عقيلة قريش سكينة بنت الامام الحسين عليه السلام

أضف رد جديد
محمد النفس الزكية
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1642
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
مكان: هُنــــاك

عقيلة قريش سكينة بنت الامام الحسين عليه السلام

مشاركة بواسطة محمد النفس الزكية »

بسم الله الرحمن الرحيم

عهد الي الأخ احمد المدني بوضع هذا الموضوع في جميع المنتديات التي أشارك فيها نظرا لأهميته

محمد النفس الزكية
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1642
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
مكان: هُنــــاك

مشاركة بواسطة محمد النفس الزكية »

بسم الله الرحمن الرحيم
اخواني الاعزاء خرجت علينا القنوات الفضائية العربية في شهر رمضان الماضي بمسلسل يتحدث عن شخصية الحجاج وتناول المسلسل في سابقة هي الأولى من نوعها شخصية سيدتنا سكينة بنت الامام الحسين عليهما السلام ونسب اليها امور لاتتناسب ومقامها الرفيع وهذا دفعني منذ ذلك الوقت الى البحث في هذه المسألة سواء في الكتب او في موقع الانترنت ما ارد به هذه الشبهة وقد وفقني الله الى ان اجد هذا الكتاب الذي قام الاخوة المحترمون في شبكة رافد للتنمية الثقافية مشكورين الى وضعه في المكتبة التابعة للموقع وقد احببت اخوتي الاعزاء ان اعمم الفائدة على جميع الاخوة والاخوات من محبي اهل البيت عليهم السلام وذلك ليطلعوا على هذا الكتاب المفيد الذي نحن في امس الحاجة الى مثله في زمننا.

محمد النفس الزكية
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1642
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
مكان: هُنــــاك

مشاركة بواسطة محمد النفس الزكية »

فضائل «سكينة» في سطور:
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الكتاب ليس بصدد التعرض لحياة السيدة الكريمة آمنة بنة الحسين عليهما السلام ، وإلا لكان له معها موقف آخر ، إنما الكتاب بصدد رد الشبهات المحمومة التي دسها أعداء أهل البيت عليهم السلام في تضاعيف الكتب والمؤلفات ، وفي معرض وضع النقاط على الحروف لروايات طالما تناقلها المؤرخون والكتاب بين غافل عنها ، ومتغافل يريد الوقيعة في جانب أهل البيت عليهم السلام ، كما يهيب بالأقلام المؤمنة والنزيهة الترفع عن نقل أكاذيب الأخبار وإلصاقها بأقدس البيوت وأشرفها .
فإنه لم يعرف عن البيت النبوي الطاهر ، خاصة في أولاد الأئمة الأطهار ، وبالخصوص بين النساء ، من عرف بالميوعة والتهتك والابتذال إلى الحد الذي وصفوا به ابنة الإمام الحسين عليه السلام ، السبط الشهيد ، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيد شباب أهل الجنة . ومن ينتقص من الإمام الحسين عليه السلام في ابنته ، إنما ينتقص من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه قال :«حسين مني وأنا من حسين» ، والسيدة آمنة ـ سلام الله عليها ـ هي بضعة الحسين عليه السلام ، والذي كان يحبها حبا جما ، كان عليه السلام يظهر حبه لها ولأمها الرباب ـ رضوان الله عليها .
والحسين عليه السلام معصوم ، والمعصوم لا يحب ولا يبغض إلا في الله ، والذي يحبه الإمام الحسين عليه السلام إنما هو من أحباء الله وأوليائه . فهل سمعت أذن الدنيا أن الله يحب المتخلعين المرحين الفرحين ، وتلك آياته تنهى عن المرح ، كما أنه تعالى لا يحب الفرحين .
ورد في الخبر أن الحسن المثنى بن الحسن السبط عليه السلام أتى عمه الحسين عليه السلام يخطب إحدى ابنتيه فاطمة وسكينة ، فقال له أبو عبدالله عليه السلام: «أختار لك فاطمة ، فهي أكثر شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . أما في الدين : فتقوم الليل كله ، وتصوم النهار ، وفي الجمال : تشبه الحور العين ، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل» (1) .
يالله .. يالله .. ما أعظمها من كلمة بحق هذه السيدة العظيمة المستغرقة في جميع أوقاتها في ذات الله . فالمستغرق في الله ، هو الذي راح يسبح في الفناء ونزعت نفسه إلى الغاية القصوى من القداسة ، وابنة النبوة جديرة في الفناء في الذات الإلهية ، ولم لا وهي سليلة فاطمة وعلي والحسين عليهم السلام ، وتتصل بانبوة ينبوع السماء بواسطة جدتها الزهراء عليها السلام ، بل حسبها أن يقال: ابنة الحسين السبط عليه السلام . فهي بهذا الوصف الذي وصفها به أبوها ، لم تبق في قوس اللقاء الربوبي منزعا ، حتى بلغت الغاية في الاندفاع نحو القدس الذي لا يتناهي . وبعد هذا ، فمن أين يكون لها لفتة إلى ما حولها من نواميس الحياة ؟! ومن أين يتأتي لها ـ بعد ذلك الاستغراق ـ الانعطاف إلى لوازم معاشرة الناس ، وعوارض الدنيا الفانية ؟!
لقد شغلتها الآخرة عن الاولى ، فهي بين عبادةوزهادة ، وتذكير
____________
(1) إسعاف الراغبين لمحمد بن الصبان المصري المطبوع بهامش نور الأبصار: 210 .
وتفكير ، وتسبيح وتقديس ، ونظر دائم إلى نور الملكوت ، مما لا ترى معه شيئا يدور حولها ، هذا معنى الاستغراق مع الله .
ولا شك أن ابنة النبوة قد حازت أرقى وأعلى مراتب الاستغراق ، فالإمام عليه السلام يصف حالاتها بقوله : (غالب عليها) . ومن هنا جاء حب الإمام الحسين عليه السلام الشديد لها ، وقد أخذت بمجامع قلبه ، وتركته قداستها وطهرها يزداد حنوا عليها ، حتى وصفها عليه السلام بأنها : (خيرة النساء) ، لما وقف عليها يوم الطف ، ورآها باكية نادبة ، فقال :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منك البكاء إذا الحمام دهـاني
لا تحرقي قلبـي بدمعك حسرة ما دام مني الروح في جثماني
فـإذا قتلـت فأنت أولى بالذي تأتينـه يا خيـرة النسـوان

ولاندري كيف تكون منزلة من يصفها الإمام المعصوم من السمو والعظمة ، وهو حجة الله على عباده ، بأنها من خيرة النساء ؟!
والسيدة آمنة عليها السلام علاوة على ذلك ، عاشت في كنف إمامين كان الجهال والأبعدون والمتسكعون وأهل اللهو ، فضلا عن العلماء وأصحاب النفوذ ، يهتدون بكلمة واحدة منهم ، ويصلحون بموقف بسيط ، أو إشارة عابرة ، والتاريخ شهيد على ذلك . فأخوها الإمام زين العابدين عليه السلام وسيد الساجدين ، ذلك الذي تعرف البطحاء وطأته ، والبيت يعرفه والحل والحرم ، وحسبك به مربيا وهاديا ومرشدا . وابن أخيها الإمام الباقر عليه السلام ، باقر علوم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ذلك الذي كانت علماء الدنيا وما زالت تنحني إجلالا له ، وخضوعا بما عنده من علوم الرسالة المحمدية الخالدة ، وبخوعا وتسليما له هيبة وفرقا من قوة الحجة وسطوع البرهان .
فهل يقبل منطق ، أو يرتضي لك عقل ، أن تعيش تلك السيدة الجليلة في ظلهما وفي بيوتهما ، وهي تدخل المغنين عليها وتستمع إليهم ، وتساهر الشعراء والمتخلعين حتى الصباح ؟ ماهذا الهراء والنعيق ؟! ولقد أحسن من قال : حدث العاقل بما لا يليق ، فإن صدق فلا عقل له .
فالسيدة سكينة ما فارقت المدينة منذ عادت إليها بعد واقعة كربلاء ، بل ولم تتخلف ـ بما توحي إليه الشواهد ـ عن بيت أخيها السجاد عليه السلام ، الذي كان دائم البكاء والحزن على أبيه الحسين عليه السلام ، فلا غرو أن ورثت السيدة آمنة عن أخيها الحزن السرمدي على أبيها ، خاصة وقد أدركت هي حادثة الطف الأليمة ووعتها ، فهي يومذاك قد جاوزت سن التكليف قليلا ، ومع عدم وجود خبر قطعي يركن إليه في تحديد عمرها ، فإنه يمكن الاستنتاج من بعض القرائن والشواهد التاريخية أنها كانت بين(11ـ14) عاما . ولعلنا نستطيع أن نستقرب تاريخ ولادتها بين سنتي 47و48هـ .
وبعد الإمام السجاد عليه السلام لاذت في كنف ابن أخيها الإمام الباقر عليه السلام ، فهي امرأة وحيدة تحتاج إلى من يكفلها ، خاصة مع انقطاعها إلى العبادة ، وتبتلها لله عز وجل . وتاريخ الإمامين الهمامين بين يديك ، فهل تجد فيه أن بيوتهم كانت محتشدا للشعراء ؟ ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) .
وهل تجد شيئا من هذا يتوافق مع ما زوره آل الزبير ، ونشره آل مروان ، وروج له من هو في الميل والهوى مع آل أمية ، والجميع هم أعداء الله وأعداء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعداء أهل بيته عليهم السلام ؟
فالكذاب الأشر زبيري ، والمروج البطر أموي ، وناهيك بهما من مبغضين وعدوين لدودين لأهل البيت عليهم السلام بالخصوص ، ولبني هاشم
عموما بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ولا نريد الدخول ـ هنا ـ في أبحاث تاريخية جانبية ، فتاريخ الأسرتين الأسود يشهد على سوء فعالهم ، وعدائهم للدين . لكن المهم الذي يجب أن يعرفه القارئ مسبقا ، أن رائد وضع الأحاديث والأخبار الطاعنة في أهل البيت عليهم السلام هو مصعب الزبيري ، ثم تلاه الزبير بن بكار ، بعد أن أخزتهم ابنتهم سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير ، بما شاع من ملاحمها ، ومغامراتها مع شعراء الخلاعة والمجون والمغنين ، في مجالس لهو وطرب وسكر يندى لها الجبين الحر والحيي ، ولكن من أين تخجل أوجه سكبت بلذات الفجور حياءها ؟! وبدل أن يدفنوا عارهم ، راحوا فزحزحوه إلى أشرف البيوت التي تقف في مواجهة باطلهم ، وانحرافهم عن الدين .
ووجد المدائني ، رفيق مصعب ، ومن بعده المبرد والزجاجي وأبو علي القالي في هذه الأخبار مادة جيدة لمؤلفاتهم أولا ، وليحققوا بعض أغراضهم في النيل من البيت العلوي الطاهر ثانيا ؛ لما جبلوا عليه من نزعة أموية . وأخيرا جاء أبو الفرج الإصفهاني متوجا أعمال أولئك بكتابه «الأغاني» عيبة السفاسف ، وجراب الهزال ، وجعبة الضلال ، ويكفيك قول ابن الجوزي فيه عن غيره من الأقوال الكثيرة : ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر(1) .
فهل يتصور عاقل ـ بعد هذا ـ أن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمودتهم ، وآمنة بنت الحسين عليهما السلام ـ سكينة ـ من ذوي القربى قطعا وجزما ،
____________
(1) المنتظم185:14 رقم 2658 وفيات سنة 356 .
يصدر منهم مثل هذه القبائح والمنكرات ؟! ( أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا ) .
وهكذا جازى آل الزبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عترته وذريته عليهم السلام ؟ ومن قبل ترك زعيمهم وكبيرهم خلف ابن الزبير بن العوام ، ونجعة السوء ، الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبه في الجمعة والجماعة .
وجانب آخر من حياتها يعطينا عنه خبرا ما جاء في الخبر من أن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما اختار فاطمة بنت الحسين على اختها سكينة ، كان يقال: إن امرأة تختار على سكينة لمنقطعة القرين . وقد علمت من ذي قبل قول الإمام الحسين عليه السلام في ابنته فاطمة من أنها تقوم الليل كله ، وتصوم النهار . فإذا كان هذا حال فاطمة وهي مع ذلك تصلح لرجل ، فما ظنك بأختها ، التي لا تصلح لرجل ، من حال التبتل والعبادة ؟
وبعد هذا وذاك ، فأين تكون تلك المخاريق التي ألصقوها بابنة النبوة من مقيل الحق والصدق ؟ ألا إنها أهلك من ترهات البسابس . لا جرم أنهم جاءوا بأذني عناق ، فهذه سجية القوم تجاه أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، شنشنة نعرفها من (أخزم) ، وقد ملؤوا حشفا بسوء كيلة ، وسيعلم الذين ظلموا محمدا وآل محمد أي منقلب ينقلبون ، والعاقبة لأهل التقوى .
وأخيرا وليس آخرا رواية سهل بن سعد الساعدي الصحابي الشهير ، وقد صادف دخوله الشام يوم وصول سبايا كربلاء إليها ، وصادف أن سأل سكينة عن جاجتها ، بعد أن عرفها نفسه ، وعرفها باستحفائها السؤال ، فقالت له: قل لصاحب الرأس ـ تعني رأس الحسين عليه السلام ـ أن يقدم الرأس أمامنا ، حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
مثل هذا الموقف من هذه السيدة العلوية الجليلة ، تستشعر منه مدى حرص ابنة النبوة ، وسليلة الإباء ، وغيرتها أنها لا ترضى بالنظر إليها وإلى حرم آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كبارا وصغارا . وتتجلى من ذلك الموقف الغاية التي بلغتها «سكينة» ـ سلام الله عليها ـ من العفة والطهر والقداسة ، والروح الملائكية .
أو يصدر منها ـ بعد ذلك ـ ما نقلوا من أفائك ، من كانت هذه نشأتها وسلوكها وسيرتها حتى وفاتها ؟!( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغيرما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .
والنتيجة التي نخلص إليها حول إيمان وتقوى وزهد ابنة النبوة ، وربيبة الرسالة ، وصاحبة الخلق المحمدي ، والنهج العلوي ، والشمائل الحسينة ، هي ما نجمله في النقاط التالية :
1ـ عاشت وتوفيت تحت ظلال الإيمان ، وفي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه . جوار جدها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي ظل أخيها وابن أخيها عليهما السلام .
2ـ كان غالب عليها الاستغراق مع الله تعالى .
3ـ كانت من خير نساء زمانها .
4ـ إنها من ذوي القربى الذين أوجب الله مودتهم .
5ـ إنها من أشرف وأرفع بيوت العرب ، بل الدنيا بأسرها .
6ـ إنها لم تكن تصلح لزوج لعزوفها عن الدنيا كلية .
7ـ كان الإمام الحسين عليه السلام يحبها حبا جما ، وله بها تعلق شديد ؛ لكثرة عبادتها وتبتلها لله تعالى . والمعصوم لا يحب ولا يبغض إلا في الله ، ولمن
هو مع الله في المبدأ والمنتهى .
8ـ كانت شديدة الغيرة على بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع عفافها وشدة حفاظها على حجابها .
9ـ ورثت إباء أبيها الإمام الحسين عليه السلام وشجاعته ، حيث ردت على طاغية زمانها وفرعونه يزيد بن معاوية ، واعترضت عليه ، وهي الصبية الصغيرة ، وقد عرفت أنها في أكثر التقادير كانت بنت (14) سنة .
وفي الختام نقدم جزيل شكرنا للمحقق المفضال السيد عدنان علي الحسيني حفظه الله ؛ فأنه قد بذل غاية المجهود في تحقيق وتدقيق الكتاب بما لا مزيد عليه فجزاه الله خير الجزاء .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . عباس الساويز الكاشاني
عيد الغدير1423

محمد النفس الزكية
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1642
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
مكان: هُنــــاك

مشاركة بواسطة محمد النفس الزكية »

قصة سكينة بنت الحسين عليهما السلام
قلنا : إن آل الرسول صلوات الله عليهم ، لم ينهوا معركتهم مع الكفر والظلال بقتل الحسين عليه السلام ، وسفك دماء آله الأطهار ، بل توهجت ثورتهم واشتد ضراها بعد رجوعهم من واقعة الطف الدامية ، فكان لعلي بن الحسين عليهما السلام وقع في خطبه وبياناته ، وكان لسيدات بيت النبوة زينب وأم كلثوم وفاطة بنت الحسين أثر في بيان الحقائق ، وذاكرة الأمة قد سجلت كل شيء ، ووعت كل صغيرة وكبيرة ، وارتسمت في أذهانها صور الكفاح والجهاد لهذا الجمع العلوي المقدس ، وهم يهتفون بالحق ، ويميطون الأستار عن كل ما أخفاه آل أبي سفيان من حقائق وأحداث ، كما أن الأمة تحتفظ كذلك بقداسة هؤلاء أمناء الحق ، فهم قديسون كما هم مجاهدون ، وهم مظلومون كما هم مقارعون أقوياء ، يزلزلون الأرض تحت أقدام أعدائهم بصيحات الحق التي لا تقر ، فكيف بعد ذلك يتاح لأعدائهم أن يغمزوهم ، أويطعنوا عليهم ، أويسوموهم بما تأباه قداسة الطهر ، وكرائم النبوة ؟!
لم يتح لسكينة الحسين عليهما السلام ما أتيح لآل الحسين من الظهور على ساحة أحداث كربلاء ؛ لتلهب الأجواء بالخطب والبيانات ، فإن مهمة ذلك موكول إلى الكبار من أهل هذا البيت الطاهر . فمع وجود أخيها الإمام ، وعمتها العقيلة ، وأم كلثوم ، وأختها فاطمة ، فإن سكينة كانت في عداد الهاشميات الصغيرات ، والمخدرات اللواتي لم يتحملن مهمة التبليغ بعد ، ولم تظهر إلا بعد أن حط الآل ركبهم في المدينة ، وأخذت تستذكر فيما بعد أحداث الفاجعة ؛ لتروي لنا نتفا مما علقت بها ذاكرتها من محن وأحداث .
وإذا كانت سكينة بنت الحسين عليهما السلام لم تسلط عليها أضواء أحداث الفاجعة ؛ يتعامل معها وجدان الأمة كأحد مظلومي هذا البيت الطاهر ، ولم تستطع الأمة أن تستعرض السيدة سكينة في ركب المظلومين من آل الحسين عليهم السلام ، الذين شاهدوا مصارع ذويهم الأبرار ، كما أن اسم السيدة سكينة لم تتعاطف معه الضمائر والوجدانيات بعد ، مع الذين يعدهم الناس من آل الحسين عليهم السلام المظلومين .. أمكن للدعايات الأموية ، والطعون الزبيرية ان تأخذ دورها في إدخال اسم « سكينة » ضمن مسلسل الأقاصيص ، التي تسيء الى أهل بيت الحسين الأقدس ، الذين ما فتأت الأمة تستذكر فيهم طهارة الرسالة ، وقداسة الحق العلوي ، ومن ثم تحتفظ في ذاكرتها صور المأساة التي أقدمت عليها يد البطش الأموي ، التي لم تحفظ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمته في أهل بيته المطهرين من كل دنس ، والمبرئين من كل عيب .
عمدت الدعاية الأموية إلى تدنيس سمعة أهل هذا البيت الطاهر ؛ لتقلل من عبء وزر جناياتها ، وتخفف من ثقل ما ارتكبه الأمويون في حق أهل هذا البيت ، ولتصرف الأذهان عن مظلوميتهم إلى حياة ترفهم المزعوم ، التي كانت تمثله السيدة سكينة حسب دعواهم ، وبهذا يستطيع الأمويون
التقليل من شأن أهل هذا البيت ، وحجم مظلوميتهم ، وانصراف الناس إلى التحدث بما فعلته السيدة سكينة من مجالس اللهو ، ومنادمة الشعراء ، وما قيل فيها ، وما قالته ، ليستملح ذلك السذج من الناس ، وتلقى بذلك مظلوميتهم من أذهان هؤلاء ؛ لتنصرف إلى حياة خاصة يعيشها أهل هذا البيت كما يزعمون .
ولم يكن آل الزبير بأقل مما عمده الأمويون من الإساءة إلى أهل البيت عليهم السلام ، فقد كان لآل الزبير طموح سياسي جامح ، ارتكبوا من خلاله أبشع المجازر من أجل الوصول إلى مناصب مؤقتة ، وإمارات محدودة ، كلفت الأمة فتنا ودماء وأموالا ، ثم هي لم تدم طويلا حتى قطع الله شأفتهم ، وأسكت عقيرة النفاق ، وأذهب عادية الشقاق ، وأطفأ الله نائرتهم من الجمل وما سفكوه من الدماء ، إلى مكة وما سببوه من هدم الكعبة وهتك حرمة البيت الحرام ، إلى الكوفة وما أباحوا فيها من حرم الآخذين بثأر الحسين ، والمنتقمين من أعداء الله ، وهم يجدون أن أهل البيت عليهم السلام يعدون المنافسين الأقوياء لوجودهم ، وأن أية محاولة من آل الزبير لم تعد تلقى قبولا مع وجود الشرعية المتمثلة بأئمة آل البيت عليهم السلام ، إضافة إلى ما لحقت آل الزبير سمعة الأحاديث السيئة لسكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير ، التي كانت تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة في محافل الغناء ، ومجالس الشعراء ، وهم بذلك سيفقدون من سمعتهم الشيء الكثير ، فاولوا إحالة هذه التهمة إلى عقيلة بيت الوحي سكينة بنت الحسين عليهما السلام وسيأتي مزيد تفصيل ذلك .

اسم ابنة الحسين عليه السلام آمنة وليس سكينة
على أن المتتبع لكتب الأنساب والسير ليجد شيئا أغفلته كتابات السير
التي ترجمت للسيدة آمنة بنت الحسين ونسبتها إلى سكينة ، وهي غفلة متعمدة أكدتها مشاريع الزبيريين ، ومن ورائهم مشاريع الأمويين ، حتى صار ذلك أحد المرتكزات لدى العوام ، واستشرى ذلك إلى كتابات الآخرين ، فجعلوها من المسلمات غفلة منهم ، وقلة تحقيق لديهم في هذا المضمار .
إن الاسم الحقيقي للسيدة سكينة والتي اشتهرت على الألسن ، هو آمنة بنت الحسين ، وإنما سكينة لقب لقبته به أمها الرباب ، وذلك لسكينتها وهدوء في طبعها غلب عليها ، حتى كانت السكينة صفة لها .
اختلف المؤرخون في اسماها بين آمنة وأميمة ، واتفقوا على أن «سكينة» صفة لها ، وممن ذهب إلى ذلك :
1ـ ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» :
قال : أخبرنا الحسين بن الفراء وأبو غالب وأبو عبدالله ابنا البناء قالوا : انا أبو جعفر ، انا أبو طاهر ، انا أحمد بن سليمان ، انا الزبير [ابن أخ مصعب بن الزبير] قال في تسمية ولد الحسين :
وسكينة ، واسمها آمنة ، وإنما سكينة لقب لقبتها أمها الرباب بنت امرئ القيس . وتزوج سكينة بنة الحسين عبدالله بن حسن بن علي ، أمه بنت الشليل بن عبدالله البجلي ... فقتل مع عمه الحسين بالطف قبل أن يبني بها ...(1) .
2ـ ابن تغري بردي في«النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» :
قال : واسمها آمنة وأمها الرباب(2) .
____________
(1) تاريخ دمشق ، قسم تراجم النساء : 156 ، طبع دمشق ، تحقيق سكينة الشهابي .
(2) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 1 : 276 .

3ـ ابن الجوزي في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم»
قال : سكينة بنت الحسين واسمها آمنة ، وقيل : أميمة ، وسكينة لقب عرفت به(1) .
4ـ سبط ابن الجوزي في«تذكرة الخواص» :
اسمها آمنة ، وقيل : أميمة(2) .
5ـ النديم في «الفهرست» :
كما نقله عن محمد بن السائب الكلبي النسابة ، قال محمد بن السائب الكلبي : سألني عبد الله بن حسن [بن حسن] عن اسم سكينة بنة الحسين عليه السلام فقلت : أميمة(3) ، فقال : أصبت .
قال النديم في ترجمة محمد بن السائب الكلبي :
من علماء الكوفة بالتفسير والأخبار وأيام الناس ، ويتقدم الناس بالعلم بالأنساب(4) .
____________
(1) المنتظم 7 : 175 حوادث سنة 117 هـ .
(2) تذكرة الخواص : 249 .
(3) لا نستبعد التصحيف في أميمة هنا ، وكونه في الأصل آمنة ، وذلك لما سيأتي بعد هذا من سؤال رجل لعبدالله ابن الحسن بن الحسن عن اسم سكينة ، وتخطئة عبدالله لابن الكلبي الذي كان يقول بأميمة ، كما في الشق الثاني من الرواية ، إذ كيف يصوب له أميمة هنا ، ولا يقبل منه أميمة هناك على قول نقل السائل ؟
على أننا لا نستبعد أيضا التصحيف في صدر الرواية بقوله : أمينة ، والأظهر في الأصل آمنة ، واستظهارنا هذا تؤيده الرواية الأخرى الأتية في التسلسل (11) عند نقل ما أورده صاحب الأعيان عن الأغاني من رواية ابن الكلبي ، عن أبيه ، وهي صريحة واضحة في هذا المعنى .
ثم أخيرا رواية المدائني ، عن أبي إسحاق المالكي التالية في الأغاني ، وتصحيح أبو الفرج الإصفهاني لاسم آمنة بعد الرواية مباشرة بقوله : وهذا هو الصحيح .
كل ذلك يدل صراحة أن أمية هنا مصحف عن آمنة .
وقوله : أصبت ، لآمنة لا أميمة . وإلا لزم التناقض في كلامه .
(4) الفهرست : 107 في أخبار محمد بن السائب .
6ـ أبوالفرج الإصفهاني في «الأغاني» :
قال : اسم سكينة أميمة ، وقيل : أمينة ، وقيل : آمنة ، وسكينة لقب لقبت به(1) .
وقال أيضا : وروي أن رجلا سأل عبدالله بن الحسن [بن الحسن] عن اسم سكينة ، فقال : أمينة .
فقال له : إن ابن الكلبي يقول : أميمة . فقال : سل ابن الكلبي عن أمه ، وسلني عن أمي .
ونقل عن المدائني قوله : حدثني أبو إسحاق المالكي قال : سكينة لقب ، واسمها : آمنة .
ثم أردف الإصفهاني قوله : وهذا هو الصحيح(2) .
وقال في مقاتل الطالبين : واسم سكينة أمينة ، وقيل : أميمة ، وإنما غلب عليها سكينة وليس اسمها(3) .
7ـ ابن العماد الحنبلي في « شذرات الذهب» :
قال : اسمها أميمة ، وقيل : أمينة ، وسكينة لقب(4) .
8ـ اليافعي في«مرآة الجنان» :
قال : قيل : اسمها أمينة ، وقيل : أميمة ، وهو الراجح ، وسكينة لقب لها(5) .
____________
(1) الأغاني 16: 146 .
(2) المصدر السابق : 147 .
(3) مقاتل الطالبيين : 94 .
(4) شذرات الذهب 2: 82 وفيات سنة 117 .
(5) مرآة الجنان 1: 251 .
9ـ ابن خلكان في «وفيات الأعيان» :
قال : اسمها آمنة ، وقيل : أمينة ، وقيل : أميمة ، وسكينة لقب لقبتها به أمها الرباب ... وأورد سوال عبدالله بن الحسن لمحمد بن السائب الكلبي المذكور آنفا(1) .
10ـ عمر رضا كحالة في «أعلام النساء» :
قال : واسمها آمنة أو أميمة ، وسكينة لقبها(2) .
11ـ السيد محسن الأمين العاملي في «أعيان الشيعة» :
عنونها هكذا :
أميمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب المعروفة بسكينة .
ثم نقل بعض الأقوال المتقدمة وقال :
روى في الأغاني بسنده ، عن ابن الكلبي(3) ، عن أبيه ، قال : قال لي عبدالله بن الحسن [بن الحسن] : ما اسم سكينة بنت الحسين ؟ فقلت له : سكينة ، فقال : لا ، اسمها آمنة(4)(5) .
والظاهر تعدد الحادثتين ، أحدها هذه ، ولعلها هي الأسبق زمانا ، والأخرى ما أوردناه عن النديم من أن محمد بن السائب الكلبي كان قد سأله عبدالله بن الحسن هذا عن اسم سكينة ، فقال : هي أميمة ، واستظهرنا هناك في التسلسل (5) في تعليقتنا على أميمة ، من أنها تصحيف آمنة .
____________
(1) وفيات الأعيان 1: 378 في ترجمة سكينة .
(2) أعلام النساء 2 : 202 .
(3) ابن الكلبي ينصرف إلى هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وروايته عن أبيه أي عن محمد بن السائب الكلبي ، مما يدل أن الراوي واحد مع تعداد الحادثتين ، وهو الموافق لاستظهارنا .
(4) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني 16 : 147 .
(5) أعيان الشيعة 3 : 491 .
واستظهارنا بتعدد الحادثتين ، كون رواية الأغاني هنا في صدد تصحيح ما علق بذهن محمد بن الكلبي ، وما اشتهر من لقبها بين الناس من أنها سكينة ، فصحح عبدالله اسمها بأنها آمنة .
ورواية النديم في الفهرست (1) أن عبدالله بن الحسن سأل محمد بن الكلبي عن اسم سكينة ، فلما ذكر أن اسمها آمنة صوب له ذلك وأقره عليه حينما قال : أصبت ، وكأنه في صدد تذكيره على ما صححه من قبل والتأكيد عليه بأن اسمها آمنة وليس سكينة .
وتأكيد عبدالله بن الحسن على محمد بن الكلبي له خصوصيته ، فأن ابن الكلبي كونه نسابة ، وعبدالله بن الحسن حريص على تصحيح الاسم بواسطة محمد بن الكلبي لرجوع الناس إليه .
12ـ السيد عبدالرزاق الموسوي المقرم في«سكينة بنت الحسين عليهما السلام» :
قال : وأما سكينة فقد ذكر المؤرخون أنه لقب من أمها الرباب ، وكأنه لسكونها وهدوئها ، وعليه فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف ، وهذا الرأي نسبه الصبان إلى المشهور . وأما اسمها ، فالذي اختاره ابن تغري بردي أنه آمنة(2) .
13ـ الشيخ محمد حسين الأعلمي في «تراجم أعلام النساء» :
قال : سكينة لقبها ، واسمها آمنة أو أمينة أو أميمة(3) .
14ـ المحدث الشيخ عباس القمي في «منتهى الآمال» :
قال : وكان اسم سكينة آمنة أو أميمة ، فلقبتها أمها رباب بسكينة ، فهي
____________
(1) راجع صفحة(39) لتقف على الرواية وتقارنها برواية الأغاني .
(2) سكينة بنت الحسين : 140 .
(3) تراجم أعلام النساء 2 : 200 .
عقيلة قريش ، وذات عقل ورأي صائب(1) .
هذا اتفاق أهل الأخبار والمحققين من الفريقين ، أن سكينة هو لقب آمنة أو أميمة بنت الحسين .
على أنا نرجح ما رجحه أهل التحقيق بأن اسمها آمنة بنت الحسين وميلهم إلى ذلك . بل هو الأقرب على ما في رواية أبي إسحاق المالكي ، كما نقله أبو الفرج الإصفهاني في الأغاني عن المدائني ، قال : حدثني أبو إسحاق المالكي قال : سكينة لقب ، واسمها آمنة ، ثم تصحيح الإصفهاني عقيب الرواية بقوله : وهذا هو الصحيح . وقد أشرنا إليه آنفا .
كما أن أبا الفرج نقل في موضع من الأغاني (2) : قال مصعب فيما أخبرني به الطوسي ، عن زبير ، عنه : اسمها آمنة .
وهناك رواية أخرى للمدائني ، عن أبي إسحاق المالكي ، قال : قيل لسكينة ـ واسمها آمنة ، وسكينة لقب ـ : أختك فاطمة ناسكة ، وأنت تمزحين كثيرا ؟ ... ثم جواب السيدة آمنة بأنكم : «سميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام» ، تعني آمنة بنت وهب ، أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(3) .
ومع مؤاخذاتنا على هذه الرواية ، إلا أن الذي يعنينا منها الآن هو ترجيح اسم آمنة على غيره من الأسماء .
وهذا ما حدى بالسيد محس الأمين العاملي في أعيان الشيعة(4) إلى القول بعد إيراده لهذه الرواية في أخبارها : هذا يدل على أن اسمها آمنة . رغم
____________
(1) منتهى الآمال 1 : 818 .
(2) الأغاني 16 : 146 .
(3) المصدر السابق : 149 .
(4) إعيان الشيعة 3 : 492 .
أنه عنونها باسم أميمة ، ولعل اختياره كان مسايرة لما عليه الأكثر ليس إلا .
من هنا يتأكد لنا الاسم الحقيقي للقب سكينة وهو آمنة بنت الحسين عليهما السلام ، لذا فالأمانة العلمية تدعونا إلى إثبات اسمها الصحيح ، والتعامل معه تعاملا جديا ، وذلك لغلق الطريق على الأكاذيب التي عهد إليها البعض للإساءة إلى بيت النبي الأطهر ، وتمحلات الآخرين الذين حسبوها أنها مرتكزات تاريخية ، دون أن يتكلفوا أدنى مطالب التحقيق في شأن هذه الحادثة الخطيرة ، لذا فإننا نأمل من ذوي التحقيق وأهل الإنصاف ، أن يرتكز في أذهانهم اسم آمنة بنت الحسين ، والتعامل معه تعاملا حقيقا ، والإعراض عن لقبها الذي استغله بعض أهل الأهواء ، والسذج من بسطاء العوام ، الذين لا خلاق لهم بتحقيق الوقائع ، ومعرفة الأحداث ، ومالهم بذلك إلا المطامع ، أو النعيق مع كل ناعق .
مصالح أموية ومطامع زبيرية
لم تزل الروايات التاريخية تحت مطرقة الأهواء والأغراض السياسية ، بل انجر ذلك حتى إلى رواية الحديث النبوي ، وقد أشرنا إلى ذلك بشيء من التفصيل في كتابنا «تاريخ الحديث النبوي بين سلطة النص ونص السلطة» ، ولا يزال تاريخنا مخبوءا خلف ظروف روائية أسهم في إيجادها رواة وظفتهم السياسة ؛ لإيجاد حبكات قصصيةٍ وروايات توهم الآخرين بأنها ضمن تراثنا التاريخي الإسلامي ، في حين لم تكد مدونات التاريخ تستعرض واقعة تاريخية ، أو تسبر سيرة شخصية ، إلا وتجد مشكلة الوضع تخترق الحدث ، وتحيله إلى قراءة لتوجهات سياسية ، تتحكم فيها أغراض الراوي الذي ينتسب إلى تلك الجهة المعنية ، أو تلك الرؤية المحسوبة ،
وهكذا تتدخل هذه التوجهات لتأسيس تاريخ مشوه ، أو روايات موضوعة ، أو حدث مفتعل تجيد صياغته تارة أو تضطرب أخرى ، فتبدو القضية متناقضة غير حقيقية ، بأدنى تأمل ودقة نظر .
من هنا يمكننا أن نستعرض لهذه الظاهرة نموذجين من الوضع والتزوير ، تتدخل فيها عدة توجهات سياسية معينة :
أحدها : المصالح الأموية التي ما برحت تكيد لآل علي عليهم السلام منذ عهد معاوية بن أبي سفيان .
وثانيا : المطامع الزبيرية التي ما فتئت تلاحق المجد العلوي منذ حرب الجمل ، حتى ما ارتكبه آل الزبير من تأسيس مجدهم الزائل على جماجم شيعة علي عليه السلام وأصحابه ، ولاننسى ما بذله عبدالله بن الزبير وآله من محاربة العلويين وملاحقتهم ، كنفي محمد بن الحنيفة ، أو إخراج عبدالله بن عباس ، ومثلهم من بني هاشم عن مكة ، وإعلان العداء لهم منذ قيام دولتهم يومذاك . بمعنى أن الزبيريين عرفوا بمنافستهم الشديدة لآل علي عليه السلام ، وكانوا يحسدون ما يحرزه العلويون من تقدم في كل المجالات ، والأمة تتعامل مع العلويين بأنهم يمثلون الشرعية التي لا يمكن لأحد إغفالها أو تجاوزها ، وإذا لم تدم الجهود الزبيرية في تأسيس دولتهم يومذاك ، فلا بد أن يبحثوا عن مجد يحيلهم إلى أسياد الشرعية ، وقادة الأمة . حينئذ كيف يتم ذلك وملاحم العبث تملأ الأخبار ؟ وقصص عمر بن أبي ربيعة وسكينة بنت خالد بن مصعب يتداولها الناس ، ويتغنى بها أهل المجون والغناء ، وهذه مشكلة يستشعر منها الزبيريون إحدى المعضلات التي تعرقل دعاواهم في شرعيتهم المدعاة . إلى جانب ذلك ترى الأمة قداسة آل علي عليهم السلام ، وطهارة
بيتهم النبوي الذي لم تدنسه محاولات الأعداء ، فبقي مشعا بعطائه ، شاهدة الأمة لهم بالقداسة والإيمان ، وهذا يعني أن جهود منافسيهم سوف تعرقلها هذه النظرة المقدسة الزكية لآل علي عليهم السلام .
فالأمويون عرفوا بعبث خلفائهم ، حتى صار ذلك من تشريفات البلاط الأموي ، وآل الزبير يقرأون ويشاهدون أمامهم ملاحم بطلة الغرام سكينة بنت خالد الزبيرية ، فيحالون إلى بيت عبث وغناء ، لا كما يدعون من أنهم أهل خلافة وإمرة وقيادة ، وفي مثل هذا الحال سيتاح لآل علي عليهم السلام المنافس الأقوى لآل أمية وآل الزبير من التحرك بشكل طبيعي ؛ من أجل تمثيل شرعيتهم الإلهية المتمثلة بأئمة آل البيت عليهم السلام .
إذن فعلى الأمويين والزبيريين أن يختلقوا قضية يرمون بها منافسيهم الأقوياء ، وقلنا من قبل : إن شخصية الإمام زين العابدين عليه السلام لا يمكن أن تنالها دعايات الأعداء ، وقداسة بنات علي عليهم السلام لا تدنسها محاولات الأقلام الجائرة والأهواء العابثة ، فلم يجدوا إذن إلا شخصية «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، التي لم تساهم ـ كما ذكرنا ـ في الإعلام العلوي يوم كان آل البيت يتولون مهمة التبليغ وبيان الحقائق ، وكان لصغر سنها أثر في تحجيم دورها يومذاك ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى وجدت الدعايات الزبيرية ، والإعلام الأموي ، أن لتشابه اسمي سكينة بنت خالد بن مصعب صاحبة ملاحم عمر بن أبي ربيعة واسم سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، محاولة ناجحة في الخلط والتدليس ، واختراع القصص الماجنة ، ورمي شخص «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، ووجدت هذه المحاولة نجاحها على أيدي رواة متخصصين في صياغة
الحدث ، ووضع القضية موضعا يستسيغ تناقله العامة ، ويلهج به البسطاء ، ويتعامل معه السذج تعامل المسلمات .
وبهذا احتلت روايات «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام مساحة واسعة من كتب الحكايات ، وملاحم الغزل ، ووسائل القصاصين ؛ ليحيلوا قداسة البيت العلوي إلى دناسة أموية وعبث زبيري ، ويأبى الله إلا ظهور الحقائق والإطاحة بمحاولات الشرذمة من أهل الأهواء السياسية فيحيلها ، إلى ملاحم تحكي حقيقة هؤلاء الوضاعين من الأمويين والزبيريين .


احمد المدني حرر في: Feb 27 2004, 11:20 AM



عضو جديد


المجموعة: عضو
المشاركات: 11
رقم العضوية: 526
تاريخ التسجيل: 17-September 02



الأكذوبة الأولى
سكينة ومجالسة الشعراء واستماع الغناء
النموذج الأول :
قال أبو الفرج : أخبرني علي بن صالح قال : حدثنا أبو هفان ، عن إسحاق ، عن أبي عبدالله الزبيري قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوقن إليه وتمنينه ، فقالت سكينة بنت الحسين : أنا لكن به ، فأرسلت إليه رسولا وواعدته الصورين ، وسمت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها. فوافاهن عمر على راحلته ، فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة في مسجده ، ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئا ، ثم انصرف إلى مكة من مكانه ، وقال في ذلك :

قالت سكينة والدموع ذوارف منها على الخـدين والجلباب
ليت المغيـري الذي لم أجزه فيما أطال تصيدي وطلابي
كـانت ترد لنا المنـى أيامنا إذ لا تُلام على هوى وتصابي(1)

رجال الخبر :
علي بن صالح : قال الذهبي : قال ابن الجوزي ضعفوه.
قلت [أي الذهبي] : لا أدري من هو(2).
أبوهفان : قال الذهبي : أبو هفان الشاعر حدث عن الأصمعي بخبر منكر.
قال ابن الجوزي : لا يعول عليه(3).
إذن فالخبر ساقط عن الاعتبار لضعف رواته ومجهوليتهم.
يعد هذا الخبر في صدارة أخبار سكينة المنسوب لها في مجالسة الشعراء خصوصا عمر بن أبي ربيعة ، والخبر مع غض النظر عن سقوط سنده عن الاعتبار ، فأن محاولة الوضع بادية عليه ؛ إذ افتتح الخبر بأن«نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف اجتمعن» ، ولم يتعرض الخبر إلى ذكر واحدة منهن ، واختص بذكر سكينة بنت الحسين ، وذلك دليل على أن صياغة الخبر بهذه الطريقة قصد منها التعرض للسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين ، ورتبت أحداثه لهذا الغرض ، والخبر في صدد ذكر ظرافة عمر بن أبي ربيعة ومحاولاته العبثية ، وهو ليس في صدد التعرض لسيرة أحد ، هكذا يعطي الخبر مسحة«البراءة» على ما يفتعله الوضاعون ، محاولين من خلاله الترسل لذكر وقائع أدبية صرفة ، وليس الغرض التعرض لسيرة أحد أو
____________
(1) الأغاني171 :1.
(2) ميزان الاعتدال 130 :3.
(3) المصدر السابق 540 :4.
--------------------------------------------------------------------------------
الإساءة للبيت العلوي الطاهر. وبهذا يحاول الوضاعون بعد أن أعيتهم الحيل في النيل من الشرف العلوي ، إلى ارتكاب هذه المجازفات الروائية ، التي وقع الكثير من المغفلين في التصديق بكل ما تدسه مشاريع الوضع ، واختلاق روايات من هذا القبيل ، تستهدف خصومهم وتوهم البسطاء بذلك.
على أن اجتماع هذه النسوة من الليل حتى طلوع الفجر يتنافى والحالة الاجتماعية التي تعيشها المدينة ، فالالتزامات التي تعيشها المرأة المدنية فضلا عن تعففها عما يشين سمعتها لدى الآخرين ، تختلف كثيرا عن غيرها من الأنحاء الإسلامية. فالمدينة تجد من نفسها مصدر إشعاع إسلامي للسيرة النبوية ، التي يمثلها أهلها القاطنون وقتذاك ، وهم لايزالون يعتزون بانتمائهم الإسلامي والتزامهم الديني ، كما أنها لا تزال تحتفظ بقداستها النبوية ، فضلا عما عرفته المدينة من أن القاطنين فيها بين مهاجر أو أنصاري ، والخبر لا يعد إساءة لخصوص البيت العلوي بقدر ما هو إساءة لأهل الهجرة من المهاجرين ، وأهل النصرة من الأنصار ، مما يعني أن الخبر قد سطرته أيد يهودية ، تتربص بالدين الإسلامي الذي يعيش تحت مطرقة نظام أموي مهزوز ؛ ليظهر بذلك انحلال المجتمع الإسلامي وهو قريب عهد بالنبوة ، فكيف بمجتمع ابتعد عن العهد النبوي وتطاولت عليه الدهور ، مما يعني أن لهذا المجتمع الإسلامي الذي يدعي الالتزام حياته العبثية الخاصة ، وتوجهات ترفه كذلك ، خلاف ما يدعيه المسلمون ليتقدموا بذلك على المجتمعات الأخر ، وبذلك استهدف الخبر قداسة الالتزام الإسلامي وطهارة مجتمعه.
واختيار عمر بن أبي ربيعة ليكون بطل هذه القصة له مغزاه ؛ إذ أن عمر
ابن أبي ربيعة معروف بمجونه وخلعه ، حتى نقل ابن عبد ربه في العقد الفريد قولهم : ما عصي الله بشعر ما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة(1).
ويصف ابن جريج خطورة مجونه وعبثه حتى قال : ما دخل العواتق في حجالهن شيء أضر من شعر ابن أبي ربيعة(2).
ويصف هشام بن عروة عواقب أشعار ابن أبي ربيعة وفحشها بقوله : لاترووا فتيانكم شعر عمر بن أبي ربيعة لئلا يتورطوا في الزنا تورطا(3). فكيف يستقيم هذا مع ما عرف من عفة البيت العلوي وطهارته وترفعه عن أدناس الجاهلية ؟! فتخصيص عمر بن أبي ربيعة إذن في هذه القصة يستهدف قداسة البيت العلوي وكرامته وليس غير ذلك.
تهافت الوضاع :
على أنا لو أردنا الإعراض عن مناقشة سند ودلالة هذه القصة ، فإننا نقطع بكونها موضوعة من قبل القصاصين ، الذين يستملحون كل شاذ ، ويروون كل غريب.
فالتهافت في نقل القصة إذا استقصينا مواردها ، وجدنا أنها في مصدر واحد يتهافت الكاتب في نقولاته ، مما يدل على أن القصة موضوعة ، فضلا عن كونها مكذوبة في نسبتها للسيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، وإليك تعدد القصة في كتاب «الأغاني» :
أولا : نقل أبو الفرج الإصفهاني حديث اجتماع عمر بن أبي ربيعة
____________
(1) العقد الفريد 6 : 199 .
(2) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 281 .
(3) المصدر السابق.
--------------------------------------------------------------------------------
بالنسوة ، وكانت سكينة بنت الحسين هي التي واعدته ، فقصدهن واجتمع بهن ، كما ذكرنا ذلك فيما سبق.
ثانيا : نقل أبو الفرج الإصفهاني القصة في مورد آخر قبيل القصة الأولى بـ(58) صفحة بعنوان سكينة ، وليس سكينة بنت الحسين.
فأي سكينة قصدها الراوي في قصته!
وكيف جزم أبو الفرج أن المقصود من سكينة في القصة الأولى ، هي سكينة بنت الحسين ؟!
وقد أورد الخبر هكذا :
اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن مجلسه وحديثه ، وتشوقن إليه وتمنينه ، فقالت سكينة : أنا لكن به... إلى آخر الخبر(1).
ثم أكد أبو الفرج القصة باسم «سكينة» دون نسبتها إلى الحسين عليه السلام في موضع ثالث من كتابه(2).
وهذا التعدد في تكرار الرواية يزيدنا اطمئنانا أن «سكينة» دون أن ينسبها الراوي ، هي بطلة القصة التي رواها مصعب الزبيري ، ونسبها أبو هفان الشاعر إلى سكينة بنت الحسين ، وقد ذكرنا أبو هفان وترجمة الذهبي له برواية الحديث المنكر(3).
ثالثا : ذكر أبو الفرج الإصفهاني في مورد آخر الأبيات هكذا :

يا أم طلحة أن البيـن قد أفدا قل الثواء لئن كان الرحيل غدا

__________
(1) الأغاني 1 : 113.
(2) الأغاني 2 : 369 .
(3) راجع صفحة : 50 من كتابنا هذا.

أمسى العراقي لا يدري إذا برزت من ذا تطوف بالأركان أو سجدا

ثم ذكر القصة هكذا :
ولم يزل عمر ينسب بعائشة(1) أيام الحج ويطوف حولها ويتعرض لها(2).
رابعا : على أن الأبيات التي ذكرتها القصة هي إحدى قصائد عمر بن أبي ربيعة متغزلا بزينب الجمحية ، إحدى شخصيات ملاحمه الغزلية ، وقد تكرر ذكرها مرارا في قصائده منها :

طـال من آل زينب الإعـراض للتـعدي وما بـها الإبغـاض(3)

وله كذلك :

أيهـا الكـاشح المعبر بالصـر م تزحـزح فمـا لهـا الهجران
لا مطـاع في آل زينب فارجع أو تكلـم حتـى يمل اللسـان(4)

من هنا فإن التهافت في رواية القصة والاضطراب في أبياتها يوقفنا على أمر مهم وهو :
وضع الرواية ونسبتها إلى السيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام لدواع لا تخفي على القارئ اللبيب.
خامسا : والجدير ذكره أن أبا الفرج الإصفهاني حين ذكره لقصة اجتماع عمر بن أبي ربيعة بسكينة ، ذكر أبيات القصة في موضع آخر هكذا :
____________
(1) عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وأبو الفرج الإصفهاني هنا في صدد أخبار عمر بن أبي ربيعة مع عائشة بنت طلحة. (2) الأغاني 1: 205 .
(3) المصدر السابق : 108.
(4) المصدر السابق : 109.

قالت سكـيـنـة والدموع ذوارف مـنـهـا على الخدين والجلباب
لـيـت المغـيـري الذي لم أجزه فـيـمـا أطال تصيدي وطلابي
كانـت تـرد لـنـا المنى أيامـنا إذ لا نلـام على هوى وتصابي
خبـرت ما قالـت فبـت كـأنما ترمـي الحشا بنوافـذ النشـاب
أسكيـن ما ماء الفـرات وطيبـه مني علـى ظمأ وفقـد شـراب
بألـذ منـك وان نـأيت وقـلمـا ترعـى النساء أمانة الغياب(1)

إلا أنه ذكر نص الأبيات بعينها في موضع آخر هكذا :
قالت سعيـدة والدمـوع ذوارف منها علـى الخديـن والجلبـاب
إلى أن قال :
أسعيدَ ما ماءُ الفراتِ وطيبُه مني على ظمأ وحب شرابِ (2)

وذكره للأبيات هنا في صدد ذكر سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ، والقصيدة منسوبة لهذه القصة(3) ، فكيف ركب الخبر من قصة سكينة وأبيات سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ؟!
وماذا يعني هذا الاضطراب والتهافت ؟
والطريف أن أبا الفرج نفسه يعترف بعد ذكره خبر التشبيب بسعدى ، أن المغنين غيروا لفظ سعدى إلى سكينة ، وسوف نأتي على بيانه بعيد هذا(4).
وإذا أردنا أن نحسن الظن بأبي الفرج الاصفهاني ، فترجع المشكلة إلى
____________
(1) الأغاني 1 : 172.
(2) الأغاني 17 : 162 .
(3) يأتي في صفحة 74و75 ذكر أبيات تشبيبه بسعدى ، فراجع.
(4) راجع صفحة 92 من هذا الكتاب.
يد التحريف والتصحيف ، التي تدور في فلك الأنظمة والحكام ، الذين حاولوا فرض حالات العبث والتزييف في التراث الإسلامي ، فضلا عن التراث الأدبي ، الذي حاولوا تسخيره لتوجهاتهم ، دون أن تسلم مجالات الترويح الأدبي البريء ، الذي يستثمره القارئ دون أن تدخله القراءات الحاكمة ضمن دوائرها السياسية المقيتة.
النموذج الثاني :
أبو الفرج الاصفهاني ، أخبرني الحسن بن علي قال : حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال : أخبرني عيسى بن إسماعيل ، عن محمد بن سلام ، عن جرير المديني ، عن المدائني.
وأخبرني به محمد بن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن محمد بن سلام.
وأخبرني به أحمد بن عبدالعزيز الجوهري ، عن عمر بن شبة موقوفا عليه ، قالوا :
اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، جرير والفرزدق وكثير وجميل ونصيب ، فمكثوا أياما ، ثم أذنت لهم فدخلوا عليها ، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم ، ثم أخرجت وصيفة لها وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث ، فقالت : أيكم الفرزدق ؟ فقال لها : ها أنذا ، فقالت : أنت القائل :
همـا دلتانـي مـن ثمانيـن قامـة كما انحط باز أقثم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا أحـي فيرجى أم قتيل نحـاذره
فقلت ارفعوا الأمـراس لا يشعروا بنا وأقبلت فـي اعجـاز ليل أبادره
أبـادر بـوابيـن قـد وكـلا بنـا وأحمر من ساج تبص مسامره
فقال : نعم ، فقالت : فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك ؟ هلا سترتها وسترت نفسك ؟ خذ هذه الألف ، والحق بأهلك(1).
وفي رواية أخرى لأبي الفرج عن أبي الزناد : أن الفرزدق لما قال ها أنذا ، قالت : أنت الذي تقول :
أبيت أمني النفس أن سوف نلتقـي وهـل هو مقدور لنفسي لقاؤها
فـإن ألقها أو يجمع الدهـر بيننا ففيها شفاء النفس منها وداؤها

فقال : نعم ، قالت : قولك أحسن من منظرك ، وأنت القائل :
ودعتنـي بـإشـارة وتـحيـة وتركتنـي بين الديـار قتيـلا
لم أستطـع رد الجواب عليـهم عنـد الوداع وما شفين غليـلا
لـو كنت أملكهم إذا لم يبرحـوا حتـى أودع قلبـي المخبـولا
هال : نعم ، قالت : أحسنت أحسن الله إليك ، وأنت القائل :
همـا دلتاني مـن ثمانين قامـة كما انقض باز أقثم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا أحـي فيـرجـى أم قتيـل نحـاذره
فقلت ارفعوا الأسباب لا يشعروا بنا ووليـت فـي أعجاز ليـل أبـادره
أحـاذر بوابـين قد وكـلا بها وأحمر من ساج تبص مسامره
فأصبحت في القوم العقود وأصبحت مغلـقة دونـي علـيـها دسـاكره
قال : نعم ، قالت : سوأة لك فشيت السر ، فضرب بيده على جبهته وقال : نعم ، فسوأة لي.
ثم دخلت الجارية على مولاتها وخرجت وقالت : أيكم جرير ؟ فقال :
____________
(1) الأغاني 16 : 169 و170.
ها أنذا ، قالت : أنت القائل :
رزقنا به الصيد الغزير ولم تكن كمن نبله محرومة وحبائله(1)
فهيهات هيهات العقـيق ومن به وهيهات حي بالعقيق نواصله
قال : نعم ، قالت : أحسن الله إليك ، وأنت القائل :

كأن عيون المجلتـين تعرضت وشمسا تجلى يوم دحين سحابها
إذا ذكرت للقلب كاد لذكرها يطير إليها واعتراه عذابها
قال : نعم ، قالت : أحسنت ، وأنت القائل :
سرت الهموم فبتن غير نيام وأخو الهموم يروم كل مرام
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيـارة فارجعي بسـلام
لو كان عهدك كالذي حدثتـني لوصلت ذاك فكان غير لمام
تجري السواك على أغر كأنه برد تحدر من متـون غمـام

قال : نعم ، قالت : سوأة لك جعلتها صائدة القلوب حتى إذا أناخت ببابك جعلت دونها حجابها ، ألا قلت :
طرقت صائدة القلوب فمرحبا نفسي فداؤك فادخـلي بسلام

قال : نعم ، فسوأة لي ، قالت : فخذ هذه الألف دينار والحق بأهلك.
ودخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم كثير عزة ؟ فقال : هاأنذا ، فقالت : أنت القائل :
وأعـجـبـني يا عز منك خلائق حـسـان إذ عـد الـخـلائق أربع
دنوك حتى يطمع الصب في الصبا وقطعك أسباب الصـبا حيث تقطع
فوالله ما يـدري كـريـم مطلته أيـشـتر إن قـاضـاك أم يتضرع

____________
(1) الأبيات وما بعدها أوردها عن الأغاني السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 5 : 345 .

قال : نعم ، قالت : أعطاك الله مناك ، وأنت القائل :

هنـيـئا مريئا غيـر داء مخامر لـعـزة من أعراضنا ما استحلت
فما أنـا بالداعي لعزة في الورى ولا شـامـت إن فعل عزة زلتِ
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة و رجل رمى فيها الـزمان فشلتِ

قال : نعم ، قالت : أحسن الله إليك ، وفي رواية قالت : كثير أنت القائل :

يـقر بعيني مـا يـقر بعينها وأحسن شيء ما به العين قرت

قال : نعم ، قالت : أفسدت الحب بهذا التعريض ، خذ ألف دينار وانصرف.
ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم نصيب ؟ فقال : هاأنذا ، قالت : أنت القائل :

ولـولا أن يقـال صبا نصيب لقلت بنفسـي النشأ الصـغار
ألا ياليــتـني قامـرت عنها وكان يحل للـناس القـمـار
فصارت في يدي وقمرت مالي وذاك الربـح لو عـلم التجار
على الاعـراض منها والتواني فإن وعدت فموعـدها ضمار
قال : نعم ، قالت : والله إن إحداهن لتقوم من نومتها فما تحسن أن تتوضأ فلا حاجة لنا في شعرك.
وفي رواية تذكرة الخواص(1) أنها قالت لنصيل : أنت القائل :
من عاشقين تواعدا وتراسلا حتى إذا نجـم الثـريا حلقا
بـاتا بأنـعم ليـلة وألذهـا حتى إذا وضح الصباح تفرقا

قال : نعم ، قالت : وهل في الحب تدانٍ ، خذ هذه ألف دينار وانصرف.
ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم جميل ؟ قال : هاأنذا ،
____________
(1) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي :279.

قالت : أنت القائل :
لـقـد ذرفت عيني وطال سفوحها وأصـبـح من نفسي سقيما صحيحها
ألا ليـتنا كنـا جميـعا وأنت نمت يجاور في المـوتى ضريحي ضريحها
أظـل نـهاري مسـتهاما ويـلتقي مع الليل روحي في المـنام وروحـها

إلى آخر الأبيات والقصة(1).
رجال الخبر :
محمد بن القاسم بن مهرويه : مهمل لم تتعرض له كتب الرجال ، غير معروف.
عيسى بن إسماعيل : كذلك مهمل أهملته كتب الرجال ، لا يعرف.
محمد بن سلام : قال ابن حجر : لا يكتب حديثه(2). جرير المديني : لا يعرف ، مهمل ، تركته كتب الرجال.
محمد بن أبي الأزهر : غير معروف.
فالخبر ساقط لمجهولية بعض رواته ، وضعف غيرهم.
وأنت ترى ما للخبر من تكلف زائد وتهويلات مصطنعة ، تصاغ للحط من كرامة السيدة سكينة عليهما السلام ، فاجتماع الشعراء على بابها يعطي صبغة عبثية تمارسها هذه السيدة الكريمة في حياتها الخاصة ، وكأنها لا ترتبط بنواميس دينية ، أو مقدسات اجتماعية تأبى هذه الحياة العبثية ، أو كأنها غير مرتبطة بأسرة أو زوج يأنف من هذه الحياة التي تمارسها زوجته ابنتهم ، وآية أسرة هي تلك التي كانت لها سيادة قريش ، وسلطنة الشرف والكرامة ،
___________
(1) والقصة والأشعار أوردها أبو الفرج في الأغاني 6 : 169 ـ 172 بنحو آخر.
(2) لسان الميزان 3 : 542 .
فكيف تسمح نفوسهم أن تخدش غيرتهم وكرامتهم بهذه القضايا ؟!
أضف إلى أن اجتماع الفرزدق وجرير غير ممكن في ظروف الهجاء والتفاخر الذي شاع بينهما ، فالنفرة التي كانت بين الشاعرين تأبى التوفيق بينهما على باب واحدة يستعطفون رضا أحد ، وقد عرف ذلك الوقوف على باب خليفة أو وال يغدق بعطاء الشعراء ، ويستريح على تزاحم المادحين ، ويأنس لاجتماع المغنين ، وهو ديدن الامويين ومنهج الزبيريين ، ولم يعرف من آل علي عليه السلام هذا.
وإذا أراد هؤلاء الوضاعون دفع هذه الوصمة عن أسيادهم إلى الهاشميين من آل علي عليه السلام ، فإن الواقع يظهر لهم خلاف ذلك ، وأعطيات خلفاء بني أمية وبني العباس وغيرهم مشهورة ، وتسول الشعراء لمديحهم أشهر من أن تذكر له شواهد.
قال جرجي زيدان وهو يتحدث عن ملوك بني أمية : واقتضت سياستهم تألف الشعراء بالمال ، فضلا عن اضطرار الشعراء وغيرهم إلى استرضائهم خوفا من قطع العطاء عنهم ، والعطاء يومئذ رواتب الجند وسائر المسلمين ، وكان المسلمون في صدر الإسلام كلهم جندا ، ولكل منهم راتب يتناوله من بيت المال على شروط مذكورة في الديوان ، فمن قبض على بيت المال قبض على رقاب الرعية ، ويجدر بهم أن يتقربوا منه ويتزلفوا إليه ، فإذا كان القابض عليه حكيما يعرف كيف يعطي ولمن يعطي ، أغناه ذلك عن سائر الأسباب ، فيزيد العطاء أو ينقصه أو يقطعه على حسب الاقتضاء.
كذلك كان يفعل الدهاة من بني أمية وقدوتهم معاوية بن أبي سفيان ، أكبر دهاة العرب.. فلم يكن الشعراء يرون بدا من استرضاء بني أمية خوفا
من قطع أعطيتهم ، فضلا عما يرجونه من الجوائز إذا أحسنوا إرضاءهم(1).
هذا هو ديدن بني أمية وأمثالهم ، وإذا أرادوا أن يدفعوا وصمة العطاء لموارد العبث والمجون من بيت المال وهو حال الخلفاء ، فإن آل علي عليه السلام لم يعرفوا بذلك ، بل كان عطاؤهم لله تعالى غير متجاوزين على غيرهم ، ويرون أن التعدي في صرف الأموال في غير حقها خيانة للمسلمين ، لذا وجد أعداؤهم أن يلصقوا بهم هذه التهمة للتخفيف عما ارتكبه أسيادهم ، الذين عاثوا في أموال المسلمين ، ومنعوا خيارهم ووصلوا فساقهم ، وقد عرف عن آل علي عليه السلام ورعهم في الأموال ، وزهدهم ومحاسبتهم في الأعطيات إلا لله تعالى.
النموذج الثالث :
روى أبو الفرج ، عن حماد ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله الزبيري قال : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب ورواية الأحوص فافتخر كل واحد منهم بصاحبه ، وقال : صاحبي أشعر فحكموا سكينة بنت الحسين(2).
والخبر كسابقه ، إلا أنهم استبدلوا الشعراء برواتهم ، وهو أضعف من غيره كما ترى.
النموذج الرابع :
قال الزبير : وحدثني عمي ، عن الماجشون قال :
قالت سكينة لعائشة بنت طلحة : أنا أجمل منك ، وقالت عائشة : بل أنا ،
____________
(1) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 229 .
(2) الأغاني 16 : 173 .

فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة ، فقال : لأقضين بينكما ، أما أنت يا سكينة فأملح منها ، وأما أنت ياعائشة فأجمل منها(1).
رجال الخبر :
الزبير بن بكار : قال ابن أبي حاتم : رأيته ولم أكتب عنه ، وقال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء : كان منكر الحديث .
ثم ذكر ان سبب تضعيفه هو روايته عن الضعفاء ، مثل محمد بن حسن بن زبالة ، وعمرو بن ابي بكر المؤملي ، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة(2).
مصعب الزبيري عم الزبير بن بكار : الذي حدثه بالخبر.
نود التنويه إلى أن مصعب الزبيري هذا أساس روايات قصة سكينة بنت الحسين ، والتي أخذها منه أبو الفرج الإصفهاني المرواني ، وقد ضعفه أهل الجرح ولم يقروا له بوثاقة ، بل اتفقوا على ضعفه ، لذا فإن روايات سكينة مقطوعة الضعف لما أوردها مصعب الزبيري الضعيف المطعون بوثاقته ، وهذه جملة أقوالهم فيه :
قال النديم في الفهرست : [كان] راوية ، أديبا ، محدثا ، وهو عم الزبير ابن بكار ، وكان أبوه عبدالله من أشرار الناس ، متحاملا على ولد علي عليهم السلام ، وخبره مع يحيى بن عبدالله معروف(3).
قال عنه في تقريب التهذيب : لين الحديث(4). وتوقف فيه مالك بن
____________
(1) الأغاني 16 : 159 .
(2) تهذيب التهذيب 3 : 269 .
(3) تهذيب التهذيب 11 : 34 .
(4) تقريب التهذيب 1 : 533 .

أنس كما عن المغني في الضعفاء(1).
وفي تهذيب الكمال : قال أبو حاتم : مصعب الزبيري لا يحمدونه وليس بقوي ، وقال محمد بن سعد : كان قليل الحديث ، وقال النسائي فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث ، وقال في موضع آخر : في حديثه شيء ، وروى له الجماعة سوى البخاري(2).
وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير قال في مصعب الزبيري : وكان عالما فقيها ، إلا أنه كان منحرفا عن علي عليه السلام (3).
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عبدالله بن أحمد ، عن أبيه : أراه ضعيف الحديث ، لم أرَ الناس يحمدون حديثه. وقال عثمان الدارمي ، عن ابن معين : ضعيف. وقال معاوية بن صالح ، عن ابن معين : ليس بشيء . وقال النسائي : مصعب ليس بالقوي في الحديث. وقال ابن حبان في الضعفاء : تفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلما كثر ذلك فيه استحق مجانبة حديثه. وقال ابن سعد : كان كثير الحديث يستضعف. وقال الدار قطني : مدني ليس بالقوي(4).
وقد ورث مصعب تحامله وعداءه لآل علي عليه السلام من أبيه ، فأخذ يضع من الأخبار ما يحط به كرامة آل علي وقداستهم.
الماجشون : قال ابن حجر : الماجشون ، يعقوب بن أبي سلمة التميمي ، مولى آل المنكدر أبو يوسف المدني ، قال مصعب الزبيري : إنما
____________
(1) المغني في الضعفاء 2 : 660 .
(2) تهذيب الكمال 28 : 36 .
(3) الكامل في التاريخ 5 : 288 حوادث سنة 236.
(4) تهذيب التهذيب 10 : 159 .
سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان ، وكان يجالس عروة ابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز في إمرته ، وكان عمر يأنس إليه ، فلما استخلف عمر قدم عليه فقال له : إنا تركناك حين تركنا لبس الخز ، فانصرف عنه(1).
فالماجشون إذن صاحب لهو ومجون ، فكيف يؤخذ بخبره لا سيما هو صنيعة زبيرية وأموية ؟! فاحتفاء عروة بن الزبير ومصاحبته له ، أو مجالسته لعمر بن عبد العزيز الأموي أيام إمارته ، يغني عن حاله في الضعف واللامبالاة وعدم التحرج ، وهو يجاري توجهات بني أمية وآل الزبير في الحط من كرامة آل علي صلوات الله عليهم.
فالخبر ضعيف برجاله.
على أن الخبر يتنافى والمسلمات الشرعية التي نهت الشرعية عن الإتيان بها ومزاولتها ، كتعرض المرأة إلى الأجنبي وكشف وجهها وبيان محاسنها.
حرمة نظر الأجنبي للأجنبية في الشريعة الإسلامية
نهى الإسلام عن النظر إلى الأجنبية ، وكذلك نظرها إلى الأجنبي ، وذلك لقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) وقد فسرت الآية بأن الزينة هي مواضع الزينة ، فالآية تحث على وجوب الستر وعدم إبداء مواضع الزينة ، واحتج قوم بالإجماع ، وقد عرفت حاله ، فإن المنقول غير حجة ، والمحصل غير حاصل.
واستدل بوجوب غض النظر بما رواه سعد الإسكاف في معتبرته عن
____________
(1) تهذيب التهذيب 11 : 340 .

أبي جعفر عليه السلام قال : « استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال : والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأخبرنه ، فأتاه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما هذا ؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ) (1) »(2).
فمورد نزول الآية هو النظر إلى المرأة ، وإطلاقها موجب إلى حرمة مورد النظر ، وإن ذهب بعضهم إلى أنّها خصّصت بالنظر الاستمتاعي بقرينة مورد النزول ، فإن الشاب الأنصاري كان نظره إلى المرأة بتلذذ ، إلا أن المورد لا يخصص الوارد كما هو معلوم.
نعم ، في رواية أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال :
استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : « قوما فادخلا البيت» ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال : «إن لم يركما فانكما تريانه» (3).
وغير ذلك من الأخبار ، والملازمة تدل على ثبوت الحكم في الرجل كما تدل على ثبوته في المرأة كذلك. كما أن إرادة الشارع في الغض عن النظر عدم الوقوع في الافتتان المقتضي للإتيان بالزنا ونحوه ، لذا شدد على عدم جواز النظر العمدي مع الريبة.
من هنا أمكن دفع هذا الخبر المنافي لقواعد حرمة النظر إلى الأجنبية ،
____________
(1) النور 24 : 30 .
(2) الوسائل 20 : 192 ، ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ، ح 4.
(3) الوسائل 20 : 232 ، ب 129 من أبواب مقدمات النكاح ، ح1.
ومحادثتها بريبة ، فكيف بالسيدة « آمنة» سكينة بنت الحسين التي تربت في حجور العفة والورع والتقوى ، على أن تحكيم عمر بن أبي ربيعة «الخليع» والمشهور بالعبث في أيتها أجمل ، يتنافى وأحكام الشريعة ، فضلا عن سيرة المسلمين ، وأعراف المجتمع المدني وقتذاك.
رمتني بدائها وانسلت
وإذا أوعزنا أسباب هذه القصص التي وضعت في حق سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، لوجدنا أن دوافعها سياسية صرفة كما قدمنا. فإن بني أمية بحثوا عن كل أمر يشين آل علي عليه السلام فلم يجدوا ، فانحازوا إلى أسلوب الشتم والسب ، فسبوا عليا على منابرهم ثمانين عاما ، وحرصوا على إظهار معائبه فلم يجدوا لذلك سبيلا ، فألصقوا تهمهم في قصص يستملحها العامة ويجعلوها من المسلمات ، ليقابلوا بذلك ما اشتهر عنهم من العبث والمجون ومنادمة المغنين ، وما عرف عن نسائهم في ارتكاب هذا المحذور ، من مجالسة الشعراء ، والاستماع إلى المغنين ، وما اشتهر عن الشعراء كذلك في التشبيب بالنساء الأمويات المتهتكات ، وسنذكر شواهد ذلك.
ومن جهة أخرى احتدم الصراع بين الزبيرين وبين منافسيهم من العلويين ، وعرف العلويون بقداستهم ، فضلا عن مشروعية خلافتهم الإلهية ، التي تحاصر كل مدع لها ، ولا يزال معارضوهم يضيقون ذرعا بذلك. فوجدوا أن محاولة التخفيف من قداسة البيت العلوي لدى الأمة ، هو أيسر السبل في اقتناص فرص النصر الزبيري المزعوم ، فضلا عما يعانيه تاريخهم من العبث ، ومنادمة الشعراء ، ومجالسة المغنين ، وما اشتهر من أمر
سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، ومجالسها المشهورة مع عمر بن أبي ربيعة. فأرادوا دفع هذ المنقصة وإلصاقها بمنافسيهم الأقوياء ، فاستغلوا تشابه الاسمين في إلصاق هذه التهمة ، وخلط ما وقع لسكينة بنت خالد الزبيرية ، مع سكينة بنت الحسين.
هذا كما أن الشعراء قد أكثروا من التشبيب بنساء الأمويين والزبيريين ، وتاريخ الأدب العربي سجل هذه الملاحم الشعرية ، فكانت وثائق دامغة تدين تصرفاتهم ، والتي عرف بها بنو أمية وآل الزبير ، فزحزحوا هذه التهم وألصقوها في السيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين ، تلافيا لما أحدثه تاريخهم العبثي المشهور. وإليك من ملاحم عمر بن أبي ربيعة ، والعرجي ، والحارث بن خالد المخزومي ، وأبو دهبل الجمحي ، وحماد عجرد ، والأحوص ، وعبدالرحمن بن حسان بن ثابت وغيرهم من شعراء الغزل ، شواهد التشبيب ، وقصائد الغزل ، وما عرفوا من منادمتهم لنساء الأمويين والزبيريين :

محمد النفس الزكية
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1642
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
مكان: هُنــــاك

مشاركة بواسطة محمد النفس الزكية »

الأكذوبة الثانية
سكينة وحديث الأزواج
هناك عدة قوائم دبجت في تعداد أزواج سكينة:
الأولى : قائمة أبي الفرج الاصفهاني
روى الإصفهاني قال: حدث الزبير بن بكار قال: حدثني عمي مصعب ، قال: تزوجت سكينة بنت الحسين عليهما السلام عدة أزواج ، أولهم عبدالله ابن الحسن بن علي وهو ابن عمها وأبو عذرتها ، ومصعب بن الزبير ، وعبدالله بن عثمان الحزامي ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، والأصبغ بن عبدالعزيز ولم يدخل بها ، وإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ولم يدخل بها(1) .
على أن الإصفهاني روى أن الذي تزوج سكينة هو عمرو بن حكيم بن حزام وهو عم والد عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام كما أورد ذلك ابن سعد وابن خلكان وسبط ابن الجوزي في قوائمهم مما يعني اضطراب خبر زواجها من عبدالله بن عثمان بن عبدالله ، فمرة يتزوجها
____________
(1) الأغاني 158:16 .
--------------------------------------------------------------------------------
عبدالله بن عمرو ومرة يتزوجها عم أبيه ، فما الذي يعنيه هذا الاضطراب ؟‍‍‍‍‍‍!
قال الاصفهاني: عن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن اسحاق ، عن أبيه ، عن الهيثم بن عدي ، عن صالح بن حسان وغيره: إن سكينة كانت عند عمرو بن حكيم بن حزام ، ثم تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، ثم تزوجها مصعب بن الزبير ، فلما قتل مصعب خطبها إبراهيم بن عبدالرحمن ابن عوف ... إلى آخر الرواية(1) وسيأتي البحث فيها لاحقا .

الثانية : قائمة ابن سعد
قال: تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام ، ابتكرها فولدت له فاطمة ، ثم قتل عنها ، فخلف عليها عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام بن خويلد ... فولدت له عثمان ـ الذي يقال له: قرين ـ وحكيما وربيحة ، فهلك عنها ، فخلف عليها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان فهلك عنها ، فخلف عليها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري ، كانت ولته نفسها فتزوجها فأقامت معه ثلاثة أشهر ، فكتب هشام بن عبدالملك إلى واليه بالمدينة أن فرق بينهما ففرق بينهما ، وقال بعض أهل العلم: هلك عنها زيد بن عمرو ابن عثمان ، وتزوجها الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان(2) .

الثالثة: قائمة ابن خلكان
قال: تزوجها مصعب بن الزبير فهلك عنها ، ثم تزوجها عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام فولدت له قرينا ، ثم تزوجها الأصبغ بن
____________
(1) الأغاني 161:16 .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 475:8 في قسم النساء اللواتي لم يروين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وروين عن أزواجه وغيرهن .
--------------------------------------------------------------------------------
عبدالعزيز بن مروان وفارقها قبل الدخول ، ثم تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فأمره سليمان بن عبدالملك بطلاقها ففعل(1) .

الرابعة: قائمة سبط ابن الجوزي
قال: وأما سكينة فتزوجها مصعب بن الزبير فهلك عنها ، فتزوجها عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام فولدت له عثمان الذي يقال له: قرير [ والظاهر أنه قرين كما عليه غيره ] ، ثم تزوجها الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان أخو عمر بن عبدالعزيز ، ثم فارقها قبل الدخول بها ، وماتت في أيام هشام بن عبدالملك ... .
قال سبط ابن الجوزي:
وأول من تزوجها مصعب بن الزبير قهرا ، وهو الذي ابتكرها ثم قتل عنها وقد ولدت له فاطمة(2) .
هذه قوائم أربع اخترناها لبيان مواضع الاختلاف في تعداد أزواج «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، ومصدر هذه القوائم أكثرها زبيرية يرويها الزبير بن بكار ، عن عمه مصعب الزبيري وقد عرفت حالهما ، فلا حاجة إلى أن نعيد ما ذكره علماء الرجال من ضعفهما وكذبهما وانحرافهما عن عليّ وعن آله ـ صلوات الله عليهم ـ لذا فهي ساقطة عن الاعتبار سندا ، كونها بين مرسلة وبين ضعيفة برجالها ، إلا أن ذلك لا يمنعنا من مناقشتها وبيان متناقضاتها ، حتى لا يخفى على ذوي الأبصار محاولات الوضع المتعمد على هذه الشخصية الطاهرة ، وكيف أن آل الزبير عمدوا إلى الانتقاص من
____________
(1) وفيات الأعيان 394:2رقم 268 .
(2) تذكرة الخواص سبط ابن الجوزي : 249 .
--------------------------------------------------------------------------------

منافسيهم أهل البيت عليهم السلام ، ووصموا كل شائنة فيهم وألصقوها بأهل هذا البيت الطاهر ؟ ومن ذلك حديث الأزواج ، حيث اشتهر عن عائشة بنت طلحة تعدد الأزواج ، وكان أولهم مصعب ، فألصقوا هذه الحادثة بالسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، وأبعدوها عن أشخاصهم ، وسيأتي تفصيل ذلك قريبا إن شاء الله .
القائمة الموحدة
ويمكننا الآن أن نوحد هذه القوائم ليتسنى لنا مناقشة الجميع من خلال مناقشة هذه القائمة الموحدة ، وغرضنا من ذكر عدة قوائم ليتضح للقارئ الكريم اضطراب الرواة وتضاربهم في افتعال مثل هذه الحادثة ، والتي تقتضيها مصالح سياسية مقيتة ، أهمها: إلغاء الخلاف الفكري بين أهل البيت عليهم السلام وبين هذه المجموعات السياسية ؛ وإعطائها مسحة من الشرعية ؛ وإلغاء ما يمكن أن يقال عن هؤلاء من تجاوزه على أهل البيت عليهم السلام ، وتقدمهم عليهم وغصب حقوقهم . تماما كما وضعت قصة زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم ، وقد أبطلنا هذه الشبهة في كتابنا«كشف البصر»(1) . على أن هذه القوائم من الأزواج تتسم بتشكيلاتها السياسية ، فالأزواج المذكورين هم بين زبيريين إلى أمويين إلى مروانيين ، وهذا دليل وحده يكفي لإثبات أن القوائم الموضوعة رتبت على أساس منحى سياسي خاص ، يراد منه إلغاء الخلاف الفكري بين هذه التوجهات السياسية وبين أهل البيت عليهم السلام ، والشطب على مبتنيات الخلاف بين المدرستين .
____________
(1) كشف البصر عن زواج أم كلثوم من عمر للمؤلف ، يستعرض روايات الفريقين وعدم دلالة الجميع على واقعة الزواج ، فراجع .
--------------------------------------------------------------------------------
وسيكون ترتيب هذه القائمة الموحدة هكذا:
1ـ مصعب بن الزبير ، حسب رواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان وسبط ابن الجوزي .
2ـ عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام ، حسب رواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان وابن الجوزي .
3ـ الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان ، كما في رواية ابن سعد ، أما الإصفهاني وابن خلكان وسبط ابن الجوزي فقالوا: لم يدخل بها .
4ـ زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فهو برواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان ، أما سبط ابن الجوزي فلم يذكره .
5ـ إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، لم يذكره غير الإصفهاني وابن سعد ، واتفقا أنه لم يدخل بها ، ولم يذكره ابن خلكان وسبط ابن الجوزي .
6ـ أما عبدالله بن الحسن بن علي ، فهو حسب رواية الإصفهاني فقط .
وبذلك فقد اشتملت القائمة الموحدة على مصعب بن الزبير وعبدالله ابن عثمان ، وهما الاسمان المشتركان في القوائم الأربع . وسيتم مناقشة هذين الاسمين بشيء من التفصيل ؛ ليمكننا تحديد الواقع من أحاديث الزواج هذه . ثم نأتي على بقية الأسماء ، كل بما يقتضيه البحث .
أولا: مصعب بن الزبير
ليتسنى لنا صحة دعاوى زواج مصعب بن الزبير من السيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، علينا أن نلقي نظرة سريعة على الخط الزبيري منذ نشوئه ، للحصول على رؤية واقعية عن توجهات هذا البيت الزبيري وأتباعه . وهل بالإمكان سيتم ثمة تقارب بين الزبيريين المعروفين
بتوجهاتهم غير العلوية وبين الهاشميين ؟
سؤال سيخرجنا من منعطفات مآزق الروايات الموضوعة من قبل رواة زواج السيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام .
من هم آل الزبير ؟
يعد الزبير بن العوام مؤسس الخط الزبيري ـ إذا صح التعبيرـ فهو الذي سن توجهات آله ، وألقى لهم آراءه في علاقاته على المستوى الديني ، وطموحاته على المستوى السياسي .
كان الزبير بن العوام حليفا لعلي عليه السلام يوم السقيفة ، وكان من الذين انظموا إلى علي عليه السلام ، وممن أبوا بيعة أبي بكر ، بل كان من المعترضين الأشداء عليها . فهو لن يغمد سيفه ما لم تستقر البعية لعلي بن أبي طالب ، بعد ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحقية علي عليه السلام في الخلافة ، لذا فإن ابن قتيبة في «الإمامة والسياسة» يصور لنا موقف الزبير المتصلب في رفض البيعة لأبي بكر ، وإصراره على أحقية علي عليه السلام في البيعة قائلا:
وأما علي والعباس بن عبدالمطلب ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحالهم وعمهم الزبير بن العوام ، فذهب إليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقالوا: انطلقوا فبايعوا أبابكر ، فأبوا . فخرج الزبير بن العوام بالسيف ، فقال عمر: عليكم بالرجل فخذوه ، فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ...(1) .
وقال الطبري: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ،
____________
(1) الإمامة والسياسة15:1 .
--------------------------------------------------------------------------------
فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه(1) .
هذه الصورة تعطينا تصورا عن موقف الزبير إبان بيعة الشيخين .
ويبقى الزبير معارضا ملتزما جانب الرفض لنظام الشيخين ، إلا أن ذلك لا يكون بالضرورة موقفا مناصرا للإمام علي عليه السلام ، حيث لم توقفنا النصوص التاريخية على مواقف النصرة للإمام بقدر ما كان معارضا معاندا ، لا يرى أهلية لشيخي تيم وعدي أن يتقدما على ابن صفية الذي عرف بأنه ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فضلا عن مواصفات الخلافة ؟! هذا ولم يكن للزبير إبان عهد الشيخين أية ميزات اجتماعية ، فضلا عن إلغاء دوره السياسي كذلك .
لذا فإن عهد عثمان بن عفان يعد متنفسا لتوجهات الزبير الاجتماعية ، فبنى القصور واقتنى الأموال كما ذكر المسعودي فقال: وفي أيام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضياع والدور منهم الزبير بن العوام ، بنى داره بالبصرة وهي المعروفة ... وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار ، وخلف الزبير ألف فرس وألف عبد وأمة ...(2) .
أي سيجد الزبير حينئذ متنفسا يستطيع من خلاله أن يمارس دوره الاجتماعي باقتنائه الأموال والقصور ، إلا أنه يبقى محبوسا سياسيا ، أي لا يزال ملغى الدور السياسي الذي يطمح أن يصل إليه الزبير بعد إشباعه ماليا ، وسيكون دوره الاجتماعي منقوصا ما لم يكمله بحضوره السياسي في
____________
(1) تاريخ الطبري 443:2 .
(2) مروج الذهب 350:2 .
--------------------------------------------------------------------------------

الأحداث العامة ، ولم يجد الزبير أفضل من فرصة يوم الدار ، يوم محاصرة عثمان تأليب الثوار عليه ، منضما بذلك إلى الحركة الثورية التي قررت إيقاف انتهاكات عثمان الدينية والاجتماعية وحتى السياسية ، فرأى الزبير أن مناورة الانضمام إلى الثوار ستعطيه فرصة سياسية ناجحة ، يستغلها من أجل تثبيت موطئ قدم له . وكان حليفه طلحة كذلك ، وكان طلحة شديدا على عثمان حتى قال عثمان: اللهم اكفني طلحة بن عبيدالله فإنه حمل عليّ هؤلاء وألبهم ، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا ، وأن يسفك دمه ...(1) .
كتاب طلحة والزبير في تحريض المسلمين على قتل عثمان
بل كان الزبير يعمل على قتل عثمان ، ولعل في ذلك أمنيته في انحياز الأمر إليه ، وهو ما كشفه الأشتر حين قرأ كتابه وكتاب طلحة في التحريض على قتل عثمان ، قال ابن قتيبة الدينوري: إن الأشتر قال لطلحة والزبير بعدما تظاهرا بعدم الرضا عن قتل عثمان ، وبعثوا إلى الأشتر في الكف عن محاصرته قال: تبعثون إلينا وجاءنا رسولكم بكتابكم وهاهو ذا ، فأخرج كتابا فيه : « بسم الله الرحمن الرحيم ، من المهاجرين الأولين وبقية الشورى ، إلى من بمصر من الصحابة والتابعين ، أما بعد: أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها ، فإن كتاب الله قد بدل ، وسنة رسول الله قد غيرت ، وأحكام الخليفتين قد بدلت . فننشد الله من قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان إلا أقبل إلينا ، وأخذ الحق لنا وأعطاناه ، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وأقيموا الحق على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيكم ، وفارقكم عليه الخلفاء . غلبنا على حقنا
____________
(1) تاريخ الطبري 411:3 .
--------------------------------------------------------------------------------
واستولي على فيئنا ، وحيل بيننا وبين أمرنا ، وكانت الخلافة بعد نبينا خلافة نبوة ورحمة ، وهي اليوم ملك عضوض ، من غلب على شيء أكله» . أليس هذا كتابكم إلينا ؟ فبكى طلحة ، فقال الأشتر: لما حضرنا أقبلتم تعصرون أعينكم ، والله لا نفارقه حتى نقتله ...(1) .
فكان الزبير ممن يحث الناس على قتل عثمان ، بل خاذلا له مؤلبا عليه ، خارجا عن المدينة حتى لا يشهد قتله ويطالب بنصرته .
قال ابن الأثير في كامله: إن الزبير خرج من المدينة قبل أن يقتل عثمان ...(2) أي أيام حصاره في الدار .
وهكذا حصل الزبير على مكسبه السياسي بعد قتل عثمان ، وتحول الأمر إلى علي عليه السلام ظنا منه أن الفرص السياسية قد سنحت له بعد أن قاد معارضته السياسية ضد نظام نقم عليه المسلمون ، وحسب أن سيكون له موطئ قدم في العهد الجديد حينئذ .
قال اليعقوبي في تاريخه: وأتى عليا طلحة والزبير فقالا: إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة فأشركنا في أمرك ، فقال: أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والأود(3) .
ومعنى ذلك أن عليا عليه السلام لم يشركهما في الأمر ، فسارا إلى البصرة يطالبان بدم عثمان ومعهما عائشة وهم من خلال ذلك يطمحون للوصول إلى مآربهم السياسية ، فكانت وقعة الجمل التي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين ولقي طلحة والزبير حتفهما في مغامرة سياسية فاشلة ، ولعبة لم
____________
(1) الامامة والسياسية 34:1 .
(2) الكامل في التاريخ 87:3 .
(3) تاريخ اليعقوبي 77:2 .
--------------------------------------------------------------------------------
يحكما أمرها بعد . فقتلا على يد من خرجا معهم . ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .
آل الزبير ... تقليدية عداء ومنافسات سياسية محمومة
وضعت الحرب أوزارها بعد هزيمة حلفاء الجمل عائشة وطلحة والزبير ، إلا أن العداء لآل علي لم ينته بعد ، والمنافسات السياسية لم تحط رحالها ، ورواد مدرسة الجمل قد بدأ نشاطهم توا ، فهذا عبدالله بن الزبير يتربص الأحداث ، ويتحين الفرص ، ولم يكن في همه إلا الحصول على مبادرات المناصب التي ستتركها أحداث ما بعد يزيد . فبنو مروان احتلبوا تقلبات ماتركته خطبة معاوية بن يزيد ، الذي أعلن عن عدم أهليته للخلافة مع وجود الشرعية الإلهية المتمثلة بالإمام زين العابدين عليه السلام ، فتركها منصرفا إلى حيث اختار له بنو أبيه من الموت قبل أن تكون تلك سُنّة يشيع أمرها فيخرج الملك من أيديهم . ويتسابق على الخلافة من لا خلاق له فيها من بني مروان وآل الزبير ، فيغلب بنون مروان على آل الزبير الذين حصلوا على مكة مقرا له ومكنوا عبدالله بن الزبير من أمرهم .
عرف آل الزبير بعدائهم لبني هاشم ، وقد مثل ذلك بأبشع صوره عبدالله بن الزبير .
قال اليعقوبي: وتحامل عبد الله بن الزبير على بني هاشم تحاملا شديدا ، وأظهر لهم العداوة والبغضاء حتى بلغ ذلك منه أن ترك الصلاة على محمد في خطبته ، فقيل له: لم تركت الصلاة على النبي ؟ فقال : إن له أُهيل سوء يشرئبون لذكره ، ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به . وأخذ ابن الزبير محمد بن الحنفية وعبدالله بن عباس وأربعة وعشرين رجلاً من بني هاشم
--------------------------------------------------------------------------------
ليبايعوا له فامتنعوا ، فحبسهم في حجرة زمزم ، وحلف بالله الذي لا إله إلا هو ليبايعن أو ليحرقنهم بالنار ...(1) .
حدث المسعودي أن عبدالله بن الزبير تجاوز في عدائه لآل علي عليه السلام حتى إنه كان ينال من علي عليه السلام في خطبه ، قال: خطب ابن الزبير فنال من علي (2) .
على أن عبدالله بن الزبير يفضح دخيلته في عدائه لبني هاشم في محاورته مع ابن عباس ، فقد ذكر المسعودي عن سعيد بن جبير أن عبدالله ابن عباس دخل على ابن الزبير ، فقال له ابن الزبير: أنت الذي تؤنبني وتبخلني ؟ قال ابن عباس: نعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ليس المسلم يشبع ويجوع جاره ، فقال ابن الزبير: إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ...(3) .
فضلا عما كان يتظاهر به من الزهد والعبادة دجلا ومراء في كسب قلوب الناس والحرص على الملك ... قال المسعودي: وأظهر ابن الزبير الزهد في الدنيا والعبادة مع الحرص على الخلافة ، وقال: إنما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك من الدنيا ، وأنا العائذ بالبيت والمستجير بالرب ، وكثرت أذيته لبني هاشم مع شحه بالدنيا على سائر الناس ...(4) .
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 178:2 .
(2) مروج الذهب 89:3 .
(3) المصدر السابق . وأنت جد عليم بالخير الصحيح عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، وأبي ذر ، وابن عباس ، أنهم كانوا يقولون: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلوات ، والبغض لعلي بن أبي طالب . بل ، أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:«بغض بني هاشم والأنصار كفر» . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 118:11 ، ح 11312 . وأحاديث الباب في الصحاح والمسانيد المعتمدة كثيرة ، فراجعها في مظانها .
(4) المصدر السابق :87 .

محمد النفس الزكية
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1642
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
مكان: هُنــــاك

مشاركة بواسطة محمد النفس الزكية »

هذا حال آل الزبير ، وهذه سيرة شيخهم عبدالله ، فما ظنك بغيره ؟ وماذا عسى أن يكون مصعب بن الزبير في عدائه لبني هاشم ومخالفته لهم ؟!
مصعب بن الزبير يؤوي قتلة الحسين عليه السلام
مثل مصعب بن الزبير نموذجا سيئاً في الانتهاكات المرتكبة بحق أهل البيت عليهم السلام ، فهو لم يكتف بملاحقة شيعتهم فحسب ، بل بلغ من عدائه انضمام قتلة أهل البيت عليهم السلام إليه ؛ ليشكلوا قادة جيشه ، ورؤوس أنصاره .
ومصادر التاريخ تحدثنا أن مصعب بن الزبير استقطب قتلة الحسين عليه السلام وأهل بيته ، وجعلهم قادة جيشه ؛ لإحباط محاولات المختار بن أبي عبيد الثقفي ، الذي تصدى لملاحقة قتلة الحسين وأهل بيته عليهم السلام .
فإن المختار لما بعث غلاما له في طلب شمر بن ذي الجوشن ، لحق الغلام بشمر ، وكان قد خرج من الكوفة في جمع من أصحابه ، ثم كان ما كان من قتل شمر غلام المختار ، ونزوله قرية الكلتانية ، ومنها بعث بكتاب إلى مصعب بن الزبير يعلمه الالتحاق به عنوانه : للأمير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن .
لكن إرادة الله لم تمهل اللعين بالالتحاق بابن الزبير ، إذا عثر على الكتاب ، وعرف مكان شمر فحوصر ، وجرت معركة قتل فيها شمر(1) .
وكان سراقة بن مرداس البارقي قد اسره المختار ، فلما أحس القتل ، عمل حيلة للنجاة ، فنجا بها ، وقال : ما كنت في أيماني هذه حلفت لهم ـ يعني المختار وأصحابه ـ بها قط أشد اجتهادا ولا مبالغة في الكذب مني في أيماني هذه التي حلفت لهم بها أني قد رأيت الملائكة تقاتل معهم . فخلوا سبيله ،
____________
(1) تاريخ الطبري 52:6 .
--------------------------------------------------------------------------------
فهرب ، فلحق بعبد الرحمن بن مخنف عند المصعب بن الزبير بالبصرة(1) .
وقال ابن خلدون : وبحث ـ أي المختار ـ عن مرة بن منقذ بن عبد القيس قاتل علي بن الحسين ، فدافع عن نفسه ، ونجا إلى مصعب بن الزبير ... وطلب سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل الحسين ، فلحق بالبصرة ... وأرسل في طلب محمد بن الأشعث وهو في قريته عند القادسية ، فهرب إلى مصعب ، وهدم المختار داره . وطلب آخرين كذلك من المتهمين بأمر الحسين ، فلحقوا بمصعب ، وهدم دورهم(2) .
قال الطبري : وطلب ـ يعني المختارـ رجلا من خثعم يقال له : عبدالله ابن عروة الخثعمي ـ كان يقول : رميت فيهم باثني عشر سهما ضيعة ـ ففاته ولحق بمصعب ، فهدم داره(3) .
مصعب بن الزبير .. تركة العداء الزبيري لآل علي وشيعته
قال المسعودي : فكان جملة من أدركه الإحصاء ممن قتله مصعب مع المختار سبعة آلاف رجل ، كل هؤلاء طالبون بدم الحسين وقتلة أعدائه ، فقتلهم مصعب وسماهم الخشبية ، وتتبع مصعب الشيعة بالقتل بالكوفة وغيرها ، وأتى بحرم المختار فدعاهن إلى البراءة منه ففعلن إلا حرمتين له : إحداهما بنت سمرة بن جندب الفزاري ، والثانية ابنة النعمان بن بشير الأنصاري ، وقالتا : كيف نتبرأ من رجل يقول ربي الله ؟! كان صائم نهاره قائم ليله ، قد بذل دمه لله ولرسوله في طلب قتلة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهله
____________
(1) تاريخ الطبري 55:6 .
(2) تاريخ ابن خلدون 34:3 ، الكامل في التاريخ 243:4 ، 244 .
(3) تاريخ الطبري 65:6 ، الكامل في التاريخ 244:4 .
--------------------------------------------------------------------------------
وشيعته ، فأمكنه الله منهم حتى شفى النفوس .
فكتب مصعب إلى أخيه عبدالله بخبرهما وماقالتاه فكتب إليه : إن هما رجعتا عما هما عليه وتبرأتا منه وإلا فاقتلهما ، فعرضهما مصعب على السيف ، فرجعت بنت سمرة ولعنته وتبرأت منه وقالت : لو دعوتني إلى الكفر مع السيف لكفرت ، أشهد أن المختار كافر ، وأبت ابنة النعمان بن بشير وقالت : شهادة أرزقها فأتركها ؟ كلا انها موتة ثم الجنة والقدوم على رسول الله وأهل بيته ، والله لا يكون ، آتي مع ابن هند فأتبعه وأترك ابن أبي طالب ؟ اللهم اشهد أني متبعة لنبيك وابن بنته وأهل بيته وشيعته ، ثم قدمها فقتلت صبراً . ففي ذلك يقول الشاعر:
إن من أعجب الأعاجيب عندي قـتل بـيضاء حـرة عطبول
قتلوها ظلماً على غـير جـرم إن للـه درهـا مـن قـتيـل
كـتب القـتل والقـتال عـلينا وعلـى الغانيات جرُ الذيول(1)
هذا هو مصعب بن الزبير بصورته البشعة ، يؤوي قتلة الحسين عليه السلام ويسالمهم ، ويعدهم من قادة جيشه وحملة لوائه ، فضلا عما فعله بشيعته وأنصاره والآخذين بثأره ، مما يكشف عن مدى ما يحمله من حقد وعداء لأهل هذا البيت الطاهر ، واختلافه الشديد بينه وبينهم ، بل الفجوة بين أطروحتين متغايرتين ، الأطروحة الزبيرية التي تدين بالعداء لأهل البيت ، ودفعهم عن مقامهم ، بل محاولة تصفيتهم ، وبين توجهات الأطروحة العلوية المعروفة .
____________
(1) مروج الذهب 113:3 ، وروى اليعقوبي في تاريخه 182:2 ، الحادثة بإضافات أخر ، ونسب الأبيات إلى عمر بن أبي ربيعة ، ومثله ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد 155:5 في ذكر دولة بني مروان ، خبر المختار ابن أبي عبيد ، مع اختلاف في ألفاظ البيتين الأولين .
فأين التقارب إذن ؟
وإذا كان هذا حال مصعب بن الزبير ومواقفه من أهل البيت عليهم السلام ، فمتى يتاح له التقارب مع بني هاشم ، الذين لا يزالون يحتفظون بمواقف التنكيل والتشريد التي ارتكبها عبدالله بن الزبير ، وقد عزم على إحراقهم وإفنائهم . ومصعب بن الزبير هو إحدى الصنائع الزبيرية التي ما فتأت تعمل على إنجاح الأطروحة الزبيرية بالتنكيل والتقتيل لأهل البيت وأشياعهم ، فهل يمكننا بعد هذه المقدمات التاريخية من استعراض حال آل الزبير ، أن يجد علي بن الحسين عليهما السلام مبررا لزواج مصعب بن الزبير من أخته «آمنة» سكينة بنت الحسين ؟!
وإذا اعترض أحدهم قائلا : بأن الزواج ـ خصوصا في ذلك الوقت ـ لا علاقة له بالمواقف الشخصية ، وأن مسألة المصاهرة لا تعدو عن اقتران بين زوجين ، لا يمثلان كل منهما توجها سياسيا أو فكريا يناقض أو يوافق الطرف الآخر .
فإن ذلك المقول غير دقيق ؛ إذ بالعكس فقد كان الزواج ـ خصوصا في ذلك الوقت ـ يمثل حالات تقارب سياسي ، واستقطاب اجتماعي ، يحصل من خلاله الشخص على تأييد أصهاره أو محاولة منه لتأمين جانبهم وتخفيف احتمال الوقيعة به ، وهذا دأب ذي الشأن منهم . وما زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تشكيلات متعددة إلا صورة لهذه الحالة السائدة لدى المجتمع القبلي ، الذي يعيش تحت وطأة التعصبات القبائلية ، والأعراف العربية الملتزمة وقتذاك . فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يستقطب في مصاهراته المتعددة بيوتات لها خطرها في التيارات السياسية المتربصة بالدين الحنيف .
إذن ففي خضم أحداث التنافس الزبيري لبني هاشم وعدائهم إياهم ، بل وفي هذه الأحداث السياسية الهائجة المتوترة ، لا يمكننا قبول حكاية زواج مصعب بن الزبير لسكينة «آمنة» بنت الحسين عليهما السلام ، فإن ذلك محاولة قصصية يراد من وضعها وافتعالها إلغاء ما عرف من تقليدية العداء الزبيري ـ العلوي ، وإظهار التوافق بين البيتين ، ومحاولة إسباغ الشرعية على حركة آل الزبير ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى ، محاولة إضفاء الشبه بين تصرفات عائشة بنت طلحة زوجة مصعب بن الزبير المعروفة بلهوها وترفها ، وبين السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام المعروفة بورعها وتقواها ، ومحاولة سلخ صفة التقوى هذه عن السيدة آمنة ، والتعامل معها على أساس ما يتعامل به مع نساء الزبيريين والأمويين ، والتقليل من شأن مسحة الاحتشام والتعفف على نساء أهل هذا البيت الطاهر ، وخلط ما يقع لنساء الزبيريين والأمويين من انتهاكات شعرية ومخالفات عرفية ورميها على أهل البيت عليهم السلام .
محاولات زبيرية للطعن على أهل البيت عليهم السلام
ولم يكتف آل الزبير من أكذوبة زواج مصعب بن الزبير من السيدة آمنة عليها السلام ، بل أمعنوا في الانتقاص من مكانة أئمة أهل البيت عليهم السلام ، والازدراء بهم ، ورفع شأن مخالفيهم كما في الرواية الزبيرية التالية:
روى الاصفهاني : قال مصعب : وحدثني مصعب بن عثمان : أن علي ابن الحسين أخاها حملها إليه فأعطاه أربعين ألف دينار(1) .
هكذا يصور الزبيريون ما يحلو لهم من انتقاص قدر أهل البيت عليهم السلام ،
____________
(1) الأغاني 159:16 .
--------------------------------------------------------------------------------
وحاجتهم إلى آل الزبير ، فيستعطون أرزاقهم ويتقربون لهم للحصول على أعطياتهم ، وقد تنكر الراوي إلى حقائق تاريخية تظهر شأن علي بن الحسين عليهما السلام وقدره حتى من أعدائه ، وهو عليه السلام كان يعيش بعد واقعة الطف في أخطر ظرف سياسي يتربص لتحركاته ، ومع هذا فقد هيمن عليه السلام على قلوب أعدائه ، فضلا عن شيعته ومريدية . فقد كانت وقعة الحرة في المدينة شاهدا على تعظيم علي بن الحسين عليهما السلام في أعين أعدائه فضلا عن أتباعه ، وكان مسرف بن عقبة حين دخل المدينة لم يتعرض لعلي بن الحسين عليهما السلام ، بل قال حين رأي الإمام عليه السلام : إن أمير المؤمنين أوصاني بك خيرا .
وروى ابن سعد في الطبقات أن مروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان كانا يحبان علي بن الحسين عليهما السلام ويجللانه(1) .
على أن هذا التجليل لا يعني الاعتقاد ، بقدر ما يعني رضوخهما لواقع الأمر مما كان عليه الإمام عليه السلام ، من الهيمنة على قلوب المسلمين وتعظيمهم له ، بل كان له سيرته المعروفة في البر والعطاء ، وكان موفور المال غير محتاج إلى أحد ، بل كان عليه السلام يعطي للمحتاجين .
فقد روى ابن الجوزي أن علي بن الحسين عليهما السلام دخل على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي ، فقال علي : ماشأنك ؟ قال : عليّ دين ، قال : كم هو ؟ قال : خمسة عشر ألف دينار ، قال : فهو عليّ .
وما رواه أيضا من أن رجلا كان يتعرض لعلي بن الحسين عليهما السلام ، فأمر له الإمام بألف درهم وألقى عليه خميصة كانت عليه ، فكان الرجل بعد ذلك يقول : أشهد أنك من أولاد الرسول(2) .
____________
(1) الطبقات الكبرى 421:3 .
(2) صفة الصفوة 393:1 .
--------------------------------------------------------------------------------
إلى غير ذلك من كرائم صفاته وجليل عطاياه ، فهل كان بعد ذلك يحتاج إلى عطايا آل الزبير ليحمل أخته إلى مصعبهم فيعطيه ألف ألف درهم ؟! ومتى عرف آل الزبير بالعطاء ؟ إذ لم ير منهم سوى الشح والضيق على الرعية ، حتى ضج الناس من بخل آل الزبير ، فقال قائلهم وهو أبو وجزة مولى الزبير:
إن المـوالي أمست وهـي عـاتبة على الخليفة تشكو الجوع والحربا
مـاذا عـلينا ومـاذا كـان يرزؤنا أي الملوك على ما حولنا غلبا(1)
وقال الضحاك بن فيروز الديلمي:
تـخبرنا أن سـوف تكـفيك قـبضة وبـطنك شـبرا أو أقـل من الشبر
وأنت إذا مـا نـلت شـيئا قـضمـته كما قضمت نار الغضى حطب السدر
فـلو كـنت تجزي إذ تـبيت بنـعمة قريبا لردتك العطوف على عمرو(2)
وعمرو هذا هو أخو عبدالله بن الزبير ، قتله حرصا على الملك دون تحرج في سفك دماء حتى إخوته ومقربيه .
فروايات آل الزبير في الطعن على أئمة آل البيت عليهم السلام ، ورفع منزلة ذويهم ، تكذبها وقائع التاريخ ، وتناقضها شواهد أخر أعرضنا عن ذكرها .
والنتيجة: بعد استعراضنا لمقدمات تاريخية مهمة تشير إلى مواقف آل الزبير من أهل البيت عليهم السلام ، وعدائهم لهم ، وعدم توافقهم ، فإن حكاية زواج مصعب بن الزبير من السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام تمنعها مقتضيات دينية واجتماعية عدة .
____________
(1) مروج الذهب 88:3 .
(2) المصدر السابق .
--------------------------------------------------------------------------------

أما المقتضيات الدينية
فقد عرفنا عداء مصعب لأهل البيت عليهم السلام ، وعدم توافقه معهم ، حيث لاحق شيعتهم وقتلهم تبعا لأخيه عبدالله بن الزبير ، فقد نكل ببني هاشم وأراد تحريقهم . فعداؤهم لآل البيت عليهم السلام يكشف عن انحرافهم عن ولايتهم ، ويدل على مخالفتهم لما أمر به الله ورسوله من الطاعة لهم والالتزام بنهجهم ، وبذلك فأي تخلف عنهم ـ صلوات الله عليهم ـ يعد تخلفا عن طاعة الله ورسوله ، فطاعة الله ورسوله تدور مدار ولاية علي وطاعته ، والإيمان مرهون بالتمسك بنهج أهل البيت عليهم السلام .
أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن عصى عليا فقد عصاني» (1) .
أخرج بسند صحيح عن أبي عبدالله الجدلي أنه دخل على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الموسم مع جماعة من الناس ليسلموا عليها ، فسمعها تقول: ياشبث(2) بن ربعي ، فأجابها رجل جلف جاف : لبيك يا أمتاه ، قالت : أيسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناديكم ؟ قال : وأنى ذلك ! قالت : فعلي بن أبي طالب ؟ قال : إنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا . قالت : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله تعالى» (3) .
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 131:3 ، ح 4617 وصححه الذهبي في التلخيص .
(2) في المصدر: شبيب ، وأحسبه تصحيفا . فالأوصاف التي وصف بها لا تنطبق إلا على شبث بن ربعي الرياحي التميمي اليربوعي .
(3) المستدرك على الصحيحين 130:3 ، ح 4616 . سكت عنه الذهبي في التلخيص ؛ لأنه صحح الحديث الذي قبله ، وهو: « من سب عليا فقد سبني» . ولا يبعد أنه أراد تصحيحه ، لكن نفسه لم تطاوعه .
--------------------------------------------------------------------------------
وأخرج عن أبي ذر رحمه الله كذلك قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « ياعلي من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك يا علي فقد فارقني»(1) .
وإذا استعرضنا تاريخ آل الزبير ، وما كانوا عليه من المفارقة لعلي وانحرافهم عنه ، والنيل منه وسبه ، اتضح لنا جليا مدى عدائهم وعدم توافقهم مع آل علي بعد ذلك ، على أن الإمام زين العابدين عليه السلام يتحرى مواطن الاتفاق والالتزام بولاية علي عليه السلام دون موارد الانحراف والضلال . هذا هو مقتضى سيرة المؤمنين ، فكيف بالإمام زين العابدين عليه السلام يتصاهر مع بيوت مخالفيه دون مراعاة جانب الإيمان والورع والتقوى ؟! مما يكشف لنا عن عدم إمكانية وقوع زواج مصعب من آمنة حسب المقتضيات الدينية التي كان يراعيها الإمام علي بن الحسين عليهما السلام .

أما المقتضيات الاجتماعية
وهي التي تشمل المقتضيات السياسية كذلك ، فالزبيريون طلاب منصب وإمارة كما هو معروف ، وهم المنافسون لخصومهم السياسيين من بني مروان ، الذين انكفؤوا في استغلال الفرص السياسية بعد انعزال معاوية ابن يزيد عن السلطة ، وخلو الساحة السياسية عمن يشغل منصبه ، فتسارع مروان إلى اقتناص الفرصة السياسية هذه كونه الوريث السياسي للأمويين ، فنصب نفسه لرأس نظام أموي مرواني جديد ، وهو ما حدى بمنافسيه السياسيين إلى استغلال هذه الظروف السياسية ، فوثب عبدالله بن الزبير على مكة بعد صراعات دموية عنيفة ، مقتطعا بذلك مكة وما والاها ، وضاما إلى إمارته البصرة وما حاذاها ، حتى طمع في الكوفة ، فكانت وقعة مصعب مع
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 133:3 ، ح 4624 . قال الحاكم: صحيح الإسناد .
--------------------------------------------------------------------------------
المختار ، وما نجم عنها من سفك دماء شيعة علي عليه السلام ، وإعلانها إمارة زبيرية بعد ذلك .
لم يكن هذا الوضع الزبيري قد أراح عبدالملك بن مروان الذي يعد موطد الحكم الأموي المرواني فعلا ، فابن الزبير قد امتد نفوذه في أرجاء البلاد الإسلامية وشاع أمره ، وحيل ذلك بين نفوذ بني أمية المهدد كيانهم من آل الزبير ، وبين طموحاتهم المستقبلية التي ترنو إلى السيطرة على جميع الأنحاء الإسلامية دون منافس عسكري أو معارض سياسي له سطوته وآثاره . وطبيعي أن يكون لهذا المنافس القوي في حسابات الأمويين الأولوية في تصفيته ، وانتزاع ما في يده من الإمارة ، وقد رافق ذلك تحسبا حذرا من تحركات الإمام علي بن الحسين عليهما السلام الذي فرغ توّاً من واقعة الطف ، وقد رأى مصارع أبيه وآل بيته أمامه ينفذه الأمويون بأبشع صوره ، ولا بد أن يكون علي بن الحسين عليهما السلام متربصا لآل أمية متحينا فرص الثأر والانتـقام ، فأية حركة مناقضة لبني أمية ستكون فرصة علي بن الحسين عليهما السلام بعد ذلك ، هكذا كان ظن الأمويين ، فكانوا يراقبون مواقف الإمام عليه السلام من الأحداث الجارية ، وكانوا يحسبون التأييد لآل الزبيرـ إن حصل ـ إسباغا للشرعية على آل الزبير ، لذا فهم في وجل من أية تحركات ينجم عنها تأييد علي بن الحسين عليهما السلام لمنافسيهم الأقوياء ، إلا أن الإمام عليه السلام لم يتوافق مع الحركة الزبيرية أبدا ، وذلك لما ذكرنا من عداء عبدالله بن الزبير لبني هاشم عموما ، وللإمام خصوصا . هذا من جهة .
ومن جهته علم الإمام عليه السلام ـ بغض النظر عما يكنه علمه اللدني المقدس ـ من عدم مصير الخلافة لآل الزبير ، فإن الأحداث السياسية الهائجة
كانت توحي بفشل حركة آل الزبير ، وعدم رغبة الناس فيهم . والإمام عليه السلام لم يجازف في تأييد حركة ابن الزبير التي ستؤول إلى السقوط ، وما سيتحمل من تبعات ذلك من قبل بني أمية ، وهو عليه السلام انعزل عن هذه الأحداث ليترك الأمور تنقشع وشيكا عن هزيمة ابن الزبير وغلبة عبدالملك بن مروان ، ومن ثم فإن الفريقين غير جديرين للنصرة والمبايعة ، وكلاهما طلاب مناصب وأتباع دنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، فأي توافق سيبديه الإمام زين العابدين عليه السلام مع آل الزبير حتى على مستوى المصاهرة ، يعد توافقا سياسيا وتأييدا شرعيا في حسابات النظام الأموي القادم ، فهل يبقى أدنى احتمال لإمكانية التقارب بين الإمام عليه السلام حتى يعمد إلى مصاهرة مصعب بن الزبير المغامر السياسي النزق ؟!
فالإمام علي بن الحسين عليهما السلام يتجنب التقارب الظاهري مع الزبيريين ، خوفا من عواقب ذلك المزامن لأفول النجم الزبيري وشيكا ، لذا فاحتمال زواج السيدة آمنة من مصعب بن الزبير غير ممكن تبعا لهذه الظروف الآنفة ، والأبعد من ذلك أن يكون الزواج قد تم دون رغبة الإمام عليه السلام كما سيأتي مناقشة ذلك لاحقا .
مناقـشتان
المناقشة الأولى:
ذكر سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ما نصه:
وأول من تزوجهاـ أي سكينة ـ مصعب بن الزبير قهرا ...(1) .
يثبت النص الذي أمامنا عدم وقوع الزواج ، وهو إحدى القرائن
____________
(1) تذكرة الخواص:249 .
--------------------------------------------------------------------------------
المؤيدة إلى ما نذهب إليه . وذلك لأمرين:
الأمر الأول: يستبعد النص وجود أي توافق بين بني هاشم وبين الزبيريين ، أي أن الفجوة القائمة بين البيتين يؤكدها هذا النص ، وذلك فإن وقوع الزواج قهراً لا يعني إلا عدم التوافق وقبول أحد الطرفين بالآخر ، وهو الأمر الذي كنا نؤكده سابقا من عدم وجود أي تقارب وتفاهم بين البيتين ، وبالتالي أية رغبة في التفاهم ، بل حالة العداء والكراهية ظاهرة على تصرفات أحدهما للآخر .
الأمرالثاني: إننا نتوقف في مسألة وقوع هذا الزواج القهري ، فإن عبدالله بن الزبير لم يحكم سيطرته على المدينة بعد ، حتى يتسنى لأخيه مصعب قهر بني هاشم على الزواج من آمنة ، فالهاشميون رفضوا البيعة لعبدالله بن الزبير كما مر ، وعرفت ما اتخذه عبدالله من إجراءات مشددة في إجبار الهاشميين على بيعته ، وهددهم بتحريقهم إن لم ينصاعوا بعد ذلك ، ومع هذا فلم يستطع عبدالله بن الزبير مع سطوته أن يفرض بيعته على الهاشميين ، فإن لبني هاشم قوتهم النابعة من احترام المسلمين لهم ، مع ما عانوه من جور حكامهم إلا أن هيبتهم لا تزال تطغى على قلوب الناس ، وعلي بن الحسين عليه السلام يمثل الأنموذج الأمثل في هيمنته على القلوب وحبه وتكريمه ، وحادثة انفراج الحجيج له لاستلام الحجر بمرأى من هشام بن عبدالملك إحدى الشواهد التي تؤكد محبة الناس له ، فهو لا يزال يمثل واقعة الطف بكل فصولها الفجيعة .
والإمام عليه السلام لم يبتعد عما نزل في ساحة آله من القتل والأسر والتنكيل ، فهو لا يزال يستذكر ما حصل لأبيه الشهيد عليه السلام ولآل بيته من الذبح وسفك
الدماء وكان الناس يرون مظلومية الإمام الحسين عليه السلام شاخصة في ولده علي ابن الحسين عليهما السلام الذي لم يبعد أذهان الأمة عن مجريات ذلك اليوم الرهيب ، وما فعله بنو أمية بأهل هذا البيت الطاهر ، والناس وإن لم يقدموا النصرة لآل البيت عليهم السلام وقتذاك وما أظهروه من تخاذل ونكوص ، فإن المأساة تعيش في وجدانهم ، وفصولها تستعيدها ذاكرتهم ، ولا يزال الأشخاص الذين حضروا المأساة يعيشون بين ظهرانيهم ، كعلي بن الحسين عليهما السلام والسيدة آمنة وأخواتها الطاهرات ، حتى إن بني مروان تحاشوا في بادئ الأمر سفك دماء الهاشميين ، وأظهروا الورع في أول أمرهم من اضطهاد العلويين ، وذلك لما أحسوه من خطر المجازفة في دمائهم بعد واقعة الطف التي تحفظها ذاكرة الأمة ، ومظلومية أهل البيت عليهم السلام شاخصة لديهم ، لذا فإن عبدالملك بن مروان يبدي تحفظه في دماء آل أبي طالب لا عن قناعته في حرمة دمائهم ، بل عن خوفه على مستقبل دولته الفتية المحاطة بمعارضات سياسية قوية تهدد كيانه .
قال اليعقوبي في تاريخه : وكان عبدالملك قد كتب إلى الحجاج وهو على الحجاز : جنبني دماء آل أبي طالب ، فإني رأيت آل حرب لما تهجموا بها لم ينصروا(1) .
وهو ما يعكس شعور المسلمين في نظرتهم لآل البيت عليهم السلام ، فيترجمها عبدالملك بن مروان في كتابه هذا وتحفظه على سفك دماء آل أبي طالب حتى حين .
هذه مكانة آل البيت عليهم السلام في قلوب الأمة ، فمتى يتاح لمصعب وأمثاله
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 230:2 .
--------------------------------------------------------------------------------
أن يقهروا أهل هذا البيت على أمر غير راضيه ؛ ليتعاملوا معهم على أساس القهر والقوة ، وإذا كانت حادثة آمنة بنت الحسين عليهما السلام يمكن قبولها ، فإن ذلك تكذبه واقعة السيدة فاطمة بنت الحسين عليهما السلام التي حاول عبدالرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري أن يخطبها قهراً ، فأبت وشكت أمرها إلى يزيد بن عبد الملك ، فلنر ما حل بعبدالرحمن هذا في رواية اليعقوبي وغيره ، وما آل إليه مصيره بمجرد محاولة التجرؤ على قهر السيدة فاطمة بنت الحسين عليهما السلام من الزواج منه .
قال اليعقوبي : وخطب عبدالرحمن فاطمة بنت الحسين بن علي ، فأرسل إليها رجالا يحلف بالله لئن لم تفعلي ليضربن أكبر ولدها بالسياط ، فكتبت إلى يزيد بن عبدالملك كتابا ، فلما قرأ كتابها سقط عن فراشه وقال : لقد ارتقى ابن الحجام مرتقى صعبا ، من يسمعني ضربه وأنا على فراشي هذا ؟ فكتب إلى عبدالواحد بن عبدالله بن بشر النضري وكان بالطائف أن يتولى المدينة ، ويأخذ عبدالرحمن بن الضحاك بأربعين ألف دينار ، ويعذبه حتى يسمعه ضربه ، ففعل ذلك ، فرئي عبدالرحمن وفي عنقه خرقة صوف يسأل الناس (1) .
هذا مصير من حاول أن يقهر أهل البيت على أمر غير راضين به ، ولا يقل عبدالرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري شرفا عن مصعب بن الزبير ، فهو ابن أبي بحر حليم العرب وسيدها ، كما كان يلقبه معاوية بن أبي سفيان ، ومع هذا فلم يتحمل يزيد بن عبدالملك أن يتجرأ عبدالرحمن على قهر السيدة فاطمة بنت الحسين من الزواج . فاحتمال وقوع الزواج قهرا من قبل
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 240:2 .
--------------------------------------------------------------------------------
مصعب بن الزبير للسيدة آمنة أمر غير مقبول من خلال ماذكرناه من قرائن .
المناقشة الثانية:
روى ابن عبد ربه أنه : لما قتل مصعب خرجت سكينة بنت الحسين تريد المدينة ، فأطاف بها أهل العراق وقالوا : أحسن الله صحابتك يا ابنة رسول الله ، فقالت : لا جزاكم الله عني خيرا ، ولا أخلف عليكم بخير من أهل بلد ، قتلتم أبي وجدي وعمي وزوجي ، أيتمتموني صغيرة وارملتموني كبيرة(1) .
يشير الخبر إلى مصاحبة سكينة بنت الحسين لمصعب بن الزبير عند وروده الكوفة ، والخبر رغم إرساله إلا أن مؤرخي مقتل مصعب بن الزبير أرسلوه إرسال المسلمات دون مناقشته سندا ودلالة .
أما سنده: فقد ذكرنا إرساله فهو ساقط عن الاعتبار .
وأما دلالته: فإنه يريد إثبات قضيتين أشغلت الكثير ممن نحى المنحى الزبيري في كتابة التاريخ .
أما القضية الأولى
فهي محاولة تأكيد زواج آمنة من مصعب بن الزبير ، وكونه جاء بأهله إلى الكوفة فقتل هناك .
والحق أن هؤلاء خلطوا بين «آمنة» سكينة بنت الحسين التي أوردتها روايات مصعب بن الزبير حتى ارتكز في أذهانهم أن سكينة هذه التي ترافق مصعب في مسيره إلى الكوفة هي بنت الحسين عليه السلام ، إلا أن الحق في ذلك أن
___________
(1) العقد الفريد 150:5 .
--------------------------------------------------------------------------------
سكينة التي رافقت مصعبا في مسيره هي سكينة ابنته وليست زوجته ، فهي بنت مصعب من زوجته فاطمة بنت عبدالله بن السائب .
قال ابن كثير في البداية والنهاية : وكان لمصعب من الولد عكاشة وعيسى الذي قتل معه ، و«سكينة» وأمهم فاطمة بنت عبدالله بن السائب(1) .
فسكينة التي رافقت مصعبا هي ابنته وليست بنت الحسين كما اختلط على رواة الخبر ، وليس لـ«آمنة» سكينة بنت الحسين في أحداث مصعب أية دخالة .
القضية الثانية
محاولة الخبر التأكيد على نظرة أموية مختلقة ، مفادها أن الذين قتلوا الحسين بن علي عليهما السلام هم شيعة الحسين عليه السلام وليس لبني أمية دخل في ذلك ، محاولة منهم لإبعاد المسؤولية عن الأمويين ، وإلقائها على عاتق الشيعة الذين راسلوا الحسين عليه السلام وأقنعوه بالمسير إليهم ، فوثبوا عليه وقتلوه . وبهذا يحاولون أن يجردوا الأمويين عن وصمة عار ما ارتكبوه في حق سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي محاولات خاسرة كما ترى . فالشيعة لا يمكن أن يتحملوا مسؤولية سفك دماء آل البيت الأطهار عليهم السلام ، والكوفة عرفت بولائها لهذا البيت الطاهر ، فهم حملة أخبارهم ورواة حديثهم وأجلة أصحابهم ، ومأساة الطف إحدى نزعات بني أمية في محاولة استئصال أهل هذا البيت عليهم السلام ، ولا يمكن للتاريخ أن يتنكر ما ارتكبه هؤلاء من سفك دماء الأطهرين منافسة لهم وخشية على سلطانهم ، والذين ناصروا بني أمية هم خوارج هذه الأمة وشذاذها من شاميين ومرتزقة يقتاتون على موائد
____________
(1) البداية والنهاية 8 : 322 .
--------------------------------------------------------------------------------
الأمويين ، ولا يمكن بعد ذلك للشيعة أن يلتقوا مع أعدائهم التقليديين الأمويين ، ليتحالفوا معهم على محاربة أهل البيت عليهم السلام وسفك دمائهم .
وبهذا حاول الخبر التأكيد على قضيتي زواج آمنة من مصعب بن الزبير ، ومحاولة إلقاء مسؤولية شهادة الحسين بن علي عليهما السلام على عاتق شيعته ، وبراءة الأمويين من عار ما جنوه حرصا منهم على الملك والسلطان .
والنتيجة : عدم وقوع زواج السيدة «آمنة» بنت الحسين عليهما السلام من مصعب بن الزبير ؛ لعدم تمامية الأخبار الزبيرية الضعيفة الواردة في هذا الشأن ، فضلا عن قرائن تمنع من وقوع مثل هذا الزواج الذي صورته روايات زبيرية فقط ، رواها الزبير بن بكار ومصعب الزبيري وعروة بن الزبير ، وقد عرفت حالهم فلا نعيد .
ثانيا: عبدالله بن عثمان ابن حزام
وهو ضمن القائمة الثانية من أزواج «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام التي روتها الأخبار ، وسنكتفي في رد الرواية لضعفها ، وذلك إذا ما علمنا أن رواة الخبر هما الزبيريان المعروفان ، الزبير بن بكار وعبدالله بن مصعب الزبيري ، وتقدم شرح حالهما من الضعف ورد أحاديثهما ، وكونهما يرويان المناكير ويكثران عن الضعفاء ، إلى غير ذلك من الطعون التي ذكرها أهل الجرح وطعنوا في وثاقتهما ، هذا أولا .
وثانيا: أن خبر زواج عبدالله بن عثمان ابن حزام أكده الزبيريون ؛ لكون أمه رملة بنت الزبير بن العوام ، فخؤولته الزبيرية تدفع بالرواة الزبيريين إلى إثباته ، محاولة منهم للحصول على موقف التوافق بين البيتين ، آل علي وآل الزبير ، وتصوير حالة من التقارب والتفاهم بينهما ، تغطية منهم على أحداث
--------------------------------------------------------------------------------
الجمل ، وما كان من خروج الزبير بن العوام في تلك المعركة الخاسرة على إمام زمانه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأن آل البيت عليهم السلام لا يزالون ينظرون إلى الزبير وآله بعين الرضا والقبول ، وهذا ما لا يمكن قبوله فعلا ؛ إذ لا يزال الزبير وآله من الخارجين على إمام زمانهم ، ومواقف عبدالله بن الزبير العدائية لآل البيت عليهم السلام يشهد بها تاريخه المعروف بمغامراته ، ومحاولات التقارب المفتعلة لاسباغ الشرعية على البيت الزبيري موهونة لا يمكن قبولها ، ولا زال التباعد بين هذين البيتين ظاهرا على مواقف الفريقين ، فلا يمكن تحسين صورة الزبيريين بحالات الزواج المتعددة من السيدة آمنة ، وتبقى الفجوة بين الأطروحتين عميقة لا يمكن إلغاؤها ، وفي ضمن نظرة العداء والخلاف بين آل علي وآل الزبير لا يمكن أن نتصور صحة خبر زواج عبدالله بن عثمان من السيدة آمنة فضلا عن ضعف سنده وسقوطه عن الاعتبار .
ومما يثير الشك في صحة هذه الدعوى ، ما رواه أبو منصور البغدادي ، عن المدائني ، عن مجالد ، عن الشعبي: أن سكينة نشزت على زوجها عبدالله ابن عثمان ابن حزام فشكتها أمه رملة بنت الزبير بن العوام إلى عبدالملك(1) .
ولا ندري مكان عبدالملك من قضية النشوز هذه ، مع وجود أخيها الإمام علي بن الحسين عليهما السلام ، الذي بإمكانه حل هذه القضية الخاصة بأخته آمنة وزوجها ، وهي ليست من الأهمية بمكان حتى تلجأ أم عبدالله إلى رفع أمر ابنها وزوجته إلى عبدالملك ، وكان يومئذ خليفة يقيم في الشام ، ورملة بنت الزبير في المدينة ، فما الذي دعا رملة إلى أن تشكو كنتها إلى الخليفة ؟!
____________
(1) بلاغات النساء :146 .
--------------------------------------------------------------------------------
وهل تقتضي هذه الحادثة الخاصة ـ التي لا علاقة لها بشؤون الخلافة ـ أن يستمع الخليفة إلى دعاوي نشوز امرأة على زوجها ؟!
ثم إن الحادثة معلومة دوافعها ، وهي محاولة تصوير السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام بارتكاب مخالفات الشريعة ، والخروج عن طاعة الزوجية دون مراعاة الأحكام ، وبهذا سيحصل رواة هذا الخبر إلى تصوير أهل البيت عليهم السلام المعروفين بقداستهم وورعهم ، إلى أهل بيت من عامة الناس يرتكبون ما يرتكبه الآخرون من مخالفة أحكام الدين ومحظورات الشريعة .
أما رواة الخبر مثل مجالد والشعبي فليسا بشيء .
أما مجالد: فقد عده ابن عدي في الضفعاء .
قال علي بن المديني : قلت ليحيى بن سعيد : فمجالد ؟ قال : في نفسي منه ...(1) .
وعن بشر بن آدم ، قلت لخالد بن عبدالله الواسطي: دخلت الكوفة وكتبت عن الكوفيين ولم تكتب عن مجالد ؟ قال: لأنه كان طويل اللحية .[وهي كناية عن استخفاف الواسطي بمجالد] .
وعن يحيى قال: مجالد بن سعيد ، ضعيف .
وفي موضع آخر: مجالد وحجاج لا يحتج بحديثيهما .
وقال ابن عدي: سمعت ابن حماد يقول: قال السعدي: مجالد بن سعيد يضعف حديثه .
وعن عبدالرحمن بن مهدي يقول: سمعت سفيان يقول: أشعث ـ يعني ابن سوارـ أثبت من مجالد ، وكان يحيى يضعف حديث مجالد بن
____________
(1) الكامل في الضعفاء لابن عدي 168:8 .
--------------------------------------------------------------------------------
سعيد وكان ابن مهدي لا يروي عنه .
وعن ابن مهدي : لا يروى عنه .
وعن ابن أبي عصمة ، عن أبي طالب : سألت أحمد بن حنبل عن مجالد ، فقال: ليس بشيء ، يرفع حديثا منكرا لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس .
وقال النسائي: مجالد بن سعيد ، كوفي ضعيف(1) .
أما الشعبي: فهو عامر بن شراحيل بن عبد ، أبو عمرو الهمداني ، أنموذج من نماذج العداء والبغض لعلي وشيعته ، فكان لا يروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام على الرغم من روايته وحفظه ، واعترف بذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب فقال: وقال الدار قطني في العلل: لم يسمع الشعبي من علي إلا حرفا واحدا ما سمع غيره (2) .
وهو يعني رواية الشعبي عن علي رواية واحدة على الرغم مما عرف به من حفظه . ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل أوغل في عدائه لعلي عليه السلام بحجة أن الشيعة كانوا السبب في تجنبه مروياته عنه عليه السلام فقال: لقد بغضوا إلينا حديث علي بن أبي طالب(3) .
وإذا كان هذا حال الشعبي في عدائه وبغضه لعلي عليه السلام ، فمتى يتم لنا قبول مروياته خصوصا ما يتعلق بأهل البيت عليهم السلام ، والرواية واضحة الطعن والتوهين لأهل البيت وهي من موارد الخلاف والشك في صحة الحادثة
____________
(1) الكامل في الضعفاء 169:8ـ170 .
(2) تهذيب التهذيب 62:4 .
(3) العقد الفريد لابن عبد ربه 223:2 . وراجع ما ذكره ابن عبد ربه من كلام الشعبي في الشيعة ، وكونهم يهود هذه الأمة .
--------------------------------------------------------------------------------
وعدم وقوعها .
أما ما رووه عن ولادة السيدة آمنة من عبدالله بن عثمان ابن حزام ولدا اسمه قرين(1) فغير صحيح ، فإن قرينا المعروف هو قرين بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة وأمه زبيبة(2) . وليس لقرين بن عبدالله بن عثمان من وجود ، ولم تشر إلى ذلك المصادر الرجالية ، ولعل مقتضيات الواقعة أجبرت رواتها إلى اختلاق مثل هذه الشخصية الموهومة .
إذن لم يثبت زواج السيدة «آمنة» بنت الحسين عليهما السلام من عبدالله بن عثمان ابن حزام لضعفها سندا ، وعدم تماميتها دلالة .
ثالثا: الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان
وهو ممن أشارت إليه روايات الإصفهاني وابن خلكان وسبط ابن الجوزي ، واتفقت على عدم الدخول بها ـ إن صح وقوع ذلك ـ إلا خبر ابن سعد في الطبقات فقال: تزوجها . ولعله أشار إلى الأعم من الدخول وعدم الدخول ، واتفاقهم على عدم الدخول يشير إلى ما قصده ابن سعد من عدم الدخول كذلك .
والخبر لا يمكن قبوله بقرينة مهمة ، وهي: أن الأصبغ بن عبدالعزيز كان واليا لعبد الملك بن مروان في مصر ، والسيدة آمنة بنت الحسين إقامتها في المدينة ، وهي لم تغادرها أبدا ، فكيف يتسنى لهذا المرواني من زواجها ؟ بل كيف ومتى وقع العقد ولم يدخل بها ؟ وما هي أسباب عدم الدخول ؟
___________
(1) وجاء في الأغاني 161:16 أن سكينة ولدت من هذا الحزامي بنتا . وقبلها في صفحة 159 ذكر أبوالفرج أن هذه البنت لمصعب بن الزبير . وأما قرين فهو المسمى بعثمان ولد زيد بن عمرو بن عثمان ، كما قال في الأغاني 163:16 . روايات الواحدة تلو الأخرى متهافتة ، وكل رواية تنقض الأخرى ، والكل في تناقض وتهافت .
(2) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد 127:4

محمد النفس الزكية
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1642
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
مكان: هُنــــاك

مشاركة بواسطة محمد النفس الزكية »

كل هذه الاستفهامات وغيرها ، التي نضعها على الخبر توجب توهينه وعدم قبوله ، مما يعني عدم وقوع الزواج ، وما ذكرت من أخبارها أكثرها مرسلة ، وما أسند منها فضعيف ؛ لروايته من قبل الزبير بن بكار ومصعب الزبيري ، من أبطال وضع روايات وقصص سكينة ، وقد عرفت حالهما ، وقد أشرنا في مطاوي البحث إلى أن أخبار الزواج هي تشكيلات زبيرية ـ مروانية واضحة القصد ومعلومة الإرادة.
وعلى هذا فخبر زواج الأصبغ بن عبدالعزيز من السيدة آمنة بنت الحسين غير تام.
رابعا وخامسا: زيد بن عمرو بن عثمان وإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف
وهما المشتركان في قائمتي أبي الفرج الإصفهاني وابن سعد ، بل هما المشتركان في حدث واحد هكذا :
قال ابن سعد : فخلف عليها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري . كانت ولته نفسها ، فتزوجها ، فأقامت معه ثلاثة أشهر ، فكتب هشام ابن عبدالملك إلى واليه بالمدينة أن فرق بينهما ففرق بينهما...(1).
قال ابن خلكان: تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل...(2).
يضعانا هذين النصين أمام تساؤلات مهمة:
الأول: اشتراك الاسمين في حدث واحد.
الثاني: ما الذي دفع هشام بن عبدالملك وسليمان بن عبدالملك أن
___________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 320:6.
(2) وفيات الأعيان 378:1.
--------------------------------------------------------------------------------
يأمرا إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وعمرو بن عثمان من طلاقهما للسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين ؟
الثالث: هل كان لهذين الأمويين هشام وسليمان ولاية على نساء آل أبي طالب ، مع وجود الإمام علي بن الحسين عليهما السلام وآل علي وآل عقيل ، حتى يتوليا أمر طلاقهن وتسريحهن ؟!
الرابع: ذكر الخبر أن السيدة آمنة ولت أمر نفسها إلى إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فتزوجها... فأين كان أولياء أمورها كأخيها الإمام زين العابدين عليه السلام ، أو ابن أخيها الإمام محمد الباقر عليه السلام ، حتى تولي أمر نفسها إلى أبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الذي كان معروفا باختلاف موقفه من أهل البيت عليهم السلام ، وتباينه عنهم ، كما كان عليه أبوه من قبل ؟!
هذه التساؤلات نضعها أمام خبري زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، فهل نجد الإجابة الوافية لهذه التساؤلات حتى يتم لنا قبول الخبر أو رفضه؟
أحسب أن الإجابة لذلك غير وافية ، ويبقى خبر زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وزيد بن عمرو بن عثمان مردودا؛ إذ لم تكن هناك قرائن على صحة قيام مثل هذين الزواجين ، بل القرائن على خلافهما ، ومن هذه القرائن:
أولا: صرح الإصفهاني في خبر خطبة أبراهيم بن عبدالرحمن أن سكينة بعثت إليه : أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخطبها ؟ فامسك عن ذلك(1).
____________
(1) الأغاني 161:16.
--------------------------------------------------------------------------------
والخبر يشير إلى عدم وجود كفاءة بين الطرفين ، وإقدام إبراهيم على ذلك أمر مخالف لما ارتكز في أذهان الناس من عدم كفئه لبني هاشم ، ولسكينة بالخصوص ، فكيف يتم الزواج بعد ذلك ؟!
ثانيا: أن ابن عساكر يروي أنها تزوجت الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف من غير ولي ، في حين تذكر بقية الأخبار أن إبراهيم ابن عبد الرحمن قد تزوجها.
قال ابن عساكر: نكحت سكينة بنت الحسين الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف بغير ولي ، فكتب عبدالملك إلى هشام بن إسماعيل أن فرق بينهما(1).
وبهذا فإن الخبر يذكر مرة أنه تزوجها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وأخرى أنه تزوجها ولده الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، فما معنى هذا الاضطراب ؟
إذن فخبر زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف مضطرب أشد الاضطراب ، فمرة أنها تزوجته بعد أن ولته نفسها ، ومرة لم يدخل بها ، وأخرى رفضته كونه غير كفء لها ، وتارة أنها تزوجت من ولده الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وهذا الاضطراب يؤكد عدم وقوع الحادثة لتناقضاتها الواضحة واضطرابها البين.
ثالثا: أن خبر زواجها من زيد بن عمرو بن عثمان ثم طلاقها من قبل سليمان بن عبدالملك أمر يثير السخرية ، فهو يصور السيدة آمنة بأنها امرأة خرقاء ، ترتكب أعمالا لا يقدم عليها إلا الأحمق ، فما معنى خروجها إلى
____________
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر ، تراجم النساء : 158 .
--------------------------------------------------------------------------------
مكة ثم عودتها إلى المدينة ثم خروجها إلى مكة ، وهكذا لا يقر لها قرار ، حتى إن ذلك أثار حفيظة الخليفة الأموي فأمر العثماني بطلاقها ؟!
قال الاصفهاني : بعد طلاق سكينة من الأصبغ المرواني فخلف عليها العثماني ، وشرطت عليه ألا يطلقها ولا يمنعها شيئا تريده ، وأن يقيمها حيث خلتها أم منظور ، ولا يخالفها في أمر تريده ، فكانت تقول له : يا بن عثمان أخرج بنا إلى مكة ، فإذا خرج بها فسارت يوما أو يومين قالت : ارجع بنا إلى المدينة ، فإذا رجع يومه ذاك قالت : أخرج بنا إلى مكة ، فقال له سليمان بن عبدالملك : اعلم أنك قد شرطت لها شروطا لم تف بها فطلقها فطلقها(1).
وهذا التصرف الأهوج الذي صوره الخبر لا ينسجم مع امرأة سوية عاقلة ، بل هو يحكي عن تصرفات امرأة حمقاء لا هم لها إلا الخروج من المدينة ، ثم عودتها إليها ، ثم خروجها منها ، وهكذا دون طائل ، فكيف يمكننا قبول مثل هذا الهوس وحكايات الحمقى لامرأة توصف بأنها من عقائل قريش ؟! مما يعني أن خبر الزواج أمر موضوع يراد منه المس بكرامة هذا البيت العلوي الطاهر.
رابعا: ومن القرائن المهمة على بطلان الخبر ، أن راويه هو أشعب ، وأشعب هذا متروك الحديث ضعيف ، يتعاطى الغناء واللهو ، ويكذب من أجل إضحاك الآخرين .
قال الأزدي : لا يكتب حديثه ، ونقل ابن حجر عنه في لسان الميزان أنه قال : أخذت الغناء عن معبد(2).
____________
(1) الأغاني 162:16 ، 163.
(2) لسان الميزان 503:1.
--------------------------------------------------------------------------------
هذا هو أشعب ، فهو ليس راوية ولا يؤخذ عنه ، بل عمد إلى التهريج واللهو ، وتكسب على موائد الخلفاء فأضحكهم دون تحرج في ارتكاب ما يخالف الشريعة من الكذب والتزوير ، وهذه إحدى مفترياته متقربا بذلك الى بني امية ، ومحاولاً تصوير التقارب بينهم وبين آل عليّ عليه السلام بهذه المصاهرة الكاذبة ، ومن جهة أخرى محاولا الإساءة إلى آل البيت عليهم السلام إرضاء لنزعة الأمويين في تزوير الحقائق وانتقاصهم عليهم السلام.
هذه القرائن تؤكد دون أدنى شك على عدم وقوع الزواج من إبراهيم ابن عبدالرحمن بن عوف ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، فهي محض اختلاق وتزوير.
على أنه يجب التنويه ، إلى ان بعض المؤرخين وأصحاب الأنساب ذكرواأن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وهو أخو زيد بن عمرو ، كان قد تزوج بأخت سكينة ـ فاطمة بنت الحسين ـ وكان عبدالله هذا موالا لأهل البيت عليهم السلام حافظا لعهدهم كما ذكروه . ولعلهم خلطوا في ذلك فجعلوا زواج سكينة بنت الحسين من زيد بن عمرو بن عثمان ، بدل زواج فاطمة بنت الحسين من عبدالله بن عمرو بن عثمان ، وهذه إحدى قرائن اضطراب الحادثة .
سادسا : عبدالله بن الحسن السبط
وهو المذكور في قائمة واحدة ، وهي قائمة أبي الفرج الإصفهاني فقط ، أما بقية القوائم فلم تذكره.
وانفراد أبو الفرج الإصفهاني في ذكر عبدالله بن الحسن من أزواج السيدة آمنة يفيدنا قرينة مهمة في صحة الزواج دون غيره ، فإن أبا الفرج الإصفهاني في صدد ذكر أزواج السيدة آمنة ، وذلك لتوجهاته في متابعة
أنساب آل أبي طالب ، ونزعته في دراسة الأنساب ـ مع ما تلاحظ عليه من المؤاخذات في هذا المجال ـ فهو حينما يذكر أزواج السيدة آمنة ، يأخذ بنظر الاعتبار تعداد أزواجها بغض النظر عن مدة مكوثه معها وإقامته .
أما غير أبي الفرج الإصفهاني فإنهم يأخذون بالاعتبار أحوال أزواج «آمنة» سكينة بنت الحسين ، وما صاحب ذلك من وقائع وسير وملاحم وتراجم أزواجها ، وليس من اهتمامهم تعداد أزواجها بقدر ما يحاولون ذكر أحوالهم وتراجمهم وما وقع لها معهم ، وهو كما عرفت تأكيد لنزعتهم في متابعة مغامرات الغزل والتشبيب ، وملاحم العبث ومجالس اللهو والغناء ، دون الاهتمام في معرفة أنساب المترجم لهم ، بقدر اهتمامهم في التفكه بما وقع لهؤلاء واستملاح قصصهم ومغامراتهم ، وفي الوقت نفسه إمعانا في نزعة هؤلاء من أتباع توجهات أسيادهم من زبيريين ومروانيين ، وطرح ما يصبو إليه هؤلاء من الانتقاص بمقام أهل البيت الطاهر عليهم السلام ورمي ما «أصيبوا» به غيرهم.
ويؤيد زواجها من عبدالله بن الحسن ، ما ذهب إليه أكثر مؤرخي الفريقين وجعلوه من المسلمات الثابتة ومن هؤلاء :
1ـ أبو علي الطبرسي في «إعلام الورى»(1).
2ـ أبو الحسن العمري في كتاب «المجدي في أنساب الطالبيين»(2).
3ـ السيد محسن الأمين العاملي في« أعيان الشيعة»(3).
____________
(1) اعلام الورى :127.
(2) المجدي في أنساب الطالبيين : 19 في باب أولاد الحسن بن علي عليهما السلام ، وعنه مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبدالرزاق المقرم :264.
(3) أعيان الشيعة 343:5.
4ـ الشيخ عباس القمي في «منتهى الآمال»(1).
5ـ السيد عبدالرزاق المقرم في «سكينة بنت الحسين عليهما السلام» وفي «مقتل الحسين عليه السلام»(2).
6ـ الشيخ محمد الصبان في « إسعاف الراغبين»(3).
7ـ أبو الفرج الإصفهاني في «الأغاني»(4).
8ـ المدائني في « المترادفات»(5).
هذا هو اتفاق أهل النسب والتاريخ ، من أن زوج السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام هو «عبدالله بن الحسن» الأكبر وهو الذي استشهد في واقعة الطف ، أمه رملة ، وهي أم القاسم بن الحسن عليه السلام.
على أن عبد الله بن الحسن هذا هو غير عبدالله بن الحسن الأصغر ، الذي لم يبلغ الحلم ، استشهد وله إحدى عشرة سنة.
قال السيد المقرم في شهادة عبدالله الأصغر : ... فنظر عبدالله بن الحسن السبط عليه السلام وله إحدى عشرة سنة إلى عمه ، وقد أحدق به القوم فأقبل يشتد نحو عمه ، وأرادت زينب حبسه فأفلت منها ، وجاء إلى عمه وأهوى بحر بن كعب ليضرب الحسين فصاح الغلام : يا ابن الخبيثة أتضرب عمي ؟ فضربه واتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة ، فصاح الغلام : يا عماه ! ووقع في حجر الحسين فضمه إليه ، وقال : يا ابن أخي اصبر على ما
____________
(1) منتهى الآمال 683:1 كما حكاه عن بعض مشجرات الأنساب.
(2) سكينة بنت الحسين :110 ، ومقتل الحسين عليه السلام :264.
(3) إسعاف الراغبين على هامش نور الأبصار :202.
(4) الأغاني 158:16و 160و162.
(5) المترادفات :64.
--------------------------------------------------------------------------------
نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله تعالى يلحقك بآبائك الصالحين... ورمى الغلام حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه(1).
والنتيجة: فعبدالله بن الحسن اثنان : أحدهما عبدالله الأكبر الملقب بأبي بكر وهو زوج السيدة آمنة بنت الحسين ، والثاني هو عبدالله الأصغر الذي لم يبلغ الحلم.
إذن عبدالله بن الحسن الأكبر هو زوج السيدة آمنة لم يعقب ، كما أنها لم تتزوج بعده فبقيت عليها السلام دون زواج حتى ماتت ـ رضوان الله عليها ـ في سنة (117هـ) في المدينة ، وهذا خلاف ما اختلقه بعضهم من تعدد أزواجها عليها السلام . ولا غرابة في أن السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام لم تتزوج بعد شهادة زوجها عبدالله بن الحسن السبط ، فكان هذا ديدن البعض من نساء أهل الشرف ، والمنسوبات للبيوتات المعروفة وقتذاك ، فأمها الرباب لم تتزوج بعد الحسين عليه السلام ، ورفضت أن تستجيب لخاطب من الخطاب ، وهذه نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بن عفان لما قتل زوجها رفضت خطبة معاوية كما ذكر ذلك ابن عبد ربه الأندلسي ، بل زاد في خبرها أنها قالت : إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب ، وقد خفت أن يبلى حزن عثمان في قلبي ، فدعت بفهر(2) فهشمت فاها وقالت : والله لا قعد مني رجل مقعد عثمان أبدا(3).
وقال بعضهم : إنها جدعت أنفها مخافة أن يخطبها خاطب ، فما
____________
(1) مقتل الحسين للسيد المقرم :280.
(2) الفهر ، والفهرة : حجر رقيق تسحق به الأدوية.
(3) العقد الفريد لا بن عبد ربه 174 :3 . وفي طبعة دارالكتاب بتحقيق الأبياري ورفقائه :242 .
--------------------------------------------------------------------------------

حسبك بمن رأت مصارع أهلها مجزرين على أرض كربلاء ؟ فالسيدة آمنة عليها السلام عاشت مأساة المجزرة الدامية التي نالت أباها الحسين عليه السلام وأخوتها ، خصوصا ما حدث لأخيها الرضيع عبدالله ، وزوجها عبدالله بن الحسن وأبناء عمومتها ، وما شاهدته من الأسر والسبي حيث يساقون هي وأهلها العقائل من بلد إلى بلد .
حزن الفاطميات
ومن السذاجة أن يتغافل هؤلاء المؤرخون الحمقى عن قضية لا يمكن إلغاؤها عن الواقع ، وهي فداحة الفاجعة التي أصابت آل البيت عليهم السلام في كربلاء ، وقد حضر المأساة وشاهد فصولها كاملة نساء آل علي عليه السلام ، وما تركته هذه الأحداث في نفوسهن الطاهرة من الحزن والبكاء الدائم على شهداء الواقعة ، وما عانينهن من ذل الأسر وسبيهن ووقوفهن في مجالس أعدائهن ، ومساءلتهن بشماتة ألغت معها كل معايير الشريعة ، وما تعارف عند المسلمين من كرامة أهل هذا البيت عليهم السلام واحتشامه ، فهل يبقى بعد ذلك احتمال لعاقل وغيور أن يقبل قصص تعدد الأزواج ، وحياة اللهو التي تمارسها السيدة آمنة كما صورها هؤلاء السذج ؟ بغض النظر عن الموانع الدينية التي عرف بها أهل هذا البيت رجالاً ونساءً . فإن الحالة النفسية التي يعيشها الفرد منهم يستحيل قبول سلوك مثل هذه الحياة العبثية ، والانتقال بين أحضان الأزواج ، من زبيريين إلى مروانيين وأمويين ، ولو كانت أكذوبة تعدد الأزواج قد صورتها هذه الأخبار الموضوعة أنهم من بني هاشم ، أمكن تصديقها لتوفر الكفاءة الدينية ، ومن ثم العرفية في هكذا زواج ، فما حسبك وهؤلاء الأزواج من أعداء أهل البيت عليهم السلام ؟
على أن الإمام الصادق عليه السلام صور حزن الفاطميات بقوله : «ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ، ولا رؤي الدخان في بيت هاشمي خمس حجج إلى أن قتل عبيدالله بن زياد» (1) .
بل إن السيدة آمنة عليها السلام حينما وصلت المسجد النبوي في المدينة صاحت : يا جداه إليك المشتكى مما جرى علينا ، فوالله ما رأيت أقسى من يزيد ، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرا منه ولا أجفى وأغلظ ، فلقد كان يقرع ثغر أبي بمخصرته وهو يقول : كيف رأيت الضرب يا حسين(2) .
هكذا عبرت السيدة آمنة عن لوعتها وتفجعها للمصاب ، فكيف تنسى بعد ذلك وترتكب حياة تعدد الأزواج ؟!
والسيدة الرباب أمها بكت على أبي عبدالله حتى جفت دموعها ، فأعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة ، فأمرت أن يصنع لها السويق لاستدرار الدموع(3) .
والإمام زين العابدين عليه السلام يدعو إلى الحزن على أبي عبدالله عليه السلام ويتعجب ممن لا يحزن من أجله ، ولا يبكي على مأساة ، فقال في خطبته حين وصول المدينة بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال :
« أيها القوم ، إن الله تعالى وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبدالله الحسين عليه السلام وعترته ، وسبيت نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية .
أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله ؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ؟ أم أية
____________
(1) مقتل الحسين للقرم :376 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق .
--------------------------------------------------------------------------------
عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون .
أيها الناس ، أي قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه ؟ أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمة في الإسلام ولا يصم ؟ أيها الناس ، أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الأمصار كأننا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكابناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين أن هذا إلا اختلاق ، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم اليهم الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأفجعها وأكظها وأفظها وأمرها وأفدحها ، فعند الله نحتسب ما أصابنا ، وما بلغ بنا ، فإنه عزيز ذو انتقام» (1) .
هذه هي وصية الإمام عليه السلام لشيعته بملازمة الحزن وتجدده عند ذكر سيد الشهداء عليه السلام ، وما ينبغي لهم ، فكيف بحال أخته الطاهرة السيدة آمنة عليها السلام وغيرهن من الفاطميات ؟!

محاولة تشويه الحقائق إذن
إذا عرفنا أحزان أهل البيت عليهم السلام وتفجعهم من وقع المأساة ، علمنا أن حزنهم هذا إدانة للأمويين ولمن نحى منحاهم ، والحزن الدائم الذي رفعه أهل البيت عليهم السلام شعارا لمظلوميتهم ، حاول أعداؤهم مسخه وتغييره إلى حالات من التوافق والانسجام بينهم وبين أعدائهم ، بل إلغاء أحزانهم عليهم السلام وإحالتها إلى قضية وقتية ، شعر بها أهل البيت عليهم السلام بالانقباض إبان واقعة الطف ، وانتهى الأمر بنسيانها وإسدال ستار العلاقات الطيبة بين أهل
____________
(1) مقتل الحسين عليه السلام للمقرم :374 .
-------------------------------------------------------------------------------

البيت عليهم السلام وبين الأمويين ، وأن المسألة لم تكن كما تصورها شيعتهم ، بل هي لا تعدو عن منازعة على سلطان انتهت بغلبة أحدهما وإعادة التفاهم بين الطرفين ، وجعلوا دلالة ذلك علاقات الزواج بين السيدة «آمنة» سكينة وبين أزواجها الزبيريين والأمويين ، وبذلك شطبوا على كل الأحداث التي مرت ، من خلال تحسين العلاقات بين الطرفين ، إضافة إلى إلغاء طابع المأساة الذي طبع به أهل البيت عليهم السلام حياتهم ، احتجاجا على ظالميهم .
في حين أن السيدة آمنة تبدو خلاف ذلك ، فهي في سعةٍ من العيش ، تمارس حياة طبيعية لا تشوبها ذكريات الطف . هذا حال المرأة التي من شأنها أن تستذكر أبدا أحزانها وتستعيد آلامها ، تعيش حياتها الطبيعية ، فكيف برجالهم ؟ فهم أولى بممارسة الحياة الطبيعية ، وإقامة العلاقات الطيبة بينهم وبين الأمويين والزبيريين ، وما هذا التباعد بين الطرفين إلا تخيلات الذين يحاولون تصوير عدم الرضا والتفاهم بين الطرفين .
هكذا سعى وضاع أخبار السيدة «آمنة» سكينة عليها السلام إلى إلغاء حالات التظلم التي اظهرها أهل البيت عليهم السلام إدانة لأعدائهم ، وكشفا عن مظلوميتهم النابعة عن إبعادهم عليهم السلام عن حقوقهم ، واستيلاء أعدائهم على مقاماتهم التي رتبها الله لهم ، فإذا ارتكزت أخبار زواج السيدة سكينة من تشكيلات أموية وزبيرية ، وإظهار حياتها مظهر اللهو والعبث ، فمتى يبقى بحال لقداسة مظلومية أهل البيت وسمو مقامهم في الأذهان ، إذا ما انفتح القارئ عل رؤية جديدة تحاول تطبيع العلاقات بين بيتين لم يتوافقا ؟ اختلفا في الله وافترقا في الله ، أي لا يزال أهل البيت عليهم السلام لم يتفقوا مع أطروحة أعدائهم ، مهما حاول الوضاع تصوير العلاقة بين الفريقين إلى حالة طبيعية منسجمة .
وحينما تزور الحقائق ...
يصل الأمر بهؤلاء الوضاعين أن يرووا روايات تخالف العقل والوجدان ، إمعانا منهم في الطعن بكرامة أهل البيت عليهم السلام والوصول إلى أهدافهم وغاياتهم .
فقد روى الإصفهاني عن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن الهيثم بن عدي ، عن صالح بن حسان وغيره : أن سكينة كانت عند عمرو بن حكيم بن حزام ، ثم تزوجها بعده زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، ثم تزوجها مصعب بن الزبير ، فلما قتل مصعب خطبها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فبعثت إليه : أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخطبها ؟ فامسك عن ذلك .
قال : ثم تنفست يوما بنانة جارية سكينة وتنهدت ، حتى كادت أضلاعها تتحطم ، فقالت لها سكينة : ما لك ويلك ! قالت : أحب أن أرى في الدار جلبة ـ تعني العرس .
فدعت مولى لها تثق به ، فقالت له : إذهب إلى إبراهيم بن عبدالرحمن ابن عوف فقل له : إن الذي كنا ندفعك عنه قد بدا لنا فيه ، أنت من أخوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاحضر بيتك .
قال : فجمع عدة من بني زهرة ، وأفناء قريش من بني جمح وغيرهم ، نحوا من سبعين رجلا أو ثمانين ، ثم أرسل إلى علي بن الحسين ، والحسن ابن الحسن وغيرهم من بني هاشم . فلما أتاهم الخبر اجتمعوا وقالوا : هذه السفيهة تريد أن تتزوج إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، فتنادى بنوهاشم واجتمعوا وقالوا : لا يخرجن أحد منكم إلا ومعه عصا ، فجاؤوا وما بقي إلا
الكلام ، فقال : اضربوا بالعصي ، فاضطربوا هم وبنو زهرة ، حتى تشاجوا ، فشج بينهم يومئذ أكثر من مئة إنسان ، ثم قالت بنو هاشم : أين هذه ؟ قالوا : في هذا البيت ، فدخلوا إليها فقالوا : أبلغ هذا من صنعك ؟ ثم جاؤوا بكساء فبسطوه ثم حملوها ، فأخذوا بجوانبه ـ أو قال : بزواياه الأربع ـ فالتفتت إلى بنانة فقالت : يا بنانة أرأيت في الدار جلبة ؟ قالت : أي والله إلا أنها شديدة(1) .
هكذا يروي هؤلاء أساطير دون وازع من دين ، ولا رادع من عقل .
الخلاصة
وخلاصة بحثنا أن السيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام اسمها «آمنة» ، وسكينة لقب لقبت به ، وكل ما قيل من شعر في سكينة فهي ليست سكينة بنت الحسين التي هي آمنة ، بل هناك سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، التي كانت معروفة بملاقاتها واجتماعها مع عمر بن أبي ربيعة الشاعر ، الذي تغزل بها وشبب بغيرها ، أمثال عائشة بنت طلحة بن عبيد الله زوجة مصعب ابن الزبير ، وسعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ، وبأم البنين بنت عبدالعزيز ابن مروان زوجة الوليد بن عبدالملك ، وغيرهن من النساء الأمويات والمروانيات ، وكانت سيرتهن مجالسة شعراء عصرهن وقتذاك ، ومسامرتهن لهم وتحرشهن بهم ، حتى عرفت فيهن ملاحم اللهو والعبث ، وهذا لعمري إحدى الانتقاصات التي وجهتها المعارضة العلوية الشيعية ، التي كانت تنظم بين الحين والآخر ضد النظام الأموي ، وما ماثلته من حركات زبيرية وأطروحات مخالفة لأهل البيت عليهم السلام ، وكانت هذه المعارضة تستعرض الانتهاكات الشرعية التي كانت ترتكبها هذه الأنظمة ، وما صاحبها
____________
(1) الأغاني 16 :161 .
--------------------------------------------------------------------------------
من حياة عابثة على مستوى نساء هذه التكتلات ، التي لا تقيم وزنا للمحاذير الشرعية وهي ترفع شعار الخلافة الإسلامية ، فهي لم تبق حرمة إلا انتهكتها ، ولا محذور إلا مارسته .
وبالمقابل تجد أهل البيت عليهم السلام لا يزالون يمثلون الخلافة الإلهية حقا ، بالرغم من إبعادهم عن ممارسة مهامهم ، وإقصائهم عن مناصبهم . فالأمة كلما نظرت إلى هؤلاء وأولئك تجد الفرق واضحا ، فهؤلاء أهل بيت الوحي ، ومعدن النبوة ، ومختلف الملائكة ، وأهل التقوى والورع . وأولئك الأمويون وغيرهم يرتكبون كل ما حرم الله .
أما قضية تعدد الأزواج ، فهي إساءة أخرى لهذا البيت الأقدس ، فضلا عما حاوله هؤلاء من التقريب بين آل علي عليه السلام وبين أعدائهم ، وإلغاء العداء التقليدي بينهم وبين مخالفيهم ، والحال أن أخبار الزواج بعد مناقشتها لم تصمد عدا ما ذكر من أن السيدة آمنة بنت الحسين تزوجت من عبدالله بن الحسن السبط الذي استشهد في واقعة الطف ، ولم تتزوج بعده حتى ماتت رضوان الله عليها من عفيفة الطالبيين ، وعقيلة القرشيين .
إنها آمنة بنت الحسين بن علي عليهم السلام ، وحسبك بذلك فخرا وشرفا وعزا ، وأحبط الله محاولات الظالمين الذين أرادوا تشويه تاريخ أهل البيت عليهم السلام ؛ ليضيفوا إلى مظلومياتهم ، مظلومية أخرى ، والله من ورائهم محيط . وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون ، والعاقبة للمتقين . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .


-------------------------------------------------------------------------------


ثبت المصادر
1ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد :
أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت/413هـ) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم ، الطبعة الأولى 1413هـ .
2ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة :
أبو الحسن علي بن محمد عزالدين ابن الأثير الجزري (ت/630هـ) ، تحقيق محمد إبراهيم البنا ، ومحمد أحمد عاشور ، ومحمود عبدالوهاب ، دار الشعب ـ القاهرة 1970م .
3ـ إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين :
أبو العرفان محمد بن علي الصبان المصري (ت/1206هـ) ، المطبوع بهامش نور الأبصار للشبلنجي ، دار الكتب العلمية ، و دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، بدون تاريخ .
4ـ الإصابة في تمييز الصحابة :
أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني (ت/856هـ) ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، بدون تاريخ ، أفست على الطبعة الأولى لسنة 1328 هـ .
5ـ أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام :
عمر رضا كحالة (ت/ 1987م) ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، الطبعة العاشرة 1412هـ/1991م .

--------------------------------------------------------------------------------
6ـ إعلام الورى بأعلام الهدى :
أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت/548) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري ، دار المعرفة ـ بيروت 1399هـ/ 1979م .
7ـ أعيان الشيعة :
السيد أبو محمد باقر محسن بن عبدالكريم بن علي الأمين العاملي الشقرائي (ت/1371هـ ـ 1952م) ، تحقيق : حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت 1402هـ/1983م .
8ـ الأغاني :
أبو الفرج علي بن الحسين الإصفهاني القرشي الأموي (ت/ 356هـ) ، تحقيق : الأستاذ عبد علي مهنا ، والأستاذ سمير جابر ، دار الفكرـ بيروت ، الطبعة الأولى 1407هـ/1986م .
9ـ الأمالي :
أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (ت/356هـ) ، تصحيح محمد عبدالجواد الأصمعي بدار الكتب المصرية ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، أفست على طبعة دار الكتب المصرية ـ القاهرة ، وكتب في نهاية الكتاب كان الفراغ من تصحيحه في 1344هـ/1926م .
10ـ الإمامة والسياسة :
أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت/276هـ) ، تحقيق : طه محمد الزيني ، مؤسسة الحلبي وشركاءه للنشر والتوزيع ـ القاهرة 1378هـ/1967م .
11ـ بحارالأنوار :
محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت/1111هـ) ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الثالثة 1403هـ/1983م .
12ـ البداية والنهاية :
أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت/774هـ) ، تحقيق : مكتب تحقيق التراث في دار إحياء التراث العربي ، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت 1413هـ/1993م .
--------------------------------------------------------------------------------
13ـ بلاغت النساء :
أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور (ت/280هـ) ، طبعة الشريف الرضي ـ قم ، بدون تاريخ ، أفست على طبعة دار النهضة الحديثة .
14ـ تاريخ آداب اللغة العربية :
جرجي زيدان (ت/1914م) ، منشورات دار ومكتبة الحياة ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1978م .
15ـ تاريخ ابن خلدون :
أبو زيد عبدالرحمن بن محمد ابن خلدون الحضرمي الإشبيلي (ت/808هـ) ، تحقيق : خليل شحادة ومراجعة سهيل زكار ، دارالفكر ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1408هـ/1988م .
16ـ تاريخ الطبري(وهو تاريخ الأمم والملوك) :
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت/310هـ) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار التراث ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1387هـ/1967م .
17ـ تاريخ مدينة دمشق/ تراجم النساء :
أبو القاسم علي بن الحسن ابن عساكر الشافعي الدمشقي (ت/571هـ) ، تحقيق : سكينة الشهابي ، دار الفكر ـ دمشق 1402هـ/1981م .
18ـ تاريخ اليعقوبي :
أحمد بن إسحاق بن جعفر اليعقوبي (ت/بعد292هـ) ، دار صادر ـ بيروت ، بدون تاريخ .
19ـ تذكرة الخواص :
أبو المظفر : يوسف بن عبدالله شمس الدين قزأ وغلي سبط ابن الجوزي الحنفي (ت/654هـ) ، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم ، مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران ، بدون تاريخ .
20ـ تراجم أعلام النساء :
محمد حسين الأعلمي الحائري (ت/1391هـ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1407هـ/1987م .
--------------------------------------------------------------------------------
21ـ ترجمة الإمام الحسين بن علي عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق :
أبو القاسم علي بن الحسن ابن عساكر الشافعي الدمشقي (ت/571هـ) ، تحقيق : محمد باقر المحمودي ، مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1398هـ/1978م .
22ـ تقريب التهذيب :
أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني (ت/852هـ) ، تحقيق : عبدالوهاب عبداللطيف ، دار المعرفة ـ بيروت 1380هـ .
23ـ تهذيب التهذيب :
أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني (ت/852هـ) ، تحقيق : محمد شريف الدين ، وأبو الحسن ، دارالفكر ـ بيروت 1404هـ/1984م .
24ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال :
أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبدالرحمن المزي (ت/742هـ) ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، الطبعة الرابعة 1406هـ/1985م .
25ـ الجامع الصحيح (وهو سنن الترمذي) :
أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت/279هـ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر للجزأين الأول والثاني ، ومحمد فؤاد عبدالباقي للجزء الثالث ، وإبراهيم عطوه عوض للجزأين الرابع والخامس ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الأولى بين سنة 1357هـ/1938م ـ 1381هـ/1962م .
26ـ الخصال :
أبو جعفر محمد بن علي ابن بابويه القمي (ت/1381هـ) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري ، مركز النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين بالحوزة العلمية ـ قم ، الطبعة الأولى 1403هـ .
27ـ ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى :
أبو العباس محب الدين الطبري أحمد بن عبدالله بن محمد (ت/694هـ) ، دار المعرفة ـ بيروت ، أفست على طبعة مطبعة القدسي ، ومطبعة السعادة ـ القاهرة ، بدون تاريخ .
--------------------------------------------------------------------------------
28ـ السيدة سكينة :
عبدالرزاق بن محمد بن عباس الموسوي المقرم (ت/ 1391هـ) ، طبعة في 124 صفحة مع الفهرس وإصلاح الأخطاء ، بدون تاريخ ولا أي معلومة .
29ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب :
أبو الفلاح عبدالحي بن أحمد شهاب الدين ابن العماد الحنبلي الدمشقي (ت/1089هـ) ، تحقيق : محمود الأرناؤوط ، دار ابن كثيرـ دمشق ، الطبعة الأولى 1406هـ/1986م . 30ـ صفة الصفوة :
أبو الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت/597هـ) ، تحقيق : محمود فاخوري ، دار المعرفة ـ بيروت ، الطبعة الرابعة 1406هـ/1986م .
31ـ الطبقات الكبرى :
أبو عبدالله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (ت/230هـ) ، تحقيق : إحسان عباس ، دار بيروت للطباعة والنشرـ بيروت 1405هـ/1985م ، أفست على طبعة دار صادر .
32ـ العقد الفريد :
أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت/328هـ) ، تحقيق أحمد أمين ، وأحمد الزين ، وإبراهيم الأبياري ، دار الكتاب العربي ـ بيروت 1406هـ/1986م .
33ـ الفهرست :
أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد النديم (ت/380هـ) ، تحقيق : رضا تجدد بن علي الحائري المازندراني ، مطبعة المروي ـ طهران ، الطبعة الأولى 1391هـ/1971م .
34ـ الكامل في التاريخ :
أبو الحسن عز الدين علي بن محمد الشيباني ابن الأثير الجزري (ت/630هـ) ، تحقيق : المستشرق كارلوس يوهنس تورنبرغ مع فريق من العلماء ، وإضافات لدار صادر ، دار صادرـ بيروت 1402هـ/1982م .
35ـ الكامل في ضعفاء الرجال :
أبو أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني (ت/365هـ) ، تحقيق : الدكتور سهيل زكار ومراجعة يحيى مختار غزاوي ، دار الفكرـ بيروت ، الطبعة الثالثة 1409هـ/1988م .
--------------------------------------------------------------------------------
36ـ لسان الميزان :
أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني (ت/852هـ) ، دار الفكرـ بيروت ، الطبعة الأولى 1408هـ/1988م .
37ـ المجدي في أنساب الطالبيين :
أبو الحسن علي بن محمد بن علي نجم الدين العمري النسابة (كان حيا بعد : 443هـ) ، تحقيق : الدكتور أحمد المهدوي الدامغان ، مطبعة سيد الشهداء ـ قم ، الطبعة الأولى 1409هـ .
38ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :
أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت/807هـ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1408هـ/1988م .
39ـ مرآة الجنان وغبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان :
أبو محمد عبدالله بن أسعد بن علي اليافعي اليمني المكي ( ت/768هـ) ، دار الكتاب الإسلامي ـ القاهرة ، الطبعة الثانية 1413هـ/1993م .
40ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر :
أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت/346هـ) ، تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد ، دار الفكرـ بيروت ، الطبعة الخامسة 1393هـ/1973م .
41ـ المستدرك على الصحيحين :
أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري (ت/405هـ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1411هـ/1990م .
42ـ المعارف :
أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت/276هـ) ، تحقيق : الدكتور ثروت عكاشة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ، الطبعة السادسة 1992م .
43ـ المعجم الأوسط :
أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت/276هـ) ، تحقيق : الدكتور محمد الطحان ، مكتبة المعارف ـ الرياض ، الطبعة الأولى 1405هـ/1985م .
--------------------------------------------------------------------------------
44ـ المعجم الكبير :
أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت/360هـ) ، تحقيق : حمدي عبدالمجيد السلفي ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1404هـ/1984م .
45ـ المغني في الضعفاء :
أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان شمس الدين الذهبي ( ت/748هـ) ، تحقيق : أبو الزهراء حازم القاضي ، دارالكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1418هـ/1997م .
46ـ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة :
محمد جواد الحسيني العاملي (ت/1228هـ) ، دارإحياء التراث العربي ـ بيروت ، أفست على طبعة المطبعة الرضوية ـ القاهرة لسنة 1324هـ .
47ـ مقاتل الطالبيين :
أبو الفرج علي بن الحسين الإصفهاني القرشي الأموي (ت/356هـ) ، تحقيق : أحمد صقر ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1408هـ/1987م .
48ـ مقتل الحسين :
ابو المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم (ت/568هـ) ، تحقيق : الشيخ محمد السماوي ، منشورات مكتبة المفيد ـ قم ، أفست على طبعة النجف 1367هـ .
49ـ مقتل الحسين :
عبدالرزاق بن محمد بن عباس الموسوي المقرم ( ت/1391هـ) ، نشر قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ـ طهران ، بدون تاريخ .
50ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم :
ابو الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت/1391هـ) ، تحقيق : محمد عبدالقادر عطا ، ومصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1412هـ/1992م .
51ـ منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل :
عباس بن محمد رضا النجفي القمي (ت/1359هـ) ، تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم ، مطبعة المؤسسة ، الطبعة الثانية 1416هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
52ـ ميزان الاعتدال :
أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان شمس الدين الذهبي (ت/748هـ) ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، دار الفكر ـ بيروت ، أرخ مقدمة التحقيق في مصر الجديدة ـ القاهرة 1382هـ/1963م .
53ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة :
أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي (ت/874هـ) ، تحقيق : المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ـ القاهرة 1383هـ/1963م .
54ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة :
محمد بن الحسن الحر العاملي (ت/1104هـ) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم ، الطبعة الأولى 1409هـ .
55ـ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان :
أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت/681هـ) ، تحقيق : الدكتور إحسان عباس ، دار الثقافة ـ بيروت 1970م ، أفست على طبعة دار صادر.

محمد النفس الزكية
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1642
اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
مكان: هُنــــاك

مشاركة بواسطة محمد النفس الزكية »

كل هذه الاستفهامات وغيرها ، التي نضعها على الخبر توجب توهينه وعدم قبوله ، مما يعني عدم وقوع الزواج ، وما ذكرت من أخبارها أكثرها مرسلة ، وما أسند منها فضعيف ؛ لروايته من قبل الزبير بن بكار ومصعب الزبيري ، من أبطال وضع روايات وقصص سكينة ، وقد عرفت حالهما ، وقد أشرنا في مطاوي البحث إلى أن أخبار الزواج هي تشكيلات زبيرية ـ مروانية واضحة القصد ومعلومة الإرادة.
وعلى هذا فخبر زواج الأصبغ بن عبدالعزيز من السيدة آمنة بنت الحسين غير تام.
رابعا وخامسا: زيد بن عمرو بن عثمان وإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف
وهما المشتركان في قائمتي أبي الفرج الإصفهاني وابن سعد ، بل هما المشتركان في حدث واحد هكذا :
قال ابن سعد : فخلف عليها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري . كانت ولته نفسها ، فتزوجها ، فأقامت معه ثلاثة أشهر ، فكتب هشام ابن عبدالملك إلى واليه بالمدينة أن فرق بينهما ففرق بينهما...(1).
قال ابن خلكان: تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل...(2).
يضعانا هذين النصين أمام تساؤلات مهمة:
الأول: اشتراك الاسمين في حدث واحد.
الثاني: ما الذي دفع هشام بن عبدالملك وسليمان بن عبدالملك أن
___________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 320:6.
(2) وفيات الأعيان 378:1.
--------------------------------------------------------------------------------
يأمرا إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وعمرو بن عثمان من طلاقهما للسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين ؟
الثالث: هل كان لهذين الأمويين هشام وسليمان ولاية على نساء آل أبي طالب ، مع وجود الإمام علي بن الحسين عليهما السلام وآل علي وآل عقيل ، حتى يتوليا أمر طلاقهن وتسريحهن ؟!
الرابع: ذكر الخبر أن السيدة آمنة ولت أمر نفسها إلى إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فتزوجها... فأين كان أولياء أمورها كأخيها الإمام زين العابدين عليه السلام ، أو ابن أخيها الإمام محمد الباقر عليه السلام ، حتى تولي أمر نفسها إلى أبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الذي كان معروفا باختلاف موقفه من أهل البيت عليهم السلام ، وتباينه عنهم ، كما كان عليه أبوه من قبل ؟!
هذه التساؤلات نضعها أمام خبري زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، فهل نجد الإجابة الوافية لهذه التساؤلات حتى يتم لنا قبول الخبر أو رفضه؟
أحسب أن الإجابة لذلك غير وافية ، ويبقى خبر زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وزيد بن عمرو بن عثمان مردودا؛ إذ لم تكن هناك قرائن على صحة قيام مثل هذين الزواجين ، بل القرائن على خلافهما ، ومن هذه القرائن:
أولا: صرح الإصفهاني في خبر خطبة أبراهيم بن عبدالرحمن أن سكينة بعثت إليه : أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخطبها ؟ فامسك عن ذلك(1).
____________
(1) الأغاني 161:16.
--------------------------------------------------------------------------------
والخبر يشير إلى عدم وجود كفاءة بين الطرفين ، وإقدام إبراهيم على ذلك أمر مخالف لما ارتكز في أذهان الناس من عدم كفئه لبني هاشم ، ولسكينة بالخصوص ، فكيف يتم الزواج بعد ذلك ؟!
ثانيا: أن ابن عساكر يروي أنها تزوجت الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف من غير ولي ، في حين تذكر بقية الأخبار أن إبراهيم ابن عبد الرحمن قد تزوجها.
قال ابن عساكر: نكحت سكينة بنت الحسين الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف بغير ولي ، فكتب عبدالملك إلى هشام بن إسماعيل أن فرق بينهما(1).
وبهذا فإن الخبر يذكر مرة أنه تزوجها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وأخرى أنه تزوجها ولده الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، فما معنى هذا الاضطراب ؟
إذن فخبر زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف مضطرب أشد الاضطراب ، فمرة أنها تزوجته بعد أن ولته نفسها ، ومرة لم يدخل بها ، وأخرى رفضته كونه غير كفء لها ، وتارة أنها تزوجت من ولده الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وهذا الاضطراب يؤكد عدم وقوع الحادثة لتناقضاتها الواضحة واضطرابها البين.
ثالثا: أن خبر زواجها من زيد بن عمرو بن عثمان ثم طلاقها من قبل سليمان بن عبدالملك أمر يثير السخرية ، فهو يصور السيدة آمنة بأنها امرأة خرقاء ، ترتكب أعمالا لا يقدم عليها إلا الأحمق ، فما معنى خروجها إلى
____________
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر ، تراجم النساء : 158 .
--------------------------------------------------------------------------------
مكة ثم عودتها إلى المدينة ثم خروجها إلى مكة ، وهكذا لا يقر لها قرار ، حتى إن ذلك أثار حفيظة الخليفة الأموي فأمر العثماني بطلاقها ؟!
قال الاصفهاني : بعد طلاق سكينة من الأصبغ المرواني فخلف عليها العثماني ، وشرطت عليه ألا يطلقها ولا يمنعها شيئا تريده ، وأن يقيمها حيث خلتها أم منظور ، ولا يخالفها في أمر تريده ، فكانت تقول له : يا بن عثمان أخرج بنا إلى مكة ، فإذا خرج بها فسارت يوما أو يومين قالت : ارجع بنا إلى المدينة ، فإذا رجع يومه ذاك قالت : أخرج بنا إلى مكة ، فقال له سليمان بن عبدالملك : اعلم أنك قد شرطت لها شروطا لم تف بها فطلقها فطلقها(1).
وهذا التصرف الأهوج الذي صوره الخبر لا ينسجم مع امرأة سوية عاقلة ، بل هو يحكي عن تصرفات امرأة حمقاء لا هم لها إلا الخروج من المدينة ، ثم عودتها إليها ، ثم خروجها منها ، وهكذا دون طائل ، فكيف يمكننا قبول مثل هذا الهوس وحكايات الحمقى لامرأة توصف بأنها من عقائل قريش ؟! مما يعني أن خبر الزواج أمر موضوع يراد منه المس بكرامة هذا البيت العلوي الطاهر.
رابعا: ومن القرائن المهمة على بطلان الخبر ، أن راويه هو أشعب ، وأشعب هذا متروك الحديث ضعيف ، يتعاطى الغناء واللهو ، ويكذب من أجل إضحاك الآخرين .
قال الأزدي : لا يكتب حديثه ، ونقل ابن حجر عنه في لسان الميزان أنه قال : أخذت الغناء عن معبد(2).
____________
(1) الأغاني 162:16 ، 163.
(2) لسان الميزان 503:1.
--------------------------------------------------------------------------------
هذا هو أشعب ، فهو ليس راوية ولا يؤخذ عنه ، بل عمد إلى التهريج واللهو ، وتكسب على موائد الخلفاء فأضحكهم دون تحرج في ارتكاب ما يخالف الشريعة من الكذب والتزوير ، وهذه إحدى مفترياته متقربا بذلك الى بني امية ، ومحاولاً تصوير التقارب بينهم وبين آل عليّ عليه السلام بهذه المصاهرة الكاذبة ، ومن جهة أخرى محاولا الإساءة إلى آل البيت عليهم السلام إرضاء لنزعة الأمويين في تزوير الحقائق وانتقاصهم عليهم السلام.
هذه القرائن تؤكد دون أدنى شك على عدم وقوع الزواج من إبراهيم ابن عبدالرحمن بن عوف ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، فهي محض اختلاق وتزوير.
سادسا : عبدالله بن الحسن السبط
وهو المذكور في قائمة واحدة ، وهي قائمة أبي الفرج الإصفهاني فقط ، أما بقية القوائم فلم تذكره.
وانفراد أبو الفرج الإصفهاني في ذكر عبدالله بن الحسن من أزواج السيدة آمنة يفيدنا قرينة مهمة في صحة الزواج دون غيره ، فإن أبا الفرج الإصفهاني في صدد ذكر أزواج السيدة آمنة ، وذلك لتوجهاته في متابعة
أنساب آل أبي طالب ، ونزعته في دراسة الأنساب ـ مع ما تلاحظ عليه من المؤاخذات في هذا المجال ـ فهو حينما يذكر أزواج السيدة آمنة ، يأخذ بنظر الاعتبار تعداد أزواجها بغض النظر عن مدة مكوثه معها وإقامته .
أما غير أبي الفرج الإصفهاني فإنهم يأخذون بالاعتبار أحوال أزواج «آمنة» سكينة بنت الحسين ، وما صاحب ذلك من وقائع وسير وملاحم وتراجم أزواجها ، وليس من اهتمامهم تعداد أزواجها بقدر ما يحاولون ذكر أحوالهم وتراجمهم وما وقع لها معهم ، وهو كما عرفت تأكيد لنزعتهم في متابعة مغامرات الغزل والتشبيب ، وملاحم العبث ومجالس اللهو والغناء ، دون الاهتمام في معرفة أنساب المترجم لهم ، بقدر اهتمامهم في التفكه بما وقع لهؤلاء واستملاح قصصهم ومغامراتهم ، وفي الوقت نفسه إمعانا في نزعة هؤلاء من أتباع توجهات أسيادهم من زبيريين ومروانيين ، وطرح ما يصبو إليه هؤلاء من الانتقاص بمقام أهل البيت الطاهر عليهم السلام ورمي ما «أصيبوا» به غيرهم.
ويؤيد زواجها من عبدالله بن الحسن ، ما ذهب إليه أكثر مؤرخي الفريقين وجعلوه من المسلمات الثابتة ومن هؤلاء :
1ـ أبو علي الطبرسي في «إعلام الورى»(1).
2ـ أبو الحسن العمري في كتاب «المجدي في أنساب الطالبيين»(2).
3ـ السيد محسن الأمين العاملي في« أعيان الشيعة»(3).
____________
(1) اعلام الورى :127.
(2) المجدي في أنساب الطالبيين : 19 في باب أولاد الحسن بن علي عليهما السلام ، وعنه مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبدالرزاق المقرم :264.
(3) أعيان الشيعة 343:5.
4ـ الشيخ عباس القمي في «منتهى الآمال»(1).
5ـ السيد عبدالرزاق المقرم في «سكينة بنت الحسين عليهما السلام» وفي «مقتل الحسين عليه السلام»(2).
6ـ الشيخ محمد الصبان في « إسعاف الراغبين»(3).
7ـ أبو الفرج الإصفهاني في «الأغاني»(4).
8ـ المدائني في « المترادفات»(5).
هذا هو اتفاق أهل النسب والتاريخ ، من أن زوج السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام هو «عبدالله بن الحسن» الأكبر وهو الذي استشهد في واقعة الطف ، أمه رملة ، وهي أم القاسم بن الحسن عليه السلام.
على أن عبد الله بن الحسن هذا هو غير عبدالله بن الحسن الأصغر ، الذي لم يبلغ الحلم ، استشهد وله إحدى عشرة سنة.
قال السيد المقرم في شهادة عبدالله الأصغر : ... فنظر عبدالله بن الحسن السبط عليه السلام وله إحدى عشرة سنة إلى عمه ، وقد أحدق به القوم فأقبل يشتد نحو عمه ، وأرادت زينب حبسه فأفلت منها ، وجاء إلى عمه وأهوى بحر بن كعب ليضرب الحسين فصاح الغلام : يا ابن الخبيثة أتضرب عمي ؟ فضربه واتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة ، فصاح الغلام : يا عماه ! ووقع في حجر الحسين فضمه إليه ، وقال : يا ابن أخي اصبر على ما
____________
(1) منتهى الآمال 683:1 كما حكاه عن بعض مشجرات الأنساب.
(2) سكينة بنت الحسين :110 ، ومقتل الحسين عليه السلام :264.
(3) إسعاف الراغبين على هامش نور الأبصار :202.
(4) الأغاني 158:16و 160و162.
(5) المترادفات :64.
--------------------------------------------------------------------------------
نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله تعالى يلحقك بآبائك الصالحين... ورمى الغلام حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه(1).
والنتيجة: فعبدالله بن الحسن اثنان : أحدهما عبدالله الأكبر الملقب بأبي بكر وهو زوج السيدة آمنة بنت الحسين ، والثاني هو عبدالله الأصغر الذي لم يبلغ الحلم.
إذن عبدالله بن الحسن الأكبر هو زوج السيدة آمنة لم يعقب ، كما أنها لم تتزوج بعده فبقيت عليها السلام دون زواج حتى ماتت ـ رضوان الله عليها ـ في سنة (117هـ) في المدينة ، وهذا خلاف ما اختلقه بعضهم من تعدد أزواجها عليها السلام . ولا غرابة في أن السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام لم تتزوج بعد شهادة زوجها عبدالله بن الحسن السبط ، فكان هذا ديدن البعض من نساء أهل الشرف ، والمنسوبات للبيوتات المعروفة وقتذاك ، فأمها الرباب لم تتزوج بعد الحسين عليه السلام ، ورفضت أن تستجيب لخاطب من الخطاب ، وهذه نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بن عفان لما قتل زوجها رفضت خطبة معاوية كما ذكر ذلك ابن عبد ربه الأندلسي ، بل زاد في خبرها أنها قالت : إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب ، وقد خفت أن يبلى حزن عثمان في قلبي ، فدعت بفهر(2) فهشمت فاها وقالت : والله لا قعد مني رجل مقعد عثمان أبدا(3).
وقال بعضهم : إنها جدعت أنفها مخافة أن يخطبها خاطب ، فما
____________
(1) مقتل الحسين للسيد المقرم :280.
(2) الفهر ، والفهرة : حجر رقيق تسحق به الأدوية.
(3) العقد الفريد لا بن عبد ربه 174 :3 . وفي طبعة دارالكتاب بتحقيق الأبياري ورفقائه :242 .
--------------------------------------------------------------------------------

حسبك بمن رأت مصارع أهلها مجزرين على أرض كربلاء ؟ فالسيدة آمنة عليها السلام عاشت مأساة المجزرة الدامية التي نالت أباها الحسين عليه السلام وأخوتها ، خصوصا ما حدث لأخيها الرضيع عبدالله ، وزوجها عبدالله بن الحسن وأبناء عمومتها ، وما شاهدته من الأسر والسبي حيث يساقون هي وأهلها العقائل من بلد إلى بلد .
حزن الفاطميات
ومن السذاجة أن يتغافل هؤلاء المؤرخون الحمقى عن قضية لا يمكن إلغاؤها عن الواقع ، وهي فداحة الفاجعة التي أصابت آل البيت عليهم السلام في كربلاء ، وقد حضر المأساة وشاهد فصولها كاملة نساء آل علي عليه السلام ، وما تركته هذه الأحداث في نفوسهن الطاهرة من الحزن والبكاء الدائم على شهداء الواقعة ، وما عانينهن من ذل الأسر وسبيهن ووقوفهن في مجالس أعدائهن ، ومساءلتهن بشماتة ألغت معها كل معايير الشريعة ، وما تعارف عند المسلمين من كرامة أهل هذا البيت عليهم السلام واحتشامه ، فهل يبقى بعد ذلك احتمال لعاقل وغيور أن يقبل قصص تعدد الأزواج ، وحياة اللهو التي تمارسها السيدة آمنة كما صورها هؤلاء السذج ؟ بغض النظر عن الموانع الدينية التي عرف بها أهل هذا البيت رجالاً ونساءً . فإن الحالة النفسية التي يعيشها الفرد منهم يستحيل قبول سلوك مثل هذه الحياة العبثية ، والانتقال بين أحضان الأزواج ، من زبيريين إلى مروانيين وأمويين ، ولو كانت أكذوبة تعدد الأزواج قد صورتها هذه الأخبار الموضوعة أنهم من بني هاشم ، أمكن تصديقها لتوفر الكفاءة الدينية ، ومن ثم العرفية في هكذا زواج ، فما حسبك وهؤلاء الأزواج من أعداء أهل البيت عليهم السلام ؟
على أن الإمام الصادق عليه السلام صور حزن الفاطميات بقوله : «ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ، ولا رؤي الدخان في بيت هاشمي خمس حجج إلى أن قتل عبيدالله بن زياد» (1) .
بل إن السيدة آمنة عليها السلام حينما وصلت المسجد النبوي في المدينة صاحت : يا جداه إليك المشتكى مما جرى علينا ، فوالله ما رأيت أقسى من يزيد ، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرا منه ولا أجفى وأغلظ ، فلقد كان يقرع ثغر أبي بمخصرته وهو يقول : كيف رأيت الضرب يا حسين(2) .
هكذا عبرت السيدة آمنة عن لوعتها وتفجعها للمصاب ، فكيف تنسى بعد ذلك وترتكب حياة تعدد الأزواج ؟!
والسيدة الرباب أمها بكت على أبي عبدالله حتى جفت دموعها ، فأعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة ، فأمرت أن يصنع لها السويق لاستدرار الدموع(3) .
والإمام زين العابدين عليه السلام يدعو إلى الحزن على أبي عبدالله عليه السلام ويتعجب ممن لا يحزن من أجله ، ولا يبكي على مأساة ، فقال في خطبته حين وصول المدينة بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال :
« أيها القوم ، إن الله تعالى وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبدالله الحسين عليه السلام وعترته ، وسبيت نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية .
أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله ؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ؟ أم أية
____________
(1) مقتل الحسين للقرم :376 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق .
--------------------------------------------------------------------------------
عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون .
أيها الناس ، أي قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه ؟ أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمة في الإسلام ولا يصم ؟ أيها الناس ، أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الأمصار كأننا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكابناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين أن هذا إلا اختلاق ، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم اليهم الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأفجعها وأكظها وأفظها وأمرها وأفدحها ، فعند الله نحتسب ما أصابنا ، وما بلغ بنا ، فإنه عزيز ذو انتقام» (1) .
هذه هي وصية الإمام عليه السلام لشيعته بملازمة الحزن وتجدده عند ذكر سيد الشهداء عليه السلام ، وما ينبغي لهم ، فكيف بحال أخته الطاهرة السيدة آمنة عليها السلام وغيرهن من الفاطميات ؟!

محاولة تشويه الحقائق إذن
إذا عرفنا أحزان أهل البيت عليهم السلام وتفجعهم من وقع المأساة ، علمنا أن حزنهم هذا إدانة للأمويين ولمن نحى منحاهم ، والحزن الدائم الذي رفعه أهل البيت عليهم السلام شعارا لمظلوميتهم ، حاول أعداؤهم مسخه وتغييره إلى حالات من التوافق والانسجام بينهم وبين أعدائهم ، بل إلغاء أحزانهم عليهم السلام وإحالتها إلى قضية وقتية ، شعر بها أهل البيت عليهم السلام بالانقباض إبان واقعة الطف ، وانتهى الأمر بنسيانها وإسدال ستار العلاقات الطيبة بين أهل
____________
(1) مقتل الحسين عليه السلام للمقرم :374 .
-------------------------------------------------------------------------------

البيت عليهم السلام وبين الأمويين ، وأن المسألة لم تكن كما تصورها شيعتهم ، بل هي لا تعدو عن منازعة على سلطان انتهت بغلبة أحدهما وإعادة التفاهم بين الطرفين ، وجعلوا دلالة ذلك علاقات الزواج بين السيدة «آمنة» سكينة وبين أزواجها الزبيريين والأمويين ، وبذلك شطبوا على كل الأحداث التي مرت ، من خلال تحسين العلاقات بين الطرفين ، إضافة إلى إلغاء طابع المأساة الذي طبع به أهل البيت عليهم السلام حياتهم ، احتجاجا على ظالميهم .
في حين أن السيدة آمنة تبدو خلاف ذلك ، فهي في سعةٍ من العيش ، تمارس حياة طبيعية لا تشوبها ذكريات الطف . هذا حال المرأة التي من شأنها أن تستذكر أبدا أحزانها وتستعيد آلامها ، تعيش حياتها الطبيعية ، فكيف برجالهم ؟ فهم أولى بممارسة الحياة الطبيعية ، وإقامة العلاقات الطيبة بينهم وبين الأمويين والزبيريين ، وما هذا التباعد بين الطرفين إلا تخيلات الذين يحاولون تصوير عدم الرضا والتفاهم بين الطرفين .
هكذا سعى وضاع أخبار السيدة «آمنة» سكينة عليها السلام إلى إلغاء حالات التظلم التي اظهرها أهل البيت عليهم السلام إدانة لأعدائهم ، وكشفا عن مظلوميتهم النابعة عن إبعادهم عليهم السلام عن حقوقهم ، واستيلاء أعدائهم على مقاماتهم التي رتبها الله لهم ، فإذا ارتكزت أخبار زواج السيدة سكينة من تشكيلات أموية وزبيرية ، وإظهار حياتها مظهر اللهو والعبث ، فمتى يبقى بحال لقداسة مظلومية أهل البيت وسمو مقامهم في الأذهان ، إذا ما انفتح القارئ عل رؤية جديدة تحاول تطبيع العلاقات بين بيتين لم يتوافقا ؟ اختلفا في الله وافترقا في الله ، أي لا يزال أهل البيت عليهم السلام لم يتفقوا مع أطروحة أعدائهم ، مهما حاول الوضاع تصوير العلاقة بين الفريقين إلى حالة طبيعية منسجمة .
وحينما تزور الحقائق ...
يصل الأمر بهؤلاء الوضاعين أن يرووا روايات تخالف العقل والوجدان ، إمعانا منهم في الطعن بكرامة أهل البيت عليهم السلام والوصول إلى أهدافهم وغاياتهم .
فقد روى الإصفهاني عن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن الهيثم بن عدي ، عن صالح بن حسان وغيره : أن سكينة كانت عند عمرو بن حكيم بن حزام ، ثم تزوجها بعده زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، ثم تزوجها مصعب بن الزبير ، فلما قتل مصعب خطبها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فبعثت إليه : أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخطبها ؟ فامسك عن ذلك .
قال : ثم تنفست يوما بنانة جارية سكينة وتنهدت ، حتى كادت أضلاعها تتحطم ، فقالت لها سكينة : ما لك ويلك ! قالت : أحب أن أرى في الدار جلبة ـ تعني العرس .
فدعت مولى لها تثق به ، فقالت له : إذهب إلى إبراهيم بن عبدالرحمن ابن عوف فقل له : إن الذي كنا ندفعك عنه قد بدا لنا فيه ، أنت من أخوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاحضر بيتك .
قال : فجمع عدة من بني زهرة ، وأفناء قريش من بني جمح وغيرهم ، نحوا من سبعين رجلا أو ثمانين ، ثم أرسل إلى علي بن الحسين ، والحسن ابن الحسن وغيرهم من بني هاشم . فلما أتاهم الخبر اجتمعوا وقالوا : هذه السفيهة تريد أن تتزوج إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، فتنادى بنوهاشم واجتمعوا وقالوا : لا يخرجن أحد منكم إلا ومعه عصا ، فجاؤوا وما بقي إلا
الكلام ، فقال : اضربوا بالعصي ، فاضطربوا هم وبنو زهرة ، حتى تشاجوا ، فشج بينهم يومئذ أكثر من مئة إنسان ، ثم قالت بنو هاشم : أين هذه ؟ قالوا : في هذا البيت ، فدخلوا إليها فقالوا : أبلغ هذا من صنعك ؟ ثم جاؤوا بكساء فبسطوه ثم حملوها ، فأخذوا بجوانبه ـ أو قال : بزواياه الأربع ـ فالتفتت إلى بنانة فقالت : يا بنانة أرأيت في الدار جلبة ؟ قالت : أي والله إلا أنها شديدة(1) .
هكذا يروي هؤلاء أساطير دون وازع من دين ، ولا رادع من عقل .
الخلاصة
وخلاصة بحثنا أن السيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام اسمها «آمنة» ، وسكينة لقب لقبت به ، وكل ما قيل من شعر في سكينة فهي ليست سكينة بنت الحسين التي هي آمنة ، بل هناك سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، التي كانت معروفة بملاقاتها واجتماعها مع عمر بن أبي ربيعة الشاعر ، الذي تغزل بها وشبب بغيرها ، أمثال عائشة بنت طلحة بن عبيد الله زوجة مصعب ابن الزبير ، وسعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ، وبأم البنين بنت عبدالعزيز ابن مروان زوجة الوليد بن عبدالملك ، وغيرهن من النساء الأمويات والمروانيات ، وكانت سيرتهن مجالسة شعراء عصرهن وقتذاك ، ومسامرتهن لهم وتحرشهن بهم ، حتى عرفت فيهن ملاحم اللهو والعبث ، وهذا لعمري إحدى الانتقاصات التي وجهتها المعارضة العلوية الشيعية ، التي كانت تنظم بين الحين والآخر ضد النظام الأموي ، وما ماثلته من حركات زبيرية وأطروحات مخالفة لأهل البيت عليهم السلام ، وكانت هذه المعارضة تستعرض الانتهاكات الشرعية التي كانت ترتكبها هذه الأنظمة ، وما صاحبها
____________
(1) الأغاني 16 :161 .
--------------------------------------------------------------------------------
من حياة عابثة على مستوى نساء هذه التكتلات ، التي لا تقيم وزنا للمحاذير الشرعية وهي ترفع شعار الخلافة الإسلامية ، فهي لم تبق حرمة إلا انتهكتها ، ولا محذور إلا مارسته .
وبالمقابل تجد أهل البيت عليهم السلام لا يزالون يمثلون الخلافة الإلهية حقا ، بالرغم من إبعادهم عن ممارسة مهامهم ، وإقصائهم عن مناصبهم . فالأمة كلما نظرت إلى هؤلاء وأولئك تجد الفرق واضحا ، فهؤلاء أهل بيت الوحي ، ومعدن النبوة ، ومختلف الملائكة ، وأهل التقوى والورع . وأولئك الأمويون وغيرهم يرتكبون كل ما حرم الله .
أما قضية تعدد الأزواج ، فهي إساءة أخرى لهذا البيت الأقدس ، فضلا عما حاوله هؤلاء من التقريب بين آل علي عليه السلام وبين أعدائهم ، وإلغاء العداء التقليدي بينهم وبين مخالفيهم ، والحال أن أخبار الزواج بعد مناقشتها لم تصمد عدا ما ذكر من أن السيدة آمنة بنت الحسين تزوجت من عبدالله بن الحسن السبط الذي استشهد في واقعة الطف ، ولم تتزوج بعده حتى ماتت رضوان الله عليها من عفيفة الطالبيين ، وعقيلة القرشيين .
إنها آمنة بنت الحسين بن علي عليهم السلام ، وحسبك بذلك فخرا وشرفا وعزا ، وأحبط الله محاولات الظالمين الذين أرادوا تشويه تاريخ أهل البيت عليهم السلام ؛ ليضيفوا إلى مظلومياتهم ، مظلومية أخرى ، والله من ورائهم محيط . وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون ، والعاقبة للمتقين . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .


-------------------------------------------------------------------------------


ثبت المصادر
1ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد :
أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت/413هـ) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم ، الطبعة الأولى 1413هـ .
2ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة :
أبو الحسن علي بن محمد عزالدين ابن الأثير الجزري (ت/630هـ) ، تحقيق محمد إبراهيم البنا ، ومحمد أحمد عاشور ، ومحمود عبدالوهاب ، دار الشعب ـ القاهرة 1970م .
3ـ إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين :
أبو العرفان محمد بن علي الصبان المصري (ت/1206هـ) ، المطبوع بهامش نور الأبصار للشبلنجي ، دار الكتب العلمية ، و دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، بدون تاريخ .
4ـ الإصابة في تمييز الصحابة :
أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني (ت/856هـ) ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، بدون تاريخ ، أفست على الطبعة الأولى لسنة 1328 هـ .
5ـ أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام :
عمر رضا كحالة (ت/ 1987م) ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، الطبعة العاشرة 1412هـ/1991م .

--------------------------------------------------------------------------------
6ـ إعلام الورى بأعلام الهدى :
أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت/548) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري ، دار المعرفة ـ بيروت 1399هـ/ 1979م .
7ـ أعيان الشيعة :
السيد أبو محمد باقر محسن بن عبدالكريم بن علي الأمين العاملي الشقرائي (ت/1371هـ ـ 1952م) ، تحقيق : حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت 1402هـ/1983م .
8ـ الأغاني :
أبو الفرج علي بن الحسين الإصفهاني القرشي الأموي (ت/ 356هـ) ، تحقيق : الأستاذ عبد علي مهنا ، والأستاذ سمير جابر ، دار الفكرـ بيروت ، الطبعة الأولى 1407هـ/1986م .
9ـ الأمالي :
أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (ت/356هـ) ، تصحيح محمد عبدالجواد الأصمعي بدار الكتب المصرية ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، أفست على طبعة دار الكتب المصرية ـ القاهرة ، وكتب في نهاية الكتاب كان الفراغ من تصحيحه في 1344هـ/1926م .
10ـ الإمامة والسياسة :
أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت/276هـ) ، تحقيق : طه محمد الزيني ، مؤسسة الحلبي وشركاءه للنشر والتوزيع ـ القاهرة 1378هـ/1967م .
11ـ بحارالأنوار :
محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت/1111هـ) ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الثالثة 1403هـ/1983م .
12ـ البداية والنهاية :
أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت/774هـ) ، تحقيق : مكتب تحقيق التراث في دار إحياء التراث العربي ، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت 1413هـ/1993م .
--------------------------------------------------------------------------------
13ـ بلاغت النساء :
أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور (ت/280هـ) ، طبعة الشريف الرضي ـ قم ، بدون تاريخ ، أفست على طبعة دار النهضة الحديثة .
14ـ تاريخ آداب اللغة العربية :
جرجي زيدان (ت/1914م) ، منشورات دار ومكتبة الحياة ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1978م .
15ـ تاريخ ابن خلدون :
أبو زيد عبدالرحمن بن محمد ابن خلدون الحضرمي الإشبيلي (ت/808هـ) ، تحقيق : خليل شحادة ومراجعة سهيل زكار ، دارالفكر ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1408هـ/1988م .
16ـ تاريخ الطبري(وهو تاريخ الأمم والملوك) :
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت/310هـ) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار التراث ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1387هـ/1967م .
17ـ تاريخ مدينة دمشق/ تراجم النساء :
أبو القاسم علي بن الحسن ابن عساكر الشافعي الدمشقي (ت/571هـ) ، تحقيق : سكينة الشهابي ، دار الفكر ـ دمشق 1402هـ/1981م .
18ـ تاريخ اليعقوبي :
أحمد بن إسحاق بن جعفر اليعقوبي (ت/بعد292هـ) ، دار صادر ـ بيروت ، بدون تاريخ .
19ـ تذكرة الخواص :
أبو المظفر : يوسف بن عبدالله شمس الدين قزأ وغلي سبط ابن الجوزي الحنفي (ت/654هـ) ، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم ، مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران ، بدون تاريخ .
20ـ تراجم أعلام النساء :
محمد حسين الأعلمي الحائري (ت/1391هـ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1407هـ/1987م .
--------------------------------------------------------------------------------
21ـ ترجمة الإمام الحسين بن علي عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق :
أبو القاسم علي بن الحسن ابن عساكر الشافعي الدمشقي (ت/571هـ) ، تحقيق : محمد باقر المحمودي ، مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1398هـ/1978م .
22ـ تقريب التهذيب :
أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني (ت/852هـ) ، تحقيق : عبدالوهاب عبداللطيف ، دار المعرفة ـ بيروت 1380هـ .
23ـ تهذيب التهذيب :
أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني (ت/852هـ) ، تحقيق : محمد شريف الدين ، وأبو الحسن ، دارالفكر ـ بيروت 1404هـ/1984م .
24ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال :
أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبدالرحمن المزي (ت/742هـ) ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، الطبعة الرابعة 1406هـ/1985م .
25ـ الجامع الصحيح (وهو سنن الترمذي) :
أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت/279هـ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر للجزأين الأول والثاني ، ومحمد فؤاد عبدالباقي للجزء الثالث ، وإبراهيم عطوه عوض للجزأين الرابع والخامس ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الأولى بين سنة 1357هـ/1938م ـ 1381هـ/1962م .
26ـ الخصال :
أبو جعفر محمد بن علي ابن بابويه القمي (ت/1381هـ) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري ، مركز النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين بالحوزة العلمية ـ قم ، الطبعة الأولى 1403هـ .
27ـ ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى :
أبو العباس محب الدين الطبري أحمد بن عبدالله بن محمد (ت/694هـ) ، دار المعرفة ـ بيروت ، أفست على طبعة مطبعة القدسي ، ومطبعة السعادة ـ القاهرة ، بدون تاريخ .
--------------------------------------------------------------------------------
28ـ السيدة سكينة :
عبدالرزاق بن محمد بن عباس الموسوي المقرم (ت/ 1391هـ) ، طبعة في 124 صفحة مع الفهرس وإصلاح الأخطاء ، بدون تاريخ ولا أي معلومة .
29ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب :
أبو الفلاح عبدالحي بن أحمد شهاب الدين ابن العماد الحنبلي الدمشقي (ت/1089هـ) ، تحقيق : محمود الأرناؤوط ، دار ابن كثيرـ دمشق ، الطبعة الأولى 1406هـ/1986م . 30ـ صفة الصفوة :
أبو الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت/597هـ) ، تحقيق : محمود فاخوري ، دار المعرفة ـ بيروت ، الطبعة الرابعة 1406هـ/1986م .
31ـ الطبقات الكبرى :
أبو عبدالله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (ت/230هـ) ، تحقيق : إحسان عباس ، دار بيروت للطباعة والنشرـ بيروت 1405هـ/1985م ، أفست على طبعة دار صادر .
32ـ العقد الفريد :
أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت/328هـ) ، تحقيق أحمد أمين ، وأحمد الزين ، وإبراهيم الأبياري ، دار الكتاب العربي ـ بيروت 1406هـ/1986م .
33ـ الفهرست :
أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد النديم (ت/380هـ) ، تحقيق : رضا تجدد بن علي الحائري المازندراني ، مطبعة المروي ـ طهران ، الطبعة الأولى 1391هـ/1971م .
34ـ الكامل في التاريخ :
أبو الحسن عز الدين علي بن محمد الشيباني ابن الأثير الجزري (ت/630هـ) ، تحقيق : المستشرق كارلوس يوهنس تورنبرغ مع فريق من العلماء ، وإضافات لدار صادر ، دار صادرـ بيروت 1402هـ/1982م .
35ـ الكامل في ضعفاء الرجال :
أبو أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني (ت/365هـ) ، تحقيق : الدكتور سهيل زكار ومراجعة يحيى مختار غزاوي ، دار الفكرـ بيروت ، الطبعة الثالثة 1409هـ/1988م .
--------------------------------------------------------------------------------
36ـ لسان الميزان :
أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني (ت/852هـ) ، دار الفكرـ بيروت ، الطبعة الأولى 1408هـ/1988م .
37ـ المجدي في أنساب الطالبيين :
أبو الحسن علي بن محمد بن علي نجم الدين العمري النسابة (كان حيا بعد : 443هـ) ، تحقيق : الدكتور أحمد المهدوي الدامغان ، مطبعة سيد الشهداء ـ قم ، الطبعة الأولى 1409هـ .
38ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :
أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت/807هـ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1408هـ/1988م .
39ـ مرآة الجنان وغبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان :
أبو محمد عبدالله بن أسعد بن علي اليافعي اليمني المكي ( ت/768هـ) ، دار الكتاب الإسلامي ـ القاهرة ، الطبعة الثانية 1413هـ/1993م .
40ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر :
أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت/346هـ) ، تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد ، دار الفكرـ بيروت ، الطبعة الخامسة 1393هـ/1973م .
41ـ المستدرك على الصحيحين :
أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري (ت/405هـ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1411هـ/1990م .
42ـ المعارف :
أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت/276هـ) ، تحقيق : الدكتور ثروت عكاشة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ، الطبعة السادسة 1992م .
43ـ المعجم الأوسط :
أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت/276هـ) ، تحقيق : الدكتور محمد الطحان ، مكتبة المعارف ـ الرياض ، الطبعة الأولى 1405هـ/1985م .
--------------------------------------------------------------------------------
44ـ المعجم الكبير :
أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت/360هـ) ، تحقيق : حمدي عبدالمجيد السلفي ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1404هـ/1984م .
45ـ المغني في الضعفاء :
أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان شمس الدين الذهبي ( ت/748هـ) ، تحقيق : أبو الزهراء حازم القاضي ، دارالكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1418هـ/1997م .
46ـ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة :
محمد جواد الحسيني العاملي (ت/1228هـ) ، دارإحياء التراث العربي ـ بيروت ، أفست على طبعة المطبعة الرضوية ـ القاهرة لسنة 1324هـ .
47ـ مقاتل الطالبيين :
أبو الفرج علي بن الحسين الإصفهاني القرشي الأموي (ت/356هـ) ، تحقيق : أحمد صقر ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ، الطبعة الثانية 1408هـ/1987م .
48ـ مقتل الحسين :
ابو المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم (ت/568هـ) ، تحقيق : الشيخ محمد السماوي ، منشورات مكتبة المفيد ـ قم ، أفست على طبعة النجف 1367هـ .
49ـ مقتل الحسين :
عبدالرزاق بن محمد بن عباس الموسوي المقرم ( ت/1391هـ) ، نشر قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ـ طهران ، بدون تاريخ .
50ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم :
ابو الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت/1391هـ) ، تحقيق : محمد عبدالقادر عطا ، ومصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1412هـ/1992م .
51ـ منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل :
عباس بن محمد رضا النجفي القمي (ت/1359هـ) ، تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم ، مطبعة المؤسسة ، الطبعة الثانية 1416هـ .
--------------------------------------------------------------------------------
52ـ ميزان الاعتدال :
أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان شمس الدين الذهبي (ت/748هـ) ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، دار الفكر ـ بيروت ، أرخ مقدمة التحقيق في مصر الجديدة ـ القاهرة 1382هـ/1963م .
53ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة :
أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي (ت/874هـ) ، تحقيق : المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ـ القاهرة 1383هـ/1963م .
54ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة :
محمد بن الحسن الحر العاملي (ت/1104هـ) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم ، الطبعة الأولى 1409هـ .
55ـ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان :
أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت/681هـ) ، تحقيق : الدكتور إحسان عباس ، دار الثقافة ـ بيروت 1970م ، أفست على طبعة دار صادر .

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشخصيات الإسلامية“