني من ذلك ذمام وليس مردود مثلي على مثلك عن جهل ادخل فآواه وأخذت الشيعة تختلف اليه في دار هاني بن عروة.



ودعا ابن زياد مولى يقال له معقل فقال له: خذ ثلاثة آلاف درهم ثم اطلب مسلم بن عقيل واطلب لنا اصحابه ثم اعطهم هذه الثلاثة آلاف فقال لهم: استعينوا بها حرب عدوكم واعلمهم انك منهم، فانك لوقد اعطيتها اياهم اطمأنوا اليك ووثقوا بك ولم يكتموك شيئاً من أخبارهم، ثم اغد عليهم ورح، ففعل ذلك فجاءحتى أتى إلى مسلم بن عوسجة الاسدي من بني سعد بن ثعلبة في المسجد الاعظم وهو يصلي وسمع الناس يقولون: ان هذا يبايع للحسين. فجاءفجلس حتى فرغ من صلاته.



ثم قال يا عبدالله: اني امرءمن أهل الشام مولى لذي الكلاع انعم الله على بحب اهل هذا البيت وحب من أحبهم، فهذه ثلاثة آلاف درهم اردت بها لقاءرجل منهم، بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وكنت اريد لقاء فلم أجد أحدا يدلني عليه ولا يعرف مكانه، فاني لجالس آنفاً في المسجد اذ سمعت نفراً من المسلمين يقولون: هذا رجل له علم باهل هذا البيت واني اتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبكم فابايعه وان شيئت أخذت بيعتي له قبل لقائه. فقال: احمد الله على لقائك إياي فقد سرني ذلك لتنال ما تحب ولينصر الله بك اهل بيت نبيه، ولقد ساءي معرفتك إياي بهذا الامر من قبل ان ينمي مخافة هذا الطاغية وسطوته، فاخذ بيعته قبل ان يبرح واخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن ولكتمن فاعطاه من ذلك ما رضي به. ثم قال له: اختلف إليّ اياماً في منزلي فأنا طالبٌ لك الاذن على صاحبك، فأخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن، فمرض هاني بن عروة فجاءعبيدالله عائداً له، فقال له عمارة بن عبيد السلولي: انما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية فقد امكنك الله منه فاقتله، قال هاني: ما أحب أن يقتل في داري، فخرج فما مكث الا جمعة حتى مرض شريك بن الاعور وكان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الامراءوكان شديد التشيع فأرسل اليه عبيدالله اني رائح اليك العشية. فقال لمسلم: ان هذا الفاجر عائدى العشية فاذا جلس فاخرج اليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس احد يحول بينك وبينه، فان برئت من وجعى هذا أيامى هذه سرت إلى البصرة وكفيتك امرها، فلما كان من العشي اقبل عبيدالله لعيادة شريك.



فقام مسلم بن عقيل ليدخل وقال له شريك: لا يفوتنك اذا جلس، فقام هاني بن عروة اليه فقال: اني لا احب أن يقتل في داري كانه استقبح ذلك، فجاءعبيدالله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكاً عن وجعه وقال: ما الذي تجد ومتى اشكيت، فلما طال سؤاله اياه ورآى أن الآخر لا يخرج خشي ان يفوته فأخذ يقول: ما تنظرون بسلمى أن تحيوها اسقنيها وان كانت فيها نفسي، فقال ذلك مرتين او ثلاثاً. فقال عبيدالله ولا يفطن ما شأنه: أترونه يهجر؟. فقال له هاني: نعم اصلحك الله ما زال هذا ديدنه قبيل عماية الصبح حتى ساعته هذه. ثم انه قام فانصرف، فخرج مسلم فقال له شريك ما منعك من قتله؟ فقال: خصلتان أما أحدهما فكراهة هاني ان يقتل في داره، واما الاخرى فحديث حدثه الناس عن النبي صلى الله عليه وآله ان الايمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن، فقال هاني: اما والله لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً غادراً ولكن كرهت ان يقتل في داري.. ولبث شريك بن الاعور بعد ذلك ثلاثاً ثم مات، فخرج ابن زياد فصلى عليه وبلغ عبيدالله بعد ما قتل مسلما وهانيا ان ذلك الذي كنت سمعت من شريك في مرضه انما كان يحرض مسلما ويأمره بالخروج اليك ليقتلك. فقال عبيدالله: والله لا اصلى على جنازة رجل من اهل العراق ابدا ووالله لولا ان قبر زياد فيهم لنبشت شريكا، ثم ان معقلا مولى ابن زياد الذي دسه بالمال إلى ابن عقيل واصحابه اختلف إلى مسلم بن عوسجة اياما ليدخل على ابن عقيل فأقبل به حتى ادخل عليه بعد موت شريك بن الاعور فأخبره خبره كله فأخذ ابن عقيل بيعته. وامر أبا ثمامة الصائدي فقبض ماله الذي جاءبه وهو الذي كان يقبض اموالهم وما يعين به بعضهم بعضا، يشتري لهم السلاح وكان به بصيرا، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة واقبل ذلك الرجل يختلف اليهم فهو اول داخل وآخر خارج يسمع اخبارهم ويعلم اسرارهم ثم ينطلق بها حتى يقرها في اذن ابن زياد، قال: وكان هاني يغدو ويروح إلى عبيدالله، فلما نزل به مسلم انقطع من الاختلاف وتمارض فجعل لا يخرج فقال ابن زياد لجلسائه: ما لي لا ارى هانئا؟ فقالوا: هو شاك. فقال: لو علمت بمرضه لعدته.



قال ابومخنف فحدثني المجالد بن سعيد، قال: دعا شرحبيل بن ربيعة بن مرثد بن جشم الهمداني ابوعمرو ويقال أبوسعيد الكوفي. روى عن الشعبي وقيس بن أبي حازم وأبي الوداك جبر بن نوف وزياد بن علاقة ومحمد بن بشر الهمداني.



قال ابو مخنف حدثني الحسن ابن عقبة المرادى انه بعث معهما عمرو بن الحجاج الزبيدي.



قال ابو مخنف وحدثني نمر بن وعلة عن ابي الوداك قال: كانت روعة اخت عمرو بن الحجاج تحت هاني بن عروة، وهي ام يحيى بن هانئ فقال لهم: ما يمنع هانئ بن عروة من اتياننا؟ قالوا: ما ندري اصلحك الله وانه ليشتكي، قال: قد بلغني انه قد برأ وهو يجلس على باب داره فالقوه فمروه الا يدع ما عليه في ذلك من الحق فاني لا احب ان يفسد عندي مثله من اشراف العرب، فاتوه حتى وقفوا عليه عشية وهو جالس على بابه فقالوا: ما يمنعك من لقاءالامير فانه قد ذكرك وقد قال لو اعلم انه شاك لعدته فقال لهم: الشكوى يمنعنى فقالوا له: يبلغه انك تجلس كل عشية على باب دارك وقد استبطأك والابطاءوالجفاءلا يحتمله السلطان اقسمنا عليك لما ركبت معنا. فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلة فركبها حتى اذا دنا من القصر كان نفسه أحست ببعض الذي كان، فقال لحسان بن اسماءبن خارجة: يا بن اخي اني والله لهذا الرجل لخائف فما ترى؟. قال: اي عم والله ما اتخوف عليك شيئا ولم تجعل على نفسك سبيلا، وانت برئ وزعموا ان اسماءلم يعلم في اي شيئ بعث اليه عبيدالله، فاما محمد فقد علم به. فدخل القوم على ابن زياد ودخل معهم فلما طلع قال عبيدالله أتتك بخائن رجلاه وقد عرس عبيدالله اذ ذاك بام نافع ابنه عمارة بن عقبة فلما دنا من ابن زياد وعنده شريح القاضي التفت نحوه. فقال:



أريدُ حباته ويريدُ قتلى



عذيرك من خليلك من مراد



وقد كان له اول ما قدم مكرما ملطفا. فقال له هاني: وما ذاك ايها الامير؟ قال: ايه يا هاني بن عروة ما هذه الامور التي تربص في دورك لامير المؤمنين وعامة المسلمين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك وظننت ان ذلك يخفى عليّ لك، قال: ما فعلت وما مسلم عندي. قال بلى قد فعلت. قال: ما فعلت. قال: بلى. فلما كثر ذلك بينهما وابى هاني الا مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلاً ذلك العين فجاءحتى وقف بين يديه فقال تعرف هذا قال نعم.



وعلم هانئ عند ذلك انه كان عينا عليهم وانه قد اتاه باخبارهم فسقط في خلده ساعة ثم ان نفسه راجته فقال له: اسمع مني وصدق مقالتي، فوالله لا اكذبك والله الذي لا اله غيره ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيئ من امره حتى رأيتُه جالساً على بابي فسألني النزول على فاستحييت من رده ودخلني من ذلك ذمامٌ فأدخلته داري وضفته وآويته، وقد كان من امره الذي بلغك فان شيئت اعطيت الآن موثقا مغلظا وما تطمئن اليه الا ابغيك سوءً وان شيئت اعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك وانطلق اليه فآمره ان يخرج من داري إلى حيث شاءمن الارض فاخرج من ذمامه وجواره، فقال: لا والله لا تفارقني ابدا حتى تأتيني به. فقال: لا والله لا اجيئك به ابدا انا اجيئك بضيفي تقتله؟. قال: والله لتأتيني به. قال: والله لا آتيك به.



فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره فقال: اصلح الله الامير خلني واياه حتى اكلمه لما رأى لجاجته وتأبيه على ابن زياد ان يدفع اليه مسلما، فقال لهانئ: قم إلى هيهنا حتى اكلمك، فقام فخلا به ناحية من ابن زياد وهما منه على ذلك قريب حيث يراهما اذا رفعا اصواتهما سمع ما يقولان واذا خفضا خفي عليه ما يقولان.



فقال له مسلم: يا هاني اني انشدك الله ان تقتل نفسك وتدخل البلاءعلى قومك وعشيرتك فوالله اني لانفس بك عن القتل. وهو يرى ان عشيرته ستحرك في شأنه ان هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه اليه فانه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة انما تدفعه إلى السلطان، قال: بلى والله ان على في ذلك للخزي والعار أنا ادفع جارى وضيفي وأنا حي صحيح اسمع وأرى شديد الساعد كثير الاعوان والله لو لم أكن الا واحداً ليس لي ناصرٌ لم ادفعه حتى اموت دونه. فاخذ يناشده وهو يقول: والله لا ادفعه اليه ابداً. فسمع ابن زياد ذلك فقال ادنوه مني فادنوه منه، فقال: والله لتأتيني به او لاضربن عنقك، قال: اذا تكثر البارقة حول دارك، فقال: والهفا عليك ابا لبارقة تخوفني وهو يظن ان عشيرته سمنعونه فقال ابن زياد: ادنوه مني فأدنى فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب انفه وجبينه وخده حتى كسر انقه وسيل الدماءعلى ثيابه ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته حتى كسر القضيب، وضرب هاني بيده إلى قائم سيف شرطي من تلك الرجال وجابذه الرجل ومنع، فقال عبيدالله احرورى سائر اليوم احللت بنفسك قد حل لنا قتلك خذوه فالقوه في بيت من بيوت الدار واغلقوا عليه بابه واجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به. فقام اليه اسماءبن خارجة فقال: ارسل غدر سار اليوم؟ امرتنا ان نجيئك بالرجل حتى اذا جئناك به وادخلناه عليك هشمت وجهه وسيلت دمه على لحيته وزعمت انك تقتله. فقال له عبيدالله: وانك لهيهنا فأمر به فلهزو تعتع به ثم ترك فحبس. واما محمد بن الاشعث فقال:



قد رضينا بما رأى الامير لنا كان ام علينا انما الامير مؤدب.



وبلغ عمرو بن الحجاج ان هانئاً قد قتل فاقبل في مذحج حتى احاط بالقصر ومعه جمع عظيم ثم نادى أنا عمرو بن الحجاج هذه فرسان مذحج ووجوهها لم تخلع طاعة ولم نفارق جماعة. وقد بلغهم ان صاحبهم يقتل فاعظموا ذلك، فقيل لعبيدالله: هذه مذحج بالباب فقال لشريح القاضي: ادخل على صاحبهم فانظر اليه ثم اخرج فاعلمهم انه حي لم يقتل وانك قد رأيته فدخل اليه شريح فنظر اليه.



بن شريح قال سمعته يحدث اسماعيل بن طلحة قال: دخلت على هاني فلما رآني قال: يا الله يا للمسلمين اهلكت عشيرتي فأين اهل الدين واين اهل المصر تفاقدوا يخلوني وعدوهم وابن عدوهم والدماءتسيل على لحيته اذ سمع الرجة على باب القصر وخرجت واتبعني فقال يا شريح اني لا اظنها اصوات مذ حج وشيعتي من المسلمين ان دخل على عشرة نفر انقذوني. قال فخرجت اليهم ومعي حميد بن بكر الاحمري ارسله معي ابن زياد وكان من شرطه ممن يقوم على رأسه وايم الله لولا مكانه معى لكنت أبلغت اصحابه ما امرني به، فلما خرجت اليهم قلت: ان الامير لما بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم امرني بالدخول اليه فاتيته فنظرت اليه فامرني ان ألقأكم وان اعلمكم انه حي وان الذي بلغكم من قتله كان باطلا، فقال عمرو واصحابه فاما اذ لم يقتل والحمد لله ثم انصرفوا قال ابومخنف حدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشير الهمداني قال: لما ضرب عبيدالله هانئاً وحبسه خشي أن يثب الناس به فخرج فصعد المنبر ومعه اشراف الناس وشرطه وحشمه فحمدالله واثنى عليه.



ثم قال: اما بعد ايها الناس فاعتصموا بطاعة الله وطاعة ائمتكم ولا تختلفوا ولا تفرقوا فتهلكوا وتذلوا وتجفوا وتحرموا، ان اخاك من صدقك وقد اعذر من انذر قال: ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون ويقولون قد جاءابن عقيل قد جاءابن عقيل فدخل عبيدالله القصر مسرعا واغلق ابوابه قال ابومخنف حدثني يوسف بن يزيد عن عبدالله بن حازم، قال: انا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لانظر إلى ما صار امر هانئ، قال: فلما ضرب وحبس ركبت فرسى وكنت اول اهل الدار دخل على مسلم بن عقيل بالخبر واذ نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عثرتاه يا ثكلاه، فدخلت على مسلم بن عقيل بالخبر فامرني ان انادي في اصحابه وقد ملاءمنهم الدور حوله وقد بايعه ثمانية عشر الفا وفي الدور أربعة آلاف رجل فقال لي: ناديا منصور امت وناديت يا منصور امت وتنادي اهل الكوفة فاجتمعوا اليه. فعقد مسلم لعبيدالله بن عمرو بن عزير الكندي على ربع كندة وربيعة وقال: سرامامى في الخيل ثم عقد لمسلم بن عوسجة الاسدي على ربع مذحج وأسد وقال انزل في الرجال فانت عليهم وعقد لابن ثمامة الصائد على ربع تميم وهمدان وعقده لعباس ين جعدة الجدلي على ربع المدينة ثم اقبل نحو القصر فلما بلغ ابن زياد اقباله تحرز في القصر وغلق الابواب.



الجدلي قال: خرجنا مع ابن عقيل اربعة آلاف فلمابلغنا القصر الا ونحن ثلثمئة قال: واقبل مسلم يسير في الناس من مراد حتى احاط بالقصر ثم ان الناس تداعوا الينا واجتمعوا فوالله ما لبثنا الا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس والسوق وما زالوا يثوبون حتى المساء فضاق بعبيدالله ذرعه وكان كبر امره ان يتمسك بباب القصر وليس معه الا ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس واهل بيته ومواليه واقبل اشراف الناس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي دار الرومين وجعل من بالقصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون اليهم فيتقون ان يرموهم بالحجارة وان يشتموهم وهم لا يفترون على عبيدالله وعلى ابيه، ودعا عبيدالله كثير بن شهاب ابن حصين الحارثي فامره ان يخرج في من اطاعه من مذحج فيسير بالكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان، وامر محمد بن الاشعث ان يخرج في من اطاعه من كندة وحضر موت فيرفع رأيه امان لمن جاء من الناس، وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن ابحر العجلي وشمر بن ذي الجوشن العامري وحبس سائر وجوه الناس عنده استيحاشا اليهم لقلة عدد من معه من الناس، وخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل.



ألقى رجلاً من كلب يقال له، عبدالأعلى بن يزيد قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بني فتيان فاخذه حتى أدخله على ابن زياد فاخبره خبره، فقال لابن زياد انما اردتك، قال: وكنت وعدتني ذلك من نفسك، فأمر به فحبس، وخرج محمد بن الاشعث حتى وقف عند دور بنى عمارة وجاء عمارة بن صلخب الازدي وهو يريدابن عقيل عليه سلاحه، فاخذه فبعث به إلى ابن زياد لحبسه فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الاشعث من المسجد عبدالرحمن بن شريح الشبامى، فلما رآى محمد بن الاشعث كثرة من اتاه أخذ يتنحى ويتأخر وأرسل القعقاع بن شور الذهلي إلى محمد الاشعث قد حلت على ابن عقيل من العرار فتأخر عن موقفه. فأقبل حتى دخل على ابن ذياد من قبل دار الروميين، فلما اجتمع عند عبيدالله كثير بن شهاب ومحمد والقعقاع فيمن أطاعهم من قومهم فقال له كثير وكانوا مناصحين لابن زياد: اصلح الله الامير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك واهل بيتك ومواليك.



فاخرج بنا اليهم، فأبى عبيدالله، وعقد لشبث بن ربعى لواءً فاخرجه. وأقام الناس مع ابن عقيل يكبرون ويثوبون حتى المساءوأمرهم شديد فبعث عبيدالله إلى الاشراف فجمعهم اليه ثم قال: اشرفوا على الناس فمنوا اهل الطاعة الزيادة والكرامة، وخوفوا اهل المعصية الحرمان والعقوبة واعملوهم فصول الجنود من الشام اليهم.



قال ابو مخنف: حدثني سليمان بن ابي راشد عن عبدالله بن حازم الكبرى من الازد من بني كبير، قال اشرف علينا الاشراف فتكلم كثير بن اول الناس حتى كادت الشمس أن تجب فقال: ايها الناس الحقوا باهاليكم ولاتعجلوا الشر ولا تعرضوا انفسكم للقتل فان هذه جنود امير المؤمنين يزيد قد اقبلت، وقد اعطى الله الامير عهدا لئن اتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاءويفرق مقاتلتكم في مغازي اهل الشام على غير طمع وأن يأخذ البرئ بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له فيكم بقية من الله المعصية الا اذاقها وبال ماجرت ايديها وتكلم الاشراف بنحو من كلام هذا فلما سمع مقالتهم الناس اخذوا ينصرفون قال ابومخنف فحدثني المجالد بن سعيد، أن المرأة كانت تأتي ابنها او اخاها فتقول.



انصرف الناس يكفونك، ويجئ الرجل إلى ابنه او اخيه فيقول غدا يأتيك اهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به فما زالوا يتفرقون ويتصدعون حتى امسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفسا في المسجد حتى صليت المغرب فما صلى مع ابن عقيل الا ثلاثون نفسا فلما رأى انه قد امسى وليس معه الا اولئك النفر خرج متوجها نحو ابواب كندة، فلما بلغ الابواب ومعه منهم عشرة، ثم خرج من الباب واذا ليس معه انسان والتفت فاذا هو لا يحس احدا يدله على الطريق ولا يدله على منزل ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو، فمضى على وجهه يتلدد في ازقة الكوفة لا يدرى ابن يذهب حتى خرج إلى دور بنى جبلة من كندة، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة ام ولد كانت للاشعث بن قيس فاعتقها فتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالا.



وكان بلال قد خرج مع الناس وامه قائمة تنتظره، فسلم عليها ابن عقيل، فردت عليه، فقال لها: يا امة الله اسقيني ماء، فدخلت فسقته فجلس، وأدخلت الاناءثم خرجت فقالت: يا عبدالله الم تشرب؟ قال: بلى، قالت:



فاذهب إلى أهلك، فسكت، ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت، ثم قالت له: في لله سبحان الله يا عبدالله فمر إلى اهلك عافاك الله فانه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا احله لك. فقام فقال يا امة الله مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك إلى أجر ومعروف ولعلي مافئتك به بعد اليوم، فقالت يا عبدالله وما ذاك؟ قال: انا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاءالقوم وغروني قالت انت مسلم؟ قال: نعم، قالت: ادخل، فادخلته بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ولم يكن باسرع من ان جاءابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه، فقال: والله ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه ان لك لشأنا. قالت يا بني: أله عنهذا، قال لها: والله لتخبرني، قالت: أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيئ، فالح عليها فقالت: يا بني لا تحدثن احداً من الناس بما اخبرك به وأخذت عليه الايمان فحلف لها فاخبرته فاضطجع وسكت وزعموا أنه قد كان شريدا من الناس. وقال بعضهم كان يشرب مع اصحاب له، ولما طال على ابن زياد وأخذ لا يسمع لاصحاب ابن عقيل صوتا كان يسمعه قبل ذلك قال لاصحابه: اشرفوا فانظروا هل ترون منهم احدا؟


تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

خروج الحسين من مكه
قال هشام عن ابي مخنف: حدثني الصقعب بن زهير عن عمر بن عبدالرحمن ابن الحارث بن
هشام المخزومي، قال: لما قدمت كتب أهل العراق إلى الحسين وتهيأ للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه وهو بمكة، فحمدت الله واثنيت عليه ثم قلت: أما بعد فاني أتيتك يابن عم لحاجة اريد ذكرها لك نصيحة، فان كنت ترى أنك تستنصحنى والا كففت عما اريد ان اقول، فقال: قل، فوالله ما اظنك بسيئ الرأي ولا هو القبيح من الامر والفعل، قال: قلت له: انه قد بلغني أنك تريد المسير إلى العراق واني مشفق عليك من مسيرك، انك تأتي بلداً فيه عماله وامراء ومعهم بيوت الاموال، وانما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار، ولا آمن عليك ان يقاتلك من وعدك نصره ومن أنت أحب اليه ممن يقاتلك معه، فقال الحسين: جزاك الله خيرا يا ابن عم، فقد والله علمت انك مشيت بنصح وتكلمت بعقل، ومهما يقض من أمر يكن اخذت برأيك او تركته فأنت عندي احمد مشير وأنصح ناصح، قال: فانصرفت من عنده فدخلت على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام فسألني هل لقيت حسينا؟ فقلت له: نعم، قال: فما قال لك وما قلت له؟ قال، فقلت له: قلت كذا وكذا وقال كذا وكذا، فقال نصحته ورب المروة الشهباءأما ورب البنية ان الرأى لما رأيته قبله أو تركه ثم قال:

رب مستنصح يغش ويردى

وظنين بالغيب يلفي نصيحا
بن سمعان ان حسيناً لما اجمع المسير إلى الكوفة اتاه عبدالله بن عباس فقال: يابن عم انك قد ارجف الناس، انك سائر إلى العراق، فبين لي ما انت صانع؟. قال: اني قد اجمعت المسير في احد يومَيَّ هذين ان شاءالله تعالى. فقال له ابن عباس: فاني اعيذك بالله من ذلك، اخبرني رحمك الله اتسير إلى قوم قد قتلوا اميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم؟. فان كانوا قد فعلوا ذلك، فسر اليهم، وان كانوا انما دعوك اليهم واميرهم عليهم قاهر لهم، وعماله تجبى بلادهم، فانهم انما دعوك إلى الحرب والقتال ولا آمن عليك ان يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وان يستنفروا اليك فيكونوا اشد الناس عليك. فقال له حسين: واني استخير الله وانظر ما يكون؟ قال: فخرج ابن عباس من عنده واتاه ابن الزبير فحدثه ساعة، ثم قال: ما ادرى ما تركنا هؤلاءالقوم وكفنا عنهم ونحن ابناءالمهاجرين وولاة هذا الامر دونهم خبرني ما تريد ان تصنع؟ فقال الحسين: والله لقد حدثت نفسي باتيان الكوفة ولقد كتب إلى شيعتي بها واشراف اهلها واستخير الله، فقال له ابن الزبير: اما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها: قال: ثم انه خشي ان يتهمه فقال: اما انك لو اقمت بالحجاز ثم اردت هذا الامر هيهنا ما خولف عليك ان شاءالله، ثم قام فخرج من عنده. فقال الحسين: ها ان هذا ليس شيئ يؤتاه من الدنيا احب اليه من ان اخرج من الحجاز إلى العراق، وقد علم انه ليس له من الامر معي شيئ وان الناس لم يعدلوه بي، فود أني خرجت منها لتخلو له.



قال فلما كان من العشي او من الغد اتى الحسين عبدالله بن العباس فقال: يا ابن عم اني اتصبرُ ولا اصبرُ، اني اتخوفُ عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال، ان اهلَ العراق قومُ غدر فلا تقربنهم، اقم بهذا البلد فانك سيدُ اهل الحجاز، فان كان اهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب اليهم فلينفوا عدوهم ثم اقدم عليهم، فان ابيت الا ان تخرج فسر إلى اليمن، فان بها حصوناً وشعاباً وهي ارض عريضة طويلة، ولابيك بها شيعة، وانت عن الناس في عزلة، فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك، فاني ارجو ان يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية.. فقال له الحسين: يا ابن عم اني والله لاعلم انك ناصح مشفق، ولكني قد ازمعت واجمعت على المسير، فقال له ابن عباس: فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك، فوالله اني لخائف ان تقتل كما قتل عثمان ونساء وولده ينظرون اليه. ثم قال ابن عباس: لقد اقررت عين ابن الزبير يتخليتك اياه والحجاز والخروج منها وهو يوم لا ينظر اليه احد معك، والله الذي لا اله الا هو لو اعلم انك اذا اخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع على وعليك الناس اطعتنى لفعلت ذلك، قال: ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بعبد الله بن الزبير فقال: قرت عينك يا ابن الزبير ثم قال:



يالك من قنبرة بمعمر، خلالك الجو فبيضي واسفري ونقري ما شيئت ان تنقري.



هذا حسين يخرج إلى العراق وعليك بالحجاز قال ابو مخنف قال ابو جناب يحيى بن ابي حية عن عدي بن حرملة الاسدي عن عبدالله بن سليم والمذري بن المشمعل الاسديين قالا: خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة، فدخلنا يوم التروية فاذا نحن بالحسين وعبدالله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب، قالا: فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين: ان شيئت ان تقيم اقمت فوليت هذا الامر، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك. فقال له الحسين: ان ابي حدثني ان بها كبشاً يستحل حرمتها فما احب ان اكونَ انا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير: فاقم ان شيئت وتوليني انا الامر فتطاع ولا تعصَى. فقال: وما اريد هذا ايضاً. قالا: ثم انهما اخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاءالناس رائحين متوجهين إلى مني عند الظهر، قالا: فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة وقص من شعره وحل من عمرته ثم توجه نحو الكوفة وتوجهنا نحو الناس إلى منى.



قال أبومخنف عن ابي سعيد عقيصي عن بعض اصحابه قال: سمعت الحسين بن علي وهو بمكة وهو واقف مع عبدالله بن الزبير فقال له ابن الزبير: إليَّ يا ابن فاطمة.. فاصغى اليه فساره، قال: ثم التفت الينا الحسين فقال: أتدرون ما يقول ابن الزبير؟. فقلنا: لا ندري جعلنا الله فدا. فقال: قال أقم في هذا المسجد اجمع لك الناس. ثم قال الحسين: والله لأن أقتلَ خارجا منها بشبر أحبُّ إلى مَن أن أقتل داخلاً منها بشبر، وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم، ووالله ليعتدن عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت..



قال ابو مخنف: حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان قال: لما خرج الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد فقالوا له: انصرف ابن تذهب، فابى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط، ثم ان الحسين واصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويا.



ومضى الحسين (ع) على وجهه فنادوه يا حسين: الا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الامة؟ فتأول حسين قول الله عزوجل (لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وانا بريءمما تعملون). قال: ثم ان الحسين اقبل حتى مر بالتنعيم فلقى بها عيراً قد اقبل بها من اليمن بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية، وكان عامله على اليمن وعلى العير الورس والحلل ينطلق بها إلى يزيد فاخذها الحسين، فانطلق بهم قال لاصحاب الابل: لا اكرهكم من احب ان يمضيَ معنا إلى العراق اوفينا كراء وأحسنا صحبته ومن أحب ان يفارقنا من مكاننا هذا اعطيناه من الكراءعلى قدر ما قطع من الارض، قال: فمن فارقه منهم حوسب فأوفى حقه ومن مضى منهم معه اعطاه كراء وكساه.



قال أبو مخنف: عن ابي جناب عن عدى بن حرملة عن عبدالله بن سليم والمذري قالا: اقبلنا حتى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر فواقف حسيناً فقال له: اعطاك اللهُ سؤلـَك وأملـَك فيما تحب. فقال له الحسين: بيِّنْ لنا نبأَ الناس خلفك. فقال له الفرزدق: من الخبير سألتَ قلوبُ الناس معك وسيوفهم مع بني امية والقضاء ينزلُ من السماءواللهُ يفعل ُما يشاء فقال له الحسين: صدقت لله الامر واللهُ يفعلُ ما يشاءوكل يوم ربنا في شأن ان نزل القضاءبما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على اداءالشكر وان حال القضاءدون الرجاءفلم يعتد من كان الحق نيته والتقوى سريرته ثم حرك الحسين راحلته فقال: السلام عليك ثم افترقا.



قال ابو مخنف: حدثني الحارث بن كعب الوالبى عن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، قال: لما خرجنا من مكة كتب عبدالله بن جعفر بن ابي طالب إلى الحسين بن علي مع ابنيه عون ومحمد اما بعد: فاني اسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له ان يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ان هلكت اليوم طفئ نورُ الارض فانك علمُ المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فاني في اثر الكتاب والسلام. قال: وقام عبدالله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه وقال: اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الامان وتمنيه فيه البر والصلة وتوثق له في كتابك وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع فقال عمرو بن سعيد: اكتب ما شيئت وأتني به حتى اختمه فكتب عبدالله بن جعفر الكتاب ثم أتى به عمرو بن سعيد فقال له: اختمه وابعث به مع اخيك يحيى بن سعيد فانه احرى أن تطمئن نفسه اليه ويعلم انه الجد منك ففعل.



وكان عمرو بن سعيد عامل يزيد بن معاوية على مكة، قال: فلحقه يحيى وعبدالله بن جعفر ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب فقالا: اقرآناه الكتاب وجهدنا به، وكان مما اعتذر به الينا أن قال: اني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وامرت فيها بامر انا ماض له على كان اولى فقالا له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدثت احداً بها وما انا محدث بها حتى القى ربى قال: وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي.



بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي اما بعد فاني اسأل الله ان يصرفك عما يوبقك وان يهديك لما يرشدك بلغني أنك قد توجهت إلى العراق واني اعيذك بالله من الشقاق فاني اخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت اليك عبدالله بن جعفر ويحيى بن سعيد فأقبل إلى معهما فان لك عندي الامان والصلة والبر وحسن الجوار لك الله على بذلك شهيد وكفيل ومراع ووكيل والسلام عليك. قال: وكتب اليه الحسين: اما بعد فانه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عزوجل و عمل صالحا وقال: انني من المسلمين، وقد دعوت إلى الامان والبرو الصلة فخير الامان امان الله ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا امانة يوم القيامة فان كنت نويت بالكتاب صلتي وبري فجزيت خيرا في الدنيا والاخرة والسلام.


قال ابومخنف: عن هشام بن الوليد عمن شهد ذلك قال: اقبل الحسين بن علي بأهله من مكة ومحمد بن الحنفية بالمدينة قال: فبلغه خبره وهو يتوضأ في طست، فبكى حتى سمعت وكف دموعه في الطست.



قال: ولما بلغ عبيد الله اقبال الحسين من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل القادسية ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان، وما بين القادسية إلى القطقطانة والى لعلع وقال الناس هذا الحسين يريد العراق.



قال ابومخنف: وحدثني محمد بن قيس ان الحسين اقبل حتى اذا بلغ الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى اهل الكوفة وكتب معه اليهم: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى اخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم فاني احمد اليكم الله الذي لا اله الا هو، اما بعد فان كتاب مسلم بن عقيل جاءي يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله ان يحسن لنا الصنع وان يثيبكم على ذلك اعظم الاجر، وقد شخصت اليكم من مكة يوم الثلاثاءلثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فاذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا امركم وجدوا، فأني قادم عليكم في ايامي هذه ان شاءالله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكان مسلم بن عقيل قد كان كتب إلى الحسين قبل ان يقتل بسبع وعشرين ليلة: أما بعد فأن الرائد لا يكذب أهله، ان جمع أهل الكوفة معك فاقبل حين تقرءكتابي والسلام عليك. قال: فأقبل الحسين بالصبيان والنساءمعه لا يلوى على شيئ، واقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين حتى اذا انتهى إلى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيدالله بن زياد، فقال له عبيدالله: اصعد إلى القصر فسب الكذاب بن الكذاب، فصعد ثم قال: أيها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله وأنا رسوله اليكم وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه. ثم لعن عبيدالله بن زياد واباه و استغفر لعلي بن ابي طالب، قال: فأمر به عبيدالله بن زياد أن يرمى به من فوق القصر فرمى به فتقطع فمات. ثم اقبل الحسين سيراً إلى الكوفة فانتهى إلى ماءمن مياه العرب، فاذا عليه عبدالله بن مطيع العدوي وهو نازل هيهنا، فلما رأى الحسين قام اليه فقال: بأبي انت وامي يابن رسول الله، ما اقدمك؟ واحتمله فانزله. فقال له الحسين: كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلى اهل العراق يدعونني إلى انفسهم، فقال له عبدالله بن مطيع: اذكرك الله يابن رسول الله وحرمة الاسلام ان تنتهك، انشدك الله في حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله، انشدك الله في حرمة العرب، فوالله لئن طلبت ما في ايدي بنى امية ليقتلنك، ولئن قتلوك لايهابون بعدك أحدا ابدا، والله وانها لحرمة الاسلام تنتهك، وحرمة قريش وحرمة العرب، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض لبني امية. قال: فابى الا ان يمضى، قال فاقبل الحسين حتى اذا كان بالماءفوق زرود.


لما كان زمن الحجاج بن يوسف كنا في دار الحارث بن ابي ربيعة التي في التمارين التي اقطعت بعد زهير بن القين من بني عمرو بن يشكر من بجيلة وكان اهل الشام لا يدخلونها فكنا محتبين فيها، قال: فقلت للفزارى حدثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن علي قال: كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شيئ ابغض الينا من ان نسايره في منزل، فاذا سار الحسين تخلف زهير بن القين، واذا نزل الحسين تقدم زهير حتى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بدا من ان ننازله فيه، فنزل الحسين من جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا اذ اقبل رسول الحسين حتى سلم ثم دخل فقال: يا زهير بن القين ان ابا عبدالله الحسين بن علي بعثني اليك لتأتيه، قال فطرح كل انسان ما في يده حتى كائنا على رؤوسنا الطير، قال ابومخنف، فحدثنى دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين قالت: فقلت له: ايبعث اليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت، قالت: فاتاه زهير بن القين فما لبث ان جاءمستبشرا قد اسفر وجهه، قالت: فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقدم وحمل إلى الحسين، ثم قال لامرأته انت طالق، الحقى باهلك فاني لا احب ان يصيبك من سببى الاخير ثم قال لاصحابه: من احب منكم ان يتبعنى والا فانه آخر العهد، اني ساحدثكم حديثا غزونا بلنجر ففتح الله علينا واصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهلى: افرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم؟ فقلنا نعم فقال لنا: اذا ادركتم شباب آل محمد فكونوا اشد فرحا بقتالكم معهم بما اصبتم من الغنائم فاما انا فاني استودعكم الله، قال: ثم والله ما زال في اول القوم حتى قتل.



قال ابومخنف حدثني ابوجناب الكلبي عن عدى بن حرملة الاسدى عن عبدالله بن سليم والمذري بن المشمعل الاسديين قالا: لما قضينا حجنا لم يكن لناهمة الا اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه، قأقبلنا ترفل بنانا قتانا مسرعين حتى لحقناه بزورود فلما دنونا منه اذا نحن برجل من اهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين. قالا: فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى ومضينا نحوه، فقال احدنا لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا فلنسأل فان كان عنده خبر الكوفة علمناه، فمضينا حتى انتهينا اليه فقلنا: السلام عليك. قال: وعليكم السلام ورحمة الله. ثم قلنا: فمن الرجل؟ قال: اسدى. فقلنا: فنحن اسديان فمن انت؟ قال انا بكير بن المثعبة، فانتسبنا له ثم قلنا: اخبرنا عن الناس وراء قال: نعم لم اخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فرأيتهما يجران بارجلهما في السوق، قالا فاقبلنا حتى لحقنا بالحسين فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا فقلنا له: يرحمك الله ان عندناخبرا فان شيئت حدثنا علانية وان شيئت سرا قال: فنظر إلى اصحابه وقال: ما دون هؤلاءسر، فقلنا له: ارأيت الراكب الذي استقبلك غشاء امس؟ قال: نعم وقد اردت مسألته، فقلنا: قد استبرأنا لك خبره وكفيناك مسئلته، وهوابن امرئ من أسد منا ذورأى وصدق وفضل وعقل وانه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وحتى رآهما يجران في السوق بارجلهما، فقال: انا لله وانا اليه راجعون رحمة الله عليهما، فردد ذلك مرارا، فقلنا: ننشدك الله في نفسك واهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف ان تكون عليك قال فوثب عند ذلك بنو عقيل بن ابي طالب.



بن حسين وعن داود بن علي بن عبدالله بن عباس ان بني عقيل قالوا: لا والله لا نبرح حتى ندرك ثارنا او تذوق ما ذاق أخونا قال ابومخنف عن ابي جناب الكلبي عن عدي بن حرملة عن عبدالله بن سليم والمذري بن المشمعل الاسديين قالا: فنظر الينا الحسين فقال: لا خير في العيش بعد هؤلاءقالا: فعلمنا انه قد عزم له رأيه على المسير قالا: فقلنا: خار الله لك، قالا: فقال: رحمكما الله قالا: فقال له بعض اصحابه: انك والله ماأنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس اليك اسرع، قال الاسديان ثم انتظر حتى اذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه: اكثروا من الماءفاستقوا واكثروا ثم ارتحلواو ساروا حتى انتهوا إلى زبالة. قال ابومخنف: حدثني ابوعلي الانصاري عن بكر بن مصعب المزني قال: كان الحسين لا يمر باهل ماءالا اتبعوه حتى انتهى إلى زبالة سقط اليه مقتل اخيه من الرضاعة مقتل عبدالله بن بقطر وكان سرحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يدري أنه قد اصيب فتلقاه خيل الحصين بن نمير بالقادسية فسرح به إلى عبيدالله بن زياد، فقال: اصعد فوق القصر فالعن الكذاب بن الكذاب ثم انزل حتى ارى فيك رأيي قال: فصعد فلما اشرف على الناس قال: ايها الناس اني رسول الحسين ابن فاطمة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة ابن سمية الدعى، فامر به عبيدالله فالقى من فوق القصر إلى الارض فكسرت عظامه وبقي به رمق، فأتاه رجل يقال له عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه، فلما عيب ذلك عليه قال، انما اردت ان اريحه قال هشام: حدثنا ابوبكر بن عياش عمن اخبره قال: والله ما هو عبدالملك بن عمير الذي قام اليه فذبحه ولكنه قام اليه رجل جعد طوال يشبه عبدالملك بن عمير قال فاتى ذلك الخبر حسينا وهو بزبالة، فاخرج للناس كتابا فقرأ عليهم. بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فانه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبدالله بن بقطر وقد خزلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام قال: فتفرق الناس عنه تفرقا، فاخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في اصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة، وانما فعل ذلك لانه ظن انما اتبعه الاعراب؛ لانهم ظنوا انه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة اهله فكره ان يسيروا معه الا وهم يعلمون علام يقدمون، وقد علم انهم اذا بين لهم لم يصحبه الا من يريد مواساته والموت معه. قال: فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماءواكثروا ثم سار حتى مر بطن العقبة فنزل بها.



قال ابومخنف فحدثني لوذان احد بني عكرمة: ان احد عمومته سأل الحسين (ع) اين تريد؟. فحدثه، فقال له: اني انشدك الله لما انصرفت فوالله لا تقدم الا على الا سنة وحد السيوف، فان هؤلاءالذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطئوا لك الاشياءفقدمت عليهم كان ذلك رأيا. فاما على هذه الحال التي تذكرها فاني لا أرى لك ان تفعل، قال: فقال له يا عبدالله انه ليس يخفى على الرأى ما رأيت ولكن الله لا يغلب على امره ثم ارتحل منها.



مقتل الحسين عليه السلام واصحابه واعوانه وسبى اهله وعياله وأسرهن عن ابي مخنف قال: حدثني ابوجناب عن عدي بن حرملة عن عبدالله بن سليم والمذري بن المشمعل الاسديين قالا: اقبل الحسين (ع) حتى نزل شراف، فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماءفاكثروا ثم ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار، ثم ان رجلا قال: الله اكبر، فقال الحسين: الله اكبر ما كبرت؟ قال: رايت النخل. فقال له الاسديان: ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. قالا: فقال لنا الحسين: فما تريانه رأي. قلنا: نراه رأى هوادى الخيل، فقال: وأنا والله ارى ذلك. فقال الحسين: اما لنا ملجأ نلجأ اليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد، فقلنا له: بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل اليه عن يسارك، فان سبقت القوم اليه فهو كما تريد، قال: فأخذ اليه ذات اليسار، قال: وملنا معه فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادى الخيل فتبيناها وعدلنا، فلما رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا الينا كان اسنتهم اليعاسيب، وكان رأياتهم اجنحة الطير.



قال: فاستقبنا إلى ذي حسم فسبقناهم اليه، فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت، وجاءالقوم وهم الف فارس مع الحرين يزيد التميمي اليربوعي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة والحسين واصحابه معتمون متقلدو اسيافهم. فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماءورشفوا الخيل ترشيفا، فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا. فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى ارووهم واقبلوا يملئون القصاع والاتوار والطساس من الماءثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيه ثلاثا او اربعا او خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها.



قال هشام: حدثني لقيط عن علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحربن يزيد فجئت في آخر من جاءمن اصحابه، فلما رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية والراوية عندى السقاء ثم قال: يابن اخي انخ الجمل فأنخته، فقال: اشرب فجعلت كلما شربت سال الماءمن السقاء فقال الحسين: اخنث السقاء اي اعطفه، قال: فجعلت لا أدري كيف افعل، قال: فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسي. قال: وكان مجيئ الحر بن يزيد ومسيره إلى الحسين من القادسية، وذلك ان عبيدالله بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين بن نمير التميمي وكان على شرطه فامره أن ينزل القادسية وان يضع المسالح فينظم ما بين القطقطانة إلى خفان، وقدم الحربن يزيد بين يديه في هذه الالف من القادسية فيستقبل حسينا قال: فلم يزل موافقا حسينا حتى حضرت الصلوة صلوة الظهر، فامر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي ان يؤذن فاذن، فلما حضرت الاقامة خرج الحسين في ازار ورداءونعلين فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: ايها الناس انها معذرة إلى الله عز وجل واليكم، اني لم آتكم حتى اتتني كتبكم وقدمت على رسلكم ان اقدم علينا فانه ليس لنا امام لعل الله يجمعنا بك على الهدى، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم، فان تعطوني ما اطمئن اليه من عهودكم ومواثيقكم اقدم مصركم، وان لم تفعلواو كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي اقبلت منه اليكم، قال: فسكتوا عنه وقالوا للمؤذن: اقم، فاقام الصلاة، فقال الحسين (ع) للحر اتريد ان تصلي باصحابك؟ قال: لا بلى تصلى أنت ونصلي بصلاتك، قال: فصلى بهم الحسين.



ثم انه دخل واجتمع اليه اصحابه وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان به، فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع اليه جماعة من اصحابه وعاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها، فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل ثم انه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر واقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد الله واثنى عليه ثم قال: اما بعد أيها الناس فانكم ان تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت اولى بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وان انتم كرهتمونا وجعلتم حقنا وكان رأيكم غير ما اتتنى كتبكم وقدمت به على رسلكم انصرفت عنكم. فقال له الحر بن يزيد: انا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر. فقال الحسين: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم إلى، فاخرج خرجين مملوءن صحفاً فنشرها بين ايديهم، فقال الحر: فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد أمرنا اذا نحن لقيناك الا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد، فقال له الحسين: الموت ادنى اليك من ذلك. ثم قال لاصحابه: قوموا فاركبوا، فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساءم، فقال لاصحابه: انصرفوا بنا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين للحر: ثكلتك امك ما تريد؟. قال: اما والله لو غيرك من العرب يقولها لى وهو على مثل الحال التي انت عليها ما تركت ذكرامه بالثكل ان اقوله كائنا من كان، ولكن والله مالى إلى ذكر امك من سبيل الابا حسن ما يقدر عليه. فقال له الحسين: فما تريد؟ قال الحر: اريد والله ان انطلق بك إلى عبيدالله بن زياد، قال له الحسين: اذا والله لا اتبعك، فقال له الحر: اذن والله لا ادعك، فترادا القول ثلاث مرات، ولما كثرالكلام بينهما قال له الحر: اني لم اومر بقتالك وانما امرت ألا افارقك حتى أقدمك الكوفة، فاذا أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة لتكون بيني وبينك نصفاً حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية ان أردت ان تكتب اليه او إلى عبيدالله بن زياد ان شئت، فلعل الله إلى ذاك أن يأتي بامر يرزقني فيه العافية من أن ابتلى بشيئ من أمرك، قال فخذ هيهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً. ثم ان الحسين سار في اصحابه والحر يسايره.



قال ابو مخنف عن عقبة بن ابي العيزار ان الحسين خطب اصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله واثنى عليه ثم قال: ايها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رآى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله صلى اللُه عليه وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيَّرْ عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يدخله مدخله. ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، واظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيئ، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وانا احق من غير وقد أتتني كتبكم وقدمت على رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فان تممتم على بيعتكم تصيبوا رسشدكم، فانا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله نفسي مع أنفسكم وأهلى مع أهليكم، فلكم في اسوة. وان لم تفعلوا و نقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمرى ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور من اغتربكم، فحظكم اخطأتم ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فانما ينكث على نفسه، وسيغنى الله عنك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وقال عقبة بن ابي العيزار: قام حسين (ع) بذي حسم فحمد اللهَ و اثنى عليه، ثم قال: انه قد نزل من الامر قد ترون، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفـُها واستمرت جدا، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون أن الحقَّ لا يُعملُ به، وأن الباطلَ لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاءالله محقاً فإني لا أرى الموتَ الا شهادةً ولا الحياة مع الظالمين الا برماً.



قال فقام زهير بن القين البجلى فقال لاصحابه: تكلمون أم أتكلم، قالوا: لا بل تكلم فحمدالله واثنى عليه ثم قال: قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين الا ان فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الاقامة فيها، قال: فدعى الحسين له ثم قال له خيراً.



واقبل الحر يسايره وهو يقول له: يا حسين اني اذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى، فقال له الحسين: أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطبُ ان تقتلوني، ما ادري ما أقول لك، ولكن أقول كما قال أخو الاوس لابن عمه ولقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أين تذهب؟. فانك مقتول فقال:



سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى



إذا ما نوى حقاً وجاهدَ مسلما



وآسى الرجالَ الصالحين بنفسه



وفارق مثبوراًً يغش ويرغما


قال: فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه وكان يسير باصحابه في ناحية وحسين في ناحية اخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات وكان بها هجائن النعمان ترعى هنالك، فاذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه وهو يقول:



يا ناقتي لا تذعرى من زجري



وشمري قبل طلوع الفجر



بخير ركبان وخير سفر



حتى تحلى بكريم النحر



ثمت ابقاه بقاءالدهر


قال: فلما انتهوا إلى الحسين أنشده هذه الابيات، فقال: أما والله اني لارجو أن يكون خيراً ما اراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا، قال: وأقبل اليهم الحر بن يزيد فقال: ان هؤلاءالنفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن اقبل معك وأنا حابسهم أو رادهم.



فقال له الحسين: لامنعنهم مما أمنع منه نفسي، انما هؤلاءأنصاري وأعواني وقد كنت اعطيتني الا تعرض لي بشيئ حتى يأتيك كتاب من ابن زياد، فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك، قال: هم اصحابي وهم بمنزلة من جاءمعى، فان تممت على ما كان بيني وبينك والا ناجزتك، قال فكف عنهم الحر. قال ثم قال لهم الحسين: اخبروني خبر الناس وراءكم، فقال له مجمع بن عبدالله العائذي وهو أحد النفر الاربعة الذين جاءوه: اما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألبُّ واحد عليك واما سائر الناس بعد فان افئدتهم تهوي اليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال: اخبرني فهل لكم برسولي اليكم؟ قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مسهر الصيداوي، قالوا: نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك فصلى عليك وعلى ابيك ولعن ابن زياد واباه ودعا إلى نصرتك واخبرهم بقدومك، فامر به ابن زياد فألقى من طمار القصر، فترقرقت عينا حسين عليه السلام ولم يملك دمعه ثم قال: منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا الا تبديلا اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.







قال ابومخنف حدثني جميل بن مرثد من بني معن عن الطرماح بن عدي أنه دنا من الحسين فقال له: والله اني لانظر فما أرى معك أحدا، ولو لم يقاتلك الا هؤلاءالذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة اليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم ترعيناي في صعيد واحد جمعا اكثر منه، فسألت عنهم فقيل: اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين، فانشدك الله ان قدرت على الا تقدم عليهم شبرا الا فعلت، فان اردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما انت صانع، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى اجأ امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن الاسود والاحمر، والله ان دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى انزلك القرية ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى من طئ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى ياتيك طئ رجالا وركبانا ثم اقم فينا ما بدالك، فان هاجك هيج فأنازعيم لك بعشرين الف طائي يضربون بين يديك باسيافهم، والله لا يوصل اليك ابدا ومنهم عين تطرف. فقال له: جزاك الله وقومك خيرا انه قد كان بيننا وبين هؤلاءالقوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الامور في عاقبه.



فودعته وقلت له: دفع الله عنك شر الجن والانس اني قد امترت لاهلي من الكوفة ميرة ومعى نفقة لهم فآتيهم فاضع ذلك فيهم ثم اقبل اليك ان شاء الله، فان الحقك فوالله لاكونن من انصارك قال: فان كنت فاعلا فعجل رحمك الله، قال: فعلمت انه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل، قال: فلما بلغت اهلى وضعت عندهم ما يصلحهم واوصيت فأخذ اهلى يقولون: انك لتصنع مرتك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم، فأخبرتهم بما اريد. واقبلت في طريق بنى ثعل حتى اذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلنى سماعة بن بدر فنعاه إلى فرجعت. قال: ومضى الحسين عليه السلام حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فاذا هو بفسطاط مضروب



أن الحسين بن علي رضي الله عنه قال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبيدالله بن الحر الجعفى، قال: ادعوه لي، وبعث اليه فلما أتاه الرسول قال: هذا الحسين بن علي يدعوك، فقال عبيدالله بن الحر: انا لله وانا اليه راجعون، والله ما خرجت من الكوفة الا كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها، والله ما اريد أراه ولا يراني، فأتاه الرسول فأخبره، فأخذ الحسين نعليه فانتعل ثم قام فجاء حتى دخل عليه فسلم وجلس، ثم دعاه إلى الخروج معه، فأعاد اليه ابن الحر تلك المقالة، فقال: فالاتنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا الا هلك. قال: أما هذا فلا يكون ابدا ان شاءالله ثم قام الحسين (ع) من عنده حتى دخل رحله.



قال ابومخنف حدثني عبدالرحمن بن حندب عن عقبة بن سمعان قال: لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاءمن الماء ثم أمرنا بالرحى ففعلنا، قال: فلما ارتحلنا من قصر بنى مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم انتبه وهو يقول: انا لله وانا اليه راجعون والحمد لله رب العالمين. قال: ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا. قال: فأقبل اليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال: انا لله وانا اليه راجعون والحمد لله رب العالمين، يا أبت جعلت فداك مم حمدت الله واسترجعت؟ قال: يأبنى اني خفقت برأسى خفقة، فعن لي فارس على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسرى اليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا، قال له: يا أبت لا أراك الله سوءا ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي اليه مرجع العباد، قال: يا أبت اذا لا نبالى نموت محقين، فقال له: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده. قال: فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب، فأخذ يتياسر باصحابه يريد أن يفرقهم، فيأتيه الحربن يزيد فيردهم فيرده فجعل اذا ردهم إلى الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين، قال: فاذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعا ينتظرونه، فلما انتهى اليهم سلم على الحربن يزيد وأصحابه ولم يسلم على الحسين (ع) وأصحابه، فدفع إلى الحر كتابا من عبيدالله بن زياد فاذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى ويقدم عليك رسولى، فلا تنزله الا بالعراءفي غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولى أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتينى بانفاذك أمرى والسلام. قال: فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الامير عبيدالله بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه وهذا رسوله، وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره، فنظر إلى رسول عبيدالله يزيد بن زياد بن المهاصر ابوالشعثاءالكندى ثم النهدى فعن له، فقال: أمالك بن النسير البدى؟ قال: نعم وكان أحد كندة، فقال له يزيد بن زياد: ثكلتك امك ماذا جئت فيه؟ قال: وما جئت فيه اطعت امامى ووفيت ببيعتى فقال له ابوالشعثاء عصيت ربك وأطعت امامك في هلاك نفسك، كسبت العار والنار، قال الله عزوجل: وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون فهو امامك.. قال: وأخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماءولافى قرية فقالوا: دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى او هذه القرية يعنون الغاضرية او هذه الاخرى يعنون شفية، فقال: لا والله ما استطيع ذلك، هذا رجل قد بعث إلى عينا فقال له زهير بن القين: يابن رسول الله ان قتال هؤلاء اهون من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمرى ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به؟ فقال له الحسين: ما كنت لا بد أهم بالقتال، فقال له زهير بن القين: سربنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فانها حصينة وهي على شاطئ الفرات، فان منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون علينا من قتال من يجئ من بعدهم، فقال له الحسين: وأية قرية هي؟ قال: هي العقر، فقال الحسين: أللهم اني أعوذ بك من العقر، ثم نزل وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم سنة 61 ، فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في اربعة آلاف قال: وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين (ع) ان عبيدالله بن زياد بعثه على اربعة آلاف من اهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم قد خرجوا اليها وغلبوا عليها، فكتب اليه ابن زياد عهده على الرى وامره بالخروج، فخرج مُعسكِراً بالناس بحمام اعين، فلما كان من امر الحسين ما كان واقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال: سرالى الحسين فاذا فرغنا مما بيننا وبينه سرت إلى عملك، فقال له عمر بن سعد: ان رأيت رحمك الله ان تعفينى فافعل، فقال له عبيدالله: نعم على ان ترد لنا عهدنا، قال: فلما قال له ذلك قال عمر بن سعد: امهلنى اليوم حتى انظر، قال: فانصرف عمر يستشير نصحاءه فلم يكن يستشير احدا الا نهاه، قال: وجاءحمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته فقال انشدك الله يا خال ان تسير إلى الحسين فتاثم بربك وتقطع رحمك، فوالله لان تخرج من دنياك ومالك وسلطان الارض كلها لو كان لك خير لك من ان تلقى الله بدم الحسين، فقال له عمر بن سعد: فانى افعل ان شاءالله.



قال هشام: حدثنى عوانة بن الحكم عن عمار بن عبدالله بن يسار الجهنى عن ابيه قال: دخلت على عمر بن سعدوقد امر بالمسير إلى الحسين فقال: ان الامير امرنى بالمسير إلى الحسين فابيت ذلك عليه، فقلت له: اصاب الله بك، ارشدك الله احل فلا تفعل ولا تسراليه، قال: فخرجت من عنده فاتانى آت وقال: هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين قال: فأتيته فاذا هو جالس، فلما رآنى اعرض بوجهه فعرفت انه قد عزم على المسير اليه، فخرجت من عنده. قال: فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد فقال: اصلحك الله انك وليتني هذا العمل، وكتبت لى العهد وسمع به الناس، فان رأيت ان تنفذلى ذلك فافعل وابعث إلى الحسين في هذا الجيش من اشراف الكوفة من لست بأغنى ولا اجزأ عنك في الحرب منه فسمى له اناسا، فقال له ابن زياد: لا تعلمنى باشراف اهل الكوفة ولست استأمرك فيمن اريد ان ابعث، ان سرت بجندنا والا فابعث الينا بعهدنا فلما رآه قد لج قال: فاني سائر، قال: فاقبل في اربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى.



قال بعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عزرة بن قيس الاحمسى فقال: ائته فسله ما الذي جاءبه وماذا يريد؟ وكان عزرة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه ان يأتيه، قال: فعرض ذلك على الرؤساءالذين كاتبوه وكلهم ابى وكرهه، قال: وقام اليه كثير بن عبدالله الشعبى.



وكان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه شيئ، فقال: انا اذهب اليه والله لئن شيئت لافتكن به، فقال له عمر بن سعد: ما اريد ان يفتك به، ولكن ائته فسله ما الذي جاءبه؟ قال: فاقبل اليه، فلما رآه ابوثمامة الصائدى قال للحسين: اصلحك الله ابا عبدالله قد جاءك شر اهل الارض واجرأه على دم وافتكه، فقام اليه فقال: ضع سيفك، قال: لا والله ولا كرامة انما انا رسول، فان سمعتم مني ابلغتكم ما ارسلت به اليكم، وان ابيتم انصرفت عنكم فقال له: فاني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك، قال: لا والله لا تمسه، فقال له: اخبرني ما جئت به وانا ابلغه عنك ولا ادعك تدنو منه فانك فاجر، قال: فاستبا ثم انصرف إلى عمر بن سعد فاخبره الخبر. قال: فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلى فقال له: ويحك يا قرة الق حسينا فسله ما جاءبه وماذا يريد؟ قال: فاتاه قرة بن قيس، فلما رآه الحسين مقبلا قال: اتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم هذا رجل من حنظلة تميمي وهو ابن ختنا ولقد كنت اعرفه بحسن الرأى وما كنت اراه يشهد هذا المشهد قال: فجاء حتى سلم على الحسين وابلغه رسالة عمر بن سعد اليه له، فقال الحسين: كتب إلى اهل مصركم هذا ان اقدم، فاما اذكر هونى فانا انصرف عنهم. قال: ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة بن قيس انى ترجع إلى القوم الظالمين، انصر هذا الرجل الذي بآباءه ايدك الله بالكرامة، وايانا معك، فقال له قرة: ارجع إلى صاحبى بجواب رسالته وارى رأيى، قال: فانصرف إلى عمر بن سعد فاخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: انى لارجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.



قال هشام عن ابي مخنف قال: حدثني النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسى عن حسان بن فائد ابن ابي بكر العبسى، قال: أشهد ان كتاب عمر بن سعد جاءإلى عبيدالله بن زياد وانا عنده فاذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فانى حيث نزلت بالحسين بعثت اليه رسولى فسألته عما أقدمه وماذا يطلب ويسأل؟ فقال: كتب إلى اهل هذه البلاد وأتتنى رسلهم فسألونى القدوم ففعلت، فاما اذكر هونى فبدا لهم غير ما أتتنى به رسلهم فانا منصرف عنهم.



فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال:



الآن اذ علقت مخالبنا به



يرجو النجاة ولات حين مناص



قال: وكتب إلى عمر بن سعد: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغنى كتابك وفهمت ما ذكرت، فأعرض على الحسين ان يبايع ليزيد بن معاوية هووجميع اصحابه، فاذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام.



قال: فلما أتى عمر بن سعد الكتاب قال قد حسبت الا يقبل ابن زياد العافية.



الخطاب روى عنه ابو اسحاق السبيعى. قال ابوحاتم: شيخ. وقال البخاري: يعد في الكوفيين. واخرج في تفسير النساءقال عمر: الجبت السحر وهذا جاءموصولا من طريق شعبة عن ابي اسحاق عنه. اخرجه مسدد في مسنده الكبير عن يحيى القطان عن شعبة. وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. تهذيب التهذيب (ج 2 ص 251).



قال ابومخنف حدثنى سليمان بن ابي راشد عن حميد بن مسلم الازدى قال: جاء من عبيدالله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد: اما بعد فحل بين الحسين واصحابه وبين الماءولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقى الزكى المظلوم امير المؤمنين عثمان بن عثمان بن عفان، قال: فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسة مئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين واصحابه وبين الماءان يسقوامنه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال: ونازله عبدالله بن أبي حصين الازدى وعداده في بجيلة فقال: يا حسين الا تنظر إلى الماءكانه كبد السماءوالله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا.



فقال الحسين: اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له ابداً.



قال حميد بن مسلم: والله لعدته بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا اله الا هو لقد رأيته يشرب حتى بغر، ثم يقئ ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعنى نفسه.



قال: ولما اشتد على الحسين واصحابه العطش دعا العباس بن علي بن ابي طالب اخاه فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا وبعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا، واستقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملى، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي: من الرجل فجئ ما جاء بك؟ قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلايتمونا عنه، قال: فاشرب هنيئا، قال: لا والله لا اشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من اصحابه فطلعوا عليه، فقال: لا سبيل إلى سقى هؤلاء انما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء فلما دنا منه اصحابه.



قال لرجاله: املؤوا قربكم فشد الرجالة فملؤوا قربهم وثار اليهم عمرو بن الحجاج واصحابه، فحمل عليهم العباس بن علي ونافع بن هلال فكفوهم، ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا: امضوا، ووقفوا دونهم، فعطف عليهم عمرو بن الحجاج واصحابه واطردوا قليلا، ثم ان رجلا من صداء طعن من اصحاب عمرو بن الحجاج طعنه نافع بن هلال فظن انها ليست بشيئ، ثم انها انقتضت بعد ذلك فمات منها. وجاءاصحاب حسين بالقرب فادخلوها عليه.



قال ابومخنف حدثني أبوجناب عن هاني بن ثبيت الحضرمي وكان قد شهد قتل الحسين قال: بعث الحسين (ع) إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الانصارى أن القني الليل بين عسكرى وعسكرك قال: فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا، وأقبل حسين في مثل ذلك، فلما التقوا أمر حسين اصحابه ان يتنحوا عنه، وأمر عمر بن سعد اصحابه بمثل ذلك، قال فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع اصواتهما ولا كلامهما، فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع، ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره باصحابه، وتحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه ان حسينا قال لعمر بن سعد: اخرج معي إلى يزيد بن معاوية و ندع العسكرين، قال عمر: اذن تهدم داري. قال: انا ابنيها لك، قال: اذن تؤخذ ضياغي، قال: اذن اعطيك خيرا منها من مالى بالحجاز قال؟ فتكره ذلك عمر، قال: فتحدث الناس بذلك وشاع فيهم من غير ان يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علموه.



قال ابومخنف: واما ما حدثنا به المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير الازدى وغيرهما من المحدثين فهو ما عليه جماعة المحدثين قالوا: انه قال: اختاروا منى خصالا ثلاثا اما ان ارجع إلى المكان الذي اقبلت منه، واما ان اضع يدى في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بينى وبينه رأيه واما ان تسيرونى إلى اى ثغر من ثغور المسلمين شيئتم فاكون رجلا من اهله لى مالهم وعلى ما عليهم.



قال ابومخنف فاما عبدالرحمن بن جندب فحدثني عن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق ولم افارقه حتى قتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله الا وقد سمعتها، الا والله ما اعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من ان يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعونى فلا ذهب في هده الارض العريضة حتى ننظر ما يصير امر الناس.



قال ابومخنف حدثنى المجالد بن سعيد الهمداني والصقعب بن زهيرانهما كانا التقيا مرارا ثلاثا او اربعا حسين وعمر بن سعد، قال: فكتب عمر بن سعد إلى عبيدالله بن زياد: اما بعد فان الله قد اطفأ النائرة، وجمع الكلمة، واصلح امر الامة، هذا حسين قد اعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه اتى، او ان نسيره إلى اي ثغر من ثغور المسلمين شيئنا، فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، او ان يأتي يزيد امير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضى وللامة صلاح.



قال فلما قرأ عبيدالله الكتاب قال: هذا كتاب رجل ناصح لاميره مشفق على قومه نعم قد قبلت. قال: فقام اليه شمر بذي الجوشن فقال: اتقبل هذا منه؟ وقد نزل بارضك إلى جنبك، والله لان رحل من بلدك ولم يضع يده في يدك ليكونن اولى بالقوة والعز ولتكونن اولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فانها من الوهن ولكن لينزل على حكمك هو واصحابه، فان عاقبت فانت ولى العقوبة، وان غفرت كان ذلك لك، والله لقد بلغني ان حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل، فقال له ابن زياد: نعم ما رايت الراى رايك.



قال ابومخنف فحدثنى سليمان بن ابي راشد عن حميد بن مسلم قال: ثم ان عبيدالله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين واصحابه النزول على حكمى، فانفعلوا فليبعث بهم إلى سلما، وان هم ابوا فليقاتلهم، فان فعل فاسمع له واطع، وان هوابى فقاتلهم فانت امير الناس وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إلى برأسه قال ابوممخنف حدثني أبوجباب الكلبى قال: ثم كتب عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد، أما بعد فانى لم ابعثك إلى حسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتقعد له عندى شافعا، انظر فان نزل حسين واصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلى سلما، وان ابوا فازحف اليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فانهم لذلك مستحقون، فان قتل حسين فأوط الخيل صدره وظهره، فانه عاق مشاق، قاطع ظلوم، وليس دهرى في هذا أن يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول لو قد قتلته فعلت هذا به، ان أنت مضيت لامرنا فيه جزيناك جزاءالسامع المطيع وان ابيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمربن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد امرناه بأمرنا والسلام.



بن شريك العامرى قال: لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب قام هو وعبدالله بن أبي المحل وكانت عمته ام البنين ابنة حزام عند على بن ابي طالب (ع)، فولدت له العباس وعبدالله وجعفرا وعثمان، فقال عبدالله بن ابي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب: اصلح الله الاميران بني اختنا مع الحسين فان رأيت ان تكتب لهم أمانا فعلت. قال: نعم ونعمة عين، فامر كاتبه فكتب لهم امانا فبعث به عبدالله بن ابي المحل مع مولى له يقال له كزمان، فلما قدم عليهم دعاهم فقال: هذا امان بعث به خالكم، فقال له الفتية: أقرئ خالنا السلام وقل له: ان لا حاجة لنا في امانكم، امان الله خير من امان ابن سمية. قال: فاقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلما قدم به عليه فقرأ قال له عمر: مالك ويلك لاقرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به على، والله اني لاظنك انت ثنيته ان يقبل ما كتبت به اليه، أفسدت علينا امرا كنا رجونا ان يصلح، لا يستسلم والله حسين ان نفسا ابية لبين جنبيه، فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع؟، أتمضى لامر اميرك وتقتل عدوه والا فخل بيني وبين الجند والعسكر. قال: لا ولا كرامة لك، وانا اتولى ذلك. قال: فدونك وكن انت على الرجال قال: فنهض اليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم، قال: وجاءشمر حتى وقف على اصحاب الحسين فقال: اين بنواختنا؟ فخرج اليه العباس وجعفر وعثمان بنو على فقالوا له: مالك وما تريد؟ قال: انتم يا بني اختى آمنون، قال له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك لان كنت خالنا أتؤمننا وابنرسول الله لا امان له؟ قال: ثم ان عمر بن سعد نادى يا خيل الله اركبي وابشري فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلوة العصر، وحسين جالس امام بيته محتبياً بسيفه اذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت: يا أخي اما تسمع الاصوات قد اقتربت؟ قال: فرفع الحسين راسه فقال: اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام فقال لي: انك تروح الينا، قال: فلطمت اخته وجهها وقالت: يا ويلتي، فقال ليس لك الويل يا اخية، اسكتى رحمك الرحمان وقال العباس بن علي: يا اخي اتاك القوم، قال: فنهض ثم قال: يا عباس اركب بنفسى انت يا اخي حتى تلقاهم فتقول لهم: ما لكم وما بدالكم؟ وتسألهم عما جاء بهم. فأتاهم العباس فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العباس ما بدالكم وما تريدون؟ قالوا: جاءأمر الامير بأن نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه او ننازلكم، قال: فلا تعجلون حتى ارجع إلى ابي عبدالله فاعرض عليه ما ذكرتم قال: فوقفوا ثم قالوا: القه فاعلمه ذلك، ثم القنا بما يقول: قال: فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين يخبره بالخبر، ووقف اصحابه يخاطبون القوم، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلم القوم ان شيئت وان شيئت كلمتهم، فقال له زهيرءانت بدأت بهذا فكن انت تكلمهم فقال له حبيب بن مظاهر: اما والله لبئس القوم عندالله غدا قوم يقدمون عليه، قتلوا ذرية نبيه (ع) وعترته واهل بيته صلى الله عليه وآله وعباداهل هذا المصر المجتهدين بالاسحار والذاكرين الله كثيرا فقال له عزرة بن قيس: انك لتزكى نفسك ما استطعت، فقال له زهير: يا عزرة ان الله قد زكاها وهداها، فاتق الله يا عزرة فاني لك من الناصحين انشدك الله يا عزرة ان تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية، قال: يا زهير ما كنت عندنا من شيعة اهل هذا البيت انما كنت عثمانيا. قال: افلست تستدل بموقفى هذا انى منهم؟ أما والله ما كتبت اليه كتابا قط، ولا ارسلت اليه رسولا قط، ولا وعدته نصرتى قط، ولكن الطريق جمع بينى وبينه، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه منه، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت ان انصره وان اكون في حزبه وان اجعل نفسى دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله (ع).



قال: واقبل العباس بن على يركض حتى انتهى اليهم فقال: يا هؤلاءان ابا عبدالله يسألكم ان تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الامر، فان هذا امر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق، فاذا اصحبنا التقينا ان شاءالله فاما رضيناه فاتينا بالامر الذي تسألونه وتسرمونه او كرهنا فرددناه وانما اراد بذلك ان يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بامره ويوصي اهله، فلما اتاهم العباس بن علي بذلك قال عمر بن سعد: ماترى يا شمر؟ قال: ما ترى انت، أنت الامير والرأى رأيك، قال: قد أردت ان لا اكون، ثم اقبل على الناس فقال: ماذا ترون؟ فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدى: سبحان الله والله لو كانوا من الديلم ثم سالوك هذه المنزلة لكان ينبغى لك أن تجيبهم اليها. وقال قيس بن الاشعث: اجبهم إلى ما سالوك، فلعمرى ليصبحنك بالقتال غدوة. فقال والله لو اعلم ان يفعلوا ما اخرجتهم العشية، قال: وكان العباس بن على حين اتى حسينا بما عرض عليه عمر بن سعد قال: ارجع اليهم، فان استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عند العشية لعلنا نصلى لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم اني قد كنت احب الصلوة له وتلاوة كتابه كثرة الدعاءوالاستغفار.



قال ابومخنف حدثني الحارث بن حصيرة عن عبدالله بن شريك العامرى عن علي بن الحسين قال: أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل حيث يسمع الصوت فقال: انا قد اجلناكم إلى غد، فان استسلمتم سرحنا بكم إلى اميرنا عبيدالله بن زياد، وان ابيتم فلسنا تاركيكم.



قال ابومخنف وحدثنى عبدالله بن عاصم الفائشى عن الضحاك بن عبدالله المشرقى بطن من همدان ان الحسين بن علي (ع) جمع اصحابه.



قال ابومخنف: وحدثني ايضاً الحارث بن حصيرة عن عبدالله بن شريك العامرى عن على بن الحسين قالا: جمع الحسين اصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قرب المساء قال على بن الحسين: فدنوت منه لاسمع وانا مريض فسمعت ابي وهو يقول لاصحابه: اثنى على الله تبارك وتعالى احسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم اني احمدك على ان اكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا اسماعا وابصارا وافئدة ولم تجعلنا من المشركين، اما بعد فاني لا اعلم اصحابا اولى ولا خيرا من اصحابى، ولا اهل بيت ابر ولا اوصل من اهل بيتي، فجزاكم الله عنى جميعا خيرا، الا واني اظن يومنا من هؤلاء الاعداءغدا، الا واني قد رايت لكم، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم منى ذمام، هذا ليل قد غشيكم فاتخدوه جملا.



قال ابومخنف حدثنا عبدالله بن عاصم الفائشي بطن من همدان عن الصحاك بن عبدالله المشرقي قال: قدمت ومالك بن النضر الارحبي على الحسين فسلمنا عليه ثم جلسنا اليه، فرد علينا ورحب بنا وسألنا عما جئنا له؟ فقلنا: جئنا لنسلم عليك وندعو الله لك بالعافية، ونحدث بك عهدا ونخبرك خبر الناس، وانا نحدثك انهم قد جمعوا على حربك فررأيك. فقال الحسين (ع): حسبي الله ونعم الوكيل، قال: فتذممنا و سلمنا عليه ودعونا الله له، قال: فما يمنعكما من نصرتي؟ فقال مالك بن النضر: على دين ولي عيال، فقلت له: ان على دينا وان لي لعيالا ولكنك ان جعلتني في حل من الانصراف اذا لم أجد مقاتلا قاتلت عنك ما كان لك نافعا قال: قال فانت في حل، فاقمت معه فلما كان الليل قال: هذا الليل قد غشيكمفاتخذوه جملا. ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فان القوم انما يطلبوني ولو قد اصابوني لهوا عن طلب غيري. فقال له اخوته وابناءُه وبنو أخيه وابنا عبدالله بن جعفر: لم نفعل لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك ابدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي، ثم انهم تكلموا بهذا ونحوه. فقال الحسين (ع): يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم، قالوا: فما يقول الناس؟ يقولون: انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل ولكن نفديك انفسنا واموالنا واهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.



قال ابومخنف، حدثني عبدالله بن عاصم عن الضحاك بن عبدالله المشرقي قال: فقام اليه مسلم بن عوسجة الاسدي فقال: انحن نخلي عنك ولما نعذر إلى الله في اداءحقك. اما والله لا افارقك حتى اكسر في صدورهم رمحي واضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك، قال: وقال سعد بن عبدالله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله انا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله فيك، والله لو علمت اني اقتل ثم احيا ثم احرق حيا ثم اذر يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى القى حمامي دونك، فكيف الا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاءلها ابدا.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشخصيات الإسلامية“